تعريف الإعجاز العلمي بالسبق هل هو دقيق في التعبير عن مضمونه؟

إنضم
15/04/2003
المشاركات
1,698
مستوى التفاعل
5
النقاط
38
لا يفتأ من يقرأ في تقريرات العلماء في التعريفات = أن يجد حرصهم على دفع الإشكالات عنها ، وعلى جعل المصطلح منطبقًا على مضمون القضية التي يتحدثون عنها ، وقد قامت سجالات علمية في تحرير مططلحات العلوم ، ولك أن تنظر في مصطلح ( النحو ) ( أصول الفقه ) ( البلاغة ) ( التفسير ) إلى غيرها من المصطلحات التي لا يخفى على طالب العلم ما دار حولها من النقاشات .
ولا يخفى على طالب العلم ما في تحرير مصطلح جديد من العناء والتعب ، حتى يرى أنه لا يكاد يُوفَّق إلا فيه إلا بعد جهد جهيد ، وعرض على كثير من العقول تختبره وتبلوه حتى يخرج حسنًا مقبولاً .
وطالب الحقِّ لا ينزعج من أن يُعترض عليه في تعريفه ، بل أن يُنقض تعريفه ؛ لأن الحقَّ مطلبُه وبغيته ، ولا ينزعج من ذلك إلا قليل البضاعة في العلم أو ضيق النفس الذي لا يحتمل الصولة في العلم .
وإذا كان المطلوب من خُلقِه أن لا يكون كذلك ، فمطلوب منه ـ أيضًا ـ أن لا ينزعج من عدم قبول انتقاده لأمر ما ، وهذا هو ديدن طالب العلم في خلقه ، ديدنه أن يكون قولُه محاطًا بصفتي ( العدل والعلم ) ، فالعدل يقيه من أن يُعرِض عن الحقَّ إذا كان الحقُّ مع غيره ، والعلم يقيه من الجهل الذي يُبعده عن معرفة الحق ، وإن لم يتصف بهما كان كما قال الله تعالى : ( وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولاً ) .
وإذا أتينا إلى تعريف الإعجاز العلمي كما رضيه المعتنون به ، فإننا سنجد من تعريفاتهم :
1 ـ تقول الأمانة العامة لهيئة الإعجاز العلمي في كتاب ( الإعجاز العلمي تأصيلاً ومنهجًا ) : ( الإعجاز العلمي هو إخبار القرآن الكريم أو السنة النبوية بحقيقة أثبتها العلم التجريبي وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول مما يظهر صدقه فيما أخبر به عن ربه سبحانه وتعالى ). http://www.nooran.org/O/1/1O1.htm
2 ـ يقول الأستاذ الدكتور زغلول النجار : إن تعبير ( الإعجاز العلمي للقرآن الكريم يُقصد به سبق هذا الكتاب العزيز بالإشارة إلى عدد من حقائق الكون وظواهره التي لم تتمكن العلوم المكتسبة من الوصول إلى فهم شيء منها إلا بعد قرون متطاولة من تنزل القرآن الكريم ... ) الموقع الرسمي للأستاذ الدكتور زغلول النجار(http://www.elnaggarzr.com/?l=ar&id=877&cat=29)
وبين التعريفين تداخل ، فإخبار القرآن نوع من السبق ، وهو ما وقع التصريح به في التعريف الثاني ، ومؤداهما واحد ، فكلاهما يدَّعي وجود تلك القضايا من العلوم المكتسبة المعاصرة في القرآن ( أو في السنة ، حسب التعريف الأول) ، والذين قرؤوه من الصحابة ومن بعدهم لم تظهر لهم هذه الحقائق ، ثم ظهرت للمعاصرين، فكان إخبار القرآن بها سبقًا عندهم .
ويقع هاهنا سؤال :
هل يُعدُّ هذا سبقًا ، وهل هذا السبق ـ لو صحَّ ـ إعجاز ؟!
إننا بحاجة إلى تأمل هذا المعنى ( السبق ) الذي قام عليه تعريف الإعجاز العلمي ، والنظر في دِقَّةِ مضمونه .
أين وجه السبق الذي يدَّعيه متعاطي الإعجاز العلمي ؟!
إن حقيقة السبق تكمن في المجهود البشري البحت ، وليس في ادِّعاء سبق القرآن للعلم المعاصر ؛ لأن إدعاء السبق ظنِّي بلا ريب ، ولا يمكن لأحد أن يجزم بأن هذه القضية المعاصرة تفسير وتأويل لآيةٍ ما .
وإنما يصحُّ إدعاء السبق في حالين :
الأولى : أن تكون الآية ظاهرة واضحة بلا نزاع في أن المراد منها ما اكتشفه العلم المعاصر ، وفي هذه الحالة ، فإن فهم السلف لها يُخرجها عن كونها لم تُكتشف إلا بالعلوم المعاصرة المكتسبة ، ويبدو أنه إذا وُجد أمثلة من هذا النوع فإنها خارجةٌ عن كلام أهل الإعجاز العلمي .
الثانية : إذا قام الباحث المسلم باكتشاف القضية المعاصرة ، ثم اكتشفها الكافر بعده ، فتلك حقيقة السبق .
أما أن يُعلَّق السبق ـ وكذا دعوى الإخبار ـ على قضية ظنية ( وهي الزعم بأن الآية تدل على هذا الاكتشاف المعاصر ) ، فتلك مشكلة علمية تحتاج إلى نظر وتأمُّل .
هل هناك فرق بين دلالة الآيات القرآنية ودلالة الأحاديث على المكتشفات المعاصرة ؟
إذا تأملت مجموعة من الأحاديث النبوية التي نُسب إليها ( الإعجاز ) ـ كما هو الحال في التعريف الأول ـ فإنك ستلاحظ أن دلالة الحديث النبوي على القضية المكتشفة المعاصرة أقوى من دلالة الآية التي تأتي مجملة ـ في كثير من الأحيان ـ غير محدَّدة الدلالة على القضية بعينها ، ولأضرب لذلك مثالاً :
فيما روى البخاري في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا وقع الذباب في شراب أحدكم ، فليغمسه ، ثم لينزعه ، فإن في إحدى جناحيه داء والأخرى شفاء ) ، فهذا صريح في الدلالة ، بخلاف كثير من الآيات التي يستدل بها أهل الإعجاز العلمي .
ومثال ذلك : قوله تعالى : ( والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون ) ، فتفسير لفظ ( موسعون ) عند السلف على وجهين :
الأول : بنيناها واسعة الأرجاء ، وهذا إخبار عن حال السماء في السعة .
الثاني : بنيناها وإنا لقادرون على بنائها ، من الوُسع ؛ أي : القُدرة .
ثم حمل بعض المعتنين بالإعجاز لفظ ( لموسعون ) على ما قالوا بأنه اكتُشف في هذا العصر من أن الكون يتمدد .
فلو ثبت يقينًا أن الكون يتمدد ، فإن السؤال الذي يقع هنا : هل دلالة الآية على تمدد الكون ظنية أو قطعية ؟
لاشكَّ أن هذه الدلالة ظنية ؛ لأن من يقول بهذا التفسير لا يمكنه أن يجزم في إثبات هذه الدلالة .
وإذا كانت الدلالة ظنيةً ، فإن دعوى السبق تبقى ظنية أيضًا .
ومن المهم النظر والتدقيق في هذا الأصل الذي يقوم عليه الإعجاز العلمي ، ثمَّ في الأمثلة التي حُملت عليه ؛ لأن مقام بيان كتاب الله ليس بالأمر الهيِّن الذي يستطيع كل مسلم مثقف أو متعلم ، بل لابدَّ من اعتماد أصول التفسير التي لا يقوم التفسير إلا بها ، ولَمَّا لم يعتمد بعض متعاطي الإعجاز العلمي على هذه الأصول ظهر خلل كبير في الأمثلة التي يذكرونها في الإعجاز العلمي ، وهذا ظاهر لمن قرأ في كتبهم أو بحوثهم .
ويمكن لسائل أن يسأل :
أين التفسير الصحيح للآية مادامت الدلالة عندك ظنية ؟
فأقول : إن الجواب عن هذا يحتاج إلى التذكير بقاعدة مهمة يغفل عنها بعض من يعتني بالإعجاز العلمي ، وهي أن الأمة لا يمكن أن تجتمع على ضلالة ، ومن ثَمَّ ، فإنه لم يفُتْها فهمُ كلام ربها على وجهٍ صحيح معتبرٍ ، وهذه القاعدة تبدأ بزمن الصحابة ثمَّ من بعدهم ، فلا يصحُّ أن يقال : إن الصحابة لم يفهموا شيئًا من معاني القرآن ، ولا أن يقال : إن من بعدهم ـ كذلك ـ قد وقع لهم ذلك . وإذا كانت هذه القاعدة معتبرةً عند المسلمين ، فإن من لوازمها أن الحق قد وقع في فهم القرآن ، وأنه لا يمكن أن توجد آية ضلَّ المسلمون عن فهمها على وجهٍ صحيح معتبرٍ .
وإذا ركَّبت هذه المسألة مع المسألة السابقة ـ في كون دلالة الآية على القضية المعاصرة ظنية ـ فإنه سيظهر لك الآتي :
1 ـ أن من اعتمد تفسير السلف ومن قال بقولهم ـ ممن جاء بعدهم ـ فإنه قد قال بالقول الحقِّ والصواب ، ولا يمكن أن يخرج عن الحقِّ .
2 ـ أن من اعتمد على المكتشفات المعاصرة ، وأعرض عن قول السلف فإنه قد أخطأ الصواب بلا ريب ؛ لأن وجود التفسير الصحيح في كلام السلف متيقنٌ منه ، وأما قوله المعاصر فإنه يحتمل الصواب ويحتمل الخطأ ؛ لأن دلالة الآية ـ كما قلتُ ـ ظنية .
وإذا اعتمد قول السلف ، وأضاف إليه ما ظهر من المكتشفات المعاصرة ، فإنه لا يغير من الأمر شيء ، فتفسير السلف قطعي في تضمنه للقول الصحيح في معنى الآية ، والتفسير المعاصر ظَنِّي في ذلك .
وينتج عن هذا مسألة مهمة جدًا ، وهي :
هل ينقص فهمنا للقرآن إذا لم نقل بالإعجاز العلمي ؟
والجواب مبنيٌّ على التفصيل السابق ، فمادام أن السلف لم ينقص فهمهم للقرآن ـ وهم لا يعرفون هذا النوع من العلم ـ فمن باب أولى أن لا ينقص فهمنا نحن .
ومن هنا ، فلو اقتصر المفسر على ما وصله من تفسير السلف ، فإنه قد تمسَّك بالحق بلا ريب ، وخرج من عُهدة المساءلة ، بخلاف من تعرض للإعجاز العلمي ( الظني الدلالة ) ، فإنه لا يسلم من ذلك بأن يقال له : من أين علمت أن هذا هو مراد الله ؟
أما الأول فيقول : علمته من كون الأمة خلفًا عن سلف تناقلت هذه الأقوال بلا نكير ، واعتمدتها في التفسير ، ولم يجعلوا ما جاء عن سلفهم باطلاً ، ولم يتركوه وراءهم ظهريًّا ، وإن احتاج العلماء المحرِّرون في التفسير إلى بيان أقرب الأقوال أو أولاها بالصحة والصواب من الأقوال المختلفة في تفسير سلفهم اعتمدوا القواعد العلمية ، وبينوا ذلك بالطرق المعتبرة عند أولي العلم بالتفسير .
وهذا حقٌّ ظاهر بلا ريب ، وإن كان قد يخفى عن بعض من يتكلم في الإعجاز العلمي لغلبة هذا الموضوع عليه ، وتمكنه من نفسه ، حتى يظنَّ أن ما جاء به فإنه حقٌّ لا شكَّ فيه . ولا يخفاك أن من ظنَّ هذا الظنَّ فإنه مخطئٌ .
 
لا زلت أقلب في عقلي هذا الموضوع القيّم، وقد استشكلت قولكم فضيلة الشيخ: " فمادام أن السلف لم ينقص فهمهم للقرآن ـ وهم لا يعرفون هذا النوع من العلم ـ فمن باب أولى أن لا ينقص فهمنا نحن "
وقولكم: " وإذا اعتمد قول السلف ، وأضاف إليه ما ظهر من المكتشفات المعاصرة ، فإنه لا يغير من الأمر شيء "

هل هذا يعني أنه لا فائدة مما يُذكر من أقوال جديدة في تفسير الآية مما يحتمله لفظها، ولا يناقض ما جاء عن السلف؟
وما الذي نفهمه من قول علي رضي الله عنه: (إلا فهما يؤتيه الله في كتابه) ؟
ألا يُحمل هذا على فهمٍ زائد للآية لم يدركه من سبق؟ وأنه باقٍ للأجيال الآتية بعده ؟
صحيحٌ ان السلف قد فهموا القرآن كاملا، وأن الفهم الصحيح لا يخرج عن أقوالهم، لكن هل هذا يعني أن باب زيادة الفهم قد أغلق ؟
أو أنه لا قيمة له؟

أرجو أن أجد عندكم ما يبصرني ..
وجزاكم الله خيرا.
 
من متين هذا الموضوع التعرض للدلالة الظنية لهذه الدراسات , وأثرها الضعيف في باب التفسير , وقد سبقت الإشارة إلى هذه الجزئية في موضوع الدكتور سعود العريفي وفقه الله : (منهج الاستدلال بالإعجاز العلمي على النبوة) .

أما استشكال أخي العبَّادي حول ما يُذكَر من أقوال جديدة في تفسير الآية مما يحتمله لفظها، ولا يناقض ما جاء عن السلف, فلا يعنيه الحديث هنا فيما يظهر لي , واقرأ تعريف الدكتور النجار لتدرك ذلك : (الإعجاز العلمي للقرآن الكريم يُقصد به سبق هذا الكتاب العزيز بالإشارة إلى عدد من حقائق الكون وظواهره التي لم تتمكن العلوم المكتسبة من الوصول إلى فهم شيء منها إلا بعد قرون متطاولة من تنزل القرآن الكريم) , فهو يبين بوضوح أن ما فهم الآن لم يفهم من قبل , فإن قصد أن هذه الحقائق لم تفهم من المعاني المباشرة والظاهرة من الآيات من قبل فصحيح , ولهذا كانت دلالاتها جميعها ظنية ؛ لأنها مما يفهم بالرأي والاستنباط , وأهم شرط لقبولها على ضعف دلالتها ألا تناقض ما جاء عن السلف , وألا يحصر المعنى فيها , وما أكثر ما يتجرأ الباحثون في هذا الباب على هذين الشرطين .
 
والخلاصة التي ينبغي إيصالها إلى جميع حاملي راية هذا الدراسات الإعجازية هي :

منذ متى كان الإعجاز مبنياً على دلائل ظنية ؟!
 
أشكر أخوي الكريمين محمد العبادي وأبا بيان على هذه المداخلات .
أما ما استشكلتموه يا أخ محمد في قولكم : ( هل هذا يعني أنه لا فائدة مما يُذكر من أقوال جديدة في تفسير الآية مما يحتمله لفظها، ولا يناقض ما جاء عن السلف؟ ) فقد أوضحت في عدد من مقالاتي وكتبي أن الزيادة الصحيحة التي تحتملها الآية ولا تناقض قول السلف وتبطله ؛ أنها ممكنة ، وعلى هذا سار العلماء جيلاً بعد جيل ، وقد بينت ذلك بأدلته ، وبأقوال العلماء الصريحة في ذلك .
وإنما قصدت أن أبين أمرًا مهمًا في هذا المقام فحسب ، وليس يعني أني أردُّ كل تطبيقات الإعجاز العلمي جملة وتفصيلاً ، لكني أقول : إن انصراف بعض المسلمين إلى هذا الموضوع ـ مع ضعف تأصيلهم لأسس التفسير فيه ـ أحدث خللاً في كثير من التطبيقات ، فاحتاج الأمر إلى العودة إلى التوازن في الموضوع .
وإلاَّ فإلى متى سيبقى المعتنون بالإعجاز يفسرون القرآن بهذه الطريقة ؟!
هل سيأتون على كل آياته الكونية بالإعجاز العلمي؟!
أليس عندهم حدٌّ يمكن أن يقفوا عنده ، ويكونون مجرد مكررين لما سبق أن اكتشفوه من ربط بعض الامور الكونية بالآيات؟
إنني ألاحظ أن بعض المؤتمرات صارت تكرر الأشخاص والموضوعات ، حتى كأنه إيذانٌ بانتهاء تلك الاكتشافات .
وأقول ـ أيها الإخوة ـ من باب النصيحة لكتاب الله : إن علينا نحن المتخصصين واجب كبير كبير كبير في تقويم مسيرة الإعجاز العلمي ، وترشيد مساره ، وأن لا نتركه لمن عُرف عنهم أنهم ليسوا متخصصين في التفسير ، وهم يدعون إلى احترام التخصص ، لكن لا أراهم يطبقون هذا على علم التفسير ؛ حتى جاءوا بالعجيب من القول !
 
فضيلة الشيخ أبا بيان
فضيلة الشيخ: مساعد
جزاكما الله خيرا وأحسن إليكما على التفضل بالرد.

وأرجو أن نجد التطبيق العملي الصحيح لضوابط الأقوال الجديدة في التفسير، فمع كوننا ننادي جميعا بضرورة هذا الانضباط إلا أن ثمت اختلافا يبقى عند محاولة تنزيل هذه الضوابط على هذه الأقوال.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا الموضوع له أطرافه وجوانبه المتعددة
وأحب أن أعلق على مقالة أخي د. مساعد، بأمرين:
الأمر الأول: أظن أن رأيك أخي الكريم فيما يتعلق بالإعجاز العلمي ومن خلال تتبع كثير من مقالاتك القيمة في هذا المجال ينبني على أصل لا أظنه حظي بحقه من التحقيق والتحرير، ولو تحرر هذا الأصل لزال إشكال كبير يتعلق بهذا المجال، ولتوضيح هذا الأصل أطرح عدة أسئلة أرجو أن تلقي الضوء على ما أريد الوصول إليه:
1. هل الأمة بمجموعها ملزمة بفهم كل معاني القرآن ودلالته؟
2. وهل في وسعها ذلك؟
3. وهل معاني القرآن الكريم كلها قد فهمتها الأمة؟
4. وهل بقاء شي من تلك المعاني غير مفهوم يقدح في الأمة؟
5. ألا يمكن أن يفرق بين الدلالات الأصلية والتابعة؟
6. ألا يمكن أن يفرق بين الدلالات المتعلقة بالتكليف الذي يتعلق به الثواب والعقاب، من تلك المتعلقة بالهدايات العامة التي هي في معنى قوله تعالى : إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم.
أن مدار الإشكال أن تضيق دلالات القرآن الكريم مع ما تواضع عليه أهل العلم من أن القرآن حمال للوجه واسع الدلالة.
الأمر الثاني: يتعلق بمسألة الظنية في تلك الدلالات ـ وقد أشار إلى هذا أيضا أخي الكريم أبو بيان سلمه الله، وأيضا أحب أن أطرح تساؤلا:
هل كون تلك المعاني التي يقررها الإعجاز العلمي ظنية الدلالة ـ على فرض صحة هذا ـ يقدح في دلالاتها على الإعجاز العلمي، لأنه لو صح هذا فإن ذلك قادح أيضا في دلالة الإعجاز البياني والتشريعي وغيره من مجالات الإعجاز؛ لأن كثيرا من المعاني التي تقرر هناك مما يتعلق ببلاغة القرآن أو تشريعاته ونحو ذلك هي في حقيقتها اجتهاد من الناظر فيها وليبست مسألة قطعية.
والمقصود أن هذه القضايا الظنية المفردة إذ جمعت شكلت في مجموعها مسألة قطعية ، وإن كان آحادها ربما كان فيه ما هو ظني الدلالة
والله أعلم
 
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]

أحب أن أضيف إلى ما ذكره الدكتور الفاضل مساعد الطيار ما يلي :

أولاً: أنه ينبغي أن يُعلم أن التفسير بمفهومه العام ينقسم إلى ثلاثة أقسام :

القسم الأول : معرفة معاني مفردات القرآن : وهذا هو عمل غالب المفسرين ، وهذا القسم الذي لا يمكن أن يقال أن السلف قد جهلوا منه شيئاً، فمعرفة معاني كتاب الله تعالى معلومة كلها للسلف ، وفي جيل الصحابة رضي الله عنهم استقرت تلك المعرفة ، إذ هم العرب الأقحاح ، والقرآن نزل بلسان عربيٍّ مبين، فالصحابة بمجموعهم علموا جميع معاني كتاب الله تعالى ، وهكذا تناقل من بعدهم علمَهم ثم دوِّن في كتب التفسير .

القسم الثاني : معرفة حقائق ما ذكر في القرآن : وهذا ما قد يطلق عليه مصطلح التأويل في أحد معانيه ، وهذا القسم الذي نجزم بعدم معرفة السلف رحمهم الله لبعضه ، ويدخل في ذلك أمور :

أ ـ حقيقة الساعة وأهوالها ، وحقيقة صفات الله تعالى المذكورة في القرآن.
ب ـ الحقائق الكونية المذكورة في القرآن: كحقيقة إنزال المطر وتكوينه ، وحقيقة الرعد والبرق وتكوينهما ، وحقيقة الزلازل ، وغيرها، وقد يوجد لدى العرب بقيةٌ من علوم الأقدمين في هذه الحقائق ولكنها لا تصل إلى ما وصل إليه العلم المعاصر فيها .
ج ـ حقيقة بعض ما ذكره القرآن مما استقر في أذهان العرب التمثيل به ، كرؤوس الشياطين التي مثل الله تعالى بها طلع شجرة الزقوم في قوله تعالى : ( طلعها كأنه رؤوس الشياطين ) ، فالعرب لا تعرف حقيقة رؤوس الشياطين ، وإنما استقر في أذهانها قبحها ، وقريبٌ من ذلك ، ظلمات البحار التي مثل الله تعالى بها في قوله : ( ظلماتٌ بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ) فالعرب لم تصل إلى تلك الظلمات وإنما هو امرٌ قد استقرَّ في أذهانهم .
وفي هذا القسم يكون للإعجاز العلمي مدخل في معرفة ما يمكن الوصول إليه من الحقائق كمعرفة إخراج الأرض للأثقال عند حدوث الزلازل ، وإن كانت الآية في يوم القيامة ، وذلك في قوله تعالى : ( إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها ) ، فههنا يتكلم أهل الإعجاز فيما يستنبطونه من القرآن .

القسم الثالث : معرفة دلالات القرآن الكريم : وهذا الباب هو باب الاستنباط من القرآن ، ولا يمكن لأي جيل أن يدَّعي معرفة جميع ما يستنبط من القرآن ، بل كل جيل يستخرج من مكنونات القرآن ما يدل ذلك على عظمة هذا الكتاب ومنزله جل وعلا ، وكل ما يستنبطه العلماء داخل في هداية القرآن التي ذكرها الله جل وعلا بقوله تعالى : ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) ، ولأهل الإعجاز أيضاً ههنا مدخلٌ ؛ إذ كثير مما يذكرونه داخل في باب دلالات القرآن ، ولكن الخطأ يقع في صحة تلك الدلالات ، أي : صحة ارتباط تلك المعاني الإعجازية بالقرآن . ومثال دخول ما يذكره الإعجازيون في هذا القسم؛ قوله تعالى : ( كأنما يصعد في السماء ) إذ يربطون بالآية النظرية القائلة أن الأكسجين يقل كلما صعد الإنسان في السماء. ويبقى النقاش في صحة هذا الربط .

ثانياً : أن النقاش في المعاني الإعجازية المأخوذة من القرآن يكون في أمرين :

أ ـ صحة ذلك المعنى في نفسه ، أي : ثبوت تلك النظرية واستقرارها ، إذ لا يجوز ربط القرآن بأمر مشكك ، لا تعلم صحته ، ومن باب أولى بما ثبت خطأه .
ب ـ صحة دلالة القرآن على ذلك المعنى ، فلا بد من دلالة لفظية أو قاعدة استنباطية تدل على ذلك المعنى ، إذ ليست نسبة هذا المعنى بالقرآن أولى من نفيه عنه إذا لم يوجد وجه صحيح يدل على الربط .

ثالثاً : قضية السبق من عدمها ، المراد بها من وجهة نظري ؛ محاجة غير المسلمين ، وإلزامهم بصحة ما جاء به القرآن ، ودعوتهم لهذا الدين ، وهذا الهدف في حد ذاته صحيح ، ولكن ينبغي أن يُحذر أشد الحذر من وقوع الخطأ في ذلك لكونه قد يوصل إلى ضد المقصود فقد يفرح أعداء الله بما قد يقوله بعض من يتكلم في الإعجاز ويطعنون به في الإسلام وعلماءه ، لذا فإن الحاجة ماسة كما ذكر شيخنا الدكتور مساعد إلى تقويم مسار الإعجاز ودخول المتخصيين بالدراسات القرآنية ليصلوا به إلى الهدف المنشود وليكون مساره قائماً على أصول علمية صحيحة ..

اسأل الله تعالى أن يوفقنا لفهم كتابه الكريم ، والانتفاع بهديه ...
1 / 1 / 1429هـ
 
- في مقال الدكتور العريفي بيان لأثر اعتماد الأدلة الظنية في الدراسات الإعجازية .
- أما مجال المعاني التي يتداولها دارسوا هذا الجانب فتتبين بما يأتي:
أولاً: المعاني الظاهرة المباشرة التي لا يتم فهم القرآن إلا بها = انتهى الحديث فيها جمعاً وحصراً بانتهاء عصر الصحابة رضي الله عنهم, فلا يخرج الحق من معاني القرآن عن أقوالهم.
ثانياً: كل ما وراء المعاني الظاهرة المباشرة يدخل في باب الاستنباط, والمعاني المستنبطة تتفاوت تفاوتاً عظيماً في الصحة والخطأ والظهور والخفاء والقرب والبعد.
ثالثاً: يشترط لقبول أي استنباط شروط معروفة من أهمها: أن لا يضاد المعنى المستنبط معنى الآية الذي هو تفسيرها المباشر. وأيضاً لا يلغيه لأنه تابع له. وأيضاً لا يجعل هذا الاستنباط مهما صح عنده تفسيراً للآية؛ لما يفضي إليه من التحريف وسوء الفهم.
وواقع الدراسات الإعجازية في الجملة لا تنطبق عليه هذه الشروط أو أكثرها, ومن هنا كان الخلل.
 
فأقول : إن الجواب عن هذا يحتاج إلى التذكير بقاعدة مهمة يغفل عنها بعض من يعتني بالإعجاز العلمي ، وهي أن الأمة لا يمكن أن تجتمع على ضلالة ، ومن ثَمَّ ، فإنه لم يفُتْها فهمُ كلام ربها على وجهٍ صحيح معتبرٍ ، وهذه القاعدة تبدأ بزمن الصحابة ثمَّ من بعدهم ، فلا يصحُّ أن يقال : إن الصحابة لم يفهموا شيئًا من معاني القرآن .

باعتبار هذه السطور، وعلى القاعدة نفسها؛ فإن "الإعجاز" برمته، علمياً كان أم بيانياً، لا أصل له البتّة في "فهم" الصحابة ولا في تفسيراتهم أبداً!!.

فعلى عمق وجهة الشيخ الطيار -حفظه الله- ومتانة خوضه، إلا أن البنيان -أقصد بنيان الإعجاز- كله مهلهل منتقض منقض..

فحبذا لو تحاملنا الشجاعة وقلنا مقالة الحق..

أنْ: "الإعجاز برمته -لفظاً وتوجيهاً علمياً أو غير علمي- بدعة لا أصل لها"!
.


وما أجمل مقالة عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "كل بدعة سيئة، ولو رآها الناس حسنة"!.
 
جزى الله الإخوة على ما أفادوا خيراً
وأما رأيك أخي خالد وفقك الله فيَرِدُ لو قالوا: ما نذكره من الإعجاز العلمي في هذه الآيات هو تفسيرها . ولا أظن أحداً بقي يقول ذلك .
فما دام حديثهم في دائرة الاستنباط ومعاني المعاني فلا سبيل إلى منع أحد من الاستنباط وقد أثنى الله على أهله فقال: {ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} , بشرط الالتزام بأصوله كأي علم معتبر .
 
"الإعجاز" أخي بيان، مثله مثل القول بـ"خلق القرآن".. كلاهما من خارج التفسير والتأويل..

فمن قال إن القرآن مخلوق، فقد أتانا بما لم نسمعه من نبينا ومن أصحابه -ولو احتمل جبال البراهين..

ومثله تماماً من قال إن القرآن "معجز"، فقد وصف القرآن بما لم يقله أعلم الناس به..


فهل لك -حفظك الله- أن تبرر لي لمّ لمْ يقل به أحد من الصحابة، ولا النبي طبعاً.؟. غفلة كان، أم جهلا، حاشاهم الله؟؟

فيسعنا ما وسع النبي وأصحابه!.

أما الكيل بالانتقاء فلا يعدل في ميزان الدين.
 
أشكر المشرف الكريم°مساعد الطيارّ
أقول في إطار تسابق الكثير للكتابة في الموضوع ،أصبح لزاما محاولة وضع ضوابط مشتركة متفق عليها قصد إخراج من لاعلاقة له بالمجال
 
في ما تقدم من كلام أخينا الدكتور مساعد مناقشات عديدة تحتاج لبسط طويل، ولعلي آخذ منها هذه الفقرة : (إن الجواب عن هذا يحتاج إلى التذكير بقاعدة مهمة يغفل عنها بعض من يعتني بالإعجاز العلمي ، وهي أن الأمة لا يمكن أن تجتمع على ضلالة ، ومن ثَمَّ ، فإنه لم يفُتْها فهمُ كلام ربها على وجهٍ صحيح معتبرٍ ، وهذه القاعدة تبدأ بزمن الصحابة ثمَّ من بعدهم ، فلا يصحُّ أن يقال : إن الصحابة لم يفهموا شيئًا من معاني القرآن ، ولا أن يقال : إن من بعدهم ـ كذلك ـ قد وقع لهم ذلك . وإذا كانت هذه القاعدة معتبرةً عند المسلمين ، فإن من لوازمها أن الحق قد وقع في فهم القرآن ، وأنه لا يمكن أن توجد آية ضلَّ المسلمون عن فهمها على وجهٍ صحيح معتبرٍ .
وإذا ركَّبت هذه المسألة مع المسألة السابقة ـ في كون دلالة الآية على القضية المعاصرة ظنية ـ فإنه سيظهر لك الآتي :
1 ـ أن من اعتمد تفسير السلف ومن قال بقولهم ـ ممن جاء بعدهم ـ فإنه قد قال بالقول الحقِّ والصواب ، ولا يمكن أن يخرج عن الحقِّ .
2 ـ أن من اعتمد على المكتشفات المعاصرة ، وأعرض عن قول السلف فإنه قد أخطأ الصواب بلا ريب ؛ لأن وجود التفسير الصحيح في كلام السلف متيقنٌ منه ، وأما قوله المعاصر فإنه يحتمل الصواب ويحتمل الخطأ ؛ لأن دلالة الآية ـ كما قلتُ ـ ظنية .
وإذا اعتمد قول السلف ، وأضاف إليه ما ظهر من المكتشفات المعاصرة ، فإنه لا يغير من الأمر شيء ، فتفسير السلف قطعي في تضمنه للقول الصحيح في معنى الآية ، والتفسير المعاصر ظَنِّي في ذلك ).
أقول: المعروف أن هذا أثر مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم أخرجه أحمد في المسند وابن أبي عاصم في السنة وله شاهد عند الترمذي عن ابن عمر [ينظر المقاصد الحسنة للسخاوي ومجمع الزوائد للهيثمي]، وهو حديث مشهور، ولا خلاف لدى المشتغلين بالإعجاز العلمي حول ما قدمته من استيعاب المسلمين في جميع العصور إلى يومنا هذا لفهم القرآن على الشكل الصحيح المعتبر، ولكن ما ظهر لك من تركيب المقدمتين مصادرة في الحكم، وحصر في النتيجة، وهو ينطبق على بعض الأبحاث المسماة (بأبحاث الإعجاز العلمي) فمنها أبحاث اعتمدت تفسير السلف ومن بعدهم، ومنها أبحاث أعرضت عن تفسير السلف وهذه ميزة الأبحاث التجارية، ولكن ألا يوجد غير هذين النوعين من المشتغلين بالإعجاز العلمي؟!
ألا يوجد أبحاث زادت على تفسير السلف دون أن تنفيه، بمعنى أنها ذكرت أقوال السلف في تفسير الآية وأثبتته واعتمدته ثم وسعت في بيان معاني الآية زيادة على ما ذكره السلف؟ مثال ذلك في تفسير قوله تعالى : (والسماء ذات الرجع) فإن ما ورد في تفسيرها عن ابن عباس وقتادة أن السماء ترجع المطر ورزق العباد إلى الأرض، وورد عن ابن زيد أن السماء ترجع النجوم والأفلاك، فأنت ترى أن معنى السماء عند ابن عباس وقتادة يختلف عن معنى السماء عند ابن زيد رحمهم الله، وما ترجعه السماء يختلف عند ابن زيد عما قاله ابن عباس، ألا تحتمل الآية أشياء أخرى ترجعها السماء زيادة على ما ذكره ابن عباس وقتادة وابن زيد، وقد وسع في بيان ما ترجعه السماء د زغلول النجار في كتابه السماء في القرآن الكريم وذكر أن ثمة غازات وغيرها ترجعها السماء أيضاً، ولم ينف ما ورد عن ابن عباس وقتادة، وهذا المعنى لا يخالف دلالة الآية إن كان الرجع بمعنى الإعادة لغة.
أقول: بل وهناك آيات لم يرد في تفسيرها شيء عن السلف رضي الله عنهم وفهمها يحتاج إلى الاستعانة بالعلوم الحديثة مع الانضباط بقواعد وأصول التفسير، ومثال ذلك في تفسير قوله تعالى : (نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبناً) الآية من النحل، فهل لك أن تأتيني من المأثور شيئاً يفسرها على الوجه الصحيح المعتبر، فأنا لم أعثر على ذلك، فالآية تضمنت ذكر تولد اللبن والله تعالى يمتن علينا به، وهذه الآية ينطبق عليها تعريف الإعجاز العلمي بالسبق الذي انتقدته.وأتمنى عليك أنت والأخوة الذين شاركوا هنا أن يبحثوا في تفسير الآية هذه بحثاً مفصلاً ، لأن النقد النظري سهل والحجة بالمنهج العملي لا بالاعتماد على أخطاء الآخرين.
ومن جهة أخرى فهل تفسير الصحابة والتابعين وتابعيهم قطعي أم ظني؟! فإن كان قطعياً في بيان الصحيح من مراد الله تعالى فإذاً لم الاختلاف في التفسير إلى وقتنا الحالي والبحث عن عجائب القرآن التي لا تنقضي كما في الحديث، وإن كان تفسير السلف ظنياً فهو مقدم على غيره لقرب العهد من نزول القرآن ومن حيث اللغة وقوة الاستنباط، ولعلك تتفق معي أن كثيراً من تفاسير الصحابة والتابعين وتابعيهم يدخل في الاجتهاد والتفسير بالرأي.المحمود المعتبر..
 
من أخطائي في الكتابة ( الاجتزاء ) ، فأنا أذكر جزءً متعلقًا بالموضوع ، وأترك ما كنت قد بينته سابقًا ؛ لئلا أعيد وأكرر على القارئ ، وأقول ـ في نقاط ـ :
أولاً : أنأ أوافق الأخ مرهف في قوله (ألا يوجد أبحاث زادت على تفسير السلف دون أن تنفيه، بمعنى أنها ذكرت أقوال السلف في تفسير الآية وأثبتته واعتمدته ثم وسعت في بيان معاني الآية زيادة على ما ذكره السلف؟ ) ، وقد أشرت إليه في المداخلة رقم (6) ، ولعله يرجع إليها .
ثانيًا : في قولكم : ( ولا خلاف لدى المشتغلين بالإعجاز العلمي حول ما قدمته من استيعاب المسلمين في جميع العصور إلى يومنا هذا لفهم القرآن على الشكل الصحيح المعتبر) ، لا أدري بمن أستشهد لك بقوله من أكبر المعتنين بالإعجاز العلمي الذي قضوا معه ردحًا من الزمن ، وصدرت منهم عبارات بهذا المعنى ، وسأكتفي ببعض النقول ـ دون ذكر اسم صاحب القول ـ ليكون مناط الحكم على القول دون الأشخاص :
1 ـ ( وقد تحقق وعد الله، وكان مما تحقق في عصرنا هذا عصر العلوم الكونية أنه كلما تقدمت الكشوف العلمية في ميدان من الميادين ، كشفت للناس عن آيات الخلق الباهرة التي تزيد الناس إيماناً بربهم وخالقهم ، وكشفت أيضاً عن معنى من المعاني ، فإن القرآن قد تحدث بصراحة أو أشار إليه؛ وبقيت تلك الآية تؤول أو تفسر على غير معناها لعدم معرفة السابقين بحقائق خلق الله، ودقائق ما أشارت إليه الآية ، فكان هذا نوعاً من إعجاز القرآن يظهر في عصر العلم الكوني يشهد بأن القرآن: كلام الله بما حوى من حقائق جهلها البشر جميعاً طوال قرون متعددة وأثبتها القرآن في آياته قبل أربعة عشر قرناً من الزمان فكان ذلك شاهداً بأن هذا القرآن ليس من عند رجل أمي أو من عند جيل من الأجيال البشرية لا يزال يعيش في جهل كبير ، إنما هو من عند الذي خلق الكون وأحاط بكل شيء علماً وصدق الله القائل لنبيه﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ﴾[النمل: 6]

2 ـ ويقول آخر : ( ولقد أشار القرآن الكريم إلى حركة الأرض السنوية حول الشمس بآية كريمة تكاد تكون صريحة الدلالة على الحركة الانتقالية للأرض في قوله تعالى ( وترى الجبار تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي اتقن كل شيء ) . وليس عجيبًا أن يفوت المفسرين جميعًا المعنى العلمي الذي تحتويه هذه الآية ؛ لأنهم لم يكونوا يعرفون أن للأرض حركة يومية أو سنوية ، ولكن الآن نحن نعيش عصر العلم ت وقد تكشفت لنا حركة الأرض حول الشمس ، نجد أن هذه الآية معجزة علمية قرآنية تقرر أن الجبال ليست ثابتة ، ولكنها تمر مر السحاب ، فالسحاب كما هو معروف لا يتحرك بذاته ، ولكنه ينقل محمولاً على الرياح ، وكذلك الجبال يراها الإنسان ويظنها جامدة في مكانها مع أنها تمر مسرعة ؛ لأنها محمولة بواسطة الأرض التي تجري في مدارها حول الشمس .
ولقد أخطأ المفسرون حينما اعتقدوا أن هذه الآية تشير إلى زوال الجبال يوم القيامة ، ومن هنا صرفوا المعنى عما تحتويه الآية من الإشارة إلى ظاهرة كونية عظيمة فيها إتقان الصنع ما يدل على جلال حكمة الله وقدرته سبحانه طبقًا لقول ( صنع الله الذي أتقن كل شيء ) .

ثالثًا : قولكم ـ حفظكم الله ـ ( أقول: بل وهناك آيات لم يرد في تفسيرها شيء عن السلف رضي الله عنهم وفهمها يحتاج إلى الاستعانة بالعلوم الحديثة مع الانضباط بقواعد وأصول التفسير، ومثال ذلك في تفسير قوله تعالى : (نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبناً) الآية من النحل، فهل لك أن تأتيني من المأثور شيئاً يفسرها على الوجه الصحيح المعتبر، فأنا لم أعثر على ذلك، فالآية تضمنت ذكر تولد اللبن والله تعالى يمتن علينا به، وهذه الآية ينطبق عليها تعريف الإعجاز العلمي بالسبق الذي انتقدته.وأتمنى عليك أنت والأخوة الذين شاركوا هنا أن يبحثوا في تفسير الآية هذه بحثاً مفصلاً ، لأن النقد النظري سهل والحجة بالمنهج العملي لا بالاعتماد على أخطاء الآخرين ).
أقول : هل وجدت خلاف التفسير المعاصر عند السلف ؟ إن ظاهر الآية واضح يفهمه العربي بلا إشكال ، أما التفصيل الذي توصل إليه الباحثون المعاصرون ، فهو لا يخاف هذا المعنى الظاهر ، ولو كان فيها إشكال عندهم لأبانوا عن هذا الإشكال ، وكوننا لم نفهم الآية إلا بالاستعانة بالعلوم الحديثة فإن هذا الكلام فيه نظر ؛ وإنما لم نفهم تفاصيل في المعنى الإجمالي الواضح الظاهر ، وهذا لا إشكال في وجوده في مسائل التفسير لا في صلب التفسير ، وأعني بذلك أن المعاصرين قد يذكرون من التفاصيل التي تزيد على التفاسير المجملة التي ذكرها السلف ، ولا يكون في تفسيراتهم نقض لما جاء عن السلف ، وهذا كثيرٌ .
وأما كون (الحجة بالمنهج العلمي لا بالاعتماد على أخطاء الآخرين ) ، فلا أختلف معك في هذا ، لكن هل ترى أن تُترك مثل هذه الأخطاء بلا بيان ؟!
وإذا كنت رأيت في كلامي ما يخاف الحجة العلمية فلا تبخل عليَّ بها ، وفقني الله وإياك إلى ما يحب ويرضى .
رابعًا : قولكم : ( ومن جهة أخرى فهل تفسير الصحابة والتابعين وتابعيهم قطعي أم ظني؟! فإن كان قطعياً في بيان الصحيح من مراد الله تعالى فإذاً لم الاختلاف في التفسير إلى وقتنا الحالي والبحث عن عجائب القرآن التي لا تنقضي كما في الحديث، وإن كان تفسير السلف ظنياً فهو مقدم على غيره لقرب العهد من نزول القرآن ومن حيث اللغة وقوة الاستنباط، ولعلك تتفق معي أن كثيراً من تفاسير الصحابة والتابعين وتابعيهم يدخل في الاجتهاد والتفسير بالرأي.المحمود المعتبر ) .
فأقول :
1 ـ هل يمكننا القول بأن في القرآن ما جُهل معناه على الصحابة قاطبة ، ثم على التابعين وأتباعهم ؟
2 ـ أقول : إنه ما من آية تحتاج إلى بيان معنى ـ وليس ما يتعلق بها من مسائل التفسير ـ إلا وُجِد فيها عن السلف بيانٌ ، وإن خفي علينا وجهه ، فلنقص عندنا .
والخلاف بينهم لا يُخرج قولهم عن البيان ، سواءٌ اكان اختلاف تنوع أم اختلاف تضاد .
والذين جاءوا من بعدهم كان لهم إضافات ، ولا خلاف في أنها إما أن تكون صحيحة ، وإما أن تكون باطلة ، كما أنها قد تكون في بيان المعنى ، وقد تكون في مسائل الآيات التي هي خارج بيان المعنى .
وإن ما كان خارج بيان المعنى فإن كلام المتأخرين فيه كثير جدًّا ، ولا يلزم فيه إلا الصحة بخلاف المعنى الذي تكلم فيه السلف فإنه يلزم فيه ـ مع الصحة واحتمال الآية له ـ عدم مناقضة قول السلف ؛ لأن هذا يفضي إلى أن الأمة كانت تجهل شيئًا من معاني كلام ربها ، وهذا ـ عندي ـ محال ؛ لأن هذا يناقض أن تكون آيات الكتاب مبينة ، ويلزم منه أن الله تكلم لمن نزل عليهم الخطاب بما لا يدركون له معنى فيما يعرفونه من لغتهم .
وأعود فأقول : إن الزيادة الصحيحة التي تحتملها الآية قد أثبتها العلماء جيلاً بعد جيل ، وقد بينت هذا في شرحي لمقدمة شيخ الإسلام وغيرها ، لذا أرجو أ، يُفهم كلامي على وجهه ، وأسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد .
 
دعنا نذكر مواطن الاتفاق حتى لا تتكرر مني ومنكم أيدكم الله ثم نتناقش في ما اختلفت فيه الآراء، فكلانا حفظكم الله نتفق على:
1- أن الأمة مع تقدم العصور لم يفتها شيء من تفسير القرآن على وجه صحيح معتبر .
2- لا يجوز تجاهل ما ورد عن سلفنا الصالح في تفسير الآيات واعتباره في كل اتجاهات التفسير، ومن فعل ذلك - كالذين نقلت عنهم - مخالف لطرق التفسير الصحيحة المعتبرة، وكلامهم يضرب به عرض الحائط.
3- الزيادة في المعنى على ما ورد عن السلف أمر مطلوب وشأن معروف لا ينكر إن كان يتفق مع الأصول العلمية المقررة.
4 - ينكر على من يطوع نصوص القرآن ودلالاته للمصطلحات الاختصاصية ويحكمها فيه وينبه على خطأه بالطريقة العلمية.
بالنسبة لآية النحل فإني لم أجد كما قلت سابقاً أثراً يبين هذه الآية عن الصحابة ولا عن التابعين ولا تابعيهم اللهم إلا ما روي عن ابن عباس وسنده شديد الضعف ، وأما متنه فهو مخالف لما ثبت في العلوم التشريحية ولذلك حاول أبو السعود تأويله وتوجيهه ولكن تعقبه الألوسي، وهذه الآية مما تناولتها بالدراسة التحليلية في رسالتي الدكتوراه التي ستناقش إن شاء الله بعد أشهر، وأعيد المطالبة لكم بالبحث التفصيلي في هذه الآية لتكون مثالاً عملياً في الإجابة على أسئلتكم فيما بعد،[ينظر مثلاً الدر المنثور للسيوطي وموسوعة الصحيح المسبور من التفسير التفسير بالمأثور د حكمت ياسين] فإذا لم يثبت لدينا ورود أثر عن الصحابة والتابعين وتابعيهم في بيان الآية والبينية في آية اللبن من سورة النحل فقد وقع الجواب عن سؤالكم بأن في القرآن ما جهل معناه على الصحابة حسب ما ورد إلينا ولا أقول قاطبة، لأن عدم الوجود لا يعني عدم الوجدان في نفس الأمر، ونحن نعمل بما ثبت بين أيدينا ولا نرجم بالغيب.
والذي أعلمه منكم أخانا أبا عبد الملك من قراءتي لما كتبته حول الإعجاز العلمي عدم معارضتكم لهذا الاتجاه في الأصل ولكن للأخطاء الواردة فيه، فإن كان تعريف الإعجاز بما انتقدت في رأيك غير صحيح فما هو التعريف السليم، فإن الوقوف عند النقد فقط دون بيان الوجهة الصحيحة يفهم للقارئ غير حقيقة الحال عن الكاتب، كما أود القول أني بنقاشي لكم في هذا الموضوع لا أدافع عن أشخاص ولا أحامي عنهم، وإنما نتحاور في قضية علمية لنستبين وجه الحق فيها بقدر الطاقة فأسأل الله أن يهدي قلبي وقلبكم ويسدد قلمي وقلمكم.
 
أخي الكريم مرهف
لا يخطئني يقيني فيكم أبدًا ، فأنا أعرف من مناقشاتكم أنكم تريدون العلم والوصول إلى الثمرة المرجوة في هذا النقاش ، وسأراجع الآية إن شاء الله ، وأوافيكم بما يحصل عندي منها .
وأنا أوافقكم على تلخيصكم للنقاط المشتركة التي كتبتموها ، وأسأل الله أن يسددني وإياكم ، إنه سميع مجيب .
 
أراه موضوع قديم ولم يُحسم حتى تاريخه!
ولأهميته أرجو الله عز وجل أن يوفقكم لتوضيحه
 
السلام عليكم ورحمة الله

الإعجاز فرية وبدعة لا أصل لها سواء العلمي أو غيره ، وكنا قد بينا في الملتقى المفتوح بعنوان الفرق بين المعجزة والكرامة ما فيه كفاية وشفاء فأغنى عن إعادته ويكفي الإشارة إلى رابط الموضوع في الأسفل :
هذا الحوار الذي دار بيني وبين القائلين بالإعجاز :

https://vb.tafsir.net/forum/%D8%A7%D...AE%D8%B1%D9
%89

وأرى الأخ " مساعد طيار " يحتج بأقوال زغلول النجار في المسألة وينقل لنا نقولات من كلامه في تعريف الإعجاز وفي المقابل غابت عنه أقوال أخرى قالها زغلول النجار لعلي أذكر بعضاً منها :
قال زغلول النجار وهو يتكلم عن الغراب في قصة ابني آدم ما يلي :

قال : دور الغراب في القصة التي وردت في سورة المائدة هو تعليم الإنسان كيف يدفن موتاه.
فلماذا اختاره الله سبحانه وتعالى....من دون المخلوقات ليكون المعلم الأول للإنسان.
أثبتت الدراسات العلمية أن الغراب يملك أكبر حجم لفصي دماغ بالنسبةإلى حجم الإنسان في كل الطيور المعروفة.
ومن بين المعلومات التي أثبتتها دراسات سلوك عالم الحيوان.
محاكم الغربان.
وفيها تحاكم الجماعة أي فر يخرج على نظامها حسب قوانين العدالة الفطرية التي وضعها الله سبحانه وتعالى..
ولكل جريمة عند الجماعة الغربان عقوبتها الخاصة بها.
1-جريمة إغتصاب طعام الفراخ الصغار:
العقوبة تقضي بأن تقوم جماعة من الغربان بنتف ريش الغراب المعتدي حتى يصبح عاجز عن الطيران كالفراخ الصغيرة قبل تمام نموها.
2-جريمة إغتصاب العش أو هدمه:
تكتفي محاكمة الغربان بإلزام المعتدي ببناء عش جديد لصاحب العش المعتدى عليه.
3-جريمة الإعتداء على أنثى غراب آخر.
تقضي جماعة من الغربان بقتل المعتدي ضربا بمناقيرها حتى الموت.
وتنعقد المحكمة عادة في حقل من الحقول الزراعية أو في أرض واسعة تتجمع فيه هيئة المحكمة في الوقت المحدد ويجلب الغراب المتهم تحت حراسة مشددة وتبدأمحاكمته فينكس رأسه ويخفض جناحيه.
ويمسك على النعيق اعترافا بذنبه فإذا صدر الحكم بالإعدام......وثبت جماعة من الغربان على المذنب توسعه تمزيقا بمناقيرها الحادة حتى الموت..
وحينئذ يحمله أحد الغربان بمنقاره ليحفر له قبرا يتواءم مع حجم جسده ويضعه فيه ثم يهل عليه التراب حرمة للموت.
وهكذا تقيم الغربان العدل الإلهي في الأرض أكثر ممايقيمه كثير من بني ٱدم..((وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه الا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شئ ثم إلى ربهم يحشرون))الأنعام


أقول : هكذا يكون الجهل والخزعبلات وقلة التدبر والهرطقات ، هو لم يفهم أصلاً لم بعث الله الغراب فأتانا بالغرائب والعجائب .
إقامة العدل الإلهي في الأرض ؟؟ أهذه هي الحكمة من إرسال الغراب ؟!!!
هذا الغراب هو معلمك أنت وحدك وكل من قال بهذه الخزعبلات .

 
عودة
أعلى