سورة الكافرون ، هل هي عامة أم خاصة

إنضم
16/11/2009
المشاركات
1,296
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
العمر
72
الإقامة
تارودانت-المغرب
يقول تعالى : ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ . لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ . وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ . وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ . وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ . لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ [الكافرون:1-6] .

يقول الإمام الطبري – رحمه الله – (ت:310هـ) : " يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وكان المشركون من قومه - فيما ذُكر - عرضوا عليه أن يعبدوا الله سنة ، على أن يعبد نبيّ الله صلى الله عليه وسلم آلهتهم سنة ، فأنزل الله مُعَرّفه جوابهم في ذلك : قُلْ يا محمد لهؤلاء المشركين الذين سألوك عبادة آلهتهم سنة ، على أن يعبدوا إلهك سنة يا أيّها الكافِرُونَ بالله لا أعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ من الآلهة والأوثان الآن ، وَلا أنْتُمْ عابِدُونَ ما أعْبُدُ الآن ، وَلا أنا عابِدٌ فيما أستقبل ما عَبَدْتُمْ فيما مضى ، وَلا أنْتُمْ عابِدُونَ فيما تستقبلون أبدا ما أعْبُدُ أنا الآن ، وفيما أستقبل . وإنما قيل ذلك كذلك ؛ لأن الخطاب من الله كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أشخاص بأعيانهم من المشركين ، قد علم أنهم لا يؤمنون أبدا ، وسبق لهم ذلك في السابق من علمه ، فأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يُؤَيّسَهم من الذي طمعوا فيه ، وحدّثوا به أنفسهم ، وأن ذلك غير كائن منه ولا منهم ، في وقت من الأوقات ، وآيسَ نبيّ الله صلى الله عليه وسلم من الطمع في إيمانهم ، ومن أن يفلحوا أبدا ، فكانوا كذلك لم يفلحوا ولم ينجحوا ، إلى أن قُتِل بعضُهم يوم بدر بالسيف ، وهلك بعض قبل ذلك كافرا " .
من خلال ما سبق من تفسير الإمام الطبري يبرز السؤال الآتي : سورة الكافرون ، هل هي عامة لجميع الكفار في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أم هي خاصة لأشخاص بأعيانهم .

والله أعلم وأحكم
 
سؤال مهم بل هو أهم سؤال يطرح حاليا في الدراسات الحداثوية والعصرانية. هذه العبارة (فأنزل الله مُعَرّفه جوابهم في ذلك) تدل على السبب وتأويل الإمام الطبري في كليته يؤكد السبب، ولولا ذلك لأفادت العبارة تلك قرائتين: السبب والمناسبة حسب نوع الدلالة في المنطوق والمفهوم والإقتضاء.. لو صحت تلك الحادثة التاريخية فيجب أن نقول أنها وافقت نزول الآية وهنا تكمن الآية (الحجة) الخطابية من حيث الآلة ومن حيث المقاصد؛ و لم تكن تلك الحادثة سببا لنزول القرءان. على ذلك نستفيد أن المناسبة عامة والسبب خاص. أما الذي يقول بالسبب فيستطيع إعمال تلك القاعدة الأصولية التي تقول أن العبرة بعموم اللفظ وهي قاعدة لم يعقد عليها الإجماع إذ من العلماء من ذهب إلى عكسها أي العبرة عندهم بخصوص السبب؛ وأظن أن الفرق منطقيا هو أن القاعدة الأولى تقيم الإستدلال الجدلي في القياس مثلا بينما يقوم الإستدلال البرهاني بالأخرى، والله أعلم.

أنا أقول بالمناسبة بدليل أن القرءان كلام الله وإنه في أم الكتاب والكلام الإلهي يستوي على التاريخ. فهي إذن عامة لجميع الكفار (كل من علم الحق بعد أن عرض عليه واستيقنه ثم أعرض عنه) في أمة محمد (أمة الدعوة) في عهدى النبي الجسماني والمنطقي والأول إنتهى بوفاته صلى الله عليه وسلم والثاني مستمر إلى يوم الدين.
 
جزاك الله خيرا،
عجبا لمن يتخذون الآية الاخيرة من هذه السورة دليلا على المُداراة وينسون آيتها الاولى.
وفيما يتعلق بسؤالك فليس لي إلا أن أقول إني احسب العبارة الاصطلاحية هي (أهي سورة عامة يُراد بها الخصوص؟).
 
﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ . لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ . وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ . وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ . وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ . لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ [الكافرون:1-6] .
لما كان قوله: "لا أَعْبُدُ" محتملا أن يراد به الآن ويبقى المستأنف منتظرا ما يكون فيه من عبادته جاء البيان بقوله: "وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ"، أي أبدا وما حييت.
ثم جاء قوله: "وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ" الثاني حتما عليهم أنهم لا يؤمنون به أبدا كالذي كشف الغيب؛ وعلى هذا المعنى فهي خاصة.
وزاد الأمر بيانا وتبريا منهم بقوله: "لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ"، وهو مقصد الآية.
والله أعلم.
وأصل المعنى من تفسيرابن عطية.
 
ذكر السمعاني في تفسيره للآية 64 من سورة الزمر:
قوله تعالى: {قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون} روى أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: استلم بعض آلهتنا ونحن نؤمن بك، وروى انهم قالوا: نعبد إلهك سنة، وتعبد آلهتنا سنة، فأنزل الله تعالى هذه الآية. (دار الوطن، ج4 ص479)

وقال ثناء الله المظهري في تفسيره لنفس الآية:
أخرج الطبراني وابن أبي حاتم عن ابن عباس أن قريشا دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يعطوه مالا فيكون أغنى رجل بمكة ويزوجوه ما أراد من النساء فقالوا: هذا لك يا محمد وكف عن شتم آلهتنا ولا تذكرها بسوء فإن لم تفعل فاعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة، قال: حتى أنظر ما يأتيني من ربي، فأنزل الله تعالى: {قل يا أيها الكافرون} إلى آخر السورة، وأنزل {قل} يا محمد {أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون}؛ وأخرج البيهقي في الدلائل عن الحسن البصري قال: قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: تضلل آباءك وأجدادك يا محمد، فأنزل الله هذه الآية إلى قوله {من الشاكرين} وقال البغوي قال مقاتل أن كفار مكة دعوه إلى دين آبائه، فنزلت. (دار إحياء التراث العربي، ج8 ص178)

لماذا (الجاهلون) هنا و (الكافرون) هناك؟
 
نعود لما قاله الإمام الطبري : " وإنما قيل ذلك كذلك ؛ لأن الخطاب من الله كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أشخاص بأعيانهم من المشركين ، قد علم أنهم لا يؤمنون أبدا ، وسبق لهم ذلك في السابق من علمه ، فأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يُؤَيّسَهم من الذي طمعوا فيه ، وحدّثوا به أنفسهم ، وأن ذلك غير كائن منه ولا منهم ، في وقت من الأوقات ، وآيسَ نبيّ الله صلى الله عليه وسلم من الطمع في إيمانهم ، ومن أن يفلحوا أبدا ، فكانوا كذلك لم يفلحوا ولم ينجحوا ، إلى أن قُتِل بعضُهم يوم بدر بالسيف ، وهلك بعض قبل ذلك كافرا ".
من خلال ما أشار له الإمام الطبري يتبين أن السورة فيها من الإخبار عن الإياس من رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن يرجع إلى دين الكافرين ، والإياس من الكافرين أن يؤمنوا بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فإذا كان ذلك كذلك ، فكيف يُعقل أن يكون الإياس من الكافرين ، والسورة نزلت بمكة وجل الناس كانوا من الكافرين ؟ وبعد هذه السورة دخل إلى الإسلام العدد الكثير بعد أن كانوا كافرين .

والله أعلم وأحكم
 
فهذا الذي ذكرت يؤكد انها في ناس مخصوصين من الكفار، وتكون في ذلك مثل قوله تعالى: "ان الذين كفروا سواء عليهم ءانذرتهم ام لم تنذرهم لا يومنون" التي حكي الاتفاق على انها غير عامة لوجود كفار أسلموا.
 
اعتذر منكم أساتذتي الكرام على التدخل ، فقد جرى نقاش مع أحد الإخوة بشأن هذه السورة وبرز سؤال يحتاج لإجابة :
ألا يمكن اعتبار تخصيص الآية من قبيل القول بالنسخ ؟؟ ، وذلك من عدة وجوه ، أولها تعارضها مع آية السيف ، والثاني أن المعنيين بالآية من المأمور بالقول (صلى الله عليه وسلم) والمعنيين بالخطاب من كفار قريش أفضوا إلى ربهم وانتهت الآية ببلوغ أجلهم فهل هذا القول صحيح ؟
 
التي حكي الاتفاق على انها غير عامة لوجود كفار أسلموا.
تقييد المطلق وتخصيص العام يكون بالقرءان أو ببيان نبوي صحيح، سيدي الأستاذ البورقادي لأن الواقع تاريخا أم حادثا كونيا كان لا ينسخ القرءان الكريم؛ وإلا جاز عقلا أن نساوي بين كل الكتب الدينية من حيث صدق ما فيها وتناسبه مع الحقائق الدنيوية التاريخية والكونية والإنسانية. وعليه فإن قولك هذا سيشبه قول من يقول من أهل الكتاب أن ما جاء في (سفر اللاويين 11: 6) "وَالأَرْنَبَ، لأَنَّهُ يَجْتَرُّ لكِنَّهُ لاَ يَشُقُّ ظِلْفًا، فَهُوَ نَجِسٌ لَكُمْ" غير عام لوجود أرانب ذوات المعدة البسيطة، يعني: الأرانب المجترة من نوع خاص ربما إنقرضت أو نُسخت، لا أدري .. وهذا خطأ إرتكبه بعض المفسرين في تأويل الآية {وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} مثلا والتي قال فيها الفخر الرازي رحمه الله (الشمس أكبر من الأرض بمرات كثيرة فكيف يعقل دخولها في عين من عيون الأرض؟). كيف؟ الذي يعترض على القرءان من ناحية المضمون المعرفي إنما يعترض لوجود معلومة خبرية مخالفة لمعلومة عقلية، فالتأويل يجب أن يكون داخليا لا التأويل الرشدي (إقترحه إبن رشد رحمه الله في قانونه)، وإلا لا وجود لكتاب ديني على وجه المعمورة فيه ما يخالف المعلوم المؤكد، وذلك إما بتلك الطريقة "حكي الاتفاق على انها غير عامة لوجود حدث تاريخي أو واقعي ناسخ" أو بطريقة "الناسخ والمنسوخ" في الأحكام والأخبار فما كان في الأخبار فهو كذلك من حيث الظاهر فقط، أي أن بواطن الأخبار أحكام وقيم!

ثم أفهم من العبارة (لوجود كفار أسلموا) أننا نضع هنا الكفر مقابل الإسلام، وهذا عندي غير معقول لإحتمال النفاق والإسلام المجرد من تحقق الإيمان في القلب. فالإيمان يقابله الكفر، والإسلام يقابله "غير الإسلام"، وغير الإسلام إما بالتلقين {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} الآية أي (فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه) الحديث، وإما بالإبتغاء {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} الآية.

هذا وقد سألت في ردي أعلاه لماذا قال الله سبحانه في سورة الزمر {أيها الجاهلون} وفي سورة الكافرون {أيها الكافرون}؟

خلاصة الكلام: سنصل ولابد إلى التفريق بين مفهوم الكفر عند التكفيريين والمفهوم القرءاني، ويكمن الإحتمال الثاني في الرفض المتطرف (بالإستثناء أي أهل البيت وبعض الصحابة من المنتجبين)، فهل من احتمال آخر؟
 
سيدي الأستاذ زواشتي، ففرق بين النسخ والتخصيص، واما ما ذكرته من تخصيص فهو حكاية لاجماع واتفاق على ذلك عند المفسرين نقله ابن عطية في تفسير الآية، ويصعب تفسير الآية دون التزام ذلك، وتخصيص العمومات من العربية وفي القرآن.
والذي لا أحسبه يجوز هو مثل التساؤل عن لماذا قال الله كذا ولم يقل كذا، كما في السؤال، ولذلك تجنبت الكلام في ذلك.
 
وماذا نفعل بعبارات المفسرين من قبيل قال الله كذا ولم يقل كذا وقال الله كذا وفي موضع كذا، أستاذنا البورقادي؟ أرى أن أتجنّب التفصيل هنا إذ سيؤدي إلى مبحث كلامي يتعلق بالكلام على أنه صفة ذاتية النوع فعلية الآحاد، فتأتي مسألة الحكمة والتعليل في أفعال الله، وسندخل في متاهة؛ فأكتفي بالصلاة: أستغفر الله وأتوب إليه.

من تفسير الفخر الرازي رحمه الله:

المسألة الثانية: روي في سبب نزول هذه السورة أن الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن عبد المطلب، وأمية بن خلف، قالوا لرسول الله: تعال حتى نعبد إلهك مدة، وتعبد آلهتنا مدة، فيحصل مصلحة بيننا وبينك، وتزول العداوة من بيننا، فإن كان أمرك رشيدا أخذنا منه حظا، وإن كان أمرنا رشيدا أخذت منه حظا، فنزلت هذه السورة ونزل أيضا قوله تعالى {قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون} فتارة وصفهم بالجهل وتارة بالكفر، واعلم أن الجهل كالشجرة، والكفر كالثمرة، فلما نزلت السورة وقرأها على رؤوسهم شتموه وأيسوا منه، وههنا سؤالات:

السؤال الأول: لم ذكرهم في هذه السورة بالكافرين، وفي الأخرى بالجاهلين؟

الجواب: لأن هذه السورة بتمامها نازلة فيهم، فلابد وأن تكون المبالغة ههنا أشد، وليس في الدنيا لفظ أشنع ولا أبشع من لفظ الكافر،
وذلك لأنه صفة ذم عند جميع الخلق سواء كان مطلقا أو مقيدا، أما لفظ الجهل فإنه عند التقييد قد لا يذم، كقوله عليه السلام في علم الأنساب: (علم لا ينفع وجهل لا يضر).

السؤال الثاني: لما قال تعالى في سورة التحريم {يا أيها الذين كفروا} ولم يذكر قل، وههنا ذكر قل، وذكره باسم الفاعل.

الجواب: الآية المذكورة في سورة التحريم (لم تحرم): إنما تقال لهم يوم القيامة وثمة لا يكون الرسول رسولا إليهم فأزال الواسطة وفي ذلك الوقت يكونون مطيعين لا كافرين. فلذلك ذكره بلفظ الماضي، وأما ههنا فهم كانوا موصوفين بالكفر، وكان الرسول رسولا إليهم، فلا جرم قال {قل يا أيها الكافرون}.

السؤال الثالث: قوله ههنا {قل يا أيها الكافرون} خطاب مع الكل أو مع البعض؟

الجواب: لا يجوز أن يكون قوله {لا أعبد ما تعبدون} خطابا مع الكل، لأن في الكفار من يعبد الله كاليهود والنصارى فلا يجوز أن يقول لهم {لا أعبد ما تعبدون} ولا يجوز أيضا أن يكون قوله {ولا أنتم عابدون ما أعبد} خطابا مع الكل، لأن في الكفار من آمن وصار بحيث يعبد الله فإذن وجب أن يقال: إن قوله {يا أيها الكافرون} خطاب مشافهة مع أقوام مخصوصين وهم الذين قالوا نعبد إلهك سنة وتعبد آلهتنا سنة،
والحاصل أنا لو حملنا الخطاب على العموم دخل التخصيص، ولو حملنا على أنه خطاب مشافهة لم يلزمنا ذلك، فكان حمل الآية على هذا المحمل أولى.
( دار إحياء التراث العربي، ج32 ص144)

وتخصيص العمومات من العربية وفي القرآن

بعض الأسئلة:
1) ما معنى (تخصيص العمومات من العربية وفي القرآن) ؟

2) ما معنى (والحاصل أنا لو حملنا الخطاب على العموم دخل التخصيص، ولو حملنا على أنه خطاب مشافهة لم يلزمنا ذلك، فكان حمل الآية على هذا المحمل أولى) ؟

3) تقييد الجهل (الجهل النسبي: جاهل بكذا وكذا) مفهوم، فما معنى تقييد الكفر؟
 
اعتذر منكم أساتذتي الكرام على التدخل ، فقد جرى نقاش مع أحد الإخوة بشأن هذه السورة وبرز سؤال يحتاج لإجابة :
ألا يمكن اعتبار تخصيص الآية من قبيل القول بالنسخ ؟؟ ، وذلك من عدة وجوه ، أولها تعارضها مع آية السيف ، والثاني أن المعنيين بالآية من المأمور بالقول (صلى الله عليه وسلم) والمعنيين بالخطاب من كفار قريش أفضوا إلى ربهم وانتهت الآية ببلوغ أجلهم فهل هذا القول صحيح ؟

رجعت إلى تفسير إمام المفسرين في المغرب (ولابد من هذه الإضافة لأن إمامهم من جهة المشرق هو إبن جرير رحمهما الله) فوجدت أنه يقول: (وقال بعض العلماء: في هذه الألفاظ مهادنة ما، وهي منسوخة بآية القتال)؛ فقلت: إن قولهم هذا مجرد وهم إذ كلام الله لا يختلف، لا يتناقض، ويحتمل أنهم أرادوا بالنسخ تفصيل المجمل وتخصيص العام وتفكيك المشترك وتقييد المطلق، لا المعنى الإصطلاحي المتأخر؛ لكن من الباحثين من يقول أن النسخ عند السلف يشمل رفع الحكم أيضا وهذا صحيح إلا أنه لم يقع في القرءان بدليل خلوه من الإختلاف وبدليل عدم حصول الإتفاق حول آية قرءانية واحدة مما طبق عليه قصة "الناسخ والمنسوخ" أما نسخ الآيات الأخرى خارج القرءان فحق لا لبس فيه مثل آيات سابقة ونسخ المسكوت عنه وهكذا فنجد مثلا إستقبال بيت المقدس علامة (آية) كانت تدل على ما تبقى من آثار النبوات وهذه الآية منسوخة، نعم.
 
ما معنى (والحاصل أنا لو حملنا الخطاب على العموم دخل التخصيص،
ولو حملنا على أنه خطاب مشافهة لم يلزمنا ذلك، فكان حمل الآية على هذا المحمل أولى) ؟

دخول التخصيص كما تقدم من القول عند ابن عطية: لوجود كفار اسلموا، وكما عند الفخر:من دخول التخصيص في نفي عبادة مثل الكفار لان فيهم من يعبد الله كاهل الكتاب؛ ويكون التخصيص بالمشركين، على ان قوله معترض.
اما قوله: ولو حملناه على المشافهة فظاهر عدم احتياجه لتخصيص لتخصصه بمخاطب معين مواجه له الخطاب.
وما ذكر من تخصيص جواب على السؤال الأول.
تقييد الجهل (الجهل النسبي: جاهل بكذا وكذا) مفهوم، فما معنى تقييد الكفر؟

معنى تقييد الكفر كالاول بصفة او غيرها، مثل ما في الحديث المتفق عليه: من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مومن بي كافر بالكواكب.
اما تطلب وجه الحكمة فهو كذلك وتبقى صيغة السؤال هي المتحفظ عليها.


 
بارك الله فيك، سيدي الدكتور البورقادي. نعم، الأصل {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}؛ وفي الحقيقة لقد كان في نفسي من تلك الصيغة شيء إلى أن رأيت أنها قد جرت على ألسنة من هم أعلم مني في هذا الشأن فتراجعت ولا نرميهم بسوء الأدب مع الله فالمنطوق لم قال الله كذا بينما المفهوم هو ما الحكمة في قوله تعالى كذا وكذا. والله أعلم.

مومن بي كافر بالكواكب، مثال جميل وأجمل منه قوله تعالى {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا} ووجه المفاضلة أن القرءان عكس الحديث القدسي يتعبد بتلاوته. كل مؤمن بالله كافر بالطاغوت .. وهكذا هو الكفر النسبي الذي لا ينطبق عليه قول شيخ المعقول والمنقول رحمه الله (وليس في الدنيا لفظ أشنع ولا أبشع من لفظ الكافر) وكيف ينطبق عليه وقد أمرنا بالعدل وحسن المعاملة والجدال بالتي هي أحسن وو.. كيف تجادل الكافر؟ تقول له يا كافر! وتجادله؟ لا يستقيم، ميصلحش. وبهذا المعنى نحن كافرون بالهندوسية والهندوسي كافر بالإسلام، لكن لا نقول الهندوسي كافر لكن هو غير مسلم أو كافر بالإسلام أو لا يؤمن بالإسلام، وما وراء ذلك العلم عند الله. وبهذا نزيل ما يشكل علينا في فهم سورة الكافرون. {يا أيها الكافرون} الجاحدون، فالجاحد كافر، بينما الجاهل على دينه على شركه أو أي دين آخر غير الإسلام. والبينة (الإعجاز الغيبي) بهذه السورة مثلما وقع في سورة المسد.

السؤال التالي:
شيخ المعقول والمنقول كان يعلم أن الكفر كالجهل في الإطلاق والتقييد، فما الحاجة إلى التوسل بخطاب المشافهة والذي يفضي إلى إقرار تاريخانية السورة ؟
 
﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ . لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ . وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ . وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ . وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ . لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ [الكافرون:1-6] .
لما كان قوله: "لا أَعْبُدُ" محتملا أن يراد به الآن ويبقى المستأنف منتظرا ما يكون فيه من عبادته جاء البيان بقوله: "وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ"، أي أبدا وما حييت.
ثم جاء قوله: "وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ" الثاني حتما عليهم أنهم لا يؤمنون به أبدا كالذي كشف الغيب؛ وعلى هذا المعنى فهي خاصة.
وزاد الأمر بيانا وتبريا منهم بقوله: "لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ"، وهو مقصد الآية.
والله أعلم.
وأصل المعنى من تفسيرابن عطية.
السلام عليكم اخي مخلص
إن كانت دلالة الزمان دلّتك على ما قلت، فماذا ترى في مواضع قوله تعالى "اعملوا على مكانتكم"، أليست أفعالٙ امر تدل على المستقبل؟ أفتكون إذن عامة يراد بها الخصوص أيضاً؟
 
يقول ابن كثير – رحمه الله – (ت:774هـ) : " فقوله : {قل يا أيها الكافرون} شمل كل كافر على وجه الأرض ، ولكن المواجهين بهذا الخطاب هم كفار قريش .
وقيل : إنهم من جهلهم دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبادة أوثانهم سنة ، ويعبدون معبوده سنة " .
وهو ما عبر عنه الشوكاني – رحمه الله – (ت:1250هـ) بقوله : " الألف ، واللام في : { يا أيها الكافرون } للجنس ، ولكنها لما كانت الآية خطاباً لمن سبق في علم الله أنه يموت على كفره كان المراد بهذا العموم خصوص من كان كذلك ، لأن من الكفار عند نزول هذه الآية من أسلم وعبد الله سبحانه " .

والله أعلم وأحكم
 
وقيل: إنهم من جهلهم دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبادة أوثانهم سنة ، ويعبدون معبوده سنة " .

هذا الذي قيل غير صحيح، فالكافر ليس جاهلا عندما نقصد الجهل المعرفي، بل هو عالم. إصطلاحيا هو جاهل إذ عقيدته في الحق أو الباطل سواء على خلاف ما هو عليه فيعتقد بالباطل وهو يعلم أنه حق. أما في الكفر النسبي فالجاهلون هم كذلك أو مشركون أو وثنيون أو يهود الى اخره تتعدد الأسماء والمسمى واحد "هم على غير الإسلام".

الكافر بدون تقييد فرعون وحاشيته من الذين ينطبق عليهم ما انطبق على فرعون: علم الحق حقا + استيقنه في قلبه + أعرض عنه. هو إبليس، هو أبو جهل وكل من حكم الله عليهم بالكفر هكذا. وليس بابا الفاتيكان مثلا!! طبعا في الظاهر هو كافر بالإسلام أي هو من غير المسلمين كما نحن كافرون بالكاثوليكية أي نحن من غير الكاثوليك. هذا كفر نسبي. حقيقته؟ الله أعلم. والعكس صحيح، إذ لا أفهم لماذا يقول خطيب الجمعة " أيها المومنون " ..! مين قاللو هم مومنون؟ هم مسلمون نعم لكن مومنون هكذا بدون تقييد؟ لا يستقيم.

https://vb.tafsir.net/tafsir11831/#.WKXZVMvTVAg
 
وحتى تتضح الصورة أكثر ، سأسوق هنا نصا لابن تيمية – رحمه الله – (ت:728هـ) رغم طوله لأهميته . جاء في (مجموع الفتاوى) 16/545 : " {قل يا أيها الكافرون} خطاب لكل كافر وكان يقرأ بها في المدينة بعد موت أولئك المعينين ويأمر بها ويقول هي براءة من الشرك . فلو كانت خطابا لأولئك المعينين أو لمن علم منهم أنه يموت كافرا لم يخاطب بها من لم يعلم ذلك منه . وأيضا فأولئك المعينون إن صح أنه إنما خاطبهم فلم يكن إذ ذاك علم أنهم يموتون على الكفر . والقول بأنه إنما خاطب بها معينين قول لم يقله من يعتمد عليه . ولكن قد قال مقاتل بن سليمان : إنها نزلت في أبي جهل والمستهزئين ولم يؤمن من الذين نزلت فيهم أحد . ونقل مقاتل وحده مما لا يعتمد عليه باتفاق أهل الحديث كنقل الكلبي . ولهذا كان المصنفون في التفسير من أهل النقل لا يذكرون عن واحد منهما شيئا كمحمد بن جرير وعبد الرحمن بن أبي حاتم وأبي بكر بن المنذر فضلا عن مثل أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه . وقد ذكر غيره هذا عن قريش مطلقا كما رواه عبد بن حميد عن وهب بن منبه قال : قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم إن سرك أن ندخل في دينك عاما وتدخل في ديننا عاما فنزلت {قل يا أيها الكافرون} حتى ختمها. وعن ابن عباس قالت قريش : يا محمد لو استلمت آلهتنا لعبدنا إلهك فنزلت السورة . وعن قتادة قال : أمره الله أن ينادي الكفار فناداهم بقوله ﴿يا أيها﴾ . وروى ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه . قال كفار قريش فذكره . وقال عكرمة : برأه الله بهذه السورة من عبدة جميع الأوثان ودين جميع الكفار وقال قتادة : أمر الله نبيه أن يتبرأ من المشركين فتبرأ منهم . وروى قتادة عن زرارة بن أوفى : كانت تسمى " المقشقشة ". يقال : قشقش فلان إذا برئ من مرضه فهي تبرئ صاحبها من الشرك . وبهذا نعتها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المعروف في المسند والترمذي من حديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن « فروة بن نوفل عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : فمجيءٌ ما جاء بك ؟ قال : جئت يا رسول الله لتعلمني شيئا أقوله عند منامي . قال : إذا أخذت مضجعك فاقرأ ﴿قل يا أيها الكافرون﴾ ثم نم على خاتمتها فإنها براءة من الشرك » ". رواه غير واحد عن أبي إسحاق وكان تارة يسنده وتارة يرسله رواه عنه زهير وإسرائيل مسندا ؛ ورواه عنه شعبة ولم يذكر عن أبيه وقال " عن أبي إسحاق عن رجل عن فروة بن نوفل " ولم يقل " عن أبيه ". قال الترمذي : وحديث زهير أشبه وأصح من حديث شعبة . قال : وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه فرواه عبد الرحمن بن نوفل عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الرحمن بن نوفل هو أخو فروة بن نوفل . قلت : وقد رواه عن أبي إسحاق إسماعيل بن أبي خالد قال : « جاء رجل من أشجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله علمني كلاما أقوله عند منامي . قال : إنك لنا ظئر اقرأ ﴿قل يا أيها الكافرون﴾ عند منامك فإنها براءة من الشرك » ". فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدا من المسلمين أن يقرأها وأخبره أنها براءة من الشرك . فلو كان الخطاب لمن يموت على الشرك كانت براءة من دين أولئك فقط لم تكن براءة من الشرك الذي يسلم صاحبه فيما بعد . ومعلوم أن المقصود منها أن تكون براءة من كل شرك اعتقادي وعملي . وقوله : ﴿لكم دينكم ولي دين﴾ خطاب لكل كافر وإن أسلم فيما بعد . فدينه قبل الإسلام له كان والمؤمنون بريئون منه وإن غفره الله له بالتوبة منه كما قال لنبيه ﴿فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون﴾ [الشعراء:216] ، فإنه بريء من معاصي أصحابه وإن تابوا منها . وهذا كقوله : ﴿وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون﴾ [يونس:41] . وروى ابن أبي حاتم حدثنا أبي ثنا محمد بن موسى الجرشي ثنا أبو خلف عبد الله بن عيسى ثنا داود بن أبي هند عن عكرمة عن « ابن عباس أن قريشا دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يعطوه مالا فيكون أغنى رجل فيهم ويزوجوه ما أراد من النساء ويطئوا عقبه أي يسودوه فقالوا : هذا لك عندنا يا محمد وكف عن شتم آلهتنا فلا تذكرها بسوء . فإن لم تفعل فإنا نعرض عليك خصلة واحدة وهي لك ولنا فيها صلاح . قال : ما هي؟ . قالوا : تعبد آلهتنا سنة اللات والعزى ونعبد إلهك سنة . قال حتى أنظر ما يأتيني من ربي . فجاءه الوحي من الله من اللوح المحفوظ ﴿قل يا أيها الكافرون﴾ إلى آخرها وأنزل الله عليه ﴿قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون﴾ [الزمر:54] ، ﴿ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين﴾ [الزمر:65] ، ﴿بل الله فاعبد وكن من الشاكرين﴾ [الزمر:66] . وقوله ﴿أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون﴾ [الزمر:54] خطاب لكل من عبد غير الله وإن كان قد قدر له أن يتوب فيما بعد . وكذلك كل مؤمن يخاطب بهذا من عبد غير الله . وقوله في هذا الحديث " « حتى أنظر ما يأتيني من ربي » " قد يقول هذا من يقصد به دفع الظالمين بالتي هي أحسن ليجعل حجته أن الذي عليه طاعته قد منع من ذلك فيؤخر الجواب حتى يستأمره وإن كان هو يعلم أن هذا القول الذي قالوه لا سبيل إليه . وقد تخطب إلى الرجل ابنته فيقول : حتى أشاور أمها وهو يريد أن لا يزوجها بذلك ويعلم أن أمها لا تشير له . وكذلك قد يقول النائب : حتى أشاور السلطان . فليس في مثل هذا الجواب تردد ولا تجويز منه أن الله يبيح له ذلك وقد كان جماعة من قريش من الذين يأمرونه وأصحابه أن يعبدوا غير الله ويقاتلونهم ويعادونهم عداوة عظيمة على ذلك ثم تابوا وأسلموا وقرءوا هذه السورة . ومن النقلة من يُعَيِّنُ ناسا غير الذين عينهم غيره . منهم من يذكر أبا جهل وطائفة ومنهم من يذكر عتبة بن ربيعة وطائفة ومنهم من يذكر الوليد بن مغيرة وطائفة . ومنهم من يقول : طلبوا أن يعبدوا الله معه عاما ويعبد آلهتهم معهم عاما . ومنهم من يقول : طلبوا أن يستلم آلهتهم . ومنهم من يقول : طلبوا الاشتراك كما روى ابن أبي حاتم وغيره عن ابن إسحاق قال : حدثني سعيد بن ميناء مولى أبي البختري قال « لقي الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن المطلب وأمية بن خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : هلم فلنعبد ما تعبد وتعبد ما نعبد ولنشترك نحن وأنت في أمرنا كله . فإن كان الذي جئت به خيرا مما بأيدينا كنا قد شركناك فيه وأخذنا بحظنا منه . وإن كان الذي بأيدينا خيرا مما بيدك كنت قد شركتنا في أمرنا وأخذت بحظك منه . فأنزل الله السورة » . وهذا منقول عن عبيد بن عمير وفيه أن القائل له عتبة وأمية . فهذه الروايات متطابقة على معنى واحد وهو أنهم طلبوا منه أن يدخل في شيء من دينهم ويدخلوا في شيء من دينه ثم إن كانت كلها صحيحة فقد طلب منه تارة هذا وتارة هذا وقوم هذا وقوم هذا . وعلى كل تقدير فالخطاب للمشركين كلهم من مضى ومن يأتي إلى يوم القيامة " .

والله أعلم وأحكم
 
عودة
أعلى