مساعد الطيار
مستشار
- إنضم
- 15/04/2003
- المشاركات
- 1,698
- مستوى التفاعل
- 5
- النقاط
- 38
لا يفتأ من يقرأ في تقريرات العلماء في التعريفات = أن يجد حرصهم على دفع الإشكالات عنها ، وعلى جعل المصطلح منطبقًا على مضمون القضية التي يتحدثون عنها ، وقد قامت سجالات علمية في تحرير مططلحات العلوم ، ولك أن تنظر في مصطلح ( النحو ) ( أصول الفقه ) ( البلاغة ) ( التفسير ) إلى غيرها من المصطلحات التي لا يخفى على طالب العلم ما دار حولها من النقاشات .
ولا يخفى على طالب العلم ما في تحرير مصطلح جديد من العناء والتعب ، حتى يرى أنه لا يكاد يُوفَّق إلا فيه إلا بعد جهد جهيد ، وعرض على كثير من العقول تختبره وتبلوه حتى يخرج حسنًا مقبولاً .
وطالب الحقِّ لا ينزعج من أن يُعترض عليه في تعريفه ، بل أن يُنقض تعريفه ؛ لأن الحقَّ مطلبُه وبغيته ، ولا ينزعج من ذلك إلا قليل البضاعة في العلم أو ضيق النفس الذي لا يحتمل الصولة في العلم .
وإذا كان المطلوب من خُلقِه أن لا يكون كذلك ، فمطلوب منه ـ أيضًا ـ أن لا ينزعج من عدم قبول انتقاده لأمر ما ، وهذا هو ديدن طالب العلم في خلقه ، ديدنه أن يكون قولُه محاطًا بصفتي ( العدل والعلم ) ، فالعدل يقيه من أن يُعرِض عن الحقَّ إذا كان الحقُّ مع غيره ، والعلم يقيه من الجهل الذي يُبعده عن معرفة الحق ، وإن لم يتصف بهما كان كما قال الله تعالى : ( وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولاً ) .
وإذا أتينا إلى تعريف الإعجاز العلمي كما رضيه المعتنون به ، فإننا سنجد من تعريفاتهم :
1 ـ تقول الأمانة العامة لهيئة الإعجاز العلمي في كتاب ( الإعجاز العلمي تأصيلاً ومنهجًا ) : ( الإعجاز العلمي هو إخبار القرآن الكريم أو السنة النبوية بحقيقة أثبتها العلم التجريبي وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول مما يظهر صدقه فيما أخبر به عن ربه سبحانه وتعالى ). http://www.nooran.org/O/1/1O1.htm
2 ـ يقول الأستاذ الدكتور زغلول النجار : إن تعبير ( الإعجاز العلمي للقرآن الكريم يُقصد به سبق هذا الكتاب العزيز بالإشارة إلى عدد من حقائق الكون وظواهره التي لم تتمكن العلوم المكتسبة من الوصول إلى فهم شيء منها إلا بعد قرون متطاولة من تنزل القرآن الكريم ... ) الموقع الرسمي للأستاذ الدكتور زغلول النجار(http://www.elnaggarzr.com/?l=ar&id=877&cat=29)
وبين التعريفين تداخل ، فإخبار القرآن نوع من السبق ، وهو ما وقع التصريح به في التعريف الثاني ، ومؤداهما واحد ، فكلاهما يدَّعي وجود تلك القضايا من العلوم المكتسبة المعاصرة في القرآن ( أو في السنة ، حسب التعريف الأول) ، والذين قرؤوه من الصحابة ومن بعدهم لم تظهر لهم هذه الحقائق ، ثم ظهرت للمعاصرين، فكان إخبار القرآن بها سبقًا عندهم .
ويقع هاهنا سؤال :
هل يُعدُّ هذا سبقًا ، وهل هذا السبق ـ لو صحَّ ـ إعجاز ؟!
إننا بحاجة إلى تأمل هذا المعنى ( السبق ) الذي قام عليه تعريف الإعجاز العلمي ، والنظر في دِقَّةِ مضمونه .
أين وجه السبق الذي يدَّعيه متعاطي الإعجاز العلمي ؟!
إن حقيقة السبق تكمن في المجهود البشري البحت ، وليس في ادِّعاء سبق القرآن للعلم المعاصر ؛ لأن إدعاء السبق ظنِّي بلا ريب ، ولا يمكن لأحد أن يجزم بأن هذه القضية المعاصرة تفسير وتأويل لآيةٍ ما .
وإنما يصحُّ إدعاء السبق في حالين :
الأولى : أن تكون الآية ظاهرة واضحة بلا نزاع في أن المراد منها ما اكتشفه العلم المعاصر ، وفي هذه الحالة ، فإن فهم السلف لها يُخرجها عن كونها لم تُكتشف إلا بالعلوم المعاصرة المكتسبة ، ويبدو أنه إذا وُجد أمثلة من هذا النوع فإنها خارجةٌ عن كلام أهل الإعجاز العلمي .
الثانية : إذا قام الباحث المسلم باكتشاف القضية المعاصرة ، ثم اكتشفها الكافر بعده ، فتلك حقيقة السبق .
أما أن يُعلَّق السبق ـ وكذا دعوى الإخبار ـ على قضية ظنية ( وهي الزعم بأن الآية تدل على هذا الاكتشاف المعاصر ) ، فتلك مشكلة علمية تحتاج إلى نظر وتأمُّل .
هل هناك فرق بين دلالة الآيات القرآنية ودلالة الأحاديث على المكتشفات المعاصرة ؟
إذا تأملت مجموعة من الأحاديث النبوية التي نُسب إليها ( الإعجاز ) ـ كما هو الحال في التعريف الأول ـ فإنك ستلاحظ أن دلالة الحديث النبوي على القضية المكتشفة المعاصرة أقوى من دلالة الآية التي تأتي مجملة ـ في كثير من الأحيان ـ غير محدَّدة الدلالة على القضية بعينها ، ولأضرب لذلك مثالاً :
فيما روى البخاري في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا وقع الذباب في شراب أحدكم ، فليغمسه ، ثم لينزعه ، فإن في إحدى جناحيه داء والأخرى شفاء ) ، فهذا صريح في الدلالة ، بخلاف كثير من الآيات التي يستدل بها أهل الإعجاز العلمي .
ومثال ذلك : قوله تعالى : ( والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون ) ، فتفسير لفظ ( موسعون ) عند السلف على وجهين :
الأول : بنيناها واسعة الأرجاء ، وهذا إخبار عن حال السماء في السعة .
الثاني : بنيناها وإنا لقادرون على بنائها ، من الوُسع ؛ أي : القُدرة .
ثم حمل بعض المعتنين بالإعجاز لفظ ( لموسعون ) على ما قالوا بأنه اكتُشف في هذا العصر من أن الكون يتمدد .
فلو ثبت يقينًا أن الكون يتمدد ، فإن السؤال الذي يقع هنا : هل دلالة الآية على تمدد الكون ظنية أو قطعية ؟
لاشكَّ أن هذه الدلالة ظنية ؛ لأن من يقول بهذا التفسير لا يمكنه أن يجزم في إثبات هذه الدلالة .
وإذا كانت الدلالة ظنيةً ، فإن دعوى السبق تبقى ظنية أيضًا .
ومن المهم النظر والتدقيق في هذا الأصل الذي يقوم عليه الإعجاز العلمي ، ثمَّ في الأمثلة التي حُملت عليه ؛ لأن مقام بيان كتاب الله ليس بالأمر الهيِّن الذي يستطيع كل مسلم مثقف أو متعلم ، بل لابدَّ من اعتماد أصول التفسير التي لا يقوم التفسير إلا بها ، ولَمَّا لم يعتمد بعض متعاطي الإعجاز العلمي على هذه الأصول ظهر خلل كبير في الأمثلة التي يذكرونها في الإعجاز العلمي ، وهذا ظاهر لمن قرأ في كتبهم أو بحوثهم .
ويمكن لسائل أن يسأل :
أين التفسير الصحيح للآية مادامت الدلالة عندك ظنية ؟
فأقول : إن الجواب عن هذا يحتاج إلى التذكير بقاعدة مهمة يغفل عنها بعض من يعتني بالإعجاز العلمي ، وهي أن الأمة لا يمكن أن تجتمع على ضلالة ، ومن ثَمَّ ، فإنه لم يفُتْها فهمُ كلام ربها على وجهٍ صحيح معتبرٍ ، وهذه القاعدة تبدأ بزمن الصحابة ثمَّ من بعدهم ، فلا يصحُّ أن يقال : إن الصحابة لم يفهموا شيئًا من معاني القرآن ، ولا أن يقال : إن من بعدهم ـ كذلك ـ قد وقع لهم ذلك . وإذا كانت هذه القاعدة معتبرةً عند المسلمين ، فإن من لوازمها أن الحق قد وقع في فهم القرآن ، وأنه لا يمكن أن توجد آية ضلَّ المسلمون عن فهمها على وجهٍ صحيح معتبرٍ .
وإذا ركَّبت هذه المسألة مع المسألة السابقة ـ في كون دلالة الآية على القضية المعاصرة ظنية ـ فإنه سيظهر لك الآتي :
1 ـ أن من اعتمد تفسير السلف ومن قال بقولهم ـ ممن جاء بعدهم ـ فإنه قد قال بالقول الحقِّ والصواب ، ولا يمكن أن يخرج عن الحقِّ .
2 ـ أن من اعتمد على المكتشفات المعاصرة ، وأعرض عن قول السلف فإنه قد أخطأ الصواب بلا ريب ؛ لأن وجود التفسير الصحيح في كلام السلف متيقنٌ منه ، وأما قوله المعاصر فإنه يحتمل الصواب ويحتمل الخطأ ؛ لأن دلالة الآية ـ كما قلتُ ـ ظنية .
وإذا اعتمد قول السلف ، وأضاف إليه ما ظهر من المكتشفات المعاصرة ، فإنه لا يغير من الأمر شيء ، فتفسير السلف قطعي في تضمنه للقول الصحيح في معنى الآية ، والتفسير المعاصر ظَنِّي في ذلك .
وينتج عن هذا مسألة مهمة جدًا ، وهي :
هل ينقص فهمنا للقرآن إذا لم نقل بالإعجاز العلمي ؟
والجواب مبنيٌّ على التفصيل السابق ، فمادام أن السلف لم ينقص فهمهم للقرآن ـ وهم لا يعرفون هذا النوع من العلم ـ فمن باب أولى أن لا ينقص فهمنا نحن .
ومن هنا ، فلو اقتصر المفسر على ما وصله من تفسير السلف ، فإنه قد تمسَّك بالحق بلا ريب ، وخرج من عُهدة المساءلة ، بخلاف من تعرض للإعجاز العلمي ( الظني الدلالة ) ، فإنه لا يسلم من ذلك بأن يقال له : من أين علمت أن هذا هو مراد الله ؟
أما الأول فيقول : علمته من كون الأمة خلفًا عن سلف تناقلت هذه الأقوال بلا نكير ، واعتمدتها في التفسير ، ولم يجعلوا ما جاء عن سلفهم باطلاً ، ولم يتركوه وراءهم ظهريًّا ، وإن احتاج العلماء المحرِّرون في التفسير إلى بيان أقرب الأقوال أو أولاها بالصحة والصواب من الأقوال المختلفة في تفسير سلفهم اعتمدوا القواعد العلمية ، وبينوا ذلك بالطرق المعتبرة عند أولي العلم بالتفسير .
وهذا حقٌّ ظاهر بلا ريب ، وإن كان قد يخفى عن بعض من يتكلم في الإعجاز العلمي لغلبة هذا الموضوع عليه ، وتمكنه من نفسه ، حتى يظنَّ أن ما جاء به فإنه حقٌّ لا شكَّ فيه . ولا يخفاك أن من ظنَّ هذا الظنَّ فإنه مخطئٌ .
ولا يخفى على طالب العلم ما في تحرير مصطلح جديد من العناء والتعب ، حتى يرى أنه لا يكاد يُوفَّق إلا فيه إلا بعد جهد جهيد ، وعرض على كثير من العقول تختبره وتبلوه حتى يخرج حسنًا مقبولاً .
وطالب الحقِّ لا ينزعج من أن يُعترض عليه في تعريفه ، بل أن يُنقض تعريفه ؛ لأن الحقَّ مطلبُه وبغيته ، ولا ينزعج من ذلك إلا قليل البضاعة في العلم أو ضيق النفس الذي لا يحتمل الصولة في العلم .
وإذا كان المطلوب من خُلقِه أن لا يكون كذلك ، فمطلوب منه ـ أيضًا ـ أن لا ينزعج من عدم قبول انتقاده لأمر ما ، وهذا هو ديدن طالب العلم في خلقه ، ديدنه أن يكون قولُه محاطًا بصفتي ( العدل والعلم ) ، فالعدل يقيه من أن يُعرِض عن الحقَّ إذا كان الحقُّ مع غيره ، والعلم يقيه من الجهل الذي يُبعده عن معرفة الحق ، وإن لم يتصف بهما كان كما قال الله تعالى : ( وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولاً ) .
وإذا أتينا إلى تعريف الإعجاز العلمي كما رضيه المعتنون به ، فإننا سنجد من تعريفاتهم :
1 ـ تقول الأمانة العامة لهيئة الإعجاز العلمي في كتاب ( الإعجاز العلمي تأصيلاً ومنهجًا ) : ( الإعجاز العلمي هو إخبار القرآن الكريم أو السنة النبوية بحقيقة أثبتها العلم التجريبي وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول مما يظهر صدقه فيما أخبر به عن ربه سبحانه وتعالى ). http://www.nooran.org/O/1/1O1.htm
2 ـ يقول الأستاذ الدكتور زغلول النجار : إن تعبير ( الإعجاز العلمي للقرآن الكريم يُقصد به سبق هذا الكتاب العزيز بالإشارة إلى عدد من حقائق الكون وظواهره التي لم تتمكن العلوم المكتسبة من الوصول إلى فهم شيء منها إلا بعد قرون متطاولة من تنزل القرآن الكريم ... ) الموقع الرسمي للأستاذ الدكتور زغلول النجار(http://www.elnaggarzr.com/?l=ar&id=877&cat=29)
وبين التعريفين تداخل ، فإخبار القرآن نوع من السبق ، وهو ما وقع التصريح به في التعريف الثاني ، ومؤداهما واحد ، فكلاهما يدَّعي وجود تلك القضايا من العلوم المكتسبة المعاصرة في القرآن ( أو في السنة ، حسب التعريف الأول) ، والذين قرؤوه من الصحابة ومن بعدهم لم تظهر لهم هذه الحقائق ، ثم ظهرت للمعاصرين، فكان إخبار القرآن بها سبقًا عندهم .
ويقع هاهنا سؤال :
هل يُعدُّ هذا سبقًا ، وهل هذا السبق ـ لو صحَّ ـ إعجاز ؟!
إننا بحاجة إلى تأمل هذا المعنى ( السبق ) الذي قام عليه تعريف الإعجاز العلمي ، والنظر في دِقَّةِ مضمونه .
أين وجه السبق الذي يدَّعيه متعاطي الإعجاز العلمي ؟!
إن حقيقة السبق تكمن في المجهود البشري البحت ، وليس في ادِّعاء سبق القرآن للعلم المعاصر ؛ لأن إدعاء السبق ظنِّي بلا ريب ، ولا يمكن لأحد أن يجزم بأن هذه القضية المعاصرة تفسير وتأويل لآيةٍ ما .
وإنما يصحُّ إدعاء السبق في حالين :
الأولى : أن تكون الآية ظاهرة واضحة بلا نزاع في أن المراد منها ما اكتشفه العلم المعاصر ، وفي هذه الحالة ، فإن فهم السلف لها يُخرجها عن كونها لم تُكتشف إلا بالعلوم المعاصرة المكتسبة ، ويبدو أنه إذا وُجد أمثلة من هذا النوع فإنها خارجةٌ عن كلام أهل الإعجاز العلمي .
الثانية : إذا قام الباحث المسلم باكتشاف القضية المعاصرة ، ثم اكتشفها الكافر بعده ، فتلك حقيقة السبق .
أما أن يُعلَّق السبق ـ وكذا دعوى الإخبار ـ على قضية ظنية ( وهي الزعم بأن الآية تدل على هذا الاكتشاف المعاصر ) ، فتلك مشكلة علمية تحتاج إلى نظر وتأمُّل .
هل هناك فرق بين دلالة الآيات القرآنية ودلالة الأحاديث على المكتشفات المعاصرة ؟
إذا تأملت مجموعة من الأحاديث النبوية التي نُسب إليها ( الإعجاز ) ـ كما هو الحال في التعريف الأول ـ فإنك ستلاحظ أن دلالة الحديث النبوي على القضية المكتشفة المعاصرة أقوى من دلالة الآية التي تأتي مجملة ـ في كثير من الأحيان ـ غير محدَّدة الدلالة على القضية بعينها ، ولأضرب لذلك مثالاً :
فيما روى البخاري في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا وقع الذباب في شراب أحدكم ، فليغمسه ، ثم لينزعه ، فإن في إحدى جناحيه داء والأخرى شفاء ) ، فهذا صريح في الدلالة ، بخلاف كثير من الآيات التي يستدل بها أهل الإعجاز العلمي .
ومثال ذلك : قوله تعالى : ( والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون ) ، فتفسير لفظ ( موسعون ) عند السلف على وجهين :
الأول : بنيناها واسعة الأرجاء ، وهذا إخبار عن حال السماء في السعة .
الثاني : بنيناها وإنا لقادرون على بنائها ، من الوُسع ؛ أي : القُدرة .
ثم حمل بعض المعتنين بالإعجاز لفظ ( لموسعون ) على ما قالوا بأنه اكتُشف في هذا العصر من أن الكون يتمدد .
فلو ثبت يقينًا أن الكون يتمدد ، فإن السؤال الذي يقع هنا : هل دلالة الآية على تمدد الكون ظنية أو قطعية ؟
لاشكَّ أن هذه الدلالة ظنية ؛ لأن من يقول بهذا التفسير لا يمكنه أن يجزم في إثبات هذه الدلالة .
وإذا كانت الدلالة ظنيةً ، فإن دعوى السبق تبقى ظنية أيضًا .
ومن المهم النظر والتدقيق في هذا الأصل الذي يقوم عليه الإعجاز العلمي ، ثمَّ في الأمثلة التي حُملت عليه ؛ لأن مقام بيان كتاب الله ليس بالأمر الهيِّن الذي يستطيع كل مسلم مثقف أو متعلم ، بل لابدَّ من اعتماد أصول التفسير التي لا يقوم التفسير إلا بها ، ولَمَّا لم يعتمد بعض متعاطي الإعجاز العلمي على هذه الأصول ظهر خلل كبير في الأمثلة التي يذكرونها في الإعجاز العلمي ، وهذا ظاهر لمن قرأ في كتبهم أو بحوثهم .
ويمكن لسائل أن يسأل :
أين التفسير الصحيح للآية مادامت الدلالة عندك ظنية ؟
فأقول : إن الجواب عن هذا يحتاج إلى التذكير بقاعدة مهمة يغفل عنها بعض من يعتني بالإعجاز العلمي ، وهي أن الأمة لا يمكن أن تجتمع على ضلالة ، ومن ثَمَّ ، فإنه لم يفُتْها فهمُ كلام ربها على وجهٍ صحيح معتبرٍ ، وهذه القاعدة تبدأ بزمن الصحابة ثمَّ من بعدهم ، فلا يصحُّ أن يقال : إن الصحابة لم يفهموا شيئًا من معاني القرآن ، ولا أن يقال : إن من بعدهم ـ كذلك ـ قد وقع لهم ذلك . وإذا كانت هذه القاعدة معتبرةً عند المسلمين ، فإن من لوازمها أن الحق قد وقع في فهم القرآن ، وأنه لا يمكن أن توجد آية ضلَّ المسلمون عن فهمها على وجهٍ صحيح معتبرٍ .
وإذا ركَّبت هذه المسألة مع المسألة السابقة ـ في كون دلالة الآية على القضية المعاصرة ظنية ـ فإنه سيظهر لك الآتي :
1 ـ أن من اعتمد تفسير السلف ومن قال بقولهم ـ ممن جاء بعدهم ـ فإنه قد قال بالقول الحقِّ والصواب ، ولا يمكن أن يخرج عن الحقِّ .
2 ـ أن من اعتمد على المكتشفات المعاصرة ، وأعرض عن قول السلف فإنه قد أخطأ الصواب بلا ريب ؛ لأن وجود التفسير الصحيح في كلام السلف متيقنٌ منه ، وأما قوله المعاصر فإنه يحتمل الصواب ويحتمل الخطأ ؛ لأن دلالة الآية ـ كما قلتُ ـ ظنية .
وإذا اعتمد قول السلف ، وأضاف إليه ما ظهر من المكتشفات المعاصرة ، فإنه لا يغير من الأمر شيء ، فتفسير السلف قطعي في تضمنه للقول الصحيح في معنى الآية ، والتفسير المعاصر ظَنِّي في ذلك .
وينتج عن هذا مسألة مهمة جدًا ، وهي :
هل ينقص فهمنا للقرآن إذا لم نقل بالإعجاز العلمي ؟
والجواب مبنيٌّ على التفصيل السابق ، فمادام أن السلف لم ينقص فهمهم للقرآن ـ وهم لا يعرفون هذا النوع من العلم ـ فمن باب أولى أن لا ينقص فهمنا نحن .
ومن هنا ، فلو اقتصر المفسر على ما وصله من تفسير السلف ، فإنه قد تمسَّك بالحق بلا ريب ، وخرج من عُهدة المساءلة ، بخلاف من تعرض للإعجاز العلمي ( الظني الدلالة ) ، فإنه لا يسلم من ذلك بأن يقال له : من أين علمت أن هذا هو مراد الله ؟
أما الأول فيقول : علمته من كون الأمة خلفًا عن سلف تناقلت هذه الأقوال بلا نكير ، واعتمدتها في التفسير ، ولم يجعلوا ما جاء عن سلفهم باطلاً ، ولم يتركوه وراءهم ظهريًّا ، وإن احتاج العلماء المحرِّرون في التفسير إلى بيان أقرب الأقوال أو أولاها بالصحة والصواب من الأقوال المختلفة في تفسير سلفهم اعتمدوا القواعد العلمية ، وبينوا ذلك بالطرق المعتبرة عند أولي العلم بالتفسير .
وهذا حقٌّ ظاهر بلا ريب ، وإن كان قد يخفى عن بعض من يتكلم في الإعجاز العلمي لغلبة هذا الموضوع عليه ، وتمكنه من نفسه ، حتى يظنَّ أن ما جاء به فإنه حقٌّ لا شكَّ فيه . ولا يخفاك أن من ظنَّ هذا الظنَّ فإنه مخطئٌ .