محمد يحيى شريف
New member
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد.
هذه محاولة منّي في تحرير أوجه الأزرق من طريق النشر الكبير معتمداً على منهجيّة تتمثّل فيما يلي :
1 – الاعتماد أوّلاً على ظاهر النشر في حصر المصادر الناقلة للوجه الذي يُراد تحريرهُ.
2 – الاقتصار على المصادر التي أسند إليها طرق الأزرق واستبعاد كلّ ما أورده على سبيل الحكاية وهي المصادر التي ذكرت في العزو دون أن يُسند الرواية إليها ككتاب الإعلان لأبي القاسم الصفراوي ، وكتاب الهادي لأبي سفيان والوجيز للأهوازي وغيرها متّبعاً في ذلك طريقة الإمام الجهبذ العلامة الأزميري عليه رحمة الله خلافاً لشيخه يوسف أفندي زاده في كتابه الائتلاف حيث لم يكن يُفرّق في تحريره للطرق بين المصادر المسندة وبين غيرها.
3 – الرجوع إلى مضمون المصادر ومقارنتها مع ظاهر النشر فإن اتفقا في المضمون تشبّثنا به وإن وقع التباس واختلاف في تفسير العبارات اقتصرنا على ما ثبت بالأداء عن ابن الجزري لأنّ الوجه إذا ثبت بالنصّ والأداء كان أقوي من الذي ثبت بالنصّ دون الأداء ، بشرط أن يكون الأداء يحتمله النصّ كالخلاف الوارد عن الداني ومكي القيسي في مرتبة البدل إذ إننا أخذنا بمرتبة التوسط للداني عن ابن خاقان وفارس ابن أحمد وأخذنا بمرتبة الطول لمكي القيسي لأنّ ابن الجزريّ قرأ بذلك من طريقيهما.
4 – في حالة سكون صاحب النشر في عزو وجه إلى مصدر من المصادر فحينئذ نأخذ بالقرائن وأقوال المحررين في ذلك كسكوته على مرتبة البدل لأبي معشر الطبري و أبي الطيّب عند المنعم بن غلبون وغيرهما.
6 – الاقتصار على ما ثبت بالأداء عن ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى إذا ثبت في المصدر أكثر من وجه ، مثاله : القصر والتوسط في البدل واردان في كتاب تلخيص ابن بليمة إلاّ أنّ ابن الجزريّ لم يقرأ إلاّ بالتوسط كما في تقريب النشر وبالتالي فإننا نقتصر على توسط البدل لثبوته بالنصّ والأداء عن ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى.
والآن سأشرح في تحرير طرق الأزرق مبيّناً مصادره التي أسند إليها ابن الجزري رواية الأزرق وهي : : التيسير ، الشاطبية ، الهداية ، المجتبى ، الكافي ، الكامل ، التجريد ، تلخيص ابن بليمة ، طريق أبي مشعر في غير التلخيص ،التذكرة ، العنوان ، التبصرة ، إرشاد أبي الطيّب ، وقراءة الداني على مشايخه الثلاثة.
1- تحرير أوجه البدل الثلاثة :
قصر البدل :
فأما قصر البدل : فقال ابن الجزري : وذهب إلى القصر فيه أبو الحسن طاهر بن غلبون ورد في تذكرته على من روى المد وأخذ به وغلط أصحابه وبذلك قرأ الداني عليه وذكره أيضاً ابن بليمة في تلخيصه وهو اختيار الشاطبي حسب ما نقله أبو شامة عن أبي الحسن السخاوي عنه. قال أبو شامة وما قال به ابن غلبون هو الحق، انتهى. وهو اختيار مكي فيما حكاه عنه أبو عبد الله الفارسي وفيه نظر وقد اختاره أبو إسحاق الجعبري وأثبت الثلاثة جميعا أبو القاسم الصفراوي في إعلانه والشاطبي في قصيدته وضعف المد الطويل.
أقول : يتّضح من خلال ما ذكره ابن الجزري أنّ قصر البدل هو من طريق الشاطبية والتذكرة وتلخيص ابن بليمة ، وهو مذهب أبي القاسم الصفراوي ، واختيار مكي فيما حكاه عنه الفارسي. وذهب الشيخ سلطان مزاحي والأزميري إلى أنّه مذهب أبي الطيّب عبد المنعم صاحب الإرشاد وبه قرأ الأزميري على أكثر شيوخه كما سيأتي بيانه.
فأمّا ثبوته من الشاطبية والتذكرة ومن قراءة الداني على أبي الحسن فظاهر لا نحتاج إلى إثباته.
وأمّا من تلخيص ابن بليمة فقد قال صاحبه : "وأمّا همزة {ءامن الرسول} و {ءامنهم من خوف } على قراءة نافع ، فإنّ بعض شيوخنا يشيرون بمدة يسيرة وبعضهم يمنعون. والقصر والله أعلم أصوب لعلّة الفرق بين الخبر والاستخبار " التلخيص ص26. أقول : أريد أن أشير إلى شيء أثار انتباهي وهو أنّ ابن الجزريّ قال : "وذكره – أي قصر البدل- أيضاً ابن بليمة في تلخيصه " بينما قال عند ذكره لرواة تمكين البدل : "فروى المدّ في جميع الباب أبو عبد الله بن سفيان ............وأبو الحسن بن بليمة صاحب التلخيص." وقال عند ذكره لأصحاب التوسط : "وذهب الداني والأهوازي وابن بليمة وأبو علي الهراس فيما رواه ابن عدي إلى التوسط". أقول : ففي مرتبة القصر قال : "ذكره ابن بليمة" ، وفي مرتبة التوسط قال "فروى ، وذهب". إشارة منه إلى أنّ قصر البدل من تلخيص ابن بليمة قد يكون للحكاية لا للرواية لقوله : "ذكرهُ" في الأولى وقوله في الثانية : "فروى وذهب". ومما يؤكّد ذلك قول ابن الجزري في تقريب النشر : "وبالتوسط قرأنا من طريق التيسير والتلخيص لابن بليمة والوجيز وبالقصر قرأنا من طريق التذكرة والشاطبية والإعلان." فظهر ثبوت وجه التوسط من تلخيص ابن بليمة بالرواية والأداء دون القصر. أزيدكم دليلاً وهو قول ابن الجزري: في مسائله التبريزية :
كآتى لورش افتح بمدّ وقصره ....وقلّل مع التوسيط والمدّ مكملا
لحرز وفي التلخيص فافتح ووسّطن وقصر مع التقليل لم يكن للملا.
أقول : قد أمر الناظم أن نقرأ بالفتح مع التوسط من تلخيص ابن بليمة ، والأمر يفيد الحصر والتقييد هنا.
وقد استدرك المحررون على ابن الجزري فأثبتوا التقليل في ذوات الياء من التلخيص وأهملوا الفتح من طريقه لقول ابن بليمة في تلخيصه : "وقرأ ورش جميع ذلك بين اللفظين إلاّ ما كان من ذلك في سورة أواخر أيها (ها ألف) فإنّه أخلص الفتح فيه وهذا الذي لا يوجد غيره.". أقول كلام ابن بليمة صريح جداً في كون التقليل هو مذهبه ، وعلى ما سبق يكون المقروء به لورش من تلخيص ابن بليمة التوسط مع التقليل.فالتوسط لأنّه هو الوجه الذي قرأ به ابن الجزري كما ذكر في تقريبه ، والتقليل لصريح عبارة صاحب التلخيص فيكون ابن الجزري واهما في عزو الفتح إلى ابن بليمة.
وأمّا ثبوته من الإعلان للصفراوي وإن كان صحيحاً إلاّ أنّه ليس من طرق الطيّبة إذ لم يسند ابن الجزري في نشره رواية ورش من طريقه وإنّما ذكره على سبيل الحكاية لا الرواية.
وأمّا ثبوته من طريق مكي في تبصرته فمستبعد لقول ابن الجزري : : "وهو اختيار مكي فيما حكاه عنه أبو عبد الله الفارسي وفيه نظر" وقوله : "وعبارته في التبصرة تحتمل الوجهين جميعاً – أي التوسط والطول- وبالإشباع قرأت من طريقه". قال مكي القيسي في التبصرة : "فقرأ ورش بتمكين المدّ فيما روى المصريون عنه وقرأ الباقون بمد متوسط كما يخرج من اللفظ وكذلك روى البغداديون عن ورش ، وبالمدّ قرأت له". أقول : قصر البدل من طريق مكي القيسي لم يثبت عند ابن الجزريّ بالأداء وإن نسبه إلى البغداديين عن ورش لقوله : "وبالمد قرأت له أي لورش". كما أنّ ابن الجزري لم يقرأ به أداءً إلى صاحب التبصرة لقوله "وبالإشباع قرأت من طريقه" ، فانقطع وجه القصر أداءً مرّتين الأولى عند مكّي لقوله : "وبالمدّ قرأت له" ، وثانية عند ابن الجزري من طريق مكي لقوله : "وبالإشباع قرأت من طريقه".لذا فينبغي إهمال وجه القصر من التبصرة.
أمّا ثبوته من طريق أبي الطيّب على قول سلطان وهو العلامة سلطان مزاحي حيث ذكر في رسالته المشهورة وجه القصر لأبي الطيّب ، وأقتصر مختصراً على مثال واحد له : يقول الشيخ سلطان عند تحريره اجتماع البدل مع {ذكرا} : "ففيها خمسة أوجه : القصر مع التفخيم في {ذكرا} لأبي الطيّب عبد المنعم بن غلبون....." وما جنح إليه هو الصواب عندي لأنّ أبا الحسن بن غلبون أسند رواية ورش إلى أبيه أبي الطيّب ومذهب أبي الحسن القصر في البدل وبه قال وقوّل كما قال الشاطبيّ ، وعن أبي الحسن اشتهر إنكار تمكين البدل فيُستبعد أن ينكر وجهاً رواه أبوه الذي هو شيخه في الإسناد ، إذ لو ثبت التمكين عن أبيه لكان أبو الحسن مخالفاً للرواية برأيه وحاشاه أن يفعل ذلك. وإسناد أبي الطيّب من النشر هو نفسه إسناد أبي الحسن. قال ابن الجزري في نشره :"طريق ابن مروان وهي الثانية عن ابن سيف من ثلاث طرق طريقي الإرشاد لأبي الطيب عبد المنعم ابن غلبون والتذكرة لطاهر بن عبد المنعم بن غلبون ومن الكامل قرأ بها الهذلي علي ابن هاشم وقراها على عبد المنعم بن غلبون وقرأ عبد المنعم وطاهر على أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن مروان الشامي الأصل ثم المصري، عبد المنعم جميع القرآن، وطاهر الحروف".
بالإضافة إلى ما ذكرت فإنّي لم أجد في النسخة المخطوطة للإرشاد ما يتضمّن تمكين مدّ البدل مع صعوبة ورداءة الخط وهي النسخة المتداولة على المواقع ، والحمد لله فإنّ الكتاب طبع وقد أفادنا أحد مشايخنا أنّ في النسخة المطبوعة لم يشر أبو الطيّب إلى البدل فيكون ذلك تأكيداً لما ذكرتُ.
وقد قرأ الأزميري على أكثر شيوخه بالقصر وعلى بعضهم بالتوسط ومنعه حيث قال رحمه الله تعالى : في تحرير الآية : الطلاق مرتان .. إلى قوله تعالى : آتيتموهن شيئا فيه للأزرق بحسب التركيب ثمانية أوجه : ......الخامس : الترقيق في الطلاق مع القصر في البدل والتوسط في شيئا من التذكرة وبه قرأ الداني على ابن غلبون ومن إرشاد أبي الطيب على ما قرأت به ......، وأما الوجه الممنوع وهو ترقيق اللام مع التوسط فيهما من إرشاد أبي الطيب فلم نقرأ به على أكثر شيوخنا ، وقرأنا به على بعض الشيوخ و لم يكن الإرشاد عندي حتى أفتش و أذكر بطريق الجزم واليقين ." أقول : وكأنّ القول بتوسط البدل من الإرشاد هو عنده على سبيل الظنّ والاحتمال ومتوقّف على مطالعة الكتاب والكتاب الآن سواء المطبوع والمخطوط لم يرد فيه وجه التوسط فينبغي الاقتصار على القصر.وقد ذهب يوسف أفندي زادة في كتابه الائتلاف في وجوه الاختلاف إلى أنّ مذهب أبي الطيّب هو القصر فقال عند تحريره لقول الله تعالى {كذكركم آباءكم أو أشدّ ذكراً} : قال رحمه الله : الخامس : القصر مع التفخيم من الشاطبية وتلخيص ابن بليمة وهو لأبي الطيب عبد المنعم بن غلبون أيضاً. انتهى كلامه.
توسط البدل :
وأما توسط البدل : قال ابن الجزري : "وذهب الداني والأهوازي وابن بليمة وأبو علي الهراس فيما رواه عن ابن عدي إلى التوسط وهو اختيار أبي علي الحسن بن بليمة وذكر أبو شامة أن مكياً ذكر كلا من الإشباع والتوسط وذكر السخاوي عنه الإشباع فقط (قلت) وقفت له على مؤلف انتصر فيه للمد في ذلك ورد على من رده. أحسن من ذلك وبالغ فيه. وعبارته في التبصرة تحتمل الوجهين جميعاً وبالإشباع قرأت من طريقه."
يُفهم من كلام ابن الجزري أنّ التوسط هو مذهب الإمام الداني من قراءته على ابن خاقان وفارس بن أحمد ، والأهوازي وابن بليمة ومكي القيسي على ما ذكر أبو شامة. وهو أحد أوجه الشاطبية.
فأمّا ثبوته عن الداني فهو ظاهر النشر حيث اقتصر ابن الجزري على التوسط من طريقه وعبارته صريحة غير محتملة وهو الذي ينبغي الاقتصار عليه عن الداني من طريق ابن الجزري ولا يُلتفت إلى الخلاف الذي يحتمله نصّ الداني في غير التيسير وإلى الخلاف الوارد في ذلك ما دمنا نقرأ من طريق ابن الجزريّ.
وأمّا طريق الأهوازي فليس من طرق الطيّبة إذ لم يسند ابن الجزريّ طريق الأزرق من طريقه.
وأمّا ثبوته من تلخيصّ ابن بليمة هو الصحيح وهو الذي ينبغي الاقتصار عليه لثبوته بالنصّ والأداء عن ابن الجزريّ كما سبق بيانه في أعلاه.
وأمّا ثبوته من طريق التبصرة على قول أبي شامة واحتمال عبارة صاحب التبصرة له فوجيه لأنّ عبارة مكي القيسي في كتابه الكشف تؤكّده حيث قال : "والمدّ في حرف المدّ واللين إذا كانت الهمزة بعده أمكن من مدّه إن كانت قبله ليتمكّن خفاء حرف المدّ واللين إذا كانت الهمز بعده " (الكشف 1/48). قال المالقي في الدرّ النثير معلّقا على كلام مكي في الكشف: "فظهر من هذا موافقته للحافظ والله عزّ وجهه الكريم أعلم" الدرّ النثير ص333. أي يظهر من كلام مكي القيسي في الكشف فوافقته لمذهب الداني في توسط البدل.
ومن هنا يظهر احتمال الوجهين من التبصرة ولكننا نأخذ له بوجه الطول من طريق ابن الجزري لأنّه قرأ به من طريقه لقوله في النشر : "وبالإشباع قرأت من طريقه" بالإضافة إلى ذلك فإنّ أكثر أهل الأداء يثبتون لمكي القيسي الإشباع في البدل فينبغي الاقتصار عليه من طريق النشر.
طول البدل :
وأمّا طول البدل فقال ابن الجزريّ عليه رحمة الله في النشر : "فروى المد في جميع الباب أبو عبد الله بن سفيان صاحب الهادي وأبو محمد مكي صاحب التبصرة وأبو عبد الله بن شريح صاحب الكافي. وأبو العباس المهدوي صاحب الهداية وأبو الطاهر بن خلف صاحب العنوان. وأبو القاسم الهذلي وأبو الفضل والخزاعي وأبو الحسن الحصري وأبو القاسم بن الفحام صاحب التجريد وأبو الحسن بن بليمة صاحب التلخيص وأبو علي الأهوازي وأبو عمرو الداني من قراءته على أبي الفتح وخلف بن خاقان وغيرهم من سائر المصريين والمغاربة زيادة المد في ذلك كله ثم اختلفوا في قدر هذه الزيادة فذهب الهذلي فيما رواه عن شيخه أبي عمرو إسماعيل بن راشد الحداد إلى الإشباع المفرط كما هو مذهبه عنه في المد المنفصل كما تقدم. قال وهو قول محمد بن سفيان القروي وأبي الحسين يعني الخبازي على أبي محمد المصري يعني عبد الرحمن بن يوسف أحد أصحاب ابن هلال. وذهب جمهور من ذكرنا إلى أنه الإشباع من غير إفراط وسووا بينه وبين ما تقدم على الهمزة وهو أيضاً ظاهر عبارة التبصرة والتجريد." النشر 1/339.
أقول : ذكر تمكين المدّ بنوعيه ثمّ أخرج من المجموعة أصحاب التوسط وهم الداني وابن بليمة والأهوازي ، فيبقى : الهادي لابن سفيان ، والتبصرة لمكي القيسي والكافي لابن شريح ، والهداية للمهدوي والعنوان لأبي طاهر ، والكامل للهذلي والقصيدة الحصرية لأبي الحسن الحصري ، والتجريد لابن الفحام.
فأمّا ثبوته من التبصرة فظاهر كما أسلفنا ، وأمّا من الهداية للمهدوي فهو ظاهر النشر وذكره له الجعبري في كنز المعاني وأبو شامة في إبراز المعاني وأبي العباس الحلبيّ في العقد النضيد والمنتوري في شرحه على الدرر وغيرهم ، وبه قرأ ابن الجزريّ كما قال في تقريب النشر : "فبالمدّ قرأت من طريق العنوان والتبصرة والكافي والهداية والتجريد والهادي وغيرها....".قال أبو العباس المهدوي في كتابه شرح الهداية بعد أن تحدّث عن المدّ الذي سببه السكون والهمز وتوجيه التمكين في الجنسين : " وتلك العلّة هي التي قصد ورش مدّه {آمنوا} و {اوتوا} و {أيتاء} وما أشبه ذلك ، لأنّ حرف المدّ واللين بعد الهمزة يخفى كما يخفى إذا كان قبلها بل هو أشدّ خفاء ، ألا ترى أنّ من لا يعرف أوزان الكلام لا يفرّق بين {أتى} {وآتى} لوجوده إيّاها في الخط بألف واحدة ، فإن ترك المدّ في {آتى} فربّما بالغ المبتدئ في تركه حتّى يصير {أتى} ، فإذا قيل له أشبع المدّ زال عنه اللبس بقوله {آتى}." (شرح الهداية ص31).
وأمّا ثبوته من الكافي فهو ظاهر النشر وذكره له أبو شامة في إبراز المعاني وأبي العباس الحلبيّ في العقد النضيد والمنتوري في شرحه على الدرر وغيرهم ، وبه قرأ ابن الجزري من طريق الكافي حيث قال في تقريب النشر : "فبالمدّ قرأت من طريق العنوان والتبصرة والكافي والهداية والتجريد والهادي وغيرها....". قال ابن شريح : " فإذا كان حرف المدّ واللين بعد همز مبتدأة أو متوسّطة وقبلها حركة أو حرف مدّ ولين نحو {ءادم} و {ءامن} و {يستهزءون} و {ليواطئوا} و {إسرائيل} فورش وحده يشبع المدّ" الكافي ص40.
وأمّا من العنوان لأبي طاهر فهو ظاهر النشر. وذكره له أبو شامة في إبراز المعاني والمنتوري في شرحه على الدرر وغيرهما.وبه قرأ ابن الجزريّ حيث قال في تقريبه :"فبالمدّ قرأت من طريق العنوان والتبصرة والكافي والهداية والتجريد والهادي وغيرها....".قال أبو طاهر في كتابه العنوان : "وكان ورش يُشبع المدّ في حروف المدّ واللين الواقعة بعد الهمزة نحو {آمنا} و {آدم} {وآويناهما} و { السيئات} {وأوتينا العلم} {وإيتاء الزكاة} و {الموءودة} و {إسرائيل} وما أشبه ذلك" العنوان ص44. طبعة عالم الكتب مع ما فيها من الأخطاء.
وأمّا من التجريد لابن الفحام فهو ظاهر النشر لقول ابن الجزريّ : "وذهب جمهور من ذكرنا إلى أنه الإشباع من غير إفراط وسووا بينه وبين ما تقدم على الهمزة وهو أيضاً ظاهر عبارة التبصرة والتجريد..".وبه قرأ ابن الجزريّ كما في تقريب النشر. قال ابن الفحام في تجريده : "القسم الرابع : إذا تقدّمت الهمزة حرف المدّ واللين وانفتح ما قبل الياء والواو نحو {ءادم} و {ءازر} و {شيء} و {شيئا} و {سوءة} فمذهب ورش اختيار مدّه منفرداً فاعرف ذلك."(التجريد ص137).
وأمّا من كتاب الهادي لابن سفيان فإنّه ليس من طرق النشر لأنّه لم يُسند رواية الأزرق عن ورش إليه في نشره ، وإن حكى في النشر أنّ مذهب ابن سفيان في البدل هو الطول وبه قرأ من طريقه كما في تقريب النشر.
وأمّا من طريق الكامل : فقد قال الهذلي :"أمّا أن تكون من أوّل الكلمة {ءادم} و {ءامن} ، {وءاثر} و {ءاتى} فروى أبوعمرو ، وإسماعيل بن عمر بن راشد الحداد شيخنا رحمه الله عن غزوان بن محمد المازني و عرّاك ، ويحيى بن مطير ، ويعقوب الهوارمي وعن ابن عدي القروي عن ورش مدّ ذلك كلّه مشبعاً مُفرطاً فيه وهو قول أبي الحسن عن أبي محمد المصري ، ومحمد بن سفيان القروي." الكامل ص422. قال ابن الجزريّ في النشر : "فذهب الهذلي فيما رواه عن شيخه أبي عمرو إسماعيل بن راشد الحداد إلى الإشباع المفرط كما هو مذهبه عنه في المد المنفصل كما تقدم. قال وهو قول محمد بن سفيان القروي وأبي الحسين يعني الخبازي على أبي محمد المصري يعني عبد الرحمن بن يوسف أحد أصحاب ابن هلال."
وأمّا ثبوته من طريق الحصري فهو ظاهر النشر وذكره له على سبيل الحكاية لا الرواية إذ لم يُسند طريق الأزرق من طريق القصيدة الحصرية. قال الحصري في قصيدته :
وإن تتقدّمْ همزةٌ نحوُ ءامنوا ........وأوحيَ فامدُدْ ليس مدّك بالنكْرِ.
وأمّا ثبوته من طريق المجتبي للطرسوسي فهو الظاهر من كلام يوسف أفندي زادة في كتابه الائتلاف والأزميري في بدائعه ، والروض للمتولي ، والمطلوب للضباع ، وأما من النشر فغير واضح لكن وجدت كلاماً لابن الجزري يدل عليه وهو قوله في تمكين {شيء} دون غيرها : "واختلف هؤلاء في قدر هذا المد فابن بليمة والخزاعي وابن غلبون يرون أنه التوسط وبه قرأ الداني عليه ، والطرسوسي وصاحب العنوان يريان أنه الإشباع وبه قرأت من طريقهما ". أقول : ومن المعلوم أن من أشبع المد في {شيء} أشبعه في البدل بالضرورة.
وأمّا ثبوته من طريق أبي معشر الطبري فهو من غير التلخيص لأنّ كتابه التلخيص يختص بطريق يونس والأصبهاني عن ورش دون الأزرق ، وإنما طريق الأزرق عن أبي معشر هو من طريق كتابه سوق العروس كما ذكر الأزميري في بدائعه. ولم يذكر ابن الجزريّ مذهبه في البدل ، وذكر الطول له يوسف أفندي زادة في كتابه الائتلاف والأزميري في بدائعه والمتولّي في روضه. قال العلامة الضباع في كتابه المطلوب : وسكت صاحب النشر عن مذهب أبي معشر وظاهر الروض أنّه الإشباع. أقول : ما ذهب إليه المتوليّ في روضه هو الصواب فيما يظهر حيث قال ابن الجزريّ : "طريق أبي نصر الموصلي وهي السادسة عن النحاس من طريق أبي معشر والكامل قرأ بها أبو معشر الطبري وأبو القاسم الهذلي على الإمام أبي الفضل عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن الرازي وقرأ بها على أبي محمد الحسن بن محمد ابن الفحام وقرأ بها على أبي نصر سلامة بن الحسن الموصلي."انتهى كلامه. أقول انفراده بالإسناد مع الهذلي -الذي مذهبه الطول في البدل- عن الإمام أبي الفضل عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن الرازي عن أبي محمد الحسن بن محمد ابن الفحام عن أبي نصر سلامة بن الحسن الموصلي يقوّي القول بأنّ مذهب أبي معشر هو الطول. وقال ابن الجزري عند ذكره لمستثنيات البدل أي (عاداًالاولى و آلان) : "وأما صاحب العنوان وصاحب الكامل والأهوازي وأبو معشر وابن بليمة فلم يذكروا (آلان وعاداً الاولى) بل ولا نصوا على الهمز المغير في هذا الباب ولا تعرضوا له". وقال في استثناء {ايت} ونحوها : "فنص على استثنائه وترك الزيادة في مده أبو عمرو الداني في جميع كتبه وأبو معشر الطبري والشاطبي.". أقول : فعدم استثناء أبي معشر (عاداًالاولى و آلان) واستثنائه ل {ايت} ونحوها يدل على أن مذهبه في البدل هو التمكين ولم يجعله ابن الجزري ضمن أصحاب التوسط وهذا يعني أنّه في زمرة الجمهور الذين أخذوا بوجه الطول.
تنبيه : قد ذكر المنتوري الإشباع في البدل لأبي الطيّب بن غلبون في إرشاده حيث يقول في شرحه على الدرر : "بل أكثر المصنفين للحروف حملوا الرواية على ظاهرها ونصّوا في كتبهم على المدّ في {ءامن} وبابه لورش ، وإلى هذا ذهب الإمام أبو الحسن محمد بن أحمد بن أيّوب بن شنبوذ و الشيخ أو الفضل محمد بن جعفر بن عبد الكريم الخزاعي ، والإمام أبو بكر محمد بن عليّ الأذفويّ ، والإمام أبو الطيّب عبد المنعم بن عبيد الله بن غلبون الحلبيّ .............." شرح الدرر ص1/197. أقول : لم أر غيره نسب هذا الوجه لعبد المنعم وهو خلاف ما في الإرشاد ، وإنّما الخلاف عنه دائرٌ بين القصر والتوسط كما أسلفنا. والله أعلم.
فنخلص مما سبق :
- أنّ قصر البدل لورش من الطيّبة هو من الشاطبية والتذكرة والإرشاد ، وقراءة الداني على أبي الحسن.
- وأنّتوسط البدل هو من طريق التيسير والشاطبية وتلخيص العبارات وقراءة الداني على ابن خاقان وفارس ابن أحمد.
- وأنّ الطول في البدل هو من طريق الشاطبية والتبصرة والهداية والكافي والعنوان والتجريد و الكامل والمجتبي وطريق أبي معشر الطبري.
والعلم عند الله تعالى.
يتابع إن شاء الله تعالى.
هذه محاولة منّي في تحرير أوجه الأزرق من طريق النشر الكبير معتمداً على منهجيّة تتمثّل فيما يلي :
1 – الاعتماد أوّلاً على ظاهر النشر في حصر المصادر الناقلة للوجه الذي يُراد تحريرهُ.
2 – الاقتصار على المصادر التي أسند إليها طرق الأزرق واستبعاد كلّ ما أورده على سبيل الحكاية وهي المصادر التي ذكرت في العزو دون أن يُسند الرواية إليها ككتاب الإعلان لأبي القاسم الصفراوي ، وكتاب الهادي لأبي سفيان والوجيز للأهوازي وغيرها متّبعاً في ذلك طريقة الإمام الجهبذ العلامة الأزميري عليه رحمة الله خلافاً لشيخه يوسف أفندي زاده في كتابه الائتلاف حيث لم يكن يُفرّق في تحريره للطرق بين المصادر المسندة وبين غيرها.
3 – الرجوع إلى مضمون المصادر ومقارنتها مع ظاهر النشر فإن اتفقا في المضمون تشبّثنا به وإن وقع التباس واختلاف في تفسير العبارات اقتصرنا على ما ثبت بالأداء عن ابن الجزري لأنّ الوجه إذا ثبت بالنصّ والأداء كان أقوي من الذي ثبت بالنصّ دون الأداء ، بشرط أن يكون الأداء يحتمله النصّ كالخلاف الوارد عن الداني ومكي القيسي في مرتبة البدل إذ إننا أخذنا بمرتبة التوسط للداني عن ابن خاقان وفارس ابن أحمد وأخذنا بمرتبة الطول لمكي القيسي لأنّ ابن الجزريّ قرأ بذلك من طريقيهما.
4 – في حالة سكون صاحب النشر في عزو وجه إلى مصدر من المصادر فحينئذ نأخذ بالقرائن وأقوال المحررين في ذلك كسكوته على مرتبة البدل لأبي معشر الطبري و أبي الطيّب عند المنعم بن غلبون وغيرهما.
6 – الاقتصار على ما ثبت بالأداء عن ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى إذا ثبت في المصدر أكثر من وجه ، مثاله : القصر والتوسط في البدل واردان في كتاب تلخيص ابن بليمة إلاّ أنّ ابن الجزريّ لم يقرأ إلاّ بالتوسط كما في تقريب النشر وبالتالي فإننا نقتصر على توسط البدل لثبوته بالنصّ والأداء عن ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى.
والآن سأشرح في تحرير طرق الأزرق مبيّناً مصادره التي أسند إليها ابن الجزري رواية الأزرق وهي : : التيسير ، الشاطبية ، الهداية ، المجتبى ، الكافي ، الكامل ، التجريد ، تلخيص ابن بليمة ، طريق أبي مشعر في غير التلخيص ،التذكرة ، العنوان ، التبصرة ، إرشاد أبي الطيّب ، وقراءة الداني على مشايخه الثلاثة.
1- تحرير أوجه البدل الثلاثة :
قصر البدل :
فأما قصر البدل : فقال ابن الجزري : وذهب إلى القصر فيه أبو الحسن طاهر بن غلبون ورد في تذكرته على من روى المد وأخذ به وغلط أصحابه وبذلك قرأ الداني عليه وذكره أيضاً ابن بليمة في تلخيصه وهو اختيار الشاطبي حسب ما نقله أبو شامة عن أبي الحسن السخاوي عنه. قال أبو شامة وما قال به ابن غلبون هو الحق، انتهى. وهو اختيار مكي فيما حكاه عنه أبو عبد الله الفارسي وفيه نظر وقد اختاره أبو إسحاق الجعبري وأثبت الثلاثة جميعا أبو القاسم الصفراوي في إعلانه والشاطبي في قصيدته وضعف المد الطويل.
أقول : يتّضح من خلال ما ذكره ابن الجزري أنّ قصر البدل هو من طريق الشاطبية والتذكرة وتلخيص ابن بليمة ، وهو مذهب أبي القاسم الصفراوي ، واختيار مكي فيما حكاه عنه الفارسي. وذهب الشيخ سلطان مزاحي والأزميري إلى أنّه مذهب أبي الطيّب عبد المنعم صاحب الإرشاد وبه قرأ الأزميري على أكثر شيوخه كما سيأتي بيانه.
فأمّا ثبوته من الشاطبية والتذكرة ومن قراءة الداني على أبي الحسن فظاهر لا نحتاج إلى إثباته.
وأمّا من تلخيص ابن بليمة فقد قال صاحبه : "وأمّا همزة {ءامن الرسول} و {ءامنهم من خوف } على قراءة نافع ، فإنّ بعض شيوخنا يشيرون بمدة يسيرة وبعضهم يمنعون. والقصر والله أعلم أصوب لعلّة الفرق بين الخبر والاستخبار " التلخيص ص26. أقول : أريد أن أشير إلى شيء أثار انتباهي وهو أنّ ابن الجزريّ قال : "وذكره – أي قصر البدل- أيضاً ابن بليمة في تلخيصه " بينما قال عند ذكره لرواة تمكين البدل : "فروى المدّ في جميع الباب أبو عبد الله بن سفيان ............وأبو الحسن بن بليمة صاحب التلخيص." وقال عند ذكره لأصحاب التوسط : "وذهب الداني والأهوازي وابن بليمة وأبو علي الهراس فيما رواه ابن عدي إلى التوسط". أقول : ففي مرتبة القصر قال : "ذكره ابن بليمة" ، وفي مرتبة التوسط قال "فروى ، وذهب". إشارة منه إلى أنّ قصر البدل من تلخيص ابن بليمة قد يكون للحكاية لا للرواية لقوله : "ذكرهُ" في الأولى وقوله في الثانية : "فروى وذهب". ومما يؤكّد ذلك قول ابن الجزري في تقريب النشر : "وبالتوسط قرأنا من طريق التيسير والتلخيص لابن بليمة والوجيز وبالقصر قرأنا من طريق التذكرة والشاطبية والإعلان." فظهر ثبوت وجه التوسط من تلخيص ابن بليمة بالرواية والأداء دون القصر. أزيدكم دليلاً وهو قول ابن الجزري: في مسائله التبريزية :
كآتى لورش افتح بمدّ وقصره ....وقلّل مع التوسيط والمدّ مكملا
لحرز وفي التلخيص فافتح ووسّطن وقصر مع التقليل لم يكن للملا.
أقول : قد أمر الناظم أن نقرأ بالفتح مع التوسط من تلخيص ابن بليمة ، والأمر يفيد الحصر والتقييد هنا.
وقد استدرك المحررون على ابن الجزري فأثبتوا التقليل في ذوات الياء من التلخيص وأهملوا الفتح من طريقه لقول ابن بليمة في تلخيصه : "وقرأ ورش جميع ذلك بين اللفظين إلاّ ما كان من ذلك في سورة أواخر أيها (ها ألف) فإنّه أخلص الفتح فيه وهذا الذي لا يوجد غيره.". أقول كلام ابن بليمة صريح جداً في كون التقليل هو مذهبه ، وعلى ما سبق يكون المقروء به لورش من تلخيص ابن بليمة التوسط مع التقليل.فالتوسط لأنّه هو الوجه الذي قرأ به ابن الجزري كما ذكر في تقريبه ، والتقليل لصريح عبارة صاحب التلخيص فيكون ابن الجزري واهما في عزو الفتح إلى ابن بليمة.
وأمّا ثبوته من الإعلان للصفراوي وإن كان صحيحاً إلاّ أنّه ليس من طرق الطيّبة إذ لم يسند ابن الجزري في نشره رواية ورش من طريقه وإنّما ذكره على سبيل الحكاية لا الرواية.
وأمّا ثبوته من طريق مكي في تبصرته فمستبعد لقول ابن الجزري : : "وهو اختيار مكي فيما حكاه عنه أبو عبد الله الفارسي وفيه نظر" وقوله : "وعبارته في التبصرة تحتمل الوجهين جميعاً – أي التوسط والطول- وبالإشباع قرأت من طريقه". قال مكي القيسي في التبصرة : "فقرأ ورش بتمكين المدّ فيما روى المصريون عنه وقرأ الباقون بمد متوسط كما يخرج من اللفظ وكذلك روى البغداديون عن ورش ، وبالمدّ قرأت له". أقول : قصر البدل من طريق مكي القيسي لم يثبت عند ابن الجزريّ بالأداء وإن نسبه إلى البغداديين عن ورش لقوله : "وبالمد قرأت له أي لورش". كما أنّ ابن الجزري لم يقرأ به أداءً إلى صاحب التبصرة لقوله "وبالإشباع قرأت من طريقه" ، فانقطع وجه القصر أداءً مرّتين الأولى عند مكّي لقوله : "وبالمدّ قرأت له" ، وثانية عند ابن الجزري من طريق مكي لقوله : "وبالإشباع قرأت من طريقه".لذا فينبغي إهمال وجه القصر من التبصرة.
أمّا ثبوته من طريق أبي الطيّب على قول سلطان وهو العلامة سلطان مزاحي حيث ذكر في رسالته المشهورة وجه القصر لأبي الطيّب ، وأقتصر مختصراً على مثال واحد له : يقول الشيخ سلطان عند تحريره اجتماع البدل مع {ذكرا} : "ففيها خمسة أوجه : القصر مع التفخيم في {ذكرا} لأبي الطيّب عبد المنعم بن غلبون....." وما جنح إليه هو الصواب عندي لأنّ أبا الحسن بن غلبون أسند رواية ورش إلى أبيه أبي الطيّب ومذهب أبي الحسن القصر في البدل وبه قال وقوّل كما قال الشاطبيّ ، وعن أبي الحسن اشتهر إنكار تمكين البدل فيُستبعد أن ينكر وجهاً رواه أبوه الذي هو شيخه في الإسناد ، إذ لو ثبت التمكين عن أبيه لكان أبو الحسن مخالفاً للرواية برأيه وحاشاه أن يفعل ذلك. وإسناد أبي الطيّب من النشر هو نفسه إسناد أبي الحسن. قال ابن الجزري في نشره :"طريق ابن مروان وهي الثانية عن ابن سيف من ثلاث طرق طريقي الإرشاد لأبي الطيب عبد المنعم ابن غلبون والتذكرة لطاهر بن عبد المنعم بن غلبون ومن الكامل قرأ بها الهذلي علي ابن هاشم وقراها على عبد المنعم بن غلبون وقرأ عبد المنعم وطاهر على أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن مروان الشامي الأصل ثم المصري، عبد المنعم جميع القرآن، وطاهر الحروف".
بالإضافة إلى ما ذكرت فإنّي لم أجد في النسخة المخطوطة للإرشاد ما يتضمّن تمكين مدّ البدل مع صعوبة ورداءة الخط وهي النسخة المتداولة على المواقع ، والحمد لله فإنّ الكتاب طبع وقد أفادنا أحد مشايخنا أنّ في النسخة المطبوعة لم يشر أبو الطيّب إلى البدل فيكون ذلك تأكيداً لما ذكرتُ.
وقد قرأ الأزميري على أكثر شيوخه بالقصر وعلى بعضهم بالتوسط ومنعه حيث قال رحمه الله تعالى : في تحرير الآية : الطلاق مرتان .. إلى قوله تعالى : آتيتموهن شيئا فيه للأزرق بحسب التركيب ثمانية أوجه : ......الخامس : الترقيق في الطلاق مع القصر في البدل والتوسط في شيئا من التذكرة وبه قرأ الداني على ابن غلبون ومن إرشاد أبي الطيب على ما قرأت به ......، وأما الوجه الممنوع وهو ترقيق اللام مع التوسط فيهما من إرشاد أبي الطيب فلم نقرأ به على أكثر شيوخنا ، وقرأنا به على بعض الشيوخ و لم يكن الإرشاد عندي حتى أفتش و أذكر بطريق الجزم واليقين ." أقول : وكأنّ القول بتوسط البدل من الإرشاد هو عنده على سبيل الظنّ والاحتمال ومتوقّف على مطالعة الكتاب والكتاب الآن سواء المطبوع والمخطوط لم يرد فيه وجه التوسط فينبغي الاقتصار على القصر.وقد ذهب يوسف أفندي زادة في كتابه الائتلاف في وجوه الاختلاف إلى أنّ مذهب أبي الطيّب هو القصر فقال عند تحريره لقول الله تعالى {كذكركم آباءكم أو أشدّ ذكراً} : قال رحمه الله : الخامس : القصر مع التفخيم من الشاطبية وتلخيص ابن بليمة وهو لأبي الطيب عبد المنعم بن غلبون أيضاً. انتهى كلامه.
توسط البدل :
وأما توسط البدل : قال ابن الجزري : "وذهب الداني والأهوازي وابن بليمة وأبو علي الهراس فيما رواه عن ابن عدي إلى التوسط وهو اختيار أبي علي الحسن بن بليمة وذكر أبو شامة أن مكياً ذكر كلا من الإشباع والتوسط وذكر السخاوي عنه الإشباع فقط (قلت) وقفت له على مؤلف انتصر فيه للمد في ذلك ورد على من رده. أحسن من ذلك وبالغ فيه. وعبارته في التبصرة تحتمل الوجهين جميعاً وبالإشباع قرأت من طريقه."
يُفهم من كلام ابن الجزري أنّ التوسط هو مذهب الإمام الداني من قراءته على ابن خاقان وفارس بن أحمد ، والأهوازي وابن بليمة ومكي القيسي على ما ذكر أبو شامة. وهو أحد أوجه الشاطبية.
فأمّا ثبوته عن الداني فهو ظاهر النشر حيث اقتصر ابن الجزري على التوسط من طريقه وعبارته صريحة غير محتملة وهو الذي ينبغي الاقتصار عليه عن الداني من طريق ابن الجزري ولا يُلتفت إلى الخلاف الذي يحتمله نصّ الداني في غير التيسير وإلى الخلاف الوارد في ذلك ما دمنا نقرأ من طريق ابن الجزريّ.
وأمّا طريق الأهوازي فليس من طرق الطيّبة إذ لم يسند ابن الجزريّ طريق الأزرق من طريقه.
وأمّا ثبوته من تلخيصّ ابن بليمة هو الصحيح وهو الذي ينبغي الاقتصار عليه لثبوته بالنصّ والأداء عن ابن الجزريّ كما سبق بيانه في أعلاه.
وأمّا ثبوته من طريق التبصرة على قول أبي شامة واحتمال عبارة صاحب التبصرة له فوجيه لأنّ عبارة مكي القيسي في كتابه الكشف تؤكّده حيث قال : "والمدّ في حرف المدّ واللين إذا كانت الهمزة بعده أمكن من مدّه إن كانت قبله ليتمكّن خفاء حرف المدّ واللين إذا كانت الهمز بعده " (الكشف 1/48). قال المالقي في الدرّ النثير معلّقا على كلام مكي في الكشف: "فظهر من هذا موافقته للحافظ والله عزّ وجهه الكريم أعلم" الدرّ النثير ص333. أي يظهر من كلام مكي القيسي في الكشف فوافقته لمذهب الداني في توسط البدل.
ومن هنا يظهر احتمال الوجهين من التبصرة ولكننا نأخذ له بوجه الطول من طريق ابن الجزري لأنّه قرأ به من طريقه لقوله في النشر : "وبالإشباع قرأت من طريقه" بالإضافة إلى ذلك فإنّ أكثر أهل الأداء يثبتون لمكي القيسي الإشباع في البدل فينبغي الاقتصار عليه من طريق النشر.
طول البدل :
وأمّا طول البدل فقال ابن الجزريّ عليه رحمة الله في النشر : "فروى المد في جميع الباب أبو عبد الله بن سفيان صاحب الهادي وأبو محمد مكي صاحب التبصرة وأبو عبد الله بن شريح صاحب الكافي. وأبو العباس المهدوي صاحب الهداية وأبو الطاهر بن خلف صاحب العنوان. وأبو القاسم الهذلي وأبو الفضل والخزاعي وأبو الحسن الحصري وأبو القاسم بن الفحام صاحب التجريد وأبو الحسن بن بليمة صاحب التلخيص وأبو علي الأهوازي وأبو عمرو الداني من قراءته على أبي الفتح وخلف بن خاقان وغيرهم من سائر المصريين والمغاربة زيادة المد في ذلك كله ثم اختلفوا في قدر هذه الزيادة فذهب الهذلي فيما رواه عن شيخه أبي عمرو إسماعيل بن راشد الحداد إلى الإشباع المفرط كما هو مذهبه عنه في المد المنفصل كما تقدم. قال وهو قول محمد بن سفيان القروي وأبي الحسين يعني الخبازي على أبي محمد المصري يعني عبد الرحمن بن يوسف أحد أصحاب ابن هلال. وذهب جمهور من ذكرنا إلى أنه الإشباع من غير إفراط وسووا بينه وبين ما تقدم على الهمزة وهو أيضاً ظاهر عبارة التبصرة والتجريد." النشر 1/339.
أقول : ذكر تمكين المدّ بنوعيه ثمّ أخرج من المجموعة أصحاب التوسط وهم الداني وابن بليمة والأهوازي ، فيبقى : الهادي لابن سفيان ، والتبصرة لمكي القيسي والكافي لابن شريح ، والهداية للمهدوي والعنوان لأبي طاهر ، والكامل للهذلي والقصيدة الحصرية لأبي الحسن الحصري ، والتجريد لابن الفحام.
فأمّا ثبوته من التبصرة فظاهر كما أسلفنا ، وأمّا من الهداية للمهدوي فهو ظاهر النشر وذكره له الجعبري في كنز المعاني وأبو شامة في إبراز المعاني وأبي العباس الحلبيّ في العقد النضيد والمنتوري في شرحه على الدرر وغيرهم ، وبه قرأ ابن الجزريّ كما قال في تقريب النشر : "فبالمدّ قرأت من طريق العنوان والتبصرة والكافي والهداية والتجريد والهادي وغيرها....".قال أبو العباس المهدوي في كتابه شرح الهداية بعد أن تحدّث عن المدّ الذي سببه السكون والهمز وتوجيه التمكين في الجنسين : " وتلك العلّة هي التي قصد ورش مدّه {آمنوا} و {اوتوا} و {أيتاء} وما أشبه ذلك ، لأنّ حرف المدّ واللين بعد الهمزة يخفى كما يخفى إذا كان قبلها بل هو أشدّ خفاء ، ألا ترى أنّ من لا يعرف أوزان الكلام لا يفرّق بين {أتى} {وآتى} لوجوده إيّاها في الخط بألف واحدة ، فإن ترك المدّ في {آتى} فربّما بالغ المبتدئ في تركه حتّى يصير {أتى} ، فإذا قيل له أشبع المدّ زال عنه اللبس بقوله {آتى}." (شرح الهداية ص31).
وأمّا ثبوته من الكافي فهو ظاهر النشر وذكره له أبو شامة في إبراز المعاني وأبي العباس الحلبيّ في العقد النضيد والمنتوري في شرحه على الدرر وغيرهم ، وبه قرأ ابن الجزري من طريق الكافي حيث قال في تقريب النشر : "فبالمدّ قرأت من طريق العنوان والتبصرة والكافي والهداية والتجريد والهادي وغيرها....". قال ابن شريح : " فإذا كان حرف المدّ واللين بعد همز مبتدأة أو متوسّطة وقبلها حركة أو حرف مدّ ولين نحو {ءادم} و {ءامن} و {يستهزءون} و {ليواطئوا} و {إسرائيل} فورش وحده يشبع المدّ" الكافي ص40.
وأمّا من العنوان لأبي طاهر فهو ظاهر النشر. وذكره له أبو شامة في إبراز المعاني والمنتوري في شرحه على الدرر وغيرهما.وبه قرأ ابن الجزريّ حيث قال في تقريبه :"فبالمدّ قرأت من طريق العنوان والتبصرة والكافي والهداية والتجريد والهادي وغيرها....".قال أبو طاهر في كتابه العنوان : "وكان ورش يُشبع المدّ في حروف المدّ واللين الواقعة بعد الهمزة نحو {آمنا} و {آدم} {وآويناهما} و { السيئات} {وأوتينا العلم} {وإيتاء الزكاة} و {الموءودة} و {إسرائيل} وما أشبه ذلك" العنوان ص44. طبعة عالم الكتب مع ما فيها من الأخطاء.
وأمّا من التجريد لابن الفحام فهو ظاهر النشر لقول ابن الجزريّ : "وذهب جمهور من ذكرنا إلى أنه الإشباع من غير إفراط وسووا بينه وبين ما تقدم على الهمزة وهو أيضاً ظاهر عبارة التبصرة والتجريد..".وبه قرأ ابن الجزريّ كما في تقريب النشر. قال ابن الفحام في تجريده : "القسم الرابع : إذا تقدّمت الهمزة حرف المدّ واللين وانفتح ما قبل الياء والواو نحو {ءادم} و {ءازر} و {شيء} و {شيئا} و {سوءة} فمذهب ورش اختيار مدّه منفرداً فاعرف ذلك."(التجريد ص137).
وأمّا من كتاب الهادي لابن سفيان فإنّه ليس من طرق النشر لأنّه لم يُسند رواية الأزرق عن ورش إليه في نشره ، وإن حكى في النشر أنّ مذهب ابن سفيان في البدل هو الطول وبه قرأ من طريقه كما في تقريب النشر.
وأمّا من طريق الكامل : فقد قال الهذلي :"أمّا أن تكون من أوّل الكلمة {ءادم} و {ءامن} ، {وءاثر} و {ءاتى} فروى أبوعمرو ، وإسماعيل بن عمر بن راشد الحداد شيخنا رحمه الله عن غزوان بن محمد المازني و عرّاك ، ويحيى بن مطير ، ويعقوب الهوارمي وعن ابن عدي القروي عن ورش مدّ ذلك كلّه مشبعاً مُفرطاً فيه وهو قول أبي الحسن عن أبي محمد المصري ، ومحمد بن سفيان القروي." الكامل ص422. قال ابن الجزريّ في النشر : "فذهب الهذلي فيما رواه عن شيخه أبي عمرو إسماعيل بن راشد الحداد إلى الإشباع المفرط كما هو مذهبه عنه في المد المنفصل كما تقدم. قال وهو قول محمد بن سفيان القروي وأبي الحسين يعني الخبازي على أبي محمد المصري يعني عبد الرحمن بن يوسف أحد أصحاب ابن هلال."
وأمّا ثبوته من طريق الحصري فهو ظاهر النشر وذكره له على سبيل الحكاية لا الرواية إذ لم يُسند طريق الأزرق من طريق القصيدة الحصرية. قال الحصري في قصيدته :
وإن تتقدّمْ همزةٌ نحوُ ءامنوا ........وأوحيَ فامدُدْ ليس مدّك بالنكْرِ.
وأمّا ثبوته من طريق المجتبي للطرسوسي فهو الظاهر من كلام يوسف أفندي زادة في كتابه الائتلاف والأزميري في بدائعه ، والروض للمتولي ، والمطلوب للضباع ، وأما من النشر فغير واضح لكن وجدت كلاماً لابن الجزري يدل عليه وهو قوله في تمكين {شيء} دون غيرها : "واختلف هؤلاء في قدر هذا المد فابن بليمة والخزاعي وابن غلبون يرون أنه التوسط وبه قرأ الداني عليه ، والطرسوسي وصاحب العنوان يريان أنه الإشباع وبه قرأت من طريقهما ". أقول : ومن المعلوم أن من أشبع المد في {شيء} أشبعه في البدل بالضرورة.
وأمّا ثبوته من طريق أبي معشر الطبري فهو من غير التلخيص لأنّ كتابه التلخيص يختص بطريق يونس والأصبهاني عن ورش دون الأزرق ، وإنما طريق الأزرق عن أبي معشر هو من طريق كتابه سوق العروس كما ذكر الأزميري في بدائعه. ولم يذكر ابن الجزريّ مذهبه في البدل ، وذكر الطول له يوسف أفندي زادة في كتابه الائتلاف والأزميري في بدائعه والمتولّي في روضه. قال العلامة الضباع في كتابه المطلوب : وسكت صاحب النشر عن مذهب أبي معشر وظاهر الروض أنّه الإشباع. أقول : ما ذهب إليه المتوليّ في روضه هو الصواب فيما يظهر حيث قال ابن الجزريّ : "طريق أبي نصر الموصلي وهي السادسة عن النحاس من طريق أبي معشر والكامل قرأ بها أبو معشر الطبري وأبو القاسم الهذلي على الإمام أبي الفضل عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن الرازي وقرأ بها على أبي محمد الحسن بن محمد ابن الفحام وقرأ بها على أبي نصر سلامة بن الحسن الموصلي."انتهى كلامه. أقول انفراده بالإسناد مع الهذلي -الذي مذهبه الطول في البدل- عن الإمام أبي الفضل عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن الرازي عن أبي محمد الحسن بن محمد ابن الفحام عن أبي نصر سلامة بن الحسن الموصلي يقوّي القول بأنّ مذهب أبي معشر هو الطول. وقال ابن الجزري عند ذكره لمستثنيات البدل أي (عاداًالاولى و آلان) : "وأما صاحب العنوان وصاحب الكامل والأهوازي وأبو معشر وابن بليمة فلم يذكروا (آلان وعاداً الاولى) بل ولا نصوا على الهمز المغير في هذا الباب ولا تعرضوا له". وقال في استثناء {ايت} ونحوها : "فنص على استثنائه وترك الزيادة في مده أبو عمرو الداني في جميع كتبه وأبو معشر الطبري والشاطبي.". أقول : فعدم استثناء أبي معشر (عاداًالاولى و آلان) واستثنائه ل {ايت} ونحوها يدل على أن مذهبه في البدل هو التمكين ولم يجعله ابن الجزري ضمن أصحاب التوسط وهذا يعني أنّه في زمرة الجمهور الذين أخذوا بوجه الطول.
تنبيه : قد ذكر المنتوري الإشباع في البدل لأبي الطيّب بن غلبون في إرشاده حيث يقول في شرحه على الدرر : "بل أكثر المصنفين للحروف حملوا الرواية على ظاهرها ونصّوا في كتبهم على المدّ في {ءامن} وبابه لورش ، وإلى هذا ذهب الإمام أبو الحسن محمد بن أحمد بن أيّوب بن شنبوذ و الشيخ أو الفضل محمد بن جعفر بن عبد الكريم الخزاعي ، والإمام أبو بكر محمد بن عليّ الأذفويّ ، والإمام أبو الطيّب عبد المنعم بن عبيد الله بن غلبون الحلبيّ .............." شرح الدرر ص1/197. أقول : لم أر غيره نسب هذا الوجه لعبد المنعم وهو خلاف ما في الإرشاد ، وإنّما الخلاف عنه دائرٌ بين القصر والتوسط كما أسلفنا. والله أعلم.
فنخلص مما سبق :
- أنّ قصر البدل لورش من الطيّبة هو من الشاطبية والتذكرة والإرشاد ، وقراءة الداني على أبي الحسن.
- وأنّتوسط البدل هو من طريق التيسير والشاطبية وتلخيص العبارات وقراءة الداني على ابن خاقان وفارس ابن أحمد.
- وأنّ الطول في البدل هو من طريق الشاطبية والتبصرة والهداية والكافي والعنوان والتجريد و الكامل والمجتبي وطريق أبي معشر الطبري.
والعلم عند الله تعالى.
يتابع إن شاء الله تعالى.