(( أقبل يدك ولا تفتح موضوع ( السين الثالثة ) لأنها محل اتفاق بين القراء والأصوات ولا نريدأن نفتح جبهة أخري ))
شيخنا وأستاذنا رصين الرصين .. هل أفهم من كلامكم أن سيبويهرحمه الله يخالف الخليل رحمه الله في الضاد ؟
لو توضح لنا شيخنا موقفك بوضوح لو سمحتم . بارك الله فيكم .
بارك الله فيكم يا شيخ
هذا كان مثالا فقط للتعقيد الذي يصطبغ به وصف الأصوات عند المحدثين
ولا داعي لفتحه؛ لطبيعته الخاصة، وعدم إشكاله في العربية
لكن ثمة نقطة هامة مهمة قد سبق لي الإشارة إليها مرارا وتكرارا
صدقني يا شيخ عبدالحكيم
الدرس السامي المقارن كفيل بحسم كثير من الخلافات، وهذا ما ينقص كثيرا من دكاترة العربية ممن ألف في الأصوات
ولم يعتمد المنهج المقارن، واكتفى بالمنهج الوصفي
وهذا العلم (اللغات السامية) هو الذي يميز عالم العربية من غيره، وقد سبقت الإشارة أنه كان ينقص الراحل الكبير
إبراهيم أنيس. وكل من كتب بعده وبعد كمال بشر، فإنما منهما أخذ وعليهما اعتمد.
ولا يستهينن دارس للعربية بهذا العلم العظيم؛ فإنه يفتح له آفاقا ومدارك جديدة
لقد تحير الصحابة رضي الله عنهم العرب الأقحاح في تفسير "أبا" التي قال فيها الإمام الشافعي رحمه الله "يعرفها أطفال اليمن"
وبخصوص سؤالك، أقول
الخليل رحمه الله ذكر مخرج الضاد، لكنه لم يذكر صفتها كما فعل سيبويه رحمه الله
ومعنى هذا أن الخليل قصر عن سيبويه بمراحل، وما قيمة قوله "الضاد شَجْريّة؛ لأن مَبْدَأها من شجْر الفم"
وما هو شجر الفم، وأين يقع بالضبط؟ هذا تعريف عام موهم مبهم
أما سيبويه فقد وصفها وصفا دقيقا، وبمفهوم المخالفة لا نخطئ فهمه إذ يقول
"ولولا الإطباق، لكانت الطاء دالا" ثم حديثه عن الضاد (الضعيفة) الذي تلقفه بعده ابن جني
ويدلك على صعوبة نطقها - في ذلك الزمان، فضلا عن اليوم - أن سيبويه يصف نطقها بالتكلف "إن شئت تكلفتها.."
والتكلف يعبر عن المشقة والصعوبة
وقد ذكرت لك أنه جاء في مناقب عمر رضي الله عنه أنه " كان يخرج الضاد من أي شدقيه شاء"
والخلاصة أن الطاء - عند سيبويه - كالدال مخرجا وصفة، فهما مجهورتان.أما الضاد فليست من هذا الباب
ولو كان نطقها بالسهولة التي نتصورها، ما وقع الخلاف في كتابتها،
وما وجدنا في تراثنا اللغوي عشرات التصانيف في التفريق بينهما
ومثلك لا يحتاج أن نذكره بما في التكوير "ضنين و ظنين" مع أن الفارق الدلالي بينهما شاسع وبعيد وعميق
أنا أفهم من هذا التراث أحد احتمالين:
1- إما أن الناس ينطقونها مصرية (دالا مفخمة) كطاء سيبويه (الطاء الصنعانية)
وعلى هذا جرى إبراهيم أنيس وكمال بشر، ومن جاء بعدهما فهذي مدرسة مصرية.
2- أو أن الناس ينطقونها عراقية ذالا مفخمة، وهذا هو نطق الخليج واليمن والشام.
والحاصل أن العامة يختزلونهما في صوت واحد، إما "طل - طهر: ظل - ظهر" أو "زابط: ضابط"
وليس للعاميات ذلك القانون الذي للمستويات الفصيحة، ولذا لا يستطاع تعليم العامية، كالفصحى
ومن الطرائف التي وقعت لزملائنا في العراق أنه سمعهم يقولون "جذب" فقال "جافي: كافي"
وفي مصر سمعهم يقولون "بالزبط" فذهب يطلب"البيز: البيض" فظنه الناس مجنونا
فلا العراقيون يقولون جافي، ولا المصريون يقولون "بيز"
على أنه غير خاف أن كبار الأصواتيين العراقيين إنما تخرجوا في الجامعات المصرية،
ودرسوا على أيدي علماء مصر الكبار،آخرهم د. عبدالصبور شاهين رحمه الله
وغني عن الذكر أن المصريين هم رواد جميع العلوم، ففرضوا - وحق لهم - فهومهم ومفاهيمهم من خلال مؤلفاتهم الرائدة
وكما قاد الأصواتيون المصريون الأصواتيين العرب من سائر الجنسيات، قاد القراء المصريون القراء من سائر الجنسيات
خاصة العمالقة (مصطفى إسماعيل - الحصري - عبدالباسط) رحمهم الله جميعا
وفي رأيي فإن علم التجويد انبثق عن علم الأصوات - وإن كانوا لم يسموه - حتى لا يزعل د. سليمان خاطر
إلا أن علم التجويد انفصل، فأصبح علما مستقلا منذ القرن الخامس على يد مكي والداني رحمهما الله
ثم استقر وترسخ بعدها بقرون على يدي ابن الجزري رحمه الله، وقد أشار الشيخ عمار إلى شيء من ذلك
ولما بدأ التأليف في علم الأصوات - على يد إبراهيم أنيس وكمال بشر - كان لا بد من الحديث عن جهود علماء التجويد
الذين هم تلاميذ الجيل الأول من اللغويين، وبرزت أهميتهم في أنهم وضعوا مصنفات خاصة مستقلة -
تأمل مثلا قول إبراهيم أنيس مثلا - نقلا عن ابن الجزري في التمهيد "إن المصريين - وبعض أهل المغرب
- ينطقون - بالضاد المعجمة - طاءً مهملة" (الأصوات اللغوية: 51 الهامش)
والباء هنا بدلية؛ ومعنى هذا أن ابن الجزري يخطّئ هذا النطق، الذي هو تماما نطق إخواننا المصريين لها.
ومثل هذا التصنيف المستقل هو ما لم يفعله الخليل وسيبويه وابن جني؛ فالعلوم اللغوية كانت - وما زالت متداخلة -
ونقرأ اليوم عن علم الصرف الصوتي
أما عند مكي ومن بعده، فظهر علم التجويد كأنه علم مستقل، وإلا فهو امتداد لعلم الأصوات، وتطور عنه
على أن لي تعريفا ألقيته على مسامع طلابي في الجامعة ووزارة الإعلام - من صحفيين ومذيعين -
كما ضمنته كتابي (لغة الإعلام) _تحت الطبع) وهو أن
"المتكلم الجيد - سواء كان مذيعا، أوقارئا، أو منشدا، أو حتى مغنيا - هو الذي إذا استمعت إليه، لم تعرف جنسيته"
فإذا عرفت جنسيته، فسبب ذلك أن طريقة نطق بني قومه هو الذي دلك عليه، وهذا قصور وعجز وضعف
وأبرز جانب في هذا التعريف - بطبيعة الحال - هو الصوت
فإذا وقع المتكلم في خطأ صوتي، فإنه يدرك بسهولة، بعكس ما لوكان خطأ نحويا أو دلاليا
فنحن نرضى من المذيعين والقراء بالحاصل - ولايكلف الله نفسا إلى وسعها -
أما ادعاء فلان أوفلان أن مخارج أصوات القراء مسندة إلى رسول اللهصل1 كألفاظ القراءات فهذا ما لا نقبله،
ولا يؤيده الواقع اللغوي التاريخي، ولا حتى الواقع المعاصر.
ولو شئنا أن نشق على المتكلمين لألزمناهم ليس فقط مخرج الصوت، بل ما هو أدق منه وأشق وأدق وأثقل وأصعب وأعسر
وهو ما يصطلح عليه الأصواتيون بـ (النبر: stress، والتنغيم: intonation)
ولكن (((لا يكلف الله نفسا إلا وسعها )))
والحمدلله