لماذا فرق الله آيات المواريث في سورة النساء؟

إنضم
19 سبتمبر 2010
المشاركات
3
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
العمر
49
الإقامة
القاهرة
وردت أحكام المواريث في ثلاث آيات من كتاب الله، في سورة النساء، وهي الآيات الحادية عشرة والثانية عشرة والسادسة والسبعون بعد المائة (الأخيرة).
وهذه الآيات هي: { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11) وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ }[سورة النساء آية: 11- 12].
وقوله تعالى: { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }[سورة النساء آية: 176].
وكنت كلما قرأتُ هذه السورة الكريمة ثار تساؤلٌ في ذهني، وهو لماذا أخَّر اللهُ تبارك وتعالى الآية الثالثة من آيات المواريث فأتي بها في آخر السورة، ولم يلحقها بسابقتيها في الترتيب، ومعلوم أن ترتيب السور والآيات توقيفي من عند الله عز وجل، وليس من اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا من اجتهاد سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه حينما جمع القرآن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في مصحف واحد، ولا من صنع عثمان بن عفان رضي الله عنه حينما وحد المصاحف لئلا يختلف الناس في القرآن، وكتبه بلسان قريش.
كان هذا التساؤل يدور في ذهني مع تسليمي التام بأن الله تعالى إنما أخَّر هذه الآية لحكمة بالغة، ولكني لم أستطع إدراكها، وكنتُ أنشغل بأمور أخرى فلا أنشط للبحث والتنقيب عن تلك الحكمة في كلام المفسرين.
ومع مطالعة بعض التفاسير أحيانًا لم أكن أظفر بمن تحدَّث في هذا المعنى، فيزداد الأمر إغلاقًا عليَّ، حتى وفقني اللهُ يومًا ففتحتُ تفسير الفخر الرازي المسمى «مفاتيح الغيب» أو «التفسير الكبير»؛ فإذا بي أجد بغيتي؛ حيث صدَّر الفخر الرازي رحمه الله تفسير الآية الأخيرة من سورة النساء بقوله: «اعلم أنه تعالى تكلم في أول السورة في أحكام الأموال وختم آخرها بذلك ليكون الآخر مشاكلًا للأول، ووسط السورة مشتمل على المناظرة مع الفرق المخالفين للدين»(1).
فكما بدأ الله تعالى السورة بأحكام الأموال والمواريث ختمها بها، ومعلوم أن سورة النساء من السور التي عنيت ببيان الأحكام الفقهية، وهي سورة مدنية.
وهذه الآية (الأخيرة) تسمى بآية الصيف، قال الفخر الرازي: «قال أهل العلم: إن الله تعالى أنزل في الكلالة آيتين إحداهما في الشتاء وهي التي في أول هذه السورة، والأخرى في الصيف وهي هذه الآية، ولهذا تسمى هذه الآية آية الصيف»(2).
ثم أفادني الرازي فائدةً أخرى أعجبتني حين ختم كلامه بقوله: «واعلم أن في هذه السورة لطيفةً عجيبةً ، وهي أن أولها مشتمل على بيان كمال قدرة الله تعالى فإنه قال : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ } وهذا دالٌّ على سعة القدرة، وآخرها مشتمل على بيان كمال العلم وهو قوله { وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }، وهذان الوصفان هما اللذان بهما تثبت الربوبية والإلهية والجلالة والعزة، وبهما يجب على العبد أن يكون مطيعًا للأوامر والنواهي منقادًا لكل التكاليف»(3).
* * *​
(1) تفسير الفخر الرازي «مفاتيح الغيب» (11/122)، ط. دار الفكر- بيروت، الطبعة الأولى 1401هـ/1981م.
(2) المرجع السابق (11/122).
(3) المرجع السابق (11/123-124).
 
لو نظرنا في الآيات التي قبل آية الصيف .. لوجدنا أنّ فيها ذكراً للأنبياء ، وخاصة عيسى ابن مريم عليهم السلام .
وهم إخوة لعلّات كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فأتت آية مواريث الإخوة تنبيهاً على أخوّة الأنبياء وأنّ دينهم واحد .
 
بارك الله فيكم ونفع بكم .
توجيه جميل من الرازي رحمه الله ، وقد كتبت الباحثة الدكتورة منال مبطي المسعودي بحثاً عن (التناسب في تفسير الإمام الرازي) ونشرته مكتبة وهبة بالقاهرة .
 
سؤال جميل وتوجيهات لطيفة، ويظهر لي أن سورة النساء التي كثر الحديث فيها عن أصناف المستضعفين، اليتامى والنساء والولدان، حَسُن أن يكون فيها إشارة تجمع الأول مع الأخير، وترد العجز على الصدر، فكأني بهذه السورة التي بدأت الحديث عن اليتامى الذين فقدوا أصولهم، وختمت بالحديث عن المورثين الذين فقدوا فروعهم وأصولهم، كأني بها تخاطب الإنسان قائلة له: أنت بنفسك أيها الإنسان، لا بأصولك الذين ترث عنهم وتفاخر بهم، ولا بفروعك الذين تورثهم وتتزين بهم، وإنما أنت بما تحمله من ميراث تقوى الله، الذي نبهتك عليه في المطلع؛ فأوقفتك على حقيقة وجودك، وعلة إيجادك، فإياك ثم إياك أن تظلم من فقد والديه، فسيأتي يوم تفقد فيه الأصول والفروع، ولا ميراث حينئذ سوى تقوى الله عز وجل.
 
((فإن كان له إخوة فلأمه السدس))
لعل الراجح أن السدس المحجوب عن الأم ، هو للإخوة . وليس الأب
بدليل أن أول ما يتبادر إلى ذهن القارئ أن حجبهم لسدس الأم إنما لأنه لهم .
وأيضا لو نتأمل قوله تعالى : ((للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون)) .
والإخوة هم من الأقربين ، أليس كذلك ؟
 
{ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ))
معنى الكلالة يفيد بأن الوالدة غير موجودة .. فإن كانت موجودة : فبعد أن يُعطى قسمها (الثلث) ، نقسّم الباقي على ما ذكرت الآية الكريمة .
قلت هذا ؛ لأنه لو توفي عن أم وأخت .. فنصيب الأم إذاً لا ينقص عن نصيب الأخت .
للأم : الثلث ، وللأخت : نصف الباقي (الثلث) .. وهذا هو العدل .
أما أن نعطي الأخت أكثر من الأم فهذا لا يوافق حكم آية الميراث الأولى : ((يوصيكم الله في ..)) التي تدل على أن الأم أقرب إلى الميت من الأخت .

فإن قيل : فما تقول في معنى قوله سبحانه : ((فإن كان له إخوة فلأمه السدس)) ؟
ألا يدل على أن الأختين -لو ورثتا مع الأم- لكل واحد منهما : الثلث ، وللأم السدس ؟
فالجواب : كلا ، فإن قوله سبحانه : ((إخوة)) يحتمل إرادة الثلاث فما فوقه كما هو معلوم .
فلما كانت الأم أقرب ميراثاً للميت ، حملنا معنى (إخوة) على هذا المعنى ليتوافق الإرث مع الأقرب .
فلا ينقص إذاً من الأم الثلثُ حتى تكون ثلاث أخوات فصاعداً -وهذا مما تحتمله الآية الكريمة- .
ولا ينقص الثلث من الأم كذلك إن توفي ابنها : عنها وعن أخ وأخت ؛ للسبب نفسه . فالأخت سيكون نصيبها أكبر من الأم .

والله أعلم
 
السدس المحجوب عن الأم ، هو للإخوة
بظاهر الآية الكريمة .
إلا إنه قد يتبين للمجتهد أن المصلحة في إرثٍ مّا : أن لا يرثوا .
كأن يكون الأب متشدداً في أخذ مال ابنه ، فيعطاه بحجة الحديث النبوي : (أنت ومالك لأبيك) ، وبظاهر قوله تعالى -في نفس الآية- : ((آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً)) .

* لعل الجواب عن : لم فرّقت الآية الكريمة بين الإخوة والأخ الواحد ؟
هو أنه لمّا لم يجب أن يرث الإخوة -كما تبين- ، فمن باب أَوْلى : الأخ الواحد .
 
عودة
أعلى