تحرير أوجه الأزرق من طريق النشر الكبير.

بيات تحرير واو {سوءات}

بيات تحرير واو {سوءات}

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم

والآن سأشرع بحول الله تعالى في تحرير كلمة {سوءات} فأقول وبالله التوفيق.

قال ابن الجزري في نشره : "واختلفوا في تمكين واو (سوآت) من (سوآتهما. وسوآتكم) فنص على استثنائها المهدوي في الهداية وابن سفيان في الهادي وابن شريح في الكافي وأبو محمد في التبصرة والجمهور ولم يستثنها أبو عمرو الداني في التيسير ولا في سائر كتبه وكذلك ذكر الأهوازي في كتابه الكبير ونص على الخلاف فيها أبو القاسم الشاطبي وينبغي أن يكون الخلاف هو المد المتوسط والقصر فإني لا أعلم أحداً روى الإشباع في هذا الباب إلا وهو يستثني (سوآت) فعلى هذا لا يتأتى فيها لورش سوى أربعة أوجه وهي قصر الواو مع الثلاثة في الهمزة طريق من قدمنا. والرابع التوسط فيها طريق الداني والله تعالى أعلم.
وقد نظمت ذلك في بيت وهو:
وسوءات قصر الواو والهمز ثلثا ووسطهما فالكل أربعة نادر"

يُفهم من كلام ابن الجزري : أنّ أصحاب الإشباع استثنوا جميعاً {سوءات} من التمكين بقوله : "فإني لا أعلم أحداً روى الإشباع في هذا الباب إلا وهو يستثني (سوآت)" وأصحاب الإشباع هم صاحب الهداية والتجريد والكافي والشاطبيّة على وجه الطول لهما ، وأمّا صاحب المجتبى فإنّ إشباعه خاصّ ب {شيء} كيف وقعت وبالتالي فإنّه يقصر واو {سوءات} بالضرورة.
فأمّا من الهداية فقال المهدوي رحمه الله تعالى معلّلاً استثناء {سؤءاتهما} و {سوءاتكم} : "وعلّته في مخالفته أصله في {سؤءاتهما} و {سوءاتكم} في ترك مدّ الواو ....."(شرح الهداية ص37).
وأمّا من التجريد فقال ابن الفحّام : "وقد قرأت على أبي العباس وعبد الباقي لورش فاستثنى {الموءودة} و {سوءاتهما} فلم يمد الواو منهما فاعرف ذلك."(التجريد ص137).
وأمّا من الكافي فقال ابن شريح : "وإذا انفتح ما قبل الواو والياء الساكنتين وجاء بعدهما همزة في كلمة واحدة ، فورش يمدّها مداً وسطاً نحو {شيء} و {كهيئة} و {استيئس} و {السوء} و {سوءة} ، وقد قرأت له أيضاً بإشباع المدّ في ذلك كلّه وخالف أصله في : {موئلا} و {الموءودة} و {سوءاتهما} و {سوءاتكم} فلم يمدهنّ "(الكافي ص40و41).

وأمّا من الشاطبية فقال صاحبها : "وفي واو سوءات خلاف لورشهم"

وأمّا اصحاب التوسط فهم صاحب التبصرة والداني من قراءته على ابن خاقان وفارس ابن أحمد ، وكذا صاحب الكافي والشاطبية في أحد وجهيهما وهؤلاء على ثلاثة أقسام : قسم استثنى واو {سوءات} وهم صاحب التبصرة والكافي ، وقسم لم يستثنها وهو الداني من قراءته على ابن خاقان وفارس ابن أحمد ، وقسم نقل الخلاف وهو الإمام الشاطبيّ عليه رحمة الله.
فأمّا من التبصرة فقال مكي القيسي : "فإن أتى بعد الهمزة في هذا الباب حرف مدّ ولين استغنى بمدّه عن مدّ حرف اللين نحو {سوءاتهما} و {الموءودة} وشبهه.."(التبصرة ص69).
وأمّا من الكافي فقد سبق نقل نصّه في استثناء (سوءات). وأمّا الداني فلم أجد في التيسير ولا جامع البيان إشارة إلى استثناء (سوءات).وأمّا الإمام الشاطبيّ فقد نقلت نصّه من قبل.
وأمّا صاحب التذكرة والإرشاد وتلخيص العبارات والكامل وطريق أبي معشر الطبري وصاحب العنوان وقراءة الداني على أبي الحسن فتمكينهم خاصّ ب {شيء} كيف وقعت وبالتالي فإنّهم يقصرون واو {سوءات} بالضرورة. وقد نقلت نصوصهم في البحث الذي مضى.

وعليه يكون عدد الأوجه في { سوءات} أربعة كما قرّره ابن الجزريّ وهي :
الأوّل : قصرهما : من التذكرة والإرشاد وقراءة الداني على أبي الحسن ومن الشاطبية على أنّها مستثناة
الثاني : قصر الواو مع توسط البدل : من الشاطبية على أنّها مستثناة ، وتلخيص ابن بليمة.
الثالث : قصر الواو مع طول البدل : من الشاطبية ومن التبصرة والهداية والكافي والعنوان والتجريد و الكامل والمجتبي وطريق أبي معشر الطبري.
الرابع : توسّطهما : من الشاطبية على أنّها غير مستثناة ومن قراءة الداني على ابن خاقان من التيسير ومن قراءته على أبي الفتح من جامع البيان.

وأمّا توسط الواو مع طول البدل أو طولهما معاً فممتنعان لأنّ أصحاب إشباع البدل على ثلاثة أقسام : قسم استثنوا {سوءات} من التمكين وهم صاحب الهداية والكافي والتبصرة والتجريد وقسم خصّوا التمكين ب{شيء} كيفما وقعت وهم صاحب الكامل وطريق أبي معشر وصاحب العنوان والمجتبى ، وقسم نقل الخلاف فيه وهو الإمام الشاطبيّ ولكن يمتنع من طريقه هذا الوجه لقول ابن الجزريّ "فإني لا أعلم أحداً روى الإشباع في هذا الباب إلا وهو يستثني (سوآت)" وهذا المنع يشمل طريق الإمام شاطبي ، ولايمكننا أنّ نعيد النظر فيما حرره ابن الجزري من الشاطبية في هذه المسألة وفي غيرها عن ورش لكون طرق الشاطبية مجهولة بما فيها طرق طول البدل منها. قال العلامة المتولي عليه رحمة الله تعالى عند تعرّضه لتحرير أوجه اللين المهموز لورش : " وأمّاتحرير المسألة – أي أوجه اللين المهموز - من طريق الشاطبية فكما ذكرنا ، فهذا مشهورٌ- أي استقرّ العمل عليه - وتفريعنا عليه ، ولكنّي لا أدري من أين ذلك ؟ لأنّ طرق الشاطبية التي زادها علىالتيسير مجهولة وهذا أمرٌ متوقّف على معرفتها ، ولم يُبرّر أحد ممن قال بذلك شيئاًمنها " ( روض النضير ص253 طبعة دار الصحابة). وقال أيضاً : " وكذلك منع الشيخ سلطان وتابعوه – أيترقيق ذكراً- على التوسط – أي توسط البدل- من الشاطبية ، ولا أدري ما علّة ذلك لأنّالترقيق من زيادات القصيدة على التيسير وطرقها مجهولة ، وليس في كلامهم ما يُعيّنهاوغاية ما في النشر أنّه أوصل سند الشاطبي عن النفزي إلى صاحب التيسير من قراءته علىابن خاقان فقط وسكت عن ما وراء ذلك له في طريق الأزرق ، وقد أقرّ بذلك حيث قال- أيابن الجزري- "مع أنّا لم نعد للشاطبيوأمثالهإلى صاحب التيسير وغيره سوى طريق واحدة وإلاّ فلو عددنا طرقنا وطرقهم لتجاوزت الألف، وهذا علمٌ أُهمل وباب أُغلق وهو السبب الأعظم في ترك الكثير من القراءات واللهتعالى يحفظ ما بقي " . ومن تأمّل قوله : " فلو عددنا طرقنا وطرقهم " قطع بأنّ مازاده الشاطبي على التيسير ليس من طرق النشر ، فلا يُقال :" الترقيق مثلاً للنشر منالشاطبية " وهذه دقيقة لم أر من نبّه عليها ، فمن زعم بعد ذلك أنّ تحرير هذهالزيادة يؤخذ من النشر لم يدر حقيقة ما يقول " (روض النضير ص 268 و269). وأمّا الذين أثبتوا للداني الطول في البدل فيجوز عندهم هذا الوجه وبالتالي يصير عدد الأوجه خمسة :
- قصر الواو على ثلاثة البدل
- توسطهما طريق الداني من قراءته على ابن خاقان من التيسير والشاطبية
- توسط الواو مع طول البدل من قراءة الداني على أبي الفتح من جامع البيان.
وهذا الوجه وإن سلمنا أنّه صحيح من طريق الداني إلاّ أنّه لم يأخذ به ابن الجزري من طريقه إليه إذ لو أخذه لأثبت الوجه الخامس في {سوءات} ويكفي في ذلك أنّ الشاطبيّ ضعّفه بقوله (وقد يُروى لورش مطولا) ولا أعتقد أنّ الشاطبيّ يُضعّف هذا الوجه إن صحّ حقيقة عن الداني ، ولم ينقل المغاربة الخيار عن الداني في ذلك وهم الأعرف بروايته من غيرهم وقد انقسموا إلى قسمين قسم أخذ له بالطول كالقيطاجي ومن تبعه وقسم أخذ له بالتوسط وهو ما عليه جمهور المغاربة ولم يأخذوا عنه بالوجهين جميعاً إلاّ بعد مجيء بعض المحررين فأخذوا له بوجه الطول على أساس ما احتمله نصّ الداني في جامع البيان.والعلم عند الله تعالى.
وهذا يُقال في جميع الأوجه التي رُويت عن المتقدّمين ولم يأخذ بها ابن الجزري كوجه القصر وتوسط البدل من طريق مكي القيسي ، وتمكين البدل من طريق الإرشاد وهكذا. إذ ليس كلّ ما ثبت في المصدر أو ثبت عن صاحب المصدر مقروء به من النشر وإنّما يكون ذلك منوطاً باختيار صاحب النشر له وثبوته عنده اللهمّ إلاّ إن كان صاحب المصدر مقتصراً على وجه وأخذ صاحب النشر بخلافه ففي هذه الحالة يُنظر في المسألة.

تنبيه أخير : قال ابن الفحّام : "وقد قرأت على أبي العباس وعبد الباقي لورش فاستثنى {الموءودة} و {سوءاتهما} فلم يمد الواو منهما فاعرف ذلك."(التجريد ص137).
أقول : قد استثنى ابن الفحام {سوءاتهما} دون {سوءاتكم} وهذا لا يعني اقصاء الثانية من الاستثناء وأنّما ذكر الاولى دون الثانية على سبيل التمثيل لا الحصر لأنّه لو كان على الحصر لبيّنه ابن الجزري فهو بمثابة التنصيص على {قال ربّ} دون {قال رجل} للمدغمين مع ثبوت إدغامهما بالأداء المجمع عليه وكذلك إمالة {بارئكم} دون {البارئ}للدوري الكسائي. والعلم عند الله تعالى.


أكتفي بهذا القدر والحمد لله ربّ العالمين.
 
بيان تحرير (عين) كهيعص و عسق.

بيان تحرير (عين) كهيعص و عسق.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد:

سأشرع بحول الله تعالى في تحرير عين {كهيعص} من فاتحة مريم و {عسق} من فاتحة الشورى فأقول وبالله التوفيق.

قال ابن الجزريّ : "فاللازم غير المشدد حرف واحد وهو (ع) من فاتحة مريم والشورى فاختلف أهل الأداء في إشباعها في توسطها وفي قصرها لكل من القراء فمنهم من أجراها مجرى حرف المد فأشبع مدها لالتقاء الساكنين وهذا مذهب أبي بكر بن مجاهد وأبي الحسن علي بن محمد بن بشر الانطاكي وأبي بكر الأذفوي واختيار أبي محمد مكي وأبي القاسم الشاطبي وحكاه أبو عمرو الداني في جامعه عن بعض من ذكرنا. وقال هو قياس قول من روى عن ورش المد في (شيء. والسوء) وشبههما ذكره في الهداية عن ورش وحده يعني من طريق الأزرق وكذا كان يأخذ ابن سفيان ومنهم من أخذ بالتوسط نظراً لفتح ما قبل ورعاية للجمع بين الساكنين وهذا مذهب أبي الطيب عبد المنعم بن غلبون وابنه أبي الحسن طاهر بن غلبون. وأبي الحسن علي بن سليمان الانطاكي وأبي الطاهر صاحب العنوان وأبي الفتح بن شيطا وأبي علي صاحب الروضة وغيرهم وهو قياس من روى عن ورش التوسط في (شيء) وبابه وهو الأقيس لغيره والأظهر وهو الوجه الثاني في جامع البيان وحرز الأماني والتبصرة وغيرها وهو أحد الوجهين في كفاية أبي العز القلانسي عن الجميع وفي الكافي عن ورش وحده بخلاف، وهذان الوجهان مختاران لجميع القراء عند المصريين والمغاربة ومن تبعهم وأخذ بطريقهم ومنهم من أجراها مجرى الحروف الصحيحة فلم يزد في تمكينها على ما فيها وهذا مذهب أبي طاهر ابن سوار وأبي محمد سبط الخياط وأبي العلاء الهمداني وهو الوجه الثاني عند أبي العز القلانسي واختيار متأخري العراقيين قاطبة وهو الذي في الهداية والهادي والكافي لغير ورش وهو الوجه الثاني فيه لورش وقال لم يكن أحد مدها إلا ورشاً باختلاف عنه (قلت) القصر في (عين) عن ورش من طريق الأزرق مما انفرد به ابن شريح وهو مما ينافي أصوله إلا عند من لا يرى مد حرف اللين قبل الهمز لأن سبب السكون أقوى من سبب الهمز والله أعلم."(النشر 1/348،349).

نستخلص من كلام ابن الجزريّ أنّ الإشباع هو مذهب صاحب الهداية وأحد وجهي مكي القيسي والشاطبي والداني في جامع البيان. والتوسّط مذهب أبي الطيّب صاحب الإرشاد وأبي الحسن صاحب التذكرة وصاحب العنوان وهو الوجه الثاني في التبصرة والشاطبية وجامع البيان وأحد وجهي الكافي. والقصر هو الوجه الثاني من الكافي.

وقد سكت صاحب النشر عن التيسير والمجتبى والتجريد وتلخيص ابن بليمة والكامل وطريق أبي معشر.

فأما من طريق الهداية فقال المهدوي عليه رحمة الله تعالى : "فأمّا انفراد ورش بمدّ (عين) دون غيره ، فإنّه فيه على أصله في الياء والواو إذا انفتح ما قبلهما في أنّه كما يمدّ إذا انضمّ ما قبل الواو وانكسر ما قبل الياء "(شرح الهداية ص32). أقول كلامه واضح في أخذه بوجه الطول.

وأما من التبصرة فقال مكي القيسي : "فأمّا ين) من {عسق} و{كهيعص} فمن القراء من يمدّها أقلّ من غيرها لأنّ الأوسط حرف لين ، ومنهم من يمدّه كغيره ومنهم من يمدّه لورش وحده ، ومدّه عندي لجميعهم أشبه وأقيس لأنّ المدّ واجب لالتقاء الساكنين ، فحرف اللين في أخرى المدّ فيه كحرف المدّ واللين ، وإنّما يتمكّن المدّ في حروف المدّ واللين أكثر من حروف اللين مع الهمزات ، فأمّا في التقاء الساكنين فالحكم فيه سواء ، وقد قرأت بالوجه الأوّل أعني بترك إشباع المدّ فيه ، وبه آخذ من أجل الرواية وأختار الثاني لقوّته في القياس ، والأوّل أيضاً حسن لأنّ حروف المدّ واللين أمكن من غيرها في المدّ"(التبصرة 75).

أقول : قد اتضح جلياً من عبارة مكي القيسي أنّ وجه التوسط هو الذي قرأ به على شيوخه وثبت بالرواية عنده خلافاً للإشباع الذي اختاره لقوّته قياساً وهذا المنهج يتصادم تماماً مع صنيع الأئمّة بما فيهم مكي القيسي. قال ابو عمرو الداني : "مع الإعلام بأنّ القراءة ليست بالقياس دون الأثر."(جامع البيان ص172)، وقال مكي القيسي نفسه في كتاب التبصرة : " فجميع ما ذكرناه في هذا الكتاب ينقسم ثلاثة أقسام: قسم قرأت به ونقلته وهو منصوص في الكتب موجود. وقسم قرأت به وأخذته لفظاً أو سماعاً وهو غير موجود في الكتب وقسم لم أقرأ به ولا وجدته في الكتب ولكن قسته على ما قرأت به إذ لا يمكن فيه إلا ذلك عند عدم الرواية في النقل والنص وهو الأقل". أقول : فكيف يأخذ بوجه الطول قياساً في هذه المسالة مع عدم وجود أيّ مبرر ولا ضرورة لا سيما وقد ثبت التوسط عنده بالرواية والأداء ، ومن هنا يظهر أنه خالف شرطه الذي ألزم به نفسه في كتاب التبصرة ، وعليه فإنني اقتصر على التوسط من طريقه لثبوته عنده بالرواية إذ على هذا المنهج سرتُ في منع وجه قصر البدل من تلخيص ابن بليمة لأنّ ابن الجزريّ لم يقرأ به ، وحقّ المناهج الانضباط وعدم الاضطراب فيها إلاّ لعلّة معتبرة توجب الخروج عنها والعلم عند الله تعالى.

وأما من الشاطبية فقال صاحبها : (وفي عين الوجهان والطول فضّلا) أي التوسط والطول وهذا جليّ لا يحتاج إلى بيان.

وأما الداني فقال في جامع البيان : "واختلفوا في الياء إذا زال الكسر وانفتح ما قبلها ، وذلك في العين {كهيعص} و {عسق} فبعضهم يزيد في تمكينه كالزيادة لها إذا انكسر ما قبلها لأجل الساكنين ، هذا مذهب ابن مجاهد فيما حدّثني به الحسن بن علي البصري عن أحمد بن نصر عنه ، وإليه كان يذهب شيخنا أبو الحسن علي بن بشر ، وأبو بكر محمد بن علي وهو قياس من روى عن ورش المدّ في {شيء} و {السوء} وشبههما ، وبعضهم لا يبالغ في زيادة التمكين لها لتغيّر حركة ما قبلها إذ ذلك قد زال عنها كعظم المدّ فيُعطيها من التمكين بقدر ما فيها من اللين لا غير ، هذا كان ذهب شيخنا أبي الحسن ومذهب أبيه ومذهب أبي عليّ الحسن بن سليمان ، وجماعة سواهم، وهو قياس من روى عن ورش القصر في شيء وبابه" ثم قال :"والوجهان من الإشباع والتمكين في ذلك صحيحان جيّدان والأوّل أقيس"(جامع البيان ص206). وأمّا من التيسير فلم يذكر فيه الداني مذهبه في المسألة فلا ندري بأيّ وجه قرأ على ابن خاقان والذي أميل إليه الأخذ بالوجهين جميعاً من التيسير لقوله في جامع البيان : "والوجهان من الإشباع والتمكين في ذلك صحيحان جيّدان" ، وقد قال ابن المرابط (ت552) في كتابه كتاب التقريب والحرش : "والوجهان صحيحان" وقد سلك طريق التيسير للداني في هذا الكتاب.

وأما من الكافي فالذي يظهر من النشر التوسط والقصر. قال ابن شريح : "وأمّا عين من {كهيعص} و {عسق} فلم يكن أحد مدّها إلاّ ورش باختلاف عنه والباقون يلفظون بها كبين الوقف"(الكافي ص42). وقال صاحب النشر : "(قلت) القصر في (عين) عن ورش من طريق الأزرق مما انفرد به ابن شريح وهو مما ينافي أصوله إلا عند من لا يرى مد حرف اللين قبل الهمز لأن سبب السكون أقوى من سبب الهمز والله أعلم". أقول : لا أدري لماذا أخذ المحررون بهذا الوجه مع أنّه مخالف لشرط ابن الجزريّ في نشره الذي اشترط الشهرة ، وانفراد صاحب الكافي به خروج عن هذا الشرط ، وعبارة ابن الجزريّ تدلّ على تضعيفه له رواية وقيساً ، وفي المقابل نجد أنّ المحررين لم يأخذوا بتمكين اللين المهموز في {الموءودة} لانفراد صاحب التجريد به ، فإلم يأخذوا يالتمكين في {الموءودة} لأجل الانفراد كان الأحرى عليهم ألاّ يأخذوا بقصر (عين) كذلك. قد يقول القائل : فلماذا ذكره ابن الجزريّ في نشره إذاً ؟ الجواب ذكره على سبيل الحكاية لا الرواية كما ذكر التمكين في {الموءودة} مع انفراد صاحب التجريد به. ولست أوّل من قال بذلك بل قال به العلامة يوسف أفندي زادة وهذا نصّه : "ولم نأخذ به – أي بوجه القصر من العنوان- لما قال ابن الجزري : القصر في عين عن ورش من طريق الأزرق مما انفرد به ابن شريح وهو مما ينافي مذهبه – أي شرطه-". وعليه فإنّي أقتصر على وجه التوسط من الكافي والعلم عند الله تعالى.

وأما من العنوان فظاهر النشر على التوسط. قال أبو طاهر : "أجمع القراء على ترك المدّ فيما كان من الحروف فواتح السور على حرفين نحو را و يا و طا و حا ، وعلى المدّ فيما كان منها ثلاثة أحرف أوسطها حرف مدّ ولين نحو لام وصاد وقاف ونون ، وعلى تمكين العين من {كهيعص} و {حم عسق} من أجل حرف اللين ، ولا يمدّون لأنّه ليس بحرف مدّ"(العنوان ص42). فقوله تمكين العين دلالة على التوسط وقوله ولا يمدون دلالة على عدم الإشباع تفريقاً بين حرف المد واللين وبين حرف اللين. قال ابن الجزري في كتابه تحفة الإخوان في الخلف بين الشاطبية والعنوان :"وفي (عين) لجميع القراء التوسط وجهاً واحداً في الموضعين"(تحفة الإخوان ص136).
وأما من التذكرة فقال أبو الحسن:"وكذا لا خلاف بينهم في تمكين العين من {كهيعص} و من {عسق} يمدّ الكاف والصاد مداً واحداً ويقصر الهاء والياء ويمكّن العين قليلا"(التذكرة ص69).

وأمّا من الإرشاد فقال أبو الطيّب : "وأمّا العين فليس فيها حرف مدّ ولين – أي ليست من حروف المدّ واللين الثلاثة- لأنّ الياء قبلها فتحة وإنّما مُدّت لالتقاء الساكنين ، ورأيت الحذّاق من القرّاء يمدّون العين دون الكاف والصادّ ، ليُفرّقوا بين حرف المدّ واللين وبين ما مدّوه لالتقاء الساكنين..."(الإرشاد 1/730).
فالذي يظهر من قولي أبي الحسن صاحب التذكرة وأبيه صاحب الإرشاد أنّ مذهبهما هو التوسط ويؤيّد ذلك قول الداني في جامع البيان وابن الجزريّ في نشره.

وأما من التجريد فقد سكت صاحب النشر عنه والذي ظهر لي من عبارة ابن الفحام هو الطول لقوله : "الأوّل : ما جاء بعد حرف المدّ ساكن مدغم : نحو {لامْ ميم} وسائر الحروف المقطّعة ما كان هجاؤه ثلاثة أحرف.."(التجريد ص136). فقوله : وسائر الحروف المقطّعة ما كان هجاؤه ثلاثة أحرف واضح في دخول {عين} شورى ومريم في بابها لأنّها من الحروف المقطّعة وهجاؤها ثلاثة أحرف. وقد ذهب الأزميري إلى أنّ مذهب صاحب التجريد هو التوسط والطول قياساً على مذهب في {شيء} وتبعه في ذلك المتولّي ، إلاّ أنّ عبارة ابن الفحام واضحة في تسوية جميع الحروف المقطّعة التي هجاؤها ثلاثة أحرف بما فيها {عين} شورى ومريم وهذا يغنينا عن الاعتماد على القياس ، وعليه فإنّي أقتصر على الطول من طريق التجريد والعلم عند الله تعالى.

وأمّا من تلخيص ابن بليمة فقد سكت صاحب النشر عنه وسكت عنه أيضاً المتولي في روضه فقال :"والقصر في (عين) من الكافي فقط ، والتوسط من الشاطبية والكامل والعنوان والمجتبى والتذكرة والتبصرة والكافي وإرشاد أبي الطيّب والتجريد وبه قرأ الداني على ابن غلبون, وطولها من الشاطبية والكامل والهداية والتبصرة والتجريد وللداني " فما أشار إلى صاحب التلخيص. وذهب الأزميري إلى التوسط ولا أدري على أيّ أساس اقتصر عليه مع أنّ صاحب النشر ذكر الوجهين جميعاً من طريق المغاربة وابن بليمة منهم ، ولم أجد في كتاب التلخيص إشارة إلى ذلك ، وعلى ما سبق فليس لي إلاّ الاعتماد على ظاهر النشر في الأخذ الوجهين من طريق التلخيص والعلم عند الله تعالى.

وأمّا من الكامل فقد سكت عنه أيضاً صاحب النشر ويوسف زادة وأشار الأزميري إلى التوسط والطول من طريقه وبه أخذ المتولي. ولم أجد في الكامل إشارة إلى ذلك. وعليه فليس لي إلاّ تقليد هؤلاء الجهابذة والأخذ بمجمل كلام النشر في إجراء الوجهين من طريق المغاربة والهذلي منهم كما هو معلوم.

وأمّا من طريق أبي معشر الطبري فقد سكت عنه صاحب النشر وكذا يوسف زادة والأزميري والمتولي. قال العلامة الضباع :"وسكت في النشر عن طريق أبي معشر والظاهر أنّه كالهذلي"(ص6). أقول لعلّ السبب في ذلك قول ابن الجزري في النشر : "طريق أبي نصر الموصلي وهي السادسة عن النحاس من طريق أبي معشر والكامل قرأ بها أبو معشر الطبري وأبو القاسم الهذلي على الإمام أبي الفضل عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن الرازي". ولمّا كانت الرواية الوحيدة لأبي معشر الطبري عن الأزرق من النشر تشترك مع رواية أبي القاسم الهذلي في الإسناد عن الإمام أبي الفضل عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن الرازي من جهة وكون مذهب صاحب الكامل في (عين) التوسط والطول ، يقوى الاحتمال أن يكون مذهب أبي معشر الطبري كذلك والعلم عند الله تعالى.

وأمّا من المجتبى فقد سكت صاحب النشر عنه. وذهب الأزميري والمتولي والضباع إلى التوسط من طريقه ويُقويّ ذلك أنّ الطرسوسي شيخ صاحب العنوان في الإسناد ومذهب هذا الأخير هو التوسط.

تنبيه : قد انفرد الضباع بإجراء الأوجه الثلاثة من طريق التجريد والتلخيص فقال عليه رحمة الله في كتابه المطلوب : وأمّا صاحب التجريد والتلخيص والكامل فالظاهر من عبارة النشر التوسط والطول لأنّه ذكرهما من طريق المغاربة وهؤلاء منهم ولم يخصصهم بحكم لكن هذه المسألة لم تكن في التلخيص ولا في التجريد أصلاً فالقياس إذاً أن يؤخذ لهما بالأوجه الثلاثة ولا وجه للاقتصار على بعضها إذ كانت كلّها صحيحة مختارة على أنّ هذه المسألة من فنّ التجويد فمن ذكرها من مؤلّفي القراءات فإنّما هو على سبيل التبرّع ومن لم يذكرها فإنّما يدع القارئ يقرأ بما شاء"(المطلوب ص6). أقول : قوله : "فالقياس إذاً أن يؤخذ لهما بالأوجه الثلاثة...". فيه نظر ما دام الخلاف منقول عند أهل الأداء في تمكين (عين) شورى ومريم واختصاص كل وجه منها بطرق دون أخرى كما اختصت به أوجه المدّ المتصل والمنفصل و {شيء} وغيرها كان لزاماً علينا إخضاعها للخلاف والعزو ، فلو اعتبرنا بهذا الأصل للزم علينا إجراء الأوجه الثلاثة من جميع الطرق وهذا مالم يفعله الضباع نفسه وقد رأينا أنّ ابن الجزري ضعّف وجه القصر من الكافي لأنّه انفراد من ابن شريح به ومخالف للقياس الصحيح إذ لا يُعقل أنّ نمكّن {شيء} ونقصر (عين) لكون سبب السكون أقوى من سبب الهمز فكيف نأخذ بوجه القصر من التلخيص والتجريد إذاً ؟؟ وهذا المسلك الذي سلكه العلامة الضباع يخالف تماماً صنيع المحرّرين كيوسف زادة والمنصوري والأزميري والمتولي وغيرهم. بالإضافة إلى ذلك فإنّ ابن الفحام ليس من المغاربة بل كان شيخ الاسكندرية وتوفي بها سنة 516 للهجرة. والعلم عند الله تعالى.

وعلى ما سبق من البيان يتّضح إنّ التوسط في (عين) فاتحة الشورى ومريم هو مذهب صاحب التبصرة والكافي والعنوان والتذكرة والإرشاد والمجتبى وأحد وجهي الشاطبية وجامع البيان وتلخيص ابن بليمة والكامل وأبي معشر الطبري ، والطول مذهب صاحب الهداية والتجريد وهو الوجه الثاني من الشاطبية وجامع البيان وتلخيص ابن بليمة والكامل وأبي معشر. وأمّا القصر فينبغي إهماله كما سبق بيان العلّة في ذلك.


أكتفي بهذا القدر والحمد لله ربّ العالمين.
 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد

تحرير الهمزتين المفتوحتين من كلمة نحو {ءآنذرتهم} و {ءآنت} ونحوه.

قال ابن الجزريّ في كتابه النشر : "أما الأزرق فأبدلها عنه ألفاً خالصة صاحب التيسير وابن سفيان والمهدوي ومكي وابن الفحام وابن الباذش وغيرهم. قال الداني وهو قول عامة المصريين عنه. وسهلها عنه بين بين صاحب العنوان وشيخه الطرسوسي وأبو الحسن طاهر بن غلبون وأبو علي الحسن بن بليمة وأبو علي الأهوازي وغيرهم. وذكر الوجهين جميعاً ابن شريح والشاطبي والصفراوي وغيرهم"(النشر 1/363).

يُفهم من كلام ابن الجزري : أنّ الأئمة اختلفوا في مذهب ورش في الهمزتين المفتوحتين من كلمة ، فمنهم من اقتصر له على الإبدال ، ومنهم من اقتصر له على التسهيل ومنهم من أثبت له الوجهين جميعاً.

بيان أصحاب مذهب الإبدال :
الإبدال على ما يظهر من النشر هو من التيسير والهادي والهداية والتبصرة والتجريد والإقناع.

فأمّا من التيسير فقال أبو عمرو الداني : "وإنّ الحرميّين وأبا عمرو وهشاماً يسهّلون الثانية منهما وورش يُبدلها ألفاً والقياس أن تكون بين بين"(التيسير ص149). فقوله يُبدلها ألفاً أي من جهة الرواية عن المصريين لقوله :"وهو قول عامة المصريين عنه"على ما نقله عنه ابن الجزريّ ، وأمّا تسهيلها فهو القويّ من جهة القياس والعربية.فقراءة الداني على ابن خاقان هي بالإبدال لأنّه طريق التيسير وأمّا قراءته على أبي الفتح فالذي يظهر هو الإبدال لأنّه ما خصّ التسهيل إلاّ من قراءته على أبي الحسن كما سيأتي ولم يُخصّص الإبدال بأحد شيوخه ، وهو الذي حرّره يوسف زادة في كتابه الائتلاف عند تحرير قوله تعالى {وقل للذين أوتوا الكتاب والاميين ءآسلمتم} في سورة آل عمران.

وأمّا من الهادي لابن سفيان فليس من طرق النشر.

وأمّا الهداية فقال المهدوي : "وعلة ورش في إبدال الثانية من المفتوحتين ألفاً في نحو {ءآنذرتهم} .........."(شرح الهداية ص44). أقول فتوجيهه لوجه البدل لورش دلالة على أنّ مذهبه في هذه الرواية هو الإبدال. وقد ذكر المنتوري أنّ المهدوي اقتصر في كتابه الهداية على وجه التسهيل لورش (انظر شرح الدرر ص260) ، وهذا خلاف ما في شرح الهداية للمهدوي والنشر لابن الجزري. والعلم عند الله تعالى.

وأمّا من التبصرة فقال مكي القيسي : "وأمّا ورش فإنّه يُبدل من الثانية ألفاً لأنّه استفهام ولأنّها همزة تقدّمت حرف مدّ ولين وإنّ الألف بعدها ساكن وهو النون من {ءآنذرتهم} و {ءآنت} ، وقد قيل أنّه يجعلها بين الهمزة والألف وهو أقيسٌ في العربية ولكن يتمكّن إشباع المدّ مع البدل ما يتمكّن مع غيره ، وبالإشباع قرأت". أقول : كلامه صريح في كون وجه الإبدال هو الثابت عنه بالرواية والأداء ، وذِكرُه لوجه التسهيل إنّما هو من الباب الحكاية فقط.

وأمّا من التجريد فقال ابن الفحام : "وكان أبو يعقوب الأزرق ويونس عن ورش وقنبل عن ابن كثير يُعوّضون من الهمزة الثانية من المتفقتين من كلمة مدّة ، ووافقهم أبو عنون عن قالون والأصفهاني عن ورش على المتفقتين من كلمتين."(التجريد ص121). أقول : الذي يظهر من عبارة ابن الفحام هو التسهيل لا غير خلافاً لظاهر النشر الذي ذكر له وجه الإبدال ، ولعلّ السبب في ذلك كون الإبدال هو مذهب عامّة المصريين عن الأزرق كما نقل ابن الجزريّ عن الداني بما فيهم صاحب التجريد ، وهذا مخالف لعبارة ابن الفحام. وقد نقل المنتوري عن الداني عبارات تدلّ على أنّ بعض المصريّين أخذوا لورش بوجه التسهيل. قال المنتوري : قال في الاقتصاد – أي الداني- : "فروى عنه البدل للهمزة وهي رواية أكثر المصريين عنه وذلك ضعيف في العربية "(شرح الدرر ص257). وقال المنتوري : وقد ذكر –أي الداني- في كتاب رواية ورش من طريق المصريين التسهيل بين بين خاصة"(شرح الدرر ص259) ، وعليه يكون ابن الفحام من ضمن المصريين الآخذين بوجه التسهيل. ومن تتبع طرق ابن الفحام من النشر يجد أنّ روايته عن الأزرق هي من ثلاثة طرق : الاولى : طريق الخولاني عن النحاس ويشترك معه في هذا الطريق : الداني من قراءته على أبي الفتح فارس ابن أحمد وابن بليمة والهذلي. الثانية : طريق أبي عدي عن ابن سيف ويشترك معه في هذا الطريق كلّ من صاحب التذكرة والداني من قراءته عليه ، وصاحب المجتبى والعنوان والكافي والتلخيص والتبصرة والكامل. الثالثة : طريق الحوفي ويشترك معه في هذا الطريق ابن بليمة. وهؤلاء جميعاً شاركوا ابن الفحام في الطرق الثلاثة ومذهبهم جميعاً التسهيل بين بين عدا صاحب التبصرة و قراءة الداني على فارس ابن أحمد. ومن هنا ندرك أنّ الرواية المشهورة عن ابن عدي عن ابن سيف ، و الخولاني والحوفي عن النحاس هي التسهيل ، ولمّا كانت رواية ابن الفحام عن الأزرق تنحصر في هذه الطرق الثلاثة قويَ احتمال أن يكون مذهب هذا الأخير هو التسهيل خلافاً لظاهر النشر، وعليه فإنّي آخذ له بوجه التسهيل اعتماداً على كلام ابن الفحام من جهة وعلى شهرة وجه التسهيل من طرقه ، والعلم عند الله تعالى.

وأمّا من الإقناع لابن الباذش وإن كان مصدره التيسير والتبصرة إلاّ أنّ إسناد ابن الجزريّ لا يمرّ عليه وبالتالي فهو ليس من طرقه.

بيان أصحاب مذهب التسهيل :

أصحاب التسهيل على ما يظهر من النشر هم : صاحب العنوان والمجتبى والتذكرة ةتلخيص العبارات والأهوازي.

فأمّا من العنوان فقال أبو طاهر : "فقرأ الحرميان وأبو عمرو وهشام بتحقيق الاولى وتليين الثانية فتصير كالمدّة في اللفظ غير أنّ أبا عمرو وقالون وهشاماً أطولهم مدّاً لأنّهم يُدخلون بينها ألفاً ، الباقون بتحقيقهما جميعاً". وقال ابن الجزري في تحفة الإخوان في الخلف بين الشاطبية والعنوان : "في المفتوحتين – من كلمة- ورش بالتسهيل من غير بدل " (تحفة الإخوان ص137).

وأمّا من المجتبى فظاهر النشر على التسهيل فحسب ، ويقوّي ذلك أنّ الطرسوسي شيخ صاحب العنوان في الإسناد ومذهب هذا الأخير التسهيل.

وأمّا من التذكرة فقال أبو الحسن : "فقرأ الحرميان وأبو عمرو وهشام ورويس بتحقيق الهمزة الاولى ، وجعلوا الثانية بين بين ، فصارت كالمدّة في اللفظ في جميع القرءان. وأبو عمرو وقالون والمسيّبي وهشام أطولهم مداً فيها ، لأنّهم يُدخلون بينهما ألفاً.(التذكرة 1/111).

وأمّا من تلخيص العبارات فقال ابن بليمة : "فقرأ الحرميان وأبو عمرو وهشام بتحقيق الاولى ، وجعلوا الثانية بين بين ، فصارت مدّة في سائر القرءان ، وأبو عمرو وهشام أطولهم مداً لأنّهم يُدخلون ألفاً. وقرأ الباقون بتحقيقهما."

وأمّا الأهوازي فليس من طرق النشر.

وقد سكت صاحب النشر على مذهب صاحب الإرشاد. قال أبو الطيّب : "قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وهشام بن عمّار عن ابن عامر بهمزة واحدة ومدّة حيث وقع إلاّ أنّ ابن كثير يمدّ مداً دون مدّهم قليلاً" (الإرشاد 1/323). أقول : لم يذكر الإبدال لورش واقتصر له على التسهيل ويجدر التنبيه إلى أنّ ظاهر عبارة الإرشاد هو إدخال ألف الفصل بين الهمزتين لقوله "إلاّ أنّ ابن كثير يمدّ مداً دون مدّهم قليلاً" أي من غير إدخال بمعنى أنّ غيره يُدخلون ألفاً بين الهمزتين بما فيهم ورش وهذا الوجه ضعيف من جهة الرواية عن ورش لسببين : الأول هو انفراد من صاحب الإرشاد لقول مكي القيسي : "وقد ذكر الشيخ أبو الطيّب في بعض كتبه عن ورش أنّه يُدخل بين الهمزتين ألفاً في المفتوحتين خاصّة مثل قالون ، وما علمت أنّ أحداً ذكر عن ورش غيره"(التبصرة ص78). وقال ابن الجزريّ في النشر : "وكذلك انفرد به – أي بالإدخال بين المفتوحتين – أبو الطيّب ابن غلبون والخزاعي عن الأزرق عن ورش ، قال ابن الباذش وليس بمعروف. قلتُ : وأحسبه وهماً ، والله أعلم" (النشر 1/364). وقد قال الداني فيما نقله عنه المنتوري في كتابه الاقتصاد :"وقد قيل عنه – يعني عن ورش- أنّهُ يُدخل بين الهمزتين ألفاً في هذا الفصل خاصّة دون المختلفتين وهو نقض لمذهبه" وقال –أي الداني- في إيجاز البيان :"وهذا قول عبد المنعم بين عبيد الله وأحسبه غير محفوظ عن ورش لأنّه منفردٌ به لم يتابعه عليه أحد من أهل الأداء" (شرح الدرر 1/260و261). أقول : وهذا من الأسباب الملموسة التي حملت ابن الجزري على استبعاد انفرادات الأئمّة واشتراط الشهرة. الثاني : لم يذكر ابنه وتلميذه في الرواية أبو الحسن طاهر ابن غلبون في التذكرة هذا الوجه بل ذكر التسهيل دون الإدخال كما يظهر من كلامه أعلاه ، ورواية أبي الحسن هي عن أبيه أبي الطيّب. وعليه فإنّ الصحيح من مذهب أبي الطيّب صاحب الإرشاد هو تسهيل الثانية بين بين والعلم عند الله تعالى.

وقد سكت صاحب النشر عن مذهب الهذلي والظاهر من الكامل التسهيل. قال الهذلي بعد ذكره أصحاب مذهب التحقيق مع الإدخال وعدمه : "الباقون – بما فيهم ورش – بتحقيق الاولى وتليين الثانية غير أنّ أبا عمرو وغير أبي زيد وسالماً وأبا نشيط طريق أيّوب أطولهم مداً...."(الكامل ص413). وهذا موافق لما حرّره الضباع في كتابه المطلوب.

وقد سكت صاحب النشر عن مذهب أبي معشر والظاهر أنّه كالهذلي كما ذكر الضباع في المطلوب لعلّ السبب في ذلك كما ذكرت مراراً أنّ الرواية الوحيدة لأبي معشر الطبري عن الأزرق من النشر تشترك مع رواية أبي القاسم الهذلي في الإسناد عن الإمام أبي الفضل عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن الرازي من جهة وكون مذهب صاحب الكامل هو التسهيل ، يقوى الاحتمال أن يكون مذهب أبي معشر الطبري كذلك والعلم عند الله تعالى.

بيان أصحاب من أخذ له بالوجهين جميعاً :
وهم ابن شريح والشاطبي والصفراوي.

فأمّا ابن شريح فقال في الكافي : "فقرأ الحرميان وأبو عمرو وهشام بتحقيق الاولى وتسهيل الثانية يجعلونها بين الهمزة والألف " ثم قال : "وقد قيل إنّ ورشاً يُبدل من الثانية ألفاً وعلى هذا تدلّ روايته لأنّ الرواية أتت عنه بالمدّ ، ولا يكون المدّ إلاّ بالبدل ولا يتمكّن المدّ بجعلها بين بين".

وأمّا الشاطبي فقال في قصيدته : (وقل ألفاً عن أهل مصر تبدّلت لورش وفي بغداد يُروى مسهّلا).

وأما الصفراوي فليس من طرق النشر.

الخلاصة :
نخلص مما سبق أنّ الإبدال هو من طريق صاحب التيسير والهداية والتبصرة وأحد وجهي الشاطبية والكافي وهي قراءة الداني على ابن خاقان و فارس ابن أحمد. وأنّ التسهيل من العنوان والتذكرة والتلخيص والإرشاد والكامل وطريق أبي معشر والمجتبى والوجه الثاني من الشاطبية والكافي وهي قراءة الداني على أبي الحسن.

ففي قوله تعالى {ءآتّخذ من دونه آلهة} ستة أوجه من الشاطبية والطيّبة ولا يُمنع منها شيء وهي :
- الإبدال مع قصر البدل من الشاطبية
- الإبدال مع التوسط من الشاطبية والتيسير وجامع البيان أي من قراءة الداني على ابن خاقان وفارس ابن أحمد.
- الإبدال مع الطول من الشاطبية والهداية والتبصرة وأحد وجهي الكافي
- التسهيل مع القصر من الشاطبية والتذكرة والإرشاد وقراءة الداني على أبي الحسن
- التسهيل مع التوسط من الشاطبية وتلخيص ابن بليمة
- التسهيل مع الطول من الشاطبية والعنوان والمجتبى والكامل وطريق أبي معشر والوجه الثاني من الكافي.

والعلم عند الله تعالى.
 
تحرير {أئمة}.

تحرير {أئمة}.

الحمد لله والصلاة على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد.

والآن جاء دور {أئمة} فأقول وبالله التوفيق..


قال ابن الجزري في النشر : "واختلف عنهم في كيفية تسهيلها فذهب الجمهور من أهل الأداء إلى أنها تجعل بين بين كما هي في سائر باب الهمزتين من كلمة وبهذا ورد النص عن الأصبهاني عن أصحاب ورش فإنه قال : {أئمة} بنبرة واحدة وبعدها إشمام الياء. وعلى هذا الوجه نص طاهر بن سوار والهذلي وأبو علي البغدادي وابن الفحام الصقلي والحافظ أبو العلاء وأبو محمد سبط الخياط وأبو العباس المهدوي وابن سفيان وأبو العز في كفايته ومكي في تبصرته وأبو القاسم الشاطبي وغيرهم وهو معنى قول صاحب التيسير والتذكرة وغيرهما بياء مختلسة الكسرة. ومعنى قول ابن مهران بهمزة واحدة غير ممدودة. وذهب آخرون منهم إلى أنها تجعل ياء خالصة نص على ذلك أبو عبد الله بن شريح في كافيه وأبو العز القلانسي في إرشاده وسائر الواسطيين وبه قرأت من طريقهم قال أبو محمد بن مؤمن في كنزه : إن جماعة من المحققين يجعلونها ياء خالصة وأشار إليه أبو محمد مكي والداني في جامع البيان والحافظ أبو العلاء والشاطبي وغيرهم أنه مذهب النحاة."(النشر 1/379).

نستخلص من كلام ابن الجزريّ أنّ أئمة الأداء اختلفوا في كيفية تسهيل الهمزة الثانية من {أئمة} حيث ما وقعت فمنهم من جعلها بين بين وهو مذهب الهذلي وابن الفحام والمهدوي ومكي القيسي والشاطبي والداني وأبي الحسن ابن غلبون وغيرهم ومنهم من أبدل الثانية منهما ياءً خالصة وهو مذهب ابن شريح وغيره.

مذهب من سهلّ الثانية منهما بين بين :

الذي يظهر من النشر : الهذلي وابن الفحام والمهدوي ومكي القيسي والشاطبي والداني وأبي الحسن ابن غلبون وغيرهم

فأمّا من طريق الداني فاختلف عنه الأئمّة إلى ثلاثة مذاهب : الأوّل : المقتصرين له على وجه التسهيل كابن الجزري وجمهور المغاربة عنه عملاً بظاهر أقواله. قال أبو عمرو في التيسير :"قرأ الكوفيون وابن عامر{" أئمة " الكفر} بهمزتين حيث وقع وأدخل هشام من قراءتي على أبي الفتح بينهما ألفاً والباقون بهمزة ، وياء مختلسة الكسرة من غير مد" (ص302).وقال أبو عمرو الداني في جامع البيان : "وإنّما يتحقّق إبدالها ياءً محضة الكسرة في مذهب من لم ير التحقيق ولا بالفصل ، وهو مذهب عامّة النحويين والبصريين ، فأمّا من يرى ذلك وهو مذهب " أئمة " القراء ، فلا يكون إلاّ بين بين."(ص534). ومراد الداني بياء مختلسة الكسرة هو تسهيلها بين بين كما هو واضح في عبارته في جامع البيان بقوله : "فلا يكون إلاّ بين بين." وقد أكّد ابن الجزري هذا المعنى في نشره حيث قال : "وهو-أي التسهيل بين بين- معنى قول صاحب التيسير والتذكرة وغيرهما بياء مختلسة الكسرة".
الثاني : المقتصرين له على إبدال الثانية ياء خالصة كالجعبري وابن الباذش وأبو بكر القرطبي والمنتوري وشيخه القيجاطي وغيرهم. قال المنتوري : "قلتُ : وكان شيخنا الأستاذ أبو عبد الرحمن القيجاطي رضي الله عنه يأخذ من طريق الداني في { أئمة } لنافع ، وابن كثير وأبي عمرو بياء خالصة ، وبذلك قرأت عليه وبه آخذ. وقلتُ له : تأخذ في مذهب أهل التخفيف من طريق الداني بالإبدال ، وهو قد نصّ على التسهيل بين بين ، وأخبر أنّه مذهب القراء ؟ فقال لي : نصوص المتقدّمين من القراء في {أئمة} محتملة ، فينبغي أن تحمل على الإبدال ، كما حملها الكثير من المتأخّرين لأنّ سيبويه منع فيها التسهيل بين بين.". ثمّ قال المنتوري : واعلم أنّ ثلاثة من المقرئين سبقوا شيخنا رحمه الله فأخذوا في {أئمة} من طريق الداني لأهل التخفيف بإبدال الثانية ياء خالصة ، أوّلهم ابن الباذش ، قال في الإقناع : إنّ حكم التخفيف في {" أئمة "} عند النحويين والقراء الإبدال ياءً محضة ، لأنّها من كلمة واحدة. قال – أي ابن الباذش- وهكذا نصّ عليه سيبويه ، وثانيهم أبو بكر القرطبي ، قال في أرجوزته : ولكنّ في " أئمة " حيث ورد ........فأخلص الياء هُديتَ للرّشد. وثالثهم برهان الدين الجعبريّ ، ذكر في قصيدته أنّ نافعاً وابن كثير وأبا عمرو ، قرءوا {أئمة} بالياء." انتهى كلام المنتوري عليه رحمة الله تعالى (1/280،281).أقول : كلام القيجاطي فيه نظر لسببين : الأول : كلام الداني في جامع البيان صريح لا يقبل التأويل والاحتمال وهو قوله : "فأمّا من يرى ذلك وهو مذهب {أئمة} القراء ، فلا يكون إلاّ بين بين". قال المنتوري : "وذكر الداني في جامع البيان والاقتصاد والتيسير والتمهيد والتعريف والإيضاع عن نافع تحقيق الاولى وتسهيل الثانية في {أئمة} حيث وقع ، وقال في التلخيص : إنّ النحويين يُبدلونها ياءً محضة وهو القياس وإنّ القراء يجعلونها بين بين ، وقال في إيجاز البيان نحوه ثمّ قال الأوّل –يعني التسهيل بين بين – قول القراء وأهل الأداء ومصنّفي الحروف كابن مجاهد وأبي طاهر وابن أشته والشذائي وغيرهم"(شرح الدرر ص278 و279). وقد قرأ الداني على شيخه أبي الحسن بالتسهيل وعبارة هذا الأخير في كتابه التذكرة صريحة كما سيأتي فكيف يعدل القيطاجي والمنتوري عن صريح عبارات الداني في مصنفاته ويأخذا بكلام بعض المتأخرين ؟. الثاني : إنّ المانعين لوجه التسهيل تأثّروا بكلام سيبويه وغيره من علماء اللغة لقول القيجاطي :"لأنّ سيبويه منع فيها التسهيل بين بين." وأغرب كيف ضعفّوا ما ثبت بالنصّ والأداء عن أئمّة أهل الأداء بمجرّد أنّ سيبويه منعه مع أنّ ابن الباذش يروي القراءات من التيسير والتبصرة وكلا المصدرين ثبت فيهما التسهيل في الرواية فكيف يعدل عن التسهيل ويقتصر على الإبدال ؟ فلو أثبت الوجهين معاً لكان أخف لأنّه بالإضافة إلى التسهيل الذي كان ينبغي أن يأخذ به من طريق التيسير فإنّه يروي القراءات بإسناده إلى صاحب التبصرة وهو من القائلين بالإبدال في كتابه الرعاية والكشف. وأمّا الجعبري فقد نصّ في شرحه على الشاطبية أنّه يختار التسهيل فقال : "واختياري التسهيل تغليباً لجانب اللفظ كالنظائر "(كنز المعاني 2/417 الطبعة المغربية). وأمّا أبو بكر القرطبي فلم أقف على كلامه.
الثالث : الآخذين بالوجهين كابن المرابط (ت552) حيث قال كتابه التقريب والحرش المتضمّن لقراءة قالون وورش : "وأمّا قوله : {أئمة} حيث وقع فيجوز أن تُجعل الهمزةُ الثانية ياء مكسورة كسرة خالصة ، وهو مذهب النحويين ، ويجوز أن تُجعل بين الهمزة والياء كما يُفعلُ في مثل {أئذا} و { أئفكاً} وما أشبه ذلك وهو مذهب القراء."(ص91). وقد سلك ابن المرابط طريق التيسير في هذا الكتاب وكان ينبغي عليه أن يقتصر على وجه التسهيل.
وعلى ما سبق من البيان يظهر أنّ الآخذين بوجه الإبدال من طريق الداني كان من باب القياس المخالف للرواية الصحيحة المسندة إلى الداني وعليه ينبغي أن نقتصر على التسهيل من طرق الداني سواء من التيسير أو من جامع البيان أو من الطرق العشرية لنافع لمن له سند في ذلك. والعلم عند الله تعالى.

وأمّا من طريق مكي القيسي فاختلف المتأخرون عنه في ذلك فمنهم من أخذ له بوجه التسهيل كابن الجزري عملاً بظاهر التبصرة وهو قول مكي القيسي "قرأ الكوفيون وابن عامر{أئمة} بهمزتين محققتين حيث وقع ، وقرأ الباقون بتحقيق الأولى وتسهيل الثانية ، والنحويّون يقولون إنّ الثانية ياءً مكسورة."(ص226). ومنهم من أخذ له بوجه الإبدال كالجعبري والمنتوري وشيخه القيجاطي وغيرهم عملاً بظاهر كتابه الرعاية والكشف. قال المنتوري (ت834) في شرحه على الدرر: "وذكر الأدفُويّ في الإبانة ، ومكي في الرعاية والكشف ، وابن سفيان في الهادي ، والمهدوي في الشرح ، وابن شريح في الكافي والتذكير ، وابن شعيب في الاعتماد ، وابن مطرّف في البديع ، وابن الطفيل في الغنية ، إبدال الثانية من {أئمة} ياء محضة ، وقال الحصريّ في قصيدته :
ولا بدّ من إبدالها في " أئمة " ......فصَحْوَكَ إنّ الجاهلين لفي سُكْر.
وقال الجعبري : "ولم يُنبّه – أي الداني في التيسير – على ما نبّه عليه الناظم من أنّ قياس التخفيف عند النحاة إبدال الهمزة ياءً مكسورة وبه أخذ مكّي وابن شريح."(كنز المعاني 2/416 الطبعة المغربية).
فأمّا نصّ كلام مكّي ابن أبي طالب القيسي في كتابه الرعاية فهو كالتالي في باب الهمزة : "وإذا كانت الهمزة الثانية من الهمزتين مكسورة ، وأصلها السكون ، أُبدلت منها ياء خالصة في قراءة من خفّف الهمزة نحو {أئمّة} ، لا تجعلها مثل {أئذا} ، و{أئفكاً} بين الهمزة والياء ، إنّما تُبدل منها ياءً محضة مكسورة ، لأنّ أصلها السكون ، لأنّه جمع إمام على أفعلة ، وأصله أَأْممة ، ثمّ أُعلّ بالإدغام ، وإلقاء حركة الميم الأولى على الهمزة الساكنة فصارت مكسورة ، فأُبدل منها ياءٌ خالصة مكسورة في التليين. فيجب على القارئ المجوّد لقراءته أن يُفرّق في لفظه بين {أئفكاً} و {أئمّة} ، فيأتي بالثانية في {أئفكاً} وشبهه ، إذا ليّن بين الهمزة المكسورة والياء الساكنة ، ويأتي ب{أئمّة} إذا ليّن بياء مكسورة خالصة ، لأنّ الأولى أصلها الكسرُ ، والثانية أصلها السكون ، والساكن من الهمزة إنّما حقّه من التليين البدل". انتهى كلامه رحمه الله تعالى. وقال في الكشف بعدما ذكر التوجيه والتعليل : "ولهذه العلة وجب أن تكون الهمزة في قراءة من خفّف ياء خفيفة الكسرة ، ولأنّ باب الساكنة في تخفيف البدل ، فجرت على أصلها في البدل بخلاف {أئذا} و{أئفكاً} ، لأنّ كسرة الهمزة في ذلك أصليّة ...."(الكشف 1/398).
أقول : ولما كان كتاب التبصرة هو مصدر رواية ابن الجزري للقراءات المسندة إلى مكي القيسي كان الأخذ بما ثبت فيه بما فيه التسهيل بين بين في {أئمة} أولى من الأخذ بما ثبت في غير التبصرة. لأنّ كتاب الرعاية هو كتاب دراية وليس كتاب رواية وأمّا كتاب الكشف فهو كتاب وضع لتوجيه وتعليل القراءات ونحن نقرأ من طريق مكي القيسي بما يتضمنّه كتاب التبصرة لا بما تضمنه كتاب الرعاية والكشف ، ثمّ اعلم حفظك الله أنّ رواية مكي القيسي عن ورش هي عن ثلاثة شيوخ : عن عبد المنعم صاحب الإرشاد وعن أبي عدي وعن أبي بكر الأذفوي. فأمّا روايته عن أبي الطيّب فبالتسهيل على ما في الأرشاد وأمّا من روايته عن أبي بكر الأذفوي فبالإبدال لأنّ مذهب هذا الأخير في {أئمة} هو الإبدال على ما ذكر المنتوري. وأمّا روايته عن أبي عدي وهو الطريق المسند من النشر فلا ندري بأيّ وجه قرأ عليه والظاهر أنّه قرأ عليه بالتسهيل لأنّ الذين شاركوا مكي القيسي في هذا الطريق مذهبهم التسهيل إلاّ ابن شريح وهم صاحب التذكرة وقراءة الداني عليه وصاحب العنوان والمحتبى والتلخيص والتجريد والكامل وبالتالي فيكون المشهور عن أبي عدي هو التسهيل. وعليه فأنّي أقتصر على وجه التسهيل من التبصرة عملاً بظاهر التبصرة من جهة ، واشتهار وجه التسهيل عن أبي عدي وهو طريق مكي المسند في النشر والعلم عند الله تعالى.

وأمّا من الشاطبية فقال صاحبها : "وسهّل سما وصفاً وفي النحو أبدلا" ، فأمر بالتسهيل بين بين ثمّ ذكر وجه الإبدال ونسبه إلى النحويين. وقد اقتصر ابن الجزري على وجه التسهيل من الشاطبية دون الإبدال ولم يذكر الشاطبية ضمن مصادر الإبدال إذ لو كان الإبدال عنده صحيحاً من الشاطبية لذكره في كتابه تحفة الإخوان في الخلف بين الشاطبية والعنوان ، ومذهب صاحب العنوان هو التسهيل كما سيأتي. وقد حصر المنتوري من سبق شيخه القيجاطي في الأخذ بوجه الإبدال من طريق الداني ولم يذكر معهم الشاطبي ، فقال رحمه الله : واعلم أنّ ثلاثة من المقرئين سبقوا شيخنا رحمه الله فأخذوا في {أئمة} من طريق الداني لأهل التخفيف بإبدال الثانية ياء خالصة ، أوّلهم ابن الباذش ، قال في الإقناع : إنّ حكم التخفيف في {أئمة} عند النحويين والقراء الإبدال ياءً محضة ، لأنّها من كلمة واحدة. قال – أي ابن الباذش- وهكذا نصّ عليه سيبويه ، وثانيهم أبو بكر القرطبي ، قال في أرجوزته : ولكنّ في " أئمة " حيث ورد ........فأخلص الياء هُديتَ للرّشد. وثالثهم برهان الدين الجعبريّ ، ذكر في قصيدته أنّ نافعاً وابن كثير وأبا عمرو ، قرءوا {أئمة} بالياء." انتهى كلام المنتوري عليه رحمة الله تعالى. وعليه ينبغي الاقتصار على وجه التسهيل من الشاطبية والعلم عند الله تعالى.


وأمّا من الهداية فقال المهدوي في شرح الهداية : "فإن قال قائل : وجدنا من يسهّل الهمزة الثانية من القراء إنّما يجعلها بين بين في نحو {أئنّكم} ونظائره. ورأيناهم أبدلوها في {أئمّة} ياء ، فلم لم يجعلوها بين بين ، كما فعلوا في كلّ همزتين اجتمعتا في كلمة الاولى منهما مفتوخة والثانية مكسورة ؟...."(شرح الهداية ص327). أقول الظاهر من كلام المهدوي أنّ مذهبه الإبدال خلافاً لظاهر النشر ويؤيّد ذلك قول المنتوري (ت834) في شرحه على الدرر: "وذكر الأدفُويّ في الإبانة ، ومكي في الرعاية والكشف ، وابن سفيان في الهادي ، والمهدوي في الشرح ، وابن شريح في الكافي والتذكير ، وابن شعيب في الاعتماد ، وابن مطرّف في البديع ، وابن الطفيل في الغنية ، إبدال الثانية من {أئمة} ياء محضة " (1/280). وعليه فإنّي آخذ بوجه الإبدال من طريق المهدوي والعلم عند الله تعالى.

وأمّا من طريق الإرشاد فقال أبو الطيّب ابن غلبون : "وقرأ الباقون – بما فيهم ورش- بهمزة واحدة وبعدها ياء مكسورة مختلسة الكسرة من غير مدّ حيث وقع"(الإرشاد 2/657).

وأمّا من طريق التذكرة فقال أبو الحسن بن غلبون : ""الباقون – بما فيهم ورش- بهمزة واحدة وبعدها ياء مختلسة الكسرة من غير مدّ"(التذكرة 2/356).

وأمّا من تلخيص العبارات فقال ابن بلّيمة : "وقرأ الباقون بهمزة وبعدها ياء مختلسة الكسرة."(تلخيص العبارات ص99).

وأمّا من العنوان فقال أبو طاهر : "أئمة بهمزتين ، ابن عامر والكوفيون وكذلك حيث وقعت هذه الكلمة.."(العنوان ص102). وقال في باب الهمزتين من كلمة أي المفتوحة وبعدها المكسورة : "فقرأ الحرميان وأبو عمرو وقالون بتحقيق الاولى وجعلوا الثانية كالياء المختلسة الكسرة......"(العنوان ص44).

وقد سبق أنّ المراد من الياء مختلسة الكسرة هو التسهيل بين بين.

وأمّا من التجريد فقال ابن الفحام :"قرأ {أئمة الكفر} بهمزتين محققتين ابن عامر والكوفيون وحقّق الأولى وليّن الثانية من بقي"(التجريد ص232).

وأمّا من الكامل فقال الهذلي: "......الباقون بتليين الثانية من غير مد وهو الاختيار لما قدمت"(الكامل ص386).

وأمّا من طريق أبي معشر الطبري فهو كمذهب الهذلي كما سبق تعليل ذلك غير ما مرة.

وأمّا من المجتبى فقد سكت صاحب النشر عنه وذكر له الأزميري التسهيل في بدائعه ويُقوّي ذلك أنّ صاحب العنوان تلميذ صاحب المجتبى في الإسناد أخذ بوجه التسهيل. ويبقى إشكال وهو أنّ رواية صاحب المجتبى من طريق ابن هلال عن النحاس يشترك معه فيها أبو بكر الأذفوي صاحب الإبانة والمهدوي وكلاهما أخذا بوجه الإبدال في {أئمّة} ، ويشترك معه الهذلي أيضاً في هذا الطريق ومذهبه التسهيل. ونظراً لصعوبة النظر وانعدام النصوص والقرائن فإنّي أقلّد الأزميري في أخذه بوجه التسهيل والعلم عند الله تعالى.

مذهب من أبدل الثانية ياءً خالصة :

وهو صاحب الكافي والمهدوي على الصحيح كما بسطنا الكلام في ذلك أعلاه.
قال ابن شريح : "قرأ ابن عامر والكوفيون {أئمة} بتحقيق الهمزتين حيث وقع. وقرأ الباقون بتحقيق الاولى وإبدال الثانية ياء ولم يحل أحد بينهما ألف"(الكافي ص122).

الخلاصة :
نخلص مما سبق أنّ التسهيل في {أئمة} هو مذهب الداني والشاطبي وصاحب التبصرة والإرشاد والتذكرة وتلخيص العبارات والعنوان والتجريد والكامل ,أبي معشر وصاحب المجتبى ، وأنّ الإبدال هو مذهب صاحب الكافي والهداية.

ففي قوله تعالى { وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لمّا صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون} أربعة أوجه.

- التسهيل في {أئمة} مع قصر البدل من الشاطبية والتذكرة والإرشاد وقراءة الداني على أبي الحسن.
- التسهيل مع التوسط من الشاطبية والتيسير وتلخيص العبارات وقراءة الداني على ابن خاقان وفارس ابن أحمد
- التسهيل مع الطول من الشاطبية والتبصرة والعنوان والتجريد والكامل والمجتبى وطريق أبي معشر
- الإبدال مع الطول من الكافي والهداية.

ويمتنع وجهان وهما الإبدال مع قصر البدل وتوسطه.

والعلم عند الله تعالى.
 
الهمزتين المتفقتين في الحركة من كلمتين

الهمزتين المتفقتين في الحركة من كلمتين

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد

الهمزتين المتفقتين في الحركة من كلمتين نحو { شآء أنشره} و {جآء أحد} و {هؤلآء إن} و {السماء إله} و {أولياء أولئك} وشبهه.

قال ابن الجزري : "وأما الأزرق فروي عنه إبدال الهمزة في الأقسام الثلاثة حروف مد كوجه قنبل جمهور أصحاب المصريين ومن أخذ عنهم من المغاربة وهو الذي قطع به غير واحد منهم كابن سفيان والمهدوي وابن الفحام الصقلي وكذا في التبصرة والكافي وقالا أنه الأحسن له ولم يذكره الداني في التيسير وذكره في جامع البيان وغيره. وقال إنه الذي رواه المصريون عنه أداء. ثم قال والبدل على غير قياس وروى عنه تسهيلها بين بين في الثلاثة الأقسام كثير منهم كأبي الحسن بن غلبون وأبي الحسن بن بليمة وأبي الطاهر صاحب العنوان وهو الذي لم يذكر في التيسير غيره وذكر الوجهين جميعاً أبو محمد مكي وابن شريح والشاطبي وغيرهم واختلفوا عنه في موضعين وهما (هؤلاء إن كنتم، والبغاء إن أردن)فروى عنه كثير من الرواة التسهيل جعل الثانية فيها ياء مكسورة، وذكر في التيسير أنه قرأ به على ابن خاقان عنه وانه المشهور عنه في الأداء، وقال في الجامع: إن الخاقاني وأبا الفتح وأبا الحسن استثنوها فجعلوا الثانية منهما ياء مكسورة محضة الكسرة، قال وبذلك كان يأخذ فيهما ابو جعفر بن هلال وأبو غانم بن حمدان وأبو جعفر بن أسامة وكذلك رواه إسماعيل النخاس عن أبي يعقوب أداء، قال وروى أبو بكر بن سيف عنه إجراءهما كسائر نظائرهما وقد قرأت بذلك أيضاً على أبي الفتح وأبي الحسن وأكثر مشيخة المصريين على الأول (قلت) فدل على أنه قرأ بالوجهين على كل من أبي الفتح وأبي الحسن ولم يقرأ بغير إبدال الياء المكسورة على ابن خاقان الخاقاني كما أشار إليه في التيسير وقد ذكر فيهما الوجهين أعني التسهيل والياء المكسورة أبو علي الحسن بن بليمة في تلخيصه وابن غلبون في تذكرته وقال إن الأشهر التسهيل، على أن عبارة جامع البيان في هذا الموضع مشكلة وانفرد خلف بن إبراهيم بن خاقان الخاقاني فيما رواه الداني عنه عن أصحابه عن الأزرق بجعل الثانية من المضمومتين واواً مضمومة خفيفة الضمة قال الداني كجعله إياها ياء خفيفة الكسرة في (هؤلاء إن، والبغاء إن) قال ورأيت أبا غانم وأصحابه قد نصوا على ذلك عن ورش وترجموا عنه بهذه الترجمة ثم حكى مثال ذلك عن النخاس عن أصحابه عن ورش ثم قال وهذا موافق للذي رواه لي خلف بن إبراهيم عن أصحابه وأقرأني به عنهم قال وذلك أيضاً على غير قياس التليين (قلت) والعمل على غير هذا عند سائر أهل الأداء في سائر الأمصار ولذلك لم يذكره في التيسير مع إسناده رواية ورش من طريق ابن خاقان والله أعلم".(النشر 1/385).

يُفهم من كلام ابن الجزريّ أنّ إبدال الثانية حرف مدّ هو مذهب صاحب الهادي والهداية والتجريد والداني في جامع البيان وأحد وجهي التبصرة والكافي الشاطبية. وأمّا التسهيل فهو مذهب صاحب التذكرة وتلخيص العبارات والعنوان والتيسير والوجه الثاني من التبصرة والكافي والشاطبية. أمّا (هؤلاء إن كنتم، والبغاء إن أردن) فروى إبدالها ياء مكسورة بالإضافة إلى ما سبق الداني من قراءته على شيوخه الثلاثة وابن بليمة وأبو الحسن بن غلبون.


1 - أصحاب مذهب الإبدال على ما في النشر : وهم صاحب الهادي الهداية والتجريد والداني في جامع البيان وأحد وجهي التبصرة والكافي الشاطبية.

فأمّا من الهادي فليس من طرق الطيّبة.

وأما من الهداية فلم أجد في كتاب شرح الهداية إشارة إلى مذهبه في الهمزتين من كلمتين والذي يظهر من النشر الإبدال كما قال ابن الجزريّ : "وهو الذي قطع به غير واحد منهم كابن سفيان والمهدوي".وهو مذهب يوسف زادة والأزميري.

وأمّا من التجريد فقال ابن الفحام : "وكان أبو يعقوب الأزرق ويونس عن ورش وقنبل عن ابن كثير يُعوّضون من الهمزة الثانية من المتفقتين من كلمة مدّة ، ووافقهم أبو عون عن قالون والأصفهاني عن ورش على المتفقتين من كلمتين".(التجريد ص121) ، أقول : عبارة ابن الفحام تدلّ على التسهيل خلافاً لظاهر النشر وقد ذكرت في باب الهمزتين من كلمة أنّ معظم الذين شاركوا ابن الفحام في الإسناد مذهبهم التسهيل وعليه فيكون الصحيح إن شاء الله هو التسهيل من طريق التجريد.

وأمّا من جامع البيان فقال الداني في المفتوحتين بعد ما أطلق التسهيل لورش عن نافع : "فأمّا على رواية أبي يعقوب الأزرق عنه فإنّها تُشبع لأنّهم رووا عنه عن ورش أداءً إبدالها حرفاً خالصاً ، فهي ألف محضة ، فهي في حال البدل أشبع منها في حالة التليين."(جامع البيان ص218). وقال في المكسورتين :"وروي المصريّون أداءً عن أبي يعقوب عن ورش إبدالها ياء ساكنة ، فعلى ذلك يزاد في تمكينها لكونها حرف مدّ وسكون ما بعدها ، والبدل على غير قياس ، واستثنى لنا الخاقاني وأبو الفتح وأبو الحسن في روايته عن ورش من جميع الباب موضعين وهما في البقرة : {هؤلاء إن كنتم} وفي النور {على البغاء إن أردن} فرووهما عن قراءتهم بخلاف الترجمتين المتقدّمتين بتحقيق الهمزة الأولى ، وجعل الثانية ياء مكسورة محضة الكسرة ، وبذلك كان يأخذ أبو جعفر بن هلال وأبو غانم بن حمدان وأبو جعفر بن أسامة ، وكذلك رواه إسماعيل النحاس عن أبي يعقوب أداءً ، وروى أبو بكر بن سيف عنه أنّه أجراهما كسائر نظائرهما ، وقد قرأت بذلك أيضاً على أبي الفتح وأبي الحسن ، وأكثر مشيخة المصريّين على الأوّل ، إلاّ أنّ منهم من يذهب في ذلك إلى أنّ الثانية في ذلك بدلاً عنها فيُشبع كسرتها ويُحقّقها ، حكى لي ذلك ابن خاقان من أصحابه الذين قرأ عليهم ، وكان شيخنا أبو الحسن يذهب إلى البدل ، وكان أبو بكر محمد بن علي –أي الأذفوي- يذهب إلى التسهيل ، والبدل أقيس...." وقال : "وقال إسماعيل النحاس عن أبي يعقوب في كتاب اللفظ له : كان يجعل الهمزة الثانية في {هؤلاء إن كنتم} و{على البغاء إن أردن} ياءً في اللفظ. قال – أي النحاس- وكان عبد الصمد يقرؤها ممدودة الألف بالخفض."(جامع البيان ص221).


وأما من التبصرة فقال مكي القيسي : "الأوّل أن تكونا مفتوحتين نحو {جاء أحد} و {شاء أنشره} فقرأ قنبل وورش بتحقيق الاولى وتسهيل الثانية ويُبدلان منها ألفاً ، والأحسن أن يترجم لقنبل أنّه جعلها بين بين ، ولورش بالبدل ليصحّ له المدّ الذي رُوي عنه ، ولو قيل لورش بين بين لم يستنكر ، لأنّه يمدّ لقرب الهمزة من الألف في حال التسهيل ، والبدل أمكن في إشباع المدّ ، وبين بين أقوى في أصول العربية وأحسن ، لكنّي لم أقرأ إلاّ بإشباع المدّ ، ولا يتمكّن ذلك إلاّ على تقدير البدل ، فالرواية تدعو إلى البدل على ضعفه في العربية ، والنظر يدعو إلى كون الهموة بين بين ، وقولي الإشباع في هذا إنّما نريد به التمكين لأنّ الهمزة بين بين لا يمكن مدّ فيها ....."(التبصرة ص81). وأمّا في المضمومتين والمكسورتين فقال رحمه الله :"فقرأ ورش وقنبل بتحقيق الأولى وتسهيل الثانية ، سهّلاها على البدل ، يُبدلان من المكسورة ياء ومن المضمومة واواً ، وقد قيل إنّها بين بين ، والبدل أحسن في قراءة ورش خاصّة لأنّ الرواية عنه أنّه مدّ الثانية ، والمدّ لا يكون في همزة بين بين"(التبصرة ص83). أقول : قوله : "لكنّي لم أقرأ إلاّ بإشباع المدّ ، ولا يتمكّن ذلك إلاّ على تقدير البدل" صريح في كونه لم يقرأ بالتسهيل وبالتالي فإنّي أقتصر له على وجه الإبدال والعلم عند الله تعالى.

وأما من الكافي فقال ابن شريح : "الرابع : أن تكون مفتوحتين من كلمتين نحو {جاء أحد} و {شاء أنشره} فقرأ ورش وقنبل بتحقيق الاولى ويُبدلان الثانية ألفاً ، وقد قيل إنّهما يجعلانها بين الهمزة والألف....." ثم قال : "الخامس : أن تكونا مكسورتين من كلمتين نحو {هؤلاء إن كنتم} و {على البغاء إن أردن} ، فقرأ ورش وقنبل بتحقيق الاولى ويُبدلان الثانية ياء ، وقد قيل إنّهما يجعلانها بين الهمزة والياء"(الكافي ص45).

وأمّا من الشاطبية فقال صاحبها :
وَالاخْرَى كَمَدٍّ عِنْدَ وَرْشٍ وَقُنْبُلٍ وَقَدْ قِيلَ مَحْضُ المَدِّ عَنْهَا تَبَدَّلاَ.
وَفي هؤُلاَ إِنْ وَالْبِغَا إِنْ لِوَرْشِهِمْ بِيَاءِ خَفِيفِ الْكَسْرِ بَعْضُهُمْ تَلاَ

2 – أصحاب مذهب التسهيل على ما في النشر : وهم صاحب التذكرة وتلخيص العبارات والعنوان والتيسير والوجه الثاني من التبصرة والكافي والشاطبية.

فأمّا أبو الحسن ابن غلبون فقال في الهمزتين المفتوحتين من كلمتين :"فقرأ قنبل وورش ورويس بهمز الأولى وجعلوا الثانية بين بين" (التذكرة ص116)وقال في المكسورتين نحو وأضاف : "وقد رُوي عن ورش في قوله {هؤلاء إن كنتم} في البقرة وقوله في النور {على البغاء إن أردن} أنّهُ همز الأولى وجعل الثانية ياء مكسورة كسرة خفيفة من غير مدّ فيها وهذين الموضعين فقط ، وقد قرأت به غير أنّ الأجود فيهما والأشهر هذه الرواية الأولى"(التذكرة ص117).

وقد سكت صاحب النشر عن صاحب الإرشاد. قال أبو الطيّب ابن غلبون فقال في المفتوحتين من كلمتين : " فقرأ ابن كثير في رواية قنبل وورش عن نافع بهمزة واحدة وجعلا الثانية مدّة في اللفظ حيث وقع"(الإرشاد ص330). وقال في المكسورتين : "" فقرأ ابن كثير في رواية قنبل وورش عن نافع بتحقيق الأولى ، وخفّفا الثانية فجعلاها مدّة ، هذا قول القراء"(الإرشاد ص3320). ثم قال : "وقد اختُلف عن ورش في موضعين من هذا الباب : فرُوي عنه أنّه يُحقق الأولى ويجعل الثانية كأنّها ياء خفيفة في قوله تعالى {هؤلاء إن كنتم} و {على البغاء إن أردن}"(الإرشاد ص333). ثمّ قال : "واختياري أنا في هذين الموضعين اختيار ابن سيف وابن هلال ومن قبلهما من الأئمّة في اللغة الخليل وسيبويه أن يكون هذا الفصل بكماله على أصل واحد لما اتّفق عليه لُغويان وقنبل عن ابن كثير ، ومقرئان جليلان من المصريّين"(الإرشاد 333).

وأمّا من التيسير فقال الداني : "اعلم أنّهما إذا اتّفقا بالكسر نحو {هؤلاء إن كنتم}و{من النساء إلا} وشبهه : فقنبل وورش يجعلان الثانية كالياء الساكنة. وأخذ عليّ ابن خاقان لورش بجعل الثانية ياء مكسورة في البقرة ، في قوله عزّ وجلّ {هؤلاء إن كنتم} وفي النور {على البغاء إن أردن} فقط. وذلك مشهور عن ورش في الأداء دون النصّ." ثمّ قال في المفتوحتين : فإذا اتّفقا بالفتح ، نحو قوله تعالى{جاء أحد} و {شاء أنشره} وشبهه : فورش وقنبل يجعلان الثانية كالمدّة.... "(التيسير ص151). أقول : الذي يظهر من قول الداني في التيسير هو التسهيل لقول ابن الجزريّ :"لم يذكر في التيسير غيره"وعبارة الداني : "كالياء الساكنة" فسّرها المالقي بالتسهيل وكذا قوله في المفتوحتين كالمدّة يؤكّده. وأمّا {هؤلاء إن كنتم} وفي النور {على البغاء إن أردن} فأخذ الداني عن ابن خاقان بإبدالها ياء محضة مكسورة وليس المراد من ذلك الاقتصار على الإبدال في الكلمتين من طريق ابن خاقان كما فهمه ابن الجزري بقوله "فدل على أنه قرأ بالوجهين – أي بالتسهيل والإبدال المحض- على كل من أبي الفتح وأبي الحسن ولم يقرأ بغير إبدال الياء المكسورة على ابن خاقان الخاقاني" إذ نقل المنتوري عن الداني أنّه قرأ بالوجهين جميعاً عن أبي الحسن وأبي الفتح وابن خاقان. قال المنتوري : "وقال – أي الداني- في التمهيد: وبالوجهين جميعاً قرأت في هذين الموضعين ، في مذهب أبي يعقوب ، على ابن خاقان ، وفارس وأبي الحسن ، وبهما آخذ"(شرح الدرر 1/293). وأمّا إبدال الثانية حرف مدّ أي ألفاً في المفتوحتين وياء مدّية في المكسورتين فلم يذكره الداني في تيسيره وذكره في جامع البيان ولا ندري هل قرأ بهذا الوجه على ابن خاقان وفارس ابن أحمد أو على أحدهما.قال الداني في جامع البيان في المفتوحتين بعد ما أطلق التسهيل لورش عن نافع : "فأمّا على رواية أبي يعقوب الأزرق عنه فإنّها تُشبع لأنّهم رووا عنه عن ورش أداءً إبدالها حرفاً خالصاً ، فهي ألف محضة ، فهي في حال البدل أشبع منها في حالة التليين."(جامع البيان ص218). وقال في المكسورتين :"وروي المصريّون أداءً عن أبي يعقوب عن ورش إبدالها ياء ساكنة ، فعلى ذلك يزاد في تمكينها لكونها حرف مدّ وسكون ما بعدها ، والبدل على غير قياس ". أقول : وهذا النصّ حمل الكثير من المغاربة على الأخذ بوجه الإبدال من طريق التيسير وفي طليعتهم ابن برّي في الدرر اللوامع بقوله في الهمزتين من كلمتين :
وسهّل الأخرى إذا ما انضمّتا.....وورش وعن قالون عكس ذا أتا
وقيل بل أبدَلَ الأخرى ورشُنا....مداً لدى المكسورتين وهنا.
والأولى عدم الأخذ به من التيسير لأنّ الداني اقتصر على التسهيل ولم يختر الإبدال ونحن ملزمون باتّباع اختيارات الداني في تيسيره لاسيما أني لم نجد فيما اطلعت عليه ما يُثبت أنّ الداني قرأ على ابن خاقان بالإبدال ، وقد اقتصر ابن الجزريّ على وجه التسهيل من التيسير وما أشار إلى جواز الإبدال منه كما هو واضح في النشر بقوله : "ولم يذكره الداني – أي الإبدال- في التيسير" وقوله : "وهو الذي لم يذكر في التيسير غيره-أي التسهيل- " ونحن نقرأ من التيسير من طريق ابن الجزريّ ولا من طريق ابن بريّ فوجب الاقتصار على التسهيل في المتفقتين من كلمتين مع إضافة إبدال الثانية ياء خالصة مكسورة في {هؤلاء إن كنتم} في البقرة و{على البغاء إن أردن}في النور ، وإلى ذلك جنح يوسف زادة والأزميري.

وأمّا من طريق العنوان فقال أبو طاهر في المتفقتين من كلمتين : "فقرأ قنبل وورش بتحقيق الأولى ، وتليين الثانية فتحصل في قراءتهما مدّتان : مدّة قبل الهمزة ومدّة بعدها. غير أنّ المدّة الأولى أطول لأنّها ألف محضة ، والثانية ليست ألفاً محضة ، ولا ياء ولا واواً ، وإنّما هي بين الهمزة والحرف الذي منه حركتها."(العنوان ص47). وقال ابن الجزريّ في كتابه تحفة الإخوان في الخلف بين الشاطبية والعنوان : "وسهّل الثانية من المتفقتين في الثلاثة ورش وقنبل وجهاً واحداً"(تحفة الإخوان ص146).

وأما من التلخيص فقال ابن بليمة : "فإذا اتفقت الهمزتان من كلمتين بالفتح كقوله {جاء أجلهم} و {شاء أنشره} فورش وقنبل يهمزان الأولى ويجعلان الثانية بين بين فتصير كالمدّة في اللفظ : مدّة قبل الهمزة ومدّة بعدها إلاّ أنّ الأولى أطول...."ثمّ قال : "وإذا اتفقتا بالكسر كقوله تعالى {هؤلاء إن كنتم} و {على البغاء إن أردن}و{النساء إلا} فقنبل وورش يهمزان الأولى ويجعلان الثانية بين بين فتصير في قراءتهما مدّتان : مدّة قبل الهمزة ومدّة بعدها إلاّ أنّ الأولى أطول. وقد رُوي عن ورش أنّه يجعل الثانية ياء في قوله {هؤلاء إن كنتم} و {على البغاء إن أردن}"(تلخيص العبارات ص29).

وأما من المجتبى للطرسوسي فهو كصاحب العنوان أي التسهيل وإليه جنح يوسف زادة في كتابه الائتلاف والأزميري في بدائعه

وأمّا من الكامل فالظاهر منه التسهيل لأنّه ذكر أصحاب التحقيق والإدخال والحذف ثمّ قال : "الباقون بتحقيق الأولى وتليين الثانية شبه مدّة"(الكامل ص414). وإليه جنح الأزميري في بدائعه.

وقد سكت صاحب النشر ويوسف زاده والأزميري والضباع عن مذهب أبي معشر والظاهر أنّه كالهذلي كما سبق تعليل لك.

3 – خلاصة المسألة :
نخلص ممّا سبق أنّ أصحاب مذهب الإبدال هم : صاحب الهداية والداني من جامع البيان والتبصرة وأحد وجهي الكافي والشاطبية ، وأنّ أصحاب مذهب التسهيل هم : صاحب التجريد على الصحيح والتذكرة والإرشاد والعنوان والتلخيص والمجتبى والكامل وطريق أبي معشر والوجه الثاني من الكافي والشاطبية. ويضاف إلى ما سبق إبدل الثانية ياء خالصة مكسورة في {هؤلاء إن كنتم} في البقرة و{على البغاء إن أردن} في النور من طريق الداني عن شيوخه الثلاثة ومن الشاطبية والتذكرة والإرشاد والتلخيص.

ففي قوله تعالى {فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين} تسعة أوجه لا يُمنع منها شيء وهي :

- قصر البدل مع التسهيل من الشاطبية والتذكرة والإرشاد وقراءة الداني على أبي الحسن
- قصر البدل مع إبدال الثانية حرف مدّ مشبع من الشاطبية
- قصر البدل مع إبدال الثانية ياء خالصة مكسورة من الشاطبية والتذكرة والإرشاد وقراءة الداني على أبي الحسن
- توسط البدل مع التسهيل من الشاطبية وتلخيص ابن بليمة ، والتيسير وجامع البيان وهي قراءة الداني على ابن خاقان وفارس ابن أحمد
- توسط البدل مع إبدال الثانية حرف مدّ مشبع من الشاطبية وجامع البيان
- توسط البدل مع إبدال الثانية ياء خالصة مكسورة من الشاطبية ، والتيسير وجامع البيان وتلخيص ابن بليمة وهي قراءة الداني على ابن خاقان وفارس ابن أحمد
- طول البدل مع التسهيل من الشاطبية والتجريد والعنوان والمجتبى والكامل وطريق أبي معشر والكافي
- طول البدل مع إبدال الثانية حرف مدّ من الشاطبية والهداية والتبصرة والوجه الثاني من الكافي
- طول البدل مع إبدال الثانية ياء خالصة مكسورة من الشاطبية

والحمد لله ربّ العالمين.
 
تحرير : باب {يشآءُ إلى }.

تحرير : باب {يشآءُ إلى }.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم

تحرير : باب {يشآءُ إلى }.

قال ابن الجزري : "واختلف أئمتنا في كيفية تسهيل القسم الخامس فذهب بعضهم إلى أنها تبدل واواً خالصة مكسورة وهذا مذهب جمهور القراء من أئمة الأمصار قديماً وهو الذي في الإرشاد والكفاية لأبي العز قال الداني في جامعه وهذا مذهب أكثر أهل الأداء قال وكذا حكى أبو طاهر ابن أبي هاشم أنه قرأ على ابن مجاهد قال وكذا حكى أبو بكر الشذائي أنه قرأ على غير ابن مجاهد. قال وبذلك قرأت أنا على أكثر شيوخي. وقال في غيره وبذلك قرأت على عامة شيوخي الفارسي والخاقاني وابن غلبون. وذهب بعضهم إلى أنها تجعل بين بين أي الهمزة والياء وهو مذهب أئمة النحو كالخليل وسيبويه ومذهب جمهور القراء حديثاً وحكاه ابن مجاهد نصاً عن اليزيدي عن أبي عمرو ورواه الشذائي عن ابن مجاهد أيضاً وبه قرأ الداني على شيخه فارس بن أحمد بن محمد قال وأخبرني عبد الباقي ابن الحسن أنه قرأ كذلك عن شيوخه. وقال الداني أنه الأوجه في القياس وإن الأول آثر في النقل (قلت) وبالتسهيل قطع مكي والمهدوي وابن سفيان وصاحب العنوان وأكثر مؤلفي الكتب كصاحب الروضة والمبهج والغايتين والتلخيص ونص على الوجهين في التذكرة والتيسير والكافي والشاطبية وتلخيص العبارات وصاحب التجريد في آخر فاطر وقال إنه قرأ بالتسهيل على الفارسي وعبد الباقي. وقد أبعد وأغرب ابن شريح في كافيه حيث حكى تسهيلها كالواو ولم يصب من وافقه على ذلك لعدم صحته نقلاً وإمكانه لفظاً فإنه لا يتمكن منه إلا بعد تحويل كسر الهمزة ضمة أو تكلف إشمامها الضم وكلاهما لا يجوز ولا يصح والله تعالى أعلم."(النشر 1/388).

يُفهم من كلام ابن الجزري أنّ أهل الأداء على ثلاثة أقوال في المسألة : (الأول) أصحاب الإبدال وهو مذهب أهل الأداء قديماً وبه قرأ الداني على جميع شيوخه. (الثاني) أصحاب التسهيل وهو مذهب أهل النحو و أهل الأداء حديثاً وبه أخذ صاحب التبصرة والهداية والهادي والعنوان والروضة والمبهج والتلخيص. (الثالث) أصحاب الوجهين وهو مذهب صاحب التذكرة والتيسير والكافي والشاطبية وتلخيص العبارات والتجريد.

1 – بيان أصحاب مذهب الإبدال على ما في النشر : أبو العز القلانسي صاحب الإرشاد والكفاية وغيره وهو ليس من طرق النشر

2 - بيان أصحاب مذهب التسهيل على ما في النشر : وهم صاحب التبصرة والهداية والهادي والعنوان والروضة والمبهج والغايتين والتلخيص.

فأمّا من الهادي والروضة سواء للمالكي أو المعدّل ، وكذا المبهج وتلخيص أبي معشر وغاية ابن مهران وأبي العلاء فليست من طرق النشر.

وأمّا من التبصرة فقال مكي القيسي : فقرأ الكوفيون وابن عامر بتحقيق جميع ذلك – أي الأنواع الخمسة- ، وقرأ الباقون بتحقيق الأولى وتسهيل الثانية ، إن كانت مضمومة فبين الهمزة والواو ، وإن كانت مكسورة فبين الهمزة والياء ، وإن كانت مفتوحة قبلها ضمّة أبدلت منها واواً مفتوحة ، وإن كانت مفتوحة قبلها كسرة أبدلت منها ياء مفتوحة"(التبصرة ص84).

وأمّا من الهداية فقال المهدوي : "وأمّا الهمزتان المختلفتان من كلمتين فأصحاب التحقيق فيهما على عللهم المتقدّمة ، وأصحاب التخفيف إنّما جعلوا الثانية منهما بين الهمزة والحرف الذي منه حركتها ، لأنّ حركتها أولى بها إلاّ أن تنفتح وينضمّ ما قبلها فتُبدل واواً ، أو تنفتح وينكسر ما قبلها فتبدل ياء.."(شرح الهداية ص47). أقول : م يستثن من التسهيل المضمومة بعد المكسورة دلّ ذلك أنّها مسهّلة عنده وجهاً واحداً.

وأمّا من العنوان فقال أبو طاهر :"وإن كانت الثانية مكسورة أو مضمومة جعلوها من الهمزة والحرف الذي منه حركتها ، ولم يحفلوا بحركة ما قبلها نحو ٍالشهداء إذا} و {البغضاء إلى} و {جاء أمّة} وما أشبه ذلك" (العنوان ص47). وقال ابن الجزري في كتابه تحفة الإخوان في الخلف بين الشاطبية والعنوان ص147: "وفي باب {يشاء إلى} نافع وابن كثير وأبو عمرو يجعلون الثانية بين الهمزة والياء وجهاً واحداً".

بيان رواة الوجهين على ما في النشر : وهم : الداني في تيسيره وجامعه وصاحب التذكرة والكافي والشاطبية وتلخيص العبارات والتجريد.

فأمّا من التيسير فقال أبو عمرو الداني : "والمكسورة المضموم ما قبلها تُسهّل على وجهين : تُبدل واواً مكسورة على حركة ما قبلها ، وتُجعل بين الهمزة والياء على حركتها"(التيسير ص153). وقال في جامع البيان عند إيراده للوجهين وانتهاءه من ذكر وجه الإبدال : "وبذلك –أي بالإبدال- قرأت على أكثر شيوخي ، وقد قرأت بالمذهب الأوّل –أي بالتسهيل- على فارس ابن أحمد في مذهب أهل الحرمين وأبي عمرو وهو أوجه في القياس والثاني أكثر في النقل."(جامع البيان ص227). وقد ذكر ابن الجزري في نشره أنّ الداني قرأ به على عامة شيوخه ونقل المنتوري عن الداني نحوه فقال المنتوري : "وقال –أي الداني- في الإيضاح : وبه –أي بالإبدال- قرأت أنا على عامّة شيوخي من أهل العراق والشام ومصر : أبي القاسم الفارسي ، وأبي الفتح الحمصي ، وأبي الحسن الحلبي ، وأبي القاسم الخاقاني وغيرهم."(شرح الدرر ص313). وقد ذكر أبو الحسن ابن غلبون في كتابه التذكرة الوجهين وأخبر أنّه قرأ بهما كما سيأتي وبالتالي تكون قراءة الداني عليه بالوجهين كذلك. ومن هنا نخلص إلى أنّ قراءة الداني على أبي الفتح وأبي الحسن بالوجهين وأنّ قراءته على ابن خاقان تكون بالإبدال فحسب مع أنّه ذكر في التيسير الوجهين ، وبالتالي يكون الأخذ بوجه التسهيل من التيسير خروجاً عن طريق ابن خاقان ، فينبغي في نظري الاقتصار على وجه الإبدال من التيسير. وهذا ينطبق على كلّ وجه ثابت في التيسير لم يقرأ به الداني على ابن خاقان ، فإن لم يُتأكد من قراءة الداني عليه فحينئذ نأخذ بالوجهين اعتباراً بعموم ظاهر التيسير والعلم عند الله تعالى.

وأمّامن التذكرة فقال أبو الحسن : "فقرأ الحرميان وأبو عمرو ورويس بهمز الأولى وجعلوا الثانية بين بين ، فصارت كالياء المختلسة وهو الجيّد وهو مذهب الخليل وسيبويه الذي لا يجوز عندهما غيره ، وهكذا ذكر ابن مجاهد عن اليزيديّ أنّه قال : كان أبو عمرو إذا كانت الأولى مضمومة والثانية مكسورة ، همز الأولى الأولى ونحا بالثانية نحو الياء من غير أن يكسرها ، مثل {الشهداء إذا}. ..." ثمّ قال : "وقد ذهب قوم كثير من المقرئين إلى أنّ هذه الهمزة المليّنة في هذا الضرب تُجعل واواً مكسورة وهو يجوز على مذهب الأخفش ......وقد قرأت بذلك على بعضهم وهو أسهل على اللسان من القول الأوّل."(التذكرة 1/118).

وأمّا من الكافي فقال ابن شريح : "فقرأ ابن عامر والكوفيون بتحقيق الهمزتين في ذلك كلّه ، والباقون يحقّقون الأولى ويسهّلون الثانية إذا كانت مضمومة بين الهموة والواو نحو {جاء أمّة} ، وإن كانت مكسورة فبين الهمزة والياء نحو {نبأ إبراهيم} و {يشاء إنّك} وبعضهم يجعلها إذا انضمّت الأولى بين الهمزة والواو ، ومنهم من يجعلها واواً والأوّل أحسن."(الكافي ص46). فقوله : "بين الهمزة والواو" تعقّبه ابن الجزريّ بقوله : "وقد أبعد وأغرب ابن شريح في كافيه حيث حكى تسهيلها كالواو....."

وأمّامن الشاطبية فقد قال صاحبها : "يشاء إلى كالياء أقيس معدلا وعن أكثر القراء تُبدل واوها."

وأمّا من تلخيص العبارات فقال ابن بليمة :"فقرأ الحرميان وأبو عمرو بهمز الأولى وجعلوا الثانية كالواو المختلسة في جميع القرءان. وحقّق الباقون. ويجوز أن تجعل الثانية ياء ، وقد قرأت به ، وهو مذهب الأخفس وهو أخفّ على اللسان."(تلخيص العبارات ص30). أقول : قوله : "ويجوز أن تجعل الثانية ياء" لعلّه خطأ من النساخ لأنّ ابن الجزري لم يُنبّه على هذا الخطأ كما فعل في الكافي لابن شريح ، والصحيح أن تُجعل الثانية واواً إذ هو مذهب الأخفش في نحو {يشاء إلى} حيث لا يمكن أن تُجعل ياء خالصة في هذا النوع. والعلم عند الله تعالى.

وأمّامن التجريد فقال ابن الفحام في آخر سورة فاطر : "قرأ الحرميان إلاّ الأصفهاني وأبو عمرو {ولا يحيق المكر السيّءُ إلاّ} بهمز الأولى وقلب الثانية واواً مكسورة ، وهذا اختيار ابن مجاهد ، وقال الفارسي وعبد الباقي : بهمز الأولى وتسهيل الثانية كما قدّمت في فصل الهمز فاعرف ذلك."(التجريد ص293).أقول : رواية ابن الفحام من النشر للأزرق من ثلاثة طرق : (الأولى) طريق الخولاني عن النحاس عن الأزرق قرأ بها ابن الفحام على أبي الحسن عبد الباقي. (الثانية) طريق ابن النفيس عن أبي عدي عن ابن سيف عن الأزرق قرأ بها ابن الفحام على ابن النفيس.(الثالثة) طريق الحوفي عن أبي عدي عن ابن سيف عن الأزرق قرأ بها ابن الفحام على عبد الباقي ، فشيوخه من النشر هما ابن النفيس وعبد الباقي. فأمّا عبد الباقي فمذهبه التسهيل كما ذكر ابن الفحام في التجريد وابن الجزريّ في النشر ، وأمّا شيخه ابن النفيس فمذهبه الإبدال لأنّه لم يُذكر مع عبد الباقي والفارسي الآخذيْن بوجه التسهيل. وعليه ينبغي الأخذ بالوجهين من طريق ابن الفحام : التسهيل من قراءته على عبد الباقي والإبدال من قراءته على ابن النفيس ، أمّا الفارسي فلم يسند صاحب النشر رواية الأزرق من طريق ابن الفحام.

وقد سكت صاحب النشر عن مذهب أبي الطيّب ، ومذهبه الوجهان كما هو مذهب ابنه وتلميذه أبي الحسن. قال أبو الطيّب : "فقرأ ابن كثير في روايتيه ونافع وأبو عمرو بتحقيق الأولى ، وتخفيف الثانية فيجعلونها واواً مكسورة مختلسة الكسرة ، هذا قول القراء. وقال أهل اللغة : إنّهم حققوا الأولى ، وخفّفوا الثانية فجعلوها بين الهمزة والياء الساكنة."(الإرشاد 1/335).

وقد سكت عن مذهب صاحب الكامل ، وأثبت له الوجهين الأزميري في بدائعه مع أنّ ظاهر عبارة الهذلي تدلّ على التسهيل فقط. قال الهذلي في هذا النوع وهو النوع الخامس : "...فنافع ، وأبو حاتم عن ابن كثير ، واختيار المسيّبي يحققون الأولى ويُليّنون الثانية" (الكامل ص418).

وقد سكت صاحب النشر أيضاً عن مذهب أبي معشر وقد أثبت له الأزميري الوجهين كالهذلي ، وأنا أقتصر له على وجه التسهيل كما فعلتُ مع الهذلي حيث جرى عمل المحررين على تسوية مذهب أبي معشر بمذهب الهذلي لأنّ الطريق الوحيد لأبي معشر الذي اسند له صاحب النشر عن الأزرق يشترك معه الهذلي فيه ، ولما لم يكن بحوزتي كتاب سوق العروس لأفتش عن مدهب أبي معشر في المسألة سلكت مسلك المحررين ضرورة.

وقد سكت صاحب النشر أيضاً عن مذهب الطرسوسي صاحب المجتبى وهو كمذهب صاحب العنوان أي التسهيل وبه أخذ الأزميري والضباع. وكتاب المجتبى معدود من المفقودين ولما كان الطرسوسي شيخ صاحب العنوان في الإسناد ألحقنا مذهبه بمذهب تلميذه ضرورة.

خلاصة المسألة :
نخلص مما سبق أن المقتصرين على وجه الإبدال هو الداني في تيسيره على الصحيح. والمقتصرين على التسهيل هم : صاحب التبصرة والهداية والعنوان والكامل والمجتبى وطريق أبي معشر. والآخدين بالوجهين هم الإمام الشاطبي والداني من قراءته على أبي الحسن وأبي الفتح من جامع البيان وصاحب التذكرة والإرشاد والكافي و تلخيص العبارات والتجريد.

ففي قوله تعالى { يهدي من يشاء إلى } إلى قوله { وما كان الله ليضيع إيمانكم } ستة أوجه من الشاطبية والطيّبة جميعاً.

- الإبدال مع قصر البدل من الشاطبية والتذكرة والإرشاد وقراءة الداني على أبي الحسن
- الإبدال مع التوسط من الشاطبية وتلخيص العبارات والتيسير وجامع البيان وبه قرأ الداني على ابن خاقان وفارس ابن أحمد
- الإبدال مع الطول من الشاطبية والكافي في أحد وجهيهما وكذا التجريد من طريق ابن النفيس.
- التسهيل مع القصر من الشاطبية والتذكرة والإرشاد وقراءة الداني على أبي الحسن
- التسهيل مع التوسط من الشاطبية وتلخيص العبارات وجامع البيان وبه قرأ الداني على أبي الفتح
- التسهيل مع الطول من الشاطبية والتبصرة والهداية والعنوان والكامل والمجتبى وطريق أبي معشر والكافي والتجريد من طريق عبد الباقي.

فائدة : قد ذكر ابن الجزري أن مذهب المتقدمين هو الإبدال خلافاً لمذهب المتأخرين. السؤال : كيف يخالف المتأخرون المتقدمين وهم أشياخهم في الرواية ؟؟. الجواب : إنما خالفوهم لقوّة الإبدال قياساً ، وذلك جائز شريطة ثبوت الوجهين عندهم في الرواية ، فإذا ثبتا عندهم فلهم أن يختاروا وجهاً أو يقدموه على الآخر لقوته في القياس والعربية ، وإنما المحظور أن يستبدلوا ما ثبت عندهم بالرواية بوجه قوي في القياس لم يقرءوا به. وهده المسألة تُشبه الإدغام الكبير الذي يسبقه ساكن صحيح في نحو {من بعد ظلمه} حيث جرى عمل المتقدمين على الإدغام المحض خلافاً للمتأخرين الذين أخذوا بالإخفاء.
 
تحرير : (أرأيتكم، ، وأرأيت) وشبهه.

تحرير : (أرأيتكم، ، وأرأيت) وشبهه.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد

تحرير : (أرأيتكم، ، وأرأيت) وشبهه.

قال ابن الجزريّ في كتابه النشر : "(السادس) أن تكون الهمزة مفتوحة بعد فتح فاتفق نافع وأبو جعفر على تسهيلها بين بين في رأيت إذا وقع بعد همزة الاستفهام نحو (أرأيتكم، وأرأيتم، وأرأيت، وأفرأيتم) حيث وقع. واختلف عن الأزرق عن ورش في كيفية تسهيلها فروى عنه بعضهم إبدالها ألفاً خالصة وإذا أبدلها مد لالتقاء الساكنين مداً مشبعاً على ما تقرر من باب المد وهو أحد الوجهين في التبصرة والشاطبية والإعلان وعند الداني في غير التيسير وقال في كتابه التنبيه أنه قرأ بالوجهين، وقال مكي وقد قيل عن ورش إنه يبدلها ألفاً وهو أحرى في الرواية لأن النقل والمشافهة إنما هو بالمد عنه وتمكين المد إنما يكون مع البدل وجعلها بين بين أقيس على أصول العربية قال وحسن جواز البدل في الهمزة وبعدها ساكن أن الأول حرف مد ولين. فالمد الذي يحدث مع السكون يقوم مقام حركة يتوصل بها إلى النطق بالساكن انتهى. وقال بعضهم إنه غلط عليه. قال أبو عبد الله الفارسي ليس غلطاً عليه بل هي رواية صحيحة عنه فإن أبا عبيد القاسم بن سلام رحمه الله روى أن أبا جعفر ونافعاً وغيرهما من أهل المدينة يسقطون الهمزة غير أنهم يدعون الألف خلفاً منها فهذا يشهد بالبدل. وهو مسموع من العرب، حكاه قطرب وغيره (قلت) والبدل في قياس البدل في (أأنذرتهم) وبابه إلا أن بين بين في هذا أكثر وأشهر وعليه الجمهور والله أعلم."(النشر 1/398).

يُفهم من كلام ابن الجزريّ أنّ أهل الأداء عن الأزرق اختلفوا في الهمزة الثانية من {أرأيت} حيثما وقعت وكيفما جاءت إلى مذهبين : الأوّل : أبدالها حرف مدّ مشبع وهو أحد وجهي التبصرة والشاطبية والإعلان والداني في غير التيسير ، والباقون بالتسهيلها بين الهمزة والألف.

فأمّا من التبصرة فقال مكي القيسي : " قرأ نافع {أَرأيت} و{أرأيتكم} و{أرأيتم} إذا كان في أوّله همزة بتخفيف الهمزة الثانية ، يجعلها بين الهمزة المتحرّكة والألف. وقيل : رُوي عن ورش أنّه يُبدلها ألفاً ، وهو أخرى في الرواية لأنّ النقل والمشافهة إنّما هو بالمدّ عنه ، وتمكين المدّ يكون مع البدل ، وجعلها بين بين أقيس على أصول العربية إلاّ أنّ المدّ ليس يكون مشبعاً كالبدل."(التبصرة 202). أقول : الثابت عنده في الرواية الإبدال لقوله : "لأنّ النقل والمشافهة إنّما هو بالمدّ عنه ، وتمكين المدّ يكون مع البدل". وعليه فإنّي أقتصر له على وجه الإبدال.

وأمّا من الشاطبية فقال صاحبها : (وعن نافع سهّل وكم مُبدل جلا) أي سهّل عن نافع إضافة إلى وجه الإبدال لورش المرموز له بالجيم في (جلا).

وأمّا من الإعلان فليس من طريق الأزرق.

وأمّا الداني فقال في تيسيره : "نافع {أرايتكم} و {أرايتم} و {أرايت} و {أفرايت} يُسهل الهمزة التي بعد الراء.(التيسير ص275). وقال في جامع البيان لنافع :"بتسهيل الهمزة الثانية التي بعد الراء ، فتكون بين الهمزة والألف"(جامع البيان ص389). وأمّا الإبدال في غير التيسير فهو من كتاب إيجاز البيان وأرشاد المتمسّكين على ما ذكر المنتوري ، إلاّ أنّه لم يذكر على من قرأ الداني بهذا الوجه لنُدرك مدى صحّة هذه الرواية من النشر عنه ، فأمّا قراءته على أبي الحسن فبالتسهيل كما يظهر من التذكرة وأمّا قراءته على أبي الفتح وابن خاقان فبالتسهيل أيضاً على ما يبدو من التيسير وجامع البيان ، وعليه فيكون ذكر ابن الجزريّ لوجه الإبدال عن الداني في النشر على سبيل الحكاية لا الرواية ، وأغرب كيف أدرج يوسف زادة والأزميري وجه الإبدال عن الداني بقولهما : والإبدال عن الداني في غير التيسير مع جهالة المصدر والرواية. ويجدر التنبيه أيضاً أنّ ابن برّي أدرج هذا الوجه في نظمه الموسوم بالدرر اللوامع مع أنّه غير موجود في التيسير ولا دليل يُثبت قراءة الداني على ابن خاقان بهذا الوجه.

وأمّا من التذكرة فقال أبو الحسن بن غلبون : "وقرأ نافع {قل أرأيتكم} و {أرأيتم} و {أرأيت} و {أرأيتك} وما أشبه هذا ، ممّا قبل الراء همزة وبعدها همزة : بهمز الأولى وجعل الثانية بين الهمزة والألف ، فتكون كالمدّة في اللفظ حيث وقع"(التذكرة 2/323).

وأمّا من العنوان فقال أبو طاهر : "{أريتكم} و { أريت} و{اريتم} بغير همز حيث وقع ، الكسائي. الباقون (أرأيتكم) و{أَرأيت} و{أرأيتم} بهمزة بعد الراء حيث وقع، إلا أن نافعا يلين الهمزة فتصير كالمدة اليسيرة في اللفظ.(العنوان ص90).). وقال ابن الجزريّ في التحفة :"{أرأيت} كيف أتى بتخفيف الهمزة بين بين ورش وجهاً واحداً كقالون."(تحفة الإخوان ص192).

وأمّا من الإرشاد قال عبد المنعم :"وقرأ نافع وحده {أرءيتكم} و {أرءيتم} و {أرءيت} بهمز الأولى وبجعل الثانية بين بين "(الإرشاد 2/615).

وأمّا من التلخيص فقال ابن بليمة : "قرأ نافع {أرأيت} كيف تصرّف بتسهيل الهمزة الثانية"(تلخيص العبارات ص87).

وأمّا من التجريد فقال ابن الفحام : "قرأ نافع {أرأيتكم} و{أَرأيت} و{أرأيتم} بتسهيل الهمزة الثانية إذا كان استفهاماً في جميع القرءان."(التجريد ص217).

وأمّا من الكافي فقال ابن شريح : "قرأ نافع {أرأيتكم} و{أرأيتم} و{أَرأيت} ز {أفرأيت} وشبهه مما قبل رائه همزة بتسهيل الهمزة الثانية بين بين"(الكافي ص108).

وأمّا من الهداية فقال المهدوي : "فأمّا من جعل الهمزة بين بين فهو وجه التخفيف في الهمزة المتحرّكة المتحرّكة ما قبلها"(شرح الهداية ص277). وما أشار إلى وجه الإبدال البتّة.

وأمّا من الكامل فقال الهذلي : "{أرءيتم} بغير همز علي وأبو السمال وليّن همزها مدني ، الباقون بهمزتين وهو الاختيار."(الكامل ص381).

وأمّا من المجتبى فهو كمذهب العنوان أي التسهيل وبه أخذ يوسف زادة و الأزميري.

وأمّا من طريق أبي معشر فهو كالهذلي أي التسهيل والعلم عند الله تعالى.

نخلص ممّا سبق أنّ الإبدال هو مذهب صاحب التبصرة وأحد وجهي الشاطبية وأنّ التسهيل مذهب الباقين وهو الوجه الثاني في الشاطبية

ففي قوله تعالى {أفرايت الذي كفر بآياتنا} الآية ستّة أوجه كلّها صحيحة من الشاطبية والطيّبة ولا يُمنع منها شيء.
- الإبدال مع قصر البدلين من الشاطبية
- الإبدال مع التوسط من الشاطبية
- الإبدال مع الطول من الشاطبية والتبصرة
- التسهيل مع القصر من الشاطبية والتذكرة والإرشاد وبه قرأ الداني على أبي الحسن
- التسهيل مع التوسط من الشاطبية التيسير وجامع البيان وتلخيص ابن بليمة وبه قرأ الداني على ابن خاقان وفارس ابن أحمد
- التسهيل مع الطول من الشاطبية والعنوان والكافي والكامل والتجريد والمجتبى وطريق أبي معشر الطبري.
 
تحرير {هأنتم} :

تحرير {هأنتم} :

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد

تحرير {هأنتم} :

قال ابن الجزريّ : "وأما (هانتم) في موضعي آل عمران وفي النساء والقتال فاختلفوا في تحقيق الهمزة فيها وفي تسهيلها وفي حذف الألف منها، فقرأ نافع وأبو عمرو وأبو جعفر بتسهيل الهمزة بين بين. واختلف عن ورش من طريقيه فورد عن الأزرق ثلاثة أوجه:
(الأول) حذف الألف فيأتي بهمزة مسهلة بعد الهاء مثل (هعنتم) وهو الذي لم يذكر في التيسير غيره وهو أحد الوجهين في الشاطبية والإعلان.
(الثاني) إبدال الهمزة ألفاً محضة فتجتمع مع النون وهي ساكنة فيمد لالتقاء الساكنين. وهذا الوجه هو الذي في الهادي والهداية وهو الوجه الثاني في الشاطبية والإعلان.
(الثالث) إثبات الألف كقراءة أبي عمرو وأبي جعفر وقالون إلا أنه مشبعاً على أصله وهو الذي في التبصرة والكافي والعنوان والتجريد والتلخيص والتذكرة وعليه جمهور المصريين والمغاربة."

أقول وبالله التوفيق :

المذهب الأوّل على ما في النشر : تسهيل الهمزة مع حذف الألف : هو مذهب صاحب التيسير وأحد وجهي الشاطبية والإعلان.

فأمّا من الإعلان فليس من طرق النشر.

وأمّا من التيسير فقال أبو عمرو : " نافع وأبو عمرو {هأنتم} حيث وقع بالمد من غير همز وورش أقلّ مداً"(التيسير ص252). ومراده بغير همز أي تسهيل الهمزة بإلغاء نبرتها وهو الثابت عن قالون وأبي عمرو إلاّ أنّهم يُثبتون المدّ ، وورش أقلّ منهم أي بحذف المدّ إذ ما كان دون القصر لقالون والبصري لا يُفسّر إلاّ بالحذف. أمّا الآخذين بوجه الإبدال من طريق الداني كابن بريّ في الدرر اللوامع فسببه والله أعلم أنّ الداني ذكر هذا الوجه للنحّاس عن الأزرق في جامع البيان وهو طريقه من قراءته على ابن خاقان وفارس ابن أحمد ، وليس في أقواله ما يدلّ أنّه قرأ عليهما بهذا الوجه بل ظاهر عبارته في الجامع أنّه ذكر هذا الوجه للنحاس على سبيل الحكاية لا الرواية ، قال في جامع البيان : "وأمّا ما حكاه النحاس عن أبي يعقوب وما رواه أحمد بن صالح عنه من أنّه يمدّ فوجهه أن يكونا يرويان عنه إبدال الهمزة ألفاً خالصة كرواية عامة أصحاب أبي يعقوب الأزرق عنه ذلك في الاستفهام نحو {ءأنذرتهم} وبابه ، وإذا أبدلت إبدالاً صحيحاً لم يُجعل بين بين على القياس"انتهى كلامه.
وهذا لا يعني أنّ النحاس لم يأخذ إلاّ به إذ لو كان الأمر كذلك لوجب الأخذ به من جميع المصادر النشرية المسندة من طريق النحاس عن الأزرق بما فيه طريق التيسير وهذا لم يحدُث.

وأمّا أحد الوجهين من الشاطبية فقال صاحبها : (ولا ألف في ها هأنتم زكا جناً / وسهّل أخا حمد وكم مُبدل جلا). أي بحذف الألف (جنا) مع التسهيل (أخا). ويجوز له الإبدال (جلا).


المذهب الثاني على ما في النشر : إبدال الهمزة حرف مدّ مشبع : هو مذهب صاحب الهادي والهداية والوجه الثاني من الشاطبية والإعلان.

فأمّا من الهادي والإعلان فليسا من طرق النشر.

وأمّا من الهداية فقال المهدوي : "وكذلك ورش على أصله في همزة الاستفهام إذا دخلت على همزة مفتوحة أنّه يُبدل الثانية ألفاً ففعل ذلك في {هأنتم} لأنّ أصل الهاء عنده همزة"(شرح الهداية ص225)."

وأما من الشاطبية فسبق ذكره مع المذهب الأوّل.


المذهب الثالث على ما في النشر : إثبات الألف مع تسهيل الهمزة : هو مذهب صاحب التبصرة والكافي والعنوان والتجريد والتلخيص والتذكرة وعليه جمهور المصريين والمغاربة.

فأمّا من التبصرة فقال مكي القيسي : "وقرأ نافع وأبو عمرو بالمدّ من غير همز"(التبصرة ص460).

وأمّا من الكافي فقال ابن شريح : " وقرأ نافع وأبو عمرو بالمد من غير همز."(الكافي ص93).

وأمّا من العنوان فقال أبو طاهر : "{هأنتم} ممدوداً غير مهموز نافع وأبو عمرو"(العنوان ص79). وقال ابن الجزري في تحفة الإخوان : "وأثبت الألف في {هأنتم} حيث وقع مع تسهيل الهمزة ورش كقالون وأبي عمرو وجهاً واحدا.ً"(تحفة الإخوان ص190).

وأمّا من التجريد فقال ابن الفحام :" وقرأ بألف بين الهاء والهمزة من بقي – أي من غير قنبل- وسهّل الهمزة نافع وأبو عمرو وحققها من بقي."(التجريد ص203).

وأما من التلخيص فقال ابن بليمة : "وقرأ نافع وأبو عمرو بتسهيل الهمزة وألف ممدودة بين الهاء والهمزة."(تلخيص العبارات ص76).

وأمّا من التذكرة فقال أبو الحسن : " وقرأ نافع وأبو عمرو بالمد من غير همز "(التذكرة 2/289).

وقد سكت صاحب النشر عن صاحب الإرشاد والكامل والمجتبى وأبي معشر الطبري.

فأمّا من الإرشاد فمذهبه الإثبات مع التسهيل كمذهب تلميذه وابنه أبي الحسن. قال أبو الطيّب : " وقرأ نافع وأبو عمرو {هأنتم} بالمد من غير همز حيث وقع"(الإرشاد 2/579).

وأمّا من الكامل فقال الهذلي : "الباقون عن أبي عمرو ونافع وأبي جعفر وشيبة وأيوب بالمد بغير همز"(الكامل ص405). وقد ذكر وجه : عدم المد والهمز أي التسهيل مع الحذف للأزرق لكن من طريق الطائي ، وورش من رواية البخاري. وعليه فيكون مذهبه التسهيل ، وإليه ذهب العلامة الضباع في المطلوب.

وأمّا من المجتبى فهو كمذهب تلميذه صاحب العنوان ، وإليه جنح العلامة الضباع في المطلوب.

وأمّا طريق أبي معشر فهو كمذهب صاحب الكامل، وإليه ذهب العلامة الضباع في المطلوب.

ويؤيّد في أخْذِنا بوجه التسهيل مع الإثبات من المجتبى وطريق أبي معشر قول ابن الجزريّ في نشره : "وعليه جمهور المصريين والمغاربة.".

وقد ذكر الضباع هذا الوجه من جامع البيان للداني وفيه نظر إذ لم يشتهر هذا الوجه عن الداني ولم يتّضح لي في جامع البيان ، فلعلّه اعتمد في ذلك على قول ابن الجزري"وعليه جمهور المصريين والمغاربة". والعلم عند الله تعالى.

ويجدر التنبيه أنّ إثبات حرف المدّ مع التسهيل يكون بالطول والقصر لوقوعه قبل همز مغيّر بالتسهيل مع تقديم المدّ ، وهذه قاعدة عامّة لا تخضع للتحرير وبها أخذ الأزميري في بدائعه في هذه الجزئيّة وغيرها من نفس الجنس حيث أثبت وجه القصر للآخذين بهذا المذهب. والعلم عند الله تعالى.

ففي قوله تعالى {هأنتم أولاء } إلى قوله تعالى{قالوا ءامنا} تسعة أوجه من الطيّبة وستة منها من الشاطبية وهي كالتالي :

- التسهيل مع الحذف وقصر البدل من الشاطبية
- التسهيل مع الحذف وتوسط البدل من الشاطبية والتيسير وجامع البيان
- التسهيل مع الحذف وطول البدل من الشاطبية
- الإبدال مع قصر البدل من الشاطبية
- الإبدال مع التوسط من الشاطبية
- الإبدال مع الطول من الشاطبية والهداية
- التسهيل مع الإثبات وقصر البدل من التذكرة والإرشاد وقراءة الداني على أبي الحسن
- التسهيل مع الإثبات وتوسط البدل من تلخيص ابن بليمة
- التسهيل مع الإثبات والطول من التبصرة والتجريد والعنوان والكافي والكامل والمجتبى وطريق أبي معشر.

أكتفي بهذا القدر والحمد لله ربّ العالمين.
 
تحرير ذوات الياء في غير رؤوس الآي

تحرير ذوات الياء في غير رؤوس الآي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد

تحرير ذوات الياء في غير رؤوس الآي.

قال ابن الجزريّ : "واختلف أيضاً عن الأزرق فيما كان من ذوات الياء ولم يكن رأس آية على أي وزن كان نحو: هدى، ونأى، ورمى. وابتلى، ويخشى، ويرضى، والهدى، وهداي، ومحياي. والزنا، وأعمى، ويا أسفي، وخطايا، وتقاته، ومتى، وإناه، ومثوى، ومثواي، والمأوى، والدنيا، ومرضى، وطوبى، ورؤيا، وموسى، وعيسى، ويحيى، واليتامى، وكسالى، وبلى. وشبه ذلك فروى عنه إمالة ذلك كله بين بين أبو طاهر بن خلف صاحب العنوان وعبد الجبار الطرسوسي صاحب المجتبى وأبو الفتح فارس بن أحمد وأبو القاسم خلف بن خاقان وغيرهم وهو الذي ذكره الداني في التيسير والمفردات وغيرهما وروى عنه ذلك كله بالفتح أبو الحسن طاهر ابن غلبون وأبوه أبو الطيب وأبو محمد مكي بن أبي طالب وصاحب الكافي وصاحب الهادي وصاحب الهداية وصاحب التجريد وأبو علي بن بليمة وغيرهم وأطلق الوجهين له في ذلك الداني في جامعه وغيره وأبو القاسم الشاطبي والصفراوي ومن تبعهم والوجهان صحيحان" (النشر 2/49و50).

يُفهم من كلام ابن الجزريّ أنّ الوارد في ذوات الياء غير رءوس الآي وغير ذوات الراء مذهبان : الأول : التقليل وهو مذهب صاحب العنوان والمجتبى والتيسير وهي قراءة الداني على أبي الفتح وابن خاقان وهو أحد الوجهين في الشاطبية والإعلان وجامع البيان.
الثاني : الفتح وهو مذهب صاحب التذكرة والإرشاد والتبصرة والكافي والهادي والهداية والتجريد والتلخيص وبه قرأ الداني على أبي الحسن وهو الوجه الثاني في الشاطبية.

أصحاب مذهب التقليل على ما في النشر : وهم صاحب العنوان والمجتبى والتيسير وأحد الوجهين من الشاطبية والإعلان وجامع البيان.

فأمّا من العنوان فقال أبو طاهر : "وقرأ نافع جميع ذلك بين اللفظين"(العنوان ص60).

وأمّا من المجتبى فالظاهر من النشر التقليل وهو الموافق لما في العنوان.

وأمّا من التيسير فقال أبو عمرو الداني : "وقرأ ورش جميع ذلك بين اللفظين إلاّ ما كان من ذلك في سورة أواخر آيها على هاء ألف...... "(التيسير ص178).

وأما من جامع البيان فقال الداني : "واختلف عن نافع في كلّ ما تقدّم من الأسماء والأفعال فقرأت له في رواية ابن عبدوس عن أبي عمر عن إسماعيل ، وفي رواية ابن سعدان عن المسيّبي ، وفي رواية القاضي عن قالون ، وفي رواية أبي عون عن الحلواني عنه ، وفي رواية الجماعة عن ورش ما خلا الأصبهانيّ وحده عند جميع ذلك بين الفتح والإمالة سواء وقع ذلك حشواً أو في فاصلة."(جامع البيان ص311). وقال :" وأقرأني ابن غلبون عن قراءته في رواية أبي يعقوب عن ورش ما كان ذلك في راء اسماً كان أو فعلا نحو {الذكرى} و {البشرى} و {العسرى} و {اليسرى} و {ذكرى} و {يتوارى} و {قد نرى} و {أراكهم} وما أشبهه. أو وقع في فاصلة في سورة فواصلها على ياء نحو والنجم ، و عبس وما أشبههما بين اللفظين ما عدا ذلك أخلص الفتح"(جامع البيان ص 311).
أقول : الذي يظهر من جامع البيان ومن النشر أنّ للداني مذهبان مذهب التقليل وبه قرأ على ابن خاقان وفارس ابن أحمد بقوله : "وفي رواية الجماعة عن ورش" ثم استثنى من الجماعة قراءته على أبي الحسن بالفتح وهو الموافق لما في التذكرة ، وبالتالي تكون قراءته على ابن خاقان وفارس ابن أحمد بالتقليل ، وعلى أبي الحسن بالفتح.

وأمّّا من الشاطبية فقال صاحبها : (و ذو الراء ورش بين بين وفي أراكهم وذوات اليا له الخلف جُمّلا).

وأمّا من الإعلان فليس من طرق النشر.

أصحاب مذهب الفتح على ما في النشر : وهمصاحب التذكرة والإرشاد والتبصرة والكافي والهادي والهداية والتجريد والتلخيص وبه قرأ الداني على أبي الحسن وهو الوجه الثاني في الشاطبية وجامع البيان والإعلان.

فأما من التذكرة فإنّ أبا الحسن ذكر الخلاف في كلّ وزن من أوزان الكلمة التي تخضع للإمالة فلم يذكر التقليل إلاّ في الألفات الواقعة بعد الراء وفي رؤوس الآي المعلومة. انظر التذكرة 1/من ص 191 إلى ص211. وعليه فيكون مذهبه الفتح وبه قرأ الداني عليه وهو الوجه الثاني له من جامع البيان.

وأمّا من الإرشاد فإنّ عبد المنعم كان يقول بعد ذكر كلّ وزن من الأوزان المعنيّة : "وقرأ ورش عن نافع كلّ ما كان فيه راء بعدها ياء بين اللفظين ، وما كان في أواخر الآي من السور التي آخر آياتها ياء بين اللفظين أيضاً ، وما سوى ذلك بالفتح". فيكون مذهبه كمذهب تلميذه وابنه أبي الحسن.

وأمّا من التجريد فلم أجد في الكتاب إشارة إلى التقليل سواء في رؤوس الآي أو في غيرها ، ولذلك قال ابن الجزريّ عند ذكره المذاهب الأربعة للأزرق : "الثاني : الفتح مطلقاً رؤوس الآي وغيرها وهذا مذهب أبي القاسم بن الفحام صاحب التجريد." (النشر 2/51). وأمّا ذوات الراء فحكمها التقليل عنده وذكرها في باب الراءات حيث قال : "وتجيء هذه الراء بعدها ألف منقلبة عن ياء أو ألف التأنيث مقصورة أو ألف فُعالى و فَعالى نحو {إلاّ اعتراك} و {الكبرى} و {النصارى} و {سكارى} ، أو يكون بعدها ألف وبعد الألف راء مكسورة نحو {الأشرار} و {القرار} فهذه الشروط إذا وقعت بعد الراء لم يعتبر بما قبلها ، وتكون في جميع هذه المُثُل رقيقة...."(التجريد 178). فقوله رقيقة دلالة على الإمالة بين بين.

وأمّا من التبصرة فقال مكي القيسي : "وأما ورش فقرأ جميع ما أماله أبو عمرو بالإمالة مما فيه راء بين اللفظين خلا {ولو أراكهم} في الأنفال فإنّ ورشاً روى عن نافع الفتح فيه ، وكان يختار بين اللفظين ، وبالوجهين قرأت"(التبصرة ص137).

وأمّا من التلخيص فقال ابن بليمة : "وقرأ ورش جميع ذلك بين اللفظين إلاّ ما كان من ذلك في سورة أواخر آيها (ها ألف) فإنّه أخلص الفتح فيه ، وهذا الذي لا يوجد غيره."(تلخيص العبارات ص46). أقول : كلامه صريح على أخذه بوجه التقليل خلافاً لظاهر النشر ، وعليه فإننا نأخذ له بوجه التقليل والعلم عند الله تعالى.

وأمّا من الكافي فقال ابن شريح : "وجميع ما أماله أبو عمرو من هذا الفصل فورش يقرؤه بين اللفظين إلاّ {أعمى} فإنّه فتحها."(الكافي ص61). ولما كان مذهب أبي عمرو البصري الإمالة إلاّ في ذوات الراء كان مذهب الورش كذلك مع بين بين دون غيرها مما لم تكن من ذوات الراء ، والصريح في هذه العبارة هو قوله : إلاّ {أعمى} أي بالفتح.

وأمّا من الهداية للمهدوى فالذي يظهر في شرح الهداية هو الفتح إلاّ ما كان من رؤوس الآي حيث يقول المهدوي : ووافقه ورش –أي أباعمرو- على هذا الأصل قراءة رؤوس الآي المتوالية التي هي من ذوات الياء بين اللفظين وخالفه إذا جاء بعد الألف ضمر المؤنّثة الغائبة."(شرح الهداية ص107). وأما ذوات الراء فقد ذكرها في باب الراءات فقال :"ألا ترى أنّ ورشاً لم يقصد من هذه الراءات التي بعدها هذه الألفات إلى ترقيق الراء ، وإنّما قصد إلى جعل الألف بين اللفظين ، فلمّا جعلها بين اللفظين أتبعها ما قبلها فصارت الراء مرقّقه إتباعاً للألف ، إذ الألف لا يكون ما قبلها إلاّ تبعاً لها"(شرح الهداية ص146).

وقد سكت صاحب النشر عن مذهب صاحب الكامل ولم أجد فيه وجه التقليل إلاّ ما كان من ذوات الراء حيث قال : أمال كلّ راء بعدها ياء نحو {بشراي} .........حمزة والكسائي وخلف ومحمد .......وباقي أهل المدينة"( الكامل ص 332). وذكر الأزميري الوجهين له وتبعه في ذلك المتولّي وتبع المتولّي الضباع في كتابه المطلوب ولا أدري على أيّ أساس أخذوا له بوجه التقليل مع أنّ الفتح هو مذهب جمهور المغاربة كما قال ابن الجزري عند ذكره مراتب الإمالة لورش : "إمالة بين بين في رؤوس الآي فقط سوى ما فيه ضمير التأنيث فالفتح وكذلك مالم يكن رأس آية ، وهذا مذهب أبي الحسن بن غلبون ومكي وجمهور المغاربة"(النشر 2/51). أقول : فإلم يظهر لنا سبب أخذ الأزميري بالوجهين من الكامل وكان مذهبه مخالفاً لظاهر النشر والكامل فمن الضرورة أن نأخذ بظاهر المصدرين وهو الفتح ، والعلم عند الله تعالى.

وقد سكت عن صاحب أبي معشر ومذهبه كمذهب صاحب الكامل أي الفتح.

خلاصة المسألة :
نخلص ممّا سبق أنّ التقليل هو مذهب صاحب العنوان والمجتبى والتيسير وتلخيص العبارات على الصحيح وأحد الوجهين من الشاطبية ، ومن جامع البيان من قراءة الداني على ابن خاقان وأبي الفتح.
والفتح هو مذهب صاحب التذكرة والإرشاد والتبصرة والكافي والهداية والتجريد والكامل وطريق أبي معشر وهو الوجه الثاني في الشاطبية. وفي جامع البيان من قراءة الداني على أبي الحسن.

ففي قوله تعالى : {وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى} أربعة أوجه من الشاطبية والطيّبة جميعاً وهي كالتالي :

- قصر البدل مع الفتح من الشاطبية والتذكرة والإرشاد وجامع البيان من قراءة الداني على أبي الحسن.
- توسط البدل مع التقليل من الشاطبية والتيسير وتلخيص العبارات ، ومن جامع البيان من قراءة الداني على ابن خاقان وفارس ابن أحمد.
- الطول مع الفتح من الشاطبية والتبصرة والكافي والهداية والتجريد والكامل وأبي معشر
- الطول مع التقليل من الشاطبية والعنوان والمجتبى.

أمّا القصر مع التقليل فمنعه ابن الجزريّ من الشاطبية في مسائله التبرزيّة وليس لنا إلاّ اتّباعه لأنّ مصادر الشاطبية مجهولة وإعادة النظر فيما حرّره من طرقها متوقّف على معرفتها وهو متعذّر لحدّ الآن. أمّا من الطيّبة فممكن من تلخيص العبارات لابن بلّيمة إذا أخذنا بظاهر النشر في قصر البدل وظاهر التلخيص في التقليل ولكنّنا لم نأخذ بالقصر لأنّ ابن الجزريّ لم يقرأ به من طريقه.

أمّا التوسط مع الفتح فقد أجازه ابن الجزريّ في مسائله التبرزية من طريق التلخيص حيث يقول :
كآتى لورش افتح بمد وقصره *******وقلّل مع التوسيط والمد مكملا
لحرز وفي التلخيص فافتح ووسطن *******وقصر مع التقليل لم يكن للملا

وقد تبيّن أنّ الصحيح من التلخيص هو التقليل وليس الفتح. قال ابن بليمة : "وقرأ ورش جميع ذلك بين اللفظين إلاّ ما كان من ذلك في سورة أواخر آيها (ها ألف) فإنّه أخلص الفتح فيه."(تلخيص العبارات ص46). وقد أجاز بعض المحرّرين هذا الوجه من طريق مكي القيسي ، وحتّى إن سلمنا أنّه ثابت عنه إلاّ أنّ ابن الجزري لم يقرأ به من طريقه ولا يظهر صريحاً في كتاب التبصرة. وقد ضعّف هذا الوجه يوسف زادة في كتابه الائتلاف واعتبره انفراداً من ابن بليمة ومخالفاً لشرط ابن الجزريّ الذي اشترط الشهرة. قال يوسف زاده : "وأمّا الوجه الخامس وهو الفتح مع التوسط فلم نأخذ به ، وإن جاء من طريق التلخيص لابن بليمة لقلّة أخذ به بل انفرد بن بليمة ، وقد عرفت مسلكنا في هذا الفنّ وهو الأخذ بالعزائم لا بالرخصة.".
وأمّا منعه من الشاطبية فلأنّ ابن الجزريّ منعه كما يظهر في البيتين المذكورين وليس لنا إلاّ اتّباعه لجهالة مصادر الشاطبية.

وعليه فيكون عدد الأوجه أربعة سواء من الشاطبية أو من الطيّبة وليس في الطيّبة ما يزيد على ما في الشاطبية اللهمّ إلاّ إذا أخذنا بالقصر مع التقليل من طريق التلخيص وقد جرى منهجنا على منعه لأنّ القصر لا يثبت بالأداء عن ابن الجزريّ من طريق التلخيص.

أكتفي بهذا القدر.
والحمد لله ربّ العالمين.
 
تابع لما قبله

تابع لما قبله

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد

فعند اجتماع ذات ولين مهموز كما في قوله تعالى { وعسى أن تكرهوا شيئاً } الآية : أربعة أوجه كلّها صحيحة من الشاطبية والطيّبة وهي كالتالي :
- الفتح مع التوسط من التذكرة والإرشاد والتبصرة والكامل وطريق أبي معشر وأحد وجهي والكافي وجامع البيان من قراءة الداني على أبي الحسن وأحد الأربعة من الشاطبية
- الفتح مع الطول من طريق الهداية والتجريد والثاني من الشاطبية والكافي
- التقليل مع التوسط من التيسير والتلخيص والعنوان والثاني من جامع البيان من قراءة الداني على ابن خاقان وفارس ابن أحمد والثالث من الشاطبية
- التقليل مع الطول من المجتبى والرابع من الشاطبية.

وعند اجتماع لين مهموز وذات وبدل كما في قوله تعالى { واعلموا أنّما غنمتم من شيء فأنّ لله خمسه والرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله } الآية ، ستة أوجه كلّها صحيحة من الشاطبية والطيّبة وهي كالتالي :
- توسط اللين مع الفتح وقصر البدل : من والتذكرة والإرشاد وأحد أوجه الشاطبية وجامع البيان من قراءة الداني على أبي الحسن
- توسط اللين مع الفتح وطول البدل من التبصرة والكامل وطريق أبي معشر وأحد أوجه الكافي والثاني من الشاطبية
- توسط اللين مع التقليل وتوسط البدل من التيسير والتلخيص والثاني من جامع البيان من قراءة الداني على ابن خاقان وفارس ابن أحمد والثالث من الشاطبية
- توسط اللين مع التقليل وطول البدل من العنوان والرابع من الشاطبية
- طول اللين مع الفتح وطول البدل من الهداية والتجريد والثاني من الكافي والخامس من الشاطبية
- طول اللين مع التقليل وطول البدل من المجتبى والسادس من الشاطبية

والعلم عند الله تعالى.
 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد

تحرير {ولو أراكهم}.

قال ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى : "واختلف عن الأزرق في (أراكهم) في الأنفال فقطع له بالفتح فيه صاحب العنوان وشيخه عبد الجبار وأبو بكر الأدفوي وبه قرأ الداني على أبي الفتح فارس وقطع بين بين صاحب تلخيص العبارات والتيسير والتذكرة والهداية وقال إنه اختيار ورش وإنّ قراءته على نافع بالفتح وكذلك قال مكي إلا أنه قال وبالوجهين قرأت. وقال صاحب الكافي إنه قرأه بالفتح: قال وبين اللفظين أشهر عنه (قلت) وبه قرأ الداني على ابن خاقان وابن غلبون: وقال في تمهيده وهو الصواب: وقال في جامعه وهو القياس. قال وعلى الفتح عامة أصحاب ابن هلال وأصحاب أبي الحسن النحاس وأطلق له الخلاف أبو القاسم الشاطبي والوجهان صحيحان عن الأزرق والله أعلم."(النشر 2/41).


الذي يظهر من النشر أنّ الفتح هو مذهب صاحب العنوان والمجتبى وبه قرأ الداني على أبي الفتح ، وهو أحد الوجهين في الشاطبية والتبصرة والكافي إلاّ أنّ هذا الأخير قرأ بالفتح. أمّا التقليل فهو مذهب صاحب التلخيص والتذكرة والتيسير والهداية وبه قرأ الداني على أبي الحسن وابن خاقان ، وهو الوجه الثاني في التبصرة والشاطبيةوالكافي.

فأمّا من العنوان فالذي يظهر منه هو التقليل لقول أبي طاهر "وقرأ نافع جميع ذلك بين اللفظين" ولم يتعرّض لكلمة {أراكهم}. وأمّا في النشر فذكر له الفتح وقال في تحفة الإخوان : "وفتح ورش {أراكهم} وظاهر عبارته مما تقدّم في باب الإمالة بين بين كقالون"(تحفة الإخوان ص170) وأغرب كيف يقول في النشر : "فقطع له بالفتح صاحب العنوان" مع أنّ عبارته في التحفة تنافي القطع تماماً بقوله "وظاهر عبارته مما تقدّم في باب الإمالة بين بين كقالون". وحتّى من جهة القياس فإنّه ضعيف إذ لا يُعقل أن يأخذ بوجه الفتح في ذوات الراء لمن مذهبه التقليل في ذوات الياء مطلقاً ، لأنّ من قلّل ذوات الياء قلّل ذوات الراء من باب أولى لأنّها أقبل للإمالة من غيرها لذلك قلّلها ورش بغير خلاف عنه ، وخصّها البصري بالإمالة ، وكذا ابن ذكوان بخلف عنه من طريق الطيّبة. وهذا يقال في رواية الداني عن أبي الفتح إذ قرأ عليه بالفتح في {أراكهم} مع أنّ مذهبه التقليل في ذوات الياء مطلقاً. ولكن إن صحّت الرواية قدّمت على القياس. وقد جاءت رواية صاحب العنوان عن شيخه الطرسوسي من طريق أبي عدي ، وقد تابعه على الفتح من هذا الطريق صاحب الكافي والتبصرة وهذا ما يُقوّي وجه الفتح من العنوان ، ولا نغفل أنّ ابن الجزريّ كان على دراية بعبارة صاحب العنوان التي ظاهرها التقليل ، ومع ذلك أخذ له بوجه الفتح ونقل القطع به عن أبي طاهر ، وهذا يدلّ على يقينه بصحّة وجه الفتح من طريقه لذا فإننا نأخذ بوجه الفتح من العنوان إذ به أخذ كبار المحرّرين كيوسف زادة والأزميري والمتولّي والضباع عليهم رحمة الله أجمعين. قد يقول القائل كيف أخذت بقول صاحب النشر مع أنّ ظاهر عبارة صاحب العنوان التقليل ؟ الجواب إنّ باب الفتح والإمالة في كتاب العنوان لا يخلو من اللبس و التقصير في العبارة ، لذلك قال ابن الجزريّ في كتابه تحفة الإخوان في الخلف بين الشاطبية والعنوان : "هذا الباب مشكل في العنوان وما يخلو من تقصير في العبارة ، وها أنا أوضّحه على حسب ما قرأت به ، وما يظهر لي من الصحيح ....".

وأمّا من المجتبى فهو كالعنوان وهو الذي يظهر من النشر بقول صاحبه :"فقطع له بالفتح فيه صاحب العنوان وشيخه عبد الجبار." وعبد الجبار هو الطرسوسي صاحب المجتبى. والطرسوسي له طريق آخر من النشر وهو طريق أبي غانم عن ابن هلال عن النحاس وقد ذكر الداني في جامعه وابن الجزريّ في نشره أنّ الفتح هو مذهب عامة أصحاب أبي هلال وأصحاب أبي الحسن النحاس فيكون هذا تأكيداً لوجه الفتح من طريق المجتبى.

وأمّا من التيسير والتلخيص والتذكرة فلم أجد لهم استثناءً في {أراكهم} فيكون مذهبهم التقليل.

وأمّا من الهداية فقال ابن الجزريّ : "وقطع بين بين صاحب تلخيص العبارات والتيسير والتذكرة والهداية وقال إنه اختيار" ولم أقف على كلامه هذا في شرح الهداية مع أنّ المهدوي يروي طريق الأزرق من طريق أبي غانم عن ابن هلال عن النحاس ، وقد ذكر الداني وابن الجزريّ أنّ الفتح هو مذهب عامّة أصحاب أبي هلال وأصحاب أبي الحسن النحاس ، فكيف يقطع المهدوي بوجه التقليل ؟ لعلّه اختيارٌ منه لقول صاحب النشر : "وقال – أي المهدوي- إنه اختيار". وليس في هذه النصوص ما يدلّ دلالة قطعيّة أنّ المهدوي لم يقرأ بوجه التقليل وعليه يكون الأخذ بوجه التقليل من طريقه أحرى لأنّ صاحب النشر أخبر بأنّ المهدوي قطع به ونقل عنه أنّه اختاره والعلم عند الله تعالى

أمّا من الكامل فقد سكت عنه صاحب النشر ويوسف زادة والأزميري والمتولّي .قال الهذلي :" أمال كلّ راء بعدها ياء نحو {بشراي} .........حمزة والكسائي وخلف ومحمد .......وباقي أهل المدينة"( الكامل ص 332). ولم يستثن منها {ولو أراكهم} و ما تعرض لها البتة فيما اطلعت عليه ، وبالتالي يكون مذهبه من الكامل هو التقليل على ما يظهر مع أنّه يروي عن ابن هلال عن النحاس من ثلاث طرق ، وقد سبق التنبيه أنّ الفتح هو مذهب عامّة أصحاب ابن هلال والنحاس ، ويروي أيضاً من طريق أبي عدي عن ابن سيف وهو نفس طريق التجريد والتلخيص والتبصرة وغيرهم ممن روى وجه التقليل. وعليه يُحتمل أن يكون قد روى الوجهين معاً : الفتح من طريق ابن هلال عن النحاس ، والتقليل من طريق ابي عدي عن ابن سيف ولعلّه السبب الذي حمل العلامة الضباع على الأخذ له بالوجهين كما ذكر في كتابه المطلوب ، وكلّ ما أرودناه من النصوص والقرائن لا تصل بنا إلى القطع في المسألة ، والأولى عندي الأخذ بظاهر الكامل وهو التقليل لأنّه لم يستثن من القاعدة {ولو أراكهم} فيكون قد اختار من مرويّاته وجه التقليل لقوّته في القياس. والعلم عند الله تعالى.

وأمّا من طريق أبي معشر فسكت عنه صاحب النشر ويوسف زادة والأزميري والمتولّي وذكر له التقليل العلامة الضباع في المطلوب وهو الذي يتفق مع مذهب صاحب الكامل ، وقد سبق التنبيه أنّ الطريق الوحيد لأبي معشر من النشر يتفق من أحد طرق الكامل.

وأمّا من الإرشاد فقال بعد ما ذكر الأفعال التي تأتي على وزن أفعل من بينها {ولو أراكهم} قال : "وقرأ ورش عن نافع كلّ ما كان فيه راء بعدها ياء بين اللفظين ، وكذلك كلّ ما كان في السور التي أواخر آياتها ياء حيث وقع.(الإرشاد 1/406 و407). وقال المنتوري :"وذكر أبو الطيّب بن غلبون في كتاب الإمالة ، أنّ ورشاً قرأ ذلك بين اللفظين ، ولم يذكر عنه فيه خلافاً."(شرح الدرر 1/463).

وأما من التبصرة فقال مكي القيسي : "وأما ورش فقرأ جميع ما قرأه أبوعمرو بالإمالة مما فيه راء بين اللفظين خلا {ولو أراكهمِ} في الأنفال فإنّ ورشاً روى عن نافع الفتح به ، وكان يختار بين اللفظين ، وبالوجهين قرأت"(التبصرة ص389).

وأمّا من الكافي فقال ابن شريح : "وقد قرأت له {ولو أراكهم} في الأنفال بالفتح أيضاً وبين اللفظين أشهر عنه."(الكافي ص61). وبما أنّه قرأ بالفتح فينبغي الاقتصار عليه من طريقه.

وأمّا من التجريد فقال ابن الفحام : "وخالف أصله في {ولو أراكهم} فرقّق وروايته التفخيم".(التجريد ص179). وهو خلاف ما جنح إليه يوسف زاده والأزميري.

وأما مذهب الداني في جامع البيان فقال : "واختلف أهل الأداء المصريين عن أبي يعقوب عنه في قوله في الأنفال {ولو أراكهم} فروى بعضهم أنّه أخلص الفتح في اللراء وما بعدها فيه وعلى ذلك عامة أصحاب ابن هلال وأصحاب أبي الحسن النحاس وبذلك أقرأني أبو الفتح عن قراءته .....وروى آخرون عنه أنّه قرأ الراء وما بعدها بين اللفظين زبذلك أقرأني ابن خاقان وابن غلبون عن قراءتهما وهو القياس".(الجامع ص312).

خلاصة المسألة :
نخلص مما سبق أنّ الفتح هو مذهب صاحب المجتبى والعنوان والكافي وأحد وجهي الشاطبية والتبصرة وجامع البيان من قراءة الداني على أبي الفتح. والتقليل هو مذهب الداني في التيسير ، وصاحب التلخيص والتذكرة والهداية والكامل والإرشاد والتجريد وطريق أبي معشر والوجه الثاني من الشاطبية والتبصرة وجامع البيان من قراءة الداني على ابن خاقان وأبي الحسن.

وعليه يكون عدد الأوجه مع ثلاثة البدل ستّة كلّها صحيحة من الشاطبية والطيّبة وهي كالتالي :

- قصر البدل مع الفتح من الشاطبية ، ومع التقليل من الشاطبية والتذكرة والإرشاد وجامع البيان من قراءة الداني على أبي الحسن.
- توسط البدل مع الفتح من الشاطبية وجامع البيان من قراءة الداني على أبي الفتح ، ومع التقليل من الشاطبية والتيسير والتلخيص وجامع البيان من قراءة الداني على ابن خاقان.
- طول البدل مع الفتح من الشاطبية والعنوان والمجتبى والكافي والتبصرة في أحد الوجهين ، ومع التقليل من الشاطبية والهداية والكامل والتجريد وطريق أبي معشر والثاني من التبصرة.

والعلم عند الله تعالى.
 
حكم الإمالة في رؤوس الآي في السور الإحدى عشر

حكم الإمالة في رؤوس الآي في السور الإحدى عشر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد

المسألة الأولى : حكم تخصيص الإمالة في رءوس الآي بذوات الياء دون ذوات الواو.

قال ابن الجزريّ : "وأمال ورش من طريق الأزرق جميع ما تقدم من رؤوس الآي في السور الإحدى عشر المذكورة بين بين كإمالته ذوات الراء المتقدمة سواء وسواء كانت من ذوات الواو نحو (الضحى، وسجى، والقوى) أو من ذات الياء نحو (هدى، والهوى، ويغشى) وانفرد صاحب الكافي ففرق في ذلك بين اليائي فأماله بين بين وبين الواوي ففتحه."(النشر 2/48).

وما ذكره ابن الجزريّ عن صاجب الكافي صحيح لقول ابن شريح : "وكذلك قرأ – أي أبو عمرو البصري – الأربعة الأفعال التي من ذوات الواو وهي {طحاها} و {تلاها} و {دحاها} و {سجى} وكذلك {القوى} و {الضحى} و {ضحاها} ووافقه ورش على ما كان من هذا الفصل من ذوات الياء وهو رأس آية فقرأ بين اللفظين إلاّ ما اتصل بضمير مؤنثة غائبة فإنّه فتحه."(الكافي ص63).

أمّا قول ابن الجزريّ : "وانفرد صاحب الكافي ففرق في ذلك بين اليائي فأماله بين بين وبين الواوي ففتحه" ففيه نظر لأنّ الذي يظهر من عبارة صاحب التبصرة والهداية هو تخصيص الإمالة بذوات الياء دون ذوات الواو كما خصّه ابن شريح. قال مكي القيسي :"وقرأ كلّ ما كان رأس آية من ذوات الياء مما ليس بعده هاء بين اللفظين"(التبصرة 390) ، فخصّ الإمالة بذوات الياء ، وقال المهدوي : "ووافقه –أي أبا عمرو- ورش على هذا الأصل – أعني قراءة رؤوس الآي المتوالية التي هي من ذوات الياء بين اللفظين – وخالفه إذا جاء بعد الألف ضمير المؤنّثة الغائبة"(شرح الهداية ص107). وقد فرّق بين ذوات الياء وذوات الواو قبل هذه العبارة بقوله عن قراءة أبي عمرو : "فأمّا قراءة ما وقع بين ذوات الياء من ذوات الواو بين اللفظين ، وهي {دحاها} و {طحاها} و {تلاها} و {سجى} فعلى التوفيق بين الكلم لتجري الآيات على سنن واحدة لأنّ ذوات الواو قد ترجع إلى الياء حسب ما قدّمنا في أوّل الباب.(الهداية ص106). أقول : ففي قراءة أبي عمرو أطلق التقليل في الجنسين بينما خصّ ذوات الياء في رواية ورش بقوله : "أعني قراءة رؤوس الآي المتوالية التي هي من ذوات الياء بين اللفظين" إلاّ إذا أراد من هذه العبارة ذوات الياء التي أصلها ذوات الواو لقوله : "فأمّا قراءة ما وقع بين ذوات الياء من ذوات الواو بين اللفظين" وقوله لأنّ :"ذوات الواو قد ترجع إلى الياء". ولكنّ لو تأمّلنا عبارة صاحب الكافي وعبارة صاحب الهداية لوجدنا أنّها اتفقا في عدم التفريق بين الجنسين لأبي عمرو وفي التفريق بينهما لورش وهذا يجعلنا نتسائل عن السبب. وفي المقابل نجد أنّ ابن شريح ومكي القيسي يلتقيان في الرواية عند أبي عدي عن ابن سيف عن النحاس عن الأزرق ، وعليه فيظهر تقارب بين مكي وابن شريح في الرواية وبين ابن شريح والمهدوي في العبارة مع استعمالهم جميعاً عبارة : "ذوات الياء" دون ذوات الواو.

والمسألة تحتاج إلى نظر ، ولست بصدد القطع بأنّ هؤلاء الثلاثة فرّقوا بين الجنسين لورش ولكنّ الأمر محتمل ، فإن صحّ وترجّح ذلك وجب تخصيص التقليل بذوات الياء دون ذوات الواو بطول البدل وفتح الذوات في غير رؤوس الآي لأنّه مذهب صاحب التبصرة و الكافي والهداية.

والعلم عند الله تعالى.
 
أمّا القصر مع التقليل فمنعه ابن الجزريّ من الشاطبية في مسائله التبرزيّة وليس لنا إلاّ اتّباعه لأنّ مصادر الشاطبية مجهولة وإعادة النظر فيما حرّره من طرقها متوقّف على معرفتها وهو متعذّر لحدّ الآن.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد سيد خلق الله أجمعين ، وعلى آل بيته الطاهرين وأصحابه الأكرمين ، صلاة دائمة إلى يوم الدين ، وبعد :
أحببت في هذه المداخلة أن أعقب على ما ذكره الأستاذ محمد شريف في هذه الفقرة فيما يتعلق بمسألة مصادر وأسانيد الإمام الشاطبي فيما زاد فيه على كتاب " التيسير" .
كما هو معلوم عندكم أخي الفاضل ، أنَّ الإمام الشاطبي صرّح في قصيدته أنَّه سيزيد فيها على ما في " التيسير " فقال : " وألفافها زادت بنشر فوائد "
قال ابن القاصح في شرح البيت : " من زيادة وجوه وإشارة إلى تعليل وغير ذلك ، ومن جملة ذلك باب مخارج الحروف "
ففي هذا تصريح يفيد أنَّ أسانيد ومصادر الإمام الشاطبي لا تنحصر في كتاب " التيسير" و لا حتى في " طريق الداني " .
لذا لا يلزم الإمام الشاطبي أن لا يخرج عما في كتب الإمام الداني في " الحرز "، ومما يوضح هذه المسألة ، تعدد الأسانيد التي ساقها الإمام ابن الجزري في " النشر / مبحث الطرق " للإمام الشاطبي من غير طريق الداني ، وكذلك إجازة النفزي لتلميذه الشاطبي ، فقد ذكر الشيخ أسانيد متعددة من طرق أخرى " مكي بن أبي طالب ، أبو بكر الطرسوسي وغيره " . فلا جهالة فيما نقرأ به من طريق الشاطبي
و الله تعالى أعلم
 
قال العلامة المتولي عليه رحمة الله تعالى : " وكذلك منع الشيخ سلطان وتابعوه – أي ترقيق ذكراً- على التوسط – أي توسط البدل- من الشاطبية ، ولا أدري ما علّة ذلك لأنّ الترقيق من زيادات القصيدة على التيسير وطرقها مجهولة ، وليس في كلامهم ما يُعيّنها وغاية ما في النشر أنّه أوصل سند الشاطبي عن النفزي إلى صاحب التيسير من قراءته على ابن خاقان فقط وسكت عن ما وراء ذلك له في طريق الأزرق ، وقد أقرّ بذلك حيث قال- أي ابن الجزري- "مع أنّا لم نعد للشاطبي – رحمه الله – وأمثاله إلى صاحب التيسير وغيره سوى طريق واحدة وإلاّ فلو عددنا طرقنا وطرقهم لتجاوزت الألف ، وهذا علمٌ أُهمل وباب أُغلق وهو السبب الأعظم في ترك الكثير من القراءات والله تعالى يحفظ ما بقي " . ومن تأمّل قوله : " فلو عددنا طرقنا وطرقهم " قطع بأنّ ما زاده الشاطبي على التيسير ليس من طرق النشر ، فلا يُقال :" الترقيق مثلاً للنشر من الشاطبية " وهذه دقيقة لم أر من نبّه عليها ، فمن زعم بعد ذلك أنّ تحرير هذه الزيادة يؤخذ من النشر لم يدر حقيقة ما يقول " (روض النضير ص 268 و269).
وقال عند تعرّضه لتحرير أوجه اللين المهموز لورش ، فقال عليه رحمة الله تعالى : " وأمّا تحرير المسألة – أي أوجه اللين - من طريق الشاطبية فكما ذكرنا ، فهذا مشهورٌ وتفريعنا عليه ولكنّي لا أدري من أين ذلك ؟ لأنّ طرق الشاطبية التي زادها على التيسير مجهولة وهذا أمرٌ متوقّف على معرفتها ، ولم يُبرّر أحد ممن قال بذلك شيئاً منها " ( روض النضير ص253 طبعة دار الصحابة).

أقول : فالمراد بجهالة مصادرها هو بالنسبة لنا أمّا بالنسبة لابن الجزري فإنّها معلومة لقوله "وإلاّ فلو عددنا طرقنا وطرقهم لتجاوزت الألف" أي لو أدرج جميع طرق الشاطبية التي زيدت على التيسير لصارت طرق النشر مجاوزة الألف ، لذا اختصره في طريق واحدة وهو طريق التيسير ، وسببه والله أعلم هو شهرة الشاطبية وتلقّيها بالقبول من طرف الحذاق من أهل الأداء فلم يحتج ابن الجزري إلى حصر جميع أسانيدها.
وعلى هذا الأساس فلا ندري ما هو مصدر الشاطبيّ لورش في قصر البدل ، قد تقول هو من التذكرة. الجواب صاحب التذكرة ذكر الكثير من الأحكام التي تخالف الإمام الشاطبي كترقيق {إرم} والتمكين الخاص بشيء وشيئاً دون غيرهما {كهيئة} و {ييئس}وغير ذلك.
وأمّا طول البدل مع الفتح فلا ندري ما هو مصدره لعلّه من التبصرة ولكننا نجد في التبصرة ما يخالف الشاطبية.
ولأجل ذلك صعب على المحرّرين تحرير طرق الشاطبية لجهالة مصادرها عندهم لا عند ابن الجزري ، لذا اكتفوا بتقليد ابن الجزري في ذلك على غرار تحرير أوجه البدل مع ذوات الياء كما في مسائله التبرزية وما استطاع واحد لحدّ الآن أن يقول مثلا : قصر البدل مع القصر من الشاطبية هو من الطريق الفلاني والفلاني ، وتوسطه مع التقليل هو من التيسير وكذا وكذا ، والطول مع الفتح هو من المصدر الفلاني والفلاني ، والطول مع التقليل من جامع البيان على قول ومن كذا وكذا.
أرجو أن يكون معنى الجهالة مفهوماً عندهم الآن.
ولكم منّي كلّ الاحتلرام والتقدير.
 
حكم رؤوس الآي التي تتصل بها الهاء في سورتي الشمس والنازعات نحو {ضحاها} و {تلاها}.

حكم رؤوس الآي التي تتصل بها الهاء في سورتي الشمس والنازعات نحو {ضحاها} و {تلاها}.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم.

حكم رؤوس الآي التي تتصل بها الهاء في سورتي الشمس والنازعات نحو {ضحاها} و {تلاها}.

قال ابن الجزريّ : " واختلف عنه فيما كان من رؤوس الآي على لفظ (ها) وذلك في سورة النازعات والشمس نحو (بناها، وضحاها وسواها. ودحاها، وتلاها؛ وأرساها، وجلاها) سواء كان واوياً أو يائياً فأخذ جماعة فيها بالفتح وهو مذهب أبي عبد الله بن سفيان وأبي العباس المهدوي وأبي محمد مكي وابني غلبون وابن شريح وابن بليمة وغيرهم وبه قرأ الداني على أبي الحسن وذهب آخرون إلى إطلاق الإمالة فيها بين بين وأجروها مجرى غيرها من رؤوس الآي وهو مذهب أبي القاسم الطرسوسي وأبي الطاهر بن خلف صاحب العنوان وأبي الفتح فارس بن أحمد وأبي القاسم الخاقاني والذي عول عليه الداني في التيسير هو الفتح كما صرح به أول السور مع أن اعتماده في التيسير على قراءته على أبي القاسم الخاقاني في رواية ورش وأسندها في التيسير من طريقه ولكنه اعتمد في هذا الفصل على قراءته على أبي الحسن فلذلك قطع عنه بالفتح في المفردات وجهاً واحداً مع إسناده فيها الرواية من طريق ابن خاقان وقال في كتاب الإمالة اختلفت الرواة وأهل الأداء عن ورش في الفواصل إذا كان على كناية مؤنث نحو آي (والشمس وضحاها) وبعض آي (والنازعات) فأقرأني ذلك أبو الحسن عن قراءته بإخلاص الفتح وكذلك رواه عن ورش أحمد بن صالح وأقرأنيه أبو القاسم وأبي الفتح عن قراءتهما بإمالة بين بين وذلك قياس رواية أبي الأزهر وأبي يعقوب وداود عن ورش وذكر في باب ما يقرؤه ورش بين اللفظين من ذوات الياء مما ليس فيه راء قبل الألف سواء اتصل به ضمير أو لم يتصل أنه قرأه على أبي الحسن بإخلاص الفتح وعلى أبي القاسم وأبي الفتح وغيرهما من اللفظين ورجح في هذا الفصل بين اللفظين وقال وبه آخذ فاختار بين اللفظين. والوجهان جميعاً صحيحان عن ورش في ذلك من الطريق المذكورة. وأجمع الرواة من الطرق المذكورة على إمالة ما كان من ذلك فيه راء بين اللفظين وذلك قوله: (ذكراها) هذا مما لا خلاف فيه عنه."(النشر 2/49).

الذي يظهر من كلام ابن الجزريّ أنّ رؤوس الآي التي تتصل بها الهاء من سورتي الشمس والنازعات نحو {ضحاها} و {تلاها} مختلف فيها بين أهل الأداء عن ورش من طريق الأزرق فمنهم من روى فتحها ومنهم من روى تقليلها. فأمّا الفتح فهو مذهب صاحب الهادي والهداية والتبصرة والتذكرة والإرشاد والتلخيص وبه قرأ الداني على أبي الحسن وهو الذي اختاره في التيسير خلافاً لقراءته على ابن خاقان الذي هو طريقه منه. أمّا التقليل فهو مذهب صاحب المجتبى والعنوان وابن خاقان وفارس بن أحمد وبه قرأ الداني عليهما.

1 - ذكر أصحاب مذهب الفتح على ما في النشر وهم : صاحب الهادي والهداية والتبصرة والتذكرة والإرشاد والتلخيص والداني من قراءته على أبي الحسن.

فأمّا من الهادي فليس من طرق النشر.

وأمّا من الهداية فقال المهدوي : "ووافقه –أي أبا عمرو- ورش على هذا الأصل – أعني قراءة رؤوس الآي المتوالية التي هي من ذوات الياء بين اللفظين – وخالفه إذا جاء بعد الألف ضمير المؤنّثة الغائبة"(شرح الهداية ص107). أقول : وهذا صريح في كون مذهبه هو الفتح لأنّ أبا عمر يُقللها من غير خلاف عنه خلافاً لورش فإنّه خالف أبا عمرو بفتح ما كان آخره هاء.

وأمّا من التبصرة فقال مكي القيسي : "وقرأ كلّ ما كان رأس آية من ذوات الياء مما ليس بعده هاء بين اللفظين"(التبصرة 137).

وأمّا من التذكرة فقال أبو الحسن فيما كان على وزن (فُعَلْ) بفتح الفاء أو ضمّها مع فتح العين ك{ضحى} و{ضحاها} ، قال : "وقرأ وش ما كان منها فيه راء بعد ألف ، أو كان رأس آية آخرها ألف ، بين اللفظين ، وفتح الباقي"(التذكرة 1/206). أقول : وما أشار إلى التي يكون آخرها هاء ، دلّ على أنّها مفتوحة في مذهبه.

وأمّا من الإرشاد فقال أبو الطيّب : "واختلفا – أي حمزة والكسائي- فيما كان من ذوات الواو من هذا الباب في أربعة مواضع : في قوله تعالى {دحاها} و {تلاها} و {طحاها} و {سجى} فقرأ الكسائي بالإمالة وقرأ حمزة بالفتح ، وقرأ الباقون بالفتح إلاّ نافعاً في رواية ورش وأبا عمرو فإنّهما قرآ ما كان في أواخر الآي من السور التي بالياء بين اللفظين"(الإرشاد ص391). أقول : قيّد الإمالة بين اللفظين برؤوس الآي التي بالياء لا بالهاء ، وهذا يدلّ أنّ مذهبه فيها هو الفتح.

وأمّا من التلخيص فقال ابن بلّيمة : "وقرأ ورش جميع ذلك بين اللفظين إلاّ ما كان من ذلك في سورة أواخر آيها (ها ألف) فإنّه أخلص الفتح فيه" (تلخيص العبارات ص46).

وأمّا قراءة الداني على أبي الحسن فهو يظهر من التذكرة كما سبق نقل كلام أبي الحسن ، ويظهر من جامع البيان إذ يقول فيه الداني : "وأقرأني ابن غلبون عن قراءته في رواية أبي يعقوب عن ورش ما كان ذلك فيه راء اسماً كان أو فعلاً ، نحو {الذكرى} و {البشرى} و{العسرى} ...." ثم قال : أو وقع فاصلة في سورة فواصلها على ياء نحو {والنجم} و {عبس} وما أشبههما بين اللفظين ما عدا ذلك بإخلاص الفتح. وكذا إن ألحق الفواصل كناية مؤنث كفواصل {والشمس} وبعض فواصل {والنازعات} إلاّ قوله {من ذكراها} فإنّه لم يخلص فتحته من أجل الراء التي قبل ألف التأنيث فيه ، وأقرأني ابن خاقان وأبو الفتح عن قراءتهما في روايته عن ورش الباب كلّه بين اللفظين.."(جامع البيان ص311). أقول كلامه واضح في كونه قرأ بالفتح على أبي الحسن وبالتقليل على ابن خاقان وفارس ابن أحمد.

وأمّا من التيسير فقال الداني فيه : "قرأ ورش جميع ذلك بين اللفظين إلاّ ما كان من ذلك في سورة أواخر آيها على هاء ألف فإنّه أخلص الفتح فيه على خلاف بين أهل الأداء في ذلك"(التيسير ص179). أقول : وقد خالف الداني طريق التيسير الذي هو من روايته عن ابن خاقان الذي قرأ عليه الداني بالتقليل كما هو صريح في جامع البيان والنشر. قال ابن الجزريّ : "والذي عول عليه الداني في التيسير هو الفتح كما صرح به أول السور مع أن اعتماده في التيسير على قراءته على أبي القاسم الخاقاني في رواية ورش وأسندها في التيسير من طريقه ولكنه اعتمد في هذا الفصل على قراءته على أبي الحسن.". واتباعاً للرواية الثابتة عن الداني من طريق التيسير وهو روايته على ابن خاقان وجب الاقتصار على التقليل من طريق التيسير والاكتفاء به.

وأمّا ابن الفحام فلم أجد في كتاب التجريد إشارة إلى الإمالة لورش إلاّ في ّذوات الراء في باب الراءات. وقال ابن الجزريّ : "وانفرد صاحب التجريد عن الأزرق بفتح جميع رؤوس الآي ما لم يكن رائياً سواء كان واوياً أو يائياً فيه (ها) أو لم يكن فخالف جميع الرواة عن الأزرق"(النشر 2/49).

وأمّا من الكافي فقال ابن شريح : قال ابن شريح : "وكذلك قرأ – أي أبو عمرو البصري – الأربعة الأفعال التي من ذوات الواو وهي {طحاها} و {تلاها} و {دحاها} و {سجى} وكذلك {القوى} و {الضحى} و {ضحاها} ووافقه ورش على ما كان من هذا الفصل من ذوات الياء وهو رأس آية فقرأ بين اللفظين إلاّ ما اتصل بضمير مؤنثة غائبة فإنّه فتحه."(الكافي ص63).

وأمّا الهذلي فقد سكت صاحب النشر عنه ، ولم أجد في كتاب الكامل إشارة إلى ذلك. ولمّا كان مذهبه في ذوات الياء هو الفتح كما مرّ كان كذلك في التي تليها الهاء لأنّ من روى الفتح في ذوات الياء في غير رؤوس الآي روى الفتح في اللاتي تليها الهاء من سورتي النازعات والشمس. فرواة الفتح في غير رؤوس الآي هم صاحب التذكرة والإرشاد والتبصرة والكافي والهداية والتجريدوالداني من قراءته على أبي الحسن وهؤلاء جميعاً قرءوا بفتح ذوات الهاء ، ولما كان مذهب صاحب الكامل هو الفتح في غير رؤوس الآي كان مذهبه هو الفتح في ذوات الهاء قياساً. أمّا من التيسير فالفتح في ذوات الهاء مع التقليل في غيرها لا يُعتدّ به لأنّها ليست من قراءة الداني على ابن خاقان ولا على غيره لأنّ قراءته على ابن خاقان وأبي الفتح هي بالتقليل في الجنسين ، و قراءته على أبي الحسن هي بالفتح في الجنسين ، أمّا قراءته بالتقليل في الأوّل والفتح في الثاني فلم يقرأ به على أحد من شيوخه الذي أسند عنهم الرواية ، وبالتالي فإنّ ما يتضمّنه التيسير هو خلط بين قراءة الداني على ابن خاقان وقراءته على أبي الحسن كما ذكر في النشر.
ويؤيّد ما ذكرناه من أنّ مذهب صاحب الكامل هو الفتح قول العلامة الضباع : "واستثنوا من هذا الاتفاق ما اتصل به هاء مؤنث وذلك في النازعات والشمس سواء كان واوياً نحو {دحاها} و {ضحاها} و {تلاها} و {طحاها} أو يائياً نحو {بناها} و {سواها} فاختلفوا فيه فذهب إلى تقليله صاحب العنوان والمجتبى والداني من قراءته على أبي الفتح وابن خاقان وذهب إلى فتحه غيرهم."(المطلوب ص9). فقوله غيرهم بما فيهم الهذلي.

وأمّا من طريق أبي معشر فهو كالهذلي ويؤيّده قول العلامة الضباع المنقول أعلاه. والعلم عند الله تعالى.


2 - ذكر أصحاب مذهب التقليل على ما في النشر وهم :صاحب العنوان والمجتبى وابن خاقان وفارس بن أحمد وبه قرأ الداني عليهما.

فأمّا من العنوان قال أبو طاهر : "وقرأ نافع جميع ذلك بين اللفظين"(العنوان ص60). قال ابن الجزري في التحفة : "وأمّا {تلاها} و {طهاها} و {سجى} و {دحاها} وكذلك {القوى} فمقتضى إطلاق العنوان إمالتها بين بين ، ولم يذكر لي أحد من شيوخي الذين قرأت عليهم فيها شيئا. والذي آخذ به فيها وفي الثلاثة قبلها لنافع من طريق ذا الكتاب بين بين على مقتضى عبارته."(تحفة الإخوان ص165).

أمّا من المجتبى فالذي يظهر من النشر هو التقليل لقول ابن الجزري : "وذهب آخرون إلى إطلاق الإمالة فيها بين بين وأجروها مجرى غيرها من رؤوس الآي وهو مذهب أبي القاسم الطرسوسي ".ويؤيّد ذلك أنّ التقليل هو مذهب تلميذه أبي طاهر صاحب العنوان كما مرّ أعلاه.

وأمّا قراءة الداني بالتقليل على أبي الفتح وفارس ابن أحمد فهو ظاهر النشر وجامع البيان كما قال فيه الداني : "وأقرأني ابن خاقان وأبو الفتح عن قراءتهما في روايته عن ورش الباب كلّه بين اللفظين.."(جامع البيان ص311).

أمّا من الشاطبية فقال الشاطبيّ :
وَذُوا الرَّاءِ وَرْشٌ بَيْنَ بَيْنَ وَفي أَرَاكَهُمْ وَذَوَاتِ الْيَالَهُ الْخُلْفُ جُمِّلاَ
وَلكِنْ رُءُوسُ الآيِ قَدْ قَلَّ فَتْحُهَا لَهُ غَيْرَ مَاهَا فِيهِ فَاحْضُرْ مُكَمَّلاَ
أقول : إنه استثني في البيت الثاني رؤوس الآي من الخلاف السابق وهو قوله ( وفي أراكهم وذوات الياء له الخلف جملا ) ثم ذكر التقليل في رؤوس الآي قولا واحدا ثم استثني منه ما فيه (ها) ، فيبقي الوجهان فيما فيه (ها).

3 - خلاصة المسألة :

نخلص مما سبق أنّ الفتح في ذوات الهاء هو مذهب صاحب والهداية والتبصرة والتذكرة والإرشاد والتلخيص والكافي والتجريد والكامل وأبي معشر والداني من جامع البيان من قراءته على أبي الحسن ، وهوأحد وجهي الشاطبية. أمّا التقليل هو مذهب الداني في تيسيره على الصحيح وجامع البيان ومذهب صاحب المجتبى والعنوان وبه قرأ الداني على ابن خاقان وأبي الفتح ، وهو الوجه الثاني من الشاطبية.

ففي قوله تعالى {ءأنتم أشدّ خلقاً أم السمآء بناها} أربعة أوجه كلّها صحيحة من الشاطبية والطيّبة وهي :

- الإبدال في {ءأنتم} مع الفتح في {بناها} من الشاطبية والهداية والتبصرة والكافي في أحد وجهيه.
- الإبدال مع التقليل من الشاطبية والتيسير على الصحيح وهي من قراءة الداني على ابن خاقان وفارس ابن أحمد من جامع البيان.
- التسهيل مع الفتح من الشاطبية والتذكرة الإرشاد والتلخيص والتجريد والكامل و أبي معشر والثاني من الكافي.
- التسهيل مع التقليل من الشاطبية والعنوان والمجتبى.

والعلم عند الله تعالى.
 
بارك الله فيكم يا شيخ محمد
مما يلحق بموضوع رؤوس الآي للأزرق هذه المسألة
حمل بعضهم قول الشاطبي رحمه الله (قَلَّ) في قوله : ( ولكن رؤوس الآي قد قل فتحها ) على القلة.
والمعنى : فتح رؤوس الآي التي ليس فيها (ها) قليل، بخلاف رؤوس الآي التي فيها (ها) ففتحها كثير.
والتحقيق : أن (قَلّ) بمعنى التقليل بين بين وجهاً واحداً ، غير ما فيه (ها) ففيه الفتح والتقليل.

هلا تفضلتم بتفصيل هذه المسألة كعادتكم -حفظكم الله- تتميماً للفائدة .
 
والتحقيق : أن (قَلّ) بمعنى التقليل بين بين وجهاً واحداً ، غير ما فيه (ها) ففيه الفتح والتقليل
هذا هو الصحيح عندي ، لذلك أثبتّ الأوجه الأربعة في الآية {ءأنتم أشدّ خلقاً أم السمآء بناها}. ولم أجعل مذهب رواة الوجهين كعنوان مستقل لأنّ ابن الجزري لم يذكر الخلاف عن الإمام الشاطبي في كلامه المنقول.
وسأحاول التفصيل في هذه الجزئيّة إن شاء الله تعالى.
جزاكم الله خيراً شيخنا الفاضل على تعليقكم و نحن في انتظار المزيد.
 
معنى قول الإمام الشاطبيّ : (ولكن رؤوس الآي قد قلّ فتحها)

معنى قول الإمام الشاطبيّ : (ولكن رؤوس الآي قد قلّ فتحها)

بارك الله فيكم يا شيخ محمد
مما يلحق بموضوع رؤوس الآي للأزرق هذه المسألة
حمل بعضهم قول الشاطبي رحمه الله (قَلَّ) في قوله : ( ولكن رؤوس الآي قد قل فتحها ) على القلة.
والمعنى : فتح رؤوس الآي التي ليس فيها (ها) قليل، بخلاف رؤوس الآي التي فيها (ها) ففتحها كثير.
والتحقيق : أن (قَلّ) بمعنى التقليل بين بين وجهاً واحداً ، غير ما فيه (ها) ففيه الفتح والتقليل.
هلا تفضلتم بتفصيل هذه المسألة كعادتكم -حفظكم الله- تتميماً للفائدة .

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد

قال ابن الجزريّ : "وبقي مذهب خامس وهو إجراء الخلاف في كلّ رؤوس الآي غير ما فيه (ها) قليل وهو ما فيه (ها) كثير وهو مذهب يجمع المذاهب الثلاثة الأوّل وهذا الذي يظهر من كلام الشاطبيّ وهو الأولى عندي بحمل كلامه عليه لما بيّنته في غير هذا الموضع والله أعلم."(النشر 2/51).

أقول : في كلام ابن الجزريّ نظر لعدّة أسباب :

أوّلها : كيف يُجري الخلاف في رؤوس الآيّ المجرّدة عن الهاء مع أنّه لم يرد فتحها إلاّ عن صاحب التجريد لقول ابن الجزريّ : "وانفرد صاحب التجريد عن الأزرق بفتح جميع رؤوس الآي مالم يكن رائياً سواء كان واوياً أو يائياً فيه (ها) أو لم يكن فخالف جميع الرواة عن الأزرق". أقول : فكيف يأخذ بهذا الوجه مع انفراد ابن الفحام به. وقبول ابن الجزريّ لهذا الوجه خروج عن شرطه الذي ألزم به نفسه في كتاب النشر وهو شهرة القراءة ؟

ثانياً : الجمع بين المذاهب الثلاثة لم يسبقه إلى ذلك أحد حيث لا نجد في المصادر التي أسند إليها طريق الأزرق من أخذ بهذا المذهب بدليل أنّه لم ينقل عن أحد ذلك وما أخبر أنّه قرأ به عن واحد من شيوخه وبالتالي فيكون هذا الوجه لم يثبت لا بالنصّ ولا بالأداء.

ثالثاً : إنّه اعتمد في تثبيت هذا الوجه على الرأي المحض والاستنباط من قول الشاطبي : (ولكن رؤوس الآي قد قلّ فتحها له غير ما ها فيه فاحضر مكملا.). بقوله : "وهذا الذي يظهر من كلام الشاطبيّ وهو الأولى عندي بحمل كلامه عليه".

رابعاً : إنّ استنباطه هذا يخالف شراّح الشاطبية الذين فسّروا قول الناظم (ولكن رؤوس الآي قد قلّ فتحها) بأنّه التقليل أي الإمالة اليسيرة المعبّر عنها ببين بين كالسخاوي وابن القاصح وأبي شامة والفاسي و ابن الحسين الموصلي المعروف بشعلة وغيرهم.
وقد نقل المنتوري عن شيخه القيجاطي تفسير عبارة الإمام الشاطبيّ بما فسّره ابن الجزريّ. قال المنتوري : "قال شيخنا القيجاطي رضي الله عنه : يريد : - أي الشاطبي- قلّ له الأخذ بالفتح في رؤوس الآي إذا كانت دون هاء وهي رواية المهري التي ذكرها ابن سفيان."(شرح الدرر 1/470). أقول : وحتى إن فسّره القيجاطي بهذا التفسير فإنّه لا يمكن الاعتبار به لأنّ الرواية التي ذكرها القيجاطي عن ابن سفيان غير معوّل عليها لأنّ ابن سفيان نفسه لم يرو عن الأزرق في كتابه الهادي إلاّ التقليل وذِكره لوجه الفتح كان على سبيل الحكاية لا الرواية لذلك قال القيجاطي : "التي ذكرها ابن سفيان" وما قال التي رواها ابن سفيان.

خامساً : لم يُنقل عن الداني الخلاف في رؤوس الآيْ المجرّدة عن الهاء وهو المصدر الأساسيّ للشاطبيّة ولم يُنقل حتّى فيما أعلم عن الأئمة المغاربة كابن شريح ومكي القيسي وغيرهم ممن اشتهرت قراءة الإمام نافع من طرقهم ، فكيف يقول به الإمام الشاطبيّ وهو من المغاربة ومن متأخّري هؤلاء.؟

سادساً : لم ينقل ابن الجزريّ الخلاف في الطيّبة حيث قال : (وقلّل الرّا ورؤوس الآي جف \ وما به ها غير ذي الرّا يختلف).

وعليه يظهر جلياً أنّ تفسير ابن الجزريّ لقول الشاطبيّ (قلّ فتحها) بقلة الرواية غير صحيح وأنّ المراد الصحّيح لذلك هو تقليل الفتح بشيء من الإمالة أي بين بين.

والعلم عند الله تعالى.
 
والتحقيق : أن (قَلّ) بمعنى التقليل بين بين وجهاً واحداً ، غير ما فيه (ها) ففيه الفتح والتقليل.
نودّ مناقشة هذا الفهم على ضوء منطوق الشاطبية بغض النظر عن إصابته أو خطئه في التعبير عن مذهب ورش.
أول من كلّمني بهذا الفهم هو أحد الإخوة النياجر في Atakpamé، عاصمة منطقة الجبال بـدولة توغو، في سبتمبر 2002م. ولم يطل حديثنا في الموضوع، وسمعته بعد ذلك كثيرا في محادثات عابرة. أما وقد تعرض له في الملتقى اثنان من الفطاحل في القراءات فلا بد من مناقشة الموضوع بعمق، لأني أعارض هذا الفهم. وأودّ كذلك أن تكون العبارات واضحة وجازمة.
بنى الأستاذان تفسيرهما لـ[قَلّ] من بيت الشاطبي على أساس أنه لم يقل أحد بفتح ذوات الياء من رءوس الآي دون الهاء إلا ابن الفحام في التجريد، وهو منه انفراد. وقال العلامة/ محمد يحيى شريف الجزائري عن ابن الجزري: "فكيف يأخذ بهذا الوجه مع انفراد ابن الفحام به. وقبول ابن الجزريّ لهذا الوجه خروج عن شرطه الذي ألزم به نفسه في كتاب النشر وهو شهرة القراءة ؟" ولما لم يجد، حفظه الله، من كتب القراءت واحدا يفتح ذوات الياء الخالية من هاء التأنيث، ولم يرد كذلك تخطئة الولي الصالح، عمد إلى الأخذ بأحد احتمالي تفسير [قَلَّ]. فنقل المفهوم من [قليل وجوده] إلى [قليل إمالته].
يقول محمد الحسن بوصو: هذا الفهم من الشيخين: الرويثي والجزائري خطأ للأسباب التالية:
1- كتاب "التجريد" عنصر محايد في عبارة الشاطبي، لا يزيد ولا ينقص، لأنه خارج عن طرق الشاطبية.
2- سياق الكلام لا يعطي كلمة [قَلَّ] إلا قليل وجودها. لأن تفسيرها بمعنى التقليل - بعد مخالفته استعمالات القراء والمؤلفين - يعني أنه في غير رءوس الآي الموصوفة يُميل كثيرا. ومعلوم لدى الشيخين أن هذا غير صحيح مطلقا.
3 - يقول الدكتور أحمد الرويثي حفظه الله: إن فهمك أن [قل فتحها] يعني أن رءوس الآي قسمان؛ المنتهية بهاء التأنيث والمنتهية بالألف، أما المنتهية بالألف فالأكثر فيها التقليل وقليل فيها الفتح، والمنتهية بهاء التأنيث فالأكثر فيها الفتح وقليل فيها التقليل. وهذه أربعة احكام، ثلاثة منها في التيسير وواحد معدوم، وبسبب هذا المعدوم انتقل الشيخ أحمد إلى عبارته تلك ليسلم الإمام من الخطإ أو الخروج عن الطريق، وخاصة أنه وجد انه لن يجد الطريق إلا منفردة معزولة غير مأهولة، وهي التجريد. فاورد عبارته: "والتحقيق أن (قَلّ) بمعنى التقليل بين بين وجهاً واحداً ، غير ما فيه (ها) ففيه الفتح والتقليل" فأصبح المعنى: رءوس الآي غير المنتهية بهاء التأنيث [قد قل فتحها] اي تُمال بالتقليل قولا واحدا، والمنتهية بالهاء فيها الوجهان. ولن يسلم الإمام عندئذ أيضا، لأنه لا يمكن مقابلة [قل فتحها] إلا بـ [كثرت إمالة غيرها]، أو [كثر فتح غيرها]. الأول مخالف لمذهب الأزرق، والثاني مخالف للعربية كلها
4 - أود من الشيخين الجليلين أن ينقلا لي ولو موضعين من الكتب - غير الشاطبية طبعا -حيث استعمل الفعل المجرد من [قل] للتقليل.
5 - أسبقت فيما مضى من المشاركات أن الشرح وجهة نظر خاصة بالشارح، يعينُ فعلا، ولكنه ليس دليلا.
 
شيخنا الفاضل مرحباً بكم من جديد في هذا الموضوع.
وأشكركم على التعليق.

كتاب "التجريد" عنصر محايد في عبارة الشاطبي، لا يزيد ولا ينقص، لأنه خارج عن طرق الشاطبية

إن كان الأمر كما تقول فلماذا حكم ابن الجزريّ على ابن الفحّام أنّه انفرد بهذا الوجه إن كان موافقاً لمضمون الشاطبيّة ؟.

سياق الكلام لا يعطي كلمة [قَلَّ] إلا قليل وجودها. لأن تفسيرها بمعنى التقليل - بعد مخالفته استعمالات القراء والمؤلفين - يعني أنه في غير رءوس الآي الموصوفة يُميل كثيرا. ومعلوم لدى الشيخين أن هذا غير صحيح مطلقا.
نعم هذا صحيح ولكن قد يستعمل الإمام الشاطبيّ بعض العبارات المجازيّة كقوله : (والاشمام إطباق الشفاه بُعيدما). ولا شكّ أنّ الإشمام لا يتأتّى بانطباق الشفتين.
وأزيدك أنّ الأمر لو كان كما قلتم لذكر شرّاح الشاطبيّة ذلك ولا أدّعي أنّني استقرأت كلّ الشروحات ولكنّي اطلعت البارحة على عدد معتبر منها فما وجدتّ في كلامهم ما يشير إلى ما جنح إليه ابن الجزريّ.
والعلم عند الله تعالى.
 
وأزيدك أنّ الأمر لو كان كما قلتم لذكر شرّاح الشاطبيّة ذلك ولا أدّعي أنّني استقرأت كلّ الشروحات ولكنّي اطلعت البارحة على عدد معتبر منها فما وجدتّ في كلامهم ما يشير إلى ما جنح إليه ابن الجزريّ.
والعلم عند الله تعالى.
سيدي محمد يحيى شريف الجزائري ! إني لا أتعب في التذكير بأن الشرح - عندي - ليس دليلا، بل وجهة نظر الشارح فقط. ولو أجمع الشراح والمحشون والمعلقون على شيء فإن هذا "الشيء" لا يكون دليل ثبوت أو نفي حتى يعضدها الفهم السليم أو النقل القويم، وعندئذ لا يكون الشرح أو الحاشية أو التعليق دليلا بل الفهم السليم أو النقل القويم. لذلك أعلن لكم منذ الآن - لعلكم تعذرونني - بأني، أحد الطرفين في الحوار، أرى أن رأي أيّ شارح، أيّاً يكن هو، قابل للأخذ والرد، إنما يسلم من ذلك نقله الصحيح فقط. وعليه فإن اطلاعكم على العدد المعتبر من الشروح لن يجعل الحوار يتقدم قيد نملة.
 
لو سلّمت لك جدلاً أنّ مراد الإمام الشاطبيّ من تلك العبارة هو قلّة الرواية ، فالسؤال : من أيّ مصدر ومن أيّ طريق أخذ تلك الرواية القليلة. ؟
إن كان هذا المصدر موجوداً لعلمه ابن الجزريّ ولبيّنه لأنّ مصادر الشاطبية معلومة لديه لقوله في النشر: مع أنّا لم نعد للشاطبي – رحمه الله – وأمثاله إلى صاحب التيسير وغيره سوى طريق واحدة وإلاّ فلو عددنا طرقنا وطرقهم لتجاوزت الألف ، وهذا علمٌ أُهمل وباب أُغلق وهو السبب الأعظم في ترك الكثير من القراءات والله تعالى يحفظ ما بقي " .
وأمّا إن كان مقصود الشاطبيّ بالقلّة بالنسبة إلى رواية ابن الفحام ، فإنّ ذلك غير مقبول لسببين : الأوّل طريق ابن الفحام ليس من طرق الشاطبية ومن قال بذلك فعليه بالدليل. ثانياً إنّه انفراد من صاحب التجريد وبالتالي فينبغي إلغاؤه من النشر لأنّه ليس من شرطه.

أعود مرّة ثانية وأقول : لماذا لم يشتهر هذا الوجه عند المغاربة بل حتّى عند المشارقة ؟
ولماذا أهمله صاحب النشر في طيّبته ؟

أمّا إن عدلنا عن شروح الشاطبية في تفسير عبارة في النظم فلا أدري على من نعتمد لا سيما إن اتفق جمهورهم أو كلّهم. وأذكّركم أنّ من هؤلاء الشراح من تتلمذوا على يد الناظم.

ولكم منّي كلّ الاحترام والتقدير.
 
سيدي محمد يحيى شريف الجزائري، حفظكم الله تعالى !
الكلام هنا ليس في الصواب أو الخطإ وليس في الطرق، وإنما في تفسير بيت الشاطبي [ولكن رءوس الآي قد قل فتحها....]، ومخالفتنا لكم في تفسير [قل فتحها]. وعلى تفسيركم يوافق المنطوق المصدرَ، وعلى تفسيرنا يكون الشاطبي قد زاد وجها ليس في أصل منظومته، وليس في الطرق الألف وزيادة إلا من التجريد، وهي انفرادة هناك. لكن تفسيركم خطأ من حيث اللغة والسياق والرواية كذلك.
أما من حيث اللغة ففعل [قَلّ] ليس من الأفعال التي يؤدي فيها الفعل المجرد معنى المزيد. إن [قل] فعل لازم، ومعنى اللزوم نشأة المعنى في الذات وانحصاره فيها لا يتعداها. فإن تعداها فهو فعل متعدٍّ، ولا بدّ من طرفين أو أكثر، لأن التعدي هو نقل المعنى من الفاعل إلى المفعول. وأظن هذا من الوضوح بمكان قبل بيانه هنا.
لا يفهم أحد من [كرُمَ زيدٌ] أن الكرم جاءه من آخر أو تعداه إلى آخر بل منه نبع وفيه انحصر. وعليه ففي تفسيركم أنه لم يقلل أحد رءوس الآي بل هي التي اتصفت بالقلة وليس بالتقليل. ولا شك أن الدافع لكم إلى هذا التفسير هو تنزيه الإمام الشاطبي من الخطإ وإبقائه على مقاس التيسير. وأنتم مثابون إن شاء الله.
أما بالنسبة الشروح فقد استعنت الله على نزع الملل مني في تذكيركم بأني لا أعتمدها ولا أراها دليلا أبدا وعلى الإطلاق فأعانني، والحمد له على ما أنعم !
ومن حيث السياق فــ [لكن] استدراك من حكم المتفق. وكيف يستدرك من نفس الحكم ؟
أما الرواية فلازم تفسيركم يعني ان الأزرق إما أمال غير رءوس لآي المذكور أو فتحها فتحات أعجمية.
 
شيخنا الفاضل
هذا ليس تفسيري وتعلم ذلك جيّداً ، ولو كان كذلك لوافقتكم مائة بالمائة.
والعجيب أنّكم أخذتكم بظاهر عبارة الشاطبية وتجاهلتم جمهور المفسّرين إن لم أقلّ كلّّهم بما فيهم الذين أخذوا النظم عن مؤلّفه وتتلمذوا عليه، ولست بحاجة إلى تذكيركم بعواقب الأخذ بظاهر النصوص بمفرده وتجاهل التفسيرات الواردة في المسائل سواء عند المحررين أو في العلوم الشرعيّة الأخرى.وما مذهب الظاهريّة في الفقه منكم بخفيّ.

لكن تفسيركم خطأ من حيث اللغة والسياق والرواية كذلك
.
من جهة اللغة لا أنازعكم فيه وإن كنت متحفّظاً فيما تقولون إذ يستحيل عندي أن يفوت شرّاح الشاطبية أمراً لغوياً كهذا من جهة. وإذا اعتبرنا ظاهر كلامه بأنّه تعبيرٌ مجازيّ ، وهذا وارد ولكنّهم تجاهلتموه أيضاً. ولست أقلّل من الاعتماد على ظواهر النصوص مطلقاً ولكنّي أقلّل وأتحفّظ من كلّ ظاهر مخالف لأقوال الأئمّة المفسّرين لذلك القول.
أمّا من جهة الرواية فهذا مّما لا أوافقكم فيه البتّة لا من قريب ولا من بعيد إذ ذلك يستوجب منكم إثباته بإثبات مصدره وشهرته.

أمّا مسألة تنزيه الإمام الشاطبيّ رحمه الله فهذا ليس هدف طلبة العلم والعلماء ، وإنّما الهدف هو التثبّت مما جاء به الأئمّة والبحث عن الحقّ إذ الكلّ معرّض للخطأ. ولا أنكر أنّ تنزيه العلماء من الخطأ أمرٌ محمود لحدّ ما ،لذلك حملنا عبارته على المجاز اتّباعاً لتفيسير الأئمّة لظاهر كلامه مع أنّ تنزيه الشارحين لكلامه أمرٌ محمود أيضاً.
ولكم منّي كلّ الاحترام والتقدير.
 
نودّ مناقشة هذا الفهم على ضوء منطوق الشاطبية بغض النظر عن إصابته أو خطئه في التعبير عن مذهب ورش.
المقتبس هنا من مشاركتي الأولى في الموضوع يقول ما يلي:
أنا موافق تماما، وعارف مسبقا، ومدرك سلفا أن:
1- الأزرق يقلل رءوس الآي التي لم تنته بهاء التأنيث. لا أقول قولا واحدا رعاية لحرمة التجريد
2 - التجريد منفرد بالقول بفتح رءوس الآي الموصوفة للأزرق في السور الإحدى عشرة.
3- ابن الجزري كما ترك حرف الأعراف والإسراء وحرفي التوبة لتفرد طرقها كان بإمكانه ترك فتح رءوس الآي الموصوفة لانفراد التجريد بها
3- التجريد خارج عن طرق الشاطبية ولو لم يكن منفردا.
5- سيدي ومولاي أبا حسان محمد تميم مصطفى عاصم الزعبي ما أقرني إلا بتقليلها، وذكر التجريد من باب الفائدة فقط.
6 - جميعَ أو أكثر الشروح التي اطلعت عليها من 2002 والتي أسلفت وأكرر هنا عدم دليليتها تفسر [قل] بمعنى التقليل.
ومع ذلك كله فإن [قلّ] لا يعني أبدا قلل إلا من باب الترقيع. بل الشروح المذكورة، حتى المعتنية منها باللغة كثيرا، لم تتعرض للتنبيه إلى أن [قل] هنا بمعنى قلل.
المحرج في موقفي هو اسبعاد دليلية الشروح لكونها وجهة نظر خاصة بالشارح ولولا ذلك لما اختلفت الشروح، وهو شيء لا علاقة له بالظاهرية، وإن كانت الظاهرية أفضل ألف مرة من الاحتمال والتخمين، ومن "لعل"، ومن "الطرق الأدائية"، ومن الخروج عن الطريق، ومن دمقرطة الطرق، ومن القياس......................
إني، يا شيخ محمد، ليست مجتهدا في المسألة بنظارتي ابن حزم، بل اخترت من احتمالي ابن الجزري، "لأنه إمام في هذا الفن" كما قال المتهم بمعاداته، الإزميري.
أسألك بالله يا شيخ محمد هل مرّ بك في معايشتك للكتب [قل] بمعنى قلل في غير الموضع محل الحوار ؟ كدت أقول محل النزاع.
المسألة ليس في الجائز قراءة والصحيح رواية وإنما في: [تعبير الشاطبي عن مذهب الأزرق]. هل يعني التقليلَ فيكون قد أصاب، وهو الاحتمال الأول عند ابن الجزري. أو يعني قل من قال بفتحها مع وجوده فيكون قد خالف أصله، وهو الاحتمال الثاني لابن الجزري، وهو الذي يؤيده مجمع اللغة العربية على اختلاف أعضائه من عهد امرئ القيس إلى عهد جاك بيرك بالجيم الشديدة.
 
لا دليل لك إلاّ ظاهر النظم وهذا لا يكفي. ولا يمكنك إثبات صحّة ذلك من جهة الرواية لا بالمتابعات ولا بالشواهد ، وحتّى كتاب التجريد لا يصلح أن يكون شاهداً أو متابعاً للإمام الشاطبيّ لأنّه ليس من طرقه ، قالأحرى إذن ترك هذا الوجه من الشاطبية كما فعل ابن الجزريّ في طيّبته.
والأخذ بالعزائم في مثل هذا أحرى وأولى. وهذا كلّه إن سلّمت لك ما تقول.

أسأل الله تعالى أن يوفّقنا جميعاً لما فيه الخير والصلاح.
والحمد لله ربّ العالمين.
 
أسأل الله تعالى أن يوفّقنا جميعاً لما فيه الخير والصلاح.
آمين ! وصلى الله وسلم تسليما كثيرا طيبا مباركا على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين !
 
فضيلة الشيخ محمد الحسن بوصو
أشكر لكم مشاركاتكم المفيدة

لا أرى تفسير قول الإمام الشاطبي رحمه الله (قَلَّ فتحُها له) بالتقليل مخالفاً للّغة ، وذلك أن التقليل أصلاً مأخوذ من القِلَّة
فما سمي التقليل تقليلاً إلا لأنك تنحو بالألف نحو الياء وبالفتحة نحو الكسرة قليلاً.
وبناءً عليه فيمكن توجيه (قل فتحها) إلى معنى ( قَلَّ إضجاع فتحها) على تقدير حذف مضاف. والمعنى أمالها إلى الياء قليلاً
أي وجهاً واحداً بلا خلاف، (غير ما ها فيه) ففيه الخلاف كذوات الياء.

بالنسبة لشروح الشاطبية ، فأنا أميل عند اختلافها إلى فتح الوصيد للإمام السخاوي رحمه الله لأنه تلميذ الناظم، وهو غالباً أعرف بمراد شيخه، بخلاف غيره من الشراح مثل الجعبري -رحمه الله- الذي يتوسع في المعاني المحتملة للأبيات ، فيتبعه غيره ، لا سيما المغاربة ، فقد راج عندهم، ووضعوا عليه الحواشي .
 
فضيلة الشيخ محمد الحسن بوصو
أشكر لكم مشاركاتكم المفيدة

لا أرى تفسير قول الإمام الشاطبي رحمه الله (قَلَّ فتحُها له) بالتقليل مخالفاً للّغة ، وذلك أن التقليل أصلاً مأخوذ من القِلَّة
فما سمي التقليل تقليلاً إلا لأنك تنحو بالألف نحو الياء وبالفتحة نحو الكسرة قليلاً.
وبناءً عليه فيمكن توجيه (قل فتحها) إلى معنى ( قَلَّ إضجاع فتحها) على تقدير حذف مضاف. والمعنى أمالها إلى الياء قليلاً
أي وجهاً واحداً بلا خلاف، (غير ما ها فيه) ففيه الخلاف كذوات الياء.

بالنسبة لشروح الشاطبية ، فأنا أميل عند اختلافها إلى فتح الوصيد للإمام السخاوي رحمه الله لأنه تلميذ الناظم، وهو غالباً أعرف بمراد شيخه، بخلاف غيره من الشراح مثل الجعبري -رحمه الله- الذي يتوسع في المعاني المحتملة للأبيات ، فيتبعه غيره ، لا سيما المغاربة ، فقد راج عندهم، ووضعوا عليه الحواشي .
صحيح أن [قلّلَ] فرع من [قَلّ] لأن مزيده بالتضعيف. ومعناهما القلة الذاتية أو القلة المتأثرة. لكن الرباعي فاعله القارئ، أو من يقوم مقامه، ولا بد له من مفعول. أما الثلاثي فالقلة كامنة فيه كمونَ النار في الشجر الأخضر، ففاعله لم يعمل وإنما اتصف. وسمي فاعلا اصطلاحا طردا للباب. إذا سلمنا بهذا - ولم يسلمه العلامة محمد يحيى شريف الجزائري زاده الله توفيقا - فإنه يقع إشكالان:
الأول: كيف أدى الثلاثي دور الرباعي هنا ؟ تقول لي: هذا كثير في اللغة. وأقول: يسمع ولا يقاس عليه، ولم يسمع في [قلّ] عن [قلل].
الثاني: أن تفسير [قَلَّ] بمعنى: القلة في الميل بالألف يعني أن غيرها من رءوس الآي كثُرَ فيها الميل بالألف. وهذا يستغفَرُ منه ويكفر عنه بالحج، تمتعا، مع سوق الهدي مشيا.
انظروا جيدا، قال: أمالَ ورش الألف قليلا نحو الياء في رءوس الياء القاصرة عن الهاء، ثم سكت. كيف علمت بالخلاف في التي وصلت إلى الهاء ؟
نحن نعلم الخلاف على هذا التفسير: في رءوس الآي مطلقا خلاف، الفتح قليل في القاصرة عن الهاء، والتقليل قليل في التي وصلت إلى الهاء. وهذا أربعة أوجه. لكن الفتح في القاصرة عن الهاء ليس في التيسير وإنما في التجريد، وهو ليس طريق الشاطبية.
وتعذرونني إذا لم أستطع ان اعبر عن وجهة نظري جيدا.
أما ما ذكره فضيلتكم الفضلى بخصوص الشروح فأنا معكم على مقاس ما قلتم. وبارك الله فيكم وفيما لكم وحفظكم ورعاكم !
 
الثاني: أن تفسير [قَلَّ] بمعنى: القلة في الميل بالألف يعني أن غيرها من رءوس الآي كثُرَ فيها الميل بالألف. وهذا يستغفَرُ منه ويكفر عنه بالحج، تمتعا، مع سوق الهدي مشيا.
انظروا جيدا، قال: أمالَ ورش الألف قليلا نحو الياء في رءوس الياء القاصرة عن الهاء، ثم سكت. كيف علمت بالخلاف في التي وصلت إلى الهاء ؟
حفظكم الله ورعاكم
علمنا الخلاف في رؤوس الآي المتصلة بـ(ها) من قوله أولاً : (وذوات الياء له الخُلف جُمِّلا) أي الفتح والتقليل ، ثم استدرك فاستثنى من الخلف رؤوس الآي فقال: (ولكن رؤوس الآي قد قل فتحُها) أي بلا خلافٍ ، ثم استثنى بعد ذلك فقال :(غير ما ها فيه) فرجع الكلام إلى الخلاف المذكور في ذوات الياء.
قال السخاوي : (معنى قل فتحها : أي فتحها فتحاً قليلاً، يعبر بذلك عن الإمالة اليسيرة... ويستوي في ذلك ما هو من ذوات الواو نحو {وأن يحشر الناس ضحى} ونحو {والضحى} وبين ما هو من ذوات الياء))
ولكن السخاوي بعد ذلك عندما شرح قول الشاطبي رحمه الله ( غير ما ها فيه ) قسَّم رؤوس الآي التي اتصلت بـ(ها) إلى ثلاثة أقسام:
ما لا خلاف في تقليله نحو {ذكراها} فإنه داخل في قوله (وذو الراء ورش بين بين)
ما لاخلاف في فتحه نحو {ضحاها} وشبهه من ذوات الواو [وهذا الوجه ردّه ابن الجزري كما سيأتي]
ما فيه الوجهان ، وهو ما كان من ذوات الياء.
لكن ابن الجزري لم يرتضِ تفريقه بين ذوات الواو وذوات الياء في روؤس الآي المتصلة بـ(ها) ، وقال عنه : تفقُّهٌ لا تساعده رواية، وقال ما معناه: فكما أنه لم يفرق في رؤوس الآي التي ليس فيها (ها) بين الواوي واليائي، فكذلك حكم رؤوس الآي المتصلة (ها)
لا فرق فيها بين الواوي واليائي.

نأتي إلى قول أبي شامة (تلميذ تلميذ الشاطبي)
قال في شرح البيت (ولكن رؤوس الآي قد قل فتحها...): (( يعني: أن رؤوس الآي لا يجري فيها الخلاف المذكور, بل قراءته لها على وجهٍ واحد, وهو بين اللفظين, وعبّر عن ذلك بقوله: "قد قل فتحها" يعني أنه قلله بشيء من الإمالة)).
ثم ذكر أبو شامة قول شيخه السخاوي في تقسيم رؤوس الآي التي فيها (ها) وتعقبه فقال: (( قلت: وتبع الشيخ غيره [يعني غير الشاطبي] في ذلك, وعندي أنه [أي الشاطبي] سوَّى بين جميع ما فيه الهاء, سواء كانت ألفه عن ياء أو واو, فيكون في الجميع الوجهان, وقد تقدم ما دل على ذلك من كلام الداني, في كتاب الإمالة)) يعني في عدم التفريق في رؤوس الآي بين الواو واليائي

وللحديث بقية إن شاء الله
 
حفظكم الله ورعاكم
علمنا الخلاف في رؤوس الآي المتصلة بـ(ها) من قوله أولاً : (وذوات الياء له الخُلف جُمِّلا) أي الفتح والتقليل ، ثم استدرك فاستثنى من الخلف رؤوس الآي فقال: (ولكن رؤوس الآي قد قل فتحُها) أي بلا خلافٍ ، ثم استثنى بعد ذلك فقال :(غير ما ها فيه) فرجع الكلام إلى الخلاف المذكور في ذوات الياء.
سيدي أحمد جزاكم الله خيرا على حسن المحاورة.
نكتفي بالرد على ما اقتبسنا من كلامكم مضربين عن الباقي لأنه شروح، وقد غلّط ابن الجزري أحدها، حسب نقلكم الوثيق، وقال بأن ذلك منه "تفقه".
الشاطبي رحمه الله يقول: إن لورش التقليلَ في ذوات الراء قولا واحدا، وله الخلاف في أربعة أنواع: خلاف متساوي الطرفين في "اريكهم" وذوات الياء. وخلاف غير متساوي الطرفين في رءوس الآي كلها. لكن فتحه للخالية من الهاء قليل، على عكس المتحلية ب{ها}. يبقى من أين أخذ وجه الفتح في غير المنتهية بـ{هاّ}. وليس لنا الجواب على ذلك، لأن غرضنا هو [تعبير الشاطبي عن مذهب الأزرق] وليس مصادره.
وكلمة [لكن] استدراك، والاستدراك حاجز قوي، يحجز أقوى الأفعال وأسلطها في التعدي، فكيف يرجع الحكم إلى الأول مع وجود الاستدراك.
ومعنى تفسيركم [قل] بالتقليل ما يلي: قلل ورش ذوات الراء قولا واحدا، واختلف عنه في أريكهم وذوات الياء، وقلل رؤوس الآي العرية عن {ها} قولا واحدا. ثم قابلتم [قلل] رؤوس الآي القاصرة عن الهاء بالخلاف في غيرها، بأن حملتم المتحلية بالهاء على الأكتاف وعبرتم بها أقوى الحدود أمنا وتركتموها هناك قائمة على غير أصولها. ولماذا ليس المقابل الفتح ؟ ولماذا ليست الإمالة الكبرى ؟ وما المانع ؟
إن رؤوس الآي ليست من ذوات الياء حتى يعود حكم هذه إلى تلك. بل رؤوس الآي قسم مستقل، في سور محددة، ومواقع معينة، يختلط فيها اليائي بالواوي. وسبب إمالتها محلّان: السور المحددة وكونها الكلمة الأخيرة في آيات هذه السور، على خلاف ذوات الياء تماما.
من باب التذكير هل رأيتم غيره استعمل [قَلَّ] بمعنى [قَلَّلَ] ؟
اعتذار: إذا رأيتم أني بسّطت الموضوع وذكرت الواضح وكررت المعلوم لديكم فلأني أعلم أن غيركم وغير أمثالكم في العلم يقرأ هذه المشاركات، وحتى يستفيد ويتابع يلزمني التبسط له. وما كانت هذه المشاركة الطويلة لتجاوز ثلاثة أسطر لو حسبتكم وحدكم. هل تقبلون عذرنا ؟ وشكرا مسبقا !
 
ومما يوضح هذه المسألة ، تعدد الأسانيد التي ساقها الإمام ابن الجزري في " النشر / مبحث الطرق " للإمام الشاطبي من غير طريق الداني ، وكذلك إجازة النفزي لتلميذه الشاطبي ، فقد ذكر الشيخ أسانيد متعددة من طرق أخرى " مكي بن أبي طالب ، أبو بكر الطرسوسي وغيره ".
سيدي أبا تراب الجزائري ! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد فنود أن نطرح عليكم سؤالين محددين، راجين أن تمعنوا النظر فيهما قبل الرد ليكون الجواب على مقاسهما: أين ذكر ابن الجزري في "مبحث الطرق" من "النشر" "أسانيد متعددة من طرق أخرى " للشاطبي غير طرق الداني ؟ وما هي ؟
 
تحرير {والجار}

تحرير {والجار}

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد.

تحرير {والجار}

قال ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى في كلمة {والجار} : "واختلف فيه عن الأزرق عن ورش فرواه أبو عبد الله بن شريح عنه بين بين وكذلك هو في التيسير وإن كان قد حكى فيه اختلافاً فإنه نص بعد ذلك على أنه بين بين قرأ به وبه يأخذ وكذلك قطع به في مفرداته ولم يذكر عنه سواه. وأما في جامع البيان فإنه نص على أنه قرأه بين بين على ابن خاقان وكذلك على أبي الفتح فارس بن أحمد وقرأه بالفتح علي أبي الحسن بن غلبون (قلت) والفتح فيه هو طريق أبيه أبي الطيب واختياره وبه قطع صاحب الهداية والهادي والتلخيص وغيرهم، وقال مكى في التبصرة مذهب أبي الطيب الفتح وغيره بين اللفظين انتهى. وهو يقتضى الوجهين جميعاً وبهما قطع في الشاطبية وكلاهما صحيح والله أعلم."(النشر 2/57).

الذي يظهر من كلام ابن الجزريّ أنّ التقليل في {والجار} هو مذهب صاحب الكافي والداني في تيسيره وجامع البيان من قراءته على ابن خاقان وفارس ابن أحمد وأحد وجهي الشاطبية والتبصرة من قراءة مكي القيسي على غير أبي الطيّب. وأمّا الفتح فهو من جامع البيان أيضاً لكن من قراءة الداني على أبي الحسن وهذا يقتضي أنّه مذهب صاحب التذكرة أيضاً ، وهو مذهب صاحب الهداية والهادي والتلخيص وإرشاد أبي الطيّب وبه قرأ مكي القيسي عليه أيضاً وهو الوجه الثاني في الشاطبيّة.

1 – مذهب أصحاب التقليل على ما في النشر: وهم صاحب الكافي والداني في تيسيرة وجامعه من قراءته على ابن خاقان وفارس ابن أحمد. وأحد وهي الشاطبية والتبصرة.​

فأمّا من الكافي فقال ابن شريح بعد أن ذكر مذهب الدوري الكسائي وأبي عمرو البصري : "وقرأ ورش هذا الفصل كلّه بين اللفظين في وصله ووقفه" (الكافي ص62). أقول : ما استثنى لورش شيئاً مما استثناه لأبي عمرو. وعليه يكون مذهبه فيهما التقليل.

وأمّا من التيسير فقال الداني : "وأما قوله عزّ وجلّ : {والجار} و {جبارين} فإنّ ورشاً يقرؤهما أيضاً بين بين على اختلاف بين أهل الأداء عنه في ذلك وبالأوّل قرأت وبه آخذ."(التيسير ص182). وقال في جامع البيان : وقرأ نافع في رواية ورش من غير طريق الأصبهاني جميع ما تقدم بين اللفظين ، واستثنى لي فارس ابن أحمد عن قراءته في رواية أبي يعقوب الأزرق عنه الأبصار خاصة نحو {لأولي الأبصار} و {يذهب بالأبصار} وشبهه من لفظه حيث وقع ، فأخذ ذلك عليّ بإخلاص الفتح ، واستثنى ابن غلبون عن قراءته {وجار} في الموضعين و {جبارين} في المكانين فأخذ ذلك عليّ بالفتح. وقرأت له ذلك كلّه على ابن خاقان بين بين كنظائره."(جامع البيان ص324).
أقول : المأخوذ به من التيسير هو بين بين إذ به قرأ الداني على ابن خاقان وكذا من جامع البيان ومن قراءته على أبي الفتح أيضاً خلافاً لقراءته على أبي الحسن إذ قرأ عليه بالفتح وهو مذهبه في كتابه التذكرة ومذهب أبيه في الإرشاد كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

وأمّا من الشاطبية فقال صاحبها :مَعْ كَافِرِينَ الْكَافِرِينَ إنْ أتَى**** بِالْيَا وَفِي الْجَارِ خِلافٌ ثَبَتَا *** كَذَاكَ جَبَّارِينَ ثُمَّ قَلِّلاَ

وأمّا من التبصرة فقال مكي القيسي : "ومذهب غير أبي الطيّب أن نقرأ لورش {الجار} في الموضعين بين اللفظين وإن كان أبو عمرو-البصري- قرأهما بالفتح ,أبو الطيّب رحمه الله يأخذ فيهما لورش بالفتح كأبي عمرو."(التبصرة ص137). أقول : قول ابن الجزري : "وهو يقتضى الوجهين جميعاً" من التبصرة مطلقاً دون تقييده بطريق النشر لأنّ طريق التبصرة من النشر هو من رواية مكي القيسي عن أبي عدي عن ابن سيف ومذهبه من هذا الطريق هو التقليل لقوله في التبصرة "ومذهب غير أبي الطيّب أن نقرأ لورش {الجار} في الموضعين بين اللفظين" وأمّا الفتح فهو من قراءة مكي على أبي الطيّب وهي ليست من طريق النشر لأنّ ابن الجزري لم يُسند رواية الأزرق من التبصرة من طريق أبي الطيّب. وعليه فإننا نقتصر على وجه التقليل ، وعليه اقتصر الأزميري في بدائعه وحقّ له ذلك خلافاً لشيخه يوسف زادة الذي أخذ بالوجهين من التبصرة. قال العلامة الضباع : "وقرأ مكي بالتقليل على أبي عدي". انتهى كلامه. وهذه إشارة منه رحمه الله إلى أنّه هو طريق النشر من التبصرة.

2– مذهب أصحاب الفتح على ما في النشر : وهم الداني من قراءته على أبي الحسن وهذا يقتضي أنّه مذهب صاحب التذكرة أيضاً ، وهو مذهب صاحب الهداية والهادي والتلخيص وإرشاد أبي الطيّب وبه قرأ مكي القيسي عليه أيضاً وهو الوجه الثاني في الشاطبيّة.

فأمّا قراءة الداني على أبي الحسن فهو ظاهر من جامع البيان وهو قول الداني : "واستثنى ابن غلبون عن قراءته {وجار} في الموضعين و {جبارين} في المكانين فأخذ ذلك عليّ بالفتح.".

وأمّا من التذكرة فقال أبو الحسن : " وأمّا قوله في النساء {والجار ذي القربى والجار الجنب} فأمالهما الأعشى ورجال الكسائي سوى أبي الحارث وفتحهما الباقون."(التذكرة ص1/214).

وأما من الهداية فلم أجد إشارة إلى مذهب ورش في ذلك و.قد نقل ابن القاضي عن المنتوري في شرحه على الدرر قوله : "ورواه ابنا غلبون وابن سفيان وابن بليمة والمهدوي بالفتح وبه قرأ الداني على أبي الحسن.انتهى"(الفجر الساطع 3/272). ولم أجد في شرح المنتوري المطبوع هذا النصّ. وهناك قرينة أخرى وهو الاعتماد على المتابعات في الرواية حيث أنّ صاحب الهداية يشاركه في طريق ابن هلال عن النحاس كلّ من صاحب الكامل والمجتبى ومذهبهما الفتح. والفتح في {والجار} من طريق الهداية هو الذي جري العمل به عند يوسف زادة والأزميري والضباع.

وأمّا من الهادي فليس من طريق الطيّبة.

وأمّا من التلخيص فقال ابن بليمة : "وقرأ الباقون بالفتح في ذلك كلّه إلاّ {رءياك} فإن أبا عمرو يقرؤه بين اللفظين وكذلك فتح {الجار} و {جبارينْ}."(تلخيص العبارات ص47).

وأمّا من الإرشاد فقال أبو الطيّب : "وقرأ ورش عن نافع جميع ما قرأه أبو عمرو بالإمالة بين اللفظين في هذا الباب حيث وقع."(الإرشاد 1/445). وقد ذكر الفتح في و{والجار} لأبي عمرو فقال : "{والجار ذي القربى والجار الجنب} قرأهما أبو عُمر الدوري عن الكسائي بالإمالة. وقرأهما أبو عمرو والجماعة وأبو الحارث عن الكسائي بالفتح."(الإرشاد ص1/444). أقول : يظهر جلياً أنّ أبا عمرو يفتحها وبالتالي فإنّ ورشاً يفتحها أيضاً.

وأمّا من التبصرة فقد سبق التنبيه أنّ وجه الفتح هو من رواية مكي القيسي عن أبي الطيّب وهو ليس من طرق النشر من التبصرة.

وأما الوجه الثاني من الشاطبية فظاهر.

وقد سكت صاحب النشر على مذهب الهذلي وكذلك سكت يوسف زادة والأزميري ، ولم أجد إشارة في كتاب الكامل إلى مذهب الهذلي في ذلك ، ورأيت العلامة الضباع يشير إلى الفتح بقوله بعد ما ذكر أصحاب مذهب التقليل : "ورواه الباقون بالفتح"(المطلوب ص10).

وقد سكت صاحب النشر عن مذهب أبي معشر ونأخذ له بالفتح لقول العلامة الضباع "ورواه الباقون بالفتح"(المطلوب ص10).

وقد سكت صاحب النشر عن مذهب صاحب العنوان. وقال في كتابه التحفة :"فتح ورش {جبارين} و {والجار} بلا خلاف."(تحفة الإخوان في الخلف بين الشاطبية والعنوان ص173).

وقد سكت أيضاً عن مذهب صاحب المجتبى وهو كمذهب صاحب العنوان.

وقد سكت صاحب النشر عن مذهب صاحب التجريد. قال ابن الفحام : "فأمّا {الجار} في الموضعين فأماله الدوري عن الكسائي وابن فرح عن الدوري وشجاع عن أبي عمرو في رواية عبد الباقي."(التجريد ص170). ولم يذكر ورشاً مع أصحاب الإمالة دلّ أنّ مذهبه الفتح وبه أخذ يوسف زادة والأزميري والضباع.

3 – خلاصة المسألة :
نخلص مما سبق أنّ مذهب أصحاب التقليل هم صاحب الكافي والتبصرة والداني في التيسير وجامع البيان من قراءته على أبن خاقان وفارس ابن أحمد وأحد الوجهين في الشاطبية ، وأنّ الفتح هو مذهب صاحب الهداية التذكرة والإرشاد والتلخيص والتجريد والكامل والعنوان والمجتبى وطريق أبي معشر وبه قرأ الداني على أبي الجسن والوجه الثاني من الشاطبية.

ففي قوله تعالى : {واعبدوا الله ولا تُشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي لابقربى} ثمانية أوجه وهي كالتالي :

الأوّل : توسط {شيئا} مع الفتح في {القربى واليتامى} والفتح في {والجار} من الشاطبية والتذكرة والإرشاد والكامل وطريق أبي معشر وجامع البيان من قراءة الداني على أبي الحسن.
الثاني : توسط {شيئا} مع الفتح في {القربى واليتامى} والتقليل في {والجار} من الشاطبية والتبصرة والكافي في أحد وجهيه.
الثالث : توسط {شيئا} مع التقليل في {القربى واليتامى} والتقليل في {والجار} من الشاطبية والتيسير وجامع البيان من قراءة الداني على ابن خاقان وفارس ابن أحمد
الرابع : توسط {شيئا} مع التقليل في {القربى واليتامى} والفتح في {والجار} من الشاطبية والتلخيص والعنوان
الخامس : طول {شيئا} مع الفتح في {القربى واليتامى} و{والجار} من الشاطبية والهداية والتجريد
السادس : طول {شيئا} مع الفتح في {القربى واليتامى} والتقليل في {والجار} من الشاطبية والثاني من الكافي
السابع : طول {شيئا} مع التقليل في {القربى واليتامى} و{والجار} من الشاطبية
الثامن : طول {شيئا} مع التقليل في {القربى واليتامى} والفتح في {والجار} من الشاطبية والمجتبى.

التنبيه الأوّل :
لا أدري لماذا اقتصر الأزميري في بدائعه على ستة أوجه ومنع وجهين وهما الرابع والثامن أي التقليل في {القربى واليتامى} مع الفتح في {والجار} على التوسط والمدّ في {شيئاً} مع ثبوتهما في مصادر النشر كما سبق بيانه. لعلّ السبب أنّه لم يرتضي اجتماع التقليل في {القربى واليتامى} مع الفتح في {والجار}مع أنّه لا علاقة بين الجنسين إطلاقاً فالجنس الأوّل من الألفات للتأنيث على وزن فُعلى وفَعالى والثانية أميلت لأجل الكسرة. وتبعه في ذلك الشيخ إبراهيم العبيدي في كتاب التحارير المنتخبة على متن الطيّبة ، مع أنّ العبيدي لم يذكر وللأسف مصادر كلّ وجه كما هو صنيع يوسف زادة والأزميري فاكتفى بذكر الأوجه من غير عزو. وقد أجاز يوسف زادة الوجه الثامن خلافاً لتلميذه الأزميري ، ووافقه في الوجه الرابع. والصحيح جواز الأوجه الثمانية من الشاطبية والطيّبة جميعاً. والعلم عند الله تعالى.

التنبيه الثاني :
قال الشيخ سلطان مزّاحي في رسالته : "ولكنّي رأيت في أجوبة ابن الجزريّ على المسائل التي وردت عليه من (تبريزة) أنّه يقرأ بالتقليل مع التقليل ، وبالفتح مع الفتح وممّا ينبغي ذكره في هذا المحلّ تحرير الطرق حسب ما ذكره في النشر لأنّه المعوّل عليه في تحريرها....".(رسالة الشيخ سلطان مزاحي ص20).
أقول : لعلّ ما ذكره ابن الجزريّ في مسائله التبريزية هو الذي جعل المحرّرون يختلفون في تحرير أوجه ذوات الياء مع {والجار} و {جبارين} إلى ثلاثة مذاهب : فمنهم من أخذ بمذهب التسوية عملاً بما ورد في المسائل التبريزية ، ومنهم من منع بعض الأوجه كما فعل الأزميري وتابعيه ، ومنهم من أخذ بجميع الأوجه.
وحتى لو صحّ أنّ ابن الجزريّ اختار التسوية فعلى أيّ اساس ؟ أليست المسألة متعلّقة بالرواية إذ التفرقة بين الجنسين صحّت من التبصرة والكافي والتلخيص والعنوان والمجتبى والشاطبية ؟. أمّا من جهة القياس فلا علاقة بين ذوات الياء و {والجار} كما ذكرنا فلا يخضعان إذن للتسوية أو التفرقة.

أكتفي بهذا القدر والحمد لله ربّ العالمين.
 
تحرير {جبّارين}

تحرير {جبّارين}

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد

تحرير {جبّارين}

قال ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى في {جبارين} :"واختلف فيه عن الأزرق فرواه عنه بين بين أبو عبد الله بن شريح في كافيه وأبو عمرو الداني في مفرداته وتيسيره وبه قرأ على شيخه الخاقاني وفارس وقرأ بفتحه على أبي الحسن ابن غلبون وهو الذي في التذكرة والتبصرة والكافي والهداية والهادي والتجريد والعنوان وتلخيص العبارات وغيرها وذكر الوجهين جميعاً أبو القاسم الشاطبي وبهما قرأت وآخذ".(النشر 2/59).

الذي يظهر من كلام ابن الجزريّ أنّ التقليل في {جبارين} هو مذهب صاحب الكافي والداني في تيسيره وجامع البيان من قراءته على ابن خاقان وفارس ابن أحمد وأحد وجهي الشاطبية. وأمّا الفتح فهو من جامع البيان أيضاً لكن من قراءة الداني على أبي الحسن وكذا من التذكرة والتبصرة والكافي والهداية والهادي والتجريد والعنوان وتلخيص العبارات والوجه الثاني من الشاطبية.

والغريب أنّ ابن الجزريّ جعل صاحب الكافي من أصحاب التقليل ثمّ ذكره مع أصحاب الفتح فقال أوّلاً : "فرواه عنه بين بين أبو عبد الله بن شريح في كافيه" ثمّ قال "وقرأ – أي الداني - بفتحه على أبي الحسن ابن غلبون وهو الذي في التذكرة والتبصرة والكافي". لعلّه سهو منه رحمه الله تعالى والصحيح أنّه من أصحاب مذهب التقليل كما سيأتي.

1 – مذهب أصحاب التقليل على ما في النشر: وهم صاحب الكافي والداني في تيسيرة ، وأحد وجهي الشاطبية وجامع البيان من قراءة الداني على ابن خاقان وفارس ابن أحمد.​

فأمّا من الكافي فقال ابن شريح بعد أن ذكر مذهب الدوري الكسائي وأبي عمرو البصري : "وقرأ ورش هذا الفصل كلّه بين اللفظين في وصله ووقفه" (الكافي ص62). أقول : ما استثنى لورش شيئاً مما استثناه لأبي عمرو. وعليه يكون مذهبه فيهما التقليل.

وأمّا من التيسير فقال الداني : "وأمّا قوله عزّ وجلّ : {والجار} و {جبارين} فإنّ ورشاً يقرؤهما أيضاً بين بين على اختلاف بين أهل الأداء عنه في ذلك وبالأوّل قرأت وبه آخذ."(التيسير ص182). وقال في جامع البيان : وقرأ نافع في رواية ورش من غير طريق الأصبهاني جميع ما تقدم بين اللفظين ، واستثنى لي فارس ابن أحمد عن قراءته في رواية أبي يعقوب الأزرق عنه الأبصار خاصة نحو {لأولي الأبصار} و {يذهب بالأبصار} وشبهه من لفظه حيث وقع ، فأخذ ذلك عليّ بإخلاص الفتح ، واستثنى ابن غلبون عن قراءته {وجار} في الموضعين و {جبارين} في المكانين فأخذ ذلك عليّ بالفتح. وقرأت له ذلك كلّه على ابن خاقان بين بين كنظائره."(جامع البيان ص324).

وأمّا من الشاطبية فقال صاحبها :م....وجبارين وجار تمّموا ****وورش جميع الباب كان مقلّلا.


2– مذهب أصحاب الفتح على ما في النشر : وهم صاحب التذكرة والتبصرة والهداية والهادي والتجريد والعنوان وتلخيص العبارات والوجه الثاني من الشاطبية وجامع البيان من قراءة الداني على أبي الفتح..

فأمّا قراءة الداني على أبي الحسن فهو ظاهر من جامع البيان وهو قول الداني : "واستثنى ابن غلبون عن قراءته {وجار} في الموضعين و {جبارين} في المكانين فأخذ ذلك عليّ بالفتح."

وأمّا من التذكرة فقال أبو الحسن : "وأمّا قوله تعالى {جبارين} في المائدة والشعراء : فأمالهما الأعشى ورجال الكسائي سوى أبي الحارث وفتحهما الباقون."(التذكرة ص1/214).

وأما من التبصرة فالذي يظهر منه التقليل خلافاً لظاهر النشر لقول صاحب التبصرة : "وأما ورش فقرأ جميع ما قرأه أبو عمرو بالإمالة مما فيه راء بين اللفظين خلا {ولو أراكهم} في الأنفال فإنّ ورشاً روى عن نافع الفتح فيه ، وكان يختار بين اللفظين ، ومذهب غير أبي الطيّب أن يقرأ لورش {الجار} في الموضعين بين اللفظين وإن كان أبو عمرو قرأهما بالفتح."(التبصرة ص 389 الطبعة الهندية). وقوله : "كان أبو عمرو –رحمه الله- يميل كل ألف بعدها راء مكسورة والراء في موضع اللام من الفعل ، والكلمة في موضع الخفض ، تكررت الراء أو لم تتكرّر نحو {النهار} و {النار} و {الأسحار} و {الأبرار} غير أنّه فتح {الجار} في الموضعين في النساء....".(نفس المصدر ص385 و 386). أقول : أشار صاحب التبصرة أنّ ورشاً قرأ بين اللفظين جميع ما يميله أبوعمرو مما فيه راء ، واستثنى لأبي عمرو {الجار} دون {جبارين} إذ ما أشار إلى {جبارين} لا في مذهب البصري ولا في مذهب ورش. دلّ هذا أنّ أبا عمرو أمال {جبارين} لعدم استثناءه لها وأنّ ورشاً يقرأها بين اللفظين تبعاً له لقول مكي : "وأما ورش فقرأ جميع ما قرأه أبو عمرو بالإمالة مما فيه راء بين اللفظين", وعليه يكون مذهب صاحب التبصرة لورش في {جبارين} هو التقليل بهذا المنظار. ولكن برجوعنا إلى النشر وجدنا أنّ الإمالة في {جبارين} عن أبي عمرو البصريّ ضعيفة انفرد بها النهرواني عن ابن فرح عن الدوري عن أبي عمرو لقول ابن الجزريّ : "(وأما جبارين) فاختص بإمالته الكسائي من رواية الدوري وانفرد النهرواني عن ابن فرح عن الدوري عن أبي عمرو بإمالته لم يروه غيره" مع أنّه ليس في كلام صاحب التبصرة ما يستثني {جبارين} من الإمالة. وللتثبّت من المسألة رجعنا إلى أسانيد أبي عمرو البصري في النشر من طريق التبصرة فوجدتّ طريقاً واحداً للدوري. قال ابن الجزريّ : "(طريق المجاهدي) وهي الحادية عشر عن ابن مجاهد من خمس طرق من قراءة الشاطبي على النفزي على ابن غلام الفرس على ابن الدوش وأبي داود على الداني طاهر ابن غلبون، ومن كتاب التذكرة قرأ بها طاهر ومن كتاب الهادي قرأ بها ابن سفيان ومن كتاب التبصرة قرأ بها مكي ومن كتاب الكامل قرأ بها الهذلي على ابن هاشم وقرأ بها ابن هاشم ومكي وابن سفيان وطاهر على أبو الطيب ابن غلبون على أبي القاسم نصر بن يوسف المجاهدي."أقول هذا الطريق يحتوي على خمسة طرق : الشاطبية والداني (وجدت الإسناد في كتاب المفردات) والتذكرة والهادي والتبصرة والكامل كلّهم عن أبي الطيّب بن غلبون صاحب الإرشاد بواسطة أم بغير واسطة ، ومذهب أبي الطيّب في إرشاده هو الفتح لأبي عمرو لقوله "وأمّا قوله في المائدة {إنّ فيها قوماً جبارين} وفي الشعراء {بطشتم جبارين} ، فهما في موضع نصب ، فما أمالها من القراء أحد ، إلاّ الكسائيّ في رواية أبي عُمر الدوري."(الإرشاد ص1/445). وهو الموافق لما في المفردات للداني والشاطبية والتذكرة وشرح الهداية والكامل وبالتالي فإنّ الصحيح من طريق البصريّ في {جبارين} هو الفتح. وورش تابع له في الفتح لقول صاحب التبصرة "وأما ورش فقرأ جميع ما قرأه أبو عمرو بالإمالة مما فيه راء بين اللفظين". وعليه فإنّ مذهب صاحب التبصرة لورش في {جبّارين} هو الفتح.

وأمّا من الهداية فلم أجد في شرح الهداية للمهدوي إشارة إلى مذهب ورش في ذلك وعليه فإننا نأخذ بظاهر النشر وهو المأخوذ به عند المحررين.

أمّا من الهادي فليس من طرق النشر.

وأمّا من التجريد فقال ابن الفحام : "وتفرد الدوري عن الكسائي بإمالة {جبارين} إذا كان بياء ونون حيث وقع..."(التجريد ص171).

وأمّا من العنوان فقال ابن الجزري في كتابه التحفة :"فتح ورش {جبارين} و {والجار} بلا خلاف."(تحفة الإخوان ص173).

أما من التلخيص فقال ابن بليمة : وقرأ الباقون بالفتح في ذلك كلّه إلاّ {رءياك} فإن أبا عمرو يقرؤه بين اللفظين وكذلك فتح {الجار} و {جبارينْ}. ص47.

وسكت عن صاحب الإرشاد. قال أبو الطيّب : "وأمّا قوله في المائدة {إنّ فيها قوماً جبارين} وفي الشعراء {بطشتم جبارين} ، فهما في موضع نصب ، فما أمالها من القراء أحد ، إلاّ الكسائيّ في رواية أبي عُمر الدوري."(الإرشاد ص1/445).

وسكت عن صاحب الكامل. قال الهذلي : "وقوله {جبارين} أماله الكسائي عن أبي الحارث ، والنقاط ، والناقد ، وسورة ، وشريح والرومي عن عباس."(الكامل ص331).

وسكت عن مذهب أبي معشر وهو كمذهب الهذلي أي الفتح وهو يظهر من النشر أيضاً حيث ذكر أصحاب التقليل على الحصر وذكر أصحاب الفتح على التمثيل بقوله ".....وغيرها."

وسكت عن مذهب الطرسوسي وهو كمذهب صاحب العنوان أي الفتح. وهو يظهر من النشر أيضاً بقوله عند ذكر أصحاب الفتح ".....وغيرها."

3- خلاصة المسألة :
نخلص مما سبق أنّ التقليل في {جبارين} هو مذهب صاحب الكافي والتيسير وأحد وجهي الشاطبية وجامع البيان من قراءة الداني على ابن خاقان وأبي الفتح ، وأنّ الفتح هو من باقي المصادر.

ففي قوله تعالى {قالوا يا موسى إنّ فيها قوماً جبّارين} أربعة أوجه كلّها صحيحة من الشاطبية والطيّبة.

الأوّل : فتح {موسى} مع الفتح في {جبّارين} من الشاطبية والتذكرة والإرشاد والتبصرة والهداية والتجريد والكامل وطريق أبي معشر وجامع البيان من قراءة الداني على أبي الحسن.
الثاني : فتح {موسى} مع التقليل في {جبّارين} من الشاطبية والكافي.
الثالث : تقليل {موسى} و {جبارين} من الشاطبية والتيسير وجامع البيان وبه قرأ الداني على ابن خاقان وفارس بن أحمد.
الرابع : : تقليل {موسى} مع الفتح في {جبارين} من الشاطبية والتلخيص والعنوان والمجتبى.
 
بارك الله فيكم يا شيخ محمد، وجعل ما تحررونه في ميزان حسناتكم، وزادكم من فضله علما وعملا وفضلا.
 
تحرير إمالة الهاء والياء بين اللفظين في {كهيعص}.

تحرير إمالة الهاء والياء بين اللفظين في {كهيعص}.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد.

تحرير إمالة الهاء والياء بين اللفظين في {كهيعص}.

قال ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى : "واختلف عن الأزرق فقطع له ببين بين اللفظين صاحب التيسير والتلخيصين والكافي والتذكرة وهو أحد الوجهين في الكافي والتبصرة على ما ذكرنا وقطع له بالفتح صاحب الهداية والهادي وصاحب التجريد وهو الوجه الثاني في الكافي والتبصرة"(النشر 2/68).

يظهر من كلام ابن الجزريّ أنّ التقليل في الهاء والياء من {كهيعص} هو مذهب صاحب التيسير وتلخيص ابن بليمة والتذكرة وأحد الوجهين في الكافي والتبصرة وأنّ مذهب الفتح فيهما هو من الهداية والهادي والتجريد والوجه الثاني في الكافي والتبصرة.

1 – بيان أصحاب مذهب التقليل على ما في النشر : وهم الداني في تيسيره وصاحب تلخيص العبارات والتذكرة وأحد وجهي الكافي والتبصرة.

فأما من التيسير فقال الداني : "ونافع الهاء والياء بين بين".(التيسير ص356). وقال في جامع البيان :"وقرأت في رواية الجمع عن نافع ما خلا الأصبهانيّ الهاء والياء بين بين.حكى لي ذلك أبو الفتح عن قراءته على عبدالله بن الحسين عن أصحابه ، وحكاه لي أيضاً أبو الحسن عن قراءته في روايته قالون وورش ، وابن خاقان عن قراءته في رواية ورش ، وحكى لي أبو الفتح عن قراءته على عبد الباقي بن الحسن عن أصحابه في رواية الأربعة عن نافع بإخلاص الفتح للهاء والياء."(جامع البيان ص613). أقول : أخبر الداني أنّه قرأ في رواية الجمع عن نافع ما خلا الأصبهاني بين بين ، وأنّ قراءته على مشايخه الثلاثة أي ابن خاقان وأبي الفتح وأبي الحسن ابن غلبون كذلك إلاّ ما حكاه من رواية أبي الفتح عن عبد الباقي التي ثبت فيها وجه الفتح ولكنّ هذه الرواية ليست من طرق النشر. لأنّ رواية الداني عن أبي الفتح للأزرق من النشر هي من طريق ابن عرّاك عن الخولاني عن النحاس عن الأزرق وليست من طريق عبد الباقي. قال المنتوري : "وذكر الداني في كتابه التعريف أنّه قرأ ذلك بين بين ، ثمّ حكى عن فارس ابن أحمد قراءته بالفتح على عبد الباقي كما تقدّم. وذكر في الموضح والتمهيد من طريق أبي يعقوب الإمالة في ذلك بين بين خاصّة ، وعلى ذلك اقتصر في الاقتصاد والتيسير وإرشاد المتمسّكين وإيجاز البيان والتلخيص والموجز وكتاب رواية ورش من طريق المصريين والتهذيب."(شرح الدرر 2/485). أقول : كلام المنتوري يدلّ على أنّ الداني لم يقرأ إلا بالتقليل وما حكاه عن شيخه أبي الفتح عن عبد الباقي هو على الحكاية لا الرواية بالإضافة إلى أنّ هذه الرواية وإن ثبتت فإنّ الداني لم يقرأ بها مع كونها ليست من طرق النشر.والعلم عند الله تعالى.

وأمّا من التلخيص فقال ابن بلّيمة : "قرأ نافع الهاء والياء من {كهيعص} بين اللفظين."(تلخيص العبارات ص118).

وأمّا من التذكرة فقال أبو الحسن : "قرأ نافع {كهيعص} الهاء والياء بين الإمالة والفتح"(التذكرة 1/423).

وأمّا من الكافي فقال ابن شريح : "أمال أبو عمرو وأبو بكر والكسائي الهاء من {كهيعص} وفتحها الباقون. وأمال ابن عامر الياء وأبو بكر وحمزة والكسائي وفتحها الباقون. وقرأتهما أيضاً لنافع بين اللفظين."(الكافي ص152).

وأما من التبصرة فقال مكي القيسي : "وقرأ نافع بين اللفظين فيهما وقد ذُكر عنه الفتح فيهما والأوّل اشهر"(التبصرة ص585).

وسكت عن ابن الجزري عن صاحب الإرشاد ومذهبه التقليل. قال أبو الطيّب : "وقرأ نافع الهاء والياء بلفظ متوسّط بين الفتح والإمالة لا مفخّم زلا ممال ، ولكنّه إلى الفتح أقرب."(الإرشاد 2/730).

وسكت عن مذهب الإمام الشاطبيّ ومذهبه التقليل أيضاً لقوله : وذو الرّا لورش بين بين ونافعٌ **** لدى مريم ها يا وحا جيده حلا.

وسكت أيضاً عن مذهب صاحب العنوان. قال أبو طاهر : "وقرأهما – أي الهاء والياء- نافع بين اللفظين."(العنوان ص126).

وسكت أيضاً عن مذهب صاحب المجتبى وهو كمذهب تلميذه صاحب العنوان. قال العلامة الضباع : "قطع للأزرق بتقليلهما الداني والشاطبي والهذلي وابن بليمة وابنا غلبون والطرسوسي وأبو طاهر وهو أحد الوجهين في الكافي والتبصرة"(المطلوب ص10).

وسكت عن مذهب صاحب الكامل. قال الهذلي : "وقوله : {كهيعص} ...............بين بين أبو عبيد وأبو بسر وأهل المدينة."(الكامل ص334).

وسكت عن مذهب أبي معشر وهو كالهذلي. قال العلامة الضباع :"وسكت في النشر عن مذهب أبي معشر والظاهر أنّه التقليل."(المطلوب ص10).

2 – بيان أصحاب مذهب الفتح على ما في النشر : هم صاحب الهداية والهادي والتجريد والوجه الثاني في الكافي والتبصرة.

فأمّا من الهداية فلم أقف في شرح الهداية على مذهب المهدوي في ذلك فلتكتف بظاهر النشر وإليه ذهب المتولّي في روضه بقوله : "وفتح (ها يا) له من التجريد والهداية وأحد الوجهين من الكافي والتبصرة"(الروض ص459). وقال العلامة الضباع :"وقطع له بفتحهما صاحب الهداية والتجريد وهو الثاني في الكافي والتبصرة."(المطلوب ص10).

وأما من الهادي فليس من طرق الطيّبة.

وأمّا من التجريد فلم يذكر ابن الفحام ورشاً ضمن من أمال الهاء والياء أو أمال أحدهما في {كهيعص} وعليه يكون مذهبه لورش هو الفتح.

وأما الوجه الثاني من التبصرة والكافي فقد سبق ذكر أقوال أصحابها في الأعلى فلا داعي لإعادتها.

3- خلاصة المسألة :
نخلص مما سبق أنّ التقليل في الهاء والياء من {كهيعص} هو من التيسير وجامع البيان أي من قراءة الداني على مشايخه الثلاثة ومن تلخيص العبارات والتذكرة والإرشاد والعنوان والمجتبى والكامل وطريق أبي معشر والشاطبية وأحد وجهي الكافي والتبصرة. والفتح فيهما من طريق الهداية والتجريد والوجه الثاني من الكافي والتبصرة.

والعلم عند الله تعالى.
 
تحرير إمالة الهاء في {طه}.

تحرير إمالة الهاء في {طه}.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد

تحرير إمالة الهاء في {طه}.

قال ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى : "واختلف عن ورش ففتحها عنه الأصبهاني ثم اختلفوا عن الأزرق فالجمهور على الإمالة عنه محضاً وهو الذي في التيسير والشاطبية والتذكرة وتلخيص العبارات والعنوان والكامل وفي التجريد من قراءته على ابن نفيس والتبصرة من قراءته على أبي الطيب وقواه بالشهرة وأحد الوجهين في الكافي ولم يمل الأزرق محضاً في هذه الكتب سوى هذا الحرف ولم يقرأ الداني على شيوخه بسواه وروى بعضهم عنه بين بين وهو الذي في تلخيص أبي معشر والوجه الثاني في الكافي وفي التجريد أيضاً من قراءته على عبد الباقي وهو رواية ابن شنبوذ عن النحاس عن الأزرق نصاً فقال يشم الهاء الإمالة قليلاً." ثم قال : "وانفرد في الهداية بالفتح عن الأزرق وهو وجه أشار إليه بالضعف في التبصرة."(النشر 2/68).

الذي يظهر من النشر أنّ الخلاف في هاء {طه} يدور بين الإمالة المحضة أي الكبري والإمالة الصغرى التي يُعبّر عنها ببين اللفظين أو بين بين. فروى الإمالة المحضة للأزرق الإمام الشاطبيّ والداني وصاحب التذكرة وتلخيص العبارات والعنوان والكامل والتجريد من قراءة ابن الفحام على ابن النفيس والتبصرة من قراءته على أبي الطيّب وهو أحد الوجهين في الكافي. وروي الإمالة الصغرى أبي معشر في تلخيصه والثاني من الكافي والتجريد من قراءة ابن الفحام على عبد الباقي.

1 – أصحاب مذهب الإمالة المحضة على ما في النشر وهم : الإمام الشاطبيّ والداني وصاحب التذكرة وتلخيص العبارات والعنوان والكامل والتجريد من قراءة ابن الفحام على ابن النفيس والتبصرة من قراءته على أبي الطيّب وهو أحد الوجهين في الكافي.

فأمّا من الشاطبية فقال صاحبها : (وتحت جنى حلا ****شفا صادقاً..).

وأمّا الداني فقال في التيسير : "وورش وأبو عمرو بإمالة الهاء خاصة"(التيسير ص361). وقال في جامع البيان : "وروى المصريون عن أبي يعقوب عن ورش أداءً بإخلاص فتحة الطاء وإمالة فتحة الهاء إمالة خالصة كمذهب أبي عمرو سواء ، وبذلك قرأت على أبي الفتح وأبي القاسم وأبي الحسن عن قراءتهم."(جامع البيان ص620). وأبو القاسم هو ابن خاقان.

وأمّا من التذكرة فقال أبو الحسن : "قرأ ورش وأبو عمرو بفتح الطاء وإمالة الهاء".(التذكرة 2/429).

وأمّا من التلخيص فقال ابن بلّيمة : "قرأ ورش وأبو عمرو {طه} بفتح الطاء وإمالة الهاء".(تلخيص العبارات ص120).

وأمّا من العنوان فقال أبو طاهر : "وقرأ أبو عمرو وورش بفتح الطاء وإمالة الهاء".(العنوان ص129).

وأمّا من الكامل فقال الهذلي : "وقوله {طه} بفتح الطاء وإمالة الهاء حمصي ، وأبو عمرو إلا العباس وابن هارون والخريبي وورش غير الأصفهاني.."(الكامل ص334).

وأمّا من التجريد فقال ابن الفحام : "وأمال الهاء في {طه} أبو عمرو ، وورش ، وقال عبد الباقي : بين اللفظين عن ورش".(التجريد ص173). أقول : اعلم حفظك الله أنّ ابن الجزريّ قد أسند لورش من طريق التجريد من ثلاث طرق : الأولى : رواية ابن الفحام عن عبد الباقي عن ابن عراك عن الخولاني عن النحاس عن الأزرق. الثانية رواية ابن الفحام عن ابن النفيس عن أبي عدي عن ابن سيف عن الأزرق. الثالثة : رواية ابن الفحام عن عبد الباقي عن أبي القاسم قسيم بن محمد بن مطير الظهراوي عن جدّه أبي محمد الحوفي عن أبي عدي عن ابن سيف عن الأزرق. وبالتالي فرواية ابن الفحام من النشر هي عن عبد الباقي وعن ابن النفيس. فأخبر ابن الفحام أنّ رواية عبد الباقي هي بين اللفظين وهذا يُفهم منه أنّ روايته عن ابن سيف هي بالإمالة ، ولذلك قال ابن الجزريّ عند ذكره لأصحاب الإمالة المحضة : "وفي التجريد من قراءته على ابن نفيس". وقال عند ذكره لأصحاب التقليل : "والتجريد من قراءة ابن الفحام على عبد الباقي.". وعليه فإنّ الوجهين صحيحان من النشر من طريق التجريد لأنّ كلا الروايتين أي رواية ابن الفحام عن عبد الباقي وعن ابن سيف من طرق النشر.

وأمّا من التبصرة فقال مكي القيسي : "وقرأ ورش وأبو عمرو بفتح الطاء وإمالة الهاء ، وقد رُوي عن ورش الفتح وبالإمالة قرأت لورش على أبي الطيّب"(التبصرة ص270). أقول رواية مكي من التبصرة لورش هي عن ثلاثة شيوخ : أبو الطيب وأبو عدي و أبو بكر الأذفوي. فأخبر مكي القيسي أنّه قرأ بالإمالة على أبي الطيّب ، وهذا يُفهم منه أنّه قرأ على أبي عدي وأبي بكر الأذفوي بالفتح وأبو عدي هي الرواية المسندة في النشر ، ولكنّه ضعّف الفتح على رأي ابن الجزري لاستعماله صيغة التضعيف وهي : "وقد رُوي عن ورش الفتح" بعدما قطع بالإمالة لورش ، مع أنّ أهل الأداء كثيراً ما يستعملون هذه الصيغة وما شابهها من غير أن يقصدوا التضعيف ، إذ لو أراد تضعيفه لصرّح به في التبصرة. قد يقول القائل هو انفراد منه بالفتح. الجواب : قد ثبت الفتح من طريق الهداية ، وطريق الهداية هو من طريق أبي غانم عن ابن هلال عن النحاس عن الأزرق ، ويشترك معه في هذا الطريق أبو بكر الأذفوي شيخ مكي القيسي الذي أخذ عنه الفتح ومن هنا فإنّ الفتح من التبصرة قد تابعه صاحب الهداية عليه فلا يصير هذا الوجه من الانفرادات التي توجب إلغاءه ، وعليه فإنّي آخذ بوجه الفتح من طريق التبصرة من رواية مكي عن أبي عدي . والعلم عند الله تعالى.
وأغرب كيف أخذ المتولي والضباع بوجه التقليل من التبصرة مع أنّ مكياً ما أشار إليه في تبصرته ولا ابن الجزريّ في نشره. قال المالقي في الدرّ النثير بعد نقل كلام الداني في التيسير : "وافق الشيخ والإمام على ذلك – أي على الإمالة المحضة - وزاد الإمام أنّه قرأ لورش بين اللفظين. وذكر الشيخ أنّه روى عن ورش الفتح ثمّ قال : وبالإمالة قرأت على أبي الطيّب."(الدر النثير ص673). فقوله الشيخ أيّ مكي القيسي وقوله الإمام أي ابن شريح ، وإذا قال الحافظ يريد به الداني. فأخبر أنّ مكياً وأبا شريح وافقا الحافظ على الإمالة المحضة ، وزاد ابن شريح وجه التقليل ، وذكر أنّ مكياً روى الفتح لورش وقرأ بالإمالة على أبي الطيّب. وهذا ما يؤكّد أنّ الخلاف في التبصرة لورش يدور بين الإمالة المحضة والفتح.

وأمّا من الهداية فقد انفرد بالفتح كما ذكر في النشر ولم أجد في كتابه شرح الهداية إشارة إلى المسألة ولكنّي أتسائل لماذا حكم ابن الجزريّ على أنّه انفراد وقد رواه صاحب التبصرة كما مرّ أعلاه ؟ وعليه فإنّي آخذ بوجه الفتح من طريق الهداية. وقد أخذ العلامة الضباع بوجه الإمالة المحضة من طريق الهداية ولا أدري لماذا ، ولماذا لم يأخذ بالتقليل مثلاً ، لعلّه لشهرة وجه الإمالة المحضة ولكنّ ذلك لا يكفي في إثباته من طريق التبصرة والعلم عند الله تعالى.

وأمّا من الكافي فقال ابن شريح : "أمال أبو بكر وحمزة والكسائي طاء {طه} وفتحها الباقون. وأمال الهاء ورش وأبو عمرو وأبو بكر وحمزة والكسائي وفتحهما الباقون. وقرأتهما لورش بين اللفظين."(الكافي ص155).

وسكت في النشر عن مذهب صاحب الإرشاد. قال أبو الطيّب : "قرأ ورش وأبو عمرو {طه} بفتح الطاء وإمالة الهاء ، واختلفوا عن ورش عن نافع ، والمشهور عنه مثل أبي عمرو ، وكذلك قرأت."(الإرشاد 2/738).

وسكت في النشر عن مذهب صاحب المجتبى وهو كمذهب صاحب العنوان. وإليه ذهب العلامة الضباع في كتابه المطلوب.

2 – أصحاب مذهب الإمالة بين اللفظين على ما في النشر : وهم أبو معشر وأحد والوجه الثاني من الكافي والتجريد من قراءة ابن الفحام على عبد الباقي.

فأمّا طريق أبي معشر فقد ذكر في النشر أنّ التقليل هو مذهبه في كتابه التلخيص بقوله : "وروى بعضهم عنه بين بين وهو الذي في تلخيص أبي معشر". وهذا وهم منه رحمه الله تعالى إذ إنّ طريق أبي معشر للأزرق ليس من التلخيص بل هو من طريق الجامع وهو ما يسمّى بسوق العروس. ولكن ذلك لا يمنع أن نأخذ له بوجه التقليل أخذا بظاهر النشر وبه أخذ المتولي والضباع.

وأمّا كون التقليل أحد وجهي الكافي والتجريد فظاهر كما أسلفنا إلاّ أنّ عبارة ابن شريح تدلّ على تقليل الطاء والهاء معاً لقوله: "وقرأتهما لورش بين اللفظين." أي وقرأت الطاء والهاء بين اللفظين. ولم أر من أشار إلى هذا المعنى وحتّى إن سلمنا أنّه صحيح من الكافي فهو انفراد منه به. والعلم عند الله تعالى.


3 – خلاصة المسألة :
نخلص مما سبق أنّ الخلاف في هاء {طه} لورش من طريق الأزرق يدور بين ثلاثة أوجه : الفتح ، والإمالة المحضة ، والإمالة بين اللفظين. فأمّا الفتح فهو مذهب صاحب التبصرة والهداية على الصحيح. وأمّا مذهب التقليل فهو من طريق أبي معشر وأحد وجهي الكافي والتجريد من قراءة ابن الفحام على عبد الباقي. وأمّا مذهب الإمالة المحضة فهو من طريق الشاطبية والداني وصاحب التذكرة والإرشاد والمجتبى وتلخيص العبارات والعنوان والكامل والوجه الثاني من الكافي والتجريد من قراءة ابن الفحام على ابن النفيس.

تنبيه :
وقد نقل المتوري عن الداني الإجماع على فتح الطاء وإمالة الهاء . قال المنتوري : وقال –أي الداني- في إيجاز البيان : فأما قوله {طه} فأجمع أهل الأداء من مشيخة المصريين على إخلاص فتحة الطاء وإمالة فتحة الهاء خالصة في ذلك أداءً عنه." شرح الدرر 2/489. أقول : هذا الإجماع لا يُعتدّ به لثبوت وجه الفتح والتقليل عن بعض أهل الأداء المعتبرين كما مرّ في مسألتنا هذه والله أعلم.

أكتفي بهذا القدر والحمد لله ربّ العالمين.
 
تحرير ياء {يس} من حيث الفتح والتقليل.

تحرير ياء {يس} من حيث الفتح والتقليل.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد

تحرير ياء {يس} من حيث الفتح والتقليل.

قال ابن الجزريّ : "واختلف أيضاً عن نافع فالجمهور عنه على الفتح وقطع له ببين بين أبو على بن بليمة في تلخيصه وأبو طاهر بن خلف في عنوانه وبه كان يأخذ ابن مجاهد وكذا ذكره في الكامل من جميع طرقه".(النشر 2/70).

الذي يظهر في النشر أنّ أصحاب مذهب التقليل في ياء {يس} هم صاحب التلخيص والعنوان والكامل خلافاً لغيرهم الذين أخذوا بوجه الفتح.

فأمّا من التلخيص فقال ابن بليمة " قرأ أبو بكر والكسائي بإمالة الياء من {يس} ، وقرأ حمزة ونافع بين اللفظين ، وفتح الباقون."(تلخيص العبارات ص141).

وأمّا من العنوان فقال أبو طاهر : "أمال الياء الكسائي وأبو بكر وقرأها نافع وحمزة بين اللفظين وفتحها الباقون".(العنوان ص159). وقال ابن الجزريّ في التحفة : "أمال الياء نافع وجمزة بين بين".(تحفة الإخوان ص209).

وأمّا من الكامل فقال الهذلي : "وقوله {يس} بالإمالة حمزة والكسائي والعبسي ومحمد في الأوّل والأعمش وطلحة والمفضل وحماد وأبان وأبو بكر غير البرجمي والأعمش وروح بين بين مدني وقاسم."(الكامل ص335).

وأمّا من التجريد والإرشاد والتذكرة والكافي والتبصرة والشاطبية والتيسير وجامع البيان فإنّي لم أجد منهم من ذكر ورشاً ضمن أصحاب الإمالة أو التقليل.

وأمّا من المجتبى فالعادة أن يُلحق بمذهب صاحب العنوان ، كذا طريق أبي معشر بالنسبة للكامل إلاّ أنّ الأمر يختلف في هذه المسألة بالذات لأنّ ابن الجزريّ ذكر أصحاب التقليل على سبيل التحديد والحصر وليس على سبيل التمثيل ، وبهذا الحصر أخذ يوسف زادة والأزميري والمتولّي والضباع.

أما من الهداية فلم أجد في كتاب شرح الهداية إشارة إلى حكم {يس}، والظاهر من النشر أنّ مذهبه هو الفتح لأنّه لم يُحصّر مع أصحاب مذهب التقليل ، وبالفتح من طريق صاحب الهداية أخذ المحرروين الذين وقفت على كلامهم في المسألة.

وخلاصة المسألة لا تختلف عن ما ذكره صاحب النشر وهو التقليل من طريق صاحب التلخيص والعنوان والكامل والفتح عن غيرهم. والعلم عند الله تعالى.​

تنبيه مهمّ.
يجدر أن أنبّه على شيء مهمّ وهو أنّ كلّ ما ذكرتُ من الأوجه التي تختصّ بطريق المجتبى وأبي معشر ينبغي أن يؤخذ بحذر لأنّ كتاب المجتبى معدود من المفقودين ، فكلّ ما نُسب إليه من الأوجه فهو إمّا أن يكون مأخوذاً من ظاهر النشر وهو أقواها وإمّا عن طريق القرائن التي قد تجرّنا إلى الصواب كإلحاق مذهبه بمذهب تلميذه في الإسناد والرواية وهو صاحب العنوان مع أنّ طريق المجتبى من النشر لا ينحصر في رواية صاحب العنوان عنه وهذا مسلك أخذ به بعض المحرّرين كالعلامة الضباع في كتابه المطلوب ، ولا مانع أن نجعل هذا المسلك قاعدةً يُعمل بها إن كان المصدر مفقوداً مع سكوت صاحب النشر عن مذهبه في مسألة ما. وهذا يقال أيضاً في طريق أبي معشر إذ كتابه الجامع المسمى بسوق العروس لم يُطبع بعد ، والمخطوط لم يقع بين أيدينا لحدّ الآن ، فالضرورة تقتضي أنّ ألحقه بمذهب صاحب الكامل لأنّ هذا الأخير هو الوحيد الذي يشاركه في الطريق المرويّ عن الأزرق من النشر ، وعلى هذا الأساس جرى عمل بعض المحرّرين كالعلامة الضباع في كتابه المطلوب ولا مانع أيضاً أن نسلك هذا المسلك ريثما نحصل على نسخة من المخطوط إن شاء الله تعالى.
 
الراءات المنصوبة المنوّنة.

الراءات المنصوبة المنوّنة.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد.

الراءات المنصوبة المنوّنة.

قال ابن الجزريّ : "(فالأصل المطرد) أن يقع شيء من الأقسام المذكورة منوناً فذهب بعضهم إلى عدم استثنائه مطلقاً على أي وزن كان وسواء كان بعد كسرة مجاورة أو مفصولة بساكن صحيح مظهر أو مدغم أو بعد ياء ساكنة. فالذي بعد كسرة مجاورة ثمانية عشر حرفاً وهي (شاكراً، وسامراً، وصابراً، وناصراً، وحاضراً، وطاهراً، وغافراً، وطائراً، وفاجراً، ومدبراً، ومبصراً، ومهاجراً، ومغيراً، ومبشراً، ومنتصراً، ومقتدراً، وخضراً، وعاقراً) والمفصول بساكن صحيح مظهر ومدغم ثمانية أحرف وهي (ذكراً، وستراً، ووزراً، وأمراً، وحجراً، وصهراً، ومستقراً، وسراً) والذي بعد ياء ساكنة فتأتي الياء حرف لين وحرف مد ولين فبعد حرف لين في ثلاثة أحرف وهي (خيراً، وطيراً، وسيراً) وبعد حرف المد واللين منه ما يكون على وزن فعيلا وجملته اثنان وعشرون حرفاً وهي (قديرا، وخبيرا، وبصيرا، وكبيرا، وكثيرا، وبشيرا، ونذيرا، وصغيرا، ووزيرا، وعسيرا، وحريرا، وأسيرا). ومنه ما يكون على غير ذلك الوزن وجملته ثلاثة عشر حرفاً وهي (تقديرا؛ وتطهيرا؛ وتكبيرا؛ وتبذيرا؛ وتدميرا؛ وتتبيرا؛ وتفسيرا؛ وقواريرا؛ وقمطريرا؛ وزمهريرا؛ ومنيرا؛ ومستطيرا) فرققوا ذلك كله في الحالين وأجروه مجرى غيره من المرقق. وهذا مذهب أبي طاهر بن خلف صاحب العنوان وشيخه عبد الجبار صاحب المجتبى وأبي الحسن بن غلبون صاحب التذكرة وأبي معشر الطبري صاحب التلخيص وغيرهم. وهو أحد الوجهين في الكافي وبه قرأ الداني على شيخه أبي الحسن وهو القياس. وذهب آخرون إلى استثناء ذلك كله وتفخيمه من أجل التنوين الذي لحقه ولم يستثنوا من ذلك شيئاً وهو مذهب أبي طاهر ابن هاشم وأبي الطيب عبد المنعم بن عبيد الله وأبي القاسم الهذلي وغيرهم وحكاه الداني عن أبي طاهر وعبد المنعم وجماعة. وذهب الجمهور إلى التفصيل فاستثنوا ما كان بعد ساكن صحيح مظهر وهو الكلمات الست (ذكرا وسترا) وأخواته ولم يستثنوا المدغم وهو: سراً ومستقراً. من حيث أن الحرفين في الإدغام كحرف واحد إذ اللسان يرتفع بهما ارتفاعة واحدة من غير مهلة ولا فرجة فكأن الكسرة قد وليت الراء في ذلك وهذا مذهب الحافظ أبي عمرو الداني وشيخيه أبي الفتح والخاقاني وبه قرأ عليهما وكذلك هو مذهب أبي عبد الله بن سفيان وأبي العباس المهدوي وأبي عبد الله بن شريح وأبي علي بن بليمة وأبي محمد مكي وأبي القاسم بن الفحام والشاطبي وغيرهم. إلا أن بعض هؤلاء استثنى من المفصول بالساكن الصحيح صهرا. فرققه من أجل إخفاء الهاء كابن شريح والمهدوي وابن سفيان وابن الفحام ولم يستثنه الداني ولا ابن بليمة ولا الشاطبي ففخموه وذكر الوجهين جميعاً مكي. وذهب آخرون إلى ترقيق كل منون ولم يستثنوا (ذكرا) وبابه فمنهم أبو الحسن طاهر بن غلبون وغيره وبه قرأ الداني عليه وأجمعوا على استثناء: (مصرا، وإصرا، وقطرا، ووزرا ووقرا) من أجل حرف الاستعلاء."(النشر 2/94و95).
ثمّ قال : "ثم اختلف هؤلاء الذين ذهبوا إلى التفصيل فيما عدا ما فصل بالساكن الصحيح فذهب بعضهم إلى ترقيقه في الحالين سواء كان بعد ياء ساكنة نحو (خبيراً، وبصيراً، وخيراً) وسائر أوزانه أو بعد كسرة مجاورة نحو (شاكراً وخضراً) وسائر الباب. وهذا مذهب أبي عمرو الداني وشيخيه أبي الفتح وابن خاقان وبه قرأ عليهما وهو أيضاً مذهب أبي علي بن بليمة وأبي القاسم بن الفحام وأبي القاسم الشاطبي وغيرهم وهو أحد الوجهين في الكافي والتبصرة، وذهب الآخرون إلى تفخيم ذلك وصلا من أجل التنوين والوقف عليه بالترقيق كابن سفيان والمهدوي. وهو الوجه الثاني في الكافي وذكره في التجريد عن شيخه عبد الباقي عن قراءته على أبيه في أحد الوجهين في الوقف وانفرد صاحب التبصرة في الوجه الثاني بترقيق ما كان وزنه فعيلا في الوقف وتفخيمه في الوصل وذكر أنه مذهب شيخه أبي الطيب.."(النشر ص96).

الذي يمكن تلخيصه من كلام ابن الجزريّ رحمه الله هو اختلاف أهل الأداء في الراءات المنوّنة المنصوبة إلى خمسة مذاهب.

الأوّل : ترقيق الجميع في الحالين وهو صاحب العنوان والمجتبى والتذكرة والكافي في أحد أوجهه الثلاثة وأبي معشر والداني من قراءته على أبي الحسن.
الثاني : تفخيم الجميع وهو مذهب صاحب الإرشاد والكامل.
الثالث : تفخيم {ذكراً} و{ستراً} و{حجراً} و{إمراً} و{وزراً} و{صهراً} مع ترقيق غيرهنّ وهو مذهب الداني في تيسيره وجامعه وبه قرأ على ابن خافان وفارس ابن أحمد وهو مذهب صاحب التلخيص والشاطبيّ وأحد وجهي التبصرة
الرابع : تفخيم {ذكراً} و{ستراً} و{حجراً} و{إمراً} و{وزراً} دون {صهراً} مع ترقيق غيرهنّ في الحالين وهو مذهب صاحب التجريد والثاني من التبصرة والكافي.
الخامس : تفخيم {ذكراً} و{ستراً} و{حجراً} و{إمراً} و{وزراً} دون {صهراً} مع ترقيق غيرهنّ في الوقف دون الوصل أي أنّها تُفخّم في الوصل وهو مذهب صاحب الهادي والهداية والوجه الثالث في الكافي وذكره ابن الفحام عن شيخه عبد الباقي.

1- أصحاب المذهب الأوّل على ما في النشر : (ترقيق الجميع في الحالين) وهم صاحب العنوان والمجتبى والتذكرة والكافي في أحد أوجهه الثلاثة وأبي معشر والداني من قراءته على أبي الحسن.

فأمّا من العنوان فقال أبو طاهر : " إذا كانت الراء مفتوحة، وكان قبلها كسرة أو ياء قرأها ورش بين اللفظين- سواء كانت الكسرة قبل الراء بلا حائل بينهما أو حال بينهما ساكن- نحو (خيرا) و (غيركم) و (فاطر السموات) و (خسر الدنيا والآخرة) و (الذكر) و (وزر أخرى) وما أشبهه. " ثمّ قال : "وأما ما حال بين الكسرة والراء فيه ساكن فإنه خالف أصله فيه في أربعة مواضع ففتحها.
أحدها: الأسماء الأعجمية وهي: {إبراهيم} و{إسرائيل} و{عمران} حيث وقعت.
والثاني: {أَو إعراضاً} و {وإن كان كبر عليك إعراضهم} والثالث: إذا كان بعد الراء ألف بعدها راء مفتوحة نحو: {إسراراً} و{مدرارا}ً.
والرابع: إذا كان الساكن الحائل بينهما صادا أو طاءً نحو: {مصراً} و{إصراً} و{قطراً} و{فطرة الله}."(العنوان ص6).
أقول : قد ذكر أبو طاهر القاعدة العامّة وهو ترقيق الراء المسبوقة بكسر أو ياء أو حال بينها وبين الكسر ساكن ، ثمّ ذكر الحالات التي خالف فيها الأصل بتفخيمها ولم يذكر ضمنها {ذكراً} وأخواتها. دلّ ذلك أنّ أنّها مرقّقة من غير خلاف عنده. ويؤكّد ذلك قول ابن الجزريّ في التحفة : "ورقّق {إرم} وباب {ذكراً} و {ستراً} بلا خلاف."(تحفة الإخوان ص180).

وأمّا من المجتبى فهو يظهر من النشر صراحة وهو مذهب تلميذه في الرواية صاحب العنوان.

وأمّا من التذكرة فقال أبو الحسن : "فأمّا ما حال فيه الساكن فكقوله تعالى {الذكر لتبيّن} ، {وما علّمناه الشعر} و {وزر أخرى} و {غير إخراج} و {إخراجهم} و {إكراههنّ} و {المحراب} ، {وإسرافنا} ، {والإشراق} و {عبرة} ، و{سدرة} و {سرّكم} و {ذو مرّة} و {إسرافاً} و {صهراً} و {ذكراً} وما أشبه هذا : فورش وحده يقرأ هذه الراء من هذه الكسرة في هذين الضربين بين اللفظين ....."(التذكرة 1/222). وقد اقتصر من قبل على هذا الحكم في كلّ راء سُبقت بالكسرة أو الياء سواء كانت منوّنة أم لا. انظر ص221 و222.

وأمّا من جامع البيان فقال الداني : "واختلف شيوخنا أيضاً في الراء إذا لحقها التنوين وحال بينها وبين الكسرة ساكن غير حرف استعلاء نحو قوله : {ذكراً} و {إمراً} و {ستراً} و {وزراً} و {حجراً} و {صهراً} وما أشبهه. فأقرأني أبو الحسن بإمالة الراء بين بين وصلاً ووقفاً لأجل الكسرة وضعف الساكن الحائل بينها وبين الراء. وأقرأنيه ابن خاقان وأبو الفتح بإخلاص الفتح مناقضة للأصل ، وعلى ذلك عامة أهل الأداء من المصريّين وغيرهم.".(جامع البيان ص355). ثمّ قال الداني : "وقد اختلف علماؤنا في إمالة الراء وفي إخلاص فتحها أيضاً في حالة الوصل خاصّة إذا لحقها التنوين ووليها كسرة أو ياء نحو قوله {شاكراً} و {مدبّراً} و {خبيراً} و {بصيراً} و {خيراً} و {طيراً} وما أشبهه. فكان أبو طاهر بن أبي هاشم لا يرى إمالتها فيه من أجل التنوين لأنّه يمنع الإمالة ، وتابعه على ذلك عبد المنعم بن عبيد الله وجماعة ، وكان سائر أهل الأداء من المصريّين ومن أخذ عنهم من المغاربة يميلونها في حالة الوصل كما يُميلونها في حالة الوقف لوجود الجالب لإمالتها وهو الكسرة والياء في الحالين ، وعلى ذلك يدلّ نصّ الرواة عن ورش لمجيئه مطلقاً من غير تقييد بذكر تنوين أو غيره ، وهذا هو الصواب والأوّل خطأ لا شكّ فيه."(جامع البيان ص 356). أقول : الظاهر من كلام الداني هو الترقيق في الجميع إلاّ {ذكراً} وأخواتها فإنّه قرأ على أبي الحسن بالترقيق كما يظهر في التذكرة وقرأ على ابن خاقان وأبي الفتح بالتفخيم وهو مذهبه في التيسير.

وأمّا من الكافي فقال ابن شريح : "وقد قرأت {قديراً} و {خبيراً} و {خُبراً} و {أسيراً} و {شاكراً} و {بُشراً} و {ناصراً} وشبهه مما قبل الراء فيه ياء أو كسرة والراء منوّنة بين اللفظين في الوصل والوقف. وكان بعض أصحابه يأخذ له بالتفخيم في الوصل ، وفي الوقف بين اللفظين ، وبالوجهين قرأت وبهما آخذ."(الكافي ص75). وقال :"وقرأ {ذكراً} و {ستراً} و {وزراً} و {إمراً} بالتفخيم في الوصل والوقف إلاّ قوله تعالى : {وصهراً} في الفرقان فإنّه بين اللفظين في الحالين ، وقد قرأت له بين اللفظين في الحالين ، وقد قرأت له هذا الفصل كلّه بين اللفظين أيضاً."(الكافي ص76). أقول : يُفهم من كلام ابن شريح أنّه رقّق من غير خلاف عنه الراءات المنصوبة المنوّنة المسبوقة بكسرة أو ياء نحو {قديراً} و {خبيراً} و {شاكراً} و {ناصراً} مع جواز تفخيمها في الوصل دون الوقف. وأمّا {ذكراً} وأخواتها فرقّقها جميعاً بخلف عنه عدا {صهراً} التي رققها وجهاً واحداً في الحالين. ومن هنا يمكن تلخيص مذهب ابن شريح في ثلاثة أوجه : الأوّل : ترقيق الجميع في الحالين. الثاني : تفخيم {ذكراً} وأخواتها مع ترقيق {صهراً} وغيرهنّ في الحالين. ثالثها : تفخيم {ذكراً} وأخواتها ما عدا {صهراً} فإنّها مرقّقة في الحالين ، وتفخيم غيرهنّ في الوصل دون الوقف. وهذه الأوجه الثلاثة نجدها صريحة في النشر فأمّا الوجه الأوّل قال فيه ابن الجزريّ : "وهو أحد الوجهين في الكافي وبه قرأ الداني على شيخه أبي الحسن.". وأمّا الوجه الثاني فقال فيه : "إلاّ أنّ بعض هؤلاء استثنى من المفصول بالساكن الصحيح {صهرا} فرقّقه من أجل خفاء الهاء كابن شريح.". وقال : "فذهب بعضهم إلى ترقيقه في الحالين ......وهو أحد الوجهين في الكافي والتبصرة.". وأمّا الوجه الثالث فقال في النشر : "وذهب الآخرون إلى تفخيم ذلك وصلاً من أجل التنوين والوقف عليه بالترقيق كابن سفيان والمهدوي وهو الوجه الثاني في الكافي".

أمّا من طريق أبي معشر فهو ظاهرٌ في النشر وحسبنا بذلك.

أمّا قراءة الداني على أبي الحسن فظاهر من جامع البيان والنشر.

وقد سكت في النشر عن مذهب الشاطبيّ إذ مذهبه الترقيق في الجميع مع الخلف في {ذكراً} وأخواتها بقوله :
ورقّق ورش كلّ راء وقبلها ***مسكّنة ياء أو الكسر موصلا.
وقال :
وتفخيمه ذكراً وستراً وبابه ***لدى جلّة الأصحاب أعمر أرحلا.

2- أصحاب المذهب الثاني على ما في النشر (تفخيم الجميع) وهم : صاحب الإرشاد والكامل.

فأمّا من الإرشاد فقال أبو الطيّب : "وأمّا ما جاء على وزن (فعيل) ولام الفعل راء نحو قوله تعالى :"{سعيراً} و {نصيراً} و {خبيراً} و {نذيراً} و {كبيراً} و {نقيراً} ، وما كان مثله ، فالقرّاء كلّهم مجمعون على الفتح في وصلهم حيث وقع هذا الباب ، إلاّ ورشاً عن نافع وحده فإنّه يوافقهم في الوصل ، ويخالفهم في الوقف ، فيقف به بين اللفظين..."(الإرشاد ص1/449). وقد ذكر نحو ذلك في كتابه الاستكمال فقال في الموضع الأوّل : " وكذلك كلّ ما كان على وزن (فعيلاً) نحو قوله عن ذكره {بشيراً} و {نذيراً} و {قديراً} و {بصيراً} و {سعيراً} وما كان مثله إذا كانت الراء فيه في موضع اللام من الفعل بين اللفظين حيث وقع."(الاستكمال تحقيق الدكتور عبد العزيز علي سقر ص33). وقال في الموضع الثاني : "وقد ذكرت الراء التي قبلها الياء ، وقد جاء التنوين بعد الراء ، والكلمة في موضع النصب نحو قوله تعالى {خبيراً} و {بصيرا} و {نذيراً} و {نكيراً} و {سعيراً} وما كان مثله فإنّ ورشاً يقرأ هذا الباب في وقفه دون وصله بترقيق الراء بين اللفظين من غير إمالة محضة حيث وقع."(الاستكمال ص 277).
أقول : الذي يظهر في كتاب الإرشاد والاستكمال :
- أنّ الترقيق في الراءات المنصوبة المنوّنة يختصّ بما كان على وزن (فعيلاً). نحو {بصيراً} و {سعيراً} و {خبيراً} دون {ذكراً} وأخواتها وكذا دون ما كان على نحو {شاكراً} و {صابراً}.
- وإنّ الترقيق يختصّ بالوقف دون الوصل وهو الذي نجده صريحاً في الإرشاد وفي العبارة الثانية من كتاب الاستكمال.
ومّما يؤكّد صحّة ما استنبطناه في كلام أبي الطيّب قول ابن الجزريّ في نشره :"وانفرد صاحب التبصرة في الوجه الثاني بترقيق ما كان وزنه فعيلا في الوقف وتفخيمه في الوصل وذكر أنه مذهب شيخه أبي الطيب.."(النشر ص96). قال مكي القيسي : "فأمّا الوقف فلم أقرأ إلاّ بالترقيق ، والتفخيم في الوصل مذهب الشيخ أبي الطيّب"(التبصرة ص149). وقال الداني : "وقد اختلف علماؤنا في إمالة الراء وفي إخلاص فتحها أيضاً في حالة الوصل خاصّة إذا لحقها التنوين ووليها كسرة أو ياء نحو قوله {شاكراً} و {مدبّراً} و {خبيراً} و {بصيراً} و {خيراً} و {طيراً} وما أشبهه. فكان أبو طاهر بن أبي هاشم لا يرى إمالتها فيه من أجل التنوين لأنّه يمنع الإمالة ، وتابعه على ذلك عبد المنعم بن عبيد الله وجماعة."(جامع البيان ص355).
قال الأزميري في بدائعه : "لكني رأيت كتاب الإمالة المسمى بالإستكمال لأبي الطيب ابن غلبون لم يذكر فيه إلا التفخيم وصلا والترقيق وقفا وكذا حكى الداني في جامع البيان ، قال : كان أبو طاهر بن أبي هاشم لايرى إمالة نحو خبيرا و شاكرا في الوصل وتابعه على ذلك عبد المنعم والله أعلم ، ويحتمل أن ما ذكره في الإستكمال مخالف لما في الإرشاد فذكر في النشر ما في الإرشاد لأنه أسنده فقط إلى رواية ورش". أقول بل ما ما ذكره أبو الطيّب يتوافق تماماً مع ما في الإرشاد حيث لم يطلّع الأزميري على إرشاد أبي الطيّب وإنّما قاله على سبيل الاحتمال. والدليل على ذلك قوله في البدائع في موضع آخر : "وأما الوجه الممنوع وهو ترقيق اللام مع التوسط فيهما من إرشاد أبي الطيب فلم نقرأ به على أكثر شيوخنا ، وقرأنا به على بعض الشيوخ و لم يكن الإرشاد عندي حتى أفتش و أذكر بطريق الجزم واليقين."
ومن هنا يظهر أنّ عبارات أبي الطيّب في الإرشاد والاستكمال صريحة في تخصيص الترقيق بنحو {بصيراً} في الوقف دون الوصل ، ويؤكّده كلام ابن الجزري الذي نقله من التبصرة وكذا كلام مكي القيسي في تبصرته والداني في جامعه والأزميري في بدائعه ممّا لا يدع فسحة لأيّ شكّ وريب. وعليه يكون الترقيق في مذهب أبي الطيّب خاصّ بالراءات المنوّنة المنصوبة المسبوقة بالياء نحو {خبيراً} و {بصيراً} و {قديراً} ويكون ترقيقها في الوقف دون الوصل ، وبهذا الوجه يصير عدد المذاهب في هذه المسألة ستة. والله أعلم.
تبقى مسألة الانفراد التي أثارها ابن الجزريّ بقوله : "وانفرد صاحب التبصرة في الوجه الثاني بترقيق ما كان وزنه فعيلا في الوقف وتفخيمه في الوصل وذكر أنه مذهب شيخه أبي الطيب.."(النشر ص96). فأقول أوّلاً كان ينبغي على ابن الجزريّ أن ينسب هذا الانفراد إلى أبي الطيّب لا إلى مكي القيسي لأنّ هذا الأخير كان مجرّد ناقل عن أبي الطيّب. ثانياً : هذا الوجه الذي حكم عليه بالانفراد غير مسلّم به لأنّ ترقيق ما كان وزنه فعيلاً في الوقف وتفخيمه في الوصل ثابت في الكافي والهداية ، والتفخيم في غير ذلك ثابت أيضاً. والأجناس المعنيّة بالترقيق في هذه المسألة على ثلاثة أضرب : المسبوقة بكسر نحو {شاكراً} ، والمسبوقة بالياء نحو {بصيراً} ، والتي يحول بين الراء والكسر ساكن مستفل وهو {ذكراً} وأخواتها. فلو أخذنا كلّ جنس بمفرده لا يُعدّ ذلك انفراداً أمّا إذا اجتمعوا جميعاً في رواية واحدة يكون انفراداً ، وهذا النوع من الانفراد لا يُسقط العمل به لأنّ الوجه ناتج عن تركيب أجناس غير منفردة في الحكم أصلاً كما أنّ الفتح في الذوات مع توسط البدل من تلخيص العبارات لم يُسقطه ابن الجزريّ بل أثبته في مسائله التبريزية مع انفراد ابن بليمة بالجمع بين الجنسين أي توسط البدل وفتح ذوات الياء فقال :
كآتى لورش افتح بمدّ وقصره **** وقلّل مع التوسيط المدّ مكملا
لحرز وفي التلخيص فافتح ووسّطن*** وقصر مع التقليل لم يك للملا.
أقول : لماذا لم يعتبره انفراداً ؟ الجواب : لأنّ توسط البدل مشهور في الرواية والفتح في الذوات كذلك ، فلا يضرّ أن ينفرد واحد بالجمع بينهما في الرواية إذا كانا مشهورين عند انفرد أحدهما عن الآخر.

تنبيه : قد يقول قائل إنّ ما أورده أبو الطيّب في كتابه الإرشاد والاستكمال يخالف تماماً مذهب ابنه وتلميذه في الرواية أبي الحسن في كتابه التذكرة حيث روى لورش الترقيق في ذلك كلّه. الجواب : إنّ رواية ورش من طريق التذكرة هي من قراءة أبي الحسن على أبيه أبي الطيّب ، ومن قراءته أيضاً على عبد العزيز بن الفرج المقرئ عن أبي بكر ابن سيف عن الأزرق. أمّا طريق أبي الطيّب من النشر فهي من قراءته على أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن مروان الشامي عن ابن سيف. فرواية أبي الحسن لا تقتصر على ما رواه عن أبيه وهذا ما يُفسّر الخلاف الموجود بين الإرشاد والتذكرة في هذه المسألة وفي غيرها.
وعلى ما تقدّم فإنّنا نأخذ من طريق الإرشاد بترقيق الراءات المنصوبة المنوّنة الواقعة بعد الياء في الوقف دون الوصل في نحو {بصيراً} و {سعيراً} و {خبيراً} دون غيرها. أمّا {ذكراً} وأخواتها وكذا اللواتي يقعن بعد الكسر في نحو {صابراً} و {شاكراً} فإنّها مفخّمة على ما يظهر من الإرشاد والاستكمال وكذا في النشر بالنسبة للجنسين أي {ذكراً} و {صابراً}. والعلم عند الله تعالى.

وأمّا من الكامل فقال الهذلي : "وكان ورش يلطف الإمالة من طريق الأزرق وداود في {جاء} و {شاء} ، وما جاز فيه الإمالة و {رءا الشمس} و {ترآءا الجمعان} و {نئا بجانبه} و {حتّى نرى الله} و{المحراب} و {الخيرات} و {حيران} و{إخراجهم} و{مرآءً} و {إسرافاً}وبداراً} زاد ابن سفيان طريق الهوازي {خبيراً}{نصيراً}{قديراً} وأخواتها في الوقف"(الكامل ص327). أقول : فقوله : " زاد ابن سفيان طريق الهوازي {خبيراً}{نصيراً}{قديراً} وأخواتها في الوقف" يدلّ بمفهوم الضدّ والمخالفة أنّ ورشاً يُفخّم هذا الجنس من الراءات إذ لم يذكره في مرّققات للأزرق كما يظهر. وما أشار الهذلي إلى {ذكراً} وأخواتها وإلى نحو {صابراً}. دلّ ذلك أنّه يُفخّم الراءات المنصوبة المنوّنة وصلاً ووقفاً وهو الموافق لظاهر النشر والعلم عند الله تعالى.

3- أصحاب المذهب الثالث على ما في النشر (تفخيم {ذكراً} و{ستراً} و{حجراً} و{إمراً} و{وزراً} و{صهراً} مع ترقيق غيرهنّ) وهم : مذهب الداني في تيسيره وجامعه وبه قرأ على ابن خافان وفارس ابن أحمد ومذهب صاحب التلخيص والشاطبيّ وأحد وجهي التبصرة.

فأمّا من التيسير فقال أبو عمرو الداني : "ونقض مذهبه مع الكسرة في الضربين في قوله : {الصراط} و {صراط} حيث وقعا و {الفراق} و {فراق بيني} و {الإشراق} و {إعراضاً} و {إعراضهم} و {مدراراً} و {إسراراً} و {ضراراً} و {فراراً} و {الفرارُ} و {إبراهيم} و {إسرائيل} و {عمران} و {إرم ذات العماد} و {إمراً} و {ذكراً} و {ستراً} و {وزراً} و {صهراً} و {حجراً} و {إصرهم} و {إصراً} و {مصر} و {مصراً} و {قطراً} و {فطرت الله} و {وقراً} وما كان من نحو هذا فأخلص الفتح للراء في هذا كلّه من أجل حرف الاستعلاء والعجمة وتكرير الراء مفتوحة ومضمومة. التيسير ص193. وقال في جامع البيان في باب {ذكراً}: "وأقرأنيه ابن خاقان وأبو الفتح بإخلاص الفتح مناقضة للأصل ، وعلى ذلك عامة أهل الأداء من المصريّين وغيرهم."(جامع البيان ص355).

وأمّا من التلخيص فقال ابن بلّيمة عند ذكر المواضع التي خالف فيها ورش أصله في الترقيق : " وعند العجمة نحو قوله تعالى {إبراهيم} و {إسرائيل}و {عمران} و {مصراً} منوّناً وغير منوّن كلّ القرءان وكذلك {ستراً} و {ذكراً} و {حجراً}...".(تلخيص العبارات ص50).

وأمّا أحد الوجهين من التبصرة فقال مكي القيسي : "وخالف أصله في المفتوحة التي يلحقها التنوين وقبلها ساكن قبله كسرة ففخّم نحو {ذكراً} و{ستراً} و{مصراً} ونحوه وقرأت له بالوجهين في {صهراً} في الفرقان."(التبصرة ص411).

وأمّا امن الشاطبيّة فهو الوجه الثاني فيه لقول صاحبها : وتفخيمه ذكراً وستراً وبابه ***لدى جلّة الأصحاب أعمر أرحلا.

4- أصحاب المذهب الرابع (تفخيم {ذكراً} و{ستراً} و{حجراً} و{إمراً} و{وزراً} دون {صهراً} مع ترقيق غيرهنّ في الحالين) وهم : صاحب التجريد والثاني من التبصرة والكافي.

فأمّا من التجريد فقال ابن الفحام : "وتجيء هذه الراء منوّنة فيُعتبر بما قبلها ، فإن كان ما قبلها كسرة أو ياء ساكنة فهي رقيقة في الحالين ، إلاّ شيئاً ذكره عبد الباقي في الوصف فإنّه قال : قرأت بالوجهين على والدي من طريق أصحاب ابن هلال ، والذي أعوّل عليه الترقيق في الراء نحو {خبيراً} و {بصيراً} و {قديراً} وما جاء مثله و {شاكراً} ، وما عدا هذين الأصلين فالراء مفخّمة في الوصل والوقف نحو {ستراً} و {ذكراً} و {حجراً} إلاّ {القرى} و {مفترى} فإنّ ذلك مفخّم في الوصل. فأمّا في الوقف فقرأت في الوقف بالترقيق في موضع الرفع والخفض ، وفخّمت الراء في موضع النصب وهو المختار." (التجريد ص 178). وأمّا {صهراً} فقال ابن الفحّام : "وخالف أصله في {ولو أراكهم} فرقّق وروايته التفخيم ، وفخّم {حيران} و {إجرامي} و {حصرت صدورهم} ، ورُقّقت {حصرت صدورهم} في الوقف. ورقّق {بشرر} و {إسرافنا} حيث وقع ، {وصهراً} وفخّم {وعشيرتكم} في التوبة خاصّة و {إرم} و {ذكرك}."(التجريد ص179). أقول كلامه صريح في كونه يرقّق باب {خبيراً} و {شاكراً} ويُفخّم {ذكراً} وأخواتها ما عدا {صهراً} وهو الموافق لظاهر النشر.

وأمّا الوجه الثاني من التبصرة فيتحقّق بترقيق {صهرا} حيث سبق نقل كلامه أعلاه وهو قوله : "وقرأت له بالوجهين في {صهراً} في الفرقان.

وأمّا الوجه الثاني من الكافي فيتحقّق مقارنة بالوجه الأوّل بتفخيم {ذكراً} وأخواتها ما عداً {صهراً} وذلك بقول ابن شريح : "وقرأ {ذكراً} و {ستراً} و {وزراً} و {إمراً} بالتفخيم في الوصل والوقف إلاّ قوله تعالى : {وصهراً} في الفرقان فإنّه بين اللفظين في الحالين." (الكافي ص76).

5- أصحاب المذهب الخامس (تفخيم {ذكراً} و{ستراً} و{حجراً} و{إمراً} و{وزراً} دون {صهراً} مع ترقيق غيرهنّ في الوقف دون الوصل) وهم :صاحب الهادي والهداية والوجه الثالث في الكافي وذكره ابن الفحام عن شيخه عبد الباقي.

فأمّا من الهداية فقال المهدوي : "فأمّا إذا كانت الراء منوّنة وقبلها ساكن غير الياء وقبل الساكن كسرة ، نحو قوله : {ستراً} و{صهراً} وما أشبههما ، فورش يُفخّم هذا الأصل في الوصل والوقف إلاّ حرفاً واحداً وهو قوله {نسباً وصهراً}."(شرح الهداية ص151). وقال : "فإن كانت هذه الراء المنوّنة المنصوبة قبلها ياء ساكنة أو كسرة تليها فلا خلاف عنه في الترقيق في الوقف ، وذلك نحو : {بصيراً} و {شاكراً} ، واختلف عنه في الوصل ، فرُوي الترقيق والتفخيم ، والترقيق أشهر وأشبه بالأصل.."(شرح الهداية ص152). أقول : الذي يظهر من كلام المهدوي أنّ الراء في {ذكراً} وأخواتها مفخّمة ما خلا {صهراً} وإنّ التي تكون على نحو {بصيراً} و {شاكراً} ترقّق في الوقف وجاز ترقيقها وتفخيمها في الوصل. وهذا يوافق ما ذكره ابن الجزريّ في نشره إلاّ أنّه اقتصر له على وجه التفخيم في الوصل وأهمل له وجه الترقيق ، وكان الأولى لابن الجزريّ أن يختار الترقيق في الوصل من طريق المهدوي لأنّ هذا الأخير قدّمه في الأداء بقوله : "والترقيق أشهر وأشبه بالأصل". ولكن لمّا كان لزاماً علينا اتّباع ابن الجزريّ في اختياراته بشرط ثبوتها في المصدر وجب علينا الاقتصار عليها ومن ثمّ لزم الأخذ بوجه التفخيم في الوصل والترقيق في الوقف في نحو {بصيراً} و {شاكراً}. وهذا أصل مهمّ في علم التحريرات وهو الاقتصار على اختيارات ابن الجزريّ في نشره شريطة ثبوتها في المصدر ، لا إن نُعمِل جميع ما ثبت في المصدر فيما لم يختره في النشر. فكما أنّه لا يجوز تجاوز اختيارات الأئمّة في كلّ الطبقات فكذلك لا يجوز تجاوز اختيارات ابن الجزريّ في نشره فيما صحّ والعلم عند الله تعالى.

وأما من الهادي فليس من طرق النشر.

وأمّا ما ذكره ابن الفحام عن شيخه عبد الباقي في أخذه بهذا المذهب فلم يُعوّل عليه ولم يختره واختار الوصل بالترقيق لأنّ شيخه عبد الباقي قرأ به كذلك ، وإنّما ذكر وجه التفخيم في الوصل عن شيخه على الحكاية لا الرواية فقال : "وتجيء هذه الراء منوّنة فيُعتبر بما قبلها ، فإن كان ما قبلها كسرة أو ياء ساكنة فهي رقيقة في الحالين ، إلاّ شيئاً ذكره عبد الباقي في الوصف فإنّه قال : قرأت بالوجهين على والدي من طريق أصحاب ابن هلال ، والذي أعوّل عليه الترقيق في الراء نحو {خبيراً} و {بصيراً} و {قديراً} وما جاء مثله و {شاكراً}..". (التجريد ص179). ونحن مجبرون على اتّباع اختيار ابن الفحاّم والاقتصار عليه ولسنا مجبرين على إعمال كلّ ما قرأ به إن لم يختره. لأجل ذلك لم نأخذ بهذا الوجه من طريق التجريد كما لم يأخذ به في النشر وإنّما نقله عنه على سبيل الحكاية بقوله في النشر : "وذكره في التجريد عن شيخه عبد الباقي عن قراءته على أبيه في أحد الوجهين في الوقف". وقد أخذ به الأزميري في بدائعه وتبعه المتولّي في روضه.

خلاصة المسألة :
نخلصّ مما سبق أنّ :
- المذهب الأولّ (ترقيق الجميع في الحالين) هو مذهب صاحب العنوان والمجتبى والتذكرة والكافي في أحد أوجهه الثلاثة والشاطبيّ في أحد وجهيه وأبي معشر والداني من قراءته على أبي الحسن.
- المذهب الثاني (تفخيم الجميع): هو مذهب صاحب الكامل.
- المذهب الثالث ( تفخيم {ذكراً} و{ستراً} و{حجراً} و{إمراً} و{وزراً} و{صهراً} مع ترقيق غيرهنّ) وهو مذهب الداني في تيسيره وجامعه وبه قرأ على ابن خافان وفارس ابن أحمد ومذهب صاحب التلخيص وأحد وجهي الشاطبيّة و التبصرة.
- المذهب الرابع (تفخيم {ذكراً} و{ستراً} و{حجراً} و{إمراً} و{وزراً} دون {صهراً} مع ترقيق غيرهنّ في الحالين) وهو مذهب صاحب التجريد والثاني من التبصرة والكافي.
- المذهب الخامس (تفخيم {ذكراً} و{ستراً} و{حجراً} و{إمراً} و{وزراً} دون {صهراً} مع ترقيق غيرهنّ في الوقف دون الوصل) وهو مذهب صاحب والهداية والوجه الثالث في الكافي.
- المذهب السادس : الترقيق في الوقف مع التفخيم في الوصل ما كان على وزن (فعيلاً). نحو {بصيراً} و {سعيراً} دون غيره وهو مذهب صاحب الإرشاد.

ففي قوله تعالى : {يُضلّ به كثيراً ويهدي به كثيراً} ثلاثة أوجه وهي كالتالي :
- ترقيقهما في الحالين من الشاطبية والتيسير وجامع البيان والتلخيص والعنوان والمجتبى والتذكرة والتبصرة والتجريد وطريق أبي معشر وأحد وجهي الكافي وبه قرأ الداني على مشايخه الثلاثة.
- تفخيمهما من الكامل
- تفخيم الأولى مع ترقيق الثانية وقفاً من الهداية والإرشاد والثاني من الكافي.

وفي قوله تعالى : {يأيّها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً} سبعة أوجه وهي كالتالي.
- قصر البدل مع ترقيقهما من الشاطبية والتذكرة وجامع البيان من قراءة الداني على أبي الحسن.
- قصر البدل مع تفخيم {ذكراً} وترقيق {كثيراً} في الوقف دون الوصل من الإرشاد.
- توسط البدل مع ترقيقهما من الشاطبية.
- توسط البدل مع تفخيم {ذكراً} وترقيق {كثيراً} من الشاطبية والتيسير والتلخيص وجامع البيان من قراءة الداني على ابن خاقان وأبي الفتح.
- طول البدل مع ترقيقهما من الشاطبية والعنوان والمجتبى وطريق أبي معشر وأحد الوجهين في الكافي.
- طول البدل مع تفخيمهما من الكامل.
- طول البدل مع تفخيم {ذكراً} وترقيق {كثيراً} في الوقف دون الوصل من الهداية الكافي.
ويمتنع تفخيمهما مع قصر البدل وتوسّطه لأنّه من الكامل فقط ومذهبه الطول في البدل وكذا ترقيق {ذكراً} مع تفخيم {كثيراً}.
 
تحرير {إرم}.

تحرير {إرم}.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم.

تحرير {إرم}.

قال ابن الجزريّ في كتابه النشر : "أولها (إرم ذات العماد) في الفجر. ذهب إلى ترقيقها من أجل الكسرة قبلها أبو الحسن بن غلبون وأبو الطاهر صاحب العنوان وعبد الجبار صاحب المجتبى ومكي. وبه قرأ الداني على شيخه ابن غلبون وذهب الباقون إلى تفخيمها من أجل العجمة وهو الذي في التيسير والكافي والهداية والهادي والتجريد والتلخيصين والشاطبية. والوجهان صحيحان من أجل الخلاف في عجمتها. وقد ذكرهما الداني في جامع البيان."(النشر 2/97).

الذي يظهر في النشر أنّ الترقيق هو مذهب صاحب التذكرة والعنوان والمجتبى والتبصرة وأحد الوجهين من جامع البيان من قرأ الداني على أبي الحسن. وذهب إلى التفخيم الباقون وقد ذكر منهم الداني في تيسيره والثاني من جامع البيان من قراءة الداني على ابن خاقان وأبي الفتح وكذا صاحب الكافي والهداية والهادي والتجريد وابن بلّيمة والشاطبيّ.

1 – ذكر أصحاب مذهب الترقيق على ما في النشر : وهم صاحب التذكرة والعنوان والمجتبى والتبصرة وأحد وجهي جامع البيان من قراءة الداني على أبي الحسن.

فأمّا من التذكرة والعنوان فالذي يظهر منهما الترقيق كما في النشر إذ لم يذكر أبو الحسن وأبو طاهر {إرم} ضمن المستثنيات فيما اطلعت عليه. وقال ابن الجزريّ فيما يتعلّق بكتاب العنوان في كتابه التحفة : "ورقق – أي أبو طاهر- {إرم}.(تحفة الإخوان ص180).

وأمّا من المجتبى فالذي يظهر من النشر الترقيق وهو مذهب تلميذه في الرواية صاحب العنوان.

وأمّا من التبصرة فالذي يظهر منه هو التفخيم بخلاف ما في النشر قال مكي القيسي : "وخالف أصله في المفتوحة في مواضع وهي {إبراهيم} و {إسرائيل}و {وزرك} و {وزر أخرى} و {ذكرك} و {فطرة} و{إصرهم} و {حذركم} و {عمران} و {لعبرة} و {كبره} و {مصر} و {إرم}...."(التبصرة ص149). وممّا يؤكّد ما ذكرناه هو أنّ المالقي لم يذكر في الدرّ النثير إلاّ التفخيم للشيوخ الثلاثة وهم الداني ومكي وابن شريح لأنّ منهجه في هذه الكتاب هو شرح عبارات التيسير ومقارنة أحكامها بمذهب صاحب التبصرة والكافي ، وما أشار إلى الخلاف بينهم في المسألة دلّ أنّ هؤلاء الثلاثة مذهبهم هو التفخيم لا غير في {إرم}. قال المالقي : الضرب الثالث : أن تكون الكلمة أعجميّة ، والوارد منه في القرءان {إبراهيم} و {إسرائيل} و {عمران} و {إرم} لم ترقّق الراء في هذا الضرب...."(الدرّ النثير ص547). وعليه فإنّا نأخذ بوجه التفخيم من التبصرة خلافاً لما في النشر.

وأمّا قراءة الداني على أبي الحسن من جامع البيان فقال أبو عمرو الداني : "وأقرأني ابن غلبون {إرم ذات} بإمالة الراء لأجل الكسرة ، وأقرأنيه غيره بإخلاص فتحها..."(جامع البيان ص254).

وأمّامن الإرشاد فالذي يظهر منه الترقيق لأنّه لم يستثن {إرم} من الراءات المفتوحة المسبوقة بكسر. قال أبو الطيّب : "وأمّا ما جاء فيه راء قبلها كسرة أو ياء ساكنة نحو {ميراث} و {الخيرات} و {إخراج} و {الإكرام} و {فراشاً} و {سراجاً} وما كان مثله. فورش عن نافع وحده يقرأ هذا الباب حيث وقع في وصله ووقفه بين اللفظين."(الإرشاد 1/ 447و448). وقال : "فالاختلاف بين ورش عن نافع وبين القراء إنّما هو في المفتوحة لا غير ، وسواء وقعت في اسم أو فعل ، نحو {الخيرات} و {الميراث} و {المحراب} و {سراجاً} و {إخراج} و {حيران} وماكان مثله إذا كان قبل الراء كسرة أو ياء ساكنة."(الإرشاد 1/460).

2- ذكر أصحاب مذهب التفخيم على ما في النشر : وهم الداني في تيسيره والثاني من جامع البيان من قراءة الداني على ابن خاقان وأبي الفتح وكذا صاحب الكافي والهداية والهادي والتجريد وابن بلّيمة والشاطبيّ.

فأمّا من التيسير فقال الداني : "ونقض مذهبه مع الكسرة في ضربين في قوله : {الصراط} و {صراط} حيث وقعا و {الفراق} و {فراق بيني} و {الإشراق} و {إعراضاً} و {إعراضهم} و {مدراراً} و {إسراراً} و {ضراراً} و {فراراً} و {الفرارُ} و {إبراهيم} و {إسرائيل} و {عمران} و {إرم ذات العماد} ..."(التيسير ص193).

وأمّامن جامع البيان فهو من قراءة الداني على ابن خاقان وفارس ابن أحمد بقوله "وأقرأني ابن غلبون {إرم ذات} بإمالة الراء لأجل الكسرة ، وأقرأنيه غيره بإخلاص فتحها..."(جامع البيان ص254).

وأمّا من الكافي فقال ابن شريح : "وخالف أصله في {إرم ذات العماد} و {سراعاً} و {ذراعاً} ففخّم ...."(الكافي ص75).

وأمّا من الهداية فقال المهدوي : " وأما {إرم} فرروه أيضاً بالتفخيم وهو مخالف لأصله...."(شرح الهداية ص147).

وأمّامن الهادي فليس من طرق الطيّبة.

وأمّا من التجريد فقال ابن الفحّام : "وفخّم {وعشيرتكم} و {إرم} و {ذكرك}."(التجريد ص179).

وأمّا من التلخيص فقال ابن بلّيمة : "وعند العجمة نحو قوله تعالى : {إبراهيم} و {إسرائيل} و {عمران} و {مصراً} منوّناً وغير منوّن كلّ القرءان وكذلك {ستراً} و {ذكراً} و {حجراً} و {إرم ذات العماد}...".(تلخيص العبارات ص50).

وأمّا من الشاطبية فقال صاحبها : (وفخمها في الأعجميّ وفي إرم).

وأمّا من الكامل فلم أقف في كتاب الكامل على حكم {إرم} ، وطريقة الهذلي أنّه يذكر الكلمات المعنيّة بالحكم حصراً لا تمثيلاً ولم يشر إلى هذه الكلمة فيما اطلعت عليه والذي يظهر من النشر هو التفخيم لقول ابن الجزريّ : ذهب الباقون إلى تفخيمها من أجل العجمة" بما فيهم الهذلي.

وأمّا من طريق أبي معشر فالذي يظهر من النشر هو التفخيم بقوله : ذهب الباقون إلى تفخيمها من أجل العجمة".

3 – خلاصة المسألة :
نخلص مما سبق أنّ الترقيق في {إرم} هو من طريق التذكرة والإرشاد والعنوان والمجتبى وأحد وجهي جامع البيان من قراءة الداني على أبي الحسن ، والتفخيم مذهب الباقين أي مذهب صاحب التبصرة على الصحيح والثاني من جامع البيان من قراءة الداني على ابن خاقان وأبي الفتح ومن الكافي والهداية والتجريد والتلخيص والشاطبيّة والكامل وطريق أبي معشر.

والعلم عند الله تعالى.
 
تحرير : {سراعا}ً، {وذراعاً} ، و{ذراعيه}.

تحرير : {سراعا}ً، {وذراعاً} ، و{ذراعيه}.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد

تحرير : {سراعا}ً، {وذراعاً} ، و{ذراعيه}.

قال ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى : "ثانيها (سراعاً، وذراعاً، وذراعيه) ففخمها من أجل العين صاحب العنوان وشيخه وطاهر بن غلبون وابن شريح وأبو معشر الطبري. وبه قرأ الداني على أبي الحسن ورققها الآخرون من أجل الكسرة وهو الذي في التيسير والتبصرة والهداية والهادي والتجريد والشاطبية. وبه قرأ الداني على فارس والخاقاني وذكر الوجهين ابن بليمة والداني في الجامع."(النشر 2/96).

1 – أصحاب مذهب التفخيم على ما في النشر : وهم صاحب العنوان وشيخه صاحب المجتبى وصاحب التذكرة والكافي وأبو معشر وأحد وجهي التلخيص وجامع البيان من قراءة الداني على أبي الحسن.

فأمّا من العنوان فقال أبو طاهر عند ذكره لمواضع التفخيم : "والخامس : إذا كان بعد الراء ألف بعدها عين مفتوحة نحو {سراعاً} و {سبعون ذراعاً}".(العنوان ص63). قال ابن الجزريّ : "وفخّم من الراء المفتوحة إذا كان بعدها ألف ، وبعد الألف عين نحو {سراعاً} و {سبعون ذراعاً}."(تحفة الإخوان ص180).

وأمّامن المجتبى فهو ظاهر من النشر ومذهب تلميذه في الرواية أي أبي طاهر صاحب العنوان.

وأمّا من التذكرة فقال أبو الحسن عند ذكره المواضع التي خالف فيها ورش أصله : "والسادس : إذا وقع بعد هذه الرّاء ألف بعدها عين مفتوحة ، كقوله تعالى {عنهم سراعاً} و {من الأجداث سراعاً} و {سبعون ذراعاً} ، وقد ذهب قوم إلى الأخذ لورش في هذا الموضع بين اللفظين ، وقد قرأت بذلك على بعضهم ، والفتح أجود."(التذكرة ص223و224). أقول : ذكر أبو الحسن الوجهين في المواضع الثلاثة وقدّم التفخيم واقتصر له ابن الجزريّ عليه واختاره في نشره إذ به قرأ الداني على أبي الحسن ، ونحن ملزمون بهذا الاختيار ، ولسنا ملزمين بالوجهين كما صنع الأزميري ومن تبعه كالمتولّي والضباع ، وعليه فإنّي أقتصر على التفخيم من طريق التذكرة والعلم عند الله تعالى.

وأمّا من الكافي فقال ابن شريح : "وخالف أصله في {إرم ذات العماد} و {سراعاً} و {ذراعاً} ففخّم ...."(الكافي ص75). أقول : وإن كانت عبارة ابن شريح تخصّص {ذراعاً} و {سراعاً} دون {ذراعيه} إلاّ أنّ العمل جرى على الإطلاق إذ لم أقف على من فرق بين {ذراعيه} و {ذراعاً} في الحكم سواء من كتب المتقدّمين أو من كتب المحرّرين بل النصوص على تخصيص الحكم بوقوع العين بعد الألف وذلك يتحقّق في {ذراعيه}. والعلم عند الله تعالى.

وأمّا من طريق أبي معشر فيظهر صريحاً من النشر وليس بحوزتي كتاب سَوْق العروس لأفتّش عن مذهبه في المسألة ، فحسبنا بالنشر.

وأمّا قراءة الداني على أبي الحسن من جامع البيان فقال الداني عند ذكره للمواضع التفخيم عن أبي الحسن : "والألف التي بعدها عين نحو قوله {ذراعيه} و {ذراعاً} و {سراعاً} وما أشبهه. وقرأت ذلك كلّه على غيره – أي على غير أبي الحسن- بالإمالة اليسيرة....".(جامع البيان ص353).

وأمّا من طريق التلخيص فقال ابن بلّيمة : "وعنه في الراء إذا جاء بعدها عين وألف نحو قوله تعالى {ذراعيه} و {سراعاً} أو جاء بعدها همزة نحو قوله تعالى {مرآء} و {افتراء عليه} و {افتراءً على الله} وعند الألف الدالّة على اثنين نحو قوله تعالى {طهّرا} {فلا تنتصران} والحرف نحو قوله تعالى {إجرامي} فروى عنه الفتح وبين اللفظين ، والفتح أجود."(تلخيص العبارات ص50). أقول : فقوله "روى عنه الفتح وبين اللفظين ، والفتح أجود" يدلّ على جواز الأخذبالوجهين من طريق التلخيص مع تقديم التفخيم.

2 – أصحاب مذهب الترقيق على ما في النشر : وهم الداني في التيسير و صاحب التبصرة والهداية والهادي والتجريد والشاطبية. وهو الوجه الثاني من التلخيص وجامع البيان من قراءة الداني ابن خاقان وأبي الفتح فارس.

فأمّا من التيسير فلم يذكر الداني هذه المواضع الثلاثة ضمن المستثنيات من الترقيق فتكون مرقّقة على الأصل من طريق التيسير ، وقد أخبر في جامع البيان أنّه قرأ على غير أبي الحسن بالترقيق بقوله : "وقرأت ذلك كلّه على غيره – أي على غير أبي الحسن- بالإمالة اليسيرة....".(جامع البيان ص353). وهذا صريح في كونه قرأ على ابن خاقان بالترقيق وهو طريقه من التيسير.

وأمّا من التجريد والتبصرة والهداية والشاطبية فلم يخصّوا أصحابها هذه المواضع الثلاثة بذكر ولا باستثناء فتكون مرقّقة عندهم على الأصل.

وأمّا من الكامل فلم أقف على حكمها ، وطريقة الهذلي أنّه يذكر الكلمات المعنيّة بالحكم حصراً لا تمثيلاً ، ولم يشر إلى هذه الكلمات فيما ظهر لي ، والذي يظهر من النشر هو التفخيم لقول ابن الجزريّ : "ورققها الآخرون من أجل الكسرة.. " بما فيهم الهذلي.

وأمّامن الإرشاد فالذي يظهر منه الترقيق لأنّه لم يستثن هذه المواضع من الراءات المرقّقة المفتوحة المسبوقة بكسر. قال أبو الطيّب : "وأمّا ما جاء فيه راء قبلها كسرة أو ياء ساكنة نحو {ميراث} و {الخيرات} و {إخراج} و {الإكرام} و {فراشاً} و {سراجاً} وما كان مثله. فورش عن نافع وحده يقرأ هذا الباب حيث وقع في وصله ووقفه بين اللفظين."(الإرشاد 1/ 447و448). وقال : "فالاختلاف بين ورش عن نافع وبين القراء إنّما هو في المفتوحة لا غير ، وسواء وقعت في اسم أو فعل ، نحو {الخيرات} و {الميراث} و {المحراب} و {سراجاً} و {إخراج} و {حيران} وماكان مثله إذا كان قبل الراء كسرة أو ياء ساكنة."(الإرشاد 1/460). وهو الموافق لقول ابن الجزريّ في النشر : "ورققها الآخرون من أجل الكسرة.. ".

3 – خلاصة المسألة :

نخلص مما سبق أنّ التفخيم في (سراعاً، وذراعاً، وذراعيه) هو مذهب صاحب العنوان والمجتبى والكافي وأبي معشر وصاحب التذكرة وأحد وجهي التلخيص وجامع البيان من قراءة الداني على أبي الحسن. والترقيق هو مذهب صاحب التيسير والتجريد والتبصرة والهداية والشاطبية والكامل والإرشاد والثاني من التلخيص وجامع البيان من قراءة الداني على ابن خاقان وفارس ابن أحمد.

والعلم عند الله تعالى.
 
تحرير : {مرآءً} و {افتراءً عليه} و {افتراءً على الله}.

تحرير : {مرآءً} و {افتراءً عليه} و {افتراءً على الله}.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد.

تحرير : {مرآءً} و {افتراءً عليه} و {افتراءً على الله}.

قال ابن الجزريّ : "ثالثها (افتراء على الله، وافتراء عليه، ومراء) ففخمها من أجل الهمزة ابن غلبون صاحب التذكرة وابن بليمة صاحب تلخيص العبارات وأبو معشر صاحب التلخيص وبه قرأ الداني على أبي الحسن ورققها الآخرون من أجل الكسرة وذكر الداني الوجهين في جامع البيان."(النشر 2/97).

1- بيان أصحاب مذهب التفخيم على ما في النشر : وهم صاحب التذكرة والتلخيص العبارات وأبو معشر الطبريّ وأحد الوجهين من جامع البيان وهي قراءة الداني على أبي الحسن.

فأمّا من التذكرة فقال أبو الحسن عند ذكره المواضع التي خالف فيها ورش أصله : "والسابع : إذا وقع بعد هذه الراء ألف ، بعدها همزة مفتوحة ، كقوله تعالى : {إلاّ مرآءً} و {افتراءً عليه} و {افتراءً على الله} وما أشبه هذا." ثمّ قال :" وقد ذهب قوم إلى الأخذ لورش في هذا الموضع والموضع الذي قبله بين اللفظين ، وقد قرأت بذلك على بعضهم والفتح أجود فيهما."(التذكر 1/224). أقول : ذكر أبو الحسن الوجهين في المواضع الثلاثة وقدّم التفخيم واقتصر له ابن الجزريّ عليه واختاره إذ به قرأ الداني على أبي الحسن ، ونحن مجبرون على التقيّد بهذا الاختيار لأنّنا نقرأ من طريق النشر ، وسندنا يمّر عليه قبل أن يصل إلى صاحب التذكرة ، ولا يمكننا معرفة هل قرأ ابن الجزريّ بوجه الترقيق أم لا من طريق التذكرة بينما يمكننا القطع بأنّه قرأ بالتفخيم لأنّه اقتصر عليه في النشر من جهة وسنده إلى التذكرة يمرّ بالداني وهو قرأ على أبي الحسن بالتفخيم كما سيأتي. وعلى هذا لا ينبغي إضافة وجه الترقيق من التذكرة إلى النشر كما صنع الأزميري ومن تبعه.

وأمّا من تلخيص العبارات فقال ابن بلّيمة : "وعنه في الراء إذا جاء بعدها عين وألف نحو قوله تعالى {ذراعيه} و {سراعاً} أو جاء بعدها همزة نحو قوله تعالى {مرآء} و {افتراء عليه} و {افتراءً على الله} وعند الألف الدالّة على اثنين نحو قوله تعالى {طهّرا} {فلا تنتصران} والحرف نحو قوله تعالى {إجرامي} فروى عنه الفتح وبين اللفظين ، والفتح أجود."(تلخيص العبارات ص50). أقول : فقوله "روى عنه الفتح وبين اللفظين ، والفتح أجود" يدلّ على جواز الأخذ بالوجهين من طريق التلخيص مع تقديم التفخيم ، إلاّ أنّ ابن الجزريّ اقتصر على وجه التفخيم واختاره من طريق ابن بلّيمة ، فوجب الاقتصار عليه لأننا نقرأ من طريق ابن بلّيمة على ما اختاره ابن الجزريّ في نشره وصحّ من ذاك الطريق ، وما قيل في التذكرة لابن غلبون يقال هنا أيضاً ، وقد أضاف المتولّي وجه الترقيق على ما وجده في التلخيص وهذا غير مستقيم إذ لا يلزم على صاحب النشر الالتزام بجميع ما في المصادر بل يمكنه أن يقتصر على بعض ما ورد فيها ، ومن ثمّة وجب علينا الاقتصار على اختياره وعدم تجاوزه.

وأمّامن طريق أبي معشر فيظهر صريحاً في النشر فحسبنا به لأنّنا لم نقف على المصدر.

وأمّا قراءة الداني على أبي الحسن من جامع البيان فقال الداني : "والألف التي بعدها همزة نحو قوله {افتراءً على الله} و {افتراء عليه} و {مرآء ظاهراً} وما أشبهه. والألف التي بعدها عين نحو قوله {ذراعيه} و {ذراعاً} و {سراعاً} وما أشبهه. وقرأت ذلك كلّه على غيره – أي على غير أبي الحسن- بالإمالة اليسيرة....".(جامع البيان ص353).


2 - بيان أصحاب مذهب الترقيق على ما في النشر : وهم الباقون أي الداني في تيسيرة والشاطبيّ وصاحب العنوان والتجريد والهداية والتبصرة والكافي والكامل والمجتبى والإرشاد والوجه الثاني من جامع البيان وهي قراءة الداني على ابن خاقان وأبي الفتح.

فأمّا من طريق التيسير والعنوان والتجريد والهداية والتبصرة والكافي فلم أجد في هذه الكتب إشارة إلى هذه المواضع وهذا يتناسب مع ما في النشر لقول ابن الجزريّ : "ورققها الآخرون من أجل الكسرة."

وأمّا من الكامل فقال الهذلي : "وكان ورش يلطف الإمالة من طريق الأزرق وداود في {جاء} و {شاء} وما جاز فيه الإمالة و {رءا الشمس} و {ترآءا الجمعان} ، {نئا بجانبه} و {حتّى نرى الله} و {المحراب} و {الخيرات} و {حيران} و {إخراجهم} و {مراءً} و {إسرافاً}...."(الكامل ص327). أقول : ذكر الهذلي {مراء} دون {افتراءً} وهذا لا يعني اختلافهما في الحكم عنده لأنّ الظاهر من عبارته هذه هو التمثيل لا الحصر إذ لا يُعقل أن ترقّق {إخراجهم} دون {إخراجاً} لعدم ذكرها وكذا {الخيرات} دون نظائرها ، وبالتالي فيكون ما في الكامل موافقاً لما في النشر.

وأمّا من المجتبى فالذي يظهر من النشر التفخيم وهي رواية تلميذه أبي طاهر صاحب العنوان.

وأمّامن الإرشاد فالذي يظهر منه الترقيق لأنّه لم يستثن هذه المواضع من الراءات المرقّقة المفتوحة المسبوقة بكسر. قال أبو الطيّب : "وأمّا ما جاء فيه راء قبلها كسرة أو ياء ساكنة نحو {ميراث} و {الخيرات} و {إخراج} و {الإكرام} و {فراشاً} و {سراجاً} وما كان مثله. فورش عن نافع وحده يقرأ هذا الباب حيث وقع في وصله ووقفه بين اللفظين."(الإرشاد 1/ 447و448). وقال : "فالاختلاف بين ورش عن نافع وبين القراء إنّما هو في المفتوحة لا غير ، وسواء وقعت في اسم أو فعل ، نحو {الخيرات} و {الميراث} و {المحراب} و {سراجاً} و {إخراج} و {حيران} وماكان مثله إذا كان قبل الراء كسرة أو ياء ساكنة."(الإرشاد 1/460). وهو الموافق لقول ابن الجزريّ في النشر : "ورققها الآخرون من أجل الكسرة.. ".

3 – خلاصة المسألة :

نخلص مما سبق أنّ التفخيم في {إلاّ مرآءً} و {افتراءً عليه} و {افتراءً على الله} هو من التذكرة وتلخيص العبارات وطريق أبي معشر الطبريّ وأحد الوجهين من جامع البيان وهي قراءة الداني على أبي الحسن. والترقيق مذهب الباقين والثاني من جامع البيان وهي قراءة الداني على ابن خاقان وأبي الفتح.

والعلم عند الله تعالى.
 
تحرير : {ساحران} و {تنتصران} و{طهرا}.

تحرير : {ساحران} و {تنتصران} و{طهرا}.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد.

تحرير : {ساحران} و {تنتصران} و{طهرا}.

قال ابن الجزريّ في النشر : "رابعها (ساحران، وتنتصران، وطهرا) ففخمها من أجل ألف التثنية أبو معشر الطبري وأبو علي بن بليمة وأبو الحسن بن غلبون وبه قرأ الداني عليه ورققها الآخرون من أجل الكسرة والوجهان جميعاً في جامع البيان."(النشر 2/97).


1 - بيان أصحاب مذهب التفخيم على ما في النشر : وهم أبو معشر الطبريّ وصاحب تلخيص العبارات والتذكرة وأحد وجهي جامع البيان من قراءة الداني على أبي الحسن.

فأمّا من التذكرة فقال أبو الحسن عند ذكره المواضع التي خالف فيها ورش أصله : "والثامن: إذا وقع بعد هذه الراء ألف تدلّ على الاثنين ، سواء كانت تلك الألف اسماً أو حرفاً : فالاسم كقوله : {أن طهّرا بيتيَ} و {فلا تنتصران}. والحرف كقوله {سحران}. وقد ذهب قوم إلى الأخذ لورش في هذا الموضع والموضع الذي قبله بين اللفظين ، وقد قرأت بذلك على بعضهم والفتح أجود فيهما."(التذكر 1/224).أقول : ذكر أبو الحسن الوجهين في المواضع الثلاثة وقدّم التفخيم واقتصر له ابن الجزريّ عليه واختاره إذ به قرأ الداني على أبي الحسن ، ونحن ملزمون بهذا الاختيار لأنّنا نقرأ من طريق النشر .

وأمّا من تلخيص العبارات فقال ابن بلّيمة : "وعنه في الراء إذا جاء بعدها عين وألف نحو قوله تعالى {ذراعيه} و {سراعاً} أو جاء بعدها همزة نحو قوله تعالى {مرآء} و {افتراء عليه} و {افتراءً على الله} وعند الألف الدالّة على اثنين نحو قوله تعالى {طهّرا} {فلا تنتصران} والحرف نحو قوله تعالى {إجرامي} فروى عنه الفتح وبين اللفظين ، والفتح أجود."(تلخيص العبارات ص50). أقول : فقوله "روى عنه الفتح وبين اللفظين ، والفتح أجود" يدلّ على جواز الأخذ بالوجهين من طريق التلخيص مع تقديم التفخيم ، إلاّ أنّ ابن الجزريّ اقتصر على وجه التفخيم واختاره من طريق ابن بلّيمة ، فوجب الاقتصار عليه وعدم تجاوز اختياره إذ تجاوزه يُسبّب تكثير للأوجه وتوسيع لدائرة الخلاف والاضطراب.

وأمّا من طريق أبي معشر فيظهر صريحاً في النشر فحسبنا به لأنّنا لم نقف على المصدر.

وأمّا قراءة الداني على أبي الحسن من جامع البيان فقال الداني : "وقد خالف أبو الحسن الجماعة من أهل الأداء في الراء التي يليها كسرة لازمة ، ويقع بعدها أحد ثلاثة أحرف : ألف الاثنين ، وسواء كانت حرفاً أو اسماً أو ألف بعدها همزة ، أو ألف بعدها عين ، فكان يُخلص الفتح من أجل ذلك ، فألف الاثنين نحو قوله {تنتصران} و {لساحرانِ} و {طهّرا} وما أشبهه." ثمّ قال : " وقرأت ذلك كلّه على غيره – أي على غير أبي الحسن- بالإمالة اليسيرة....".(جامع البيان ص353).

2- بيان أصحاب مذهب الترقيق على ما في النشر : وهم الباقون والثاني من جامع البيان من قراءة الداني على ابن خاقان وفارس ابن أحمد.

فأمّا من التيسير والشاطبية والعنوان والتجريد والهداية والتبصرة والكافي والكامل والإرشاد فلم أجد في هذه الكتب إشارة إلى التفخيم في هذه المواضع وهذا يتناسب مع قول ابن الجزريّ : "ورققها الآخرون من أجل الكسرة."

وأمّا من المجتبى فالذي يظهر من النشر هو الترقيق لقول ابن الجزريّ : "ورققها الآخرون من أجل الكسرة." وهو ما يوافق رواية تلميذه صاحب العنوان

وأمّا قراءة الداني على ابن خاقان وفارس ابن أحمد من جامع البيان فقال : " وقرأت ذلك كلّه على غيره – أي على غير أبي الحسن- بالإمالة اليسيرة....".(جامع البيان ص353).

3 - خلاصة المسألة :
نخلص مما سبق أنّ التفخيم في {ساحران} و {تنتصران} و{طهرا} هو من التذكرة والتلخيص العبارات وطريق أبي معشر الطبريّ وأحد الوجهين في جامع البيان من قراءة الداني على أبي الحسن. والترقيق مذهب الباقين والثاني في جامع البيان من قراءة الداني على ابن خاقان وأبي الفتح.

ففي قوله تعالى : {يُرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان} ستّة أوجه كلّها صحيحة من الطيّبة ، ويصحّ منها ثلاثة من الشاطبية.
1. تفخيم {تنتصران} مع قصر {آلاء} من التذكرة وأحد وجهي جامع البيان من قراءة الداني على أبي الحسن.
2. تفخيم {تنتصران} مع توسط {آلاء} من تلخيص ابن بلّيمة.
3. تفخيم {تنتصران} مع طول {آلاء} من طريق أبي معشر الطبريّ.
4. ترقيق {تنتصران} مع قصر {آلاء} من الشاطبية والإرشاد.
5. ترقيق {تنتصران} مع توسط {آلاء} من الشاطبية والتيسير والثاني من جامع البيان من قراءة الداني على ابن خاقان وأبي الفتح.
6. ترقيق {تنتصران} مع طول {آلاء} من الشاطبية والعنوان والتجريد والهداية والتبصرة والكافي والكامل والمجتبى.
 
تحرير: {عشيرتكم} في التوبة.

تحرير: {عشيرتكم} في التوبة.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد.

تحرير: {عشيرتكم} في التوبة.

قال ابن الجزريّ : "خامسها (وعشيرتكم). في التوبة فخمها أبو العباس المهدوي وأبو عبد الله بن سفيان وصاحب التجريد وأبو القاسم خلف بن خاقان ونص عليه كذلك إسماعيل النخاس. قال الداني وبذلك قرأت على ابن خاقان وكذلك رواه عامة أصحاب أبي جعفر بن هلال عنه. قال وأقرأنيه غيره بالإمالة قياساً على نظائره انتهى، ورققها صاحب العنوان وصاحب التذكرة وأبو معشر وقطع به في التيسير فخرج عن طريقه فيه. والوجهان جميعاً في جامع البيان والكافي والهداية والتبصرة وتلخيص العبارات والشاطبية."(النشر 2/97).

1 - بيان أصحاب مذهب التفخيم على ما في النشر : وهم صاحب الهادي والتجريد وابن خاقان وبه قرأ الداني عليه وهو أحد وجهي جامع البيان والكافي والهداية والتبصرة وتلخيص العبارات والشاطبية.

فأما من الهادي فليس من طرق الطيّبة.

وأمّا من التجريد فقال ابن الفحام : " وخالف أصله في {ولو أراكهم} فرقّق وروايته التفخيم وفخّم {حيران} و {إجرامي} و {حصرت صدورهم} و رُقّقت {حصرت صدورهم} في الوقف. ورقّق {بشرر} و {إسرافنا} حيث وقع و {صهراً} وفخّم {عشيرتكم} في التوبة خاصّة و {إرم} {ذكرك}."(التجريد ص179).

وأمّا طريق ابن خاقان وقراءة الداني عليه فقال أبو عمرو : "وأمّا المكسور فنحو قوله {ميراث} و {المغيرات} و {عشيرتكم} و {لكبيرة} و {صغيرة} و {بصيرة}.......فالراء ممالة بين بين في جميع ذلك حال الوصل والوقف ، وهذه قراءتي من طريق أبي يعقوب وأبي الأزهر وداود وأحمد بن يونس."(جامع البيان ص352). أقول : كلام الداني صريح في أنّ مذهبه في {عشيرتكم} هو الترقيق لا غير وهو خلاف ما في النشر تماماً إذ لو قرأ على ابن خاقان بالتفخيم لذكره في جامع البيان وفي غيره إذ لم ينقل المنتوري عن الداني هذا القول ولم يأخذ به أحد من طريقه بما فيهم المحرّرون فيما اطلعت عليه. وعليه فالصحيح هو الترقيق من جميع طرق الداني عن أبي يعقوب بما فيها قراءته على ابن خاقان كما هو صريح في جامع البيان.

وأمّا الوجهان من الكافي فقال ابن شريح : "واختلف عنه في {عشيرتكم} في التوبة وفي {حيران} في الترقيق والتفخيم ، وبالوجهين قرأت وبهما آخذ."(الكافي ص75).

وأمّاالوجهان من الهداية فقال المهدوي : "وكذلك رووا عنه التفخيم في قوله {عشيرتكم} في التوبة خاصّة....."(شرح الهداية ص147). أقول لم يذكر المهدويّ في شرحه على الهداية إلاّ التفخيم خلافاً لابن الجزريّ الذي ذكر له الوجهين ، وعليه فإنّي أقتصر على وجه التفخيم كما فعل يوسف زاده والأزميري والمتولّي والضباع عليهم رحمة الله تعالى.

وأمّاالوجهان من التبصرة فقال مكي القيسي : "وقرأت بالوجهين في {حيران} و {إجرامي} و {عشيرتكم} في سورة براءة خاصّة"(التبصرة ص149).

وأمّاالوجهان من تلخيص العبارات فقال ابن بلّيمة : "خالف أصله في التوبة قوله {عشيرتكم}."(تلخيص العبارات ص49). أقول لم يذكر ابن بلّيمة إلاّ وجه التفخيم في {عشيرتكم} خلافاً لظاهر النشر ، وعليه فإنّي أقتصر على وجه التفخيم من طريق التلخيص كما اقتصر عليه يوسف زاده والأزميري والمتولّي والضباع عليهم رحمة الله تعالى.

وأمّا الوجهان من الشاطبية فلم يشر صاحبها إلى {عشيرتكم} البتّة ولعلّ السبب الذي حمل ابن الجزريّ زيادة هذا الوجه للإمام الشاطبيّ هو ثبوت هذا الوجه عنده من رواية الداني عن ابن خاقان وهو طريق الشاطبية وكان الأحرى أن يُثبته في التيسير أيضاً ، وقد سبق البيان أنّ ذلك لا يصحّ عن الداني والله أعلم..


2 - بيان أصحاب مذهب الترقيق على ما في النشر :وهم صاحب العنوان والتذكرة والتيسير وأبو معشر الطبري والثاني من الهداية والتبصرة والكافي والتلخيص والشاطبية.

فأمّا من العنوان والتذكرة والتيسير فلم أجد في هذه الكتب إشارة إلى تفخيم {عشيرتكم} فيكون مذهب أصحاب هذه الكتب الترقيق كما هو مذكور في النشر.

وأمّا من طريق أبي معشر فيظهر صريحاً في النشر فحسبنا به لأنّنا لم نقف على المصدر.

وقد سكت في النشر عن مذهب صاحب الإرشاد ومذهبه الترقيق إذ لم يُشر أبو الطيّب إلى {عشيرتكم} فترقّق عنده على القاعدة.

وقد سكت أيضاً عن صاحب الكامل ولم أجد في الكتاب إشارة إلى {عشيرتكم} فترقّق على الأصل ، وبه أخذ من طريقه يوسف زادة والأزميري والمتولّي والضباع عليهم رحمة الله تعالى.

وقد سكت أيضاً عن صاحب المجتبى ، ومذهبه كمذهب صاحب العنوان وبذلك أخذ يوسف زادة والأزميري والمتولّي والضباع عليهم رحمة الله تعالى.

وأمّا الوجه الثاني من الهداية والتبصرة والكافي والتلخيص والشاطبية فقد سبق توضيح مذهب هؤلاء.

3 - خلاصة المسألة :

نخلص مما سبق أنّ التفخيم في {عشيرتكم} هو مذهب صاحب التجريد والهداية والتلخيص وأحد وجهي التبصرة والكافي. والتفخيم هو مذهب الباقين والثاني من التبصرة والكافي.

ففي قوله تعالى { قل إن كان آباءكم .........وعشيرتكم} خمسة أوجه كلّها صحيحة من الطيّبة ثلاث منها صحيحة من الشاطبية وهي كالتالي :

1. قصر {آباؤكم} مع ترقيق {عشيرتكم} من الشاطبية والتذكرة والإرشاد وبه قرأ الداني على أبي الحسن.
2. توسط {آباؤكم} مع ترقيق {عشيرتكم} من الشاطبية والتيسير وجامع البيان وبه قرأ الداني على ابن خاقان وأبي الفتح.
3. توسط {آباؤكم} مع تفخيم {عشيرتكم} من تلخيص ابن بلّيمة.
4. طول {آباؤكم} مع ترقيق {عشيرتكم} من الشاطبية والعنوان والمجتبى والكامل وطريق أبي معشر وأحد وجهي الكافي والتبصرة.
5. طول {آباؤكم} مع تفخيم {عشيرتكم} من التجريد والهداية والثاني من الكافي والتبصرة.
ويمتنع وجه القصر مع التفخيم.

والعلم عند الله تعالى.
 
تنبيه واستدراك على مسألة {عشيرتكم}

تنبيه واستدراك على مسألة {عشيرتكم}

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد


فعند مطالعتي للطبعة المتداولة لكتاب النشر والتي حقّقها العلامة الضباع لم أجد في هذه الطبعة كلاماً عن حكم {حيران} ثمّ ظهر لي بالمقارنة مع تقريب النشر وأقوال المحرّرين أنّ ما كتب في باب {عشيرتكم} هو خليط بين باب {عشيرتكم} وباب {حيران} فكان هناك سقط فيما يختص بباب {عشيرتكم} مع إدخال ما تبقّى منها مكتوباً في باب {حيران} مع حذف الباب مطلقاً ، بدليل أنّّ ترقيم ابن الجزريّ لباب {عشيرتكم} هو الخامس بقوله : خامسها {عشيرتكم} ثمّ الانتقال مباشرة إلى باب {وزرك و ذكرك} بترقيم سبعة بقوله : سابعها {وزرك وذكرك} فالساقط هو السادس أي باب {حيران}.وها أنا أنقل لكم النصّ : "خامسها (وعشيرتكم). في التوبة فخمها أبو العباس المهدوي وأبو عبد الله بن سفيان وصاحب التجريد وأبو القاسم خلف بن خاقان ونص عليه كذلك إسماعيل النخاس. قال الداني وبذلك قرأت على ابن خاقان وكذلك رواه عامة أصحاب أبي جعفر بن هلال عنه. قال وأقرأنيه غيره بالإمالة قياساً على نظائره انتهى، ورققها صاحب العنوان وصاحب التذكرة وأبو معشر وقطع به في التيسير فخرج عن طريقه فيه. والوجهان جميعاً في جامع البيان والكافي والهداية والتبصرة وتلخيص العبارات والشاطبية."(النشر 2/97).

أقول : فعبارة : "خامسها (وعشيرتكم). في التوبة فخمها أبو العباس المهدوي وأبو عبد الله بن سفيان وصاحب التجريد" هي جزء من باب {عشيرتكم} وسقط منها الباقي. و أمّا باقي العبارة فهي تختصّ بباب {حيران} وهو الذي يتطابق في المعنى مع ما في تقريب النشر بقوله : "{حيران} فخمها صاحب التجريد وخلف بن خاقان وبه قرأ الداني عليه وقرأ على غيره بالترقيق ، وهو الذي في التيسير والعنوان والتذكرة والوجهان في الكافي والتبصرة وتلخيص ابن بليمة والشاطبي وجامع البيان.".

وهذا الذي حملني أن أتسائل كيف ينقل ابن الجزريّ عن الداني قراءته على ابن خاقان بالتفخيم في {عشيرتكم} وهو لم يثبت في جامع البيان ولا في الكتب الأخرى للداني على ما يظهر من كلام المنتوري ، والأدهى أنّ المحرّرين لم ينبّهوا على هذه المسألة ، ثمّ ظهر لي بعد ذلك ولله الحمد أنّ الخطأ هو الطبعة لا في المضمون.
و ما حرّرته في مسألة {عشيرتكم} يبقى صحيحاً إن شاء الله لأنّني اعتمدتّ على المصادر وأقوال المحرّرين. والعلم عنه الله تعالى.
 
السلام عليكم، شيخي الكريم محمد يحيى شريف، قلتم:
وفي قوله تعالى : {يأيّها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً} سبعة أوجه وهي كالتالي.
- قصر البدل مع ترقيقهما من الشاطبية والتذكرة وجامع البيان من قراءة الداني على أبي الحسن.
- قصر البدل مع تفخيم {ذكراً} وترقيق {كثيراً} في الوقف دون الوصل من الإرشاد.
سؤالي: أين وجه
قصر البدل مع تفخيم
qos1.png
ذكراً
qos2.png
وترقيق
qos1.png
كثيراً
qos2.png
في الحالين من الشاطبية
؟
وقلتم:
-
توسط البدل مع ترقيقهما من الشاطبية.
سؤالي: المعروف أن ترقيق (ذكرا) ممنوع على التوسط من طريق الحرز، وهو الوجه الذي لم يدر المتولي رحمه الله علّة منعه.
وقلتم:
- طول البدل مع ترقيقهما من الشاطبية والعنوان والمجتبى وطريق أبي معشر وأحد الوجهين في الكافي.
- طول البدل مع تفخيمهما من الكامل.
- طول البدل مع تفخيم {ذكراً} وترقيق {كثيراً} في الوقف دون الوصل من الهداية الكافي.
سؤالي:
أين وجه
طول البدل مع تفخيم
qos1.png
ذكراً
qos2.png
وترقيق
qos1.png
كثيراً
qos2.png
في الحالين من الشاطبية.

وأعتذر لكم إن كنت لم أفهم مرادكم، فأرجو أن تزيدني بيانا. وبارك الله في علمك آمين آمين آمين.
 
تحرير (ذكرا) مع البدل من طريق الشاطبية

تحرير (ذكرا) مع البدل من طريق الشاطبية

السلام عليكم، شيخي الكريم محمد يحيى شريف، قلتم:
وفي قوله تعالى : {يأيّها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً} سبعة أوجه وهي كالتالي.
- قصر البدل مع ترقيقهما من الشاطبية والتذكرة وجامع البيان من قراءة الداني على أبي الحسن.
- قصر البدل مع تفخيم {ذكراً} وترقيق {كثيراً} في الوقف دون الوصل من الإرشاد.
سؤالي: أين وجه
قصر البدل مع تفخيم
qos1.png
ذكراً
qos2.png
وترقيق
qos1.png
كثيراً
qos2.png
في الحالين من الشاطبية
؟
وقلتم:
-
توسط البدل مع ترقيقهما من الشاطبية.
سؤالي: المعروف أن ترقيق (ذكرا) ممنوع على التوسط من طريق الحرز، وهو الوجه الذي لم يدر المتولي رحمه الله علّة منعه.
وقلتم:
- طول البدل مع ترقيقهما من الشاطبية والعنوان والمجتبى وطريق أبي معشر وأحد الوجهين في الكافي.
- طول البدل مع تفخيمهما من الكامل.
- طول البدل مع تفخيم {ذكراً} وترقيق {كثيراً} في الوقف دون الوصل من الهداية الكافي.
سؤالي:
أين وجه
طول البدل مع تفخيم
qos1.png
ذكراً
qos2.png
وترقيق
qos1.png
كثيراً
qos2.png
في الحالين من الشاطبية.

وأعتذر لكم إن كنت لم أفهم مرادكم، فأرجو أن تزيدني بيانا. وبارك الله في علمك آمين آمين آمين.
 
نعم بارك الله فيكم فقد نسيت وجهين من الشاطبية وهو قصر وطول البدل مع تفخيم {ذكراً} و ترقيق {كثيراً} في الوقف والوصل
أمّا توسط البدل مع ترقيق {ذكراً} فلا وجه لمنعه وإنّما منعه الشيخ سلطان مزاحي وسببه منعه أنّ ترقيق {ذكراً} لم يرد في التيسير وطريق التوسط عنده هو التيسير لا غير.
وهذا لا دليل عليه فلا ندري لعلّ للشاطبية مصادرُ أخرى روت التوسط في البدل وهذا متوقّف على معرفتها كما قال المتولّي عليه رحمة الله تعالى,
وهو الوجه الذي لم يدر المتولي رحمه الله علّة منعه.
العلّة معروفة وهو عدم وروده من التيسير ولا دليل يُثبت أنّ التيسير هو المصدر الوحيد لتوسط البدل من الشاطبية ، بل الأصل في الأشياء الإباحة لا سيما وأنّ الشاطبية تحتمله. فالمنع هو الذي يحتاج إلى دليل لا الإباحة وقد أباحه الشاطبيّ وأخذ به المتأخرون حتّى عهد المزاحي عليه رحمة الله تعالى.

وبعد التصحيح تصير الأوجه تسعة وهي كالتالي.
- قصر البدل مع ترقيقهما من الشاطبية والتذكرة وجامع البيان من قراءة الداني على أبي الحسن.
- قصر البدل مع تفخيم {ذكراً} و{ترقيق كثيراً} في الوقف والوصل من الشاطبية
- قصر البدل مع تفخيم {ذكراً} وترقيق {كثيراً} في الوقف دون الوصل من الإرشاد.
- توسط البدل مع ترقيقهما من الشاطبية.
- توسط البدل مع تفخيم {ذكراً} وترقيق {كثيراً} من الشاطبية والتيسير والتلخيص وجامع البيان من قراءة الداني على ابن خاقان وأبي الفتح.
- طول البدل مع ترقيقهما من الشاطبية والعنوان والمجتبى وطريق أبي معشر وأحد الوجهين في الكافي.
- طول البدل مع تفخيم {ذكراً} و ترقيق {كثيراً}في الوقف والوصل من الشاطبية
- طول البدل مع تفخيمهما من الكامل.
- طول البدل مع تفخيم {ذكراً} وترقيق {كثيراً} في الوقف دون الوصل من الهداية الكافي.
ويمتنع تفخيمهما مع قصر البدل وتوسّطه لأنّه من الكامل فقط ومذهبه الطول في البدل وكذا ترقيق {ذكراً} مع تفخيم {كثيراً}.
 
بارك الله فيك شيخي الحبيب على إجابتك الكافية الشافية، وعندي أسئلة أخرى، ولكن أتركها ريثما تكمل تحريرات الأزرق حتى لا أعكر عليكم، وإني أسأل الله لك التوفيق، وأن يأجرك على ما تكابده من مشقة البحث والتنقيب في كتب القراءات - وما أكثرها وما أبعد غورها- تحية محبة وإكبار لك .
 
وهذا لا دليل عليه فلا ندري لعلّ للشاطبية مصادرَ أخرى روت التوسط في البدل
وتبنون، يا شيخ محمد، وجها على ما "لا ندري" ؟ وعلى "لعل" ؟
ولا دليل يُثبت أنّ التيسير هو المصدر الوحيد لتوسط البدل من الشاطبية ،
هل هناك دليل يثبت مصادر أخرى للشاطبية غير التيسير ؟ وما هي ؟
الشيخ سلطان المزاحي على علم تام ودراية كافية بأن الأهوازي رواه، وإن كان خارج المسندة، وأن ابن بليمة قرأ بالتوسط والقصر جميعا، وفضَّل القصر، خلافا للشيخ محمد يحيى شريف. وعليه إنما قصَر التوسط على التيسير في موضوع الشاطبية فقط، ولا يوجد ما ينقضه إلا بناء على "لعلّ". ولا يرد علينا خُلُوّ الشاطبية من القصر والإشباع في البدل لأنهما، وإن لم يوجدا في التيسير، فوجودهما مبني على رواية الداني، وهو الرجل الوحيد الذي نستطيع أن نسمي رجال الشاطبي عبره إلى النبي صلى الله عليه وسلم. القصر والتوسط والطول كله من طريق الداني، ولو لم يرتض الطول كما في جامع البيان. فالتوسط من الداني نصا في التيسير، والطول من الداني رواية، كما يراه القيجاطي البصير بمذهبه، و القصر مفهوم مخالفة رواية الداني، كما يراه الشاطبي وابن بري.
بل الأصل في الأشياء الإباحة
بما فيها زيادة وجوه في القرآن ؟
 
عودة
أعلى