تحرير أوجه الأزرق من طريق النشر الكبير.

تحرير {كتابيه إنّي}.

تحرير {كتابيه إنّي}.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم

تحرير {كتابيه إنّي}.

قال ابن الجزريّ : "واختلف عن ورش في حرف واحد من الساكن الصحيح وهو قوله تعالى في الحاقة (كتابيه إني ظننت) فرروى الجمهور عنه إسكان الهاء وتحقيق الهمزة على مراد القطع والاستئناف من أجل أنهاء هاء السكت وهذا الذي قطع به غير واحد من الأئمة من طريق الأزرق ولم يذكر في التيسير غيره وذكره في غيره وقال إنه قرأ بالتحقيق من طريقه على الخاقاني وأبي الفتح وابن غلبون وبه قرأ صاحب التجريد من طريق الأزرق عن ابن نفيس عن أصحابه عنه وعلى عبد الباقي عن أصحابه عن ابن عراك عنه ومن طريق الأصبهاني أيضاً بغير خلف عنه وهو الذي رجحه الشاطبي وغيره وروى النقل فيه كسائر الباب جماعة من أهل الأداء ولم يفرقوا بينه وبين غيره وبه قطع غير واحد من طريق الأصبهاني وهو ظاهر نصوص العراقيين له وذكره بعضهم عن الأزرق وبه قرأ صاحب التجريد على عبد الباقي عن أبيه من طريق أبي هلال عنه وأشار إلى ضعفه أبو القاسم الشاطبي وقال مكي أخذ قوم بترك النقل في هذا، وتركه أحسن وأقوى. وقال أبو العباس المهدوي في هدايته وعنه (كتابيه إني)النقل والتحقيق فسوى بين الوجهين. (قلت) وترك النقل فيه هو المختار عندنا والأصح لدينا والأقوى في العربية وذلك أن هذه الهاء هاء سكت وحكمها السكون فلا تحرك إلا في ضرورة الشعر على ما فيه من قبح."(النشر 1/409).

نظراً لسكوت صاحب النشر على الكثير من المصادر سأنقل أقوال أصحابها لنصل إلى الخلاصة.

فأما من طريق الداني فقال في التيسير : "واستثنى أصحاب أبي يعقوب الأزرق من ذلك حرفاً واحداً في الحاقّة وهو قوله تعالى {كتابيه إنّي} فسكنوا الهاء وحقّقوا الهمزة بعدها على مراد القطع والاستئناف. وبذلك قرأت على مشيخة المصريّين وبه آخذ."(التيسير ص157). وقال في جامع البيان :"فروى أبو يعقوب عنه أداءً أنّه سكن الهاء وحقّق الهمزة بعدها على مراد القطع والاستئناف. وبذلك قرأت من طريقه على الخاقاني وأبي الفتح وابن غلبون عن قراءتهم ، وعلى ذلك عامّة أهل الأداء من المصريّين."(جامع البيان ص268).

وأما من التذكرة فقال أبو الحسن عند ذكره لمستثنيات النقل : والموضع الثاني : هاء السكت ، وهو موضع واحد في الحاقة {كتابيه إنّي ظننت} لأنّه ينوي بها الوقف وانقطاع الهمزة عنها."(التذكرة ص1/124).

وأما من الإرشاد فقال أبو الطيّب : "واختلف الروايات عنه في نقل الحركة إلى هاء السكت ، وهو موضع واحد ، وهو قوله {كتابيه إنّي} ، فطائفة من القراء المصريين نقلوا الحركة من الهمزة إلى الهاء ، وطائفة لم ينقلوا ، والمختار المشهور عند قرّائهم أنّهم لا ينقلون الحركة إلى الهاء البتّة لأنّ الهاء إنّما تدخلها العرب في كلامها لتتبيّن بها حركة ما قبلها ، وهي ساكنة في القرءان وكلام العرب ، والذي أخذنا بغير نقل حركة إلى الهاء ، وهو المعمول عليه ، فاعرفه والزمه موفّقاً إن شاء الله."(الإرشاد 1/342).

وأما من التجريد فقال ابن الفحام : "وقرأت على عبد الباقي بنقل الحركة لهاء السكت في {الحاقةِ} قوله {كتابيه إنيّ} من طريق أبي هلال."(التجريد ص138).قال ابن الجزريّ : "وبه – أي بالتحقيق- قرأ صاحب التجريد من طريق الأزرق عن ابن نفيس عن أصحابه عنه وعلى عبد الباقي عن أصحابه عن ابن عراك عنه" وقال : " وبه –أي بالنقل- قرأ صاحب التجريد على عبد الباقي عن أبيه من طريق أبي هلال عنه."
أقول : رواية صاحب التجريد من طريق ابن هلال عن النحاس ليست من طرق النشر لأنّ طريقه عن النحاس هي من طريق الخولاني وليست من طريق ابن هلال. وقد ذكر ابن الفحام أنّه قرأ بالنقل من طريق ابن هلال وهذا يستلزم أنّه قرأ بالتحقيق من غير طريق ابن هلال وهذا فهمه ابن الجزريّ من كلام صاحب التجريد فقال : وبه – أي بالتحقيق- قرأ صاحب التجريد من طريق الأزرق عن ابن نفيس عن أصحابه عنه وعلى عبد الباقي عن أصحابه عن ابن عراك عنه"
وقد نسي ابن الجزري أن يذكر طريقاً ثالثاً له وهو قراءته على عبد الباقي من طريق الظهراوي الحوفي عن أبي عدي عن ابن سيف. والظاهر أنّ قراءته من هذا الطريق هو بالتحقيق لأنّ صاحب التجريد خصّ النقل بطريق ابن هلال لا غير ، زيادة على ذلك فإنّ طريق الظهراوي الحوفي وابن النفيس قرآ على أبي عدي وابن النفيس مذهبه التحقيق كما ذكر ابن الجزريّ. وعليه يكون مذهب صاحب التجريد من طرقه الثلاثة المسندة من النشر هو التحقيق لا غير ، وعلى وجه التحقيق اقتصر له العلامة الضباع في المطلوب.

وأمّا من التبصرة فقال مكي القيسي : "فأما هاء السكت فالاختيار أن لا ينقل عليه الحركة وهو موضع واحد من كتاب الله قوله عز وجل {كتابيه إني} وقد أخذ جماعة بنقل الحركة في هذا ، وتركه أحسن وأقوى وبه قرأت."(التبصرة ص93). فقوله وبه قرأت يستلزم أن نقتصر له على وجه التحقيق خلافاً لقول المحررين.

وأما من العنوان فقال أبو طاهر : "إلا أن يكون الساكن الذي قبل الهمزة أحد حروف المد واللين أو هاء سكت في قوله تعالى ٍ{كتابيه} في الحاقة فإنه لا ينقل إليها حركة الهمزة"(العنوان ص48). قال ابن الجزري في التحفة : "لا ينقل ورش {كتابيه إني} في الحاقة وجهاً واحداً."(تحفة الإخوان ص150).

وأما من الكافي فقال ابن شريح : "واختلفوا عن ورش في نقل الحركة إلى هاء السكت وهو قوله تعالى {كتابيه إني} فأخذ له قوم بنقل الحركة وترك النقل أحسن."(الكافي ص54). فالذي يظهر أنّ مذهب ابن شريح هو الوجهان وكما يظهر أيضاً في البدائع والمطلوب.

وأما من التلخيص فقال ابن بليمة عند ذكره لمستثنيات النقل : "والموضع الثاني هاء السكت وهو في موضع واحد في الحاقة {كتابيه إني} فإنه ينوي بها الوقف والانقطاع."(تلخيص العبارا ص31).

وأما من الكامل فلم يستثن الهذلي في باب النقل هاء {كتابيه} فيكون حكمها عنده النقل كسائر الباب.

وأما من الهداية فلم أجد في كتاب شرح الهداية إشارة إلى {كتابيه إني} في باب النقل ، وقد نقل ابن الجزري عن المهدوي الوجهين بقوله :"وقال أبو العباس المهدوي في هدايته وعنه (كتابيه إني)النقل والتحقيق فسوى بين الوجهين فحسبنا بذلك.

وأمّا طريق أبي معشر والمجتبى فمذهبهما التحقيق على ما في البدائع والمطلوب.

وأمّا من الشاطبية فقال صاحبها : ونقل رداً عن نافع وكتابيه*** بالاسكان عن ورش أصحّ تقبّلا.

خلاصة المسألة :

نخلص مما سبق أنّ التحقيق هو مذهب الداني مطلقاً وأبي معشر ومذهب صاحب التذكرة والإرشاد والعنوان والمجتبى وتلخيص ابن بليمة والتجريد على الصحيح وكذا صاحب التبصرة إذ به قرأ على شيوخه ، وهو أحد الوجهين في الشاطبية والكافي والهداية. والنقل هو مذهب صاحب الكامل والثاني من الشاطبية والكافي والهداية.

ففي قوله تعالى {فأما من اوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه إنّي} اجتمع بدل مغيّر وبدل محقق و{كتابيه إني} وفيها تسعة أوجه كلّها صحيحة من الطيّبة يصحّ منها ستة من الشاطبية. وهي كالتالي

- قصر البدلين مع التحقيق من الشاطبية والتذكرة والإرشاد وبه قرأ الداني على أبي الحسن.
- قصر البدلين مع النقل من الشاطبية.
- قصر البدل المغيّر {من اوتي} وتوسط المحقّق {اقرءوا} مع تحقيق {كتابيه إني} من التلخيص
- قصر البدل المغيّر {من اوتي} وطول المحقّق {اقرءوا} مع تحقيق {كتابيه إني} من العنوان وطريق أبي معشر
- ومع نقل {كتابيه إني} من الكامل.
- توسط البدلين مع التحقيق من الشاطبية والتيسير والتلخيص وقراءة الداني على ابن خاقان وأبي الفتح.
- توسط البدلين مع النقل من الشاطبية.
- طول البدلين مع التحقيق من الشاطبية والعنوان والمجتبى والتجريد وطريق أبي معشر وأحد وجهي الكافي والهداية
- طول البدلين مع النقل من الشاطبية والكامل والثاني من الهداية والكافي.

والعلم عند الله تعالى.
 
تحرير {يلهث ذلك}.

تحرير {يلهث ذلك}.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد

تحرير {يلهث ذلك}.

قال ابن الجزريّ : "وروى إظهاره عن ورش جمهور المشارقة والمغاربة وخص بعضهم الإظهار بالأزرق وبعضهم بالأصبهاني. وروى إدغامه عن ورش من جميع طرقه أبو بكر بن مهران ورواه أبو الفضل الخزاعي من طريق الأزرق وغيره واختاره الهذلي."(النشر 2/14).
الذي يظهر في النشر أنّ الإدغام يختصّ بطريق الكامل.

فأما الداني فقال في التيسير :"وأظهر ابن كثير وورش وهشام {يلهث ذلك}."(التيسير ص172). ولم يُنقل الخلاف عن الداني في إظهار{يلهث ذلك} لورش فيما أعلم.

وأما من التجريد فقال ابن الفحام : "فإن تأخرت الذال فأتت قبلها ساكنة لجواب الشرط وهو قوله {يلهث ذلك} فأظهر ابن كثير وهشام وورش."(التجريد ص158).

وأما من التذكرة فقال ابن غلبون : "والسادس : قوله {يلهث ذلك} أظهر الثاء عند الذال ابن كثير وورش وهشام ، وأدغمها الباقون."(التذكرة 1/186).

وأما من الإرشاد فقال أبو الطيب : "والثاني : {يلهث ذلك} فأظهرها ابن كثير في روايتيه ، وورش عن نافع وهشام عن ابن عامر."(الإرشاد 1/373).

وأما من التبصرة : "ومن ذلك الثاء إذا وقعت بعدها الذال من كلمتين وهو موضع واحد قوله تعالى {يلهث ذلك} قرأ ابن كثير وورش وهشام بالإظهار وأدغم الباقون."(التبصرة ص123).

وأما من التلخيص فقال ابن بليمة : "وأظهر ابن كثير وورش وهشام {يلهث ذلك} وأدغم الباقون."(تلخيص العبارات ص44).

وأما من الكامل فقال : "والاعتماد فيه على تفصيل الخزاعي". وقد نقل قول الخزاعي أعلاه فقال : "وقال الخزاعي : أظهره المسيبي وإسماعيل وورش طريق الأسدي وابن الصلت ، ويونس إلا ابن عيسى وقالون إلا بويان ، وقنبل طريق ابن مجاهد والواسطي وحماد ويحيى طريق خلف وهشام طريق الحلواني وسلام ...."(الكامل ص345). أقول لم يذكر الخزاعي الإظهار لورش إلاّ من طريق الأسدي وهذا يدلّ أنّ مذهبه من طريق الأزرق هو الإدغام ، وقد اختار الهذلي مذهب الخزاعي فلذلك قال في النشر : "واختاره الهذلي."

وأما من الكافي فقال ابن شريح :"قرأ ورش وابن كثير وهشام {يلهث ذلك} بالإظهار وأدغم الباقون."(الكافي ص57).

وأما من العنوان فقال أبو طاهر : "بالإظهار ، الحرميان وعاصم وهشام."(العنوان ص98).

وأما من الهداية والمجتبى وطريق أبي معشر فظاهر النشر على أنّه مظهر.

وأما من الشاطبية فقال صاحبها : (يلهث له دار جهلا).

خلاصة المسألة :
نخلص مما سبق أنّ الإدغام يختصّ بطريق الكامل دون غيره. ويكون مع طول البدل والفتح في الذوات.

ففي قوله تعالى { واتّبع هواه} إلى قوله {كذبوا بآياتنا} خمسة أوجه كلّها صحيحة من النشر يصحّ منها أربعة من الشاطبية حيث اجتمع : ذات(هواه) و {يلهث ذلك} و بدل {آياتنا}. وهي كالتالي :

- الفتح مع الإظهار والقصر من الشاطبية والتذكرة والإرشاد وبه قرأ الداني على أبي الفتح
- الفتح مع الإظهار والطول من الشاطبية والتبصرة والكافي والهداية والتجريد وطريق أبي معشر
- الفتح مع الإدغام والطول من الكامل.
- التقليل مع الإظهار والتوسط من الشاطبية والتيسير وتلخيص العبارات وبه قرأ الداني على ابن خاقان وأبي الفتح.
- التقليل مع الإظهار والطول من الشاطبية والعنوان والمجتبى.

والعلم عند الله تعالى.
 
تحرير {ماليه هلك}

تحرير {ماليه هلك}

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم

تحرير {ماليه هلك}.

قال ابن الجزريّ : وأما (ماليه هلك) في سورة الحاقة فقد حكى فيه الإظهار من أجل كونه هاء سكت كما حكى عدم النقل في (كتابيه إني) وقال مكى في تبصرته: يلزم من ألقى الحركة في (كتابيه إني) أن يدغم (ماليه هلك) لأنه قد أجراها مجرى الأصل حين ألقى الحركة وقدر ثبوتها في الأصل. قال وبالإظهار قرأت وعليه العمل وهو الصواب إن شاء الله. قال أبو شامة يعني بالإظهار أن يقف على ماليه هلك وقفة لطيفة. وأما أن وصل فلا يمكن غير الإدغام أو التحريك قال وإن خلا اللفظ من أحدهما كان القارئ واقفاً وهو لا يدري لسرعة الوصل. وقال أبو الحسن السخاوي وفي قوله (ماليه هلك) خلف. والمختار فيه أن يوقف عليه لأن الهاء إنما اجتلبت للوقف فلا يجوز أن توصل فإن وصلت فالاختيار الإظهار لأن الهاء موقوف عليها في النية لأنها سيقت للوقف: والثانية منفصلة منها فلا إدغام ( قلت) وما قاله أبو شامة أقرب إلى التحقيق، وأحرى بالدراية والتدقيق ؛ وقد سبق إلى النص عليه أستاذ هذه الصناعة أبو عمرو الداني رحمه الله تعالى قال في جامعة فمن روى التحقيق يعني التحقيق في (كتابيه إني) لزمه أن يقف على الهاء في قوله (ماليه هلك) وقفة لطيفة في حال الوصل من غير قطع لأنه واصل بنية الواقف فيمتنع بذلك من أن يدغم في الهاء التي بعدها قال ومن روى الإلقاء لزمه أن يصلها ويدغمها في الهاء التي بعدها لأنها عنده كالحرف اللازم الأصلي انتهى وهو الصواب والله أعلم."(النشر 1/21).

أقول : وضع بعض الأئمّة المتقدّمين علاقة بين {ماليه هلك}وبين {كتابيه إنّي} ، وهذه العلاقة تتمثّل في التسوية هاء السكت في الموضعين من حيث معاملتها كبقيّة الهاءات الاصليّة أومعاملتها معاملة الهاء العارضة التي لا تثبت إلاّ للوقف. فمن عاملها معاملة الأصليّة أدغم هاء {ماليه } في الهاء التي بعدها و نقل حركة الهمزة إلى هاء قبله مع حذف الهمزة في {كتابيه إنّي }. ومن عاملها معاملة الهاء العارضة أظهر {ماليه } وحقّق هاء {كتابيه}.

وكان إعمالهم لهذا القياس تنيجة عدم ثبوت النصّ عندهم في إدغام {ماليه هلك} فلجئوا إلى القياس ضرورة. ولماّ كانت النصوص متوافرة في بيان حكم {كتابيه إنّي} جعلوا {كتابيه} هي الأصل في القياس ، والفرع هو {ماليه} ، والعلّة الجامعة بينهما هاء السكت. وهذا القياس صحيح لا شكّ فيه قال به الكثير من الأئمّة المعتبرين. قال أبو عمرو الداني : "فمن روى التحقيق لزمه بأن يقف على الهاء في قوله {ماليه هلك} وقفة لطيفة في حال الوصل من غير قطع لأنّه واصل بنيّة الوقف فيمتنع بذلك من أن تُدغم في الهاء التي بعدها ، ومن روى الإلقاء لزمه أن يصلها ويُدغمها في الهاء التي بعدها لأنّها عنده كالحرف اللازم الأصلي."(جامع البيان ص268). وقال مكي القيسي : " ويلزم من إلقاء الحركة أن يُدغم {ماليه هلك} لأنّه قد أجراها مجرى الأصل حين ألقى عليه الحركة."(التبصرة ص310). وقال ابن شريح : "ويلزم من نقل الحركة إليها أن يُدغمها في قوله تعالى {ماليه هلك} لأنّه قد جعلها كالأصلي.."(الكافي ص54). وقال ابن الباذش : "ومن أخذ له في ذلك بغير نقل أخذ له في هذا بالإظهار ، وهو الوجه ، وكلاهما معمول به ، هذا مأخذ المقرئين."(الإقناع 1/169).

والذي لاحظته في هذه المسألة هو الإلزام بهذا القياس دون النظر والبحث في النصوص ، وكان الأجدر على المحققين المتأخّرين إعمال القياس في حالة انعدام النصّ المبيّن لحكم {ماليه هلك} ، فإنّ ثبت النصّ أُعمل ولو كان مخالفاً للقياس للمذكور.

وعليه فإنّ المنهجيّة الصحيحة في نظريّ هو البحث في مصادر النشر عن حكم {ماليه هلك} وإعمال ما صحّ في هذه الكتب. فإن لم نجد نصاً في ذلك التجأنا إلى القياس بتسوية {ماليه} ب {كتابيه}. فمن ثبت عنده النقل في {كتابيه إنّي} أثبتنا له الإدغام في {ماليه هلك} ومن ثبت عنده التحقيق في {كتابيه إنّي} أثبتنا له الإظهار في {ماليه هلك}.

وعند اطلاعي على كتاب العنوان والتذكرة والإرشاد وتلخيص العبارات والتجريد لم أجد فيها إشارة إلى حكم المتماثلين الصغير لعلّي أجد فيه استثناءً ل {ماليه} ولا إلى الكلمة بالذات وهذا قد يُفهم منه شيئين اثنين :

لأوّل : أنّها مدغمة لأنّ الأصل في المتماثلين الصغير الإدغام إذا سكن المدغم. ولا شكّ أنّ هاء السكت مع الهاء التي بعدها من المتماثلين لاتحادهما مخرجاً وصفة.

الثاني : أنّها مظهرة لأنّها هاء سكت ووجودها لا يكون إلاّ في الوقف ، وإظهارها معلوم في اللغة مشهور في الرواية لا تحتاج إلى توضيح وبيان.

لما كان كلا الاحتمالين له اعتبار لعدم ورود نصّ صريح في هذه المصادر ، كان الأحرى الاعتماد على قياس هاء {ماليه} بهاء {كتابيه} ، فمن حقّق هاء {كتابيه إنّي} أظهر هاء {ماليه هلك} ، ومن نقل الحركة في {كتابيه إنّي} أدغم {ماليه هلك} وعلى هذا الأساس سنقوم بتحرير هذه المسألة عند عدم النصّ. أمّا إن وجد النصّ فإنّي آخذ به ولو كان مخالفاً للقياس المذكور آنفاً.

فأما من طريق أبي معشر والتذكرة والإرشاد والعنوان والمجتبى وتلخيص ابن بليمة والتجريد فإنّي لم أجد نصاً يُبيّن حكم {ماليه هلك} ولماّ كان مذهب أصحاب هذه المصادر هو التحقيق في {كتابيه إنّي} أخذنا لهم جميعاً بالإظهار في {ماليه هلك}.

وأمّا من التبصرة فقال مكي القيسي : "قوله عزّ وجلّ {كتابيه إنّي} وقد أخذ قوم بنقل الحركة في هذا ، وتركه أحسن وأقوى وبه قرأت ، ويلزم من إلقاء الحركة أن يُدغم {ماليه هلك} لأنّه قد أجراها مجرى الأصل حين ألقى عليه الحركة ، وقدر ثبوتها في الأصل ، وبالإظهار قرأت وعليه العمل وهو الصواب إن شاء الله تعالى."(التبصرة ص310 الطبعة الهندية). أقول : قد أخبر أنّه قرأ بالتحقيق في {كتابيه إنّي} وألزم التسوية بين {كتابيه إنّي} و{ماليه هلك} بقوله : ويلزم من إلقاء الحركة أن يُدغم {ماليه هلك}. وعليه يكون مذهبه الإظهار في {ماليه هلك}.

وأما من الكامل فقال الهذلي : إذا تماثل الحرفان وسكن الأوّل منها فليس إلاّ الإدغام نحو {وقد دخلوا} { إذ ذهب مغاضباً}..". واستثنى من ذلك إذا كان المدغم حرف مد فقال : "إن كان انضمّ ما قبل الأولى وسكنت مثل {آمنوا وعملوا} وهكذا الياءان إذا انكسر ما قبلها الأولى وسكنت مثل {في يتامى} {الذي يوسوس} فلا يجوز الإدغام."(الكامل ص339). أقول لم يستثن من هذا الإدغام {هاء ماليه} دلّ أنّ الهاء مدغمة ويؤكّد ذلك اقتصاره على النقل في {كتابيه إنّي} كما يظهر في كتابه الكامل.

وأما الداني فقال : "فمن روى التحقيق لزمه بأن يقف على الهاء في قوله {ماليه هلك} وقفة لطيفة في حال الوصل من غير قطع لأنّه واصل بنيّة الوقف فيمتنع بذلك من أن تُدغم في الهاء التي بعدها ، ومن روى الإلقاء لزمه أن يصلها ويُدغمها في الهاء التي بعدها لأنّها عنده كالحرف اللازم الأصلي."(جامع البيان ص268). ولما كان مذهب الداني التحقيق في {كتابيه إنّي} كان مذهبه الإظهار في {ماليه هلك} بالضرورة بقوله: "فمن روى التحقيق لزمه بأن يقف على الهاء في قوله {ماليه هلك} وقفة لطيفة في حال الوصل من غير قطع".

وأما من الهداية فقد نقل عنه ابن الجزريّ الوجهين في نقل {كتابيه إنّي}. وقد وقفت على كلامه في شرحه على الهداية يؤكّد أخذه بالوجهين في {كتابيه إنّي} و {ماليه هلك} مع إعمال القياس في التسوية بينهما حكماً. قال المهدويّ : "وإذا كان السكوت مقدّراً عليها – أي {ماليه هلك} فهو فاصل بينها وبين الهاء التي جاءت بعدها ولا يجب الإدغام مع الانفصال ، وعلى هذا يجب أن تُتقل إليها حركة الهمزة لورش في قوله {كتابيه إنّي} لأنّها قد انفصلت لتقدير السكوت عليها من الهمزة. فأمّا من أخذ بإدغامها في الهاء التي بعدها ونقل حركة الهمزة إليها وأدغم نون {طسم} و {يس والقرءان} و {ن والقلم} فإنّه لم يراع السكوت المقدّر ، وأوجب لذلك كلّه حكم الاتصال لمّا كانت هذه الحروف متصلة بما بعدها في التلاوة كاتصال غيرها."(شرح الهداية ص1/86). وعليه فيكون مذهب صاحب الهداية الوجهين في {كتابيه إنّي} و {ماليه هلك} مع التسوية بين الحكمين فيهما قياساً.

وأما من الكافي فقال ابن شريح : " ويلزم من نقل الحركة إليها أن يُدغمها في قوله تعالى {ماليه هلك} لأنّه قد جعلها كالأصلي.."(الكافي ص54). ولما كان مذهبه الوجهين في {كتابيه إنّى} جاز الوجهان كذلك في {ماليه هلك} مع التسوية بينهما قياساً.

وأما من الشاطبية فقد سبق أنّه ذكر الوجهين في {كتابيه إنّي} وبالتالي جاز الوجهان في {ماليه هلك} قياساً مع التسوية.

خلاصة المسألة :
نخلص مما سبق أنّ الإظهار هو مذهب الداني وأبي معشر وصاحب التذكرة والإرشاد والعنوان والمجتبى وتلخيص ابن بليمة والتجريدو التبصرة وهو أحد الوجهين في الشاطبية والكافي والهداية. والنقل هو مذهب صاحب الكامل والثاني من الشاطبية والكافي والهداية.

والعلم عند الله تعالى.
 
تحرير {يس والقرءان الحكيم}.

تحرير {يس والقرءان الحكيم}.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم

تحرير {يس والقرءان الحكيم}.

قال ابن الجزريّ في {يس والقرءان} : "وقطع له بالإدغام من رواية ورش من طريق الأزرق صاحب التيسير والكافي والتبصرة والتلخيص والشاطبية والجمهور وقال في الهداية إنه الصحيح عن ورش وقطع بالإظهار من الطريق المذكورة صاحب التجريد حسبما قرأ به على شيوخه من طرقهم."(النشر 2/17).

الذي يظهر في النشر أنّ الإدغام في {يس والقرءان} هو من التيسير والكافي والتبصرة والشاطبية والهداية. والإظهار من التجريد.

1- أصحاب مذهب الإدغام : وهم صاحب التيسير والكافي والتبصرة والتلخيص والشاطبية والهداية.

فأما من التيسير فقال أبو عمرو الداني : "ورش وأبو بكر وابن عامر والكسائي : يُدغمون نون الهجاء في الواو ويُبقون الغنة. وكذلك في {ن والقلم} غير أنّ عامّة أهل الأداء من المصريّين يأخذون في مذهب ورش هناك بالبيان."(التيسير ص427). وقال في جامع البيان : "وروى الحلواني وأبو سليمان عنه {يس والقرءان} بالإدغام و {ن والقلم} بالإظهار ، وكذلك روى أبو يعقوب الأزرق ويونس بن عبد الأعلى عن ورش من قراءتي."(جامع البيان ص685). الذي يظهر من كلام الداني أنّ مذهبه الإدغام في {يس والقرءان الحكيم} والإظهار في {ن والقلم} ، وقد ثبت عن الداني أنّه قرأ على أبي الحسن بالإدغام كما سنبيّنه في {ن والقلم}.

وأما من الكافي فقال ابن شريح : "وأدغم ورش وابن عامر وأبو بكر والكسائي الياء من {يس} ومن {ن} في الواو التي بعدها باختلاف عن ورش في {ن} وأظهرها الباقون عندهما."(الكافي ص188).

وأما من التبصرة فقال مكي القيسي : ""وقرأ ورش وأبو بكر والكسائي وابن عامر بإدغام من هجاء سين في الواو التي بعدها وأظهرها الباقون."(التبصرة ص315).

وأما من تلخيص العبارات فقال ابن بليمة في {يس والقرءان} : "وأظهر الشيخان وحمزة وقالون وحفص النون ، وأدغمها الباقون."(تلخيص العبارات ص141). فقوله أظهر الشيخان أي ابن كثير وأبوعمرو البصري.

وأما من الشاطبية فقال صاحبها : (ويس أظهر عن فتى حقّه بدا).

وأما من الهداية فلم يذكر المهدوي في شرحه على الهداية العزو بل اكتفى بذكر التعليل والتوجيه للوجهين وقد نقل ابن الجزريّ كلام المهدوي من كتابه الهداية وهو قوله في النشر : "وقال في الهداية إنه الصحيح عن ورش" أي الإدغام.

وقد سكت في النشر عن صاحب العنوان ومذهبه الإدغام.قال أبو طاهر في {يس والقرءان}: "وأدغم النون في هجاء سين في الواو ابن عامر والكسائي وأبو بكر وورش وأظهرها الباقون."(العنوان ص159).

وقد سكت في النشر عن مذهب صاحب الكامل ومذهبه الإدغام.قال الهذلي : "{يس} و {ن والقلم} محققان ابن محيصن وابن فليح واللهبيان وإسحاق وطريق ابن سعدان وخلف وأبو بكر غير الشموني والبرجمي ويحيى طريق أبي حمدون وحفص طريق القواس والبحتري والصفار طريق أبي أيوب ................إلا المطوعي وافق ورش وقالون إلا ابن عيسى وابن ذكوان طريق الأنطاكي...."(الكامل ص345). فقوله :" إلا المطوعي وافق ورش وقالون" استثناء من الإظهار في قوله : "{يس} و {ن والقلم} محققان ابن محيصن....".

وقد سكت في النشر عن مذهب صاحب التذكرة ومذهبه الإدغام.قال أبو الحسن : "وأظهر ابن كثير وأبوعمرو وحمزة وحفص والأعشى ونافع سوى ورش النون من {يس} ومن {ن} عند الواو التي بعدها ، وأدغمها الباقون."(التذكرة ص1/511).

و سكت في النشر عن مذهب صاحب الإرشاد ومذهبه الإدغامقال أبو الطيّب : "قرأ نافع في رواية قالون وابن كثير وحفص عن عاصم وأبو عمرو وحمزة بإظهار النون في {يس والقرءان} و {ن والقلم} ، وقرأ الباقون وهم أبو بكر عن عاصم وورش عن نافع وابن عامر والكسائي بإدغام النون فيهما جميعاً ، واختلف عن ورش وأبي بكر عن عاصم فروي عنهما الإدغام هاهنا والإظهار في {ن والقلم}."(الإرشاد ص2/818).

وقد سكت في النشر عن مذهب أبي معشر والمجتبى والذي يظهر في النشر هو الإدغام لكونه مذهب الجمهور.

2 – أصحاب مذهب الإظهار وهو صاحب التجريد. قال ابن الفحام : "وأظهر النون من هجاء {يس} عند الواو ورش في رواية الأزرق ، وقنبل عن ابن كثير ، وحمزة وحفص وقالون وأبوعمرو. وكذلك {ن والقلم} إلاّ أنّ الأزرق عن ورش أدغم ومن بقي أظهر فاعرفه."(التجريد ص161).

3 - خلاصة المسالة :
نخلص مما سبق أنّ الإدغام هو مذهب صاحب التيسير والتذكرة والإرشاد والكافي والتبصرة والتلخيص والشاطبية والهداية والعنوان والمجتبى والكامل وأبي معشر وبه قرأ الداني على جميع شيوخه. والإظهار هو مذهب صاحب التجريد.
 
تحرير {ن والقلم وما يسطرون}.

تحرير {ن والقلم وما يسطرون}.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم

تحرير {ن والقلم وما يسطرون}.

قال ابن الجزري :" فأما ورش فقطع له بالإدغام من طريق الأزرق صاحب التجريد والتلخيص والكامل وغيرهم وقطع له بالإظهار صاحب التذكرة والعنوان. وقال في الهداية إنه الصحيح عن ورش. وقال في التيسير إنه الذي عليه عامة أهل الأداء. وأطلق الوجهين جميعاً عنه أبو عبد الله بن شريح وأبو القاسم الشاطبي وأبو محمد مكي وقال في تبصرته إن الإدغام مذهب الشيخ أبي الطيب يعني ابن غلبون."(النشر 2/18).

الذي يظهر من كلام ابن الجزريّ أنّ الإغام هو مذهب صاحب التجريد وتلخيص العبارات والكامل وغيرهم وهو أحد الوجهين في الكافي والشاطبية والتبصرة. والإظهار مذهب صاحب التذكرة والعنوان والهداية والتيسير والثاني من الكافي والشاطبية والتبصرة.


1- أصجاب مذهب الإدغام : صاحب التجريد وتلخيص العبارات والكامل وغيرهم وأحد وجهي الكافي والشاطبية والتبصرة.

فأما من التجريد فقال ابن الفحام : "وكذلك {ن والقلم} إلاّ أنّ الأزرق عن ورش أدغم ،ومن بقي أظهر فاعرفه."(التجريد ص161).

وأما من تلخيص العبارات فقال ابن بليمة عند تعرّضه ل {ن والقلم} ": تقدّم ذكر الإظهار والإدغام في {يس}."(تلخيص العبارات ص160). يُفهم من كلامه أنّ حكم {ن والقلم} ونفس حكم {يس والقرءان} ولما كان مذهب ابن بليمة في {يس والقرءان} هو الإدغام كان كذلك في {ن والقلم}.

وأما من الكامل فقال الهذلي : "{يس} و {ن والقلم} محققان ابن محيصن وابن فليح واللهبيان وإسحاق وطريق ابن سعدان وخلف وأبو بكر غير الشموني والبرجمي ويحيى طريق أبي حمدون وحفص طريق القواس والبحتري والصفار طريق أبي أيوب ................إلا المطوعي وافق ورش وقالون إلا ابن عيسى وابن ذكوان طريق الأنطاكي...."(الكامل ص345). فقوله :" إلا المطوعي وافق ورش وقالون" استثناء من الإظهار في قوله : "{يس} و {ن والقلم} محققان ابن محيصن....".

وأما الوجهان في الكافي فقال ابن شريح : "وأدغم ورش وابن عامر وأبو بكر والكسائي الياء من {يس} ومن {ن} في الواو التي بعدها باختلاف عن ورش في {ن} وأظهرها الباقون عندهما."(الكافي ص188).

وأما الوجهان في الشاطبية فلقول صاحبها : (ونون وفيه الخلف عن ورشهم خلا).

وأما الوجهان في التبصرة فقال مكي القيسي : "قرأ أبو بكر والكسائي وابن عامر {ن والقلم} بالإدغام وعن ورش الوجهان ، والإدغام مذهب الشيخ أبي الطيّب ، وقرأ الباقون بالإظهار."(التبصرة ص364). أقول : إن صرّح بأنّ الإدغام هو مذهب شيخه أبي الطيّب فهذا يدلّ أنّ مذهب شيخه أبي عدي هو الإظهار وهو الطريق المسند في النشر وعليه فإنّي أقتصر على وجه الإظهار من التبصرة.

وقد سكت في النشر عن مذهب صاحب التلخيص. قال ابن بليمة في {يس والقرءان} : "وأظهر الشيخان وحمزة وقالون وحفص النون ، وأدغمها الباقون."(تلخيص العبارات ص141). وقال في {ن والقلم} : "تقدّم ذكر الإظهار والإدغام في {يس}."(تلخيص العبارات ص160). ولما كان مذهب ابن بليمة في {يس والقرءان} هو الإدغام كان كذلك في {ن والقلم}.

وقد سكت في النشر عن مذهب صاحب الإرشاد ومذهبه الإظهار. قال أبو الطيّب "قرأ نافع في رواية قالون وابن كثير وحفص عن عاصم وأبو عمرو وحمزة بإظهار النون في {يس والقرءان} و {ن والقلم} ، وقرأ الباقون وهم أبو بكر عن عاصم وورش عن نافع وابن عامر والكسائي بإدغام النون فيهما جميعاً ، واختلف عن ورش وأبي بكر عن عاصم فروي عنهما الإدغام هاهنا والإظهار في {ن والقلم}."(الإرشاد ص2/818). أقول : الذي يظهر من كلام صاحب الإرشاد هو الوجهان في {ن والقلم} فالإدغام لأجل قوله : "وقرأ الباقون وهم أبو بكر عن عاصم وورش عن نافع وابن عامر والكسائي بإدغام النون فيهما جميعاً".قال مكي القيسي : " والإدغام مذهب الشيخ أبي الطيّب". والإظهار لقوله : "واختلف عن ورش وأبي بكر عن عاصم فروي عنهما الإدغام هاهنا والإظهار في {ن والقلم}." وعليه فإني آخذ له بالوجهين من طريق الإرشاد.

وقد سكت في النشر عن مذهب أبي معشر وهو كالهذلي على ما في المطلوب للعلامة الضباع.


2 – أصحاب مذهب الإظهار : وهم صاحب التذكرة والعنوان والهداية والتيسير.

فأما من التذكرة قال أبو الحسن : "وأظهر ابن كثير وأبوعمرو وحمزة وحفص والأعشى ونافع سوى ورش النون من {يس} ومن {ن} عند الواو التي بعدها ، وأدغمها الباقون."(التذكرة ص1/511). أقول : الذي يظهر في التذكرة الإدغام في {ن والقلم} خلافاً لظاهر النشر الذي أشار صاحبه إلى الإظهار. والإدغام هو الصحيح من التذكرة إذ به قرأ الداني على أبي الحسن. قال المنتوري : "قال الداني في إرشاد المتمسّكين : وأما {ن والقلم} فاختلف عن ورش في إدغامها فروى أكثر المصريين عن أبي يعقوب عنه الإظهار نصاً وبذلك قرأت على أبي الفتح وأخبرني به أبو القاسم ، وكذلك روى يونس عن ور. قال –أي الداني- : وروى بعضهم بعضهم عن أبي يعقوب الإدغام قياساً وبذلك قرأت على أبي الحسن. قلت :-أي المنتوري- وقد وقفت على الإدغام في ذلك لأبي الحسن بن غلبون في كتاب التذكرة. وقال الداني في إيجاز البيان : واختلف عنه في إظهار النون عند الواو وفي إدغامها في قوله تعالى {ن والقلم} فقرأت ذلك على أبي الحسن بالإدغام قياساً على نظائره وقرأت على غيره بالإظهار. وقال – أي الداني- في التلخيص نحوه. وذكر في المفصح وجامع البيان والتمهيد والتعريف والموجز عن أبي يعقوب عن ورش الإظهار خاصّة وقال في التلخيص وهو المشهور عنه عند أهل الأداء من شيوخ المصريين..."انتهى كلام المنتوري. أقول : يظهر من نقول المنتوري أنّ الداني قرأ على أبي الحسن بالإدغام وهو الموافق لما في التذكرة وقد اطلع المنتوري على كتاب التذكرة فوجد فيه الإدغام كما وجدناه في المطبوع. والإدغام هو الذي ينبغي إعماله من التذكرة.

وأما من العنوان فقال أبو طاهر في {ن والقلم}: "أدغم النون في الواو ابن عامر والكسائي وأبو بكر وأظهرها الباقون."(العنوان ص195).

وأما من الهداية فقد نقل ابن الجزري عن الهدوي في الهداية أنّه قال : "إنه – أي الإظهار- الصحيح عن ورش."

وأما من التيسير فقال أبو عمرو الداني : "ورش وأبو بكر وابن عامر والكسائي : يُدغمون نون الهجاء في الواو ويُبقون الغنة. وكذلك في {ن والقلم} غير أنّ عامّة أهل الأداء من المصريّين يأخذون في مذهب ورش هناك بالبيان."(التيسير ص427). وقال في جامع البيان : "وروى الحلواني وأبو سليمان عنه {يس والقرءان} بالإدغام و {ن والقلم} بالإظهار ، وكذلك روى أبو يعقوب الأزرق ويونس بن عبد الأعلى عن ورش من قراءتي."(جامع البيان ص685). وقد سبق التنبيه أعلاه أنّ الإظهار في {ن والقلم} هو من قراءة الداني على ابن خاقان وأبي الفتح.

وقد سكت في النشر عن مذهب صاحب المجتبى وهو كمذهب صاحب العنوان على ما في البدائع والمطلوب.

3 – خلاصة المسألة :

نخلص مما سبق أنّ الإدغام هو مذهب أبي معشر وصاحب التجريد وتلخيص العبارات والكامل والتذكرة على الصحيح وأحد وجهي الكافي والشاطبية والإرشاد وجامع البيان من قراءة الداني على أبي الحسن. والإظهار مذهب صاحب العنوان والمجتبى والهداية والتبصرة على الصحيح والتيسير والثاني من الكافي والشاطبية والإرشاد وجامع البيان من قراءة الداني على ابن خاقان وأبي الفتح.
 
تحرير {ألم نخلقكّم}

تحرير {ألم نخلقكّم}

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد

تحرير {ألم نخلقكّم}

قال ابن الجزريّ : "وأما (ألم نخلقكم) في المرسلات فتقدم أيضاً ما حكى فيه من وجهي الإدغام المحض وتبقية الاستعلاء. وقد انفرد الهذلي عن أبي الفضل الراوي من طريق ابن الأخرم عن ابن ذكوان بإظهاره، وكذلك حكى عن أحمد بن صالح عن قالون ولعل مرادهم إظهار صفة الاستعلاء وإلاّ فإن أرادوا الإظهار المحض فإن ذلك لا يجوز، على أن الحافظ أبا عمرو الداني حكى الإجماع على ن إظهار الصفة أيضاً غلط وخطأ فقال في الجامع وكذلك أجمعوا على إدغام القاف في الكاف وقلبها كافاً خالصة من غير إظهار صوت لها في قوله (ألم نخلقكم) قال وروى أبو علي بن حبش الدينوري أداء عن أحمد بن حرب عن الحسن بن مالك عن أحمد بن صالح عن قالون مظهرة القاف قال وما حكيناه عن قالون غلط في الرواية وخطأ في العربية (قلت) فإن حمل الداني الإظهار من نصهم على إظهار الصوت وجعله خطأ وغلطاً ففيه نظر فقد نص عليه غير واحد من الأئمة. فقال الأستاذ أبو بكر بن مهران وقوله (ألم نخلقكم) وقال ابن مجاهد في مسائل رفعت إليه فأجاب فيها لا يدغمه إلا أبو عمرو قال ابن مهران وهذا منه غلط كبير وسمعت أبا على الصفار يقول قال أبو بكر الهاشمي المقرى لا يجوز إظهاره. وقال ابن شنبوذ أجمع القراء على إدغامه قال ابن مهران وكذلك قرأنا على المشايخ في جميع القراآت أعنى بالإدغام إلا على أبي بكر النقاش فإنه كان يأخذ لنافع وعاصم بالإظهار ولم يوافقه أحد عليه إلا البخاري المقرى فإنه ذكر فيه الإظهار عن نافع برواية ورش ثم قال ابن مهران وقرأناه بين الإظهار والإدغام قال وهو الحق والصواب لمن أراد ترك الإدغام فأما إظهار بين فقبيح. وأجمعوا على أنه غير جائز إجماعاً وأما الصفة فليس بغلط ولا قبيح فقد صح عندنا نصاً وأداء. وقرأت به على بعض شيوخي ولم يذكر مكي في الرعاية غيره وله وجه من القياس ظاهر إلا أن الإدغام الخالص أصح رواية وأوجه قياساً بل لا ينبغي أن يجوز البتة في قراءة أبي عمرو في وجه الإدغام الكبير غيره لأنه يدغم المتحرك من ذلك إدغاماً محضاً فإدغام الساكن منه أولى وأحرى ولعل هذا مراد ابن مجاهد فيما أجاب عنه من مسائله والله تعالى أعلم."(النشر 2/20).

خلاصة ما ذكره ابن الجزريّ أنّ الإدغام الناقص في {ألم نخلقكم} هو صحيح من طريق ابن مهران ومكي ابن أبي طالب القيسي.

فأما من طريق ابن مهران وإن صحّ فهو ليس من طرق الطيّبة.

وأما مكي القيسي فقد ذكره في كتابه الرعاية حيث قال : "وإذا سكنت القاف قبل الكاف وجب إدغامها في الكاف لقرب المخرجين ، ويبقى لفظ الاستعلاء الذي في القاف ظاهراً كإظهارك الغنّة والإطباق مع الإدغام في {من يؤمن} و {أحطتُ} وذلك نحو قوله : {ألم نخلقكّم} تُدغم القاف في الكاف ويبقى شيء من لفظ الاستعلاء الذي في القاف."(الرعاية ص172). أقول كلامه صريح في أخذه بوجه الإدغام الناقص بل والاقتصار عليه ، وليس في كتاب التبصرة ما يُخالف ما قاله في الرعاية ، وبالتالي يجب أن نقتصر له على الإدغام الناقص للقراء السبعة من طريقه. ولكن ثمّة سؤال راودني كثيراً وهو كيف يقول بالإدغام الناقص في {ألم نخلقكم} ولم يُنقل ذلك عن مشايخه الثلاثة الذين أسند إليهم رواياته في التبصرة وهم أبو الطيّب والأذفوي وأبو عدي حيث لم يُتابع مكي القيسيى واحد من أهل الأداء فيما أعلم عن هؤلاء المشايخ الثلاثة. فلو رواه أبو الطيّب لنقله عنه ابنه أبو الحسن صاحب التذكرة وغيره. ولو رواه أبو عدي لنقله عنه الأئمّة الذين رووا لورش من طريقه كأبي الحسن ابن غلبون وابن شريح وابن بليمة وابن الفحام والهذلي وغيرهم. وهذا يُقال أيضاً في الأذفوي. فلو صحّ هذا الوجه عن هؤلاء الثلاثة أو عن بعضهم لكان يستحيل على الداني إنكار هذا الوجه ونقل الإجماع على الإدغام التام بقوله في جامع البيان : "وكذلك أجمعوا على إدغام القاف في الكاف وقلبهما كافاً خالصة من غير إظهار صوت لها في قوله {ألم نخلقكم}."(جامع البيان ص291).ولكن عمدتنا على النصوص في هذه المسائل لا سيما وأنّ مكياً قطع بالإدغام الناقص واقتصر عليه ولم ينقل الخلاف فيه.

أمّا من المصادر الأخرى فلم أجد فيها إشارة إلى حكم {ألم نحلقكم} ، والسبب في ذلك أنّ الإدغام الكامل هو المشهور عند الأئمّة لجميع القراء ، ولمّا لم يكن ثمّة خلاف بين القراء العشرة وغيرهم في هذه المسألة استغن الأئمّة عن ذكر حكم {ألم نخلقكم} لأنّهم اعتنوا في كتبهم بالمسائل المختلف فيها بين القراء والرواة لا المسائل المتفق عليها.

خلاصة المسألة :
نخلص مما سبق أنّ الإدغام الناقص لورش من طريق الأزرق يختصّ بطريق التبصرة ، وهو الذي عليه المحررون كالأزميري والمتولّي والضباع وغيرهم.
 
تحرير {فرق}.

تحرير {فرق}.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد

تحرير {فرق}.

قال ابن الجزري : "واختلفوا في (فرق) من سورة الشعراء من أجل كسر حرف الاستعلاء وهو القاف فذهب جمهور المغاربة والمصريين إلى ترقيقه وهو الذي قطع به في التبصرة والهداية والهادي والكافي والتجريد وغيرها وذهب سائر أهل الأداء إلى التفخيم وهو الذي يظهر من نص التيسير وظاهر العنوان والتلخيصين وغيرها وهو القياس. ونص على الوجهين صاحب جامع البيان والشاطبية والإعلان وغيرها. والوجهان صحيحان إلا أن النصوص متواترة على الترقيق."(النشر 2/103).

الذي يظهر في النشر أنّ الترقيق هو مذهب صاحب التبصرة والهداية والهادي والكافي والتجريد وأحد الوجهين في الشاطبية وجامع البيان والإعلان. والتفخيم هو مذهب الداني في التيسير وصاحب العنوان وتلخيص ابن بليمة والثاني في في الشاطبية وجامع البيان والإعلان.

1 - أصحاب مذهب الترقيق : صاحب التبصرة والهداية والهادي والكافي والتجريد وأحد الوجهين في الشاطبية وجامع البيان والإعلان.

فأما من التبصرة فقال مكي القيسي : "وأما الساكنة فلا خلاف فيها أنّها غير مغلّظة إذا كان قبلها كسرة لازمة أو بعدها ياء نحو {فرعون} و {مريم}. فإن كان بعدا حرف استعلاء غلّظت نحو {قرطاس} إلاّ أن يكون مكسوراً فإنّك لا تغلّظ نحو {فرق}."(التبصرة ص408 الطبعة الهندية).

وأما من الهداية فقال المهدوي : "فإن وقعت الراء بين كسرتين لم يعمل المستعلي لقوّة الكسرتين عليه وذلك نحو {كلّ فرق}."(شرح الهداية ص137).

وأما من الهادي فليس من طرق الطيّبة.
وأمّا من الكافي فقال ابن شريح : "فإن كان حرف الاستعلاء مخفوضاً رققوها نحو {فرق}"(الكافي ص73).

وأما من التجريد فقال ابن الفحام : "وإن وقعت الراء بين كسرتين رقّق الراء بغير خلف عنه نحو {فرق}.."(التجريد ص180).

وأما الوجهان في الشاطبية فقال صاحبها : (وخلفهم *** بفرق جرى بين المشايخ سلسلا).

وأما الوجهان من جامع البيان فقال الداني : "وقد اختلف أهل الأداء في قوله {كل فرق} في الشعراء ، فمنهم من يفخم الراء فيه لأجل حرف الاستعلاء ومنهم من يرققها لوقوعها بين حرفين مكسورين. والأول أقيس على مذهب ورش..."(جامع البيان ص358).

وأما الوجهان من الإعلان وإن صحّ فأنّه ليس من طرق النشر.

2- أصحاب مذهب التفخيم : مذهب الداني في التيسير وصاحب العنوان وتلخيص ابن بليمة والثاني في في الشاطبية وجامع البيان والإعلان.

وأما من التيسير فقال الداني : وكذلك – أي تُفخّم- إن وليت الراء الساكنة كسرة عارضة أو وقع بعدها حرف استعلاء نحو {أم ارتابوا} و {يابنيِّ اركب معنا}و {إرصادا} و {مرصادا} و{فرقة} و {قرطاس} وشبهه. فإن كانت الكسرة التي قبلها لازمة ولم يقع بعدها حرف استعلاء فهي رقيقة للكل."(التيسير ص195). أقول : لم يستثن {فرق} من التغليظ ، دلّ أنّها مغلّظة.

وأما من العنوان فلم أجد فيه تطرّقاً إلى {فرق} بل ولا في كتاب الاكتفاء مع أنّ ابن الجزري قال في التفخيم أنّه ظاهر العنوان ، والغريب أنّه لم يذكر المسألة في كتابه تحفة الإخوان في الخلف بين الشاطبية والعنوان مع وجود الفرق بينهما ، فالإمام الشاطبي ذكر الوجهين وصاحب العنوان اقتصر له في النشر على التفخيم.

وأما من تلخيص العبارات فقال : "وإن جاء بعدها حرف من حروف الاستعلاء فرُوي عنه الترقيق والتفخيم نحو {قرطاس} و {إرصاداً} و{المرصاد}."(تلخيص العبارات ص51). أقول لم يتعرض ابن بليمة إلى {فرق} لكنّه أطلق الخلف في الراء الساكنة الواقعة بعد حرف الاستعلاء ولم يُقيّده بكسر ، فدلّ أنّ مذهبه الوجهان في {فرق} ولما كان اختيار ابن الجزريّ واقعاً على التفخيم تقيّدنا به من طريق التلخيص ، وكان الأولى على ابن الجزريّ أن يختار الترقيق لأنّه إن صحّ الوجهان مع المستعلي المفتوح من طريق التلخيص فمعنى هذا أنّ الترقيق يكون هو الأولى في {فرق} لوقوع الراء بين كسرتين.

وقد سكت في النشر عن مذهب صاحب التذكرة والإرشاد والكامل ، ولم أجد في هذه الكتب إشارة إلى {فرق}. والذي يظهر في النشر هو التفخيم لقول ابن الجزريّ : " وذهب سائر أهل الأداء إلى التفخيم" ، ويندرج تحت هذا العموم مذهب صاحب المجتبى وطريق أبي معشر أيضاً ، وهو الموافق لما في البدائع والمطلوب.

3- خلاصة المسالة :

نخلص مما سبق أنّ الترقيق هو مذهب صاحب التبصرة والهداية والكافي والتجريد وأحد الوجهين في الشاطبية وجامع البيان. والتفخيم مذهب الباقين وهو الثاني في الشاطبية وجامع البيان.

ففي قوله تعالى {وأوحينآ إلى موسى} إلى قوله تعالى {فكان كلّ فرق كالطود العظيم} أربعة أوجه كلّها صحيحة من الشاطبية والطيّبة.

- الفتح في {موسى} مع التفخيم في {فرق} من والتذكرة والإرشاد والكامل وطريق أبي معشر وأحد الأوجه في الشاطبية وجامع البيان من قراءة الداني على أبي الحسن.
- الفتح مع الترقيق من التبصرة والهداية والكافي والتجريد والثاني في الشاطبية وجامع البيان.
- التقليل مع التفخيم من العنوان والمجتبى والتيسير وتلخيص العبارات والثالث في الشاطبية وجامع البيان.
- التقليل مع الترقيق وهو الرابع في الشاطبية وجامع البيان.
 
التكبير : وهو آخر باب في الموضوع.

التكبير : وهو آخر باب في الموضوع.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم.

التكبير.

قال ابن الجزريّ : "فاعلم أن التكبير صح عند أهل مكة قرائهم وعلمائهم وأئمتهم ومن روى عنهم صحة استفاضت واشتهرت وذاعت وانتشرت حتى بلغت حد التواتر وصحت أيضاً عن أبي عمرو من رواية السوسي وعن أبي جعفر من رواية العمري ووردت أيضاً عن سائر القراء وبه كان يأخذ ابن حبش وأبو الحسين الخبازي عن الجميع وحكى ذلك الإمام أبو الفضل الرازي وأبو القاسم الهذلي والحافظ أبو العلاء وقد صار على هذا العمل عند أهل الأمصار في سائر الأقطار عند ختمهم في المحافل واجتماعهم في المجالس لدى الأماثل وكثير منهم يقوم به في صلاة رمضان ولا يتركه عند الختم على أي حال كان."(النشر 1/410).وقال : "وكان بعضهم يأخذ به في جميع سور القرآن وذكر الحافظ أبو العلاء الهمداني والهذلي عن أبي الفضل الخزاعي قال الهذلي وعند الدينوري كذلك يكبر في أول كل سورة لا يختص بالضحى وغيرها لجميع القراء (قلت) والدينوري هذا هو أبو علي الحسين بن محمد بن حبش الدينوري أمام متقن ضابط قال عنه الداني متقدم في علم القراآت مشهور بالاتقان ثقة مأمون كما قدمنا عند ذكر وفاته في آخر إسناد قراءة أبي عمرو."(2/410و411).

1- رواة التكبير :

قد ذكر ابن الجزريّ رحمه الله أنّ معظم الأئمّة نقلوا التكبير عن أهل مكّة بما فيهم ابن كثير وبعضهم عن السوسي وبعضهم عن أبي جعفر من رواية العمري. وذهب البعض إلى أنّ التكبير يعمّ جميع القراءات كالهذلي رحمه الله. قال الهذلي : "قال الخزاعي : كان ابن حبش يأخذ لجميع القراء بالتكبير ، وهو قول أبي الحسن ، والخزاعي يقول : جميع القراء عند الدينوري."(الكامل ص476). والدينوري هو نفسه ابن حبش كما ذكر في النشر.

2 – أنواع التكبير :
التكبير نوعان : الأوّل : التكبير في أوّل كلّ سورة سوى براءة لأنّ التكبير منوط بوجود البسملة ولا بسملة في أوّل براءة كما هو معلوم. قال ابن الجزريّ : "وكان بعضهم يأخذ به في جميع سور القرآن وذكر الحافظ أبو العلاء الهمداني والهذلي عن أبي الفضل الخزاعي قال الهذلي وعند الدينوري كذلك يكبر في أول كل سورة لا يختص بالضحى وغيرها لجميع القراء". قال الهذلي "والخزاعي يقول : جميع القراء عند الدينوري كذلك يكبّر في أوّل كلّ سورة لا يختصّ بالضحى وغيرها لجميع القراء." (الكامل ص476). الثاني : التكبير في أواخر السور. قال ابن الجزريّ : "وقد صار على هذا العمل عند أهل الأمصار في سائر الأقطار عند ختمهم في المحافل واجتماعهم في المجالس لدى الأماثل وكثير منهم يقوم به في صلاة رمضان ولا يتركه عند الختم على أي حال كان. قال الأستاذ أبو محمد سبط الخياط في المبهج وحكى شيخنا الشريف عن الإمام أبي عبد الله الكارزيني أنه كان إذا قرأ القرآن في درسه على نفسه وبلغ إلى (والضحى) كبر لكل قارئ قرأ له فكان يبكي ويقول ما أحسنها من سنة لولا أني لا أحب مخالفة سنة النقل لكنت أخذت على كل من قرأ على برواية بالتكبير لكن القراءة سنة تتبع ولا تبتدع، وقال مكي وروى أن أهل مكة كانوا يكبرون في آخر كل ختمة من خاتمة والضحى لكل القراء لابن كثير وغيره سنة نقلوها عن شيوخهم. وقال الأهوازي والتكبير عند أهل مكة في آخر القرآن سنة مأثورة يستعملونه في قراءتهم في الدروس والصلاة انتهى.". قال الهذلي : " وأهل مكة غير الفليحي يقولون : الله أكبر ، ابن الصباح وابن قرة عنهما يكبران من خاتمة الليل والباقون يكبرون من خاتمة الضحى إلى أول {قل أعوذ برب الناس} في قول ابن هاشم ، وفي قول غيره إلى خاتمة {قل أعوذ برب الناس}."(الكامل ص476). فيظهر من كلام الهذلي أنّ له مذهبان : الأوّل : التكبير في أوّل كلّ سورة سوى براءة. الثاني : التكبير من آخر الضحى لقول الهذلي : "والباقون من خاتمة الضحى إلى أوّل الناس."
أما الانتهاء فإنّ الهذليّ ذكر مذهبين أيضاً : الانتهاء في أوّل الناس أو في آخرها لقوله : "والباقون يكبرون من خاتمة الضحى إلى أول {قل أعوذ برب الناس} في قول ابن هاشم ، وفي قول غيره إلى خاتمة {قل أعوذ برب الناس}.": قال ابن الجزري :"وأما انتهاء التكبير فقد اختلفوا فيه أيضاً فذهب الجمهور من المغاربة وبعض المشارقة وغيرهم إلى انتهاء التكبير آخر سورة الناس. وذهب الآخرون وهم جمهور المشارقة إلى أن انتهاءه أول الناس لا يكبر في آخر الناس والوجهان مبنيان على أصل وهو أن التكبير هل هو لأول السور أم لآخرها؟"(النشر 2/420). قال :" (قلت) والمذهبتان صحيحان ظاهران لا يخرجان عن النصوص المتقدمة.."(2/421). وقال : "(فالحاصل) أن من ابتدأ التكبير من أول الضحى أو ألم نشرح قطعه أول الناس ومن ابتدأ به في آخر الضحى قطعه آخر الناس لا نعلم أحداً خالف هذا مخالفة صريحة لا تحتمل التأويل إلا ما انفرد به أبو العز في كفايته عن بكار عن ابن مجاهد عن قنبل من التكبير من أول الضحى مع التكبير بين الناس والفاتحة وتبعه على ذلك الحافظ أبو العلاء...."(النشر 2/433).
وعليه يكون التكبير في الأواخر لورش من آخر الضحى إلى آخر الناس. فآخر الضحى على ما يظهر في الكامل ، وآخر الناس لأنّه مذهب جمهور المغاربة والهذليّ منهم وعليه اقتصر العلامة الضباع في كتابه المطلوب.

3– صيغة التكبير : قال العلامة الضباع : "ولفظه الله أكبر ولا تهليل ولا تحميد لورش اصلاً إلا عند الختم إذا قصد تعظيمه على رأي بعض المتأخّرين."(المطلوب ص13). قال الهذلي : "والمشهور أنّ العمري يوافق أهل مكة في التكبير ، وتفصيله أنّ أبي الفرح وابن مخلد عن البزي يقولان لآ إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد ، الباقون عن العمري، وأهل مكة غير الفليحي يقولون : الله أكبر"

4 – محل التكبير :محلّ التكبير قبل بسملة لأنّ الهذلي خصّ رواية التكبير بعد البسملة برواية نظيف عن قنبل. قال الهذلي : "روى نظيف عن قنبل تقديم البسملة على التكبير."(الكامل ص376). قال ابن الجزري : "وما ذكر الهذلي عن قنبل من طريق نظيف في تقديم البسملة على التكبير غير معروف ولا يصح أيضاً لأن جميع من ذكر طريق نظيف عنه سوى الهذلي أسند هذه الطريق من قراءته على أبي العباس بن هاشم عن أبي الطيب ابن غلبون عنه ولم يذكر ذلك ابن غلبون في إرشاده ولا غيره ولا ذكره أحد ممن روى هذه الطريق أيضاً عنه ابن غلبون المذكور فعلم أن ذلك لم يصح والله أعلم."

5- خلاصة المسألة :

قال العلامة الضباع : "الجمهور على تركه ، وذهب صاحب الكامل إلى الأخذ به وروى فيه مذهبين : أحدهما التكبير آخر الضحى وما بعدها إلى آخر الناس. الثاني : التكبير أوّل كلّ سورة سوى براءة ، ومحلّ التكبير قبل البسملة ولفظه الله أكبر ولا تهليل ولا تحميد لورش اصلاً إلا عند الختم إذا قصد تعظيمه على رأي بعض المتأخّرين."(المطلوب ص13).
ويختصّ التكبير بنوعيه بطول البدل مع الفتح في ذوات الياء.

خاتمة الموضوع :
بهذا الباب أكون بحمد الله وتوفيقه قد أنتهيت من تحرير الأوجه الخلافية الواردة عن ابي يعقوب الأزرق من طريق النشر الكبير مقتصراً على ما كان الخلاف فيه معتبراً وعلى ما كان موافقاً لشرط ابن الجزريّ الذي ألزم به نفسه في كتاب النشر. وإنّي الآن بصدد مراجعة كلّ ما كتبته في الموضوع مع التحقيق والتدقيق ، آملاً من مشايخنا أن يفيدونني بملاحظتهم وألاّ يبخلوا عليّ. وأعد الجميع أنّي لن أعترض على تلك المداخلات حتّى لا أقحم أصحابها في النقاش والحوار.


وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
 
جهد رائع، أسأل الله تعالى أن يجعله في ميزان حسناتك، وأن ينفعنا به وبجميع المسلمين، إنه ولي ذالك والقادر عليه.
 
أسأل الله تعالى أن يجعل ما كتبته في ميزان حسناتك، وأن يختم لنا جميعا بالحسنى.
 
أبارك لشيخي الشيخ محمد يحيى شريف إتمامه لهذا البحث، وتبقى المراجعة والتنقيح والتصحيح، والله أسأل أن يبارك في وقتكم وعلمكم وأهلكم وأولادكم، وأن يوفقكم لمزيد من التحريرات مما يتعلق بالروايات الباقية والقراءات المتبقية.
 
جهد عظيم، لا يسعني إلا الدعاء لكم بالثواب الجزيل والأجر العظيم، وآمل - بعد أن تمحصوا وتدققوا - أن تجعلوا خلاصة هذه التحريرات في جدول تسهيلا لاستحضارها، والله الموفق.
 
عودة
أعلى