مؤلف كتاب (صناعة الشاهد الشعري عند ابن مالك الأندلسي) والمبالغة في اتهام ابن مالك بالكذب

عبدالرحمن الشهري

المشرف العام
إنضم
29/03/2003
المشاركات
19,318
مستوى التفاعل
127
النقاط
63
الإقامة
الرياض
الموقع الالكتروني
www.amshehri.com
01.png

اطلعتُ على كتاب صدر حديثاً بعنوان (صناعة الشاهد الشعري عند ابن مالك الأندلسي) للدكتور نعيم سلمان البدري.

1534.jpg


بالغ فيه في الحطِّ على ابن مالك ، واتهامه بالكذب واختلاق الشواهد الشعرية، ونسبتها كذباً لشعراء العرب الذين يُحتجُّ بشعرهم، والدليل الوحيد الذي أكثر من الاستناد إليه المؤلف هو أَنَّهُ لم يجد من ذكر هذا الشاهد قبل ابن مالك. وهذه مسألة ذكرها المترجمون والمعاصرون لابن مالك ولم تكن قادحاً في صدقه وعلمه ، بل أثنوا عليه ونقلوا عنه ، وكان معروفاً بسعة روايته للشعر حتى بالغ بعضهم فوصفه بأنه يحفظ شعر العرب كله .
وقد أحببت التنويه بهذا البحث لعل معنياً بالنحو يلتفت إليه ، فالكتاب بحاجة إلى قراءةٍ متأنيةٍ للوقوف على أدلة الباحث، والتأمل في حقيقة هذه الدعوى ، علماً أنه ذكر أن تلك الشواهد المصنوعة - كما زعم - يوجد بدائل صحيحة لها .
 
عجيب أمر هذا الكتاب والله!
وقبل أن نردّ الحجّة بالحجّة, ونقبل ما صحّ منها؛ فإن اتهام هذا الكاتب ابن مالك بالكذب أمرٌ جلل, والمطلوب من أيّ كاتب أولاً أن يحسن الظنّ في علم كابن مالك, فهو وإن كان عَلمًا في اللغة ونحوها وصرفها؛ إلا أنه لم يكن خلوًا من العلوم الأخرى, بل كان إماما مجتهدًا في اللغة, بله تمكنّه في علم القراءات, إضافة إلى ما ذكر عنه من حبّه للحديث وأهله, وخير نُسخ صحيح البخاري الموجودة على هذه البسيطة, هي نسخة اليونينيّ التي بعدما قابلها, قرأها على ابن مالك, فكان شيخًا له في الحديث, وكان ابن مالك شيخًا له في علوم اللغة.
وإن أشدّ القوم عداوة له -فيما ظهر- من معاصريه كما تعلمون: أبو حيّان, وكثيرًا ما كان يتعقّب ابن مالك, ويردّ عليه, ويعرّض به, إلا أنه كثيرًا ما كان يشيد بالناظم, ويمدحه في طيّات كتبه, والحقّ ما شهدت به الأعداءُ.
بل قيّض الله للدفاع عنه السمّين الحلبيّ أبرّ تلاميذ أبي حيّان, وكان يردّ تحامل شيخه بلطف, ويبين رجاحة عقل ابن مالك!
- وما انتشار خلاصته إلا دليلٌ وبشرى من الله له, وكان في شروحه لا يعدل عن الاستشهاد بالقرآن إن وجد منه شاهدًا على مسألته, وإن لم يجد فبالسنّة الغرّاء, وإلا عرّج على الشعر..
مما جعل أبا حيان يختلق قضيّة الاحتجاج بالشعر في اللغة, وإثارتها, بعد أن لم تكن!
وتلك قصّة طويلة, وقبل أن أقرأ للكاتب هذا, وأقبل قوله إن كان صوابًا وددت أن أقرع بعض الآذان النائمة, التي تحطّ من قدر هذا الجهبذ, ويصدق والله قول أبي الحسن عليّ الجرجانيّ في طليعة وساطته: ((التفاضل - أطال الله بقاءك - داعيةُ التنافس؛ والتنافسُ سبب التحاسد؛ وأهل النقص رجلان: رجل أتاه التقصيرُ من قبَله، وقعَد به عن الكمال اختيارُه، فهو يساهم الفضلاءَ بطبعه، ويحنو على الفضل بقدر سهمهِ؛ وآخرُ رأى النقص ممتزجاً بخِلقَته، ومؤثّلاً في تركيب فطرته، فاستشْعر اليأس من زواله، وقصُرتْ به الهمةُ عن انتقاله؛ فلجأ الى حسَد الأفاضل، واستغاث بانتقاص الأماثل؛ يرى أن أبلغَ الأمور في جبر نقيصته، وستْر ما كشفه العجزُ عن عورته اجتذابُهم الى مُشاركته، ووسمُهم بمثل سِمَتِه، وقد قيل:
وإذا أرادَ اللهُ نشْرَ فضيلةٍ ... طُوِيَت أتاحَ لها لِسانَ حسودِ​
صدق والله وأحسن! كم من فضيلة لو لم تستَتِرْها المحاسد لم تبرحْ في الصدور كامنة، ومنقبةٍ لو لم تُزْعِجْها المنافسة لبقيت على حالها ساكنة! لكنها برزتْ فتناولتْها ألسنُ الحسَّد تجلوها، وهي تظن أنها تمحوها، وتشهَرُها وهي تحاول أن تستُرَها؛ حتى عثَر بها مَن يعرف حقها، واهتدى إليها مَنْ هو أولى بها، فظهرت على لسانه في أحسن معرِض، واكتست من فضله أزينَ ملبس؛ فعادت بعد الخمول نابهة، وبعد الذبول ناضرة، وتمكنت من برِّ والدها فنوّهت بذكره، وقدَرت على قضاء حقِّ صاحبها فرفعت من قَدْره (وعَسى أن تكْرَهوا شيْئاً وهُوَ خيرٌ لكُم) ...)).
 
بارك الله فيك .
أخبرت أخي د. سليمان العيوني بهذا الكتاب وطلبت منه النظر فيه والكتابة حوله ، فالدكتور سليمان معني بألفية ابن مالك ، وقد حققها تحقيقاً بارعاً ، وكتب عنها وعن سيرتها بحثين مميزين نُشرا في مجلة الدرعية وفي مجلة الجمعية السعودية للغة العربية .
 
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم.

ابن مالك مقامه معلوم، ومرتبته في علم النحو من المتواتر الذي لا يجحده إلا جاهل.
وليس ابن مالك أول من اتهم بالكذب لسعة حفظه، فقد اتهم من قبله ابن دريد للسبب نفسه، واتهم كذلك قبله أبو عمر الزاهد للسبب نفسه، وهكذا.

ومثل هذه الطريقة في البحث لا يمكن أن تدل على كذب ابن مالك، ولكنها تدل على شيء آخر، وهو أن الكاتب بعيد كل البعد عن المنهج العلمي الصحيح لبحث مثل هذه الأمور، ومن ثم فلا يمكن الاعتماد على من ينهج مثل هذا النهج، أو يستند على مثل هذا الهواء.

ولو نظرنا إلى ما رواه جميع العلماء من الشواهد، فلن تجد عالما يخلو من التفرد بشواهد لم يروها سواه، إلا نادرا، ومع هذا فلم يكن هذا يوما سببا في تكذيب العالم في روايته، نعم قد يكون سببا في التشكيك في الشاهد نفسه من حيث ثبوت الرواية أو ضبط اللفظ، وهذا معروف في كل العلوم ومن أهمها علم الحديث، فقد يتفرد الثقة الثبت بحديث لم يروه سواه، فإذا قدر أن استنكره عليه بعض النقاد لم يكن ذلك سببا في تكذيبه، وإنما يكون سببا في تخطئته في هذه الرواية بعينها دون غيرها.

والله الموفق.
 
في مكالمة هاتفية مع أستاذي الأستاذ الدكتور تركي بن سهو العتيبي وفقه الله ، وهو أستاذ النحو والصرف بجامعة الإمام جرى حديث عن هذا الموضوع ، فأفادني بأن هذه المسألة قديمة ، وأنه في مناقشة رسالة دكتوراه قبل أكثر من عشر سنوات بعنوان (الشواهد النحوية في شعر شعراء طيئ ) نبَّه إلى هذا الموضوع ، وذكر بأنه من خلال استقرائه تبين له أن ابن مالك إذا قال (قال الطائي) فإنه يقصد نفسه، أو إذا قال :(قال الشاعر) فكذلك في الغالب ، وأن تلك الأبيات تأتي أمثلةً لا شواهد، وتأتي اعتضاداً لا اعتماداً في كتبه . وذكر لي بحثاً قدم للنشر في مجلة الجامعة وصل لنفس النتيجة ، ولكن الفاحصين لم يجيزوه فلم ينشر حينها . وأخبرني بأن للدكتور سعد هاشم الطائي قراءة نقدية لكتاب د. سليمان البدري هذا وسأنقله لكم في هذه المشاركة لقراءتها . وأخبرني بأن هناك بحثاً للدكتور جواد الدخيل حول الموضوع أيضاً . فجزاه الله خيراً على هذه الفوائد والمعلومات .

 
قراءة في كتاب (صناعة الشاهد الشعري عند ابن مالك الأندلسي) لسعد هاشم الطائي

قراءة في كتاب (صناعة الشاهد الشعري عند ابن مالك الأندلسي) لسعد هاشم الطائي

قراءة في كتاب
صناعة الشاهد الشعري عند ابن مالك الأندلسي
صنعه الدكتور نعيم سلمان البدري

إعداد
سعد هاشم الطائي

قبل الدخول ..
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، محمد طه الأمين ، وعلى آل بيته الطاهرين، من أول الخلق إلى يوم الدين ، أما بعد :
بينما كنت في غمرة الغفلة والانبهار ــ شأني في ذلك شأن الكثيرين من طلاب العلم ــ بشخصية علمية بارزة في النحو العربي أثار فضولي العلمي وانتباهي عنوان لكتاب ألفه الأستاذ الدكتور نعيم سلمان البدري وجعل له عنوانا مثيرا للدهشة والاستغراب والتعجب وهو ( صناعة الشاهد الشعري عند ابن مالك الأندلسي ).

ولا عجب ففي عنوان الكتاب أمران يثيران الدهشة والاستغراب أولهما : لفظة ( الصناعة ) وثانيهما : ( ابن مالك ) فأما الأمر الأول : فالصَّناعةُ : حِرْفة الصانِع وعَمَلُه الصَّنْعة ، والصِّناعة : ما تَسْتَصْنِعُ من أَمْر(1). وأما الأمر الثاني : فابن مالك الأندلسي وهو من الشخصيات التي يقف لها العلماء القدماء والمحدثون إجلالا وتقديرا لعلمه ومصنفاته وخلقه . ومن هنا فقد خطرت لي مجموعة تساؤلات منها :
ــ إذا كان ما نقله لنا ابن مالك من الشواهد الشعرية صناعة ، فهل هناك صناعة للشاهد الشعري قبله ؟؟
ــ أ كان ابن مالك يصنع الشاهد والقاعدة النحوية معا ؟؟ أم كان يصنع الشاهد فقط ؟؟
ــ ما مدى تأثير هذه الصناعة على النحو العربي ؟؟ وما مقدار ما تمكن من صنعه من الشواهد إن سلمنا بأنه حقا كان حاذقا في صناعته ؟؟
ــ ما رأي العلماء القدماء به ؟؟
ــ ما سيرته وخلقه ؟؟
ــ هل كان الرجل شاعرا وقد عرفناه ناظما في ألفيته؟؟ وما مدى هذه الشاعرية ؟؟

كانت تلك الأسئلة تدور في ذهني ، وكنت أطلب لها جوابا ، فإذا كان ما ذهب إليه الدكتور البدري حقيقة فهذا يعني أن تراثنا العربي ــ أجمعه ــ يحتاج إلى قراءة جديدة ومعاصرة بعين ثاقبة ، تغوص في أعماقه ، وتضعه في دائرة الشك ، ولا أعني بالشك هنا غير الشك العلمي الذي يضع تراثنا في دائرة الضوء لكي نصل إلى الحقيقة التي هي مبتغى منهج البحث العلمي ، و القراءة المعاصرة قد تبيين لنا أسرار الجمال في النص الأدبي كما في الدراسات الحديثة للشعر الجاهلي على يد الدكتور محمود عبد الله الجادر ومن تلاه من الدارسين (2) أو لغرض توضيح مصداقيته كما في الدراسة التي بين أيدينا للدكتور نعيم سلمان البدري في كتابه (صناعة الشاهد الشعري عند ابن مالك الأندلسي) .


أولا: ابن مالك والشاهد الشعري
تناول المؤلف حياة ابن مالك الأندلسي ، ومصنفاته ، وخلقه وعلمه ، فابن مالك ولد في مدينة (جيّان) في الأندلس ثم رحل عنها شابا (وتنقل بين القاهرة والحجاز وحلب وحماة ودمشق واشتغل بتدريس اللغة والقراءات في المدرسة العادلية بدمشق) (3) وكانت وفاته فيها .

ولابن مالك مصنفات كثيرة في شتى علوم العربية كـ (النحو والصرف واللغة والعروض والقراءات ما يزيد على أربعين مؤلفا) (4) .

أما خلقه ( فقد حظي ابن مالك بشهرة كبيرة بين النحويين وحاز على ثناء العلماء وتقديرهم ) (5) ، فهو عند اليونيني (أوحد عصره وفريد دهره في علم النحو والعربية ، ومع كثرة الديانة والصلاح والتعبد والاجتهاد... وكان مشهورا بسعة العلم والإتقان والفضل موثوقا بنقله) (6) . أما الذهبي فقد قال عنه : (وصرف همته إلى إتقان لسان العرب حتى بلغ فيه الغاية وأربى على المتقدمين وكان إماما في القراءات وعللها ... وأما اللغة فكان إليه المنتهى في الإكثار من نقل غريبها والاطلاع على وحشيها ، وأما النحو والتصريف فكان فيه بحرا لا يجارى وحبرا لا يبارى... هذا على ما هو عليه من الدين المتين ، وصدق اللهجة وكثرة النوافل وحسن السمت ورقة القلب وكمال العقل والوقار والتؤدة) (7) . أما الصفدي فقد نقل عن شيخه شهاب الدين محمود بن سلمان الحنبلي قوله يصف ابن مالك (أنه كان إذا صلى في العادلية لأنه كان إمام المدرسة يشيعه قاضي القضاة شمس الدين بن خلكان إلى بيته تعظيما له) (8).

أما علمه ، فهو علم من أعلام عصره ، بل من أعلام العربية ، وقد تبين ذلك من كثرة مصنفاته التي زادت على الأربعين.

بعد أن أورد الدكتور البدري شيئا عن حياة ابن مالك ، ومصنفاته التي وضّحت بشكل جلي علم الرجل ، وخلقه الذي حظي به عند القدماء ، وهو خلق لا تشوبه شائبة من ناحية الأمانة والنزاهة والصدق قال عنه : (لكن رأيي في خلقه غير حميد ، ذلك أن الرجل متهم عندي في أمانته ونزاهته وصدقه كما سنبين في قابل البحث) (9) .

ونستطيع أن نلمس من خلال ما عرضه الدكتور البدري أمور عدة لعل أهمها :
1ــ إيمان المؤلف القوي والراسخ بما ذهب إليه ، والذي سيعززه بما لديه من الأدلة.
2ــ الأمانة العلمية في البحث والاستقصاء ، واتضح ذلك من خلال النقل الأمين والواعي لمحاسن ابن مالك التي ذكرها علماء العربية عن علمه وخلقه ودينه وصلاحه.
3ــ ثقة المؤلف العالية بما يقوله.
4ـــ لا يمكن لنا أن نشم في عبارات المؤلف رائحة التحامل على ابن مالك من خلال أمرين هما :
أ ــ إن المؤلف وضّح مدى حظوة ابن مالك عند الأقدمين ، فالأقدمون يجلون خلق الرجل ويحترمون شخصه ويقدرون علمه .
ب ــ إن المؤلف واثق من أدلته التي يحملها في جعبته ، لذا وجّه اتهامه لابن مالك في صناعة الشاهد الشعري بكل ثقة ويبدو أنه قد أسس على أرضية صلبة وأساس قوي.
لم يجد المؤلف من بين الدارسين القدماء والمحدثين مَنْ يشكك في نزاهة ابن مالك أو يطعن في أمانته (10) إلا أن البحث والاستقصاء العلميين جعلاه يقف على أرضية صلبة وثابتة ليقرر أن القدماء (قد خدعوا به كما خدع فيه المحدثون وأن الرجل ــ كما سنكتشف ــ مزور كبير ، ومخترع أكاذيب من الطراز الأول ، وأنه صنّاع شواهد ، كان يخترع القاعدة النحوية ويصنع شواهدها معها على نحو يدعو إلى الاستغراب، ويثير العجب مستغلا في ذلك قدرة عجيبة على الكذب ، وموهبة في نظم الشعر ، استغلها أسوء استغلال ) (11) .

شواهد ابن مالك الشعرية كثيرة ، فقد عرف عنه الإكثار من الشواهد ولا سيما في كتابه شرح التسهيل ، فقد أحصى المؤلف لابن مالك أكثر من ثلاثة آلاف بيت ، مشيرا إلى التفات القدماء إلى عنايته بأشعار العرب وتعجبهم من شواهده وتحيرهم فيها ، فالصفدي يقول : (وأما اطلاعه على أشعار العرب التي يستشهد بها على النحو واللغة فكان أمرا عجيبا وكان الأئمة الأعلام يتحيرون في أمره ) (12) إن العبارة السابقة للصفدي تحتاج إلى إضاءة أكثر ، سواء من القائل أو المؤلف ، فهي عبارة مبهمة لا يمكن لنا أن نضعها في الاتجاه الذي يخدم ابن مالك أو الاتجاه المعاكس الذي يرومه المؤلف ، فنحن لا ندري سبب العجب (فكان أمرا عجيبا) كما أننا لا ندري لِمَ كان (الأئمة الأعلام يتحيرون في أمره) ؟؟ وإذا كان ما ذكرناه لا يصب في خدمة أحد الاتجاهين ، فإن تعليق أبي حيان الأندلسي على إعمال (لا) عمل (ليس) فهو ــ بلا شك ــ ليس في صالح ابن مالك ، قال أبو حيان الأندلسي : (والذي يحفظ من ذلك قوله :
تعزَّ فلا شيءٌ على الأرض باقيا ولا وزرٌ مما قضى الله واقبـــــا
أنشده ابن مالك ولا أعرف هذا البيت إلا من جهته) (13) .

لم يكن العلماء العرب القدماء وحدهم مَنْ التفت إلى غرابة شواهد ابن مالك وكثرتها وتفرده بها ، فقد التفت العلماء العرب المحدثون إلى هذه الظاهرة ، إلا أن القدماء والمحدثين الذين أعجبوا به ، فتحيروا مرة وتعجبوا أخرى في أمر شواهده لم يكن أحد منهم يجرؤ على أن يذهب ما ذهب إليه الدكتور نعيم سلمان البدري ، فابن مالك ــ في رأي الدكتورــ ما هو إلا (مزور كبير، ومخترع أكاذيب ، وصنّاع شواهد ، كان يخترع القواعد النحوية ويصنع شواهدها معها ، وأنه أسرف في صناعة الشواهد حتى صنع ما يقرب من سبعمائة شاهد نحوي) (14) .

عرّج المؤلف بعد ذلك على صناعة الشاهد الشعري قبل ابن مالك ، وذكر أن العلماء قد تكلموا على جملة من الشواهد الشعرية التي زعموا أنها مصنوعة قبل ابن مالك ، منها ما أشار إليه سيبويه ، والفراء ، وابن جني (15) . وقد حاول المؤلف أن يستقصي الشواهد الشعرية فوجد أن مجموعها لا يزيد على الخمسين شاهدا 0على أن المؤلف قلل من قيمة هذه الصناعة بقوله : (قيل أنها مصنوعة أو شك العلماء في صناعتها) كما قلل من قيمة هذه الصناعة لأن صناعها مجهولون غي الغالب إذا ما استثنينا القليل النادر، كصناعة خلف الأحمر لبضعة أبيات نحلها لبعض العرب وصناعة أبي عثمان اللاحقي أو صناعة ابن المقفع.

في حديث المؤلف عن الشواهد الشعرية عند ابن مالك ، ذكر أنه (ابن مالك) اقتصد في الاستشهاد بالشاهد الشعري في بعض كتبه واعتدل في أخرى إلا أنه أسرف في الاستشهاد بهذه الشواهد في كتابه شرح التسهيل بل فاق النحويين المتقدمين في كتابه مار الذكر، الذي يُعد من كتب ابن مالك الأخيرة التي لم يمهله القدر حتى يتمه .

إن الدراسة التوثيقية للمؤلف بينت له من خلال دراسة الشواهد الشعرية في كتاب ابن مالك (أن ستة وتسعين وستمائة شاهد شعري عنده لم ترد في أي مصدر من مصادر النحو أو اللغة أو التراث التي سبقته) (16) وبعد البحث والاستقصاء من قبل المؤلف في آلاف الكتب الإلكترونية وغير الإلكترونية وما تيسر للمؤلف الرجوع إليه من مصادر وشعر عربي في عصر الاحتجاج أقول إن المؤلف بعد البحث والاستقصاء لم يجد لها ذكرا قبل ابن مالك مما حدا به أن يجعلها دليلا كافيا (على الحكم بصناعة ابن مالك وأنها من مخترعاته) (17) .

لم يكتفِ المؤلف بما توصل إليه من نتائج بهذا القدر لكي يتحقق لديه الاطمئنان فعمد على عرض ألفاظ هذه الشواهد المصنوعة على الشعر العربي في عصور الاحتجاج بدافع أن لكل عصر ألفاظه وتراكيبه وأساليبه فتبين.. أن (597)
لفظة من ألفاظ هذه الشواهد لم ترد في شعر عصور الاحتجاج وأن (428) لفظة منها وردت في أشعار قيلت بعد عصور الاحتجاج وأن (169) لفظة منها لم ترد في شعر قط (18) ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن هذا الشعر لا يمكن له أن ينتمي إلى شعر تلك الحقبة . ثم إن طائفة من تلك الألفاظ تكرر ورودها عند شعراء عباسيين عاشوا بعد عصور الاحتجاج وشعراء آخرين متأخرين عاشوا قبل ابن مالك (19) .

ولكي يزداد المؤلف يقينا لم يكتف بهذا القدر من الأدلة ، وإنما ذهب إلى اختيار أربعة علماء نحو ، أحدهم عاش قبل ابن مالك بأكثر من قرن هو (الزمخشري) وآخران تأخرا عنه بقرن هما (ابن هشام) و (ابن عقيل) وآخر معاصر له ، هو أستاذه (ابن يعيش) ، ثم درس كل شواهد السابقين والمتأخرين ومائتي شاهد من شرح المفصل لمعاصره ابن يعيش ، فتأكد للباحث بما لا يقبل الشك (أن ابن مالك كان بدعا بين النحويين المتأخرين في الاستشهاد بأشعار لم ترد في كتب السابقين) (20) ذلك لأن الشواهد عند هؤلاء العلماء كانت قد وردت في كتب العلماء السابقين لهم ، بمعنى آخر أن هؤلاء العلماء استقوا شواهدهم من كتب العلماء الذين سبقوهم ، فلم لا نجد مثل هذا في شواهد ابن مالك؟؟ وهل يمكن للمتأمل أن يفسر هذا الأمر بغير (الصناعة)؟؟ ذلك ما أراد قوله الدكتور نعيم سلمان البدري .

كما أن المؤلف انتبه إلى مسألة أخرى ، بدت طريفة له ــ وهي كذلك ــ أن أربعة وعشرين شاهدا من شواهد ابن مالك (نسبها إلى رجل من طيئ أو إلى بعض الطائيين) (21) والغريب أنه لم ينسب أياً من هذه الشواهد إلى رجال من قبائل أخرى ، ويبدو أن الرجل (كان صادقا في زعمه حين نسب تلك الأبيات إلى رجل من طيئ أو إلى بعض الطائيين إذ كان يعني بذلك نفسه فهو من طيئ) (22) كما سلف ذكره.

بقي لنا أن نتساءل ــ كما تساءل المؤلف ــ ألا يمكن أن تكون تلك الشواهد التي بثها في كتبه ، والتي أتهم بصناعتها ، قد استقاها من مصادر لم تصل إلينا ؟؟ لم يكن الجواب عند الدكتور البدري غائبا كما لم يغب عنه التساؤل لذا رأى (أن هذا الفرض بعيد غاية في البعد ذلك أن وصول هذه الشواهد إليه يلزم منه أن يكون ابن مالك قد استخرج تلك الشواهد من آلاف القصائد التي وصلت إليه وحده ولم تصل إلى أحد قبله أو بعده0فالشاهد الشعري يستخرج عادة من بين عدد كبير من النصوص الشعرية ، مع ملاحظة أن أكثر من 95% من هذه الشواهد الشعرية المصنوعة هي أبيات مفردات لم تنسب إلى قائليها) (23) .

ذكرنا سابقا أن القدر لم يمهل ابن مالك ليتم كتابه شرح التسهيل مما حدا بابنه بدر الدين (ابن الناظم) أن يتمه ، وهنا يقفز إلى الذهن تساؤل آخر عن الجزء الذي أتمه الابن ، فهل وردت فيه شواهد مصنوعة ؟؟ وكان الجواب عند الدكتور البدري(أن بقية الشرح قد تضمن أيضا جملة من الشواهد الشعرية المصنوعة) (24) وقد وجد المؤلف ــ بعد الدراسة والتمحيص ــ أن بدر الدين (ابن الناظم) قد استقى شواهده المصنوعة من كتابي ابن مالك (شرح عمدة الحافظ وعدة اللافظ ) و (شرح الكافية الشافية)



ثانيا:نماذج من شواهد ابن مالك المصنوعة
ذكرنا سابقا أن ابن مالك الأندلسي صنع ما يقارب سبعمائة شاهد نحوي ، وكلها من مخترعاته ، وبثها في أبواب متفرقة كالنحو والصرف، وسنكتفي ببعض الشواهد التي أوردها الدكتور نعيم سلمان البدري في كتابه صناعة الشاهد الشعري عند ابن مالك الأندلسي.

ــ دخول نون التوكيد على الفعل الماضي : وشاهده المصنوع ، قول الشاعر:
دامنَّ سعدك إن رجمت متيماً لولاك لم يك للصبابة جانحا (25)
دخلت نون التوكيد على الفعل (دام) لأنه دعاء ، والدعاء لا يكون بمعنى الاستقبال ثم أنه لم يرد في أي من المصادر قبله.

ــ تسكين الخاء من (أخو) : وشاهده قول رجل من طيئ :
ما المرء أخْوَك إن لم تلقه وزراً عند الكريهة معوانا على النوب(26)

ــ تضعيف (الميم) في (الدم) : وشاهده المصنوع على ذلك ، قول الشاعر:
أهان دمَّك فرغا بعد عزتهيا* عمرو بغيك إصرارا على الحسد (27)

ــ سقوط نون المثنى لتقصير صلة : وشاهده المصنوع ، قول الشاعر:
خليلي ما إن أنتما الصادقا هوى إذا خفتما فيه عذولا وواشيا (28)
وعند ابن مالك تسقط نون المثنى ليس لتقصير صلة فحسب وإنما للإضافة أو للضرورة .
ــ سقوط نون جمع المذكر السالم للضرورة : وشاهده المصنوع ، قول الشاعر:
ولسنا إذا تأبون سلما بمدعي لكم غير أنا إن نسالم نسالم ِ (29)
وعند ابن مالك تسقط نون جمع المذكر السالم ليس للضرورة فحسب وإنما للإضافة أو لتقصير صلة .

ــ جواز الاتصال والانفصال في الضمير المنصوب في ثاني مفعولي أفعال القلوب : فمن شواهده المصنوعة للمثال الأول (الاتصال) قول الشاعر :
بُلّغتُ صنع امرئ بَر أخالكه إذ لم تزل لاكتساب الحمد مبتدرا(30)
فالهاء في الفعل أخال هي المفعول به الثاني للفعل ، وقد جعله متصلا.
ومن شواهده المصنوعة للمثال الثاني (الانفصال) قول الشاعر :
أخي حسبتك إياه وقد ملئت أرجاء صدرك بالأضغان والإحنِ (31)
فالضمير المنفصل إياه هو المفعول به الثاني للفعل حسب وقد جعله منفصلا .

ــ حذف ياء الذي وتسكين الذال: وشاهده المصنوع على ذلك ، قول الشاعر:
ما اللذْ يسوؤك سوءا بعد بسط يد ٍ بالبر إلا كمثل البغي عدوانا (32)
ومثل هذا الشاهد له نظير في كتب النحويين قبله ولا حاجة لصناعته .

ــ حذف ياء التي مع بقاء التاء مكسورة : وشاهده المصنوع على ذلك:
شغفت بك الت ِ يتمتك فمثلما بك ما بها من لوعة وغرام(33)
ولا حاجة لصناعة مثل هذا الشاهد لوجود نظير له في كتب النحويين قبله.

ــ حذف ياء التي وتسكين التاء: وشاهده المصنوع على ذلك:
أرضنا اللتْ أوت ذوي الفقر والذل (م) فأضوا ذوي غنى واعتزاز(34)
وهذا أيضا مما له نظير في كتب النحويين قبله ولا حاجة لصناعة مثل هذا الشاهد.

ــ دخول (ال) التعريف على الفعل المضارع : وشاهده المصنوع على ذلك ، قول الشاعر:
ما كاليروح ويغدو لاهيا مرحا مشمرا يستديم الحزم ذو رشد (35)
وقد توصل (ال) (بالجملة الاسمية ) أو (الظرف) في ضرورة الشعر وذكر ابن مالك شاهدا شعريا على كل منهما (36)
ــ الاستغناء بالاسم الظاهر عن الضمير العائد على جملة الصلة : وشاهده المصنوع على ذلك ، قول الشاعر:
إنَّ جُمل التي شُغفتَ بجُمل ٍ ففؤادي وإن نأت غير سال ِ(37)
وصنع شاهدا آخر لهذا الاستغناء بقوله :
سعاد التي أضناك حب سعاد وإعراضها عنك استمرَّ وزادا(38)
فالتقدير في البيت الأول على رأي ــ ابن مالك ــ إنَّ جُمل التي شُغفتَ بها ، وفي البيت الثاني سعاد التي أضناك حبها .

ــ الاستغناء عن ميم (ذلكم) بإشباع ضمة الكاف: وشاهده المصنوع على ذلك ، قول الراجز:
وإنما الهــــالك ثم التـــــــالك ُ
ذو حيرة ضاقت به المسالك ُ
كيف يكون النوك إلا ذلك ُ(39)
ولا يمكن أن نعد (ذلكُ) الواردة في الرجز إلا (ذلكم) لأن (ذلكَ) في الشعر إذا وردت في القافية تكون (ذلكا) ، ثم إن ابن مالك نفسَهُ قرر هذا بقوله : (أراد ــ أي الراجز ــ ذلكم فاشبع الضمة واستغنى عن الميم بالواو الناشئة عن الإشباع)(40)

ــ ثبوت خبر المبتدأ بعد (لولا) وجوبا : وشاهده المصنوع على ذلك ، قول الشاعر:
لولا زهير جفاني كنت منتصرا ولم أكن جانحا للسلم إذ جنحوا (41)

ــ وقد يتحد المبتدأ بالخبر لفظا : وشاهده المصنوع على ذلك ، قول رجل من طيئ :
خليلي خليلي دون ريب وربما ألان امرؤ قولا فظُن خليلا (42)

ــ تعمل (زال) عمل (كان) إذا سُبقت بنفي أو شبه نفي (نهي) : وشاهده المصنوع على ذلك ، قوله في إعمالها بعد النهي :
صاح شمّر ولا تزلْ ذاكرَ (م) الموت فنسيانه ضلال مبينُ (43)
ولا أدري كيف يستسيغ لسان ابن مالك عمل زال المجزومة بـ (لا) الناهية الجازمة ؟ فلا إشكال لو كانت مع النفي (لا يزالُ صاحبي ذاكر الموت) ، وربما جعلها عاملة بعد النهي قياسا على (أختها) كان التي نقول فيها : (لا تكن لينا فتعصر ولا تكن يابسا فتكسر) ، وهذا غيض من فيض
.


الخلاصة

وبعد : فقد ذكرنا عشرين شاهدا شعريا من أصل ستة وتسعين وستمائة شاهد شعري استطاع مؤلف كتاب (صناعة الشاهد الشعري عند ابن مالك الأندلسي) الأستاذ الدكتور نعيم سلمان البدري أن يجمعها ويبحث لها عن نظير في كتب النحو أو اللغة أو التراث التي سبقت ابن مالك الأندلسي فتبين له بعد البحث والاستقصاء في دراسته التوثيقية أن جميع شواهد ابن مالك لم ترد في أي مصدر من مصادر القدماء.

إن الجهد المبذول في الدراسة التي قدمها الدكتور البدري ليس بقليل ، ويستحق بالمقابل أن يطلع المختصون على الكتاب بعين ثاقبة ، وتأمل طويل ، يرافقهما الصبر والأناة ، لكي تكون النتيجة مقنعة للغتنا العربية الجميلة ، لغة الآباء والأجداد ، ولكي تشذب هذه اللغة من الدرن الذي ألحقه بها بعض أبنائها العاقين.

إن ما صنعه ابن مالك ، وغاب عن أذهان النحويين القدماء والمحدثين ، أمران ، الأول : أنه صنع القاعد النحوية وصنع لها الشاهد الشعري ، وهذا ــ حسب رأيي ــ هو الطامة الكبرى ، كما في صناعته للقاعدة والشاهد بقوله:(من الخفيف)
صاح شمّر ولا تزلْ ذاكرَ (م) الموت فنسيانه ضلال مبينُ
والثاني : أنه صنع الشاهد الشعري ، ولم يكن بحاجة لصناعته لأنه موجود عند مَنْ سبقه ، كما في صناعته للشاهد : ( من البسيط)
ما اللذْ يسوؤك سوءا بعد بسط يد ٍ بالبر إلا كمثــــــل البغي عدوانا

يمكن لنا أن نستدل من تمحيص الأبيات الشعرية التي جعلها ابن مالك شواهد شعرية وبثها في كتابه أنها مصنوعة ، إضافة إلى الأدلة القوية التي جاء بها الدكتور نعيم البدري ، أن هذه الأبيات على الرغم من كثرتها ، وعلى الرغم من ادعاء ابن مالك أنها لعدد من الشعراء وأغلبهم مجهولون أو من طيئ ، إلا أن هذه الأبيات (الشواهد) يمكن ملاحظة ما يأتي بها :

1ــ يكتنف الأبيات ويجمعها أسلوب واحد ، وطريقة واحدة ، فإذا كنا مؤمنين بفكرة (الأسلوب هو الرجل) فليس من شك أن كاتب الأبيات لا يعدو أن يكون رجلا واحدا.
2ــ يحمل كل إنسان في ذهنه قاموسا يختلف عن الآخرين بغض النظر عن سعته أو ضيقه ، وهذا القاموس فيه مفردات قد تتكرر عند ه ، وهذا ما كان عند ابن مالك.
3ــ الحث على الكرم والفضيلة والشجاعة والتزام الحق ومخافة الله وما شابه من الأخلاق الحسنة والحميدة كانت القاسم المشترك بين الأبيات وهذا يعني أن الشاعر واحد ، وقد تقدم أن ابن مالك من ذوي الديانة والصلاح والتعبد0ويبدو أن هذا التعبد لم يمنعه عن صناعة الشواهد لأنها في رأيه ــ على ما أظن ــ تبسيط للغة .
4ــ لكل شاعر مجموعة بحور يفضل استخدامها ، وما لمسته عند أغلب الشعراء استخدامهم للطويل والبسيط والكامل والوافر بكثرة وهذا عين ما فعل ابن مالك . لقد استقصيت مائة بيت من الشواهد الشعرية التي صنعها الرجل فكانت النتيجة ما يأتي:

أ ــ احتل البحر الطويل المرتبة الأولى وحصل على نسبة (40%)
ب ــ احتل البحر البسيط المرتبة الثانية وحصل على نسبة (36%)
ج ــ احتل البحر الخفيف المرتبة الثالثة وحصل على نسبة (7%)
د ــ احتل البحر الكامل المرتبة الرابعة وحصل على نسبة (6%)
هـ ــ احتل البحر الوافر والرجز المرتبة الخامسة وحصل كل منهما على نسبة (4%)
و ــ احتل البحر المتقارب المرتبة السادسة وحصل على نسبة (3%)

ختاما ... فإني أذكّر المختصين بدراسة النحو ودراسة الأدب أن يطلعوا على الكتاب بروية ويدرسوه دراسة متأنية لكي يصلوا إلى الحقيقة التي تطالبهم بها لغتهم الجميلة ، ويكون الله من وراء قصدنا وقصدهم 0


ــ الهوامش ـــــــــــــــــ
(1) لسان العرب : مادة صنع
(2) ينظر دراسة الدكتور كاظم حمد محراث في كتابه (دراسات في الأدب العربي القديم)
(3) صناعة الشاهد الشعري عند ابن مالك الأندلسي ص 9
(4) المصدر السابق ص 10
(5) المصدر السابق ص 10
(6) المصدر السابق ص 10
(7) المصدر السابق ص 10
(8) المصدر السابق ص 10
(9) المصدر السابق ص 11
(10) ينظر المقدمة ص 5
(11) المقدمة ص 6
(12) صناعة الشاهد الشعري عند ابن مالك الأندلسي ص 11
(13) المصدر السابق ص 11
(14) المصدر السابق ص 11
(15) ينظر المصدر السابق ص 12ــ 13
(16) صناعة الشاهد الشعري عند ابن مالك الأندلسي ص 18
(17) المصدر السابق ص 18
(18) ينظر صناعة الشاهد الشعري عند ابن مالك الأندلسي ص 19ــ 23
(19) ينظر المصدر السابق ص 23، 24
(20) صناعة الشاهد الشعري عند ابن مالك الأندلسي ص 24
(21) المصدر السابق ص 24
(22) المصدر السابق ص 24
(23) المصدر السابق ص 25
(24) المصدر السابق ص 25
(25) المصدر السابق ص 26
(26) المصدر السابق ص 28
* هكذا وردت وأظنها (عزتها) لكي يستقيم الوزن
(27) صناعة الشاهد الشعري عند ابن مالك الأندلسي ص 29
(28) المصدر السابق ص30
(29) المصدر السابق ص 30
(30) المصدر السابق ص 38
(31) المصدر السابق ص 38
(32) المصدر السابق ص 41
(33) المصدر السابق ص 42
(34) المصدر السابق ص 42
(35) المصدر السابق ص 45ــ 46
(36) المصدر السابق ص 46
(37) المصدر السابق ص47ــ 48
(38) المصدر السابق ص 48
(39) المصدر السابق ص 52
(40) ورد الكلام في شرح التسهيل 1: 239 كما أشار الدكتور نعيم البدري في كتابه
(41) صناعة الشاهد الشعري عند ابن مالك الأندلسي ص 54
(42) المصدر السابق ص 56
(43) المصدر السابق ص 60


 
شكر الله لكم هذا النقل المفيد.
علماً أنه ذكر أن تلك الشواهد المصنوعة - كما زعم - يوجد بدائل صحيحة لها .
ما دام الأمر كذلك، فما السبب الذي دعا ابن مالك إلى الكذب والاختلاق من وجهة نظر الكاتب؟!
مع أنه نص على خلاف هذا في قوله:
( كان يخترع القواعد النحوية ويصنع شواهدها معها )
 
هذه تهمة شنيعة وسُبة جريئة يجب التصدي لها بحزم والذب عن عرض إمام من أئمة السلف بحق ، ولا أقول هذا من باب العاطفة وإنما من خلال ما درسناه وقرأناه من سيرة هذا العلم الذي تواترت أخبار ورعه وعلمه وزهده حتى في آخر حياته وعند مماته ، وهي تتعارض بالكلية مع دعوى صاحب البحث ، وأما قوله :
أن الرجل ــ كما سنكتشف ــ مزور كبير ، ومخترع أكاذيب من الطراز الأول ، وأنه صنّاع شواهد ، كان يخترع القاعدة النحوية ويصنع شواهدها معها على نحو يدعو إلى الاستغراب، ويثير العجب مستغلا في ذلك قدرة عجيبة على الكذب ، وموهبة في نظم الشعر ، استغلها أسوء استغلال
فهذه جرأة ومجازفة وحدة لا تليق ولا تنبغي وهي تخالف الديانة والأمانة والورع الذي ذكره صاحب البحث في مقدمة بحثه ، وهو نفسه قد استشعر هذا ولكنه برر ذلك بحجة هي أوهى من بيت العنكبوت وذلك في قوله :
وقد تقدم أن ابن مالك من ذوي الديانة والصلاح والتعبد0ويبدو أن هذا التعبد لم يمنعه عن صناعة الشواهد لأنها في رأيه ــ على ما أظن ــ تبسيط للغة
وهذا في الحقيقة كلام بارد لم يقل به إلا دراويش الصوفية في تعليل كذبهم على النبي صلى الله عليه وسلمأنهم يكذبون له ، ونحن نجل الإمام ابن مالك من أن يقول مثل هذه الهرطقة. وأرى أن قول الباحث عن ابن مالك رحمه الله:
لكن رأيي في خلقه غير حميد ، ذلك أن الرجل متهم عندي في أمانته ونزاهته وصدقه كما سنبين في قابل البحث
هو تعد سافر وتهور قبيح يخالف ما نقله الأئمة الثقات من مؤرخي الإسلام عن شخصية ابن مالك رحمه اللهوهم أوثق عندنا وأعدل من هذا الباحث.
هذه خاطرة سريعة أردت بها الذب عن عرض هذا الإمام لما له من حق علينا عظيم فقد تربت الأجيال على كتبه القوية الرصينة وحفظت متونه العذبة الجميلة والمنتظر من أهل النحو خصوصا أن يكونوا أشد وفاء من غيرهم لإمام الصنعة وشيخ العربية ناظم الألفية رحمه المولى رحمة واسعة وغفر لجميع أئمة المسلمين وعلمائهم ورزقنا حسن الأدب معهم.
وفي انتظار ما وعدتنا به يا أباعبدالله.
 
1- أستطيع أن أتصور متخصصا في النحو يقع في نفسه أن كثيرا من الشواهد التي ينفرد بها ابن مالك لا يثبت.
2- ولا مانع كذلك من أن يقع في وهم بعض الناس أن ابن مالك يؤلف بعض الشواهد من باب ضرب المثال لا للاعتماد.
3- ولا مانع أيضا من أن يخطئ ابن مالك في رواية بعض الشواهد لأنه كان كثير الحفظ لها حتى قيل إنه حفظ يوم وفاته فقط ثماني شواهد؛ فمن هذا حاله قد تتداخل عنده الأشعار فيروي شيئا منها مدخولا.

كل هذا أستطيع أن أتصوره ولا أجده غريبا.

ولكن الغريب الذي لا يمكن تصوره أن يقع في وهم متخصص في النحو أن ابن مالك (كذاب !) (مزور !) (مختلق !) ... إلى آخر هذه الصفات.
ومعلوم أن الكاذب إنما يكذب لجلب مصلحة أو دفع مفسدة، فماذا يمكن أن يستفيد ابن مالك بتزوير واختلاق هذه الشواهد كلها؟!
وإذا كان كثير من هذه الشواهد له نظير صحيح أو هو معدود في الشواذ أصلا، فما الداعي لتزويره واختلاقه؟!

وليست المسألة متعلقة بابن مالك وحده، ولو كان الأمر كذلك لهان الخطب، بل الأمر أكبر من ذلك بكثير؛ لأن فتح هذا الباب معناه أنه لا ثقة بكلام أحد من العلماء؛ ولذلك ترى بعض من علق على الكتاب يقول:
( ... ليفجر بجرأة قضية غاية في الخطورة والحساسية، هي قضية الموقف من التراث ومنهج التعاطي معه، فما زالت الأوساط الأكاديمية العربية تنظر إلى الموروث العربي نظرة تقديس لا تسمح باتخاذ موقف نقدي منه ... )

فهؤلاء العلماء الذين جعلوا ابن مالك في مرتبة المجتهدين والأئمة النحويين إذا كان قد راج عليهم مثل هذا الكذب الواضح الصريح، فهم إذن مجموعة من الحمقى والمغفلين، ولا يصلح واحد منهم للاعتماد عليه في شيء لا من النقل ولا من العقل.
فليست المسألة إذن مسألة تقليد أعمى لهؤلاء العلماء، كما ظن بعض من تكلم في هذا الباب.

وإذا نظرنا إلى أكثر العلماء إزراء على ابن مالك وهو أبو حيان، وجدناه يكثر من مخالفته والاعتراض عليه ولكنه لم يدر في خلده يوما أن ابن مالك من الكذابين المختلقين المفترين.

ووجدنا ابن مالك يرجح الاعتماد على الحديث في القواعد النحوية، ووجدناه يستند كثيرا إلى أحاديث ضعيفة أو موضوعة، فلماذا لم يقل أحد إن ابن مالك يضع الأحاديث أيضا كما يضع الشواهد؟
وإذا جاز على ابن مالك كذب هذه الأحاديث أو ضعفها، فلماذا لا يمكن أن يجوز عليه ذلك في بعض الشواهد التي يمكن أن يكون قرأها في بعض الكتب المغمورة التي لم تصل إلينا؟ ومعلوم أن اهتمام العلماء بصحة الحديث وضعفه أشد من اهتمامهم بصحة الشواهد النحوية؟

وإذا سألنا مؤلف الكتاب عن تعداد المراجع النحوية التي بأيدي الناس لما وجد بدا من الجواب بأن الغالبية العظمى منها هي مؤلفات ابن مالك وما بعدها، لأن عادة الناس في مثل هذا أن يكتفوا بما يناسبهم، ولذلك فقدت كتب نحوية كثيرة بعضها يبلغ الثلاثين مجلدا.

ولو بحثت اليوم مثلا عن أسانيد القراءات فلا تكاد تجد سندا متصلا يخرج عن القراء السبعة، بل لا تكاد تجد سندا متصلا يخرج عن أبي عمرو الداني، ثم لا تكاد تجد سندا متصلا يخرج عن ابن الجزري؛ لأن الناس يسعون إلى الأسانيد العالية من باب الاكتفاء والاقتصار لا من باب التقصير، فهل هذا معناه أن القرآن لم ينقل إلا من طريق ابن الجزري؟ لا يقول هذا إلا جاهل.
فآفة المتكلم في مسائل العلم أنه يطلق أقوالا ولا يعرف لوازمها، ولا يعرف تأصيلها ولا تحصيلها، وإنما غاية الواحد منهم أن يأتي بالغريب ليشار إليه، من باب (ما هم بمتبعي حتى أبتدع لهم غيره).
 
للفائدة: ممن سبق المؤلف في استغراب كثرة الشواهد عند ابن مالك مع إحصائها:

قال د. طه محسن في مقدمة تحقيق (شواهد التوضيح) لابن مالك < صدر قبل كتاب د. نعيم البدري بمدة >:
( تقدم أن ابن مالك امتاز على غيره بكثرة الشواهد والنصوص الشعرية التي احتج بها. وعلى ما اتسم به هذا المنهج من محاسن إلا أن إغفاله نسبتها إلى المصادر أو إلى قائليها أو رواتها قد يثير حولها شبهة يجب أن يبرأ منها المؤلف. وهذه الشواهد الجديدة من الكثرة بحيث لا يمكن إهمال أمرها، حتى إني لم أجد قائلا لثلاثين منها ولا مصدرا ذكرها، على الرغم من التنقيب عنها في الكتب المتنوعة ).

وغرضي هنا الإشارة إلى الفرق بين من يتكلم من غير ضابط ولا رابط، وبين من يعلم كيف يتحرك في حدود البحث العلمي.
إذ نلاحظ هنا أن المحقق قرر أمرين عند تأمل (قد) و(يجب) في كلامه:
- الأول: أن هذه الشواهد المجهولة كثيرة بحيث تثير الشبهة.
- الثاني: أن تبرئة المؤلف من الاختلاق أمر واجب.
فلا تلازم بين الأمرين كما هو واضح.
 
أحسنت أخي أبا مالك, وبارك الله في علمك, ووقتك, وجهدك, ومن الواجب على أمثالكم الخلوص لبيان صحة هذه الدعوى العريضة من تهافتها, فما أكثر الضّاربين اليوم بأيادٍ من حديدٍ على كيان الأمة, ولغتها, وما أقل المدافعين عنها بتروس من خشب!
ومن الاحتمالات التي تذكر في بيان معنى "الشاهد" عند ابن مالك:
1- ابن مالك لا يشترط ورود الشاهد بنصّه, فقد يغيّره قليلا إما لبعده عنه واختلاطه بغيره, وإما لإرادته موضع الاستشهاد لا غير, وهو بشر يسهو, ويدركه النسيان في بعض مباني البيت.
2- أن هناك شواهد كثيرة جدًّا لا يحصيها العادُّ من كلام العرب المنثور, وابن مالك رحمه الله لبعد غوره واطّلاعه في كتب الأدب قديمها وحديثها, شعرها ونثرها, قد يصعب عليه ذكر الشاهد النثريّ؛ لأنه يُنسى سريعًا, بخلاف الشعريّ, ومع ولعه الشديد بالنّظم, فإنه ينظم ذلك النثر في قالب يوصل به المراد, فيكون في منزلة الشّاهد.
3. أنه يستخدم معنى "الشاهد" في اصطلاح علماء الحديث, ومعلومٌ أن الشاهد عندهم أن يوافق الحديث آخر في المعنى, مع اختلاف راويه, ولفظه, ويسمّى الإتيان به استشهادًا, وابن مالك خبير بكلام العرب خبرة عالية, فينظم شاهدًا على ما مرّ عليه ورآه صوابًا, أو ينتقي مما نظم في عصره, وما قبله من عصور الأمثلة, والشعر كثير كثير لم يبلغنا عشره!
4. أضف إلى ذلك أن ما بلغنا من أسفار تحتضن الشواهد هي نتف من أضعاف تبعت أصحابها, إما مفقودة, أو مُتْلفة.
- ثم إن مؤلف كتابنا, وادّعاء مقرّظه بأنه يورد كلامه ويتهم ابن مالك واثقًا من كلامه=غير مقبول في ساحة العرض العلميّ؛ إذ الأمر لا يعدو كون هذا الشعور مخالجا حسّ هذا المقرّظ, إما جهلا منه بالقراءة الناقدة الفذّة, أو ضعف غيرة له على العربيّة, أو ضآلة في علميته تبعده عن تمييز السقيم من السليم, وكلٌّ يسطيع أن ينشئ كلامًا مثله, ويدعي لآخر الثقة فيما يقوله, ومن كذب كذبة وكررها عشرًا -كما يقال- أصبحت عنده شيئا فشيئا من المسلّمات, والله من وراء القصد.
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
يبدو أنني لم أنقل رأي شيخي د. تركي العتيبي بشكل كامل ، حيث إنه يرى أن ابن مالك رحمه الله يورد الكثير من الأمثلة الشعرية التي هي من قوله ، ولكنه لم يذكب في إيرادها ونسبتها لأحد شعراء العرب ، وإنما نسبها لشاعر طائي أو أحد شعراء طي وهو يعني نفسه ، ولم يوردها كشواهد وإنما كأمثلة .
وأما البحث الذي تناول هذا الموضوع فهو للدكتور جواد الدخيل أستاذ النحو بجامعة الملك سعود سابقاً وقد تقاعد من عمله مؤخراً، وليت من يعرف الدكتور جواد الدخيل ويستطيع موافاتنا بنسخة إلكترونية من بحثه عن شواهد ابن مالك يساعدنا في ذلك.

وفي انتظار ما وعدتنا به يا أباعبدالله.
لم أفهم قصدك يا أبا يزيد ، وأنا أنتظر منك دراسة هذا الكتاب وإبداء الرأي العلمي فيه بعد ذلك للفائدة وفقك الله .
 
3- ولا مانع أيضا من أن يخطئ ابن مالك في رواية بعض الشواهد لأنه كان كثير الحفظ لها حتى قيل إنه حفظ يوم وفاته فقط ثماني شواهد؛ فمن هذا حاله قد تتداخل عنده الأشعار فيروي شيئا منها مدخولا.
وجدت مثالا نفيسا على هذا؛ قال الدكتور نعيم البدري (ص 137):
( استعمال (من) لابتداء الغاية في الزمان: ذكر ابن مالك شاهدا على ذلك .... وقول الشاعر:
وكل حسام أخلصته قيونه ......... تخيرن من أزمان عاد وجرهم
والأبيات ... مما صنعه ابن مالك إذ لم ترد في أي مصدر قبله ...
) إلى آخر تسرعاته.
وعند تأمل هذا الشاهد يتضح أنه ملفق من شاهدين:
الأول قول حسان بن ثابت:
بكل حسام أخلصته قيونه .......... بأيدي رجال مجدهم غير قعدد
والثاني قول قيس بن بحر الأشجعي:
وكل رقيق الشفرتين مهند ......... تورثن من أزمان عاد وجرهم
وموضع الشاهد هو (من) في الشطر الثاني؛ فالشاهد صحيح رواية ودراية، وليس كما قال صاحب المزاعم إنه لم يرد في أي مصدر قبل ابن مالك !
 
وليس كما قال صاحب المزاعم إنه لم يرد في أي مصدر قبل ابن مالك !

إن كان لم يرد ملفقاً على هذا الوجه إلا عند ابن مالك فهو كما قال ..

وإنما موضع خطئه في عجلته إلى اتهام ابن مالك بصناعة الشاهد..
 
إياكم أن يُهدم هذا الجبل

إياكم أن يُهدم هذا الجبل

إخوتي الأحبة جزاكم الله خيرًا على تيقظكم لِمَا يقال عن أمثال هؤلاء الأعلام الذين لهم شأن في التراث الإسلامي ، و أخصُّ ابن مالك لأنَّه من النحاة الذين لهم عناية كبيرة بالقرآن الكريم و قراءاته ، و هذا واضح من خلال كتبه ، فأرجو من المتخصصين في الدراسات النحوية أن يكون هذا الموضوع عنوانًا لدراسات علمية ترد عددًا من هذه الشواهد إلى مصادر أخرى ، فهذا يكفي لرد شبهة أمثال هؤلاء المدعين للتحقيق ؛ خاصة لِمَا يُعلم من ضياع نسبة كبيرة من التراث الإسلامي في الهجمات الهمجية التي نالت الحضارة الإسلامية ، و هذا نعده عذرًا لعدم القدرة على رد كل شاهد إلى قائله .
أيضًا الفتح في الطعن على ما لم تصله أيدينا من نقول العلماء عن بعضهم طريق للطعن في كثير من العلماء الذين نقلوا عن كتب لمتقدمين لا وجود لها الآن ، و هذا واضح في كتب التراث ، فيعود الأمر إلى الثقة في العالم و تعديله ، و شواهد ابن مالك التي ذكرها و لا نعلم لها راو غيره هي من هذا الباب ، و مَن علم حجة على مَن لم يعلم . بارك الله فيكم .
 
ذكر صاحب المزاعم الشاهد رقم 100:
من اللواتي والتي واللاتي .............. يزعمن أني كبرت لداتي
وقال: إنه مما صنعه ابن مالك إذ لم يرد في أي مصدر قبله!


وهذه جهالة فاضحة وسفاهة واضحة، ولا أدري كيف حصل هذا الرجل على مرتبة رئيس قسم اللغة العربية؟
فالشاهد معروف في كتب العلماء منذ القدم، فقد ذكره ابن قتيبة في الشعر والشعراء، وأبو علي الفارسي في شرح الأبيات المشكلة الإعراب، وابن الشجري في أماليه.
ولكن ماذا نقول عن الصحفيين والوراقين؟
 
لا تستعجل الأحكام يا أبا مالك وخذها بهدوء ...
اقرأ الكتاب بهدوء ثم دَوِّن ما يظهر لك بعد ذلك في تقريرٍ عن الكتاب يبين ما فيه من الإيجابيات والسلبيات حتى ننتفع جميعاً .
 
ابن مالك في مأمن ما دام لم يصنع القاعدة نفسها

ابن مالك في مأمن ما دام لم يصنع القاعدة نفسها

في مكالمة هاتفية مع أستاذي الأستاذ الدكتور تركي بن سهو العتيبي وفقه الله ، وهو أستاذ النحو والصرف بجامعة الإمام جرى حديث عن هذا الموضوع ، فأفادني بأن هذه المسألة قديمة ، وأنه في مناقشة رسالة دكتوراه قبل أكثر من عشر سنوات بعنوان (الشواهد النحوية في شعر شعراء طيئ ) نبَّه إلى هذا الموضوع ، وذكر بأنه من خلال استقرائه تبين له أن ابن مالك إذا قال (قال الطائي) فإنه يقصد نفسه، أو إذا قال :(قال الشاعر) فكذلك في الغالب ، وأن تلك الأبيات تأتي أمثلةً لا شواهد، وتأتي اعتضاداً لا اعتماداً في كتبه . وذكر لي بحثاً قدم للنشر في مجلة الجامعة وصل لنفس النتيجة ، ولكن الفاحصين لم يجيزوه فلم ينشر حينها . وأخبرني بأن للدكتور سعد هاشم الطائي قراءة نقدية لكتاب د. سليمان البدري هذا وسأنقله لكم في هذه المشاركة لقراءتها . وأخبرني بأن هناك بحثاً للدكتور جواد الدخيل حول الموضوع أيضاً . فجزاه الله خيراً على هذه الفوائد والمعلومات .


صناعة الأمثلة أمر موجود منذ ظهر النحو، ولن يزال ابن مالك رحمه الله في مأمن ما دام لم يصنع القاعدةَ نفسَها، فأما أن يكون قال "قال بعض الطائيين" أو "لرجل من طيء" على طريقة أبي تمام أو "قال الشاعر" ويكون هو نفسه القائل فليس بقادح في أمانته لأنه طائي ومن طيء وشاعر ولأنه لم يصطنع القاعدة نفسها بل صنع مثالا وأراد لأبياته أن تشيع فكنى عن نفسه بالشاعر أو من طيء، وهو ليس ببدع من النحاة وإن كان قد أكثر من ذلك على ما يبدو.
وهذا البحث الذي هو موضوع هذه المناقشات من البحوث الجيدة في موضوعها ولم يعد القيام به بالأمر الصعب بعد عصر الحاسوب، وقد كان المستشرقون من علماء أوربا هم أول من شرع يتتبع مصادر العلماء في تآليفهم في القرنين الأخيرين، وهي طريقة جيدة على أن لا تنتهك الأخلاق. وكان لعلماء الإسلام أعرافُهم وطرائقهم في الاقتباس والاستفادة ومناهجهم في التأليف مما لم يعد مأخوذا به كله في منهج البحث الحديث، ولكنا نشعر بالامتعاض من الطريقة الهجومية المنفعلة التي شنها الأخ كاتب البحث على رجل مجدد في علم النحو وكتبه هي الكتب المنهجية لعلم النحو منذ وجدت إلى اليوم، ولعله أراد لنفسه شهرة بادعاء ثورة اكتشافية فنهج هذا الأسلوب، ووجهة نظري المتواضعة أن انتهاج هذا الأسلوب لا يخدم البحث العلمي بقدر ما يثير جعجعة تقلل الجانب العلمي من البحث ذاته. كما أن تتبع أخطائه ومجانفته للصواب في بحثه ستثبت تهمة تحامله وتسرعه ولا ريب.
ولما كنت لم أطلع على بحثه فيبقى تعليقي عاما يحوم حول كليات البحث لا جزئياته، ولكن المقاربة العلمية لمثل هذا الموضوع أعني موضوع قيام ابن مالك بصنع شواهد من عنده والكناية عن نفسه بالطائي أو برجل من طيء أو غير ذلك، لا تكون المقاربة العلمية علميةً إلا بالخطوات الآتية:
- أن تُثبَت القاعدة النحوية من مصادر النحو السابقة لعصر ابن مالك.
- أن تورَد الشواهد "الأصلية" أي المستفيضة بين النحاة للقاعدة المذكورة.
- أن يورَد مثال ابن مالك بعد ذلك.
- أن يُنقد صنيع ابن مالك في ضوء ذلك. هل أساء مثلا فهم شاهد من الشواهد فأعاد صياغة القاعدة وغيّر فيها؟

أما على الطريقة التي عرضها الأخ الشهري والإخوة الفضلاء من "بحث" الدكتور البدري فهو بحث منتقض علميا لإخلاله بالأمور الموردة أعلاه.
والنتيجة العلمية الوحيدة لهذا البحث هي لفت الانتباه إلى " أن ابن مالك كان يصنع أمثلته شعراً ويكني عن نفسه بالطائي أو من طيء أو بالشاعر" وهي نتيجة ليست بجديدة كما أثبت ذلك الاقتباس أعلاه، والباحث لم يهتدِ إليها على نحو يطابق واقعها كما هو معلوم، فتبقى عيوب البحث وهي أن الباحث فاته كناية ابن مالك عن نفسه بالطائي وبمن طيء وبالشاعر فأساء فهمه فسارع إلى اتهامه بالكذب!
أقول ذلك لا غضاً من قدر شخص أو دكتور معين ولكن البحث العلمي تجريد وقواعد نظرية لا علاقة لها باسم القائم بها أو قدره.

والله من وراء القصد​
 
يبدو أنني لم أنقل رأي شيخي د. تركي العتيبي بشكل كامل ، حيث إنه يرى أن ابن مالك رحمه الله يورد الكثير من الأمثلة الشعرية التي هي من قوله ، ولكنه لم يكذب في إيرادها ونسبتها لأحد شعراء العرب ، وإنما نسبها لشاعر طائي أو أحد شعراء طي وهو يعني نفسه ، ولم يوردها كشواهد وإنما كأمثلة .
.
أخي د عبدالرحمن / هذا ظن د تركي - نفع الله به - وما كان ظنا فيبقى في دائرة الظن والأصل أن ما ذكره ابن مالك في كتبه شواهد شعرية حتى يثبت خلاف ذلك .... والأصل أن عدم العلم بالدليل ليس علماً بالعدم،، وعدم الوجدان ليس نفياً للوجود ، فما ضاع كثير جدا ، وابن مالك قد أثبت له سعة الإطلاع معاصروه ، كما أن أبا حيان الأندلسي وهو جبل النحو ومعروف تتبعه لابن مالك لم يشك في هذه الشواهد مع شدة تقصيه وتحريه... ومن أساتذتنا الكرام - مع فضلهم وعلمهم - عند أبي حيان في علمه وحفظه وفهمه وعدالته وقربه من عصر ابن مالك ومعرفته بحال الشعر...
وما قام به الأخ أبو مالك - زاده الله علما وفهما - يكشف عن اضطراب البدري وتسرعه ....
رحم الله ابن مالك فقد أتعب من بعده
عالمٌ عاملٌ تقيٌّ مُنِيبٌ ... جل قدراً وطابَ ذاتاً وأصلا
 
لا تستعجل الأحكام يا أبا مالك وخذها بهدوء ...
اقرأ الكتاب بهدوء ثم دَوِّن ما يظهر لك بعد ذلك في تقريرٍ عن الكتاب يبين ما فيه من الإيجابيات والسلبيات حتى ننتفع جميعاً .
جزيتم خيرا يا شيخنا الفاضل، ولكن هذا قد يستغرق وقتا طويلا، فأرى من الأفضل أن أضع ما يعن لي من ملاحظات في وقتها حتى لا يعوقني عائق، فأرجو المعذرة.

---------------
في الشاهد 146 اعترض صاحب المزاعم على ابن مالك في إيراده هذا الشاهد:
ببذل وحلم ساد في قومه الفتى .......... وكونك إياه عليك يسير
وقال إن ابن مالك لم يكن بحاجة لصناعة هذا الشاهد مع وجود النظير في كلام العرب، وهو قول سويد بن كراع:
وكوني كآسي شجة يستغيثها .......... وما تحتها ساسٌ من العظم أصفر

وبطلان هذا الكلام من أوجه:

الأول: أنه استخرج هذا البيت من كتاب (عشرة شعراء مقلون) والقصيدة مأخوذة من كتاب (منتهى الطلب) لابن ميمون، وابن ميمون توفي سنة 597 كابن الجوزي، فهو متأخر جدا، وقد تفرد في كتابه بذكر عشرات القصائد التي لم ترد في سواه، فالاعتراض على ابن مالك وارد على مثله أو على الأقل من بابه، فلماذا اعتمد على تفرداته إذن؟

الثاني: أنه ذكر في المقدمة أن هذه اللفظة لم ترد في كلام العرب المحتج بهم، وهنا يقول إنها واردة ولا حاجة لبيت ابن مالك.

الثالث: أن بيت سويد بن كراع بضم الكاف (وكُوني) فعل أمر من (كان)، فلا شاهد فيه، ولكن صاحب المزاعم -كعادة المصحفين والوراقين- اعتمد على ضبط الموسوعة الشعرية وما أكثر ما فيها من أخطاء.​
 
كما أن أبا حيان الأندلسي وهو جبل النحو ومعروف تتبعه لابن مالك لم يشك في هذه الشواهد مع شدة تقصيه وتحريه...
جزيت خيرا وبورك فيك.
قد ارتاب أبو حيان في شواهد قليلة جدا، يقول في بعضها: هذا الشاهد لا أعرفه إلا من جهة ابن مالك.
ولكنه لم يخطر بباله يوما -مع شدة وَلوعه بتتبع ابن مالك- أن يتهمه بالكذب والتزوير والاختلاق، إلى آخر هذه الجهالات.
فالمقصود أن موطن الشك والنقاش يكون في الشاهد نفسه، والأمر في هذا واسع، أما تكذيب ابن مالك فهذا أمر آخر.
 
هل من مصوّر الكتاب, وواضعه هنا, فقد أعياني البحث عنه في مكتبات مكة.
 
جزيت خيرا وبورك فيك.
قد ارتاب أبو حيان في شواهد قليلة جدا، يقول في بعضها: هذا الشاهد لا أعرفه إلا من جهة ابن مالك.
ولكنه لم يخطر بباله يوما -مع شدة وَلوعه بتتبع ابن مالك- أن يتهمه بالكذب والتزوير والاختلاق، إلى آخر هذه الجهالات.
فالمقصود أن موطن الشك والنقاش يكون في الشاهد نفسه، والأمر في هذا واسع، أما تكذيب ابن مالك فهذا أمر آخر.

جزاك الله خيرا أخي ، وقد قرأت بحث الأخ الطائي ولست في مجال نقده غير أنه وردت فيه هذه العبارة ( فإن تعليق أبي حيان الأندلسي على إعمال (لا) عمل (ليس) فهو ــ بلا شك ــ ليس في صالح ابن مالك ، قال أبو حيان الأندلسي : (والذي يحفظ من ذلك قوله :
تعزَّ فلا شيءٌ على الأرض باقيا ولا وزرٌ مما قضى الله واقبـــــا
أنشده ابن مالك ولا أعرف هذا البيت إلا من جهته) ))
ولك أن تلاحظ كلمة ( بلا شك ) المعترضة في الكلام اعتراض الشجى في الحلق ... والتي تدل على التسرع وعدم التثبت والانسياق وراء الجديد المبتكر من جهة الظنون والأوهام - عفا الله عن الجميع - ولعلك تريد ما يؤيد كلامي هذا فإليك ما ذكره أبو حيان في شرحه على التسهيل وهو من آخر كتبه -ولعلك تقرأ ما قاله العلامة حمد الجاسر عنه - :
قال أبو حيان رحمه الله ( ومما يشهد بصحة مذهب الجمهور وبطلان مذهب الزجاج واختيار ابن عصفور أن السماع ورد بنصب خبر ( لا ) العاملة عمل ( ليس ) نحو قوله ( تعزَّ فلا شيء على الأرض باقيا ... ولا وزرٌ مما قضى الله واقيا ) وقد أنشدنا غير ذلك في باب ( ما ) مما يوقف عليه هناك ..) 5 / 310 - 311 وتجد ما ذكره في باب ما في 4 / 282 وفيه ( ( وزعم بعضهم أنه لم يسمع النصب في خبر( لا ) ملفوظا به ، وليس كذلك بل سمع إعمالها عمل ليس ونصب الخبر ولكنه في غاية الشذوذ والقلة ، قال : تعزّ .... ) وقد ذكر ذلك في ارتشاف الضرب ( وهو آخر ما ألفه فيما قيل لأنه اختصار لشرح التسهيل ) 3 / 1208
هذا كلام أبي حيان المتأخر وهو الذي عنيته في كلامي السابق أنه لم يشك فيما أورده ابن مالك .. وحتى المنقول عنه كما في كلام الباحث لا يدل على الطعن كما زعم بل على التوثيق لأنه ارتضاه وذكره استشهادا وغاية الأمر عنده أنه لم يحصل عليه إلا من جهة ابن مالك الحافظ المتقن . والله أعلم .

 
جزيت خيرا وبورك فيك.
وقد قال أبو حيان في البحر المحيط عن ابن مالك: (وهو حاشد لغة وحافظ نوادر).
 
وقال الشاطبي في المقاصد الشافية عن الشاهد الوحيد الذي ذكره ابن مالك في الألفية: (لا أقعد الجبن عن الهيجاء ...) في باب المفعول له:
( وهذا الشاهد لا أحفظه عن غيره، ولا أعلم قائله ).
 
3- ولا مانع أيضا من أن يخطئ ابن مالك في رواية بعض الشواهد لأنه كان كثير الحفظ لها حتى قيل إنه حفظ يوم وفاته فقط ثماني شواهد؛ فمن هذا حاله قد تتداخل عنده الأشعار فيروي شيئا منها مدخولا.
ومن الجدير بالذكر أن مؤلف الكتاب لا يحاسب ابن مالك على مثل هذا النوع.
مثاله أنه ذكر بعد الشاهد 379، شاهدا آخر ولم بحسبه ضمن زيادات ابن مالك.
 
هل من مصوّر الكتاب, وواضعه هنا, فقد أعياني البحث عنه في مكتبات مكة.
لعلي أساعد في هذا الباب بكتابة نص الشواهد فقط لمن أراد البحث.
تراها قريبا إن شاء الله.
 
بارك الله فيك .
أخبرت أخي د. سليمان العيوني بهذا الكتاب وطلبت منه النظر فيه والكتابة حوله ، فالدكتور سليمان معني بألفية ابن مالك ، وقد حققها تحقيقاً بارعاً ، وكتب عنها وعن سيرتها بحثين مميزين نُشرا في مجلة الدرعية وفي مجلة الجمعية السعودية للغة العربية .
هذا ما قصدته شيخنا الكريم.
 
إليكم هذا الموضع الطريف:
نقل صاحب المزاعم (ص 132) قول ابن مالك:
( ومثال المقدر بأن المصدرية قوله تعالى: {ولولا
دفع* الله الناس بعضهم ببعض}...)
ثم علق في الهامش بقوله: * في الأصل (
دفاع) ولعله خطأ مطبعي، لأنه لم يشر إلى كونها قراءة.

قلت: لم يشر إلى كونها قراءة لأنها قراءته التي يقرأ بها أيها الذكي؛ فهي قراءة نافع المشهورة عند المغاربة.
كما لا تشير أنت إلى قراءة حفص أنها قراءة.
وأخشى أن يأتي يوم يقوم هذا الرجل -أو من هو على شاكلته- على تحقيق حرز الأماني للشاطبي فيأتي على قوله:
دفاع بها والحج فتح وساكن .......... وقصر خصوصا غرفة ضم ذو ولا
فيصحح البيت ويقول إنه خطأ مطبعي أو ضرورة شعرية ارتكبها الناظم للوزن !
 
قال صاحب المزاعم (ص 166):
(قال ابن مالك: وكلانا في قول الشاعر:
فما أعلم الواشين بالسر بيننا ......... ونحن كلانا للمحبة كاتم
مبتدأ خبره كاتم وليس بتوكيد ....
والبيت مما صنعه ابن مالك إذ لم يرد في أي مصدر قبله.
وما أغناه عن صناعة هذا البيت واختراع هذه المسألة!).


قلت: بل ما كان أغناك أنت عن التقحم في مثل هذه الأمور والكلام فيما لا تحسن.
فالبيت لابن الدمينة كما في ديوانه صنعة ثعلب، فهو معروف من قديم.
 
قال صاحب المزاعم (ص 193):
(( ذكر ابن مالك البيت الآتي شاهدا على ذلك [نصب المضارع بعد أو]:
فراق أخ لن يبرح الدهر ذكره ........... يهيمني ما عشت أو ينفد العمر
ونسبه لأبي صخر الهذلي، والبيت مما صنعه ابن مالك نفسه إذ لم يرد في أي مصدر قبله )).


قلت:
أولا: إذا كان ابن مالك نسب البيت لأبي صخر الهذلي فأقل ما ينبغي للباحث أن ينظر في ديوان الهذليين قبل هذه الإطلاقات التي لا يكثر منها إلا الجهلاء، ثم إن لم يجد البيت فيه فلا ينبغي أن يجرؤ على هذا الإطلاق أيضا، فما بالك والبيت موجود فيه وفي مظنته منه (ص 952) !

ثانيا: من المعلوم أن ديوان الهذليين لم يدرج في الموسوعة الشعرية، ولم يدرج في المكتبة الشاملة أيضا، وبهذا نعلم سر زلة العلامة الوراق !

ثالثا: بهذا نعلم أيضا عبقرية ابن مالك وسعة اطلاعه وقدرته الفائقة على استخراج الشواهد من غير مظنتها.
 
إليكم الشواهد مكتوبة على الوورد
للتيسير على من أراد البحث
 
في المرفقات بحث بعنوان : سيرة ألفية ابن مالك (تأليفًا وإبرازًا وتحقيقًا) للدكتور سليمان العيوني ، طلبته منه لإطلاعكم عليه وهو مفيد ، وقد نشره في مجلة الدرعية كما ذكرت في تعقيب سابق .
 
لا تنس يا أبا مالك الاستمرار فيما قد شرعت فيه، فهو حري بذلك، وربما انقلب واجباً في حقك :)
وأرجو أن يُتم الله لك هذا الأمر، ومع ذلك قد يكون مع البدري شيء وربما كثير من الحق في اجتهاده، فلنوطن أنفسنا، ولا نميل قدر الإمكان.
 
جزاك الله خيرا على التشجيع والمواصلة.
ومع ذلك قد يكون مع البدري شيء وربما كثير من الحق في اجتهاده، فلنوطن أنفسنا، ولا نميل قدر الإمكان.
أما اجتهاد البدري في تكذيب ابن مالك فلا مجال لوروده؛ لأنه مخالف لإجماع العلماء.
وأما طعنه في الشواهد فهذه مسألة اجتهاد معروفة من قديم الأزل، والأمر فيها واسع، ولكن البدري نفسه ليس أهلا للكلام فيها كما هو ظاهر جدا من كتابه.
 
ألقى أستاذي الجليل الأستاذ الدكتور تركي بن سهو العتيبي - وفقه الله - أستاذ النحو والصرف بكلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، بحثاً بعنوان :(قراءةٌ في الشَّاهدِ الشعريِّ : النحويُّون واللغويُّون وصنعةُ الشعرِ ) في ندوة الوفاء التي تقام في منزل الأستاذ أحمد با جنيد يوم الأربعاء 7/11/1432هـ . وقد أرسل لي البحث مشكوراً ، واستهله بحديث رائع عن ملكة تمييز الصنعة في الشعر، وفهمه عند أهله والخبراء ببيئته من العرب ، دون غيرهم ممن بعد عن هذه البيئة العربية فلم يوفق لفهم مراد الشاعر ، وليت الدكتور تركي أفاض في هذه النقطة وأطال فيها فقد تكلم في الشعر بعض الأعاجم فأفسدوه ويحسبون أنهم على شيء . ثم علَّق الدكتور تركي العتيبي في آخر بحثه على كتاب البدري هذا ، فقال في خاتمة بحثه :(

الخاتمة

كان للنحويين واللغويين عناية بالشاهد والتدقيق فيه ، وحرصوا حرصاً كبيراً على الأمانة والضبط ، ولذا عزوا كثيراً من شواهدهم إلى قائليها ، ولكن هناك من اتهم بعض النحويين أو بعض الرواة بصنعة الشعر يريدون وضعه ، وقد مرت نصوص تدل على هذا ، وأهل النحو واللغة يشترطون في الناقل العدالة والأمانة والثقة والضبط ، وممن اتهم أخيراً بوضع الشواهد ابن مالك – رحمه الله تعالى – ، فألف د. نعيم سلمان البدري كتاباً سماه ( صناعة الشاهد الشعري عند ابن مالك الأندلسي )([1]) وأوصل الشواهد التي صنعها ابن مالك إلى ما يقرب من سبعمائة شاهد . وخلص إلى نتيجة مفادها أنَّ ابن مالكٍ " مزوِّرٌ كبير ، ومخترع أكاذيبَ من الطراز الأول ، وأنه صنّاع شواهد ، كان يخترع القواعد النحوية ويصنع شواهدها معها "([2]) ، وأنه أسرف في صناعة الشواهد حتى صنع كما أشرت إلى ما يقرب من سبعمائة شاهد نحوي .
الكتاب مطبوعٌ متداول ، والتعليقات عليه كثيرة ما بين مؤيد ومؤكد وآخر رافض معترض ، ولكن لي هنا وقفات :
أولاها : سبق أن نبهت في مناقشة رسالة ماجستير كان عنوانها " الشواهد النحوية والتصريفية في شعر طيء " تقدم بها الطالب سليمان البشري وكانت مناقشتها يوم 29/11/1420هـ إلى أن عدداً من الشواهد التي لم تنسب لشاعر معين وإنما نسبت لرجل من طيء إنما هي في حقيقتها لابن مالك ، وأن قائلها هو ابنُ مالك نفسه ، فهو رجل من طائيٌّ كما هو معروف ، وهذه الشواهد لم ترد في كتاب نحوٍ قبل ابنِ مالكٍ – رحمه الله تعالى – مما قوَّى عندي أنه هو قائلها ، فهو شاعر ، وهذه الشواهد التي أوردها الباحث يغلب عليها سمة شعر العلماء وفيها الصنعة ظاهرة ، ولا تبعد عن الشعر التعليمي الذي عرف به ابن مالك ، ولذا قلت ما قلت وأنا على قناعة كبيرة من هذا في ذلك الوقت ، ومن أمثلة هذا في هذه الرسالةِ قولُ ابن مالك : " قال بعض الطائيين :
إنْ يثْنِ سَلْمى بياضُ الفودِ عن صِلتي *فذاتِ حسنٍ سواها دائماً أصلُ "([3]).
استدلَّ به على حذف ربَّ بعد الفاء في قوله : فذاتِ حسنٍ ، وبقاء عملها ، وهذه المسألة مشهورة ، وأورد الباحث الكريم لها شواهد من شعر امرئ القيس والمتنخل الهذلي وربيعة بن مقروم.
وقولُه : " قال رجل من فصحاءِ طييء:
جَفَوني ولم أجفُ الأخلاءَ إنَّني *لغيرِ جميلٍ من خليليَ مهملُ "([4]).
استدلَّ به على تنازع عاملين معمولاً واحداً في قوله : جفوني لم أجف الأخلاء ، والمسألة شواهدها كثيرة والخلاف فيها مشهور ، ودقق النظر في قوله : رجلٌ من فصحاء طيء ! فإنها تزيدك شكّاً في قائلها .
وقولُه : " قال رجلٌ من طيء :
ومن يك منحلَّ العزائمِ تابعاً *هواهُ فإنَّ الرشدَ منه بعيدُ "([5]) .
استدلَّ به إجراء اسم الفاعل ( منحل ) مجرى الصفة المشبهةِ فجرَّ فاعله ( العزائم ) ، وهذه المسألة لها شواهدُ أخرى .
وقولُه :" ومثال ذلك مع الفاءِ قولُ الشاعر وهو رجلٌ من طييء :
لولا توقُّعُ معترٍّ فأرضيَه *ما كنْتُ أوثرُ إتراباً على تربِ "([6]) .
استدلَّ بهذا البيت على نصب الفعلِ المضارعِ بعدَ حرفِ العطفِ الفاء المسبوق بمصدر صريحٍ.
وهنا في النصوص التي ذكرتها أمثلة على ما رأيتُه قضايا كثيرة منها ، أنني أشرت إلى أنَّ الأشعار التي لم يسبَقِ ابن مالك إلى إيرادها وعزاها إلى طيء أنه هو قائلها فهو طائيٌّ كما معروف ، وقد اختلفت عبارته في التعبير عن الطائي فتارة رجل من طيء ، وأخرى من فصحاء طيء ، وثالثة بعض الطائيين ، وكلها في غالب ظني تنمي لقائل واحدٍ .
كما أنَّ هذه الأبيات لم ترد على أنها شواهد ، ومما يؤكد أنَّ ابن مالك عنى بها التمثيل قوله في النص الأخير : ومثال ذلك في الفاء ، فهذا يشير إلى أنه أراد التمثيل بهذا البيت ، ولم يورده على أنه شاهد لإثبات الحكم النحوي ، وجلَّ هذه المسائل عرفت قبل ابنِ مالك ، والقاعدة مذكورة في كتب النحو ، فابن مالك – رحمه الله تعالى – لم يصنع القاعدة ، وإنَّما مثَّل لقاعدة أو حكم نحويٍّ ذكره النحويون قبله ، ولا فرق بينه وبين من يمثِّل بنحو : ضرب زيدٌ عمراً ، ابنُ مالك فَضَلَهم بأنه صاغ المثال شعراً يحفظ ، ضمَّنه حكمةً ومكارم أخلاق ، وأعد قراءة هذه الأبيات التي أوردتها تغنيك في معرفة نفس باقيها .
ومما يدخل في موضوع هذه الورقة أن هذه الأبيات تغلب عليها الصنعة ، فهي أبيات مفردة ، مستقلة بمعانيها ، لا تحتاج سابقاً ولا لاحقاً في فهمها ، وأنها أقرب إلى شعر العلماء منه إلى شعر العرب الأقحاح ، وإذا أجلت النظر في مفرداتها وجدت : جفوني ، ومنحل العزائم ، وبياض الفود ، وتوقع ، وأوثر ، وهي من الألفاظ التي تدل على تكلف قائلها إيرادَها ، ومثل هذا يقال في كثير من الأبيات التي أوردها ابن مالك – رحمه الله تعالى وعفا عن الجميع - .

ثانيها : أن د. جواد الدخيل الأستاذ المساعد في قسم اللغة العربية في كلية الآداب في جامعة الملك سعود كتب بحثاً عن شواهد ابن مالك ، وتقدم به للنشر في مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود في الوقت الذي كنت فيه رئيساً للتحرير ، وعرض لشواهد ابن مالك في دراسة علمية رصينة ، لكنها مع أسفي الشديد لم تنشر .

ثالثها : التعجل باتهام ابن مالك – رحمه الله تعالى – بالكذب والوضع أمر بعيدٌ في نظري ؛ لأسباب كثيرة منها ، أنه لم ينسب هذه الشواهد لأحد من الشعراء ، فيكون كاذباً في النسبة متعمداً للكذب ، وهو وإن عزا شيئاً منها قال : قال رجل من طيء ، أو كقوله : وأما قول الطائي ، ومعلوم أنه هو طائي ، فقد عنى الرجل نفسه ، وإن لم يصرح باسمه أو كنيته ، ثم أن هناك فرقاً كبيراً بين الاستدلال والتمثيل ، وورود الشعر ليس بالضرورة أن يكون دليل اعتماد في المسألة ، فقد يكون من باب التمثيل ، فبدل أن يقول هذا المثال مثَّلَ بشعر هو الذي صنعه ليقرب القاعدة أو يقوم بتطبيقها ، والإشكال هنا في اللبس بين ما هو شاهد ودليل على الحكم النحوي ، أو ما هو مثال لتقريب القاعدة وتطبيقها ، ومن هنا دخل الإشكال في هذه المسألة ، وقال فيها من قال بما قال ، وأجد في عذر ابن مالك والاعتذار له مندوحة عن اتهامه مع قدره وما قدَّمَه عن رميه بالكذب ؛ خوفاً من الله واتقاء لبهت مسلم هو في ذمة الله .

رابعاً : هناك مسائل في عدد من كتب ابن مالك تفرد ابن مالك بذكر قول فيها أو خلاف ، وفي النفس منها نظر ، لأن هذا القول لم يثبت عن المتقدمين من النحويين ، بل نصّوا على المسألة دون ذكر لما ذكره ابن مالك ، ومن عانى تحقيق شيء من شروح التسهيل ظهر له ذلك([7]) ، فهل كان ابن مالك متعمداً ذكر هذا ؟ أو كان هذا من الوهم الذي قد يسبق إلى الأذهان فيقع فيه الإنسانُ دون عمدٍ ، وبخاصة أن الإنسان يعتوره من الضعف والوهن ما يعتوره فيقول أحياناً بقولٍ مّا وهو في حال من الضعف أو المرض الذي لا يعلمه إلا الله فيقع منه ما يقع ، لعل هذا هو الأقرب ؛ لأن ما قدَّمه الرجل –ر حمه الله تعالى – يجعل التشكيك فيه صعباً ، والنيل منه أصعب ، غفر الله لي وله ولجميع أئمة المسلمين وعامتهم .
هذا ما أردت أن أختم به هذا العمل ، وبالله التوفيق وعليه التكلان ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين).

ــــ الحواشي ـــــــــــ
([1]) أهداني نسخة منه أخي الأديب اللغوي الأستاذ منصور مهران أدام الله عليه نعمة الصحة والعافية ، وقد طبع الكتاب في دمشق ، تموز للطباعة والنشر والتوزيع ، ط الأولى 2010 ، ط الثانية 2011 .
([2]) صناعة الشاهد الشعري عند ابن مالك 6 ، وانظر هذا الكلام في : الخاتمة 202 .
([3]) شرح التسهيل 3/189 ، وانظر : الشواهد النحوية والتصريفية في شعر طيء 164-166 .
([4]) شرح الكافية الشافية 2/645 ، وانظر : الشواهد النحوية والتصريفية في شعر طيء 112-115 .
([5]) شرح التسهيل 3/104 ، وانظر : الشواهد النحوية والتصريفية في شعر طيء 204-206 .
([6]) شرح الكافية الشافية 3/1558 ، وانظر : الشواهد النحوية والتصريفية في شعر طيء 311-313 .
([7]) كان أستاذي د. محمد بن عبدالرحمن المفدى يعلق أحياناً بقوله : هذه من عنديات ابن مالك .
 
ثانيها : أن د. جواد الدخيل الأستاذ المساعد في قسم اللغة العربية في كلية الآداب في جامعة الملك سعود كتب بحثاً عن شواهد ابن مالك ، وتقدم به للنشر في مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود في الوقت الذي كنت فيه رئيساً للتحرير ، وعرض لشواهد ابن مالك في دراسة علمية رصينة ، لكنها مع أسفي الشديد لم تنشر .


رجاء :
أناشد أخي الأستاذ الدكتور تركي بن سهو العتيبي
والدكتور جواد الدخيل
وكل مَن بيده البحث المُشار إليه هنا :
أن يتفضل مشكورا برفعه هنا حتى يتسنى إدراك شيء من الحقيقة حول شواهد ابن مالك التي أثارت الألسنة بين مادح وقادح أما نحن ففي جانب الاعتدال والإنصاف ، لذلك نرفع هذا الرجاء
 
السلام عليكم.
كان أخي المفضال الشيخ الأستاذ/ أبو مالك العوضي - جزاه الله عني خيرا وبارك فيه - قد نبهني لهذا الموضوع أثناء إجازة الصيف من العام المنصرم وأنا في السودان، ورجاني أن أنظر فيه وأسهم في التعليق عليه. ولم أكن في وضع يمكنني من ذلك بسبب السفر وعدم الاستقرار وبعد المكتبات عني وغير ذلك من الأمور التي ما يزال بعضها يحول بيني وبين النظر العلمي المتأني في هذه التهمة التي لم يساورني أنى شك في أنها خاطئة كاذبة ظالمة وأن صاحبها من محبي الظهور الذي قد يقصم الظهور في الدنيا والآخرة.
وقد شاركه آخرون في بعض ما ادعاه وتقيلوه في بعض ما ذهب إليه وإن كان هو من تولى كبر ذلك، والله حسيبه وحسيبهم.
وفي دفاع أبي مالك عن ابن مالك هنا ما يخفف المصاب، فرحم الله ابن مالك وبارك في أبي مالك وغيره ممن دافعوا عن عرض العلم والعلماء.
الرد العلمي المفصل سهل يسير ، إن شاء الله،بعد أن رد أبو مالك ردا عاما مع تفصيل في بعض الشواهد يكفي لإثبات افتراء صاحب المزاعم على ابن مالك،بل ليس الزاعم بأهل للكلام في مثل هذا من الأساس، فقد أقحم نفسه فيما لا علم له به.
ولا أدري إن كان ابن مالك كما يزعم المدعي وكان جميع أهل العلم والأدب في القرون الثمانية بعده سكتوا عنه جهلا وغفلة أو تقليدا ومسايرة أو لغير ذلك من الأسباب المتوهمة، فما الذي يبقى محل ثقة من تراثنا العلمي الممتد عبر هذه العصور ؟ الأمر جد غريب والخطب في مثل هذا النوع من التفكير الجهلي جد كبير، وإلى الله المشتكى ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
 
01.png
اطلعتُ على كتاب صدر حديثاً بعنوان (صناعة الشاهد الشعري عند ابن مالك الأندلسي) للدكتور نعيم سلمان البدري.

1534.jpg


بالغ فيه في الحطِّ على ابن مالك ، واتهامه بالكذب واختلاق الشواهد الشعرية، ونسبتها كذباً لشعراء العرب الذين يُحتجُّ بشعرهم، والدليل الوحيد الذي أكثر من الاستناد إليه المؤلف هو أَنَّهُ لم يجد من ذكر هذا الشاهد قبل ابن مالك. وهذه مسألة ذكرها المترجمون والمعاصرون لابن مالك ولم تكن قادحاً في صدقه وعلمه ، بل أثنوا عليه ونقلوا عنه ، وكان معروفاً بسعة روايته للشعر حتى بالغ بعضهم فوصفه بأنه يحفظ شعر العرب كله .
وقد أحببت التنويه بهذا البحث لعل معنياً بالنحو يلتفت إليه ، فالكتاب بحاجة إلى قراءةٍ متأنيةٍ للوقوف على أدلة الباحث، والتأمل في حقيقة هذه الدعوى ، علماً أنه ذكر أن تلك الشواهد المصنوعة - كما زعم - يوجد بدائل صحيحة لها .
نعيم سلمان غالي البدري رئيس قسم اللغة العربية بكلية التربية جامعة واسط العراقية رافضي شيعي خبيث، يريد أن يطعن في القرآن، وقد فعل من خلال مشاركته في مناقشة رسالة "آراء ابن مالك النحوية في تفاسير القران الكريم، دراسة وتحليل " للطالب (هاني كنهر عبد زيد؟ العتابي)، التي تناول فيها دراسة آراء ابن مالك النحوية التي نقلها المفسرون، ووجهوا إزاءها النصوص القرآنية،
فقد نقل المفسرون - كما يزعم- شواهد ابن مالك النحوية الشعرية المتهم باختلاقها، واستدلوا بها في توجيه النصوص القرآنية الكريمة.
وليس هذا بمستغرب من هذا الرافضي الخبيث، ولكن الأغرب أن يغتر به بعض الأغرار ممن ينتسب إلى السنة.
 
عاد الأمر جذعا بصدور كتاب (تدليس ابن مالك في شواهد النحو) لمؤلف يدعى فيصل بن علي المنصور عن دار الألوكة، فليتهم اطلعوا على ما نشر هنا وما كتبه أخي العزيز الأستاذ الدكتور تركي العتيبي والباحث المنصف أخونا الأستاذ أبو مالك العوضي ، ولكن حب الشهرة يعمي ويصم .
 
الأستاذ فيصل المنصور باحث جادّ, علم هذا من عرفه وقرأ مقالاته, وأصل كتابه رسالة ماجستير قدّمها بقسم اللغويات في الجامعة الإسلاميّة, وناقشها أستاذان جليلان: أ.د. عبدالفتاح محمد حبيب, وأ.د. محمد بن عبدالحيّ عمار سالم.
وقد خالفاه فيما ذهب إليه, غير أني لم أقف على من ردّ على دعاوي الأستاذ بعلم واستبصار حتى السّاعة.
وكل من عرض القضيّة إنما ناقش كليّات بعيدًا عن جزئيّات مؤثّرة, أو ردّ بدعاوى من لا يقدُر البحث قدره, وقد قرأت البحث غير مرّة, وحضرت مناقشته قبلًا, ورأيت إعلان صدوره في كتابٍ قبل يومين, غير أني فوجئت بكثرة المتكلّمين بجهل, ولو سكت من لا يعلم لهانت المسألة!
وأرجو أن يوفّق من يجيب عن إشكالاته بعلم, أو يصمت بحلم.. فإن آفة المستجدات تهافت الدخلاء وأحكام العامّة.
والباحث قد اطّلع على كلام الأستاذ العوضي والدكتور تركي وغيرهما, وأشار إلى ذلك في طيّات بحثه.
والله المستعان.
 
الاستدراكات التي استدركها المنصور على البدري في هذه القضية دليل على براءة ابن مالك من الكذب والتدليس، لأن هذه الأبيات التي استدرك المنصور على البدري أنها ليست من وضع ابن مالك لا تختلف كثيرا من حيث المستوى البلاغي عن بقية الأبيات، انظر مثلا إلى هذا البيت الذي زعم البدري أنه من وضع ابن مالك وأثبت المنصور أنه ليس من وضعه بل ذكر في أمالي القالي:
من القوم الرسولُ الله منهم لهم دانت رقابُ بني مَعَدِّ
هل مر معكم دخول ال على الجملة الاسمية لتكون وصفا للمعرفة كما في هذا البيت؟
وكذلك قول الآخر:
لئن كان حبِّيك لي كاذبًا لقد كان حُبِّيك حقًّا يقينا
فقد زعم البدري أنه من وضع ابن مالك وأثبت المنصور أنه ورد في شرح الأعلم للحماسة.
وقد أورد المنصور عشرة أبيات من هذا القبيل على سبيل التمثيل لا الحصر ، وهذا يعني أن عنده أكثر من هذه الأبيات
التي لا تختلف كثيرا عن بقية الأبيات فيما زعم المنصور من أن صياغتها ونظمها ومعانيها تدل على أنها من وضع ابن مالك ، ومع ذلك تبين أنها ليست من وضع ابن مالك، وقياسا على ذلك يجب أن يحكم على باقي الأبيات أنها ليست من وضعه، فسبحان من برأ ابن مالك من الكذب والتدليس بما وقع من خلاف بين رجلين اتهمه أحدهما بالكذب واتهمه الآخر بالتدليس.
قال المنصور في موقعه:
كما أنَّ معظَم معاني هذه الأبياتِ في الغايةِ من السقوطِ، والغثَاثةِ!
ودونَك مثَلاً قولَه:
ما شاءَ أنشأ ربِّي، والذي هو لم يشأ فلستَ تراه ناشئًا أبدا
وهل هذا إلا كقولِ الآخَر:
عجَبٌ عجَبٌ عجَبٌ عجَبُ بقرٌ تمشي ولها ذنبُ
ولها في بُزبزِها لبَنٌ يبدو للناس إذا حلبُوا
فعند المنصور أن معنى هذا البيت في الغاية من السقوط والغثاثة.
قلت والتعليق عليه في غاية الاستهزاء ، وقد نسي المنصور أن معنى البيت معنى شريف يدعو إلى التسليم بقدر الله، وهو مأخوذ من قول الرسول صلى الله عليه وسلم، كما جاء عند البغوي وله طرق أخرى:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ ، أَنَّ سَالِمًا الْقَرَّاءُ ، حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ الْحَمِيدِ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ ، حَدَّثَهُ ، أَنَّ أُمَّهُ ، حَدَّثَتْهُ وَكَانَتْ تَخْدِمُ بَعْضَ بَنَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّ بِنْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، حَدَّثَتْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَلِّمُهَا ، يَقُولُ : قُولِي حِينَ تُصْبِحِينَ : سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ ، مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ ، أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ، فَإِنَّهُ مَنْ قَالَهُنَّ حِينَ يُصْبِحُ ، حُفِظَ حَتَّى يُمْسِيَ ، وَمَنْ قَالَهُنَّ حِينَ يُمْسِي ، حُفِظَ حَتَّى يُصْبِحَ "
غاية ما يقال في هذه القضية إن اتبعنا المنهج العلمي وأخذنا بالاعتبار اتفاق العلماء على عدالة ابن مالك وأمانته وسعة اطلاعه على اللغة أنه استشهد بأبيات مجهولة يشك في أنها من عصر الاحتجاج، فلعله استقاها من مصادر لم تكن موثوقة فقدت ولم تصلنا، كما فقد بعض مصادر البغدادي في الخزانة وهو قريب عهد بنا، أما أن نتهمه بالكذب أو التدليس مع ما عرف عنه من صدق وأمانة وعدل فإني أبرأ إلى الله من ذلك.
كتبت هذا إبراء للذمة في موضوع رأيته عرضا في هذا المنتدى المبارك والله أسأل أن يتقبل ما كتبت.
 
مرحبا بالأستاذ الكريم الدكتور بهاء الدين في ملتقى أهل التفسير.
أشكر لكم ما قلتم ، ولكن لعل ردودكم تكون ردودا عِلْمِيَّةً...والأستاذ فيصل المنصور يُرَحِّبُ بِكُلِّ نَقْدٍ أو رَدٍّ عِلْمِيٍّ إن شاء الله.
سأنقل لكم كلام الأستاذ الحريري - حفظه الله - في ملتقى أهل اللغة ، لأنَّكم اعترضتم على الأستاذ فيصل بكلامٍ شبيهٍ بما أزجاه الحريريُّ:
" فسبحـان الله، كيف يوصف هذا المعنى بأنه في الغاية من السقوط والغثاثة؟ فإنه أصل من أصول عقيدة المسلمين، وهو مطابق لمعنى قول أهل العلم والإيمان:(ما شاء الله كان، ومل لم يشأ لم يكن)، وقد روي مرفوعا عند أبي داود وغيره، وهو في محكم القرآن:( وما تشاءون إلا أن يشاء الله). وهذا المعنى إحدى مراتب القدر الأربع، كما هو معلوم. فلا أدري كيف وقع من أستاذنا الفاضل وصف هذا المعنى بالسقوط والغثاثة، وجعله مثل البيت السخيف: عجب عجب عجب...؟ نعم لفظ البيت ونظمه كما قيل.
فلعل أستاذنا الفاضل ينظر في هذا، لاسيما أن المقال قد ذاع وانتشر، جزاكم الله خير وبارك فيكم
".
وهاكم جواب الأستاذ المنصور:
" بارك الله فيك، وشكرَ لك.
الذي أردتّه من قولي ذلك أنَّ معانيَ هذه الأبيات تشبِه النظم، وليس فيها روحُ الشِّعر. فلو وجدنا هذا البيتَ الذي أشرتَ إليه في منظومةٍ من منظوماتِ العقيدةِ، لم نَعِبه، ولكنَّا لا نقبَل أن يدَّعى أنّه قالَه عربيٌّ يُحتجّ بشعرِه. فسقوطُه إنما هو من جهةِ الزَّعم بأنه من معاني شعراءِ الاحتجاج. وحاشَ لله أن أريدَ أنَّ المعنى نفسَه ساقِطٌ إذا كان في حاقِّ موضعِه
".
وكلام الأستاذ الحريري جَيِّدٌ ، فليُرجَع إليه:
http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=5258&page=5
ولعل الدكتور الكريم بهاء الدين يكرمنا بعلمه في ملتقى أهل اللغة ، بارك الله فيه.
 
عودة
أعلى