تحرير أوجه الأزرق من طريق النشر الكبير.

إنضم
10/04/2005
المشاركات
1,122
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
الجزائر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد.

هذه محاولة منّي في تحرير أوجه الأزرق من طريق النشر الكبير معتمداً على منهجيّة تتمثّل فيما يلي :

1 – الاعتماد أوّلاً على ظاهر النشر في حصر المصادر الناقلة للوجه الذي يُراد تحريرهُ.

2 – الاقتصار على المصادر التي أسند إليها طرق الأزرق واستبعاد كلّ ما أورده على سبيل الحكاية وهي المصادر التي ذكرت في العزو دون أن يُسند الرواية إليها ككتاب الإعلان لأبي القاسم الصفراوي ، وكتاب الهادي لأبي سفيان والوجيز للأهوازي وغيرها متّبعاً في ذلك طريقة الإمام الجهبذ العلامة الأزميري عليه رحمة الله خلافاً لشيخه يوسف أفندي زاده في كتابه الائتلاف حيث لم يكن يُفرّق في تحريره للطرق بين المصادر المسندة وبين غيرها.

3 – الرجوع إلى مضمون المصادر ومقارنتها مع ظاهر النشر فإن اتفقا في المضمون تشبّثنا به وإن وقع التباس واختلاف في تفسير العبارات اقتصرنا على ما ثبت بالأداء عن ابن الجزري لأنّ الوجه إذا ثبت بالنصّ والأداء كان أقوي من الذي ثبت بالنصّ دون الأداء ، بشرط أن يكون الأداء يحتمله النصّ كالخلاف الوارد عن الداني ومكي القيسي في مرتبة البدل إذ إننا أخذنا بمرتبة التوسط للداني عن ابن خاقان وفارس ابن أحمد وأخذنا بمرتبة الطول لمكي القيسي لأنّ ابن الجزريّ قرأ بذلك من طريقيهما.

4 – في حالة سكون صاحب النشر في عزو وجه إلى مصدر من المصادر فحينئذ نأخذ بالقرائن وأقوال المحررين في ذلك كسكوته على مرتبة البدل لأبي معشر الطبري و أبي الطيّب عند المنعم بن غلبون وغيرهما.

6 – الاقتصار على ما ثبت بالأداء عن ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى إذا ثبت في المصدر أكثر من وجه ، مثاله : القصر والتوسط في البدل واردان في كتاب تلخيص ابن بليمة إلاّ أنّ ابن الجزريّ لم يقرأ إلاّ بالتوسط كما في تقريب النشر وبالتالي فإننا نقتصر على توسط البدل لثبوته بالنصّ والأداء عن ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى.

والآن سأشرح في تحرير طرق الأزرق مبيّناً مصادره التي أسند إليها ابن الجزري رواية الأزرق وهي : : التيسير ، الشاطبية ، الهداية ، المجتبى ، الكافي ، الكامل ، التجريد ، تلخيص ابن بليمة ، طريق أبي مشعر في غير التلخيص ،التذكرة ، العنوان ، التبصرة ، إرشاد أبي الطيّب ، وقراءة الداني على مشايخه الثلاثة.

1- تحرير أوجه البدل الثلاثة :

قصر البدل :
فأما قصر البدل : فقال ابن الجزري : وذهب إلى القصر فيه أبو الحسن طاهر بن غلبون ورد في تذكرته على من روى المد وأخذ به وغلط أصحابه وبذلك قرأ الداني عليه وذكره أيضاً ابن بليمة في تلخيصه وهو اختيار الشاطبي حسب ما نقله أبو شامة عن أبي الحسن السخاوي عنه. قال أبو شامة وما قال به ابن غلبون هو الحق، انتهى. وهو اختيار مكي فيما حكاه عنه أبو عبد الله الفارسي وفيه نظر وقد اختاره أبو إسحاق الجعبري وأثبت الثلاثة جميعا أبو القاسم الصفراوي في إعلانه والشاطبي في قصيدته وضعف المد الطويل.

أقول : يتّضح من خلال ما ذكره ابن الجزري أنّ قصر البدل هو من طريق الشاطبية والتذكرة وتلخيص ابن بليمة ، وهو مذهب أبي القاسم الصفراوي ، واختيار مكي فيما حكاه عنه الفارسي. وذهب الشيخ سلطان مزاحي والأزميري إلى أنّه مذهب أبي الطيّب عبد المنعم صاحب الإرشاد وبه قرأ الأزميري على أكثر شيوخه كما سيأتي بيانه.

فأمّا ثبوته من الشاطبية والتذكرة ومن قراءة الداني على أبي الحسن فظاهر لا نحتاج إلى إثباته.
وأمّا من تلخيص ابن بليمة فقد قال صاحبه : "وأمّا همزة {ءامن الرسول} و {ءامنهم من خوف } على قراءة نافع ، فإنّ بعض شيوخنا يشيرون بمدة يسيرة وبعضهم يمنعون. والقصر والله أعلم أصوب لعلّة الفرق بين الخبر والاستخبار " التلخيص ص26. أقول : أريد أن أشير إلى شيء أثار انتباهي وهو أنّ ابن الجزريّ قال : "وذكره – أي قصر البدل- أيضاً ابن بليمة في تلخيصه " بينما قال عند ذكره لرواة تمكين البدل : "فروى المدّ في جميع الباب أبو عبد الله بن سفيان ............وأبو الحسن بن بليمة صاحب التلخيص." وقال عند ذكره لأصحاب التوسط : ذهب الداني والأهوازي وابن بليمة وأبو علي الهراس فيما رواه ابن عدي إلى التوسط". أقول : ففي مرتبة القصر قال : "ذكره ابن بليمة" ، وفي مرتبة التوسط قال "فروى ، وذهب". إشارة منه إلى أنّ قصر البدل من تلخيص ابن بليمة قد يكون للحكاية لا للرواية لقوله : "ذكرهُ" في الأولى وقوله في الثانية : "فروى وذهب". ومما يؤكّد ذلك قول ابن الجزري في تقريب النشر : "وبالتوسط قرأنا من طريق التيسير والتلخيص لابن بليمة والوجيز وبالقصر قرأنا من طريق التذكرة والشاطبية والإعلان." فظهر ثبوت وجه التوسط من تلخيص ابن بليمة بالرواية والأداء دون القصر. أزيدكم دليلاً وهو قول ابن الجزري: في مسائله التبريزية :
كآتى لورش افتح بمدّ وقصره ....وقلّل مع التوسيط والمدّ مكملا
لحرز وفي التلخيص فافتح ووسّطن وقصر مع التقليل لم يكن للملا.
أقول : قد أمر الناظم أن نقرأ بالفتح مع التوسط من تلخيص ابن بليمة ، والأمر يفيد الحصر والتقييد هنا.
وقد استدرك المحررون على ابن الجزري فأثبتوا التقليل في ذوات الياء من التلخيص وأهملوا الفتح من طريقه لقول ابن بليمة في تلخيصه : "وقرأ ورش جميع ذلك بين اللفظين إلاّ ما كان من ذلك في سورة أواخر أيها (ها ألف) فإنّه أخلص الفتح فيه وهذا الذي لا يوجد غيره.". أقول كلام ابن بليمة صريح جداً في كون التقليل هو مذهبه ، وعلى ما سبق يكون المقروء به لورش من تلخيص ابن بليمة التوسط مع التقليل.فالتوسط لأنّه هو الوجه الذي قرأ به ابن الجزري كما ذكر في تقريبه ، والتقليل لصريح عبارة صاحب التلخيص فيكون ابن الجزري واهما في عزو الفتح إلى ابن بليمة.

وأمّا ثبوته من الإعلان للصفراوي وإن كان صحيحاً إلاّ أنّه ليس من طرق الطيّبة إذ لم يسند ابن الجزري في نشره رواية ورش من طريقه وإنّما ذكره على سبيل الحكاية لا الرواية.

وأمّا ثبوته من طريق مكي في تبصرته فمستبعد لقول ابن الجزري : : "وهو اختيار مكي فيما حكاه عنه أبو عبد الله الفارسي وفيه نظر" وقوله : "وعبارته في التبصرة تحتمل الوجهين جميعاً – أي التوسط والطول- وبالإشباع قرأت من طريقه". قال مكي القيسي في التبصرة : "فقرأ ورش بتمكين المدّ فيما روى المصريون عنه وقرأ الباقون بمد متوسط كما يخرج من اللفظ وكذلك روى البغداديون عن ورش ، وبالمدّ قرأت له". أقول : قصر البدل من طريق مكي القيسي لم يثبت عند ابن الجزريّ بالأداء وإن نسبه إلى البغداديين عن ورش لقوله : "وبالمد قرأت له أي لورش". كما أنّ ابن الجزري لم يقرأ به أداءً إلى صاحب التبصرة لقوله "وبالإشباع قرأت من طريقه" ، فانقطع وجه القصر أداءً مرّتين الأولى عند مكّي لقوله : "وبالمدّ قرأت له" ، وثانية عند ابن الجزري من طريق مكي لقوله : "وبالإشباع قرأت من طريقه".لذا فينبغي إهمال وجه القصر من التبصرة.

أمّا ثبوته من طريق أبي الطيّب على قول سلطان وهو العلامة سلطان مزاحي حيث ذكر في رسالته المشهورة وجه القصر لأبي الطيّب ، وأقتصر مختصراً على مثال واحد له : يقول الشيخ سلطان عند تحريره اجتماع البدل مع {ذكرا} : "ففيها خمسة أوجه : القصر مع التفخيم في {ذكرا} لأبي الطيّب عبد المنعم بن غلبون....." وما جنح إليه هو الصواب عندي لأنّ أبا الحسن بن غلبون أسند رواية ورش إلى أبيه أبي الطيّب ومذهب أبي الحسن القصر في البدل وبه قال وقوّل كما قال الشاطبيّ ، وعن أبي الحسن اشتهر إنكار تمكين البدل فيُستبعد أن ينكر وجهاً رواه أبوه الذي هو شيخه في الإسناد ، إذ لو ثبت التمكين عن أبيه لكان أبو الحسن مخالفاً للرواية برأيه وحاشاه أن يفعل ذلك. وإسناد أبي الطيّب من النشر هو نفسه إسناد أبي الحسن. قال ابن الجزري في نشره :"طريق ابن مروان وهي الثانية عن ابن سيف من ثلاث طرق طريقي الإرشاد لأبي الطيب عبد المنعم ابن غلبون والتذكرة لطاهر بن عبد المنعم بن غلبون ومن الكامل قرأ بها الهذلي علي ابن هاشم وقراها على عبد المنعم بن غلبون وقرأ عبد المنعم وطاهر على أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن مروان الشامي الأصل ثم المصري، عبد المنعم جميع القرآن، وطاهر الحروف".
بالإضافة إلى ما ذكرت فإنّي لم أجد في النسخة المخطوطة للإرشاد ما يتضمّن تمكين مدّ البدل مع صعوبة ورداءة الخط وهي النسخة المتداولة على المواقع ، والحمد لله فإنّ الكتاب طبع وقد أفادنا أحد مشايخنا أنّ في النسخة المطبوعة لم يشر أبو الطيّب إلى البدل فيكون ذلك تأكيداً لما ذكرتُ.
وقد قرأ الأزميري على أكثر شيوخه بالقصر وعلى بعضهم بالتوسط ومنعه حيث قال رحمه الله تعالى : في تحرير الآية : الطلاق مرتان .. إلى قوله تعالى : آتيتموهن شيئا فيه للأزرق بحسب التركيب ثمانية أوجه : ......الخامس : الترقيق في الطلاق مع القصر في البدل والتوسط في شيئا من التذكرة وبه قرأ الداني على ابن غلبون ومن إرشاد أبي الطيب على ما قرأت به ......، وأما الوجه الممنوع وهو ترقيق اللام مع التوسط فيهما من إرشاد أبي الطيب فلم نقرأ به على أكثر شيوخنا ، وقرأنا به على بعض الشيوخ و لم يكن الإرشاد عندي حتى أفتش و أذكر بطريق الجزم واليقين ." أقول : وكأنّ القول بتوسط البدل من الإرشاد هو عنده على سبيل الظنّ والاحتمال ومتوقّف على مطالعة الكتاب والكتاب الآن سواء المطبوع والمخطوط لم يرد فيه وجه التوسط فينبغي الاقتصار على القصر.وقد ذهب يوسف أفندي زادة في كتابه الائتلاف في وجوه الاختلاف إلى أنّ مذهب أبي الطيّب هو القصر فقال عند تحريره لقول الله تعالى {كذكركم آباءكم أو أشدّ ذكراً} : قال رحمه الله : الخامس : القصر مع التفخيم من الشاطبية وتلخيص ابن بليمة وهو لأبي الطيب عبد المنعم بن غلبون أيضاً. انتهى كلامه.


توسط البدل :
وأما توسط البدل : قال ابن الجزري : "وذهب الداني والأهوازي وابن بليمة وأبو علي الهراس فيما رواه عن ابن عدي إلى التوسط وهو اختيار أبي علي الحسن بن بليمة وذكر أبو شامة أن مكياً ذكر كلا من الإشباع والتوسط وذكر السخاوي عنه الإشباع فقط (قلت) وقفت له على مؤلف انتصر فيه للمد في ذلك ورد على من رده. أحسن من ذلك وبالغ فيه. وعبارته في التبصرة تحتمل الوجهين جميعاً وبالإشباع قرأت من طريقه."

يُفهم من كلام ابن الجزري أنّ التوسط هو مذهب الإمام الداني من قراءته على ابن خاقان وفارس بن أحمد ، والأهوازي وابن بليمة ومكي القيسي على ما ذكر أبو شامة. وهو أحد أوجه الشاطبية.

فأمّا ثبوته عن الداني فهو ظاهر النشر حيث اقتصر ابن الجزري على التوسط من طريقه وعبارته صريحة غير محتملة وهو الذي ينبغي الاقتصار عليه عن الداني من طريق ابن الجزري ولا يُلتفت إلى الخلاف الذي يحتمله نصّ الداني في غير التيسير وإلى الخلاف الوارد في ذلك ما دمنا نقرأ من طريق ابن الجزريّ.

وأمّا طريق الأهوازي فليس من طرق الطيّبة إذ لم يسند ابن الجزريّ طريق الأزرق من طريقه.
وأمّا ثبوته من تلخيصّ ابن بليمة هو الصحيح وهو الذي ينبغي الاقتصار عليه لثبوته بالنصّ والأداء عن ابن الجزريّ كما سبق بيانه في أعلاه.
وأمّا ثبوته من طريق التبصرة على قول أبي شامة واحتمال عبارة صاحب التبصرة له فوجيه لأنّ عبارة مكي القيسي في كتابه الكشف تؤكّده حيث قال : "والمدّ في حرف المدّ واللين إذا كانت الهمزة بعده أمكن من مدّه إن كانت قبله ليتمكّن خفاء حرف المدّ واللين إذا كانت الهمز بعده " (الكشف 1/48). قال المالقي في الدرّ النثير معلّقا على كلام مكي في الكشف: "فظهر من هذا موافقته للحافظ والله عزّ وجهه الكريم أعلم" الدرّ النثير ص333. أي يظهر من كلام مكي القيسي في الكشف فوافقته لمذهب الداني في توسط البدل.
ومن هنا يظهر احتمال الوجهين من التبصرة ولكننا نأخذ له بوجه الطول من طريق ابن الجزري لأنّه قرأ به من طريقه لقوله في النشر : "وبالإشباع قرأت من طريقه" بالإضافة إلى ذلك فإنّ أكثر أهل الأداء يثبتون لمكي القيسي الإشباع في البدل فينبغي الاقتصار عليه من طريق النشر.

طول البدل :
وأمّا طول البدل فقال ابن الجزريّ عليه رحمة الله في النشر : "فروى المد في جميع الباب أبو عبد الله بن سفيان صاحب الهادي وأبو محمد مكي صاحب التبصرة وأبو عبد الله بن شريح صاحب الكافي. وأبو العباس المهدوي صاحب الهداية وأبو الطاهر بن خلف صاحب العنوان. وأبو القاسم الهذلي وأبو الفضل والخزاعي وأبو الحسن الحصري وأبو القاسم بن الفحام صاحب التجريد وأبو الحسن بن بليمة صاحب التلخيص وأبو علي الأهوازي وأبو عمرو الداني من قراءته على أبي الفتح وخلف بن خاقان وغيرهم من سائر المصريين والمغاربة زيادة المد في ذلك كله ثم اختلفوا في قدر هذه الزيادة فذهب الهذلي فيما رواه عن شيخه أبي عمرو إسماعيل بن راشد الحداد إلى الإشباع المفرط كما هو مذهبه عنه في المد المنفصل كما تقدم. قال وهو قول محمد بن سفيان القروي وأبي الحسين يعني الخبازي على أبي محمد المصري يعني عبد الرحمن بن يوسف أحد أصحاب ابن هلال. وذهب جمهور من ذكرنا إلى أنه الإشباع من غير إفراط وسووا بينه وبين ما تقدم على الهمزة وهو أيضاً ظاهر عبارة التبصرة والتجريد." النشر 1/339.

أقول : ذكر تمكين المدّ بنوعيه ثمّ أخرج من المجموعة أصحاب التوسط وهم الداني وابن بليمة والأهوازي ، فيبقى : الهادي لابن سفيان ، والتبصرة لمكي القيسي والكافي لابن شريح ، والهداية للمهدوي والعنوان لأبي طاهر ، والكامل للهذلي والقصيدة الحصرية لأبي الحسن الحصري ، والتجريد لابن الفحام.

فأمّا ثبوته من التبصرة فظاهر كما أسلفنا ، وأمّا من الهداية للمهدوي فهو ظاهر النشر وذكره له الجعبري في كنز المعاني وأبو شامة في إبراز المعاني وأبي العباس الحلبيّ في العقد النضيد والمنتوري في شرحه على الدرر وغيرهم ، وبه قرأ ابن الجزريّ كما قال في تقريب النشر : "فبالمدّ قرأت من طريق العنوان والتبصرة والكافي والهداية والتجريد والهادي وغيرها....".قال أبو العباس المهدوي في كتابه شرح الهداية بعد أن تحدّث عن المدّ الذي سببه السكون والهمز وتوجيه التمكين في الجنسين : " وتلك العلّة هي التي قصد ورش مدّه {آمنوا} و {اوتوا} و {أيتاء} وما أشبه ذلك ، لأنّ حرف المدّ واللين بعد الهمزة يخفى كما يخفى إذا كان قبلها بل هو أشدّ خفاء ، ألا ترى أنّ من لا يعرف أوزان الكلام لا يفرّق بين {أتى} {وآتى} لوجوده إيّاها في الخط بألف واحدة ، فإن ترك المدّ في {آتى} فربّما بالغ المبتدئ في تركه حتّى يصير {أتى} ، فإذا قيل له أشبع المدّ زال عنه اللبس بقوله {آتى}." (شرح الهداية ص31).

وأمّا ثبوته من الكافي فهو ظاهر النشر وذكره له أبو شامة في إبراز المعاني وأبي العباس الحلبيّ في العقد النضيد والمنتوري في شرحه على الدرر وغيرهم ، وبه قرأ ابن الجزري من طريق الكافي حيث قال في تقريب النشر : "فبالمدّ قرأت من طريق العنوان والتبصرة والكافي والهداية والتجريد والهادي وغيرها....". قال ابن شريح : " فإذا كان حرف المدّ واللين بعد همز مبتدأة أو متوسّطة وقبلها حركة أو حرف مدّ ولين نحو {ءادم} و {ءامن} و {يستهزءون} و {ليواطئوا} و {إسرائيل} فورش وحده يشبع المدّ" الكافي ص40.

وأمّا من العنوان لأبي طاهر فهو ظاهر النشر. وذكره له أبو شامة في إبراز المعاني والمنتوري في شرحه على الدرر وغيرهما.وبه قرأ ابن الجزريّ حيث قال في تقريبه :"فبالمدّ قرأت من طريق العنوان والتبصرة والكافي والهداية والتجريد والهادي وغيرها....".قال أبو طاهر في كتابه العنوان : "وكان ورش يُشبع المدّ في حروف المدّ واللين الواقعة بعد الهمزة نحو {آمنا} و {آدم} {وآويناهما} و { السيئات} {وأوتينا العلم} {وإيتاء الزكاة} و {الموءودة} و {إسرائيل} وما أشبه ذلك" العنوان ص44. طبعة عالم الكتب مع ما فيها من الأخطاء.

وأمّا من التجريد لابن الفحام فهو ظاهر النشر لقول ابن الجزريّ : "وذهب جمهور من ذكرنا إلى أنه الإشباع من غير إفراط وسووا بينه وبين ما تقدم على الهمزة وهو أيضاً ظاهر عبارة التبصرة والتجريد..".وبه قرأ ابن الجزريّ كما في تقريب النشر. قال ابن الفحام في تجريده : "القسم الرابع : إذا تقدّمت الهمزة حرف المدّ واللين وانفتح ما قبل الياء والواو نحو {ءادم} و {ءازر} و {شيء} و {شيئا} و {سوءة} فمذهب ورش اختيار مدّه منفرداً فاعرف ذلك."(التجريد ص137).

وأمّا من كتاب الهادي لابن سفيان فإنّه ليس من طرق النشر لأنّه لم يُسند رواية الأزرق عن ورش إليه في نشره ، وإن حكى في النشر أنّ مذهب ابن سفيان في البدل هو الطول وبه قرأ من طريقه كما في تقريب النشر.

وأمّا من طريق الكامل : فقد قال الهذلي :"أمّا أن تكون من أوّل الكلمة {ءادم} و {ءامن} ، {وءاثر} و {ءاتى} فروى أبوعمرو ، وإسماعيل بن عمر بن راشد الحداد شيخنا رحمه الله عن غزوان بن محمد المازني و عرّاك ، ويحيى بن مطير ، ويعقوب الهوارمي وعن ابن عدي القروي عن ورش مدّ ذلك كلّه مشبعاً مُفرطاً فيه وهو قول أبي الحسن عن أبي محمد المصري ، ومحمد بن سفيان القروي." الكامل ص422. قال ابن الجزريّ في النشر : "فذهب الهذلي فيما رواه عن شيخه أبي عمرو إسماعيل بن راشد الحداد إلى الإشباع المفرط كما هو مذهبه عنه في المد المنفصل كما تقدم. قال وهو قول محمد بن سفيان القروي وأبي الحسين يعني الخبازي على أبي محمد المصري يعني عبد الرحمن بن يوسف أحد أصحاب ابن هلال."

وأمّا ثبوته من طريق الحصري فهو ظاهر النشر وذكره له على سبيل الحكاية لا الرواية إذ لم يُسند طريق الأزرق من طريق القصيدة الحصرية. قال الحصري في قصيدته :
وإن تتقدّمْ همزةٌ نحوُ ءامنوا ........وأوحيَ فامدُدْ ليس مدّك بالنكْرِ.

وأمّا ثبوته من طريق المجتبي للطرسوسي فهو الظاهر من كلام يوسف أفندي زادة في كتابه الائتلاف والأزميري في بدائعه ، والروض للمتولي ، والمطلوب للضباع ، وأما من النشر فغير واضح لكن وجدت كلاماً لابن الجزري يدل عليه وهو قوله في تمكين {شيء} دون غيرها : "واختلف هؤلاء في قدر هذا المد فابن بليمة والخزاعي وابن غلبون يرون أنه التوسط وبه قرأ الداني عليه ، والطرسوسي وصاحب العنوان يريان أنه الإشباع وبه قرأت من طريقهما ". أقول : ومن المعلوم أن من أشبع المد في {شيء} أشبعه في البدل بالضرورة.

وأمّا ثبوته من طريق أبي معشر الطبري فهو من غير التلخيص لأنّ كتابه التلخيص يختص بطريق يونس والأصبهاني عن ورش دون الأزرق ، وإنما طريق الأزرق عن أبي معشر هو من طريق كتابه سوق العروس كما ذكر الأزميري في بدائعه. ولم يذكر ابن الجزريّ مذهبه في البدل ، وذكر الطول له يوسف أفندي زادة في كتابه الائتلاف والأزميري في بدائعه والمتولّي في روضه. قال العلامة الضباع في كتابه المطلوب : وسكت صاحب النشر عن مذهب أبي معشر وظاهر الروض أنّه الإشباع. أقول : ما ذهب إليه المتوليّ في روضه هو الصواب فيما يظهر حيث قال ابن الجزريّ : "طريق أبي نصر الموصلي وهي السادسة عن النحاس من طريق أبي معشر والكامل قرأ بها أبو معشر الطبري وأبو القاسم الهذلي على الإمام أبي الفضل عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن الرازي وقرأ بها على أبي محمد الحسن بن محمد ابن الفحام وقرأ بها على أبي نصر سلامة بن الحسن الموصلي."انتهى كلامه. أقول انفراده بالإسناد مع الهذلي -الذي مذهبه الطول في البدل- عن الإمام أبي الفضل عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن الرازي عن أبي محمد الحسن بن محمد ابن الفحام عن أبي نصر سلامة بن الحسن الموصلي يقوّي القول بأنّ مذهب أبي معشر هو الطول. وقال ابن الجزري عند ذكره لمستثنيات البدل أي (عاداًالاولى و آلان) : "وأما صاحب العنوان وصاحب الكامل والأهوازي وأبو معشر وابن بليمة فلم يذكروا (آلان وعاداً الاولى) بل ولا نصوا على الهمز المغير في هذا الباب ولا تعرضوا له". وقال في استثناء {ايت} ونحوها : "فنص على استثنائه وترك الزيادة في مده أبو عمرو الداني في جميع كتبه وأبو معشر الطبري والشاطبي.". أقول : فعدم استثناء أبي معشر (عاداًالاولى و آلان) واستثنائه ل {ايت} ونحوها يدل على أن مذهبه في البدل هو التمكين ولم يجعله ابن الجزري ضمن أصحاب التوسط وهذا يعني أنّه في زمرة الجمهور الذين أخذوا بوجه الطول.

تنبيه : قد ذكر المنتوري الإشباع في البدل لأبي الطيّب بن غلبون في إرشاده حيث يقول في شرحه على الدرر : "بل أكثر المصنفين للحروف حملوا الرواية على ظاهرها ونصّوا في كتبهم على المدّ في {ءامن} وبابه لورش ، وإلى هذا ذهب الإمام أبو الحسن محمد بن أحمد بن أيّوب بن شنبوذ و الشيخ أو الفضل محمد بن جعفر بن عبد الكريم الخزاعي ، والإمام أبو بكر محمد بن عليّ الأذفويّ ، والإمام أبو الطيّب عبد المنعم بن عبيد الله بن غلبون الحلبيّ .............." شرح الدرر ص1/197. أقول : لم أر غيره نسب هذا الوجه لعبد المنعم وهو خلاف ما في الإرشاد ، وإنّما الخلاف عنه دائرٌ بين القصر والتوسط كما أسلفنا. والله أعلم.

فنخلص مما سبق :
- أنّ قصر البدل لورش من الطيّبة هو من الشاطبية والتذكرة والإرشاد ، وقراءة الداني على أبي الحسن.
- وأنّتوسط البدل هو من طريق التيسير والشاطبية وتلخيص العبارات وقراءة الداني على ابن خاقان وفارس ابن أحمد.
- وأنّ الطول في البدل هو من طريق الشاطبية والتبصرة والهداية والكافي والعنوان والتجريد و الكامل والمجتبي وطريق أبي معشر الطبري.

والعلم عند الله تعالى.

يتابع إن شاء الله تعالى.
 
بارك الله فيكم يا شيخ محمد، ونفع بجهودكم الإسلام والمسلمين
يوم الجمعة الماضي جمعني مجلس تلمذة بالشيخ محمد الحسن بوصو، فذكركم بخير، وقال: إنه قد طال غيابكم
فالحمد لله على عودكتم، وعودة هذه الفوائد معكم.​
ولي سؤال لفضيلتكم، وإن كنت لا أريد مقاطعة استرسالكم:
6 – الاقتصار على ما ثبت بالأداء عن ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى إذا ثبت في المصدر أكثر من وجه ، مثاله : القصر والتوسط في البدل واردان في كتاب تلخيص ابن بليمة إلاّ أنّ ابن الجزريّ لم يقرأ إلاّ بالتوسط كما في تقريب النشر وبالتالي فإننا نقتصر على توسط البدل لثبوته بالنصّ والأداء عن ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى.
...................................................
فنخلص مما سبق :
- أنّ قصر البدل لورش من الطيّبة هو من الشاطبية والتذكرة والإرشاد ، وقراءة الداني على أبي الحسن.
- وأنّتوسط البدل هو من طريق التيسير والشاطبية وتلخيص العبارات وقراءة الداني على ابن خاقان وفارس ابن أحمد.
- وأنّ الطول في البدل هو من طريق الشاطبية والتبصرة والهداية والكافي والعنوان والتجريد و الكامل والمجتبي وطريق أبي معشر الطبري.
- واضح أنكم تقولون بوجود طرق أدائية اعتمد عليها الإمام ابن الجزري في النشر، فهل توصلتم إلى ضابط يضبط الأخذ بتلك الطرق، أي: ما هي الطرق الأدائية المعتبرة؟ ومتى نأخذ بها، ومتى لا؟
بارك الله في جهودكم.
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أشكر فضيلتكم على الاهتمام بالموضوع ، وأرجو من فضيلة الشيخ محمد الحسن بوصو أن يشاركنا في الموضوع وألاّ يبخل علينا من ملاحظته.
أقول مجيباً وبالله التوفيق.
إن صرّح ابن الجزريّ عليه رحمة الله أنّه اقتصر على وجه قد قرأ به على مشايخه وكان ذاك الوجه يحتمله النصّ أو يؤيّده و كان موافقاً لأحد الأوجه الثابتة في المصدر الذي أسند إليه الرواية ، فلمَ العدول عنه إلى وجه لم يقرأ به ؟ لذا ينبغي الاقتصار على اختياره كما اقتصر المتقدّمون على اختيارات مشايخهم. ولا نخشى من السهو ما دام الأداء مؤيَّد بالنص. فالقصر والتوسط في البدل ثابتان في تلخيص ابن بليمة وقد أخبر ابن الجزري في تقريب النشر أنّه قرأ بالتوسط فلماذا لا نقتصر عليه وعلى ما ثبت بالأداء والنصّ جميعاً ، وهذا أولى أن نأخذ بالوجهين من طريقه إلى ابن بليمة وهو لم يختر القصر ولم يقرأ به وإن سلّمنا أنّه قرأ به فهو على سبيل الظنّ لا اليقين بخلاف التوسط.
وقد جرى عمل المتقدّمين الاقتصار على اختيارات مشايخهم وعدم تجاوزها فيما ثبت بالأداء عنهم - أي عن مشايخهم- فما بالك بالأوجه التي ما ثبتت بالأداء عنهم. وقد رأينا أنّ المحررين يُدخلون كلّ الأوجه الثابتة من طرق ابن الجزريّ وإن لم يقرأ بها ويخترها ، وهذا في نظري خطأ ومخالف لمعنى الصحيح للاختيار.
لذا فإنّي لا أعتمد على الأوجه الأدائية مطلقاً إلاّ إذا كان التصريح بالأداء عن ابن الجزريّ وكان النصّ يحتمله أو يؤيّده ولا يخالفه مخالفة واضحة.
أمّا إن كان النصّ في المصدر مخالفاً لظاهر النشر أو لأداء ابن الجزريّ المصرّح به في النشر فهذا تدخل فيه مظنّة الوهم والخطأ لأنّ ابن الجزريّ بشر يخطئ ويصيب ، ففي هذه الحالة لا نعتمد على الطرق الأدائية. مثاله الفتح في ذوات الياء لورش من تلخيص ابن لبيمة هو صريح عبارة النشر مع أنّ عبارة صاحب التلخيص صريحة في التقليل. وكذا الإبدال في {آلذكرين} من التذكرة ابن غلبون حيث صرّح ابن الجزريّ أنّه قرأ به من طريق التذكرة مع أنّ عبارة التذكرة صريحة على التسهيل وكذا عبارة جامع البيان عن أبي الحسن. فليس من المعقول أن نغامر في إثبات هذه الأوجه من النشر لمخالفتها لمضمون أقول المتقدّمين إلاّ بعد النظر والتأمّل.
والعلم عند الله تعالى.
 
فنخلص مما سبق :
- أنّ قصر البدل لورش من الطيّبة هو من الشاطبية والتذكرة والإرشاد ، وقراءة الداني على أبي الحسن.
- وأنّتوسط البدل هو من طريق التيسير والشاطبية وتلخيص العبارات وقراءة الداني على ابن خاقان وفارس ابن أحمد.
- وأنّ الطول في البدل هو من طريق الشاطبية والتبصرة والهداية والكافي والعنوان والتجريد و الكامل والمجتبي وطريق أبي معشر الطبري.
وفق ما كتبه الأستاذ الشيخ/ محمد يحيى شريف نفع الله بعلمه وزاده شرفا وعلما يكون:
- قصر البدل من أربعة مصادر تعود إلى مصدرين فقط، وهما: التذكرة والإرشاد
- توسط البدل من خمسة مصادر تعود إلى مصدرين فقط وهما: ابن خاقان وفارس ابن أحمد.
- طول البدل من تسعة مصادر مستقلة، وهي الشاطبية والتبصرة والهداية والكافي والعنوان والتجريد والكامل والمجتبى وطريق أبي معشر.
ملاحظات: حسب فرز الأستاذ/ محمد يحيى شريف:
1- لم يرو التوسط غير الداني.
2- ولم يرو القصر غير الذكرة والإرشاد
3- الباقون كلهم رووا المد.
4- لم يجمع بين وجهين في البدل غير الشاطبي الذي روى الثلاثة واختار القصر، حسبما أخبرني به شيخ قراء تشاد الشيخ يوسف إسحاق القرآني، في حج سنة 2002 عن شيخه الشيخ عامر السيد عثمان رحمها الله. وأخبرني الشيخ جبريل بن بركة شيخ قراء تشاد الحالي مثل ذلك عن الشيخ عبد الفتاح القاضي.
كنت ذكرت للدكتور إيهاب فكري، حفظه الله، في الليلة التي شرفنا بها الشيخان/ إيت عمران ومدثر خيري باللقاء رأي القيجاطي، حسبما ذكره تلميذه الوفيّ، المنتوري، في شرح الدرر، واستغرب الدكتور من ذلك، وذكر بأن الأهوازي عصريّ للداني فقد روى التوسط في البدل على تباعد مكانيهما. وكنت أعلم بأن ذلك من الأهوازي غير مسند في النشر، ولكني ألجمت نفسي رعاية لمقام المشايخ الفضلاء. وقام الشيخ محمد يحيى شريف بتشريحه هنا ونفيه من مسندات النشر، مما يكفيني جهد البحث والتدليل، وجزاه الله عني خيرا.
فرز وغربلة كهذا البحث وبحث "مسألة الغنة في اللام والراء للأزرق" أنفع وأجدى بكثير من التخندق وراء الكتب والتراشق بالنقول.
والله من وراء القصد
 
جزاك الله خيراً فضيلة الشيخ محمد الحسن على هذا التعليق.
قولكم :
- لم يرو التوسط غير الداني
رواه كذالك ابن بليمة في تلخيصه.
والعلم عند الله تعالى.
 
جزاك الله خيراً فضيلة الشيخ محمد الحسن على هذا التعليق.
قولكم :
رواه كذالك ابن بليمة في تلخيصه.
1 - المتولي في "عزو الطرق"، كما في المنقول هنا، يذهب مذهب الشيخ محمد يحيى شريف، وهذا المذهب هو الصواب.
ويرى رأي القيجاطي في أن رواية الداني المد ولكن اختار التوسط، والعجيب هو تشنيع الداني على القائلين بإشباع مد البدل مع أنه هو الذي روى النص القاضي بإشباع المد في البدل عن الشيوخ المصريين.
وَالمَدُّ عِنْدَ أَزْرَقٍ فِي البَدَلِ مِنَ الهِدَايَةِ وَ هَاٍد كَامِلِ
وَالمُجْتَبَى العُنْوَانِ تَجْرِيدٍ أَتَى كَافٍ وَعِندَ الطَّبَرِي قَدْ نُعِتَا
وَلاِبْنِ بَلِّيمَةَ تَوْسِيطٌ حَصَلْ وَلاِبنِ خَاقَانَ وَ فَارِسٍ وَصَلْ
وعَنْهُمَا الدَّانِيُّ إِيَّاهُ أُثِرْ ثُمَّ بِتَيْسِيرٍ وَجَامِعٍ ذُكِرْ
وَلاِبْنِ بَلِّيمَةَ وَجْهٌ ثَانِ قَصْرٌ كَطَاهِرٍ وَعَنْهُ الدَّانِي
وَبِهِمَا قِيلَ لِعَبدِ المُنْعِمِ وَ نَقْلاً عَنْ نَّصِّ مَكِّيِّهِمِ
وَالجَزَرِي قَالَ بِالإِشْبَاعِ مِنْ طَرِيقِهِ قَرَأتُ فَادْرِ يَا فَطِنْ
وَالمَدُّ لاَ التَّوسِيطُ نَقْلُ الدَّانِي فِيمَا أَفَادَنَاهُ قَسْطَلاَنِي
وَقَالَ ذَا مِنْ جَامِعِ البَيَانِ يُظْهِرُ الأَزْمِيرِي ذُو العِرْفَانِ
وَكُلِّهَا لِلشَّاطِبِيِّ مُكَمَّلَةْ ...........................

2- نعم تصويبكم في محله، الصواب أن توسط البدل من مصدرين فقط، وهما: الداني وتلخيص ابن بليمة. وعليه فإن كافة ما خرج من فقرة "وقلل من التلخيص ذا الياء عنده" في تنقيح فتح الكريم مما يخص التوسط فهو للداني، وحده، من طريقيه المذكورين هنا.
3 – وظاهر أن المد أكثر عنه وأشهر،حوالي50-70% من المصادر، وأنه هو الذي يقضيه نقل الداني رحمه الله.
4 - لا يوجد أي إشكال في صحة الأوجه الثلاثة، قصارى الأمر أن الخلاف حاصل - إلى التناقض- بين موقفي الداني والقيجاطي المتطرفين. ينكر الداني البدل إنكارا شديدا. وينفي القيجاطي رواية التوسط بل ينفي صحته في اللغة العربية
 
تحرير أوجه البدل المحقّق والبدلّ المغيّر

تحرير أوجه البدل المحقّق والبدلّ المغيّر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم

هذه محاولة منّي في تحرير أوجه البدلين أي البدل الثابت المحقّق والبدل المغيّر بالتسهيل والنقل والإبدال وتوضيخ العلاقة التي تربط هذه الأجناس فأقول وبالله التوفيق.


المصادر التي فرّقت بين البدل المحقّق والبدل المغيّر في التمكين :

قال ابن الجزريّ : "وأما صاحب العنوان وصاحب الكامل والأهوازي وأبو معشر وابن بليمة فلم يذكروا: (آلآن. ولا عاداً الأولى) بل ولا نصوا على الهمز المغير في هذا الباب ولا تعرضوا له بمثال ولا غيره. وإنما ذكروا الهمز المحقق ومثلوا به. ولا شك أن ذلك يحتمل شيئين: أحدهما أن يكون ممدوداً على القاعدة الآتية آخر الباب لدخوله في الأصل الذي ذكروه إذ تخفيف الهمز بالتليين أو البدل أو النقل عارض والعارض لا يعتد به على ما سيأتي في القاعدة ، والاحتمال الثاني أن يكون غير ممدود لعدم وجود همز محقق في اللفظ. والاحتمالان معمول بهما عندهم كما تمهد في القاعدة الآتية غير أن الاحتمال الثاني عندي أقوى في مذهب هؤلاء من حيث إنهم لم يذكروه ولم يمثلوا بشيء منه ولا استثنوا منه شيئاً حتى ولا مما أجمع على استثنائه وكثير منهم ذكر القصر فيما أجمع على مده من المتصل إذا وقع قبل الهمز المغير فهذا أولى."

أقول : يظهر من كلام ابن الجزريّ أنّ الذاهبين إلى عدم الاعتداد بالعارض هم : صاحب العنوان والكامل وأبو معشر وابن بليمة ، وقد سبق بيان أنّ طريق الأهوازي ليس من طرق النشر. وقد أوضح ابن الجزريّ أنّ عدم ذكر هؤلاء للهمز المغيّر يحتمل شيئين : أحدهما الاعتداد بالأصل بإجراء المغيّر مجرى المحقق ، والثاني عدم الاعتداد بالأصل فيكون غير ممدود لعدم وجود الهمز الموجب للمدّ اعتداداً بالعارض ، وجعل هذا الاحتمال هو الأقوى لأنهّم ما أشاروا إلى الهمز المغيّر لا من قريب ولا من بعيد ولا استثنوا من الباب شيء. ثمّ قال رحمه الله عبارة مهمّة وهي : "والاحتمالان معمول بهما عندهم" أي معمول بهما عندهم من جهة الأداء. ولكنّ السؤال هل ثبت الاحتمال الثاني بالأداء عن ابن الجزريّ ؟ الجواب : الظاهر أنّه لم يثبت لقوله في الأخير : "نعم عبارة الشاطبي صريحة بدخوله ولذلك مثل به شراح كلامه وهو الذي صح أداء وبه يؤخذ، على أني لا أمنع إجراء الخلاف في الأنواع الثلاثة عملاً بظواهر عبارات من لم يذكرها، وهو القياس والله أعلم.". أقول : يُفهم من عبارته أنّ الأخذ بالاحتمال الثاني لم يصح أداءً عنده وإنّما هو مجرّد قياس واستنباط من عبارات الأئمّة عليهم رحمة الله تعالى. وهذا من الأسباب الذي حمل يوسف أفندي زادة على عدم الأخذ بهذا المذهب مقتصراً على تسوية الهمز المحقّق بالهمز المغيّر (انظر كتاب الائتلاف في وجوه الاختلاف ص7 مكتبة أولاد الشيخ للتراث). ولأجل هذا قال الأزميري في بدائعه : "ولايأخذ الأستاذ – أي يوسف زادة- إلا بثلاثة أوجه كطريق الشاطبية : قصرهما وتوسطما وطولهما ."

والآن كعادتي سأشرع في الموضوع إن شاء الله تعالى معتمداً بداية على قول ابن الجزري رحمه الله تعالى ، قال رحمه الله "وأما صاحب العنوان وصاحب الكامل والأهوازي وأبو معشر وابن بليمة فلم يذكروا: (آلآن. ولا عاداً الأولى) بل ولا نصوا على الهمز المغير في هذا الباب ولا تعرضوا له بمثال ولا غيره. وإنما ذكروا الهمز المحقق ومثلوا به "انتهى كلامه.

فأمّا من تلخيص ابن بليمة فقد قال صاحبه : "وأمّا همزة {ءامن الرسول} و {ءامنهم من خوف } على قراءة نافع ، فإنّ بعض شيوخنا يشيرون بمدة يسيرة وبعضهم يمنعون. والقصر والله أعلم أصوب لعلّة الفرق بين الخبر والاستخبار " التلخيص ص26.
أقول : الذي يظهر من عبارة النشر وعبارة ابن بليمة عدم الإشارة إلى الهمز المغيّر بأنواعه ، وبالتالي يكون التمكين عنده خاصّ بالبدل المحققّ كما يظهر في الأمثلة المذكورة وهي : {ءامن الرسول} و {ءامنهم من خوف }. وقد اعترض الإمام المتوليّ على ظاهر النشر واعتبر المثال الأوّل وهو {ءامن الرسول} من باب المغيّر بالنقل في الوصل لأنّ الهمزة مسبوقة بتنوين أي {قديرٌ ءامن الرسول} فقال عليه رحمة الله : " لكنّ الاعتداد بالعارض لا يظهر من تلخيص ابن بلّمية لأنّه مثّل ب {ءامن الرسول} وهو مغيّر في الوصل محقّق في الابتداء ، ولم يخصهُ بحال فدلّ ذلك على أنّ المغيّر والمحقّق عنده سواء فالأولى عدم الأخذ به. (الروض ص235). أقول : في كلام المتولّي عليه رحمة الله نظر إذ لو قصد ابن بلّمية البدل المغيّر لأوصل البدل بما قبله في المثال أي {قديرٌ ءامن الرسول} ، والمقام ليس مقام وصل لأنّه رأس آية والوقف على {والله على كلّ شيء قدير} وقف تامّ فينبغي حمل كلام ابن بلّمية على المحقّق دون المغيّر وهو الذي فهمه صاحب النشر.
وقد علمنا فيما سبق أنّ مقدار تمكين البدل من تلخيص ابن بلّمية هو التوسّط وعليه فيجوز من طريقه توسط المحقّق مع قصر البدل المغيّر. والعلم عند الله تعالى.

وأمّا من طريق العنوان فقد قال أبو طاهر في كتابه العنوان : "وكان ورش يُشبع المدّ في حروف المدّ واللين الواقعة بعد الهمزة نحو {آمنا} و {آدم} {وآويناهما} و { السيئات} {وأوتينا العلم} {وإيتاء الزكاة} و {الموءودة} و {إسرائيل} وما أشبه ذلك" العنوان ص44. طبعة عالم الكتب مع ما فيها من الأخطاء.
أقول : الذي يظهر من عبارة النشر وعبارة أبي طاهر عدم الإشارة إلى الهمز المغيّر بأنواعه ، وبالتالي يكون التمكين عنده خاصّ بالبدل المحققّ كما يظهر في الأمثلة المذكورة وهي: {آمنا} و {آدم} {وآويناهما} و { السيئات} {وأوتينا العلم} {وإيتاء الزكاة} و {الموءودة} و {إسرائيل}. ولمّا كان مذهب أبي طاهر الطول في البدل جاز من طريقه طول البدل المحقّق مع قصر البدل المغيّر والعلم عند الله تعالى.

وأمّا من طريق الكامل فقد قال الهذلي :"أمّا أن تكون من أوّل الكلمة {ءادم} و {ءامن} ، {وءاثر} و {ءاتى} فروى ...." الكامل ص422. أقول : الذي يظهر كذلك منعبارة النشر وعبارة الهذلي عدم الإشارة إلى الهمز المغيّر بأنواعه ، وبالتالي يكون التمكين عنده خاصّ بالبدل المحققّ كما يظهر في الأمثلة المذكورة وهي: {ءادم} و {ءامن} ، {وءاثر} و {ءاتى}. ولمّا كان مذهبه الطول في البدل جاز من طريقه طول البدل المحقّق مع قصر البدل المغيّر والعلم عند الله تعالى.

وأمّا من طريق أبي معشر فليس لدينا مصدر نرجع إليه إلاّ ظاهر النشر ، وبالتالي فإننا نأخذ له بالطول في البدل المحقق مع القصر في البدل المغيّر أخذاً بظاهر النشر والعلم عند الله تعالى.

المصادر التي أجرت البدل المغيّر مجرى البدل المحقّق في التمكين :

وهذه المصادر هي : التيسير ، الشاطبية ، التجريد ، التبصرة ، الكافي ، الهداية ، المجتبى ، وقراءة الداني على بن خاقان وفارس ابن أحمد.
فأمّا من طريق التجريد : قال ابن الجزريّ : "وأما صاحب التجريد فإنه نص على المد في المغير بالنقل في آخر باب النقل فقال: وكان ورش إذا نقل حركة الهمز التي بعدها حرف مد إلى الساكن قبلها أبقى المد على حاله قبل النقل انتهى. وقياس ذلك المغير بغير النقل بل هو أحرى والله أعلم"
قال ابن الفحام : "القسم الرابع : إذا تقدّمت الهمزة حرف المدّ واللين وانفتح ما قبل الياء والواو نحو {ءادم} و {ءازر} و {شيء} و {شيئا} و {سوءة} فمذهب ورش اختيار مدّه منفرداً فاعرف ذلك."(التجريد ص137).
وقال في آخر باب النقل : "وكان ورش إذا نقل حركة الهمزة التي بعدها حرف مدّ على الساكن قبلها أبقى المدّ على حاله نحو {من آمن} و {فقل آذنتكم} فاعرف ذلك"(التجريد ص138).
أقول : ما نقله ابن الجزريّ عن ابن الفحام هو نفسه الذي وجدناه في التجريد ، وقد أشار ابن الجزريّ إلى أنّ ابن الفحام وإن مثّل في كتابه بالبدل المحقّق إلاّ أنّه أشار في باب النقل إلى إبقاء مدّه في المغيّر بالنقل ومن باب أولى في المغيّر بالتسهيل لأنّ في الأوّل تُحذف الهمزة ولا يبقى لها أثر خلافاً للثاني فإنّ أثر الهمزة يبقى بالتسهيل وبالتالي فإن أبقى المدّ في المحذوف يكون ذلك أولى في المسهّل أي الغير المحذوف. وعلى ما سبق فيكون مقدار المحقّق والمغيّر سواء من طريق التجريد.

وأمّا من طريق الداني : قال ابن الجزريّ : "وكذلك الداني في التيسير وفي سائر كتبه لم ينص إلا على المغير بنقل أو بدل فقال – أي في التيسير - سواء كانت محققة أي الهمزة أو ألقى حركتها على ساكن قبلها أو أبدلت. ثم مثل بالنوعين فلم ينص على المسهل بين بين ولا مثل به ولا تعرض البتة إليه فيحتمل أن يكون تركه ذكر هذا النوع لأنه لا يرى زيادة التمكين فيه. "
أقول : في كلام ابن الجزريّ نظر حيث نقل المنتوري في شرحه على الدرر كلام الداني في كتابه إيجاز البيان الذي فيه تصريح على المغيّر بالتسهيل ، قال المنتوري عند شرحه للبيت : (وبعدها ثبتت أو تغيّرت ....فاقصر وعن ورش توسّط ثبت) : "قال – أي الداني- في إيجاز البيان : لأنّ إلقاء حركتها وإبدالها وتسهيلها عارض والعارض لا يُعتدّ به إذ هو غير لازم. انتهى كلام الداني. ثمّ قال المنتوري وقال – أي الداني - في التمهيد وإرشاد المتمسّكين نحوه"(شرح الدرر 1/193.) أقول : فقوله : وتسهيلها إشارة إلى المغيّر بالتسهيل ، وعبارة ابن برّي مطلقة وشاملة لأنواع التغيير الثلاثة أي البدل والنقل والتسهيل. قال ابن القاضي في الفجر الساطع : "كلامه هنا في الهمز القبلي أي إذا وقعت حروف المدّ واللين بعد الهمزة سواء كانت محققة أو تغيّرت بنقل أو بدل أو تسهيل" (الفجر الساطع 2/166). وقال الرجراجي (ت899) في شرحه على الدرر اللوامع : قول ابن بري : ثبتت أو تغيّرت :"سواء كانت تلك الهمزة ثابتة أي محققة أو مغيّرة والتغيير هنا يكون بثلاثة أشياء : البدل والتسهيل والنقل." (مخطوط رقم 379 المكتبة الوطنية). وقال ابن المجراد في شرحه على الدرر : "سواء كانت الهمزات ثابتة محققة نحو {إنّ الذين آمنوا} ، {ءامنا} و {متكئون} ، و{مستهزءون} و {خاسئين} وشبه ذلك أو تغيّرت إمّا بنقل نحو {من آمن} ، و {الآخرة} وإمّا ببدل نحو {هؤلاء آلهة} ، و {من السمآء آية} و إمّا بالتسهيل نحو {جاء آل} وشبهه." (إيضاح الأسرار مخطوط رقم 2112 المكتبة الوطنية).
وقال المالقي في الدرّ النثير عند شرحه لكلام الداني في التيسير : (وإذا أتت الهمزة قبل حرف مد ...إلى آخره) :"أمّا المغيّر فثلاثة أقسام : أحدها التغيير بالتسهيل بين بين".
أقول : من خلال بعض شروحات المعتبرة للدرر اللوامع والتي التزم ناظمها طريق التيسير للداني وكذا شارح كتاب التيسير وهو المالقي في كتابه الدرّ التثير يظهر جليّاً دخول المغيّر بالتسهيل ضمن الهمز المغيّر لا سيما وأنّ كلام الداني في كتابه إيجاز البيان وإرشاد المتمسّكين والتمهيد الذي نقله المنتوري في شرحه على الدرر واضح كوضوح الشمس.
وقد أدخل شراح الشاطبيّة المغيّر بالتسهيل في مضمون قول الشاطبي : (وما بعد همز ثابت أو مغيّر) ، ولو اشتهر عن الداني ترك المغيّر بالتسهيل لأهمله الإمام الشاطبي أو لذكر فيه الخلاف ولا نحتاج إلى التذكير بأنّ التيسير هو أصل الشاطبية فيكون الإمام الشاطبيّ وشرّاح قصيدته الأوائل أدرى بهذه المسألة من متأخّريهم.
أمّا من جهة القياس فإنّ ثبوت المغيّر بالنقل يستلزم ثبوت المغيّر بالتسهيل لأنّ أثر الهمزة في المنقول يزول بالكليّة خلافاً للمغيّر بالتسهيل فإنّ أثر الهمز يبقى فيكون ثبوته أولى وأحرى من المحذوف بالنقل. وقد أثبت ابن الجزريّ وجه التمكين في المغيّر بالتسهيل قياساً من طريق التجريد كما سبق لكون ابن الفحام أثبته في المنقول فيكون في المسهّل أحرى وأولى. قال ابن الجزري : "وقياس ذلك المغير بغير النقل ، بل هو أحرى والله أعلم". أقول : فلماذا لم يُثبتهُ بالقياس للداني كما أثبته لابن الفحّام ؟؟؟؟؟
وعلى ما سبق ينبغي إجراء المغيّر بالتسهيل مجرى المغيّر بالنقل والبدل مع التسوية بينها وبين البدل المحقّق من طرق الداني.

وأمّا من طريق التبصرة فقد يقول القائل : إنّ مكي القيسي لم يمثّل في كتاب التبصرة إلاّ بالبدل المحقّق حيث قال : "أن يقع حرف مدّ ولين ليس بعده ساكن وقبله همزة مبتدأة ، أو متوسّطة قبلها متحرّك نحو {آدم} و {إيمان} و {أوتوا} و {يستهزءون} و {ليواطئوا} وشبهه ، فقرأ ورش بتمكين المدّ فيما روى المصريّون عنه" (التبصرة ص66). الجواب : هذا صحيح ولكنّه استثنى {عاداً الاولى} واستثنائه هذا يدلّ على أنّه كان يمكّن البدل المغيّر بالنقل إذ لو قصره لما احتاج إلى الاستثناء ، بينما نجد صاحب التلخيص والكامل والعنوان أو معشر الطبري لم يُمثّلوا بشيء من المغيّر ولا استثنوا شيئاً من الباب كلّه وهذا الذي يظهر من أقوالهم ويظهر في النشر ، قال ابن الجزريّ : "من حيث إنهم لم يذكروه ولم يمثلوا بشيء منه ولا استثنوا منه شيئاً حتى ولا مما أجمع على استثنائه"
ومن هنا نُدرك أنّ الذين لم يذكروا البدل المغيّر ولم يُمثّلوا به على قسمين :
- قسم استثنوا {عادا الاولى } و {آلان} أو واحدة منهما فهؤلاء لم يعتدّوا بالعارض وأجرو المغيّر مجرى المحقق لأنّهم لو اعتدّوا بالعارض لكانوا في غنىً عن استثناء {عادا الاولى } و{آلان} أو واحدة منهما كمكّي القيسي.
- قسم لم يستثنوا شيئاً من ذلك وهؤلاء هم الذين اعتدّوا بالعارض وفرّقوا بين المحقّق والمغيّر وهم المذكورون في أوّل البحث أي : صاحب العنوان والكامل وأبو معشر وابن بليمة.

وأمّا من طريق الهداية فقد قال المهدوي : "وعلّته في المدّ مع زوال الهمزة بالتسهيل في نحو {السماء آية} وما أشبه ذلك أنّ التسهيل عارض" (شرح الهداية ص38). وقد استثنى {عادا الاولى} و {آلان}.(انظر شرح الهداية ص39). أقول : قد استعمل لفظ التسهيل ومثّل بالمبدل وهو {السماء آية} واستثنى {عادا الاولى} و {آلان} مما يدلّ على تمكينه للمغيّر بالنقل وإلاّ فلا فائدة من الاستثناء. فاشاهد أنّه استعمل لفظ التسهيل ومثّل بالإبدال واستثنى كلمتين من المغيّر بالنقل. ولا شكّ أنّ تمكينه للبدل المغيّر بالنقل يوجب التمكين في المغيّر بالتسهيل من باب أولى كما سبق بيانه حيث لم يرد عن أهل الأداء التفريق بين الأنواع الثلاثة في التمكين لا من جهة النصّ باستثناء واحدة منهما ولا من جهة الأداء. وبالتالي ينبغي إجراء المغيّر بالتسهيل مجرى المغيّر بالنقل والبدل مع التسوية بينها وبين البدل المحقّق من طريق المهدوي.

وأمّا من طريق الكافي فقد قال بن شريح :"وكذلك يبقي المدّ إن ألقى حركة الهمزة على الساكن قبلها أو سهّلها نحو {الاخرة} {الاولى} و {من السماء آية} و{هؤلاء آلهة}"(الكافي ص40).
أقول : فاستعمل لفظ التسهيل في المغيّر بالنقل والبدل ولم يُمثّل بالمغيّر بالتسهيل وهذا الذي حمل ابن الجزريّ على استشكال القضيّة فقال : وكذلك من علمناه من صاحب الهداية والكافي والتبصرة وغيرهم لم يمثلوا بشيء من هذا النوع إلا أن إطلاقهم التسهيل قد يرجح إدخال نوع بين بين وإن لم يمثلوا به.
والذي قيل في مذهب صاحب الهداية يقال أيضاً في مذهب صاحب الكافي.

أمّا من طريق المجتبى فالظاهر التسوية بين البدل المغيّر والمحقّق الذي هو الأصل إذ الاعتداد بالأصل هو المعتبر ، والذين فرّقوا بينهما اعتدّوا بالعارض ، وهم الذين ذكر أسمائهم ابن الجزريّ بداية لمخالفتهم للأصل ولم يكن صاحب المجتبى واحد منهم ، دلّ ذلك أنّه من المسوّين بين البدل المحقّق والمغيّر.

تنبيهات وفوائد :
الأوّل : عدم ذكر بعض الأئمّة للمغيّر بالتسهيل واقتصارهم في التمثيل على المغيّر بالنقل والإبدال لا يعني إقصاءه واستثناءه من البدل المغيّر حيث اتضح فيما مضى أعلاه أنّ ابن الفحام والداني لم يمثّلا بالبدل المغيّر بالتسهيل ولم يشيروا إليه ومع ذلك فلم يُفرّق أهل الأداء في الرواية من طريقيهما وطرق غيرهما بين المغيّر بالتسهيل والإبدال والنقل لا من جهة الأداء ولا من جهة النصّ بأن يستثوا المغيّر بالتسهيل من البدل المغيّر اللهمّ إلاّ ابن الجزريّ الذي استشكل الأمر.

الثاني : وقد يُطلق لفظ التسهيل ويراد به الأنواع الثلاثة كما هو حال صاحب الهداية والكافي. فأمّا من الهداية فقد قال المهدوي : "وعلّته في المدّ مع زوال الهمزة بالتسهيل في نحو {السماء آية} وما أشبه ذلك أنّ التسهيل عارض" (شرح الهداية ص38). وقد استثنى {عادا الاولى} و {آلان}.(انظر شرح الهداية ص39). أقول : قد استعمل لفظ التسهيل ومثّل بالمبدل وهو {السماء آية} واستثنى {عادا الاولى} و {آلان} مما يدلّ على تمكينه للمغيّر بالنقل وإلاّ فلا فائدة من الاستثناء. فاشاهد أنّه استعمل لفظ التسهيل ومثّل بالإبدال واستثنى كلمتين من المغيّر بالنقل..وأمّا من الكافي فقد قال بن شريح :"وكذلك يبقي المدّ إن ألقى حركة الهمزة على الساكن قبلها أو سهّلها نحو {الاخرة} {الاولى} و {من السماء آية} و{هؤلاء آلهة}"(الكافي ص40).
أقول : فاستعملا لفظ التسهيل في المغيّر بالنقل والبدل ولم يُمثّلا بالمغيّر بالتسهيل وهذا الذي حمل ابن الجزريّ على استشكال القضيّة فقال : وكذلك من علمناه من صاحب الهداية والكافي والتبصرة وغيرهم لم يمثلوا بشيء من هذا النوع إلا أن إطلاقهم التسهيل قد يرجح إدخال نوع بين بين وإن لم يمثلوا به.
أقول : ويؤكّد ذلك أنّ الأئمّة ما فرّقوا بين الأنواع الثلاثة نصاً بأن يستثنوا واحدة منها ولا أداءً إذ جرى العمل على التسوية بينها لمن سوّى بين البدل المحقّق والبدل المغيّر.

الثالث : إنّ تمثيلهم بالبدل المغيّر بالنقل يكفي في إثبات تمكين البدل المغيّر بالإبدال والتسهيل لسببين : الأوّل وهو الذي ذكرناه آنفاً أي عدم ثبوت التفرقة بين الأنوع الثلاثة لا من جهة النصّ باستثناء واحدة منها أو من جهة الأداء. الثاني : تمكين المغيّر بالنقل مع حذف الهمزة يوجب تمكين المغيّر بالبدل والتسهيل بالضرورة لأنّ في المنقول حذفت الهمزة وبقي التمكين وفي المغيّر بالبدل غيّرت الهمزة بحرف عارض فتمكينه أولى من المحذوف بالنقل ، وفي البدل المغيّر بالتسهيل بقيت الهمزة وزالت نبرتها فيكون تمكينها أولى وأحرى. لذلك قال ابن الجزريّ : وأما صاحب التجريد فإنه نص على المد في المغير بالنقل في آخر باب النقل فقال: وكان ورش إذا نقل حركة الهمز التي بعدها حرف مد إلى الساكن قبلها أبقى المد على حاله قبل النقل انتهى. وقياس ذلك المغير بغير النقل بل هو أحرى والله أعلم"


مذهب الأزميري في ذلك :
ذهب العلامة الأزميري في بدائع البرهان عند تحريره لقول الله تعالى {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين } إلى :
- أنّ التوسط في المحقّق مع القصر في المغيّر هو من طريق تلخيص ابن بليمة وهذا صحيح باعتبار ما ذكره ابن الجزريّ في نشره وظاهر عبارة ابن بليمة الذي ما اشار إلى المغيّر في تلخيصه ولم يستثن شيئاً ممّا استثناه غيره.
- أنّ الطول في المحقق مع القصر في المغيّر من العنوان والمجتبى والكامل ، ويحتمل من الهداية والكافي والتبصرة. وهذا فيه نظر حيث سبق ذكر مذهب صاحب الكامل والعنوان بأنّهما ما مثّلا بالبدل المغيّر ولا أشارا إليه ولا استثنيا من الباب شيء ، وأمّا من الهداية فقد قال المهدوي : "وعلّته في المدّ مع زوال الهمزة بالتسهيل في نحو {السماء آية} وما أشبه ذلك أنّ التسهيل عارض" (شرح الهداية ص38). وقد استثنى {عادا الاولى} و {آلان} من التمكين وهذا يدلّ أنّ المغيّر بالنقل ممدود عنده وإلاّ فلا فائدة من الاستثناء.(انظر شرح الهداية ص39). وأمّا من الكافي فقد قال بن شريح :"وكذلك يبقي المدّ إن ألقى حركة الهمزة على الساكن قبلها أو سهّلها نحو {الاخرة} {الاولى} و {من السماء آية} و{هؤلاء آلهة}"(الكافي ص40). وأمّا من التبصرة وإن لم يمثّل بالمغيّر إلاّ أنّه استثنى {عادا الاولى} وهذا يدلّ على تمكين المغيّر. وأمّا من المجتبى فظاهر النشر التسوية بين البدل المحقّق والبدلّ المغيّر على الأصل كما سبق التنبيه عليه.
وقد تعقّب المتولّي في روضه على الأزميري فقال : وذكر الأزميري الاعتداد بالعارض من الكافي والهداية والتبصرة وهو سهوٌ ومنشأُ سهوه قول صاحب النشر : وكذلك من علمناه من صاحب الهداية والكافي والتبصرة وغيرهم لم يُمثلوا بشيء من هذا النوع إلاّ أنّ إطلاقهم التسهيل قد يُرجّح إدخال نوع بين بين. قال المتولي : وفيه نظر لأنّه قال في آخر باب المدّ والقصر : وكذلك استثنى جماعة ممن لا يعتدّ بالعارض لورش من طريق الأزرق {آلان} في موضعي يونس ...إلى أن قال : واستثنى الجمهور منهم {عاد الاولى}و هؤلاء ممن استثنوهما ولا شكّ أنّ من يعتدّ بالعارض هو في غنىً عن استثنائها.
أقول : قد نقل ابن الجزري في نشره من استثنوا آعادا الاولى : فقال : ونص على استثنائها مكي وابن سفيان والمهدوي وابن شريح. وذكر من استثنوا {آلان} فقال : فنص على استثنائها ابن سفيان والمهدوي وابن شريح ولم يستثنها مكي في كتبه.

وعليه فإنّ في الآية : { ومن الناس من يقول آمنّا بالله وباليوم الآخر ...} خمسة أوجه

- قصر البدلين من الشاطبية والتذكرة والإرشاد وقراءة الداني على أبي الحسن.
- توسط البدلين من التيسير والشاطبية وقراءة الداني على ابن خاقان وفارس ابن أحمد
- نوسط {آمنّا} مع القصر في {الآخر} من تلخيص ابن بلّيمة
- طول البدلين من التبصرة والكافي والهداية والمجتبى والتجريد والشاطبية
- طول {آمنّا} مع القصر في {الآخر} من الكامل والعنوان وطريق أبي معشر .

والأوْلى التسوية بين المحقّق والمغيّر من طريق النشر لثبوته بالأداء عن ابن الجزريّ.

والعلم عند الله تعالى.
 
وعليه فإنّ في الآية : { ومن الناس من يقول آمنّا بالله وباليوم الآخر ...} خمسة أوجه
- قصر البدلين من الشاطبية والتذكرة والإرشاد وقراءة الداني على أبي الحسن.
- توسط البدلين من التيسير والشاطبية وقراءة الداني على ابن خاقان وفارس ابن أحمد
- نوسط {آمنّا} مع القصر في {الآخر} من تلخيص ابن بلّيمة
- طول البدلين من التبصرة والكافي والهداية والمجتبى والتجريد والشاطبية
- طول {آمنّا} مع القصر في {الآخر} من الكامل والعنوان وطريق أبي معشر .
والأوْلى التسوية بين المحقّق والمغيّر من طريق النشر لثبوته بالأداء عن ابن الجزريّ.
جزى الله الشيخ/ محمد يحيى شريف على هذه الجولة الجديدة.
نقول تعليقا على بحثكم الممتع:
1- التسوية بين الأبدال هو الثابت نصا، كما في نقولكم الأمينة، والتفريق كله احتمال محض. إن كان ابن الجزري رحمه الله جنح إلى التسوية إلا أنه لم يمنع العمل بالاحتمال في هذا الباب، وذهب المتولي رحمه الله في قوله: (ومد كئامنا وتوسيطه فزد@ للازرق قصرا في المغير مع كلا) إلى الأخذ بالنص والاحتمال متساويي الطرفين. أما الزيات رحمه الله فلم ير "إلا التسوية"، ولذلك لم يتعرض لمسألة البدل المحقق مع البدل المغير في "التنقيح". وهذا هو الصواب، على الرغم من أني قرأت في بعض المواضع بالتفريق على سيدي ومولاي/ أبي حسان محمد تميم مصطفى عاصم الزعبي الحسني متعه الله بالصحة والعافية وألزمه كلمة التقوى وبارك له في ذريته.
2 - لم تتعرضوا في هذه الجولة ولا في التي قبلها للوجه الثاني لابن بليمة في البدل، ألا وهو القصر، مع أن الأبيات التي أوردناها من "العزو" تقول : (ولابن بليمة وجه ثان@ قصر كطاهر وعنه الداني)، ومن طريقه جاز التقليل مع قصر البدل، كما في "التنقيح". وعلى قصره يكون له قصر البدلين مثل الشاطبية والتذكرة والإرشاد وقراءة الداني على أبي الحسن. أم قد وقفتم على خلاف هذا ؟
3- نقْلُكم عن المتولي اعتراضَه على إمامه الإزميري يفيد أنكم وقفتم، مجددا، على نثر المتولي حول الموضوع في "الروض" لكنكم ما تعرضتم لمصادره الزائدة على المذكور هنا، مثل استظهار طاهر بن عرب توسط البدلين من إرشاد أبي الطيب، واستظهار بدائع الإزميري مدَّهُما من "جامع البيان"..... وبالتعرض لهذه المصادر الزائدة على المذكور هنا تكونون - كعادتكم- قد كفيتمونا البحث والتفتيش.
ولكم مني عاطر الشكر في فائق الاحترام !
 
- التسوية بين الأبدال هو الثابت نصا، كما في نقولكم الأمينة، والتفريق كله احتمال محض. إن كان ابن الجزري رحمه الله جنح إلى التسوية إلا أنه لم يمنع العمل بالاحتمال في هذا الباب، وذهب المتولي رحمه الله في قوله: (ومد كئامنا وتوسيطه فزد@ للازرق قصرا في المغير مع كلا) إلى الأخذ بالنص والاحتمال متساويي الطرفين. أما الزيات رحمه الله فلم ير "إلا التسوية"، ولذلك لم يتعرض لمسألة البدل المحقق مع البدل المغير في "التنقيح". وهذا هو الصواب، على الرغم من أني قرأت في بعض المواضع بالتفريق على سيدي ومولاي/ أبي حسان محمد تميم مصطفى عاصم الزعبي الحسني متعه الله بالصحة والعافية وألزمه كلمة التقوى وبارك له في ذريته.
الجواب : كلامكم صحيح وهذا الذي أعتقده الصواب و كنت أظنّ أنّ أهل الأداء متّفقون على الأخذ بالتفرقة بين المغيّر والمسهّل ، ولقد قرأت القرءان كلّه للأزرق من النشر بالتفرقة بين الجنسين ولكن كما أشرتم حفظكم الله أنّ المسألة بُنيت على الاحتمال بالاستنباط من النصوص وليس على الرواية والأداء ، ويُحتمل أنّ يكون ابن الجزريّ قد أقرأ بها لقوله : لا أمنع إجراء الخلاف في الأنواع الثلاثة عملاً بظواهر عبارات من لم يذكرها، وهو القياس والله أعلم. انتهى كلامه. ولكن ظاهر كلامه أنّه لم يقرأ هو بها بل قرأ بالتسوية وهو الذي ينبغي الاقتصار عليه. ولكنّي مع هذا ذكرت هذه الأوجه ظنّاً منّي أنّ أهل الأداء اليوم متّفقون على ذلك من جهة ولقول ابن الجزريّ "والاحتمالان معمول بهما عندهم". ولكن ما دام الأمر محتمل فالأولى تركه والعلم عند الله تعالى.

- لم تتعرضوا في هذه الجولة ولا في التي قبلها للوجه الثاني لابن بليمة في البدل، ألا وهو القصر، مع أن الأبيات التي أوردناها من "العزو" تقول : (ولابن بليمة وجه ثان@ قصر كطاهر وعنه الداني)، ومن طريقه جاز التقليل مع قصر البدل، كما في "التنقيح". وعلى قصره يكون له قصر البدلين مثل الشاطبية والتذكرة والإرشاد وقراءة الداني على أبي الحسن. أم قد وقفتم على خلاف هذا ؟
لقد أجبت على هذا الإشكال في البحث نفسه وها أنا أنقله إليكم :
وأمّا من تلخيص ابن بليمة فقد قال صاحبه : "وأمّا همزة {ءامن الرسول} و {ءامنهم من خوف } على قراءة نافع ، فإنّ بعض شيوخنا يشيرون بمدة يسيرة وبعضهم يمنعون. والقصر والله أعلم أصوب لعلّة الفرق بين الخبر والاستخبار " التلخيص ص26. أقول : أريد أن أشير إلى شيء أثار انتباهي وهو أنّ ابن الجزريّ قال : "وذكره – أي قصر البدل- أيضاً ابن بليمة في تلخيصه " بينما قال عند ذكره لرواة تمكين البدل : "فروى المدّ في جميع الباب أبو عبد الله بن سفيان ............وأبو الحسن بن بليمة صاحب التلخيص." وقال عند ذكره لأصحاب التوسط : ذهب الداني والأهوازي وابن بليمة وأبو علي الهراس فيما رواه ابن عدي إلى التوسط". أقول : ففي مرتبة القصر قال : "ذكره ابن بليمة" ، وفي مرتبة التوسط قال "فروى ، وذهب". إشارة منه إلى أنّ قصر البدل من تلخيص ابن بليمة قد يكون للحكاية لا للرواية لقوله : "ذكرهُ" في الأولى وقوله في الثانية : "فروى وذهب". ومما يؤكّد ذلك قول ابن الجزري في تقريب النشر : "وبالتوسط قرأنا من طريق التيسير والتلخيص لابن بليمة والوجيز وبالقصر قرأنا من طريق التذكرة والشاطبية والإعلان." فظهر ثبوت وجه التوسط من تلخيص ابن بليمة بالرواية والأداء دون القصر. أزيدكم دليلاً وهو قول ابن الجزري: في مسائله التبريزية :
كآتى لورش افتح بمدّ وقصره ....وقلّل مع التوسيط والمدّ مكملا
لحرز وفي التلخيص فافتح ووسّطن وقصر مع التقليل لم يكن للملا.
أقول : قد أمر الناظم أن نقرأ بالفتح مع التوسط من تلخيص ابن بليمة ، والأمر يفيد الحصر والتقييد هنا.


- نقْلُكم عن المتولي اعتراضَه على إمامه الإزميري يفيد أنكم وقفتم، مجددا، على نثر المتولي حول الموضوع في "الروض" لكنكم ما تعرضتم لمصادره الزائدة على المذكور هنا، مثل استظهار طاهر بن عرب توسط البدلين من إرشاد أبي الطيب، واستظهار بدائع الإزميري مدَّهُما من "جامع البيان"..... وبالتعرض لهذه المصادر الزائدة على المذكور هنا تكونون - كعادتكم- قد كفيتمونا البحث والتفتيش.
الجواب : ليس الهدف من هذا البحث ذكر كلّ ما ورد في الباب لأّني لو ذكرت مذهب الشيخ سلطان مزاحي ومذهب الشيخ اليمني والقسطلاني وووووووووولما خرجنا من الموضوع. وإنّما كان همّي أن أبيّن بالأدلّة أنّ مذهب صاحب الإرشاد هو القصر أمّا أن أذكر مذهب طاهر بن عرب من غير أن أدرك دليله ومصدره في ذلك فإنّ ذلك لن يُفضي إلى فائدة علميّة فيما يظهر لي بخلاف ما إذا كان قوله مبنياً عن أدلّة فيكون محلاً للذكر والنقاش.
أمّا عدم استظهاري لمذهب الأزميري والقسطلاني في مدّ البدل لأنّ منهجيّتي كانت واضحة بداية لاقتصاري على التوسط من طريق الداني لأنّه هو الثابت في النشر والنصّ يحتمله. فقلتُ في البحث : فأمّا ثبوته عن الداني فهو ظاهر النشر حيث اقتصر ابن الجزري على التوسط من طريقه وعبارته صريحة غير محتملة وهو الذي ينبغي الاقتصار عليه عن الداني من طريق ابن الجزري ولا يُلتفت إلى الخلاف الذي يحتمله نصّ الداني في غير التيسير وإلى الخلاف الوارد في ذلك ما دمنا نقرأ من طريق ابن الجزريّ.

والمشكلة في التحريرات أنّها تشعّبت ، فصارت هناك تحريرات على مذهب الشيخ سلطان و مذهب الشيخ اليمني ، ومذهب القسطلاني لأنّ كلّ واحد اجتهد وأعمل ذهنه في استنباط الأوجه من النصوص وكلّ معرّض للخطأ والوهم بينما لو اقتصرنا على ما ثبت بالأداء عن ابن الجزري فيما يوافق النصّ أو يحتمله وتقيّدنا باختياراته فيما يوافق الرواية لتقلّص الخلاف كثيراً.

والعلم عند الله تعالى.
 
سيدي الشيخ محمد يحيى شريف، أسعد الله أوقاتكم ونفعكم بالعلم وبكم الخلق.
لم يكن لي على ما منّ الله به عليكم في المداخلة الأخيرة إلا مأخذ واحد، وما عداه فأمنية تمثلت في رغبتنا أن تحصروا - كعادتكم- المصادر، وتميزوا المسندة منها من السائبة، ثم تفرزوا الطرق.
على الرغم من انكم تعرضتم للمسندة فقط لكنكم ميزتم بين الأداء المنصوص عليه من الاحتمال المستنبط، ولكم مني ومن كل من استفاد من بحثكم الشكر العطر.
إلا أنكم في الوجه الخمسة التي ذكرتموها، وأنتم مصيبون مأجورون، تنقصها الإحاطة - وقد أعدت قراءة مقدمة البحث وأمعنت النظر في المنهج فزدت على المأخذ اليتيم توأما كثير الصياح.
1- ذكرتم قصر البدلين لـ: لشاطبية، التذكرة، الإرشاد، قراءة الداني على ابن غلبون.
أ- لما تساءلنا عن تلخيص ابن بليمة رددتم بان عبارة المحقق تدفع إلى الاحتمال بأن تكون عبارة القصر من التلخيص للحكاية لا للرواية. وإن كنت لا أحبذ النقول إلا أني سأعيد هنا نقلكم عن تلخيص العبارات حتى يتبين لنا أن القصر فيه من الحق مصدقا لما قدمتم. قال :"....فإن بعض شيوخنا يشيرون بمدة يسيرة وبعضهم يمنعون" معنى هذا الكلام أن شيوخه الذين قرأ عليهم فريقان: فريق يوسط وفريق يمنع الزيادة على الصيغة، بمعنى أنه قرأ على بعض بالتوسط وعلى بعض بالقصر. وهذه، كما ترون، قراءة، وليست حكاية. ثم اختارالقصر بقوله: "والقصر - والله أعلم - أصوب، لعلة الفرق بين الخبر والاستخبار".
ب -قراءة الداني على ابن غلبون ليست من باب التسوية، فابن غلبون لا يرى الزيادة أصلا. لكن أحسنتم فعلا بذكره فيمن يقصرون البدلين دفعا للشبهة.
2 - ذكرتم توسط البدلين لـ: الشاطبية، التيسير، قراءة الداني على أبي الفتح وقراءته على ابن خاقان.
أ - لم تذكروا تلخيص العبارات مع تقويتكم للتسط منه.
ب - ذكرتم الاحتمالات الكثيرة وأهملتم توسطهما من الإرشاد، حسب طاهر ابن عرب، خليفة ابن الجزري على مدرسته. وعللتم إهماله بأنكم، حسب المنهج، قررتم عدم التعرض إلا للمسندة.......... غير المسند هو احتمال طاهر بن عرب أما الإرشاد الذي هو محل الاحتمال فمسند، مثل احتماله كمثل احتمال ابن الجزري نفسه من العنوان والكامل...... إذ لا شك في أنها مسندة كما شك ولا ريب في أن احتمال ابن الجزري غير مسند.
3- وقريب من الفقرة الثانية يقال في مدهما، إذ ذكرتموه، جزاكم الله خيرا، من الشاطبية، المجتبى، الكافي، الهداية، التجريد، التبصرة.
أ- لم تذكروا: الكامل، العنوان وطريق أبي معشر من غير التلخيص إلا في طول المحقق وقصر المغير، وقد ذكرها الولي الصالح في الروض عند هذه النقطة.
ب - والظاهر من جامع البيان، حسب البدائع، مدهما. وإن كان إنكار الداني على المد المشبع في البدل معروفا مشهورا.
4 - وذكرتم مد المحقق مع قصر المغير من: العنوان، الكامل، طريق أبي معشر. وقد أضاف المتولي المجتبى. وإذا كانت كلها احتمالات من مسندة، فكان ينبغي ذكر المجتبى.
نرجو تعقيبكم، وجزاكم الله خيرا
 
1- ذكرتم قصر البدلين لـ: لشاطبية، التذكرة، الإرشاد، قراءة الداني على ابن غلبون.
أ- لما تساءلنا عن تلخيص ابن بليمة رددتم بان عبارة المحقق تدفع إلى الاحتمال بأن تكون عبارة القصر من التلخيص للحكاية لا للرواية. وإن كنت لا أحبذ النقول إلا أني سأعيد هنا نقلكم عن تلخيص العبارات حتى يتبين لنا أن القصر فيه من الحق مصدقا لما قدمتم. قال :"....فإن بعض شيوخنا يشيرون بمدة يسيرة وبعضهم يمنعون" معنى هذا الكلام أن شيوخه الذين قرأ عليهم فريقان: فريق يوسط وفريق يمنع الزيادة على الصيغة، بمعنى أنه قرأ على بعض بالتوسط وعلى بعض بالقصر. وهذه، كما ترون، قراءة، وليست حكاية. ثم اختارالقصر بقوله: "والقصر - والله أعلم - أصوب، لعلة الفرق بين الخبر والاستخبار".
ب -قراءة الداني على ابن غلبون ليست من باب التسوية، فابن غلبون لا يرى الزيادة أصلا. لكن أحسنتم فعلا بذكره فيمن يقصرون البدلين دفعا للشبهة.
الجواب : نعم إنّ نصّ ابن بليمة صريح في إقراره بالوجهين ولكن كون بعض مشايخه أشاروا إلى وجه لا يعني بالضرورة أنّه أخذه أداءً عنهم وأنت أدرى منّي بمصطرح الاختيار وما يراد به ، لذا فإنّي أعتبر كلام ابن الجزريّ مفسّراً لعبارة ابن بليمة ، وقد لا أكون مصيباً فيما أقول وسأسلّم لك أنّ ابن بليمة قرأ بالوجهين عن شيوخه ولكن هل قرأ ابن الجزريّ بالوجهين من طريق ابن بلّيمة ؟ إنّ عبارته في تقريب النشر تدلّ دلالة صريحة على أنّه قرأ بالتوسط دون القصر ، وعليه ينبغي الاقتصار عليه لثبوته عن ابن الجزريّ بالنصّ والأداء. والعلم عند الله تعالى.

- ذكرتم توسط البدلين لـ: الشاطبية، التيسير، قراءة الداني على أبي الفتح وقراءته على ابن خاقان.
أ - لم تذكروا تلخيص العبارات مع تقويتكم للتسط منه.
نعم كلامكم صحيح لأنّني اقتصرت على مذهب من فرّق بين الجنسين مهملاً مذهب التسوية ، وكان ينبغي عليّ أن أدرج المذهبين معاً لثبوتهما في النشر وعليه فإنّي أصوّب ما حررته بما يلي :
- قصر البدلين من الشاطبية والتذكرة والإرشاد وقراءة الداني على أبي الحسن.
- توسط البدلين من التيسير والشاطبية وقراءة الداني على ابن خاقان وفارس ابن أحمد وتلخيص العبارات
- نوسط {آمنّا} مع القصر في {الآخر} من تلخيص ابن بلّيمة
- طول البدلين من التبصرة والكافي والهداية والمجتبى والتجريد والشاطبية والكامل والعنوان وطريق أبي معشر.
- طول {آمنّا} مع القصر في {الآخر} من الكامل والعنوان وطريق أبي معشر .
 
تابع لما قبله

ب - ذكرتم الاحتمالات الكثيرة وأهملتم توسطهما من الإرشاد، حسب طاهر ابن عرب، خليفة ابن الجزري على مدرسته. وعللتم إهماله بأنكم، حسب المنهج، قررتم عدم التعرض إلا للمسندة.......... غير المسند هو احتمال طاهر بن عرب أما الإرشاد الذي هو محل الاحتمال فمسند، مثل احتماله كمثل احتمال ابن الجزري نفسه من العنوان والكامل...... إذ لا شك في أنها مسندة كما شك ولا ريب في أن احتمال ابن الجزري غير مسند.
الجواب : ليس في الإرشاد ولا في النشر ما يدلّ على التوسط من طريق عبد المنعم ، فإن كان لكم أدلّة على ذلك فتفضّل ، وقد اطلعت على المخطوط فلم أجد الإشارة إليه وقد أخبرني من أثق فيه أنّ في المطبوع لا يوجد الإشارة إلى تمكين البدل ، وبالمناسبة أطلب من مشايخنا أن ينقلوا لنا عبارة صاحب الإرشاد. لذا فالمسألة عندي قطعيّة لا احتمال فيها.

ب - والظاهر من جامع البيان، حسب البدائع، مدهما. وإن كان إنكار الداني على المد المشبع في البدل معروفا مشهورا.
الجواب : نعم هذا صحيح ولكن هل قرأ ابن الجزريّ بالطول من طريق الداني. فإلم يقرأ بالطول فلماذا لا نقتصر على التوسط لا سيما وأنّ النصّ يحتمله بدليل ورود خلاف كبير في ذلك.

- وذكرتم مد المحقق مع قصر المغير من: العنوان، الكامل، طريق أبي معشر. وقد أضاف المتولي المجتبى. وإذا كانت كلها احتمالات من مسندة، فكان ينبغي ذكر المجتبى.

على أيّ اساس أضاف المتولّي كتاب المجتبى. حيث تعلم جيّداً أنّ إضافة مصدر إلى أحد الأوجه منوط بثبوته في النشر أو في مصادره المسندة ، ولم أجد في النشر ما يدلّ على ذلك ، وليس بحوزتي المصدر لأرجع إليه. ولمّا كان الأصل هو التسوية بين الجنسين لقوّة الاعتداد بالأصل من جهة ، وعدم ذكر ابن الجزري كتاب المجتبى ضمن قائمة الكتب التي فرّقت بين الجنسين ، اعتبرته ضمن مذهب الجهمور الذين سوّوا بين الجنسين وهذا هو الأصل والخروج منه يحتاج إلى دليل.

فبارك الله فيكم فقد أمتعتنا بهذه الانتقادات وأرجو المواصلة.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
شكر الله الأستاذ الفاضل محمد يحي شريف على هذا البحث القيم ، والعرض الطيب ، في تحقيق عزو الطرق و تحرير وجوه البدل لورش من طريق الأزرق من النشر الكبير ، جعل الله عملك هذا في ميزان حسناتك . وبعد :
أحببت من هذه المشاركة توضيح و تصحيح بعض العبارات و قعت في " النشر الكبير / فصل في وقوع حرف المد بعد الهمز / المجلد الثاني ص / 338 ، طبعة دار الكتب العلمية ، تحقيق محمد علي الضباع " رأيت التنبيه عليها تطريزاً للبحث المقدم ،
ثم الوقوف بعد ذلك و مناقشة بعض آراء و اختيارات صاحب الموضوع ، فأقول مستعيناً بالله :
1 ـ قال الإمام ابن الجزري وهو يتحدث عن اختلاف أصحاب الطرق في مقدار مد البدل لورش من طريق الأزرق :
" فإن ورشاً من طريق الأزرق مد ذلك كله على اختلاف بين أهل الأداء في ذلك ، فروى المد في جميع الباب . . . . . . . . . . . . وأبو علي الأهوازي . . . " اهـ .
* ذكر الإمام ابن الجزري في هذه الفقرة أصحاب مد البدل لورش من طريق الأزرق ، وعدَّ أبا علي الأهوازي منهم ، والذي يتبادر إلى الذهن أنَّ رواية مد البدل لورش من طريق الأزرق من كتابه " الوجيز " وهو كذلك ، صرَّح به ابن الجزري في كتابه " تقريب النشر " حيث قال : " فإن لورش من طريق الأزرق في ذلك المد و التوسط والقصر . . . . . . . وبالتوسط قرأنا من طريق . . . . . . و الوجيز " اهـ .
و بالرجوع إلى كتاب " الوجيز " للأهوازي ، نجد أنَّه يسند رواية ورش من طريق يونس بن عبد الأعلى أحد الرواة الآخذين عن الإمام ورش المصري ، وليس من طريق أبي يعقوب الأزرق .
لذلك يقول الإمام المحقق الإزميري : " و في الوجيز قراءة نافع ولكن ليست من طريق الطيبة " ( إتحاف البررة / الإزميري ).
ـ فالإشكال القائم : هل حكاية ابن الجزري المد في البدل لورش من طريق الأزرق من طريق الأهوازي من كتاب آخر غير
" الوجيز " ؟
الجواب : بعد البحث والتنقيب في مصنفات الإمام أبي علي الأهوازي ـ المطبوعة ـ وجدت في كتاب " الموجز في أداء القراء السبعة " يسند فيه الإمام الأهوازي رواية ورش من طريق الأزرق ، إلاَّ أنَّه لم يتعرض لمذاهب القراء في الممدود و المقصور و أحال في تفصيل مذاهبهم إلى كتابه " الإيضاح في القراءات " وهو مفقود . فعلى هذا الأساس :
ـ يحتمل إطلاق ابن الجزري في هذا " الفصل " ( طريق الأهوازي ) دون تقييده بـ " الوجيز " ، إمَّا مراده ذلك من كتاب " الموجز " لأنَّه أسند منه رواية ورش من طريق الأزرق ، أو أنَّه من الطرق الأدائية الغير مقيدة بكتاب ؟ والله تعالى أعلم .
2 ـ قال ابن الجزري رحمه الله : " وذهب الداني والأهوازي وابن بليمة . . . . ., إلى التوسط وهو اختيار أبي علي الحسن بن بليمة " اهـ . حكاية ابن الجزري اختيار ابن بليمة ( التوسط ) مخالف لعبارة ابن بليمة نفسه في " التلخيص " حيث قال :
" . . . . فإنَّ بعض شيوخنا يشيرون بمدة يسيرة ، وبعضهم يمنعون ، والقصر ـ والله أعلم ـ أصوب ، لعلة الفرق بين الخبر و الاستخبار " ( تلخيص العبارات / ابن بليمة ) . فالذي يظهر جلياً من قول ابن بليمة " والقصر ـ والله أعلم ـ أصوب " هو اختياره لمرتبة القصر على التوسط في مد البدل , و الوجهان صحيحان مقروء بهما من طريقه , والله أعلم .
3 ـ قال ابن الجزري رحمه الله : " وذكر أبو شامة أنَّ مكياً ذكر كلاً من الإشباع و التوسط ، وذكر السخاوي عنه الإشباع فقط"
في هذه العبارة قلبٌ في النسبة ، قد يكون من النساخ ، فالذي ذكر وجه الإشباع فقط عن مكي , هو الإمام أبو شامة المقدسي في شرحه على الشاطبية ، انظر ( إبراز المعاني / لأبي شامة ، ص : 116 ـ دار الكتب العلمية ـ تحقيق إبراهيم عوض ) ,
وذكر الإمام السخاوي أنَّ مكياً ذكر كلاً من الإشباع و التوسط ، انظر : ( قتح الوصيد في شرح القصيد / السخاوي ) ، فتأمل ذلك , والله تعالى أعلم .
4 ـ قال ابن الجزري رحمه الله : " وهو اختيار مكي فيما حكاه عنه أبو عبد الله الفارسي وفيه نظر "
* جاء في المطبوع " أبو عبد الله الفارسي " وهو تصحيف ، والصحيح " أبو عبد الله الفاسي ( ت 656هـ ) " ( صاحب اللآلئ الفريدة في شرح القصيدة ) قال في شرحه :" واختار مكي القصر مع إجازته المد " اهـ .
* حكاية الفاسي لاختيار مكي القيسي القصر في البدل لورش من طريق الأزرق صحيحة ، لا نظر فيها ، فقد صرَّح مكي القيسي بذلك في كتابه ( الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها ) ونصه : " وحجة من لم يمكن مده ، وعليه سائر القراء ، . . . . . . فلم يكن يمده ، لكون الهمزة قبله ، وهو الاختيار ، لإجماع القراء على ذلك ، ولأن الرواة غير ورش عن نافع على ترك مده ، ولأن البغداديين رووا عن ورش ترك تمكين مده ، فمده في الرواية قليل ، إنما رواه المصريون عن ورش ، لكنه كثير الاستعمال في المغرب . . . " اهـ .
* ولعل الذي حمل ابن الجزري إلى قوله" فيه نظر " ، هو تصريح مكي القيسي في " التبصرة " بالقراءة بالمد / حيث قال : "وبالمد قرأت له" ، ولا يلزم ذلك ، فكلام مكي في " التبصرة " يحمل على الرواية ، والذي في " الكشف " يحمل على الترجيح والاختيار وهو جائز عند القراء , والله تعالى أعلم . يتبع . . .
 
الجواب : ليس في الإرشاد ولا في النشر ما يدلّ على التوسط من طريق عبد المنعم ، فإن كان لكم أدلّة على ذلك فتفضّل ، وقد اطلعت على المخطوط فلم أجد الإشارة إليه وقد أخبرني من أثق فيه أنّ في المطبوع لا يوجد الإشارة إلى تمكين البدل ، وبالمناسبة أطلب من مشايخنا أن ينقلوا لنا عبارة صاحب الإرشاد. لذا فالمسألة عندي قطعيّة لا احتمال فيها.
بحثت في الإرشاد المطبوع بعناية فلم أجد مؤلفه قد تكلم عن مد البدل أصلا، والله أعلم.
 
بحثت في الإرشاد المطبوع بعناية فلم أجد مؤلفه قد تكلم عن مد البدل أصلا، والله أعلم.
وكذلك بحثت في باب المد وما بعده وفي {بالأخرة} و {من الناس من يقول ءامنا بالله...} وغيرهما فلم أره تعرض للبدل، وهذا يقتضي،عقلا ونقلا، البقاء على الأصل: القصر المحض. ولكننا هنا في باب الاحتمالات، التي أرفضها بشدة.
ما ذا يقول طاهر ابن عرب ؟ يقول أنا أوافق بأن الظاهر هو القصر، لكن ما دام أبو الطيب لم ينف التوسط والطول في البدل فمن المحتمل أن يكونا صحيحين عنده، لكن ظاهرَ أخذِه بالمدود يقتضي التوسط فقط. وهو كلام غير مقبول، ليس فقط لأنه لا يستفاد من كلام أبي الطيب، بل لأنه احتمال، تعسف فيه أولا بحمل الطول والتوسط على سكوت أبي الطيب، ثم تعسف ثانيا بإخراج الطول وإبقاء التوسط من هذا السكوت.
ومن علامات الاحتمال كونه غير منطوق، ولا مفهوم، ولا يشير إليه النص، ولا يتعرض له المؤلف أصلا، ولا تؤخذ من سيرة المؤلف، ولا يحكيه عنه زملاؤه، ولا توجد له قرائن، وهذه العلامات متوفرة في التوسط الذي استظهره طاهر بن عرب من الإرشاد. وقل مثل هذا في سائر الاحتمالات، ولا تسثن واحدا منها ! وعليه فليس أحد منها أحق بالذكر من الآخر.
 
تنبيه : قد ذكر المنتوري الإشباع في البدل لأبي الطيّب بن غلبون في إرشاده حيث يقول في شرحه على الدرر : "بل أكثر المصنفين للحروف حملوا الرواية على ظاهرها ونصّوا في كتبهم على المدّ في {ءامن} وبابه لورش ، وإلى هذا ذهب الإمام أبو الحسن محمد بن أحمد بن أيّوب بن شنبوذ و الشيخ أو الفضل محمد بن جعفر بن عبد الكريم الخزاعي ، والإمام أبو بكر محمد بن عليّ الأذفويّ ، والإمام أبو الطيّب عبد المنعم بن عبيد الله بن غلبون الحلبيّ .............." شرح الدرر ص1/197. أقول : لم أر غيره نسب هذا الوجه لعبد المنعم وهو خلاف ما في الإرشاد ، وإنّما الخلاف عنه دائرٌ بين القصر والتوسط كما أسلفنا. والله أعلم.
شيخنا العزيز :
الشيخ المنتوري رحمه الله لم يصرح في الموضع المذكور ب" الإرشاد " حتى يلزم به !
وهنا نقطة مهمة يجب التنب لها وهي أن لا نتخطى نصوص العلماء - خاصة ابن الجزري - في عزوهم المسائل ، فالعلماء أحياناً ينسبون للكتب وأحياناً لأصحاب الكتب ، وهذه مسألة مهمة وإهمالها يؤدي إلى خلل في النتائج .
وعندي بعض أمثلة لأهل التحريرات في بعض المسائل اتبعوا فيها الشيخ المتولي رحمه الله لما تخطّى عبارة ابن الجزري ، فابن الجزري يقول مثلاً : ابن مهران ولا يصرح بكتابه ، فجاء المتولي ومن تبعه وزاد عبارة " في غايته" !! وهو غير صواب دلّ عليه الرجوع إلى الغاية وعدم وجود شيء فيها .
مع التحية للجميع.
 
وتأكيداً لما أشرتُ إليه وفضيلة الشيخ محمد الحسن في تضعيف الاعتداد بالعارض يقول الإمام المتولّي في روض النضير ص238 و239 :
وقد عرفتَ أنّ الاعتداد بالعارض إنّما ذكره في النشر فَهْماً وأنّ الذي ثبت عنده بطريق الأداء وبه كان يأخذ هو الاعتداد بالأصل وإلغاء الاعتداد بالعارض. انتهى كلامه رحمه الله تعالى.

أقول : إن كان الأمر واضحاً بهذه الصورة فلماذا لم يُلغ العمل به. وحتّى وإن أخذ عن الشيوخ فإنّ الأداء يتوقّف رواية وأداءً عند ابن الجزريّ ولا يتعدّاه.
 
الشيخ أبو تراب الجزائري أشكركم على هذه الملاحظات القيّمة وأرجو المواصلة.

ذكر الإمام ابن الجزري في هذه الفقرة أصحاب مد البدل لورش من طريق الأزرق ، وعدَّ أبا علي الأهوازي منهم ، والذي يتبادر إلى الذهن أنَّ رواية مد البدل لورش من طريق الأزرق من كتابه " الوجيز " وهو كذلك ، صرَّح به ابن الجزري في كتابه " تقريب النشر " حيث قال : " فإن لورش من طريق الأزرق في ذلك المد و التوسط والقصر . . . . . . . وبالتوسط قرأنا من طريق . . . . . . و الوجيز " اهـ .
و بالرجوع إلى كتاب " الوجيز " للأهوازي ، نجد أنَّه يسند رواية ورش من طريق يونس بن عبد الأعلى أحد الرواة الآخذين عن الإمام ورش المصري ، وليس من طريق أبي يعقوب الأزرق .
لذلك يقول الإمام المحقق الإزميري : " و في الوجيز قراءة نافع ولكن ليست من طريق الطيبة " ( إتحاف البررة / الإزميري ).
ـ فالإشكال القائم : هل حكاية ابن الجزري المد في البدل لورش من طريق الأزرق من طريق الأهوازي من كتاب آخر غير
" الوجيز " ؟
بعد البحث والتنقيب في مصنفات الإمام أبي علي الأهوازي ـ المطبوعة ـ وجدت في كتاب " الموجز في أداء القراء السبعة " يسند فيه الإمام الأهوازي رواية ورش من طريق الأزرق ، إلاَّ أنَّه لم يتعرض لمذاهب القراء في الممدود و المقصور و أحال في تفصيل مذاهبهم إلى كتابه " الإيضاح في القراءات " وهو مفقود . فعلى هذا الأساس :
ـ يحتمل إطلاق ابن الجزري في هذا " الفصل " ( طريق الأهوازي ) دون تقييده بـ " الوجيز " ، إمَّا مراده ذلك من كتاب " الموجز " لأنَّه أسند منه رواية ورش من طريق الأزرق ، أو أنَّه من الطرق الأدائية الغير مقيدة بكتاب ؟ والله تعالى أعلم .

الجواب : نعم كلامكم صحيح ولكنّي لم أتعرّض إلى هذه الجزئيّة لأنّ ابن الجزري لم يُسند رواية ورش من طريق الأزرق إلى الأهوازي سواء كان من طريق الوجيز أو الموجز وبالتالي فقد أهملت طريقه بحثاً وتحقيقاً ، لأنّ الهدف من البحث هو تحرير طرق الأزرق المسندة في النشر لا غير.

2 ـ قال ابن الجزري رحمه الله : " وذهب الداني والأهوازي وابن بليمة . . . . ., إلى التوسط وهو اختيار أبي علي الحسن بن بليمة " اهـ . حكاية ابن الجزري اختيار ابن بليمة ( التوسط ) مخالف لعبارة ابن بليمة نفسه في " التلخيص " حيث قال :
" . . . . فإنَّ بعض شيوخنا يشيرون بمدة يسيرة ، وبعضهم يمنعون ، والقصر ـ والله أعلم ـ أصوب ، لعلة الفرق بين الخبر و الاستخبار " ( تلخيص العبارات / ابن بليمة ) . فالذي يظهر جلياً من قول ابن بليمة " والقصر ـ والله أعلم ـ أصوب " هو اختياره لمرتبة القصر على التوسط في مد البدل , و الوجهان صحيحان مقروء بهما من طريقه , والله أعلم
الجواب : حتّى وإن اختار ابن بليمة القصر ولكن لا يمنعه ذلك أن يُقرئ بالتوسط بل به قرأ ابن الجزريّ من طريقه كما صرّح في تقريب النشر ، فالاختيار ينبغي أن يكون متصل السند من الراوي إلى المروي.
إنّ اختايات نافع وغيره أخذت بالأداء عنه وأُسندت إليه فلا يُعقل أن يُسند ورش إلى نافع بعض اختياراته ولم يتلقّاها عنه أداءً. لذا فاصطلاح الاختيار ينبغي أن يكون ثابتاً بالأداء. وهذا مزلق من مزالق المحرّرين الذين أثبتوا للنشر كلّ ما ورد في مصادره المسندة دون استثناء اختيارات الثابتة بالأداء عن ابن الجزريّ إلى اصحاب تلك المصادر ومن هنا أدخلت بعض الأوجه في الرواية وتشعّبت الأوجه وكثر الخلاف والاحتمال.
ـ قال ابن الجزري رحمه الله : " وهو اختيار مكي فيما حكاه عنه أبو عبد الله الفارسي وفيه نظر "
* جاء في المطبوع " أبو عبد الله الفارسي " وهو تصحيف ، والصحيح " أبو عبد الله الفاسي ( ت 656هـ ) " ( صاحب اللآلئ الفريدة في شرح القصيدة ) قال في شرحه :" واختار مكي القصر مع إجازته المد " اهـ .
* حكاية الفاسي لاختيار مكي القيسي القصر في البدل لورش من طريق الأزرق صحيحة ، لا نظر فيها ، فقد صرَّح مكي القيسي بذلك في كتابه ( الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها ) ونصه : " وحجة من لم يمكن مده ، وعليه سائر القراء ، . . . . . . فلم يكن يمده ، لكون الهمزة قبله ، وهو الاختيار ، لإجماع القراء على ذلك ، ولأن الرواة غير ورش عن نافع على ترك مده ، ولأن البغداديين رووا عن ورش ترك تمكين مده ، فمده في الرواية قليل ، إنما رواه المصريون عن ورش ، لكنه كثير الاستعمال في المغرب . . . " اهـ .
* ولعل الذي حمل ابن الجزري إلى قوله" فيه نظر " ، هو تصريح مكي القيسي في " التبصرة " بالقراءة بالمد / حيث قال : "وبالمد قرأت له" ، ولا يلزم ذلك ، فكلام مكي في " التبصرة " يحمل على الرواية ، والذي في " الكشف " يحمل على الترجيح والاختيار وهو جائز عند القراء , والله تعالى أعلم . يتبع . . .

الجواب : ما قيل في ابن بليمة يقال في مكي القيسي فالثابت بالرواية من النشر هو الإشباع كما صرّح ابن الجزريّ في نشره بقوله : وبالإشباع قرأتُ. ونحن نقرأ من طريقه وهو ثابت عنه بالنصّ وتواترت النقول في ذلك. وإن كان في اعتراض ابن الجزري على القصر من طريقه نظر فإنّ ذلك غير مهمّ بالنسبة لي في هذا البحث بالذات بقدر ما يُهمّنى معرفة ما ثبت بالرواية من النشر من طريق مكي القيسي أي بإشباع البدل وهذا الذي حملني أيضاً على عدم الخوض في مسألة طول البدل من طريق الداني لأنّ رواية التوسط واضحة من النشر ، ولست أقلّل من شأن هذه البحوث وإنّما الالتزام بأهداف البحث وعدم الخروج عن المقصود هو الذي حملنى على هذا السبيل.
 
تصحيح خطأ
قُلتُ :
الجواب : حتّى وإن اختار ابن بليمة القصر ولكن لا يمنعه ذلك أن يُقرئ بالتوسط بل به قرأ ابن الجزريّ من طريقه كما صرّح في تقريب النشر ، فالاختيار ينبغي أن يكون متصل السند من الراوي إلى المروي.
إنّ اختايات نافع وغيره أخذت بالأداء عنه وأُسندت إليه فلا يُعقل أن يُسند ورش إلى نافع بعض اختياراته ولم يتلقّاها عنه أداءً. لذا فاصطلاح الاختيار ينبغي أن يكون ثابتاً بالأداء. وهذا مزلق من مزالق المحرّرين الذين أثبتوا للنشر كلّ ما ورد في مصادره المسندة دون استثناء اختيارات الثابتة بالأداء عن ابن الجزريّ إلى اصحاب تلك المصادر ومن هنا أدخلت بعض الأوجه في الرواية وتشعّبت الأوجه وكثر الخلاف والاحتمال.
وصوابه :
الجواب : حتّى وإن اختار ابن بليمة القصر ولكن لا يمنعه ذلك أن يُقرئ بالتوسط بل به قرأ ابن الجزريّ من طريقه كما صرّح في تقريب النشر ، فالاختيار ينبغي أن يكون متصل السند من الراوي إلى المروي.
إنّ اختيارات نافع وغيره أخذت بالأداء عنه وأُسندت إليه فلا يُعقل أن يُسند ورش إلى نافع بعض اختياراته ولم يتلقّاها عنه أداءً. لذا فاصطلاح الاختيار ينبغي أن يكون ثابتاً بالأداء. وهذا مزلق من مزالق المحرّرين الذين أثبتوا للنشر كلّ ما ورد في مصادره المسندة دون الاقتصار على الاختيارات الثابتة بالأداء عن ابن الجزريّ إلى اصحاب تلك المصادر ومن هنا أدخلت بعض الأوجه في الرواية فتشعّبت فكثر الخلاف والاحتمال فيها.
 
تحرير كلمة {إسرائيل} وعلاقتها بالبدل المحقّق والمغيّر

تحرير كلمة {إسرائيل} وعلاقتها بالبدل المحقّق والمغيّر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد.

والآن سنشرع بحول الله في تحرير كلمة {إسرائيل} وعلاقتها بالبدل المحقّق والمغيّر فأقول وبالله التوفيق.

قال ابن الجزريّ في النشر : "(فالأولى) من الكلم (إسرائيل) حيث وقعت. نص على استثنائها أبو عمرو الداني وأصحابه وتبعه على ذلك الشاطبي فلم يحك فيها خلافاً."(النشر 1/341).
وقال في تقريب النشر : "واختلفوا في استثناء كلمة {إسرائيل} حيث وقعت فاستثناها صاحب التيسير ومن تبعه كالشاطبيّ وغيره ولم يستثنه غيره بل نصّ على مدّه صاحب العنوان والهادي والهداية والكافي وغيرهم."(تقريب النشر ص110 طبعة دار إحياء التراث العربيّ. دراسة وتحقيق علي عبد القدوس عثمان الوزيز).

أريد بالمناسبة التنبيه على خطأ في النصّ وجدّته في طبعة تقريب النشر التي حققها الشيخ إبراهيم عطوة عوض وأنقل نصّ العبارة : "واختلفوا في استثناء كلمة {إسرائيل} حيث وقعت فاستثناها صاحب التيسير ومن تبعه كالشاطبي وغيره وصاحب الكامل ولم يستثنه غيره.."(ص96). فعبارة :"صاحب الكامل" ليس من نصّ كتاب التقريب لأنّه خلاف طبعة دار إحياء التراث العربي والتي هي أحسن طبعة فيما أعلم ، وطبعة دار الكتب العلمية بتحقيق عبد الله محمد الخليلي هذا من جهة. ومن جهة أخرى لم أجد من ذكر استثناء {إسرائيل} للهذلي صاحب الكامل لا في النشر ولا في كتب التحريرات بل ولا في كتاب الكامل نفسه.

أقول : من خلال ما ذكره ابن الجزريّ في نشره وتقريبه يتجلّى أنّ استثناء {إسرائيل} من التمكين هو من طريق الداني ومن تبعه كالشاطبيّ وغيره أي من سلك طريق الداني كابن بريّ وابن المرابط في كتابه التقريب والحرش وغيرهما. ولذلك قال المتولّي في روضه : "ولم يستثن {إسرائيل} سوى الداني والشاطبيّ."(الروض ص238). وقال العلامة الضباع في كتابه المطلوب : "فاستثناها الداني وتبعه الشاطبي ولم يستثنها الباقون."( ص4).

أمّا غير الداني والشاطبيّ فإمّا أنهم نصّوا على تمكينها بتمثيلهم لها وإمّا أنّهم لم ينصّوا على تمكينها ولكنّهم ما استثنوها من التمكين. فأمّا الذين نصّوا عليها كما قال ابن الجزريّ في تقريبه : "بل نصّ على مدّه صاحب العنوان والهادي والهداية والكافي وغيرهم.".
فأمّا صاحب الكافي فقال : "فإذا كان حرف المدّ واللين بعد همزة مبتدأة أو متوسطة وقبلها حركة أو حرف مدّ ولين نحو {آدم} و {آمن} و {يستهزءون} و {ليواطئوا} و {إسرائيل} فورش وحده يُشبع المدّ."(الكافي ص40). وأمّا المهدوي فلم أجد نصاً وتمثيلا لكلمة {إسرائيل} في كتابه شرح الهداية ولكنّه لم يستثنها من التمكين. أمّا صاحب العنوان فقال : "وكان ورش يشبع المد في حروف المد واللين الواقعة بعد الهمزة نحو: (آمنّا} {وآدم} {وآويناهما} {والسيئات} {وأوتينا العلم} {وإيتاء الزكاة} {الموؤدة} و{إسرائيل) وما أشبه ذلك".(العنوان ص44).
وأمّا الذين لم يستثنوا {إسرائيل} فهم : ابن بليّمة وصاحب التجريد والتبصرة والكامل على ما اطلعت عليه في كتبهم وهو الموافق لظاهر النشر.
وأمّا صاحب المجتبى وأبي معشر الطبري فالظاهر من النشر أنّها ممكّنة عندهما وبذلك نأخذ كما أخذ المحررون.
وأمّا صاحب التذكرة والإرشاد فمذهبهما القصر في البدل كما سبق وبالتالي ف {إسرائيل} مقصورة عندهما بالضرورة.

فالحاصل مما سبق أنّ في قوله تعالى :{ورسولا إلى بنى إسرائيل أنّي قد جئتكم بآية من ربّكم} خمسة أوجه :

- القصر في {إسرائيل} مع قصر {بآية} يكون من التذكرة والإرشاد والشاطبية وقراءة الداني على أبي الحسن.
- القصر في {إسرائيل} مع توسط {بآية} يكون من طريق الشاطبية ، وطريق الداني أي من قراءته على ابن خاقان وفارس ابن أحمد بما فيها طريق التيسير.
- توسّطهما من طريق تلخيص ابن بلّيمة لأنّ مذهبه التوسط في البدل من غير استثناء {إسرائيل}.
- القصر في {إسرائيل} مع الطول في {بآية} من الشاطبية فحسب.
- إشباعهما من باقي الطرق أي التبصرة والتجريد والعنوان والكافي والكامل والمجتبى وطريق أبي معشر الطبري.

وقد منع الأستاذ يوسف أفندي زادة رحمه الله وجه توسط {إسرائيل} مع {بآية} لأنّه اعتبر ذلك انفراداً من صاحب التلخيص فقال في كتابه الائتلاف : "توسطهما من تلخيص ابن بليمة ولم نأخذ بهذا الوجه لانفراد ابن بليمة به". أقول : في كلامه نظر لعدّة أسباب :
الأوّل : لا يمكن أن نعتبر ذلك انفراداً لأنّه انفراد يختصّ بطرق النشر وهي طرق مختارة لا تُمثّل إلاّ جزءً من الطرق الثابتة بالرواية إلى الأزرق. وإنّما الانفراد يكون بالمقارنة مع جميع المروايّات المدوّنة الثابتة بالرواية إلى الأزرق سواء رويت من النشر أم لا. وهذا يُقال في الحديث الذي لا يُمكن الحكم عليه بالشذوذ مقارنة مع ما ورد في كتاب أو كتابين من كتب الحديث وإنّما يكون بالمقارنة مع جميع ما هو موجود في كتب السنّة.
الثاني : ذكر ابن الجزريّ أنّ مذهب الأهوازي هو توسط البدل من غير استثناء {إسرائيل} فقال : "وذهب الداني والأهوازي وابن بليمة وأبو علي الهراس فيما رواه عن ابن عدي إلى التوسط " وقال في استثناء { إسرائيلِ} : "ونصّ على نخفيفها ابن سفيان وأبو طاهر وابن خلف وابن شريح وهو ظاهر عبارة مكي والأهوازي والخزاعي وأبي القاسم ابن الفحام وأبي الحسن الحصري لأنّهم لم يستثنوها". أقول : والمراد بالتخفيف هنا عكس الثقل المستلزم للاستثناء ، فهؤلاء المذكورين ما استثنوها لأنّها عندهم خفيفة في اللفظ خلافاً لمن استثنوها فإنّها عندهم ثقيلة في النطق لكثرة دورها واجتماع ثلث مدات. فالحاصل أنّ مذهب الأهوازي يوافق مذهب ابن بليمة في توسط البدل بما فيها {إسرائيل} ، وبالتالي فإنّ ابن بليمة لم ينفرد بهذا الوجه فلا ينبغي إهماله.
الثالث : لو أخذنا بهذا المنطق لاستلزم منع قصر {إسرائيل} مع توسط البدل للداني لأنّه المنفرد في طبقته بهذا الوجه من طرق النشر والشاطبيّ متّبع له ومتأخّرٌ عليه ولا شكّ أنّ هذا المنطق لا يقبله أحد.

أمّا قوله تعالى : {سل بني إسرائيل كم آتيناهم } : فقد اجتمع في الآية : {إسرائيل} مع بدل مغيّر وعليه فيكون عدد الأوجه سبعة :

الأوّل : قصر {إسرائيل} و {كم آتيناهم} : من التذكرة والإرشاد والشاطبية وقراءة الداني على أبي الحسن.
الثاني : قصر {إسرائيل} مع توسط {كم آتيناهم} من التيسير والشاطبية وقراءة الداني على ابن خاقان وفارس ابن أحمد.
الثالث : قصر {إسرائيل} مع طول {كم آتيناهم} من الشاطبية فحسب.
الرابع : توسط إسرائيل مع قصر {كم آتيناهم} من تلخيص ابن بليمة. على مذهب من فرّق بين البدل المحقّق والمغيّر.
الخامس : توسطهما من تلخيص ابن بلّيمة. على مذهب من لم يُفرّق بين البدل المحقّق والمغيّر.
السادس : طول {إسرائيل} مع قصر {كم آتيناهم} من العنوان والكامل وطريق أبي معشر على مذهب من فرّق بين البدل المحقّق والمغيّر.
السابع : إشباعهما من التبصرة والكافي والهداية والمجتبى والتجريد والكامل والعنوان وطريق أبي معشر على مذهب من لم يُفرّق بين البدل المحقّق والمغيّر.

وإذا اجتمع بدل محقّق وبدل مغيّر و{إسرائيل} فيكون العدد سبعة أوجه كذلك :

الأوّل : قصر الجميع من الشاطبية والتذكرة والإرشاد وقراءة الداني على أبي الحسن.
الثاني : توسط المحقّق مع القصر في المغيّر والتوسط في {إسرائيل} من طريق تلخيص ابن بلّمية على مذهب من فرّق بين المحقّق والمغيّر.
الثالث : توسط الجميع من طريق تلخيص ابن بلّمية على مذهب من لم يفرّق بين المحقّق والمغيّر.
الرابع : توسط المحقّق والمغيّر مع قصر {إسرائيل} من طريق الشاطبية والتيسير وقراءة الداني على ابن خاقان وفارس ابن أحمد.
الخامس : طول المحقّق مع قصر المغيّر وطول {إسرائيل} من طريق الكامل والعنوان وطريق أبي معشر الطبري على مذهب من فرّق بين المحقّق والمغيّر.
السادس : طول الجميع من طريق التبصرة والكافي والهداية والمجتبى والتجريد والكامل والعنوان وطريق أبي معشر الطبري على مذهب من لم يُفرّق بين المحقّق والمغيّر.
السابع : طول المحقّق والمغيّر مع قصر {إسرائيل} من الشاطبية فحسب.

أكتفي بهذا القدر والحمد لله ربّ العالمين.
 
أقول : من خلال ما ذكره ابن الجزريّ في نشره وتقريبه يتجلّى أنّ استثناء {إسرائيل} من التمكين هو من طريق الداني ومن تبعه كالشاطبيّ وغيره أي من سلك طريق الداني كابن بريّ وابن المرابط في كتابه التقريب والحرش وغيرهما.
جزاكم الله خيرا على هذه الحلقة الجديدة
أما ابن بري فقد صحح القصر أي الاستثناء خلال حكايته الخلاف على خلاف طريقه التيسير وصنوه الشاطبي
 
تحرير {ايت} ونحوها وعلاقتها بالبدل.

تحرير {ايت} ونحوها وعلاقتها بالبدل.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم.

تحرير {ايت} ونحوها وعلاقتها بالبدل.

قال ابن الجزريّ : "وأما الأصل المطرد الذي فيه الخلاف فهو حرف المد إذا وقع بعد همزة الوصل حالة الابتداء نحو (إيت بقرآن. إيتوني. أؤتمن. إيذن لي) فنص على استثنائه وترك الزيادة في مده أبو عمرو الداني في جميع كتبه وأبو معشر الطبري والشاطبي وغيرهم. ونص على الوجهين جميعاً من المد وتركه ابن سفيان وابن شريح ومكي. وقال في التبصرة: وكلا الوجهين حسن وترك المد أقيس. ولم يذكره المهدوي ولا ابن الفحام ولا ابن بليمة ولا صاحب العنوان ولا الأهوازي فيحتمل مده لدخوله في القاعدة ولا يضر عدم التمثيل به ويحتمل ترك المد. وأن يكونوا استغنوا عن ذلك بما مثلوه من غيره وهو الأولى فوجه المد وجود حرف مد بعد همزة محققة لفظاً وإن عرضت ابتداء ووجه القصر كون همزة الوصل عارضة والابتداء بها عارض فلم يعتد بالعارض. وهذا هو الأصح والله أعلم." (النشر 1/343).

وقال في تقريب النشر : "وكذلك اختلفوا في استثناء ما وقع حرف المدّ فيه بعد همز الوصل وذلك حالة الابتداء نحو {اؤتمن – إيتوني} فنصّ على استثنائه صاحب التيسير ومن تبعه ، ونصّ على الخلاف فيه صاحب الكافي والهادي والتبصرة ، ولم يتعرّض له في الهداية ولا العنوان ولا التجريد ..."(تقريب النشر ص111 طبعة دار إحياء التراث العربيّ. دراسة وتحقيق علي عبد القدوس عثمان الوزيز).

وأريد التنبيه مرّة أخرى على تكرر الخطأ الذي نبّهت عليه في الباب الذي قبله وهو إضافة كتاب الهذلي إلى نصّ التقريب الذي حقّقه الشيخ إبراهيم عطوة عوض وأنقل نصّ العبارة : "وكذلك اختلفوا في استثناء ما وقع حرف المدّ فيه بعد همز الوصل وذلك حالة الابتداء نحو {اؤتمن – إيتوني} فنصّ على استثنائه صاحب التيسير ومن تبعه وصاحب الكامل ، ونصّ على الخلاف فيه صاحب الكافي والهادي والتبصرة ، ولم يتعرّض له في الهداية ولا العنوان ولا التجريد ...". فعبارة :"صاحب الكامل" ليست من نصّ كتاب التقريب لأنّه خلاف طبعة دار إحياء التراث العربي والتي هي أحسن طبعة فيما أعلم ، وطبعة دار الكتب العلمية بتحقيق عبد الله محمد الخليلي هذا من جهة. ومن جهة أخرى لم أجد من ذكر استثناء {إيت} ونحوها للهذلي صاحب الكامل لا في النشر ولا في الكتب بل ولا في كتاب الكامل نفسه. وقد وجدتُ هذين الخطئين وللأسف في طبعة دار الصحابة والتي علّق عليها الشيخ جمال الدين محمد شرف ، وقد اكتفى بالتنبيه في الهامش أنّ عبارة : وصاحب الكامل غير موجودة في النشر.

والآن سنشرع في تحرير المسألة مبيّناً المصادر التي استثنت المدّ الواقع بعد همزة الوصل ابتداءً وكذا المصادر التي نقلت الخلاف في التمكين ، والمصادر التي ما أشارت إليه لا استثناءً ولا تمثيلاً.

1 - المصادر التي استثنت {إيت} ونحوها من التمكين :
الذي يظهر من كلام النشر هو استثناء {إيت} ونحوها من الشاطبية وجميع طرق الداني وطريق أبي معشر الطبري. فأمّا من الشاطبية فلقول صاحبها (وما بعد همز الوصل إيت).وأمّا من طرق الداني فقال المنتوري في شرحه على الدرر : "قال الداني في إيجاز البيان : فأمّا الابتداء بألفات الوصل نحو قوله تعالى : {اوتمن} ، {ايت بقرءان} ، {ايتوا صفا} وشبهه فإنّ التمكين الزائد في ذلك ممتنع لكون ألف الوصل عارضة إذ لا توجد إلاّ في حال الابتداء لا غير. قال المنتوري : وقال في جامع البيان والاقتصاد والتمهيد نحوه. وقال – أي الداني- في التلخيص : ولا أعلم خلافاً بين أصحابنا في ترك إشباع المدّ لذلك. وقال في التيسير : وأجمعوا على ترك الزيادة إن كانت الهمزة مجتلبة للابتداء. وقال ابن الباذش في الإقناع : ولم يذكر أبو عمرو –يعني الداني- سوى ترك المدّ. قُلتُ : -أي المنتوري- وبذلك قرأت على جميع من قرأتُ عليه وبه آخذ وقد ذكر مكي وابن شريح وغيرهما الخلاف عن ورش في الابتداء بذلك." شرح الدرر للمنتوري 1/214. وأمّا أبو معشر الطبري فاستثناؤه يظهر صريحاً في النشر.

2 – المصادر التي نقلت الخلاف في ذلك

نقل ابن سفيان وابن شريح ومكي الخلاف في ذلك كما يظهر من النشر وتقريبه. فأمّا ابن سفيان فليس من طرق النشر كما سبق التنبيه على ذلك. وأمّا صاحب التبصرة فقد قال مكي القيسي : "واختلف المتعقبون من هذا الباب في ألف الوصل إذا دخلت على همزة أصليّة ، وذلك في الابتداء نحو {ائت بقرءان} و {ائتوا} و {اوتمن} وشبهه ، فمنهم من يمدّ ويُعامل اللفظ ، ومنهم من لا يمدّ لكون الابتداء عارضاً وكون ألف الوصل غير لازمة ، وكلا الوجهين حسن ، وترك المدّ أقيس."(التبصرة ص68). وأمّا ابن شريح فقال : "واختلف عنه في {أؤتمن} و{إيذن لي} ونحوه عند الابتداء بها فبعض المصريين يمدّ حرف المدّ واللين فيها ، وبعضهم يمكّنه يجعله كغيره من القرءان وهذا الاختلاف الذ في مدّ حرف اللين إذا جاء بعد همزة مبتدأة إنّما هو فيما ليس باستفهام ....."(الكافي ص40).

3 – المصادر التي ما أشارت إلى ذلك لا استثناءً ولا تمثيلاً :

وهي كتاب العنوان والتجريد وتلخيص ابن بليمة وشرح الهداية كما يظهر من كلام صاحب النشر وتقريبه. قال في النشر : "ولم يذكره المهدوي ولا ابن الفحام ولا ابن بليمة ولا صاحب العنوان ولا الأهوازي". وقال في تقريبه : "لم يتعرّض له في الهداية ولا العنوان ولا التجريد". أقول : وقد اطلعتُ على كتاب العنوان والتجريد وتلخيص ابن بليمة ، وشرح الهداية والكامل فلم أجد الإشارة إلى ذلك لا استثناءً ولا تمثيلاً. وهذا يُفهم منه التمكين لعموم اللفظ وعدم استثنائهم للحالة بالذات لقول ابن الجزريّ : "فيحتمل مده لدخوله في القاعدة ولا يضر عدم التمثيل به" ، وقوله : "وأن يكونوا استغنوا عن ذلك بما مثلوه من غيره وهو الأولى. ويحتمل ترك المدّ لعروض همزة الوصل ابتداءً لقوله : ووجه القصر كون همزة الوصل عارضة والابتداء بها عارض فلم يعتد بالعارض. وهذا هو الأصح والله أعلم". أقول : فقوله : أصحّ أي من جهة القياس بعدم الاعتداد بالعارض وهذا لا يعني أنّ الاعتداد بالأصل ليس صحيحاً من جهة الرواية. أمّا صاحب المجتبى فسكت عنه ابن الجزريّ وعليه فنأخذ بالتمكين من طريقه أخذاً بعموم النشر في عدم ورود استثناء ولا خلاف في المسألة من طريق الطرسوسي.


وعلى ما سبق من البيان نخلص أنّ اجتماع البدل بنحو {إيت} كقوله تعالى : {اوتمن} ابتداءً بها إلى قوله تعالى {فإنّه آثم قلبه} : خمسة أوجه
- قصر {اوتمن} و {آثم} من الشاطبية والتذكرة والإرشاد وقراءة الداني على أبي الحسن.
- قصر {اوتمن} وتوسط {آثم} من طريق الشاطبية والتيسير وقراءة الداني على ابن خاقان وفارس ابن أحمد. ويُحتمل من تلخيص ابن بلّيمة اعتداداً بالأصل دون العارض وقوّته من جهة القياس.
- قصر {اوتمن} وطول {آثم} من الشاطبية وطريق أبي معشر الطبري وأحد وجهي الكافي والتبصرة ، ويُحتمل من التجريد والعنوان والهداية والكامل والمجتبى اعتداداً بالأصل دون العارض وقوّته من جهة القياس كما قال ابن الجزريّ : ووجه القصر كون همزة الوصل عارضة والابتداء بها عارض فلم يعتد بالعارض. وهذا هو الأصح والله أعلم.
- توسطهما من طريق تلخيص ابن بليمة.
- إشباعهما من طريق التجريد والعنوان والهداية والكامل والمجتبى وهو الوجه الثاني من الكافي والتبصرة.

واعتمادنا على الاحتمال في الوجه الثاني والثالث كان بسبب قوّته قياساً وتصحيح ابن الجزريّ له في نشره ، ولو أشار إلى الثابت عنده بالأداء لاقتصرنا عليه.

والعلم عند الله تعالى.
 
تحرير {عادا الاولى } وبيان علاقتها بالبدل.

تحرير {عادا الاولى } وبيان علاقتها بالبدل.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد.

تحرير {عادا الاولى } وبيان علاقتها بالبدل.

قال ابن الجزريّ في النشر :" (والثالثة) (عاداً الأولى) في سورة النجم لم يستثنها صاحب التيسير فيه واستثناها في جامعة ونص على الخلاف في غيرهما كحرفي (آلآن) في يونس. ونص على استثنائها مكي وابن سفيان والمهدوي وابن شريح، وأما صاحب العنوان وصاحب الكامل والأهوازي وأبو معشر وابن بليمة فلم يذكروا: (آلآن. ولا عاداً الأولى) بل ولا نصوا على الهمز المغير في هذا الباب ولا تعرضوا له بمثال ولا غيره. وإنما ذكروا الهمز المحقق ومثلوا به."

وقال في تقريب النشر : "ونص على استثناء حرف النجم في التبصرة والهادي والكافي والهداية وجامع البيان ولم يستثنها في التيسير ولا التجريد ، وأجرى الخلاف فيها في الشاطبية والمفردات والإيجاز."(تقريب النشر ص96).

من خلال ما ذكره ابن الجزريّ عليه رحمة الله نُدرك أنّ في {عادا الاولى} لأهل الأداء ثلاثة مذاهب :

المذهب الأوّل : وهم الذين استثنوها من التمكين وهم الداني في جامع البيان ومكي القيسي وابن سفيان والمهدوي وابن شريح. فأمّا الداني فقد قال في جامع البيان : "وما كان مثله إلاّ قوله {يؤاخذكم} و {لا تؤاخنا} و {ولو يؤاخذ الله} حيث وقع وقوله {آلان} في الموضعين في يونس و {عادا الاولى} في والنجم ، فإنّه لم يزد في تمكين المدّ في هذه الستّة الأحرف مع عدم الهمز لفظاً" (جامع البيان ص193). وأما مكي القيسي فقال : " ولم يمد {عاداً الاولى} و {ٍيؤاخذكم}." (التبصرة ص67). وأما ابن سفيان فليس من طرق النشر كما ذكرنا من قبل. وأمّا المهدوي فقد قال : "وعلّته في ترك المدّ في {عادا الاولى}......." شرح الهداية ص39. وأمّا ابن شريح فقد قال : "وكذلك لم يمدّ {عادا الاولى} و {آلان} في الموضعين من يونس."(الكافي ص40).

المذهب الثاني : وهم الذين لم يستثنوها ولم يشيروا إليها لا بمثال ولا باستثناء وهؤلاء على قسمين :
- قسمٌ فرّق بين البدل المغيّر والمحقّق وبالتالي جاز القصر والتمكين جميعاً من طرقهم كما سبق بيانه في باب مستقلّ وهؤلاء هم : صاحب العنوان وصاحب الكامل والأهوازي وأبو معشر وابن بليمة مع التذكير بأنّ الأهوازي ليس من طرق النشر. فالقصر إعمالاً لظاهر النصوص كما قال ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى : "على أني لا أمنع إجراء الخلاف في الأنواع الثلاثة عملاً بظواهر عبارات من لم يذكرها، وهو القياس." والتمكين اعتداداً بالأصل ولصحتهأداءً وقوّته في الرواية لقول ابن الجزريّ : "وهو الذي صح أداء وبه يؤخذ."
- وقسم لم يُفرّق بين المحقّق والمغيّر وهو الداني في تيسيره وابن الفحام في تجريده وبالتالي فهي ممكنة عندهما.

المذهب الثالث : وهم الذين نقلوا الخلاف في ذلك وهم الداني في غير التيسير وجامع البيان على ما يظهر في النشر وكذا الشاطبيّ لقوله : (وبعضهم يؤاخذكم آلان مستفهماً تلا......وعادا الاولى). فأمّا الداني فقد نقل الخلاف في المفردات وإيجاز البيان على ما ذكر ابن الجزري في تقريب النشر. قال المنتوري : "وأما ٍ{آلان} و {عاد الاولى} فذكر الشاطبيّ فيهما الخلاف في قصيدته. وقال الداني في التلخيص عند ذكر المستثنى من هذا الفصل : وزاد بعضهم ثلاثة أحرف : {آلان} في الموضعين في يونس و {عادا الاولى} في والنجم فلم يزيدوا في تمكين الألو والواو فيهنّ. وقال في إيجاز البيان نحوه. وقال في كتاب رواية ورش من طريق المصريين : "وأما قوله {آلان} في الموضعين و {عادا الاولى} فإنّى آخذ له بزيادة التمكين وتركه". وذكر في جامع البيان في {آلان} في الموضعين و {عادا الاولى} القصر خاصّة."

وعليه فيكون عدد المذاهب في {عادا الاولى} أربعة بنظرة أدقّ هي :

الأوّل : مذهب من استثناها وهم : الداني في جامع البيان ومكي القيسي والمهدوي وابن شريح.
الثاني : مذهب من قصرها باعتبارها بدلاً مغيّراً بالنقل وهم ابن بليمة وصاحب الكامل والعنوان وطريق أبي معشر.
الثالث : مذهب من أجراها مجرى غيرها في التمكين وهم : الداني في تيسيره وابن الفحام في تجريده والوجه الثاني لابن بليمة وصاحب الكامل والعنوان وطريق أبي معشر تسوية بين البدل المحقّق والمغيّر.
الرابع : مذهب من نقل الخلاف فيها وهم الداني في غير التيسير وجامع البيان والشاطبيّ.

ففي قوله تعالى {وأنّه أهلك عادا الاولى} إلى قوله {فبأيّ آلاء ربّك تتمارى} خمسة أوجه :

الأوّل : القصر في {عادا الاولى} مع القصر في {آلاء} من الشاطبية والتذكرة والإرشاد وقراءة الداني على أبي الحسن.
الثاني : القصر في {عادا الاولى} مع التوسط في {آلاء} من الشاطبية وقراءة الداني على ابن خاقان وفارس ابن أحمد من جامع البيان ، وتلخيص ابن بليمة على وجه التفريق بين المحقّق والمغيّر.
الثالث : القصر في {عادا الاولى} مع الطول في {آلاء} من الشاطبية وكذا من الكامل والعنوان وطريق أبي معشر على وجه التفريق بين المحقّق والمغيّر. وكذلك من التبصرة والهداية والكافي لكونها مستثناة عندهم.
الرابع : توسطهما من الشاطبية والتيسير وكذا تلخيص ابن بلّيمة على وجه التسوية بين المحقّق والمغيّر.
الخامس : طولهما من الشاطبية والتجريد والمجتبى وكذلك من الكامل والعنوان وطريق أبي معشر على وجه التسوية بين البدل المحقّق والمغيّر.

والعلم عند الله تعالى.

 
تحرير مسألة {ءالئن} - الجزء الأوّل-

تحرير مسألة {ءالئن} - الجزء الأوّل-

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد

سأشرع بحول الله تعالى في تحرير كلمة {ءآلئن} فأقول مذكراً أخواني الأفاضل أنّ الخلاف في {ءآلئن} لورش من طريق الأزرق يدور بين ثلاثة أمور :
الأوّل : متعلّق بهمزة الوصل من حيث الإبدال أو التسهيل.
الثاني : متعلّق بهمزة الوصل أيضاً لكن من حيث جواز تمكينها ومعاملتها معاملة البدل في نحو {ءامن} و {ءازر}.
الثالث : متعلّق بالألف الثانية في تمكينها من قبيل مدّ البدل.

وسأقوم بحول الله تعالى بتقسيم هذا البحث إلى ثلاثة أجزاء ، كلّ جزء يختصّ بنوع من أنواع الخلاف المذكورة آنفاً حتّى يتسنّ لي في الأخير تحرير {آلئن} تحريراً شاملاً مع العزو والتوجيه.

وقد استعنت في هذه المسألة بكتاب الدرر الحسان في حلّ مشكلة قوله تعالى {آلئن} للرميلي الذي نقل فيه كلام ابن الجزري من كتابه الإعلان في مسألة {ءآلئن} وهي رسالة قيّمة يمكن الاعتماد عليها لا سيما في العزو حيث نقل فيها مالم ينقل في النشر كإثبات الوجهين أي التسهيل والإبدال للهذلي وغير ذلك وإن كان ابن الجزري قد أشار في نشره إلى أنّ كتاب الإعلان الذي ألّفه هو من إملائه القديم الذي لم يبلغ فيه ما بلغ في كتابه النشر من التحقيق للمسألة ولكن لا يمنع ذلك من نقل بعض النصوص والفوائد والاعتماد عليها لا سيما فيما لا يُعارض كلامه في النشر. وأشكر بالمناسبة محقّق كتاب وهو الدكتور ناصر المنيع وكذا المشرف العام على نقله في الملتقى.

أقول وبالله التوفيق.

فأمّا الجزء الأوّل فهو خلاف متعلّق بهمزة الوصل من حيث تسهيلها أو إبدالها ، حيث اختلف الرواة في تغيير همزة الوصل فمنهم من أبدلها ألفاً مع المدّ المشبع ومنهم من سهّلها بين الهمزة والألف. قال ابن الجزريّ في نشره : "واختلفوا في كيفيته فقال كثير منهم تبدل ألفاً خالصة وجعلوا الإبدال لازماً لها كما يلزم إبدال الهمزة إذا وجب تخفيفها في سائر الأحوال. قال الداني هذا قول أكثر النحويين. وهو قياس ما رواه المصريون أداء عن ورش عن نافع يعني في نحو (أأنذرتهم) وبه قرأ الداني على شيخه أبي الحسن وبه قرأنا من طريق التذكرة والهادي والهداية والكافي والتبصرة والتجريد والروضة والمستنير والتذكار والإرشادين والغايتين وغير ذلك من جلة المغاربة والمشارقة وهو أحد الوجهين في التيسير والشاطبية والإعلان واختاره أبو القاسم الشاطبي. وقال آخرون تسهل بين بين لثبوتها في حال الوصل وتعذر حذفها فيه فهي كالهمزة اللازمة وليس إلى تخفيفها سبيل فوجب أن تسهل بين بين قياساً على سائر الهمزات المتحركات بالفتح إذا وليتهن همزة الاستفهام قال الداني في الجامع والقولان جيدان. وقال في غيره أن هذا القول هو الأوجه في تسهيل هذه الهمزة قال لقيامها في الشعر مقام المتحركة. ولو كانت مبدلة لقامت فيه مقام الساكن المحض. قال ولو كان كذلك لانكسر هذا البيت:
أألحقّ إن دارُ الرّباب تباعدت.......أو انبَتّ حبلٌ إن قلبك طائرُ
(قلت) وبه قرأ الداني على شيخه – أي أبي الفتح كما في بعض النسخ الخطيّة للنشر - وهو مذهب أبي طاهر إسماعيل بن خلف صاحب العنوان وشيخه عبد الجبار الطرسوسي صاحب المجتبى. والوجه الثاني في التيسير والشاطبية والإعلان."(النشر 1/377و378).
وقال في رسالته المسمّاة بالإعلان في مسألة {ءآلئن} فيما نقله عنه الشيخ علي بن محسن الصعيدي المعروف بالرُميلي (ت بعد 1130) في كتابه الدرر الحسان في حلّ مشكلات قوله تعالى {ءآلئن} : " كان الأصل فيها (أالئن) بهمزة قطع مفتوحة بعدها ألف وصل بعدها لام ساكنة بعدها همزة مفتوحة بعدها نون. وقد اختلف أهل الأداء في كيفية تخفيف همزة الوصل بعد إجماعهم على عدم حذفها للالتباس بالخبر ، وعلى عدم تحقيقها لأنّها همزة وصل ، فمن أهل الأداء من خفّفها بأن جعلها بين بين ، لانفتاحها وانفتاح ما قبلها قيساً على تخفيف {ءآنذرتهم} وهذا مذهب أبي طاهر إسماعيل بن طاهر بن خلف صاحب العنوان ، لم يذكر غيره ، وأحد الوجهين في الكامل والتيسير والشاطبية وهو اختيار أبي عمرو عثمان بن سعيد الداني ، قال هو الأوجه عندنا في تسهيل هذه الهمزة لقيامها في الشعر مقام المتحركة ، ولو كانت مبدلة من الهمزة لقامت فيه مقام الساكن المحض ، ولو كان كذلك لانكسر هذا البيت وهو ما أنشده ابن الأنباري :
أألحقّ إن دارُ الرّباب تباعدت......أو انبَتّ حبلٌ إن قلبك طائرُ
وقال آخر : أألخيرُ الذي أنا أبتغيه.......أم الشرُّ الذي هو يبتغيني
وأنشد قطرب لجميل :
فقثلتُ لها : جودي فقالت مجيبةً.......أألجدّ هذا منك أم أنت هازلُ.
ومنهم من خفّفها بالبدل فأبدلها ألفاً محضة لأنّها واجبة التخفيف فتخفيفه بالبدل ، وإنّما خففت المفتوحة بعد فتح بالبدل جوازاً ك {ءأنذرتهم}. والبدل مذهب الأكثرين من النحاة وأهل الأداء ، وهو الذي قرأنا به من طريق ابن غلبون ومكي صاحب التبصرة وأبي العباس المهدوي صاحب الهداية ، وأبي عبد الله بن سفيان صاحب الهادي ، وأبي عبد الله بن شريح صاحب الكافي وأبي القاسم بن القاسم بن الفحام صاحب التجريد والعراقيين قاطبة ، وهو الوجه الثاني في الكامل والتيسير والشاطبية ، فمن لم ينقل حركة الهمزة بعد اللام إلى اللام الساكنة قبلها مدّ على الألف بعد الهمزة الأولى مداً مشبعاً لالتقاء الساكنين كفواتح السور ، ومن نقل كورش وقالون وأبي جعفر فلا يخلو إمّا أن يعتدّ بالعارض أو لا ، فإن لم يعتدّ بحركتها وقدر سكونها إذ النقل عارض وجب حينئذ مدّ الألف بعد همزة الاستفهام مداً مشبعاً كما يجب مدّها حالة عدم النقل ، وإن اعتدّ بحركتها قصر. وهذان الوجهان نصّ عليهما أبو الحسن طاهر بن غلبون وغيره في {ألم احسب} حال النقل ، و {ألم الله} حالة الوصل ، وذلك أصل مطرد عند القراء."

أقول : يُفهم من كلام ابن الجزريّ عليه رحمة الله أنّ أهل الأداء في همزة الوصل من حيث التسهيل والإبدال على ثلاثة مذاهب :
الأوّل مذهب من روى الإبدال وهم : صاحب التذكرة والهادي والهداية والكافي والتبصرة والتجريد والروضة والمستنير والتذكار والإرشادين والغايتين.
الثاني : مذهب من روى التسهيل وهم : صاحب العنوان والمجتبى.
الثالث : مذهب من روى الوجهين جميعاًً وهو : الشاطبي والداني والصفراوي في إعلانه ووالهذلي في كامله.

1 - أصحاب مذهب الإبدال :
قال ابن الجزريّ : "وبه قرأ الداني على شيخه أبي الحسن وبه قرأنا من طريق التذكرة والهادي والهداية والكافي والتبصرة والتجريد والروضة والمستنير والتذكار والإرشادين والغايتين وغير ذلك من جلة المغاربة والمشارقة."

فأمّا من التذكرة لأبي الحسن وقراءة الداني عليه ففي ذلك نظر لأنّه خلاف ما في التذكرة وجامع البيان. قال أبو الحسن في التذكرة : "فإنّ همزة تُحقّق فيها وتسقط نبرة همزة الوصل في اللفظ وتُمدّ همزة الاستفهام قليلاً ، فتصير في اللفظ همزة واحدة بعدها مدّة للفرق بين الاستفهام والخبر"(التذكرة 1/115) . أقول كلامه واضح في أنّ مذهبه هو التسهيل لا غير بقوله : "وتُمدّ همزة الاستفهام" ولم يقل همزة الوصل ، وقوله : "وتسقط نبرة همزة الوصل" ، دلالة على إبقاء الهمزة مع سقوط نبرتها وذلك لا يتحقّق إلاّ مع التسهيل إذ الإبدال لا يُبقي شيء من الهمزة لتحوّلها إلى حرف آخر فتأمّل ، وقوله : "تُمدّ همزة الاستفهام قليلاً" ، ولا ريب أنّ الإبدال يكون بالمدّ الطويل من جهة ولا يكون في همزة الاستفهام بل في همزة الوصل. والعجيب أنّ ابن القاضي في شرحه على الدرر فهم من كلام صاحب التذكرة الإبدال فقال : وعليه اقتصر – أي الإبدال – طاهر بن غلبون. ثمّ نقل النصّ فلعلّه قلّد ابن الجزري في ذلك. بينما نجد الأزميريّ فهم من نصّه التسهيل كما في بدائعه.
وقال الداني في جامع البيان بعد أن ذكر المذهبين : " فأمّا النصّ بذلك عن المحققين : فحدّثنا ابن غلبون ، قال حدّثنا عليّ ابن محمد ، قال أحمد بن سهل ، قال حدّثنا علي بن محصن ، قال حدّثنا عمرو عن حفص عن عاصم قال {آلذكرين} الحرفان يمدّ الألف فيهما ولا يهمزان {آلله أذن لكم} غير ممدود الألف" (جامع البيان ص217).
أقول : هذا النصّ يؤكّد أنّ مذهب طاهر ابن غلبون هو التسهيل إذ عنه حدّث الداني ولا شكّ أنّه به قرأ عليه لصريح عبارة ابن غلبون في التذكرة. والدليل على أنّ هذا النصّ يتضمّن وجه التسهيل لا غير ، هو أنّ الداني ذكر نصوصاً استدلّ بها على صحّة الوجهين فبدأ بالنصّ الذي حدّث به عن ابن غلبون والمتضمّن لوجه التسهيل ثمّ حدّث بنصّين يتضمّنان وجه الإبدال ، الأوّل عن محمد بن سعيد والثاني عن عبد الرحمن بن عمر. فالمجموع ثلاثة نصوص نصّ في التسهيل ونصّان في الإبدال. فلو أرد بالنصّ الأوّل الإبدال لكانت النصوص جميعاً تتضمّن الإبدال دون التسهيل وهذا غير معقول لأنّه ذكر الوجهين وصحّحهما بداية ثمّ قال : " فأمّا النصّ بذلك عن المحققين : فحدّثنا ابن غلبون ،...." ولمّا كان النصّ الثاني والثالث متعلّقين بوجه الإبدال بعبارة صريحة ، كان النصّ الأوّل متعلّقاً بالتسهيل ضرورة و لقوله : (الحرفان يمدّ الألف فيهما ولا يهمزان) والحرفان أي موضعي {آلذكرين} يُمدّ فيها همزة الاستفهام قليلاً لا همزة الوصل كما يُفسّره كلام صاحب التذكرة بقوله : "تُمدّ همزة الاستفهام قليلاً". وقوله – أي الداني- : "ولا يُهمزان " : أي مع سقوط نبرتهما بالتسهيل ، لأنّ الإبدال يستلزم المد ، والتسهيل يستلزم عدم الهمز بإسقاط نبرتها ، ولو أراد بهذه العبارة الإبدال لما قال "ولا يُهمزان " لزوال الهمزة المبدلة بالكلية. وقوله : "{آلله أذن لكم} غير ممدود الألف" وهذا دليل آخر على التسهيل لأنّ المدّ متعذّر مع التسهيل لقول الإمام الشاطبي : "ويقصره الذي يُسهّل عن كلّ كآلان مثلا".
أمّا من جهة القياس فلقد تتبعت من اقتصر على التسهيل في نحو {آلذكرين} وأخواتها وهم صاحب التذكرة والعنوان والمجتبى فوجدتّهم اقتصروا كذلك على التسهيل لورش في نحو {ءأنذرتهم}قياساً كما قال ابن الجزريّ : "فوجب أن تسهل بين بين قياساً على سائر الهمزات المتحركات بالفتح إذا وليتهن همزة الاستفهام." وقال في النشر في باب الهمزتين من كلمة : " وسهّلها عنه – أي الأزرق- بين بين صاحب العنوان وشيخه الطرسوسي وأبو الحسن طاهر ابن غلبون وأبو علي الحسن بن بليمة وأبو علي الأهوازي". أقول : هؤلاء جميعاً مذهبهم التسهيل في نحو {آلذكرين} اللهمّ إلاّ الأهوازي فإنّي لم أقف على مذهبه في ذلك ولكنّ الذي يظهر من النشر هو التسهيل لأنّه لم يذكره مع أصحاب الإبدال مع التذكير بأنّه ليس من طرق النشر.
وقد لا نعتبر ذلك من باب القياس بل من نفس الباب لأنّ الشاطبيّ أدرجهما في نفس الباب وكذا فعل ابن الجزريّ إلاّ أنّ الفرق يكمل في امتناع تحقيق الهمزتين في نحو {آلذكرين}. قال ابن الباذش : "فكلّ ما كان في كلمة فإنّه ينقسم قسمين ، أن تكون الهمزة الأولى داخلة على ألف اللام ، أو تكون داخلة على غيرها."(الإقناع 1/259). وقال الجعبري عند شرحه لقول الشاطبي : (وإن همز وصل بين لام مسكن...)" : "هذا تخصيص لعموم قوله : (وتسهيل أخرى الهمزتين) ، لأنّه لم يفرض الكلام في همزة القطع فعم وذكرها في الأصل – أي التيسير للداني- بيونس لأنّه أوّل أفرادها." (كنز المعاني 1/406).
ولمّا كان مذهب صاحب التذكرة في الهمزتين المفتوحتين من كلمة هو التسهيل لا غير كان كذلك في نحو {آلذكرين} بالضرورة من جهة النصّ والقياس. وهذا يجعلنا نحكم على أنّ رواية الإبدال في نحو {آلذكرين} من التذكرة من طريق النشر ضعيفة بنصّ التذكرة وجامع البيان والقياس.

وأمّا من الإرشاد ففيه نظرٌ أيضاً لأنّ قراءة الداني على أبي الحسن هو التسهيل كما يظهر من جامع البيان نصاً وهو مذهب أبي الحسن أيضاً على ما وجدناه في التذكرة وهو قرأ على أبيه صاحب الإرشاد ، فكيف يكون مذهبه الإبدال وتلميذه وتلميذ تلميذه نصا على التسهيل من طريقه. ويجدر أن أنبّه أنّ مذهب صاحب الإرشاد في الهمزتين المفتوحتين المتفقتين من كلمة هو التسهيل كما هو ظاهر عبارة صاحب الإرشاد وهو قوله : "قرأ ابن كثير ونافع وأبوعمرو وهشام عن ابن عامر بهمزة واحدة ومدّة حيث وقع هذا الباب إلاّ أنّ ابن كثير مدّ مداً دون مدّهم قليلاً – أي من غير إدخال- فحجّة القراء في ذلك أنّهم حققوا الأولى وخففوا الثانية فجعلوها مدّة عوضاً من ألف القطع أو ألف الأصل ..... وقال أهل اللغة أنّهم حققوا الأولى وخففوا الثانية فجعلوها بين الهمزة والألف الساكنة حيث وقع هذا الأصل. وقرأ الباقون وابن ذكوان عن ابن عامر بهمزتين في هذا الباب حيث وقع."(المخطوط لوحة رقم 32). أقول : ما أشار صاحب الإرشاد إلى الإبدال مطلقاً بل نصّ أنّ مذهب نافع هو التسهيل لا غير وبالتالي فيكون مذهبه في {آلذكرين} وأخواتها هو التسهيل أيضاً من جهة القياس لاندراجها في باب الهمزتين من كلمة كما سبق التنبيه عليه لا سيما إن سكت المؤلّف عن حكم {آلذكرين وأخواتها} كما هو حال صاحب الإرشاد.

وأمّا من الهادي فليس من طرق النشر كما سبق التنبيه عليه.

وأمّا من الهداية والكافي والتبصرة والتجريد فلم أجد في هذه الكتب إشارة إلى حكم {آلذكرين } وأخواتها وعليه فليس لنا إلاّ أن نأخذ بما ثبت بالأداء عن ابن الجزريّ إلى أصحاب هذه المصادر وهو الإبدال ، ويمكن الاستدلال على صحّة هذا الوجه من طرقهم بالقياس وذلك بمعرفة مذهب هؤلاء في الهمزتين المفتوحتين من كلمة كما قال ابن الجزريّ "فوجب أن تسهل بين بين قياساً على سائر الهمزات المتحركات بالفتح إذا وليتهن همزة الاستفهام." ولأنّ هذا الباب يدخل في باب الهمزتين من كلمة كما أشار إلى ذلك ابن الباذش والجعبري. أقول وكذلك يجب أن تُبدل همزة الوصل مع المدّ المشبع قياساً على سائر الهمزت المتحرّكات بالفتح إذا سبقتهم همزة الاستفهام. وهؤلاء جميعاً رووا الإبدال في الهمزتين المفنوحتين من كلمة. قال ابن الجزريّ في المفتوحتين من كلمة : " أمّا الأزرق فأبدلها عنه ألفاً خالصة صاحب التيسير وابن سفيان والمهدوي ومكي القيسي وابن الفحام وابن الباذش وغيرهم" (النشر 1/363). ولم يذكر معهم صاحب الكافي مع أنّ مذهبه هو الإبدال ولعلّ السبب هو ذكره لهم كان على سبيل التمثيل لا الحصر. قال صاحب الكافي : "وقد قيل إنّ ورشاً يبدل من الثانية ألفاً وعلى هذا تدلّ روايته ، لأنّ الرواية عنه أتت بالمدّ ، ولا يكون المدّ إلاّ بالبدل ولا يتمكّن بجعلها بين بين"(الكافي ص44).
أقول : وهذا ما يؤكّد صحّة قياس حكم {آلذكرين} وأخواتها مع الهمزتين المفتوحتين من كلمة في نحو {ءأنذرتهم} لورش من طريق الأزرق حيث نجد التطابق في الحكم بين الجنسين ، حيث من روى الإبدال في أحدهما رواه كذلك في الآخر ومن روى التسهيل في أحدهما رواه كذلك في الآخر ومن روى الوجهين في أحدهما رواهما في الآخر كالشاطبيّ والداني والصفراوي. قال ابن الجزريّ في المفتوحتين من كلمة :" وذكر الوجهين ابن شريح والشاطبي والصفراوي وغيرهم."(النشر 1/363). أقول : نعم قد ذكر ابن شريح في الكافي الوجهين ولكنّ الإبدال هو الثابت بالرواية عنه عن الأزرق لقوله : "لأنّ الرواية عنه أتت بالمدّ ، ولا يكون المدّ إلاّ بالبدل ولا يتمكّن بجعلها بين بين"(الكافي ص44). وكان ينبغي على ابن الجزريّ أن يذكر الداني ضمن أصحاب من روى الوجهين لقول الداني في التيسير : "وورش يُبدلها ألفاً ، والقياس أن تكون بين بين" التيسير ص139. وقد نقل عنه المنتوري الوجهين من كتابه التعريف والاقتصاد وإيجاز البيان.انظر شرح الدرر للمنتوري 1/259.
فالحاصل أنّ قياس {آلذكرين} وأخواتها على الهمزوتين المفتوحتين من كلمة لورش في نحو {ءأنذرتهم} قياس صحيح تُثبته النصوص والرواية وعليه فإنّ الإبدال في {آلذكرين} وأخواتها هو صحيح عن ابن الجزريّ من طريق الهداية والكافي والتبصرة والتجريد لأنّه الثابت بالأداء وبالقياس الصحيح وإن افتقر إلى النصّ الصريح.

وأمّا من كتاب الروضة سواء للمالكي أو المعدّل وكتاب المستنير والتذكار وإرشاد أبي العز القلانسي وغايتي ابن مهران وأبي العلاء الهمذاني فليست من طرق النشر للأزرق.


وأمّا طريق أبي معشر الطبري فقد سكت عنه ابن الجزريّ ولكنّه أشار إلى أنّ الإبدال هو مذهب العراقيين قاطبة في كتابه الإعلان في مسألة {ءآلئن} ، وأشار في نشره إلى أنّه مذهب جلّة المشارقة والمغاربة. ولا يمكننا أنّ نعتمد على القياس مقارنة بما ورد في الهمزتين المفتوحتين من كلمة من كتابه التلخيص لأنّه لم يذكر فيه طريقاً للأزرق وهو الذي تميّز عن غيره بالإبدال. وعلى هذا نأخذ له بوجه الإبدال من طريقه لعموم مقتضى أقوال ابن الجزريّ. والعلم عند الله تعالى.

2 - أصحاب مذهب التسهيل :
قال ابن الجزريّ : (قلت) وبه –أي بالتسهيل- قرأ الداني على شيخه..... وهو مذهب أبي طاهر إسماعيل بن خلف صاحب العنوان وشيخه عبد الجبار الطرسوسي صاحب المجتبى."(النشر 1/377و378). أقول : وهو مذهب مذهب ابن بليمة في تلخيصه كما هو ظاهر عبارته فيه.

فأمّا من العنوان فقال أبو طاهر : "فكلّهم يقرأ هذه الستة بهمزة مفتوجة بعد مدّة إلاّ ورشاً نقل حركة الهمزة إلى اللام الساكنة التي قبلها في قوله :{قل آلذكرين} في الموضعين ، وقوله : {قل آلله} فيحرّكها بحركتها ، ويسقط الهمزة فيلفظ بمدّ يسير من غير همز في هذه الثلاثة"(العنوان ص47).

وأمّا من المجتبى للطرسوسي فهو يظهر من النشر وهو الذي ينبغي الاقتصار عليه من طريقه لعدم ثبوت عندنا ما يناقض كلام صاحب النشر.

وأمّا من تلخيص ابن بليمة فقد سكت عنه صاحب النشر مع أنّ عبارة ابن بليمة صريحة في أخذه بوجه التسهيل بين بين. قال ابن بليمة : "واعلم أنّ ما دخلت فيه همزة الاستفهام على همزة الوصل التي مع لام المعرفة وجملتها ستة مواضع : في الأنعام موضعان {قل آلذكرين حرّم} وفي يونس موضعان {ءآلئن} وفيها {قل آالله أذن لكم} وفي النمل {ءآلله خير} فإنّ همزة الاستفهام في هذه المواضع تحقّق وتسقط النبرة التي في همزة الوصل فتمدّ همزة الاستفهام قليلاً فتصير في التقدير نصف ألف للفرق بين الاستفهام والخبر." (تلخيص العبارات ص28). وهو مذهبه أيضاً في الهمزتين المفتوحتين من كلمة فيكون وجه التسهيل ثابتاً عنده بالنصّ والقياس.

3 - رواة الوجهين :
قال ابن الجزريّ : "وهو أحد الوجهين في التيسير والشاطبية والإعلان واختاره أبو القاسم الشاطبي." وقال في رسالته المسماة الإعلان في مسألة {ءآلئن} : "وأحد الوجهين في الكامل والتيسير والشاطبية وهو اختيار أبي عمرو عثمان بن سعيد الداني.

فأمّا الداني فقد قال في كتابه التيسير : "وورش يُبدلها ألفاً ، والقياس أن تكون بين بين" التيسير ص139. وقد نقل عنه المنتوري الوجهين من كتابه التعريف والاقتصاد وإيجاز البيان.انظر شرح الدرر للمنتوري 1/259. فالتسهيل من قراءته على أبي الحسن بن غلبون كما حققناه ، ومن قراءته على ابي الفتح فارس ابن أحمد على ما يظهر من بعض النسخ النشرية وبالوجهين عن ابن خاقان على ما يقتضيه كتاب التيسير لأنّه أسند الكتاب من طريقه.

وأمّا من الشاطبيّة فظاهر لقول صاحبها : وإن همز وصل بين لام مسكّن....البيت. وأمّا من الإعلان فليس من طرق النشر.

وأمّا من الكامل فقال الهذلي : "{ءآلذكرين} بهمزتين أبو خالد عن قتيبة ، وهكذا أخواتها ، الباقون بهمزة ممدودة وهو الاختيار لدخول همزة الاستفهام على ألف الوصل." (الكامل ص382). أقول : فقوله وهو الاختيار أي يختار الإبدال ومعناه أنّ التسهيل ثابت عنده إلاّ أنّه اختار الإبدال وقدّمه في الأداء. ويؤيّد ذلك قوله : "{آلسحر} ممدود أبي عمر ، وقتادة ، ومجاهد ، وأبو جعفر ، وشيبة ، والزعفراني ، والحسن ، وحميد ، وأبان عن عاصم ، وابن مقسم وهو الاختيار لأنّ الاستفهام فيه أبلغ ، الباقون على الخبر."(الكامل ص569). فقوله : " وهو الاختيار لأنّ الاستفهام فيه أبلغ" أي أنّ الاستفهام مع المدّ أبلع من تسهيل الهمزة ومعناه أنّه قدّم الإبدال على التسهيل لكونه أبلغ في الاستفهام ولم يمنع وجه التسهيل إذ لو منعه لما احتاج إلى استعمال لفظ (الاختيار). وقد أثبت الأزميري وجه التسهيل من الكامل في بدائعه ، وكذا يوسف أفندي زادة في كتابه الائتلاف.

وأمّا طريق الإعلان فليس من طرق الطيّبة.

خلاصة المسألة :
نخلص مما سبق من البيان أنّ رواة الإبدال هم : صاحب الهداية والكافي والتبصرة والتجريد وطريق أبي معشر الطبري. وأنّ رواة التسهيل هم صاحب التذكرة والإرشاد وقراءة الداني على أبي الحسن على ما حققناه وكذا من قراءته على أبي الفتح فارس بن أحمد على ما يتّضح في بعض النسخ النشرية. وكذا مذهب ابن بليمة وصاحب العنوان والمجتبى.
وأمّا رواة الوجهين فهم الشاطبي والهذلي والداني من قراءته على ابن خاقان بما يقتضيه كتاب التيسير.

ومن المعلوم أيضاً أنّ وجه الإبدال يشمل المدّ والقصر لورش ولغيره من الناقلين لحركة الهمزة إلى الساكن قبلها في {آلئان} لتغيّر السكون بحركة النقل. قال ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى في كتابه الإعلان : "فمن لم ينقل حركة الهمزة بعد اللام إلى اللام الساكنة قبلها مدّ على الألف بعد الهمزة الأولى مداً مشبعاً لالتقاء الساكنين كفواتح السور ، ومن نقل كورش وقالون وأبي جعفر فلا يخلو إمّا أن يعتدّ بالعارض أو لا ، فإن لم يعتدّ بحركتها وقدر سكونها إذ النقل عارض وجب حينئذ مدّ الألف بعد همزة الاستفهام مداً مشبعاً كما يجب مدّها حالة عدم النقل ، وإن اعتدّ بحركتها قصر. وهذان الوجهان نصّ عليهما أبو الحسن طاهر بن غلبون وغيره في {ألم احسب} حال النقل ، و {ألم الله} حالة الوصل ، وذلك أصل مطرد عند القراء."
أقول : أكتفي بهذا النصّ في إثبات صحّة المدّ والقصر على الإبدال من جميع الطرق التي صحّ فيها الإبدال في همزة الوصل لورش من النشر لأنّها قاعدة عامّة وليس خاصّة بطرق دون أخرى لقول ابن الجزريّ : "وهذان الوجهان نصّ عليهما أبو الحسن طاهر بن غلبون وغيره في {ألم احسب} حال النقل ، و {ألم الله} حالة الوصل ، وذلك أصل مطرد عند القراء."

وفي الجزء الثاني سأتطرق إن شاء الله تعالى إلى المسألة الثانية في {ءآلئن} التي دار عليها الخلاف وهي جواز تمكين همزة الوصل على أنّها من باب {ءامن}و{ءازر}.

والله الموفّق.
 
الجزء الثاني في تحرير {ءآلئن}.

الجزء الثاني في تحرير {ءآلئن}.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد

سأشرع بحول الله تعالى في الجزء الثاني من مسألة {ءآلئن} والتي تتعلّق بإلحاق الألف الاولى أي همزة الوصل بباب {ءامن} محاولاً تفكيك عبارات ابن الجزري وتوضيحها ثمّ تطبيق مقتضاها عملياً. فأقول وبالله التوفيق.

قال ابن الجزريّ : "وأما ورش من طريق الأزرق فله حكم آخر من حيث وقوع كل من الألفين بعد الهمز إلا أن الهمزة الأولى محققة والثانية مغيرة بالنقل. وقد اختلف في إبدال همزة الوصل التي نشأت عنها الألف الأولى وفي تسهيلها بين بين فمن رأى إبدالها لازماً ومنهم من رآه جائزاً ومنهم من رأى تسهيلها لازماً ومنهم من رآه جائزاً وسيأتي تحقيقه في باب الهمزتين من كلمة فعلى القول بلزوم البدل يلتحق بباب المد الواقع بعد همز ويصير حكمها حكم (آمن) فيجري فيها للأزرق المد والتوسط والقصر وعلى القول الآخر بجواز البدل يلتحق باب (آنذرتهم، وآلد) للأزرق عن ورش فيجري فيها حكم الاعتداد بالعارض فيقصر مثل (أألد) وعدم الاعتداد به فيمد (كآنذرتهم) ولا يكون من باب (آمن) وشبهه فذلك لا يجري فيها على هذا التقدير توسط. (النشر1/358).

وقال في كتابه الإعلان : "إذا عُلم ذلك ، فإنّ لورش مذهباً آخر يختصّ به في المدّ بعد الهمز ، وذلك المقصود من ذكر هذه المسالة ، فتقول الأئمّة الذين نقلوا عن ورش من باب {ءامن} و {ءازر} ، وشبهه لا يخلو عندهم حرف المدّ الأوّل من {ءآلئن} إمّا أن يكون واجب البدل أو جائِزَهُ فمن كان عنده جائز البدل كصاحب التيسير والشاطبية فلا يجوز أن يُلحق عنده بباب {ءامن} و {ءازر} ، لأنّه واجب البدل بل بباب {ءآنذرتهم} و {ءالد} ، فإنّه جائز البدل لثبوت التسهيل عندهم في قراءة أخرى ، فإن نظرنا إلى ما كان في الأصل قبل النقل مددناهم مداً مشبعاً مثل {ءآنذرتهم} و {ءأنت}حالة البدل أيضاً ، وأمّا من كان عنده واجب البدل كما هو مذهب الجمهور من أهل الأداء فلا يجوز أن تُلحق عندهم بباب{ءامن} و {ءازر} إلا على تقدير اعتدادهم بالعارض وذلك بعد أصل لورش ينبغي أن يُعرف وهو أنّ مذهبه أن حرف المد الواقع بعد الهمزة إذا وقع بعده همزة أو ساكن مدَّ لأجل الهمزة والساكن ، لأنّه أقوى فيُلغى الأضعف وهو مدّه لأجل الهمزة قبله ، لأنّ مدّ حرف المدّ للهمزة قبله ضعيف ومدّه للهمزة بعده أو للساكن قويّ ، وإذا اجتمع معنا سببان ضعيف وقويّ رُوعي الأقوى وأُلغي الأضعف ، ولذلك لم يكن لورش في {ءآمين} و {رءآ أيديهم} و {جآءوا أباهم} ونحوه ثلاثة أوجه بل وجه واحد وهو المدّ مراعاة للهمزة والساكن الذي بعد حرف المدّ ، وله إذا وقف على {رءآ} و {جآءوا} الثلاثة الأوجه التي له لزوال الهمزة التي بعدها. فإذا عُلم ذلك ، فإن لم يعتد بالعارض في {ءآلئنِ} وهو نقل الحركة يمدّ لورش مداً مشبعاً من أجل سكون اللام ، لأنّ حركتها عارضة فهي على هذا التقدير مثل {ءآمّين البيت} و {ءآلله أذن} ، وإن اعتددنا بالعارض وإلى ما آل إليه اللفظ يكون فيه ثلاثة أوجه : فيُشبعه من مذهبه الإشباع ، ويوسّطه من مذهبه التوسط ويقصره من مذهبه القصر ، هذا حكم الألف التي قبل اللام."انتهى كلام ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى.

أقول : يُفهم من كلام ابن الجزريّ أنّ المسألة دائرة بين مذهبين :


المذهب الأول : يرى لزوم الإبدال في همزة وصل {ءآلئنِ} لتعذّر تحقيق همزة الوصل كلزوم الإبدال في {ءامن} بالنظر إلى الأصل وهو {أَأْمن} حيث أُبدلت الثانية حرف مد من جنس حركة ما قبلها وجوباً ولزوماً كما قال الشاطبي عليه رحمة الله : (وإبدال أخرى الهمزتين لكلهم .....إذا سكنت عزم كآدم أوهلا) فألحقت الألف الأولى من{ءآلئنِ} ب{ءامن} لاتفاقهما في اللزوم. وفي هذه الحالة لا يخلو إمّا أن يُعتدّ بالأصل أو بالعارض. فإن اعتُدّ بالأصل أي بالسكون وجب حينئذ إبدال همزة الوصل مع المدّ المشبع تقديماً للسبب القويّ وهو السكون الموجب للإشباع على السبب الأضعف وهو البدل لاجتماعهما في الألف الأولى من {ءآلئن}ولا يجوز القصر هنا لأنّه اعتُدّ بالأصل لا بالعارض. وإمّا أن يُعتدّ بالعارض فتلحقّ ب {ءامن} و {ءازر} قصراً وتوسّطاً وطولاً كلّ بحسب مذهبه في التمكين لأنّ السبب القويّ لم يُعتدّ به فاعتُدّ بالأضعف. قال ابن الجزريّ : "وإذا اجتمع معنا سببان ضعيف وقويّ رُوعي الأقوى وأُلغي الأضعف ، ولذلك لم يكن لورش في {ءآمين} و {رءآ أيديهم} و {جآءوا أباهم} ونحوه ثلاثة أوجه بل وجه واحد وهو المدّ مراعاة للهمزة والساكن الذي بعد حرف المدّ ، وله إذا وقف على {رءآ} و {جآءوا} الثلاثة الأوجه التي له لزوال الهمزة التي بعدها. فإذا عُلم ذلك ، فإن لم يعتد بالعارض في {ءآلئنِ} وهو نقل الحركة يمدّ لورش مداً مشبعاً من أجل سكون اللام ، لأنّ حركتها عارضة فهي على هذا التقدير مثل {ءآمّين البيت} و {ءآلله أذن} ، وإن اعتددنا بالعارض وإلى ما آل إليه اللفظ يكون فيه ثلاثة أوجه : فيُشبعه من مذهبه الإشباع ، ويوسّطه من مذهبه التوسط ويقصره من مذهبه القصر ، هذا حكم الألف التي قبل اللام."انتهى كلام ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى.
ولزوم الإبدال يقتضي أن يكون مذهباً للمقتصرين عليه في {ءآلئنِ} وأخواتها دون التسهيل لأنّ لزوم الوجه يقتضي الاقتصار عليه إذ لا يُعقل أن يُجنح إلى لزوم البدل ثمّ يؤخذ بوجه التسهيل أو يُقتصر عليه لأن ذلك ينافي اللزوم لقول ابن الجزريّ في كتابه الإعلان :" فمن كان عنده جائز البدل كصاحب التيسير والشاطبية فلا يجوز أن يُلحق عنده بباب {ءامن} و {ءازر} ، لأنّه واجب البدل بل بباب {ءآنذرتهم} و {ءالد} ، فإنّه جائز البدل لثبوت التسهيل عندهم في قراءة أخرى" وعليه فإنّ لزوم الإبدال في همزة وصل {آلئنِِ} هو مذهب صاحب الهداية والكافي والتبصرة والتجريد وطريق أبي معشر الطبري ، لأنّهم اقتصروا على الإبدال للزومه ووجوبه فجاز في مذهبهم الأوجه الثلاثة في همزة الوصل كلّ على حسب مذهبه في تمكين البدل في نحو {ءامن}، وهذا على حسب ما ذكره ابن الجزريّ في كتاب الإعلان. أمّا في كتابه النشر فقد ألحق التيسير والشاطبية بأصحاب من ألزم البدل لأنّه مذهب ابن خاقان وعليه قرأ الداني وهو من طرق الشاطبية والتيسير لقول ابن الجزريّ في النشر : "وإذا قرئ بالتوسط في الأولى – أي في همزة الوصل على مذهب من ألزم الإبدال - جاز في الثانية وجهان وهما التوسط والقصر ويمتنع المد فيها من أجل التركيب فتوسط الأولى على تقدير لزوم البدل وتوسط الثانية على تقدير عدم الاعتداد بالعارض فيها وهذا الوجه طريق أبي القاسم خلف بن خاقان وهو أيضاً في التيسير ويخرج من الشاطبية" . أقول : والعبرة فيما قاله ابن الجزريّ في كتابه النشر دون كتابه الإعلان ، حيث أشار في نشره إلى أنّ كتاب الإعلان الذي ألّفه هو من إملائه القديم الذي لم يبلغ فيه ما بلغ في كتابه النشر من التحقيق في المسألة. وعليه ينبغي أن يؤخذ من طريق التيسير والشاطبية بوجه لزوم البدل مع ثبوت التسهيل من طريقيهما لأنّ قراءة الداني على ابن خاقان هي بلزوم البدل كما يظهر من كلام ابن الجزريّ في نشره وهو طريق التيسير وطريق من طرق الشاطبية فيكون لزوم الإبدال وعدمه ثابتين جميعاً من طريقيهما. وعليه يكون لزوم البدل من طريق الهداية والكافي والتبصرة والتجريد وطريق أبي معشر الطبري وأحد المذهبين في التيسير والشاطبية.

فالإشباع في همزة الوصل يتعيّن من الهداية والكافي والتبصرة والتجريد وطريق أبي معشر الطبري سواء اعتددنا بالأصل أم بالعارض ، فإن اعتددنا بالأصل أشبع المدّ لأجل قوّة سبب السكون على سبب البدل وإن اعتددنا بالعارض أخذنا بالطول كذلك لأنّ مذهب هؤلاء هو الطول في البدل. وأمّا من التيسير فنأخذ له بالطول إن اعتددنا بالأصل ، وبالتوسط إن اتعددنا بالعارض لأنّ مذهبه في البدل هو التوسط. وأمّا من الشاطبية فنأخذ له بالطول إن اعتددنا بالأصل وبالأوجه الثلاثة إن اعتددنا بالعارض.


المذهب الثاني وهو مذهب من لم ير لزوم الإبدال وهم على قسمين :

القسم الأوّل : وهم رواة الوجهين جميعاً : الإمام الشاطبيّ والداني في تيسيره والهذلي في كامله.

قال ابن الجزريّ : "وعلى القول الآخر بجواز البدل يلتحق باب (آنذرتهم، وآلد) للأزرق عن ورش فيجري فيها حكم الاعتداد بالعارض فيقصر مثل (أألد) وعدم الاعتداد به فيمد (كآنذرتهم) ولا يكون من باب (آمن) وشبهه فذلك لا يجري فيها على هذا التقدير توسط. (النشر1/358). أقول : الإبدال على هذا المذهب لايكون إلاّ مع الطول والقصر ، فالطول باعتبار الأصل وهو السكون الموجب للإشباع ، والقصر باعتبار زوال السكون بالحركة العارضة ويمتنع وجه التوسّط لأنّه لا يُلحق بباب {ءامن} و {ءازر} إلاّ من الشاطبية والتيسير لدخولهما في المذهب الأوّل لأنّه مذهب ابن خاقان وهو من طريق التيسير ومن طرق الشاطبية.

فأمّا من الشاطبية فيكون البدل على اللزوم والجواز جميعاً كما سبق في غير موضع ، فاللزوم كون هو مذهب ابن خاقان وهو مصدر التيسير وأحد مصادر الشاطبية ، والجواز لثبوت وجه التسهيل من طريقيهما. وحينئذ يكون القصر على جواز البدل وعدم لزومه بإبدال همزة الوصل مع القصر اعتداداً بالعارض وهو تحرّك اللام الموجب للقصر فتُلحق بباب {ءألد} أو على اللزوم فتلحق بباب {ءامن} عند القصر. والتوسط على لزوم البدل فتلحق بباب {ءامن} لا غير. والطول على اللزوم والجواز جميعاً ، فالطول على الجواز بإبدال همزة الوصل حرف مدّ مشبع اعتداداً بالأصل على أنّها من باب {ءآنذرتهم} ، وعلى اللزوم على أنّها من باب {ءامن} حال الطول مع أنّ طريق لزوم الإبدال من الشاطبية يختصّ بطريق ابن خاقان الذي مذهبه التوسط ولكن لما كانت مصادر الشاطبية لورش مجهولة لاقتصار صاحب النشر على إسناد الداني اختصاراً أخذنا بالمذهبين لاحتمال ورودهما مع الأوجه الثلاثة لا سيما وأنّ الأداء واحد فيبقى الخلاف لفظياً. وأمّا التسهيل فظاهر لا يحتاج إلى تفصيل. فالحاصل أربعة أوجه من الشاطبية وهي القصر والتوسط والطول على لزوم البدل والقصر والطول على جوازه وهي تجتمع في الأوجه الثلاثة أداءً بالإضافة إلى وجه التسهيل.

وأمّا من التيسير فيكون البدل على اللزوم والجواز جميعاً ، فاللزوم كونه مذهب ابن خاقان وهو طريق الداني من التيسير ، فيمدّ همزة الوصل بالتوسط على أنّها من باب {ءامن} ، ويكون البدل على الجواز أيضاً لثبوت وجه التسهيل في كتاب التيسير لقول الداني في تيسيره : "وورش يُبدلها ألفاً ، والقياس أن تكون بين بين" التيسير ص139. وعليه يكون الإبدال مع الطول اعتداداً بالأصل ومع القصر اعتداداً بالعارض.
فالحاصل أنّ عدد أوجه همزة الوصل من التيسير أربعة :
- الإبدال مع التوسط للزوم البدل ولاعتداد بالعارض
- ومع الطول للزوم البدل والاعتداد بالأصل وهو السكون فقدّم على غيره لقوّة سببه فيكون من باب {ءآنذرتهم} و لجواز البدل أيضاً اعتداداً بالأصل الذي هو السكون الموجب للإشباع
- ومع القصر لجواز البدل مع الاعتداد بالعارض
- والتسهيل بين بين.

وأمّا من الكامل فيكون البدل على الجواز لأنّ ثبوت وجهي التسهيل والإبدال عنده ينفي لزوم البدل له وهذا هو الأصل إلاّ إذا ثبت لزوم البدل في بعض روايات الهذلي كما ثبت في التيسير والشاطبية وهو قراءة الداني على ابن خاقان. وأمّا التسهيل فظاهر لا يحتاج إلى تحرير. وبالتالي فيكون للهذلي ثلاثة أوجه : الإبدال مع الطول اعتداداً بالأصل ومع القصر اعتداداً بالعارض ووجه التسهيل ويمتنع التوسط لعدم لزوم البدل عنده.

القسم الثاني وهم الذين اقتصروا على التسهيل وهم : صاحب التذكرة والإرشاد وقراءة الداني على أبي الحسن على ما حققناه سالفاً وكذا من قراءته على أبي الفتح فارس بن أحمد على ما يتّضح في بعض النسخ النشرية. وكذا مذهب ابن بليمة وصاحب العنوان والمجتبى. وهؤلاء ليسوا معنيين بالإبدال مطلقاً فيُقتصر على التسهيل من طرقهم. وعليه فوجه التسهيل يكون مع قصر البدل وتوسطه وطوله. فالتسهيل مع القصر من طريق التذكرة وإلإرشاد وأحد الثلاثة من الشاطبية وقراءة الداني على أبي الحسن ومع التوسط من التيسير وقراءة الداني على أبي الفتح ومن تلخيص ابن بليمة والثاني من الشاطبية ، ومع الطول من طريق العنوان والمجتبى واالثالث من الشاطبية.

وأمّا احتمال لزوم البدل لابن بليمة كما ذكر في النشر فغير مسلّم به إذ اتّضح أنّ مذهبه هو التسهيل لا غير كما مرّ في الجزء الأوّل.


فالحاصل أنّ أوجه همزة الوصل أي الألف الأولى في {آلئن} تنحصر في أربعة أوجه : الإبدال مع القصر والتوسط والطول وتسهيلها بين بين.
- فالإبدال مع القصر من الشاطبية على ولزوم البدل والجواز جميعاً ، ومن التيسير والكامل على جواز البدل اعتداداً بالعارض.
- والإبدال مع التوسط على لزوم البدل من الشاطبية والتيسير.
- والإبدال مع الطول على لزوم البدل اعتداداً بالأصل والعارض جميعاً من الهداية والكافي والتبصرة والتجريد وطريق أبي معشر الطبري. ومن الشاطبية والتيسير اعتداداً بالأصل فقط. وعلى الجواز البدل اعتداداً بالأصل من الشاطبية والتيسير والكامل.
- والتسهيل من التذكرة وإلإرشاد وقراءة الداني على أبي الحسن وأبي الفتح ومن تلخيص ابن بليمة ولعنوان والمجتبى وأحد أوجه الشاطبية والتيسير.

وتكمل أهمّية معرفة الواجب من الجائز في البدل إدراك ما الذي ينبغي تسويته ب {آمنتم} وما لا ينبغي تسويته به كقوله تعالى{ أثمّ إذا ما وقع آمنتم به آلئن} , فالمعنيّ بالسويته مع {ءامنتم} هو الذي أبدل لزوماً مع القصر والتوسط والطول. ففي قوله تعالى { أثمّ إذا ما وقع آمنتم به آلئن} عشرة أوجه أوجه : ثلاثة على قصر {ءامنتم به} ، وأربعة على التوسط ، وثلاثة على الطول ، وهي كالآتي :

- فعلى قصر بدل {ءامنتم به} لك الطول في الألف الأولى من {آلئن} على جواز البدل من الشاطبية اعتداداً بالأصل ولك القصر من الشاطبية على لزوم البدل وجوازه ، ولك تسهيل همزة الوصل من الشاطبية والتذكرة والإرشاد وقراءة الداني على أبي الحسن.
- وعلى توسط بدل {ءامنتم به} لك التوسط في الألف الأولى من الشاطبية والتيسير على لزوم البدل ، والطول والقصر منهما على الجواز ثمّ تسهيل همزة الوصل من الشاطبية والتيسير وتلخيص ابن بليمة وقراءة الداني على أبي الفتح,
- وعلى طول بدل {ءامنتم به} لك الطول في الألف الأولى من الهداية والكافي والتبصرة والتجريد وطريق أبي معشر الطبري على لزوم البدل اعتداداًَ بالأصل والعارض ومن الشاطبية أيضاً لكن اعتداداً بالأصل, وعلى جواز البدل من الشاطبية والكامل اعتداداً بالأصل. ولك القصر على جواز البدل من الشاطبية والكامل اعتداداً بالعارض ، ثمّ تسهيل همزة الوصل من الشاطبية والعنوان والمجتبى والكامل.

وفي الأخير نحصل على النتيجة التالية :
- على قصر {ءامنتم} لك الطول والقصر والتسهيل
- وعلى التوسط لك الأوجه الثلاثة والتسهيل
- وعلى الطول لك الطول والقصر والتسهيل.

وسأتطرّق إن شاء الله في المرّة القادمة إلى مذهب المتولّي ومناقشة رفضه إلحاقَ الألف الأولى من {ءآلئن} ب {ءامن} و {ءازر}.

والحمد لله ربّ العالمين.
 
مناقشةُ : ردّ المتولّي على ابن الجزريّ في إلحاقه الألف الأولى من {ءآلئن} بباب {ءامن}وشبهه

مناقشةُ : ردّ المتولّي على ابن الجزريّ في إلحاقه الألف الأولى من {ءآلئن} بباب {ءامن}وشبهه

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد

قد اعترض المتولّي على ابن الجزريّ في إلحاقه الألف الأولى من {ءآلئن} بباب {ءامن} وشبهه للأزرق فقال رحمه الله تعالى : "ثمّ الآن نقول : لا يخفى أنّ إلحاق الألف الأولى من {آلئن} بباب {ءامن} وشبهه للأزرق فيه نظر لأنّ مدّها لازم وإنّما تغيّر سببه وهو السكون بحركة النقل فوجب حينئذ أن يكون كنظائره من نحو {البغاء إن أردن} في وجه إبداله مدّاً للأزرق و ٍ{الم احسب} و {الم الله} حالة الوصل لغير الساكت وشبه ذلك فيجري فيها حكم الاعتداد بالعارض فتُقصر وعدمه فتُمدّ ولا وجه للتوسّط"(الروض ص245).

أقول : في كلام المتولي نظر : فقوله (لا يخفى أنّ إلحاق الألف الأولى من {آلئن} بباب {ءامن} وشبهه للأزرق فيه نظر).

أقول : إن كان كذلك فكيف خفِيَ على ابن الجزريّ وجميع من تبعه حتّى عصر المتولّي رحمه الله تعالى حيث لم أقف على من سبق المتولي في الاعتراض على ابن الجزري في المسألة بالذات ولو وُجد لنقله المتولّي نفسُه ليُقوّيَ وِجهة نظره في ذلك.

قوله : ( لأنّ مدّها لازم وإنّما تغيّر سببه وهو السكون بحركة النقل فوجب حينئذ أن يكون كنظائره من نحو {البغاء إن أردن} في وجه إبداله مدّاً للأزرق و{الم احسب} و {الم الله} حالة الوصل لغير الساكت وشبه ذلك فيجري فيها حكم الاعتداد بالعارض فتُقصر وعدمه فتُمدّ ولا وجه للتوسّط).

أقول : الفرق بين {البغاء إن أردن} و {ءآلئن} أنّ الاولى تحتوي على همزتين قطعيّتين يجوز تحقيقهما ويجوز تسهيل الثانية بين بين ، ويجوز إسقاط الاولى أو إبدالها حرف مدّ ويجوز إبدالها أيضاً ياء خالصة مكسورة وهذا يدلّ على أنّ الإبدال ليس لازماً لا عند أهل اللغة ولا عند أهل الأداء لكثرة الوجوه. وأمّا {ءآلئن} فالهمزة الثانية وصْلية عارضة لا يجوز فيها التحقيق ولا الإدخال فإبدالها لازمٌ عند الأكثرين فهي بمثابة لزوم إبدال الثانية الساكنة في {أأمن} باعتبار الأصل فصارت {ءامن} لزوماً ووجوباً لقول الشاطبيّ (وإبدال أخرى الهمزتين لكلّهم ...إذا سكت عزم كآدم أوهلا}. وعليه فلا يصحّ قياس {البغاء إن أردن} ب {ءآلئن} كما فعل المتولي. وبالتالي فقد بنى هذا الأخير نقده على القياس وقياسه غير مسلّم به وحتّى إن سلمنا أنّ القياس صحيح فهل نردّ به ما صحّ في النشر رواية ؟.

ثمّ قال المتولّي : وقال في النشر آخر باب المدّ والقصر في عارض الحركة والسكون ما نصّه : "لا يجوز التوسّط فيما تغيّر سبب المدّ فيه ، ويحوز فيما تغيّر فيه سبب القصر نحو {نستعين} في الوقف والفرق بينهما أنّ المدّ في الأوّل هو الأصل ثمّ عرض التغيير في السبب فمدّ على الأصل ، وحيث اعتدّ في العارض قصر إذا كان القصر ضدّاً للمدّ ، والقصر لا يتفاوت ، وأمّا القصر في الثاني فإنّه الأصل ثمّ عرض سبب المدّ حيث اعتُدّ بالعارض مدّاً إلاّ أنّه وإن كان ضدّاً للقصر يتفاوت طولاً وتوسطاً فأمكن التفاوت فيه انتهى كلام ابن الجزري. قال المتولي وأنت ترى أنّ ما نحن بصدده من الأوّل." الروض ص246.

أقول : كلامه رحمه الله تعالى ينطبق على المدّ اللازم الذي مُدّ لأجل سكونه وقَصُر لأجل تغيّر سكونه نحو {ألم الله} إذ لا شكّ أنّه لا يجوز فيه التوسط لانعدام سببه إذ السكون بعد المدّ يوجب الطول ، والحركة بعد المدّ توجب القصر فلا مكان للتوسّط هنا. أمّا في {ءآلئن} فالتوسط لم يكن باعتبار تغيّر السكون بحركة النقل وإنّما للزوم البدل بعد تغيّر السكون ، فاختلفا في السبب. ففي {ألم الله} مّد لأجل السكون الأصلي وقصر لأجل الحركة العارضة وأمّا {ءآلئن} وُسّط لأجل لزوم البدل لا لأجل السكون الأصلي ، فهما جنسان مختلفان لاختلاف سبب تمكينهما ، وبالتالي فكلام ابن الجزري لا يصلح لردّ وجه التوسّط فتأمّل. بدليل أنّ المتولي نقل كلاماً لابن الجزري في التنبيه العاشر ققال – أي ابن الجزريّ – "(العاشر) تقدم التنبيه على أنه لا يجوز التوسط فيما تغير سبب المد فيه على القاعدة المذكورة ويجوز فيما تغير سبب القصر نحو (نستعين)."وقال قبله في التنبيه الثامن "(الثامن) إذا قرئ (الم) بالوصل جاز لكل من القراءة في الياء من (ميم) المد والقصر باعتبار استصحاب حكم المد والاعتداد بالعارض على القاعدة المذكورة وكذلك يجوز لورش ومن وافقه عن النقل في (الم. أحسب) الوجهان المذكوران بالقاعدة المذكورة. وممن نص على ترك المد إسماعيل بن عبد الله النخاس ومحمد ابن عمر بن خيرون القيرواني عن أصحابهما عن ورش. وقال الحافظ أبو عمرو الداني والوجهان جيدان. وممن نص على الوجهين أيضاً أبو محمد مكي وأبو العباس المهدوي. وقال الأستاذ أبو الحسن طاهر بن غلبون في التذكرة: وكلا القولين حسن غير اني بغير مد قرأت فيهما وبه آخذ (قلت) إنما رجح القصر من أجل أن الساكن ذهب بالحركة. وأما قول أبي عبد الله الفاسي ولو أخذ بالتوسط في ذلك مراعاة لجانبي اللفظ والحكم لكان وجهاً فإنه تفقه وقياس لا يساعده نقل وسيأتي علة منعه والفرق في التنبيه العاشر قريباً والله أعلم.".
أقول انظر إلى كلام ابن الجزريّ : "وسيأتي علة منعه والفرق في التنبيه العاشر قريباً والله أعلم." وقد نقل المتولي كلام ابن الجزري في التنبيه العاشر لردّ التوسّط في {ءآلئن} مع أنّه كان خاصّاً بالمدّ الذي أُشبع لأجل سكونه وقَصُر لأجل تغيّر سكونه نحو {ألم الله} ، وردّاً على قول أبي عبد الله الفاسي الذي أجاز التوسط في {ألم الله} ، أمّا {آلئن} فالتوسّط لم يكن لهذا السبب كما ذكرنا وإنّما كان للزوم البدل.

وأستغرب كيف يردّ المتولّي كلام ابن الجزري بكلام ابن الجزريّ ، إذ في كلامه الأوّل تأصيل للزوم البدل في {آلئن} وفي كلامه الثاني تأصيل في عدم جواز التوسّط في المدّ الذي بعده ساكن ثمّ تغيّر سكونه. ولا تناقض بينهما لاختلاف الجنسين وسببهما إذا مُدّت {آلئن} على أساس لزوم بدلها لا لأجل سكونها الأصلي. فإن رأى المتولّي تناقضاً في عبارتي ابن الجزري فعلى أيّ أساس يُقدّم أحدهما على الآخر والقائل للعبارتين واحد. أليس الأولى الجمع بين مضمون العبارتين بدل إلغاء واحدة منهما على حساب الأخرى.
وعليه فلا وجه لمنع وجه التوسّط في {آلئن} على مذهب من وسّط البدل واعتبر البدل لازماً في الألف الأولى ، ولكن مع الأسف لم يعد لهذا الوجه وجود فيما أعلم من وقت المتولّي ، فينبغي إعماله من جديد.

والعلم عند الله تعالى.
 
كعادته المشكورة أتحفنا الشيخ محمد يحيى شريف بمسائل في النشر لا يلتفت لها كثير من أمثالنا. وأنا أشكر له هذا السلوك، وأعتبره التحريرَ الذي يليق، والنظرَ الذي خصّ به الفحولُ من أهل التحقيق. وأرجو أن يمنحه الله مزيدا من التوفيق، ويكتب له القبول. ويسرني أن أبدي له رأيي في المسألة:
1 - ما ذهب إليه المتولي هو الصواب إن شاء الله. وليس بعجيب اعتماده على مقدمات ابن الجزري لنقض نتيجته.
2 - همزة الوصل المصاحبة للام التعريف عوملت معاملة همزة القطع في التسهيل والإبدال على حدّ سواء بغض النظر عن الفرق بينهما في حالة الإبدال حسب القاعدة القائلة بأن "الهمزة إذا تحركت واعتمدت على متحرك قبلها فلا تغير إلا بالتسهيل".
3- ولا شك أن كلا من ابن الجزري والمتولي ومحمد يحيى شريف يتكلم عن همزة الوصل في {ءالــــن} حالة الإبدال فقط. ولا شك عندهم أن اللام ساكنة في الأصل، والحكم عندئذ مدّ الألف للساكن اللازم بعده. وأن فتحة اللام عارضة، وفي مد الألف اعتباران: الأول: الطول باعتبار الأصل، والثاني: الانتقال. ولا يكون الانتقال إلا إلى القصر، والقصر لا يتفاوت، على حد تعبير ابن الجزري نفسه.
4- المانع من إلحاق باب {ءالن} بباب {ءامن} في البدلية هو المانع في نحو {ءأسلمتم} في حال الإبدال. وهو كون ما بعد حرف المد ساكنا في الحال أو في الأصل. ولذلك حكموا بالبدلية في نحو {ءامّين} و {رئاء} لكون ما بعده متحركا في الحالين. وقد شغب بعضهم بميم {ءامين} لكنهم أمسكوا بسبب اللفظ والأصل معا. والسبب في ذلك أن الهمزة المبدلة محكومة عليها بالسكون، وعلى ذلك فمحال أن يكون ما بعدها ساكنا.
5- أرجو أن أعرف معنى "لزوم الإبدال" في مشاركتكم الماضية.
6 - هل تكون همزة الوصل أصلا لحرف المد في البدل ؟ هاتوا بمثال !
 
كعادته المشكورة أتحفنا الشيخ محمد يحيى شريف بمسائل في النشر لا يلتفت لها كثير من أمثالنا. وأنا أشكر له هذا السلوك، وأعتبره التحريرَ الذي يليق، والنظرَ الذي خصّ به الفحولُ من أهل التحقيق. وأرجو أن يمنحه الله مزيدا من التوفيق، ويكتب له القبول. ويسرني أن أبدي له رأيي في المسألة:
أنا مسرور جداً بتواجدكم معنا من جديد وأتشرّف دائماً بمحاورتكم وأشكركم على عباراتكم التي أثلجت الصدر وإن كنت أرى فيها مبالغة حيث لستم وغيركم من مشايخ هذا المنتدى المبارك أقلّ ذكاءً منّي والله ، وإنّما هي نتيجة همّتي التي أنعمني الله بها في هذا الجانب. وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكّلتُ وإليه أنيب. فالكفاءات موجودة ولله الحمد ولكن للأسف انقسم الناس إلى أقسام فمنهم من يكتفي بالتقليد وقد يكون معذوراً ومنهم من لا يرى ضرورة في الأخذ بهذه التحريرات أصلاً فأنّى لهؤلاء أن يلتفّوا لها. ومنهم ومنهم......
1 - ما ذهب إليه المتولي هو الصواب إن شاء الله. وليس بعجيب اعتماده على مقدمات ابن الجزري لنقض نتيجته.

أذكّركم أنّ هذه المسألة وشبهها لا تُعالج بالقياس المحض لا سيما فيما ثبت في النشر بالنصّ والأداء. وقد رأينا أنّ المتولّي عليه رحمة الله تعالى بنى اعتراضه على القياس الخالص فمنع إلحاق الألف الأولى من {ءآلئن} بباب {ءامن} كما مُنع إلحاق الألف المبدلة من الهمزة في نحو {ءألد} بباب {ءامن}. وهذا القياس لا أراه صحيحاً لأنّ منع إلحاق {ءألد} عند الإبدال بباب {ءامن} وشبهه ثابت خلافاً ل {ءآلئن} إذ لم أجد من منعه. قد تردّ عليّ بأنّهما من نفس الباب ، فتكون إجابتي حينئذ أنّ ابن الجزرّي فرّق بينهما في الحكم لاختلافهما في النوع ولو اتفقا في باب الهمزتين من كلمة. وتفريقه لهما له مبرّر وهو اختلافهما بُنْيةً وحكماً ، والحكم هنا يشمل هيئته اللغوية والأدائية. وكلام ابن الجزريّ حجّة في نفسه لأنّه هو صاحب الرواية لا سيما فيما لا يخالف نصاً صريحاً من أقوال من تقدّمه من أهل الأداء وهذا بعضّ النظر عن قوّة الحجج من جهة القياس. ما دام الفرق بينهما ظاهر من جهة القياس واللغة والأداء والنصّ فإنّ ذلك يؤكّد ويعزّز موقف ابن الجزري في ألحاق {ءآلئن} دون {ءألد} بباب {ءامن}.
وقد عوملت {ءآلئن} لغة وأداءً بكيفية مغايرة تماماً مقارنة ب {ءألد} فكيف تريد أن يتطابقا في إلحاق الهمزة المبدلة فيهما بباب {ءامن}. لذا فليس لأحد أن يردّ رواية ابن الجزري بالقياس المحض لا سيما وأنّ القياس في حدّ ذاته يقتضي التفريق بينهما ، وقد ثبت هذا التفريق من جهة النصّ والأداء واللغة.


2 - همزة الوصل المصاحبة للام التعريف عوملت معاملة همزة القطع في التسهيل والإبدال على حدّ سواء بغض النظر عن الفرق بينهما في حالة الإبدال حسب القاعدة القائلة بأن "الهمزة إذا تحركت واعتمدت على متحرك قبلها فلا تغير إلا بالتسهيل".
3- ولا شك أن كلا من ابن الجزري والمتولي ومحمد يحيى شريف يتكلم عن همزة الوصل في {ءالــــن} حالة الإبدال فقط. ولا شك عندهم أن اللام ساكنة في الأصل، والحكم عندئذ مدّ الألف للساكن اللازم بعده. وأن فتحة اللام عارضة، وفي مد الألف اعتباران: الأول: الطول باعتبار الأصل، والثاني: الانتقال. ولا يكون الانتقال إلا إلى القصر، والقصر لا يتفاوت، على حد تعبير ابن الجزري نفسه.
4- المانع من إلحاق باب {ءالن} بباب {ءامن} في البدلية هو المانع في نحو {ءأسلمتم} في حال الإبدال. وهو كون ما بعد حرف المد ساكنا في الحال أو في الأصل. ولذلك حكموا بالبدلية في نحو {ءامّين} و {رئاء} لكون ما بعده متحركا في الحالين. وقد شغب بعضهم بميم {ءامين} لكنهم أمسكوا بسبب اللفظ والأصل معا. والسبب في ذلك أن الهمزة المبدلة محكومة عليها بالسكون، وعلى ذلك فمحال أن يكون ما بعدها ساكنا.
حتّى لو عوملت همزة الوصل معاملة همزة القطع في بعض الجوانب فهل هذا يوجب التطابق في الحكم في جميع الجوانب ؟ وقد ظهر لنا جلياً أنّهما لم يتطابقاً في جميع الحالات بدليل أنّ التحقيق مع الإدخال وعدمه في {ءآلئن} ممنوع خلافاً ل {ءالد} ، فعدم تطابقهما في بعض الجزئيات دليل على جواز عدم تطابقهما في ألحاقهما بباب {ءامن}. فتأمّل.

- أرجو أن أعرف معنى "لزوم الإبدال" في مشاركتكم الماضية.

الذي فهمته من لزوم الإبدال هو لزوم تغيير همزة الوصل بالبدل وجوباً تفريقاً بين الاسلوب الاستفهامي والأسلوب الخبري لو أسقطنا همزة الوصل في الدرج على القاعدة. فاتفقوا على عدم جواز تحقيق همزة الوصل وعلى وجوب تغييرها ولكنّهم اختلفوا في كيفية التغيير فمنهم من رأى تغييرها بالبدل واجباً فاقتصروا عليه ومنعوا العدول عنه إلى غيره فيصير الإبدال بمثابة وجوب إبدال الهمزة الساكنة في {أأمن} فالتحقت به حكماً. وقد ألحق أئمّتنا بالبدل كلّ ما وقع فيه حرف المدّ بعد الهمزة نحو {جآءوا} إلاّ ماستثني فألحق الإبدال اللازم في {ءآلئن} على هذا الأساس,
ومنهم من رأى تغييرها بالبدل ليس لازماً وهؤلاء على ضربين : ضرب أجاز التسهيل وضرب ألزمه. فلا يجوز في مذهب هؤلاء إلحاق {ءآلئن} بباب {ءامن} لعدم لزوم البدل بل تُلحق بباب {ءألد} و {ءآنذرتهم}.

6 - هل تكون همزة الوصل أصلا لحرف المد في البدل ؟ هاتوا بمثال !
نعم في حالة الضرورة لمنع التباس الاستفهام بالخبر ، فلولا ذاك – أي الالتباس- لحذفت همزة الوصل كما في {أطلع} و {افترى}. ولا أعرف مثالاً من هذا القبيل.
 
أذكّركم أنّ هذه المسألة وشبهها لا تُعالج بالقياس المحض لا سيما فيما ثبت في النشر بالنصّ والأداء.
أرجُو إيرادَ نقْلٍ لهذا (النصِّ والأداءِ)
 
فأمّا النصّ فكلامه الواضح في النشر ، وأمّا الأداء فهو مضمون كلامه الذي لم يظهر منه أيّ احتمال إذ لا يُعقل أن يُثبت وجه التوسط في {ءآلئن} من غير أن يقرأ به ، إذ الرواية تقتضي ثبوتها أداءً إلاّ إذا صُرّح بأنّ مصدرها القياس والاحتمال. فكتاب النشر كتاب رواية والرواية الأصل فيها الأداء فالخروج من الأصل يحتاج إلى دليل. ولا دليل في الخروج من الأصل.
 
قال ابن الجزريّ : "وأما ورش من طريق الأزرق فله حكم آخر من حيث وقوع كل من الألفين بعد الهمز إلا أن الهمزة الأولى محققة والثانية مغيرة بالنقل. وقد اختلف في إبدال همزة الوصل التي نشأت عنها الألف الأولى وفي تسهيلها بين بين فمن رأى إبدالها لازماً ومنهم من رآه جائزاً ومنهم من رأى تسهيلها لازماً ومنهم من رآه جائزاً وسيأتي تحقيقه في باب الهمزتين من كلمة فعلى القول بلزوم البدل يلتحق بباب المد الواقع بعد همز ويصير حكمها حكم (آمن) فيجري فيها للأزرق المد والتوسط والقصر وعلى القول الآخر بجواز البدل يلتحق باب (آنذرتهم، وآلد) للأزرق عن ورش فيجري فيها حكم الاعتداد بالعارض فيقصر مثل (أألد) وعدم الاعتداد به فيمد (كآنذرتهم) ولا يكون من باب (آمن) وشبهه فذلك لا يجري فيها على هذا التقدير توسط. (النشر1/358).

وقال في كتابه الإعلان : "إذا عُلم ذلك ، فإنّ لورش مذهباً آخر يختصّ به في المدّ بعد الهمز ، وذلك المقصود من ذكر هذه المسالة ، فتقول الأئمّة الذين نقلوا عن ورش من باب {ءامن} و {ءازر} ، وشبهه لا يخلو عندهم حرف المدّ الأوّل من {ءآلئن} إمّا أن يكون واجب البدل أو جائِزَهُ فمن كان عنده جائز البدل كصاحب التيسير والشاطبية فلا يجوز أن يُلحق عنده بباب {ءامن} و {ءازر} ، لأنّه واجب البدل بل بباب {ءآنذرتهم} و {ءالد} ، فإنّه جائز البدل لثبوت التسهيل عندهم في قراءة أخرى ، فإن نظرنا إلى ما كان في الأصل قبل النقل مددناهم مداً مشبعاً مثل {ءآنذرتهم} و {ءأنت}حالة البدل أيضاً ، وأمّا من كان عنده واجب البدل كما هو مذهب الجمهور من أهل الأداء فلا يجوز أن تُلحق عندهم بباب{ءامن} و {ءازر} إلا على تقدير اعتدادهم بالعارض وذلك بعد أصل لورش ينبغي أن يُعرف وهو أنّ مذهبه أن حرف المد الواقع بعد الهمزة إذا وقع بعده همزة أو ساكن مدَّ لأجل الهمزة والساكن ، لأنّه أقوى فيُلغى الأضعف وهو مدّه لأجل الهمزة قبله ، لأنّ مدّ حرف المدّ للهمزة قبله ضعيف ومدّه للهمزة بعده أو للساكن قويّ ، وإذا اجتمع معنا سببان ضعيف وقويّ رُوعي الأقوى وأُلغي الأضعف ، ولذلك لم يكن لورش في {ءآمين} و {رءآ أيديهم} و {جآءوا أباهم} ونحوه ثلاثة أوجه بل وجه واحد وهو المدّ مراعاة للهمزة والساكن الذي بعد حرف المدّ ، وله إذا وقف على {رءآ} و {جآءوا} الثلاثة الأوجه التي له لزوال الهمزة التي بعدها. فإذا عُلم ذلك ، فإن لم يعتد بالعارض في {ءآلئنِ} وهو نقل الحركة يمدّ لورش مداً مشبعاً من أجل سكون اللام ، لأنّ حركتها عارضة فهي على هذا التقدير مثل {ءآمّين البيت} و {ءآلله أذن} ، وإن اعتددنا بالعارض وإلى ما آل إليه اللفظ يكون فيه ثلاثة أوجه : فيُشبعه من مذهبه الإشباع ، ويوسّطه من مذهبه التوسط ويقصره من مذهبه القصر ، هذا حكم الألف التي قبل اللام."انتهى كلام ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى.
 
لم أر فيما نقلتم نصا على القراءة أو على أية صورة من صور النقل. المتولي لا يناقش نقله أبدا، لأنه لا معنى لثبوت الأمانة إلا استلزام القبول، وابن الجزري من أعدل وأوثق خلق الله فأنى لمن شهد له بهما أن يناقشه في نقله ؟ إنه لم يقرأ بذلك على أحد، مجرد نظر، بحت، صرف، خالص.
وقد حملت من هذا الملتقى المبارك تحفة أظنها من الشيخ/ عبد الرحمن الشهري تعرض مؤلفها لبدلية ءالــن، ولم يأت إلا بنظر. والنظر الصرف ينقض بالنظر الصرف، وهو الذي حدث بين الجليلين، فكان المتولي أصوب وأدق نظرا في هذه المسألة. وكل مأجور إن شاء الله.
 
قال ابن الجزري في النشر : "وإذا قرئ بالتوسط في الأولى – أي في همزة الوصل على مذهب من ألزم الإبدال - جاز في الثانية وجهان وهما التوسط والقصر ويمتنع المد فيها من أجل التركيب فتوسط الأولى على تقدير لزوم البدل وتوسط الثانية على تقدير عدم الاعتداد بالعارض فيها وهذا الوجه طريق أبي القاسم خلف بن خاقان وهو أيضاً في التيسير ويخرج من الشاطبية" .

انظر إلى قوله : وهذا الوجه طريق أبي القاسم خلف بن خاقان وهو أيضاً في التيسير ويخرج من الشاطبية.

بدون تعليق.
 
قال ابن الجزريّ : "... وإن اعتددنا بالعارض وإلى ما آل إليه اللفظ يكون فيه ثلاثة أوجه : فيُشبعه من مذهبه الإشباع ، ويوسّطه من مذهبه التوسط ويقصره من مذهبه القصر ، هذا حكم الألف التي قبل اللام."انتهى كلام ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى.
إذا لم يكن هذا قياسا فأين القياس ؟ ابن الجزري لم يقرأ بهذا على أحد من شيوخه. ومن طريق الاحتمال أستطيع أن أخرج لكم من النشر الكبير- كما درجتم على قوله - قواعد صنع القنبلة النووية بقراءة ابن الجزري على شيوخه.
أذكر أن أحد كبار شيوخ مصر لنص الشاطبي ألزمني - 22 رمضان 1432- بإدغام {وجبت جنوبها} لابن ذكوان، قلت له: يقول ابن الجزري: لا وجبت، وإن نقل. قال: وما أدريك أنه قرأ بذلك على بعض شيوخه، قلت: إذن أبسمل أول التوبة ابتداء ووصلا، لأن ذلك روي عن شعبة بطرق أقوى من "وما أدريك"
أما أن الداني قال بذلك وخلف ابن خاقان......فأرجو النقل أيضا قبل التعليق !
 
صرت من أشد المتشددين في التحريرات في هده المسألة وياليت طبقت دلك في جميع المسائل لنرى إسقاطك ثلث أوجه النشر فيما يتعلق بالأصول حيث معظم الأوجه لم يصرح فيها بالأداء. وهل كل ما احتج له بالاعتداد بالأصل والعارض هو لديك من القياس المحض المجرد من الرواية والأداء. أم أن الأداء ينبغي أن يتجرد من القياس حتى من جهة التوجيه والتعليل. وهل لو قلنا بجواز القصر في العارض للسكون باعتبار الأصل ومده باعتبار العارض هو من قبيل القياس المجرد عن الرواية والأداء.لمادا اعترضت علي في إسقاط وجه قصر البدل من الخيص العبارات مع أن ابن الجزري لم يصرح فيه بالأداء خلافاًُ للتوسط. ينبغي أن يكون تأصيلك للمسائل متوازياً وصالحاًُ لجميعها ولا يختص بمسألة من المسائل.كيف تطالبني أن أنقل لك كلام ابن خاقان مع أن الأصل هو قبول رواية النشر لأنه ثقة وزيادات الثقة مقبولة إلا إدا خالف. فعليك أن تأتي بنص معتبر يناقص نقل ابن الجزري لا أن تسقطه بداية حتى يتضح لك النص وإلا اسقطت كل ما في النشر حتى يتبين النص ولو كان مفقوداً.
 
صرت من أشد المتشددين في التحريرات في هده المسألة وياليت طبقت دلك في جميع المسائل لنرى إسقاطك ثلث أوجه النشر فيما يتعلق بالأصول حيث معظم الأوجه لم يصرح فيها بالأداء. وهل كل ما احتج له بالاعتداد بالأصل والعارض هو لديك من القياس المحض المجرد من الرواية والأداء. أم أن الأداء ينبغي أن يتجرد من القياس حتى من جهة التوجيه والتعليل. وهل لو قلنا بجواز القصر في العارض للسكون باعتبار الأصل ومده باعتبار العارض هو من قبيل القياس المجرد عن الرواية والأداء.لمادا اعترضت علي في إسقاط وجه قصر البدل من الخيص العبارات مع أن ابن الجزري لم يصرح فيه بالأداء خلافاًُ للتوسط. ينبغي أن يكون تأصيلك للمسائل متوازياً وصالحاًُ لجميعها ولا يختص بمسألة من المسائل.كيف تطالبني أن أنقل لك كلام ابن خاقان مع أن الأصل هو قبول رواية النشر لأنه ثقة وزيادات الثقة مقبولة إلا إدا خالف. فعليك أن تأتي بنص معتبر يناقص نقل ابن الجزري لا أن تسقطه بداية حتى يتضح لك النص وإلا اسقطت كل ما في النشر حتى يتبين النص ولو كان مفقوداً.
هذا الكلام على سلامته ومنطقيته لا يلزمني، لأني أقول إذا كان ما ذكره ابن الجزري في بدلية {ءالـــــــن} نظرا محضا فيصح نقضه بالنظر المحض مثله، وهو فقط موضوعنا. إني لأجيز لكم - الشيخ محمد يحيى شريف - أن تنقضوا، ليس ما ذكره، بل ما أجمع عليه النشر والإقناع والكفاية والتيسير والغاية .......................من طريق النظر المحض بالنظر المحض.
أرجو أن تكون عبارتي واضحة وخالية من الاستفزاز
 
قولكم :هذا الكلام على سلامته ومنطقيته لا يلزمني، الجواب : إن كان اعتراضكم على كلامي لا يلزمكم فلمَ الاعتراض ؟ فقولكم لا يلزمني أي أنكم توافقونني فيما جنحتُ إليه. قولكم : لأني أقول إذا كان ما ذكره ابن الجزري في بدلية ءالـــــــن نظرا محضا فيصح نقضه بالنظر المحض مثلها. الجواب : كلام ابن الجزري لم يكن يوماً ما يخضع للنظر إلا في وقت المتولي وكتاب النشر كتاب رواية ، والرواية عن الثقات مقبولة ولا يجوز إسقاطها بمجرد قياس محض ، ولم تأت لنا بنص واحد يُبطل كلام ابن الجزري ، بل وصل بكم الأمر إلى التشكيك في نقله عن ابن خاقان. ولو أخضعنا نقول ابن الجزري للفحص لقلنا وداعاً يا كتاب النشر.فالأصل هو صحة جميع ما في النشر إلا إدا ظهر عكس دلك لعدالة مؤلفه وإمامته في الفن. أما أن تنطلق بمنطلق التشكيك فستُحدث كارثة وقنبلة نووية.ولو كانت المسألة مبنية على نظر محض مقابل نظر محض لسلمت لك ما تقول ولكن نقله عن ابن خاقان يدل على أن المسألة مبنية على الرواية وليس على النظر المحض. فليس لك إلا أن تثق في ابن الجزري وتقبل روايته أو أن تشكك في روايته وبالتالي التشكيك في كتاب النشر.
 
أما أن تنطلق بمنطلق التشكيك فستُحدث كارثة وقنبلة نووية.
إني لا أسمح لك يا شيخ محمد بهذه الدعابة الجملية، إنها من حقوقي التي سجلتها بالترقيم الدولي عند الشيخ الدكتور الجكني، وتم إيداعها على تصنيف ديوي عند الشيخ/ ضيف الله الشمراني.
لن أسمح لأحد غيري أن يأتي بجمل من طراز "الأعرج" القصة القصيرة، التي كتبها توفيق يوسف عواد، سفير لبنان السابق لدى الاتحاد السوفيتي. إني أنا وحدي المسموح له، والمدلع بالدعابة من هذا النوع، والمرخص له باستعمال السلاح الثقيل في عالم من المسالمين العزل. هل أسْمعتُ ؟ تقول العرب: من أنذر فقد أعذر.

بعد التيسير لا يوجد كتاب أحترمه احترامي للنشر، لكن هذا الاحترام لم ولن يصل بي إلا حد التسليم المطلق بغض النظر عن الدليل النقلي. فما قرأ به ابن الجزري أو نقل بأن فلانا من الأئمة قرأ به ولو لم يقرأ به هو وسلّم ذلك له نزلناه منزلته من القبول. وما نظر نظرة تعليل وتوجيه بانيا على القراءة أو الرواية أو الأداء قبلنا من ذلك جانب الرواية أو الأداء أو القراءة. أما جانب التعليل والتوجيه فهو قابل لكل ما تقبله القضية التامة، من: تسليم، ومعارضة، إما لمقدماتها وإما لنتيجتها. أما النظر المحض الصرف فقبوله أو نقضه يكون بالنظر المحض الصرف، أيا كانت درجة الناظر الأول، وأيا كانت درجة الناظر الثاني الناقض.

ومما يدعو إلى الجدال الطويل - والعقيم أيضا - القول بأن نقض نظر ابن الجزري بنظر المتولي أو الإزميري أو أمثالهما هدم للنشر. والقول بأن المتولي صاحب بدعة معارضة ابن الجزري استفزاز يؤدي إلى استدعاء جلسة طارئة لمجلس أمن الملتقى.

لا الداني ولا ابن شريح ولا ابن خاقان ولا ابن الجزري قرأ بالبدل في {ءالــــــن}. ونقض هذه الجزئية لا يمس النشر في شيء بل يخدمه.

لا أدري عندك، أما عندي فابن الجزري أجل من الإزميري بكثير، لكن لما صرح الإزميري بأنه قرأ بطول البدل من طريق الإرشاد لعبد النعم قبلنا له ذلك على الرغم من أننا لم نجد، حتى الآن، أن عبد المنعم تعرض للبدل أصلا، ولو أن ابن الجزري صرح بالقراءة بالبدلية في {ءالـــــن} لسلمنا له ذلك، كما سلمنا له عشرات الآف من الجزيئيات في هذه المنطقة من العلم لأنه إمام غير منازع في إمامته.
أرجو أن تكون عبارتي واضحة وخالية من الاستفزاز
 
أظن أننا نتمادى نوعا ما في النقاش لنخرج عن لب الموضوع ، وإني لمضطر لتوضيح أمر مهم وهو أن الاعتراض على ابن الجزري على أصل وعلة وسبب وهو مقبول ، ولكن رد نقل ابن الجزري عن ابن خاقان من غير أي سبب هو تشكيك في أمانته وعدالته. فلو نقلت لنا نصوصاً أخرى عن ابن خاقان تخالف نقل ابن الجزري له فهو نقد علمي كأن ينتقد الأزميري ابن الجزري لوقوفه على نص. فهو اعتراض محمود. أما مجرد رد النقل من غير أي سبب فهو دليل على عدم الثقة. فالفرق بين اعتراضك على ابن الجزري واعتراض المحررين أن اعتراضهم مبني على أصل علمي ومصدر بغض النظر عن إصابتهم في دلك. أما اعتراضك على ابن الجزري هو التشكيك في النقل من غير أي أصل أو دليل أو مصدر. أما قولكم : لا الداني ولا ابن شريح ولا ابن خاقان ولا ابن الجزري قرأ بالبدل في ءالــــــن.فإنه يجعلني أقف عند هدا الحد إلى مسألة أخرى إن شاء الله تعالى.
 
  • فالفرق بين اعتراضك على ابن الجزري واعتراض المحررين أن اعتراضهم مبني على أصل علمي ومصدر بغض النظر عن إصابتهم في دلك. أما اعتراضك على ابن الجزري هو التشكيك في النقل من غير أي أصل أو دليل أو مصدر. أما قولكم : لا الداني ولا ابن شريح ولا ابن خاقان ولا ابن الجزري قرأ بالبدل في {ءالــــــن} فإنه يجعلني أقف عند هدا الحد إلى مسألة أخرى إن شاء الله تعالى.
لم أعترض على ابن الجزري، وما كان لي ذلك، إنما أيدت نظر المتولي على نظر ابن الجزري، وهذا جلي على طول مسار النقاش.
أما قولي الذي دفعكم إلى الحلم بالتوقف عند هذا الحد في هذه المسألة فلأني لم أجد منكم نقلا سليما من التأويل ومن المتاهات.
وأشكركم على الغوص العميق، وعلى هذا الصيد الثمين، ولكم مني أسمى آيات الاعتبار الأخوي، سبحن ربك رب العزة عما يصفون وسلم على المرسلين والحمد لله رب العلمين
 
الجزء الثالث والأخير في تحرير {ءآلئن}.

الجزء الثالث والأخير في تحرير {ءآلئن}.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد

سننتهي إن شاء الله تعالى من تحرير كلمة {ءآلئن} بعد هذا الجزء الثالث والأخير من هذه المسألة وهو التطرق إلى الخلاف الوارد في الألف الثانية ثمّ تحرير {ءآلئن} تحريراً نهائياً يأخذ بعين الاعتبار ما أصلناه وحررناه في الأجزاء الثلاثة . فأقول وبالله التوفيق.

قال ابن الجزريّ في كتابه النشر : "(والثانية) (آلآن) المستفهم في حرفي يونس (آلآن وقد كنتم به تستعجلون. آلآن وقد عصيت قبل) أعني المد بعد اللام فنص على استثنائها ابن سفيان والمهدوي وابن شريح ولم يستثنها مكي في كتبه ولا الداني في تيسيره واستثناها في الجامع ونص في غيرهما بخلاف فيها فقال في الإيجاز والمفردات: إن بعض الرواة لم يزد في تمكينها وأجرى الخلاف فيها الشاطبي."

يُفهم من كلام ابن الجزريّ عليه رحمة الله أنّ أهل الأداء اختلفوا عن الأزرق فمنهم من استثناها ومنهم من لم يستثنها ومنهم من أجرى فيها الخلاف.

1- مذهب من استثناها : وهم صاب الهادي والهداية والكافي والداني في جامع البيان.

فأمّا من الهادي فليس من طرق النشر.
وأمّا من الهداية فقال المهدوي : "وعلّته في ترك المدّ في {ءآلئن} في الموضعين من يونس – أعني مدّ اللام- أنّه أجراه على لغة من اعتدّ بالحركة....." (شرح الهداية ص39).
وأمّا من الكافي فقال ابن شريح : "وكذلك لم يمدّ {عادا الاولى} و {ءالئن} في الموضعين من يونس أعني الألف الاولى التي بعد اللام من {ءالئن}"(الكافي ص40).
وأمّا الداني فقد قال في جامع البيان بعد ما ذكر ما جاز فيه التمكين : " وما كان مثله إلا قوله {لا يواخذكم} و {لا تواخذنا} و {لو يواخذ الله} حيث وقع وقوله {ءالئن} في الموضعين في يونس....."(جامع البيان ص193).

2- مذهب من لم يستثنها وهم ابن بليمة في تلخيصه ، وصاحب الكامل والتجريد والمجتبى وأبي معشر الطبري والداني في تيسيره وصاحب التبصرة والعنوان

فأمّا من التلخيص والكامل والعنوان والتجريد والتبصرة فلم أجد إشارة إلى استثناء {ءالئن} من القاعدة.
وأمّا أبو معشر الطبري فلم أقف على مذهبه في كتابه سوق العروس ولكن صاحب النشر صرّح بأنّها غير مستثناة من طريق أبي معشر لقوله في النشر : "وأما صاحب العنوان وصاحب الكامل والأهوازي وأبو معشر وابن بليمة فلم يذكروا: (آلآن. ولا عاداً الأولى) بل ولا نصوا على الهمز المغير في هذا الباب ولا تعرضوا له بمثال ولا غيره."(النشر 1/342).
وأمّا الطرسوسي صاحب المجتبى فلم أقف على مذهبه سواء في النشر أو في كتابه المجتبى وعليه فليس لي إلاّ تقليد المتولي في روضه والضباع في المطلوب في عدم استثنائها من المجتبى.

3 – مذهب من أجرى فيها الوجهين وهو الإمام الشاطبي لقوله (وبعضهم يؤاخدكم آلان مستفهما تلا).

وعليه فإنّ الخلاف في {ءآلئن} يكون على النحو التالي :
مذهب من استثناها وهم : وهم صاحب الهداية والكافي والداني في جامع البيان.
ومذهب من لم يستثنها وهم : وهم ابن بليمة ، وصاحب الكامل والتجريد والمجتبى وأبي معشر الطبري والداني في تيسيره وصاحب التبصرة والعنوان
ومذهب من أجرى فيها الخلاف وهو الإمام الشاطبيّ.


فالحاصل في تحرير {ءآلئن} بما فيها الألف الاولى والثانية تسعة أوجه : ستة مع إبدال الاولى وثلاثة على تسهيلها. وقد سبق بيان أوجه الألف الاولى الأربعة وهي : الإبدال مع القصر والتوسط والطول وتسهيلها بين بين. وأمّا الثانية فثلاثة أوجه البدل مع اعتبار استثنائها وعدم استثنائها. فالمجموع تسعة أوجه على النحو التالي :

- الإبدال مع الطول في الألف الأولى والثانية من التبصرة والتجريد وطريق أبي معشر الطبري والشاطبية والكامل.
- الإبدال مع الطول في الأولى والتوسّط في الثانية من الشاطبية والتيسير
- الإبدال مع الطول في الأولى والقصر في الثانية من الشاطبية ، وجامع البيان على أنّها مستثناة. ومن الكامل وطريق أبي معشر الطبري على أنّه بدلّ مغيّر. ومن الهداية والكافي على وجوب استثناء الثانية.
- توسّط الأوّل والثاني من الشاطبية والتيسير.
- توسّط الأوّل وقصر الثاني من الشاطبية على جواز استثناء الثانية ، ومن جامع البيان على وجوب استثنائها.
- قصرهما من الشاطبية على لزوم البدل وجوازه. ومن التيسير والكامل وجامع البيان من قراءة الداني على ابن خاقان على جواز البدل اعتداداً بالعارض.
وهذه هي الأوجه الستة التي أشار إليها ابن الجزريّ بقوله :
للأزرق في الآن ستة أوجه.........على وجه الإبدال لدى وصلخ تجري
فمُدّ وثلّث ثانياً ثمّ وسّطن ........به وبقصر ثمّ بالقصر مع قصر.
ثم :
- التسهيل مع القصر من الشاطبية والتذكرة وإرشاد أبي الطيّب وقراءة الداني على أبي الحسن. ومن العنوان والكامل وتلخيص ابن بليمة على أنّه بدل مغيّر. ومن جامع البيان من قراءة الداني على أبي الفتح على أنّها مستثناة.
- التسهيل مع التوسط من الشاطبية والتيسير وتلخيص ابن بليمة ومن قراءة الداني على فارس ابن أحمد وهو من جامع البيان.
- التسهيل مع الطول من الشاطبية والعنوان والمجتبى والكامل.
وفي هذه الثلاثة قال ابن الجزريّ في النشر : "أمّا على وجه التسهيل فيظهر لها ثلاثة أوجه في الألف الثانية."
المجموع تسعة أوجه كلّها صحيحة من الشاطبية والنشر.
أمّا توسّط الأولّ مع طول الثاني فلا يصّح إذ توسّط الأولّ كان على لزوم البدل الذي يُلزم توسط الثاني تسوية له أو قصره على أنّه مستثنى من الشاطبية وجامع البيان. وكذا يمتنع قصر الأول على مدّ الثاني إذ قصر الأوّل إن كان على اللزوم من الشاطبيى لزم قصر الثاني تسوية له ، وإن كان على الجواز فقصرُ الأوّل اعتداداً بالعارض فيُقصر الثاني كذلك إذ لا يُعقل أن نعتدّ بالعارض في الألف الاولى وبالأصل في الثانية لأجل التضارب ، لذا فإن قصرت الاولى اعتداداً بالعارض قصرت الثانية لضرورة بالتبعية.

أمّا قول ابن الجزري : "والقصر في الثانية مع مد الأولى وعلى تقدير الاعتداد بالعارض في الثانية وعلى تقدير لزوم البدل في الأولى ولا يحسن أن يكون على تقدير عدم الاعتداد بالعارض فيها لتصادم المذهبين، وهذا الوجه في الهداية والكافي في الشاطبية أيضاً ويحتمل لصاحب تلخيص العبارات والتجريد والوجيز." ففيه نظر إذ سبق نقل كلامه في النشر على لزوم البدل في نحو {ءآلذكرين} عن صاحب الهداية والكافي والتجريد بقوله في النشر : "وبه –أي بالإبدال- قرأنا من طريق التذكرة والهادي والهداية والكافي والتبصرة والتجريد..."(النشر 1/377). وقد علمنا في الجزء الثاني أنّ من كان مذهبه لزوم البدل فإمّا أن يعتدّ بالأصل أم بالعارض. فإن اعتدّ بالعارض إلحقت الألف الأولى بباب {ءامن} وإذا اعتُد بالأصل وجب تمكين الألف الثانية وامتنع قصرُها لأنّ سبب السكون أقوى من سبب البدل إذ تغيُّر السكون بحركة النقل لا ينفع عند الاعتداد بالأصل لذا قال ابن الجزري في كتابه الإعلان : " فإذا عُلم ذلك ، فإن لم يعتد بالعارض في {ءآلئنِ} وهو نقل الحركة يمدّ لورش مداً مشبعاً من أجل سكون اللام ، لأنّ حركتها عارضة فهي على هذا التقدير مثل {ءآمّين البيت} و {ءآلله أذن} ، وإن اعتددنا بالعارض وإلى ما آل إليه اللفظ يكون فيه ثلاثة أوجه : فيُشبعه من مذهبه الإشباع ، ويوسّطه من مذهبه التوسط ويقصره من مذهبه القصر ، هذا حكم الألف التي قبل اللام."انتهى كلام ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى. وعليه فلا يجوز قصر الثانية من الهداية والكافي والتجريد والعلم عند الله تعالى.

وإذا اجتمع البدل معها كما في قوله تعالى {آمنتم به ءآلئن} فتكون الأوجه خمسة عشر وجهاً على النحو التالي :
فعلى قصر البدل في {آمنتم} ففي همزة الوصل :
- لك الإبدال مع الطول في الألف الاولى مع قصر الألف الثانية من الشاطبية
- لك الإبدال مع القصر في الألف الاولى والثانية من الشاطبية
- لك تسهيل همزة الوصل مع قصر الألف من الشاطبية والتذكرة وإرشاد أبي الطيّب وقراءة الداني على أبي الحسن.
وعلى توسط البدل في {آمنتم} فلك همزة الوصل :
- الإبدال مع الطول في الألف الاولى مع توسط الألف الثانية من الشاطبية والتيسير.
- الإبدال مع الطول في الألف الاولى مع قصر الألف الثانية من الشاطبية.ومن جامع البيان على استثناء الألف الثانية.
- الإبدال مع التوسط في الألف الاولى والثانية من الشاطبية والتيسير وهو طريق ابن خاقان.
- الإبدال مع التوسط في الألف الاولى والقصر في الثانية من الشاطبية.
- الإبدال مع القصر في الألف الاولى والثانية من الشاطبية والتيسير وطريق ابن خاقان من جامع البيان.
- التسهيل مع التوسط من الشاطبية والتيسير وتلخيص ابن بليمة.
- التسهيل مع القصر من الشاطبية على جواز الاستثناء ومن تلخيص ابن بليمة على أنّه بدل مغيّر. ومن جامع البيان من قراءة الداني على أبي الفتح على أنّها مستثناة.
وعلى طول البدل في {آمنتم} فلك في همزة الوصل :
- الإبدال مع الطول في الألف الاولى والثانية من الشاطبية والتبصرة والتجريد وطريق أبي معشر الطبري والكامل.
- الإبدال مع الطول في الألف الاولى ومع القصر في الثانية من الشاطبية. ومن الكامل وطريق أبي معشر الطبري على أنّه بدلّ مغيّر. ومن الهداية والكافي على وجوب استثناء الثانية.
- الإبدال مع القصر في الألف الاولى والثانية من الشاطبية. ومن الكامل على جواز البدل اعتداداً بالعارض.
- التسهيل مع الطول من الشاطبية والعنوان والمجتبى والكامل.
- التسهيل مع القصر من الشاطبية. ومن العنوان والكامل على أنه بدل مغير.

أما على مذهب المتولي وشيخنا محمد الحسن بوصو فإن الأوجه تصير ثلاثة عشر وجهاً وذلك بنزع وجهي التوسط في الألف الأولى على توسط {ءامنتم} وهي كالآتي :

فعلى قصر البدل في {آمنتم} ففي همزة الوصل :
- لك الإبدال مع الطول في الألف الاولى مع قصر الألف الثانية من الشاطبية
- لك الإبدال مع القصر في الألف الاولى والثانية من الشاطبية
- لك تسهيل همزة الوصل مع قصر الألف من الشاطبية والتذكرة وإرشاد أبي الطيّب وقراءة الداني على أبي الحسن.
وعلى توسط البدل في {آمنتم} فلك همزة الوصل :
- الإبدال مع الطول في الألف الاولى مع توسط الألف الثانية من الشاطبية والتيسير.
- الإبدال مع الطول في الألف الاولى مع قصر الألف الثانية من الشاطبية على جواز استثناء الألف الثانية.ومن جامع البيان على وجوب استثناءها.
- الإبدال مع القصر في الألف الاولى والثانية من الشاطبية والتيسير وجامع البيان من طريق ابن خاقان.
- التسهيل مع التوسط من الشاطبية والتيسير وتلخيص ابن بليمة.
- التسهيل مع القصر من تلخيص ابن بليمة على أنّه بدل مغيّر. ومن جامع البيان من قراءة الداني على أبي الفتح على أنّها مستثناة.
وعلى طول البدل في {آمنتم} فلك في همزة الوصل :
- الإبدال مع الطول في الألف الاولى والثانية من الشاطبية والهداية والكافي والتبصرة والتجريد وطريق أبي معشر الطبري والكامل.
- الإبدال مع الطول في الألف الاولى ومع القصر في الثانية من الشاطبية. ومن الكامل وطريق أبي معشر الطبري على أنّه بدلّ مغيّر. الإبدال مع القصر في الألف الاولى والثانية من الشاطبية. ومن الكامل على جواز البدل اعتداداً بالعارض.
- الإبدال على القصر الشاطبية والهداية والكافي والتبصرة والتجريد وطريق أبي معشر الطبري والكامل على جواز البدل اعتداداً بالعارض.
- التسهيل مع الطول من الشاطبية والعنوان والمجتبى والكامل.
- التسهيل مع القصر من الشاطبية. من العنوان والكامل على أنه بدل مغير.

تنبيهات :
الأول : وينبغي التذكير على أن الاولى عدم الاعتبار بقصر البدل المغير عند تمكين البدل المحقق ولكننا أدرجناه لثبوته في النشر.
الثاني : لقد أدرجنا وجه التسهيل من التيسير أخداً بظاهر التيسير والنشر مع أن قراءة الداني على ابن خاقان هي بالإبدال فيكون التسهيل من التيسير خارجاً عن طريقه ولكننا لأوردناه منهلثبوته فيه نصاً وثبوته من النشر من طريقه.
الثالث : إن الألف الثانية مستثناة من جامع البيان خلافاً للتيسير ، ونحن نعلم أن كتاب التيسير يتضمن ما قرأ به الداني على ابن خاقان. وأما جامع البيان فيتضمن ما قراءة الداني على ابن خاقان وفارس ابن أحمد وأبي الحسن وهو الكتاب الذي استثنى فيه الألف الثانية فيكون لطريق الداني عن ابن خاقان مذهبان الاستثناء من جامع البيان وعدم الاستثناء من التيسير إلا أننا مجبرون على الأخذ بعدم الاستثناء عن ابن الخاقان من التيسير لأن الاستثناء من جامع البيان لم يُقيد. وأما من جامع البيان فنأخد لهما – أي ابن خاقان وفارس ابن أحمد- بالاستثناء إلا أنه يختص بالتسهيل من طريق فارس ابن أحمد وبالإبدال بأنواعه من طريق ابن خاقان. أما قراءة الداني على أبي الحسن فهي بقصر البدل مطلقاً مع التسهيل.

أكتفي بهذا القدر والحمد لله ربّ العالمين.
 
أما على مذهب المتولي فإن الأوجه تصير ثلاثة عشر وجهاً وذلك بنزع وجهي التوسط في الألف الأولى على توسط {ءامنتم}
همزة الوصل لا تنقلب حرف مد في البدل، لسبب بسيط، وهو: أن شرط البدل أن يكون حرف المد فيه متبدلا من "همزة ساكنة". لذلك ما مدوا ألف {شيئا} في الوقف لتبدله من نون التنوين، والألف الأول من {ءالــــــــن} لتبدله من همزة متحركة.
 
يا شيخنا لا يمكن معاملة {آلان} كغيرها لخصوصيّتها وامتيازها عن غيرها إذ إنّ الأصل في همزة الوصل هو سقوطها في الدرج ولكنّها بقيت ضرورة للحفاظ على الاسلوب الاستفهامي ثمّ تحرّك الساكن بعدها لأجل الحركة العارضة للنقل فصارت الصورة همزة بعدها ألف فألحقت بالبدل كما أُلحقت {وجآءوا}. وكلّ ما أُلحق بالبدل لم يكن أصله همزتين قطعيّتين الاولى ساكنة والثانية متحرّكة مثل {أأمن}. فإن ثبت تمكينه فيما لم يكن أصله همزة ساكنة فيكون تمكينه فيما كان إبداله لازماً وثابتاً بالرواية عن ابن خاقان من باب أولى.
ولأجل هذه الخصوصية المتمثّلة في إبقاء همزة الوصل في الدرج مع امتناع تحقيق الهمزتين وامتناع إدخال ألف الفصل امتازت بخصوصية أدائية لا يمكن إبطالها على أساس المقارنة والنظر لأنّ النظر والقياس ينتفيان بامتياز الفرع عن الأصل. وإنما يصلح النظر عند اتقاق الأصل بالفرع في المناط.
والعبرة في ثبوت الوجه رواية ، فلو ثبت تمكينه في نحو {ءألد} لالتزم به أهل الأداء ولكن لم يثبت وثبت في {ءالان} وقرّره في نشره وعمل به لأنّه ثابت عنده بالرواية وقوي عنده من جهة القياس ولايمكن ردّه بالقياس المحض كما هو صنيعك.
فتعلاتك القياسية لن تصمد البتّة أمام نقله عن ابن خاقان إلا إذا جئت لنا بنصوص معتبرة تضاهي هذا النقل.
 
فإن ثبت تمكينه فيما لم يكن أصله همزة ساكنة فيكون تمكينه فيما كان إبداله لازماً وثابتاً بالرواية عن ابن خاقان من باب أولى.
والعبرة في ثبوت الوجه رواية ، فلو ثبت تمكينه في نحو {ءألد} لالتزم به أهل الأداء ولكن لم يثبت وثبت في {ءالان} وقرّره في نشره وعمل به لأنّه ثابت عنده بالرواية وقوي عنده من جهة القياس ولايمكن ردّه بالقياس المحض كما هو صنيعك.
فتعلاتك القياسية لن تصمد البتّة أمام نقله عن ابن خاقان إلا إذا جئت لنا بنصوص معتبرة تضاهي هذا النقل.
فلنكتفي من النظر بما ذكرنا ولنصرف القول لما قصدناه الآن من مناقشة الرواية - وليس العزو - في مسألة بدلية {ءالـــــــــن}.
وقد قلت فيما سبق أن أحدا من الأئمة والمأمومين لم يقرأ بالبدلية في {ءالــــن} وطالبتكم بالنقول فجئتم بنصوص تحتمل كل شيء إلا الرواية، والآن، من باب تبسيط الأمور، ومن باب الرحمة بعقلي الضعيف، الذي يحار في خضم النصوص الكثيرة، أرجو أن تذكروا على من قرأ الداني بذلك من شيوخه ؟ مع العزو، وعلى من قرأ خلف بن خاقان بذلك من شيوخه ؟ مع العزو. وعلى من قرأ ابن الجزري بذلك من شيوخه ؟ مع العزو.
أذكر بأني لا أنكر أنهم ذكروا ذلك، لكني أقول إنه اجتهاد وتقدير ونظر بحت، صرف، خالص. يجوز نقضه بنظرٍ مثلِهِ.
 
أرجو أن تذكروا على من قرأ الداني بذلك من شيوخه ؟ مع العزو، وعلى من قرأ خلف بن خاقان بذلك من شيوخه ؟ مع العزو. وعلى من قرأ ابن الجزري بذلك من شيوخه ؟ مع العزو.
وهل كلّ النصوص التي نُقلت عن أئمّتنا كابن مجاهد وغيره والتي تلقّاها متأخّروهم بالقبول اشترطوا أن تكون نصوصهم معزوّةً إلى مشايخهم جزئية جزئيّة ؟
وهل كلّ ما نقله ابن الجزريّ عن متقدّميه في نشره معزوٌ إلى مصدره ؟ وهل قراءتكم من طريق الطيّبة منوطة بهذا الشرط. أراك متشدّداً أشدّ التشدّد في هذه المسألة ، وياليتك أعملت هذا التشدّد في جميع المسائل.
وأذكّركم أنّ إخضاع النصوص إلى الفحص دلالة على عدم الثقة بالناقل.
أنّي تعاملت مع هذه المسألة كتعاملي مع غيرها حيث منهجيّتي في تحرير الأوجه تتمثّل في قبول جميع ما في النشر إلاّ إذا ظهر ما يخالف ما في النشر على ضوء نصوص المعتبرة. وقد رأيتَ أنّي اعترضت على ابن الجزري في عزوه وجه الإبدال في {ءآلذكرين} إلى صاحب التذكرة ، ولو كان كتاب التذكرة مفقوداً لأخذت بوجه الإبدال حتماً ولكن لمّا تبيّن خلافه أخذنا بما بدا لنا صحيحاً ، وهذا يُقال في بقيّة المسائل بما فيها نقله عن ابن خاقان. فلا ينبغي أن ننطلق مع النشر بمنطلق التشكيك بل ينبغي أن ننطلق بمنطلق القبول لأنّ المؤلّف ثقة إمام في فنّة وكلامه الثقة وزياداته مقبولة ما لم تخالف ، والمخالفة لا تكون إلاّ بوجود نصوص تدلّ على هذه المخالفة. ولم تأت لنا بأيّ نص يخالف نقله عن ابن خاقان إلاّ مجرّد نظر وقياس محض لا قيام له أمام النقل. وعليه فنقل ابن الجزريّ عن ابن خاقان هو المعتبر إلاّ إذا ثبت خلافه.
 
وقد رأيتَ أنّي اعترضت على ابن الجزري في عزوه وجه الإبدال في {ءآلذكرين} إلى صاحب التذكرة ، ولو كان كتاب التذكرة مفقوداً لأخذت بوجه الإبدال حتماً ولكن لمّا تبيّن خلافه أخذنا بما بدا لنا صحيحاً
إمعانا في الإيمان بالنشر هلاّ كذبتم النسخة الوحيدة التي رأيتموها من التذكرة اقتداء بالإزميري - وهو من المتهمين بمعاداة النشر - الذي كذّب أربع نسخ من المستنير في مد {لا} لخلاد وءامن بابن الجزري "لأنه إمام في هذا الفن"
هذه المواعظ لا تقوم مقام البينة فيما ادعيتم به من القراءة والرواية، وعليه فلنتحقق أننا اختلفنا، وكفانا ذلك في هذه النقطة. إلا أني لا أغلق الحوار دون أن أشكركم على تحويل الاعتراض من المتولي إليّ مع علمكم بأنكم، انتم، وليس غيركم، الذين عنونوا بـــ"اعتراض المتولي على ابن الجزري.......". وأكبر الظن أنكم اتخذتموني مجنة للمتولي حتى لا تصيبوه، ورعاية حرمة المتولي منكم مشكور، واتخاذي مجنة تشريف لي. وحضرتني هنا حكاية مثيرة للضحك في مجنّ عمر ابن أبي ربيعة في قصيدته: أمن آل نعم أنت غاد فمبكر، لكني أضرب عنها الصفح حتى لا أجرح. وشكرا يا شيخ محمد على فقدان النص.
محبكم المشاغب: أبو حسن محمد بن الحسن، بوصو، الفوتي، السنغالي
 
كنت على يقين منذ البداية أنّ مشكلتكم معي ليست في المسألة بالذات بل كون واحد مثلي يتجرّأ ويعترض على المتولّي عليه رحمة الله تعالى. وكنت أظنّ أنّ مثل هذا التفكير قد زال من أذهان العلماء وطلبة العلم وأنّ النقد لا يمسّ العلماء أبداً وإنّما المساس يكون في المسألة بالذات وأنّ البحث والنقد العلميّ يستلزم ذكر صاحب القول وأدلّته لتُعنى بالنقد.
لم تكن غايتي أصابة المتولّي عليه رحمة الله وحتّى لو أصبته فلن تصيبه سهامي بل لن تقترب منه أبداً كما قيل : على أنّه من كان شمساً مقامُهُ .......فلا المدحُ يُعليه ولا الذمّ ضائرُ.
وإنّما أردتّ إصابة الحقّ في المسألة وأطمع أن أنال أجراً على الاجتهاد. وهذا أفضل بكثير عندي من إنكار التحريرات أو مجرّد تقليد المحررين.
والله من وراء القصد.
 
أعيدوا قراءة ردي السابق ! لم أبرِّئْكم فقط من استهداف المتولي بل علَّلْتُ نقلكم القضية من المتولي إلى "الشيخ/ محمد الحسن بوصو، حفظه الله" بأنه شدة احترامكم له فاتخذتموني مجنا دونه. على أننا، جميعا، في حِلٍّ من نقد ونقض كل ما أتانا نظرا صرفا، مجردا عن القراءة، سواء كان ذلك من المتولي أو من المُقبِل، والباقي مجرد موعظة حسنة.
 
اللين المهموز نحو (شيء) كيف وقع (وكهيئة. وسَوءة. والسَوء ، ييئس)

اللين المهموز نحو (شيء) كيف وقع (وكهيئة. وسَوءة. والسَوء ، ييئس)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم

سأشرع بحول الله تعالى في تحرير أوجه اللين المهموز نحو (شيء) كيف وقع (وكهيئة. وسوءة. والسوء ، ييئس) وما يتفرّع عنه وعلاقته بالبدل وغير ذلك فأقول وبالله التوفيق.

قال ابن الجزريّ في كتابه النشر : "أما الهمز فإنه إذا وقع بعد حرفي اللين متصلاً من كلمة واحدة نحو (شيء) كيف وقع (وكهيئة. وسوءة. والسوء) فقد اختلف عن ورش من طريق الأزرق في إشباع المد في ذلك وتوسطه وغير ذلك فذهب إلى الإشباع فيه المهدوي وهو اختيار أبي الحسن الحصري وأحد الوجهين في الهادي والكافي والشاطبية ومحتمل في التجريد وذهب إلى التوسط أبو محمد مكي وأبو عمر والداني وبه قرأ الداني على أبي القاسم خلف بن خاقان وأبي الفتح فارس بن أحمد وهو الوجه الثاني في الكافي والشاطبية وظاهر التجريد وذكره أيضاً الحصري في قضيته مع اختياره الإشباع فقال:
وفي مدّ عين ثمّ شيء وسوءة.........خلاف جرى بين الأئمّة في مصر
فقال أناس مدّه متوسّط...............وقال أناس مفر وبه أقري"
ثمّ قال : وذهب آخرون إلى زيادة المد في (شيء) فقط كيف أتى مرفوعاً أو منصوباً أو مخفوضاً وقصر سائر الباب. وهذا مذهب أبي الحسن طاهر بن غلبون وأبي الطاهر صاحب العنوان وأبي القاسم الطرسوسي وأبي علي الحسن بن بليمة صاحب التلخيص وأبي الفضل الخزاعي وغيرهم. واختلف هؤلاء في قدر هذا المد فابن بليمة والخزاعي وابن غلبون يرون أنه التوسط وبه قرأ الداني عليه والطرسوسي وصاحب العنوان يريان أنه الإشباع وبه قرأت من طريقهما"

يُفهم من كلام أبن الجزري أنّ اللين المهموز مختلف فيه بين أهل الأداء عن الأزرق على أربعة مذاهب :

الأوّل : الإشباع العام أي في (شيء) كيف وقع (وكهيئة. وسوءة. والسوء)
الثاني : التوسط العام أي في (شيء) كيف وقع (وكهيئة. وسوءة. والسوء)
الثالث : الإشباع الخاص ب (شيء) كيف وقع دون غيرها.
الرابع : التوسط الخاص ب (شيء) كيف وقع دون غيرها.

المذهب الأوّل الإشباع العام : وهو مذهب المهدوي وأبي الحسن الحصري وأحد الوجهين في الكافي والشاطبية ويُحتمل من التجريد.
فأمّا المهدوي فقد قال بعد ما استدلّ ببعض الأبيات : "فدلّ اجتماعهما من الواو المضموم ما قبلها والياء المكسور ما قبلها وجريهما على حكم واحد على أنّ فيهما مداً وليناً "(شرح الهداية ص37).

وأمّا أبو الحسن الحصري فليس من طرق الطيّبة.

وأمّا من الكافي فقد قال ابن شريح : "وإذا انفتح ما قبل الواو والياء الساكنتين وجاء بعدهما همزة في كلمة واحدة ، فورش يمدّها مداً وسطاً نحو {شيء} و {كهيئة} و {استيئس} و {السوء} و {سوءة} ، وقد قرأت له أيضاً بإشباع المدّ في ذلك كلّه...."(الكافي ص40).

وأما من الشاطبية فقد قال صاحبها : وإن تسكن الياء بين فتح وهمزة.....بكلمة أو واوٌ فوجهان جُمّلا.

وأمّا من التجريد فقد قال ابن الفحام : إذا تقدّمت الهمزة حرف المدّ واللين وانفتح ما قبل الياء والواو نحو {ءادم} و {ءازر} و {شيء} و {شيئا} و {سوءة} فمذهب ورش اختيار مدّه منفرداً فاعرف ذلك. (التجريد ص137). أقول ظاهر كلامه الإشباع لأنّه قال "فمذهب ورش اختيار مدّه منفرداً" ولا شكّ أنّ استعمال لفظ المدّ يرجّح الإشباع لا سيما وأنّ مذهبه في البدل هو الإشباع من غير خلاف على ما ذكره ابن الجزريّ في نشره وهذا النصّ يخصّ اللين المهموز والبدل جميعاً ولم يُفرق بينهما ابن الفحام في مقدار التمكين ، فالذي ينطبق على أحدهما ينطبق على الآخر بالضرورة. وأغرب كيف يشير ابن الجزريّ إلى احتمال الإشباع في اللين المهموز دون البدل ، والنصّ يشملهما. وعليه فيكون مذهب صاحب التجريد الإشباع لا غير كما كان في البدل.
وعلى ما سبق فإنّ أصحاب هذا المذهب هم : المهدوي وابن الفحام صاحب التجريد والكافي والشاطبيّ في أحد وجهَيْهما.

المذهب الثاني الإشباع الخاصّ ب{شيء}كيف وقعت : وهو مذهب صاحب المجتبى والعنوان لقول ابن الجزريّ : " والطرسوسي وصاحب العنوان يريان أنه الإشباع وبه قرأت من طريقهما".

فأمّا من العنوان فإنّ في ذلك نظرٌ لقول أبي طاهر في فرش سورة البقرة : "{على كل شيء قدير}بالمد في هذهالكلمة كيف تصرفت حمزة وورش"انتهى كلامه (العنوان ص68). ولمّا كان تمكين {شيء} عند حمزة مقتصراً على التوسط لا غير كان كذلك عند صاحب العنوان بالضرورة. وقال ابن الجزريّ في كتابه تحفة الإخوان في الخلف بين الشاطبية والعنوان (تحقيق شيخنا أحمد الرويثي حفظه الله تعالى) : "ولم يمدّ ورش من حروف اللين قبل الهمز سوى {شيء} كيف أتت ، ووافقه على المدّ فيها حمزة فلم يسكت ومدّها مدّاً متوسّطاً" (ص136).وقال أيضاً في باب نقل حركة الهمزة إلىالساكن قبلها : "أما{شيئاً}كيف تصرّفت فقدتقدّم أنّه يمدّ عليه وسطاً كورش" (تحفة الإخوان ص152). فهذي نصوص القوم دالّة على أنّ مذهب صاحب العنوان في {شيء} هو التوسط لا غير وقد أشار المتولي إلى هذه المسألة في روضه ص253 ، ورجّح التوسط من طريق العنوان واقتصر عليه وتبعه في ذلك الضباع في كتابه المطلوب.

قد يقول القائل قد ألّف ابن الجزري كتابه النشر بعد كتاب تحفة الإخوان حيث إن أقدم نسخة من تحفة الإخوان يعود تاريخها إلى سنة 785هـ كما أخبرني بذلك شيخنا أحمد الرويثي محقّق الكتاب ، وكتاب النشر كما لا يخفى ألّفه سنة 799هـ. فإذا وقع التعارض بينهمافالمتأخر (وهو النشر) ينسخ المتقدم. الجواب : هذا مسلّم به لو كان التعارض منحصراً بين كلام ابن الجزريّ في النشر وكلامه في التحفة ولكن لمّا كان الخلاف يدور بين نصّ صاحب العنوان وبين كلام ابن الجزريّ في النشر كان الأخذ بوجه التوسّط هو الأحرى لأنّ كلام صاحب العنوان هو مصدر الرواية. وعليه ينبغي الاقتصار على التوسّط من طريق العنوان كما اقتصر عليه المتولّي والضباع عليهما رحمة الله تعالى.

وأمّا كتاب المجتبى للطرسوسي فمذهبه الإشباع على ما يظهر في النشر. قال ابن الجزريّ :" والطرسوسي وصاحب العنوان يريان أنه الإشباع وبه قرأت من طريقهما".انتهى كلامه. وبه أخذ المحررون كيوسف زادة والأزميري والمتولّي والضباع, ويبقى إشكال وهو أنّ الطرسوسي شيخ صاحب العنوان في هذه الرواية ، وإسناد هذا الأخير يمرّ على الطرسوسي فكيف نأخذ بوجه التوسط من العنون ، وبوجه الطول من المجتبى ؟ الجواب : إنّ رواية الطرسوسي عن الأزرق هي من طريقين : الأوّل طريق أبي عدي عن ابن سيف عن الأزرق وهو طريق صاحب العنوان عنه وطريق الثاني هو عن ابن غانم عن ابن هلال عن النحاس عن الأزرق. فيكون الإشباع من طريقه عن النحاس والتوسّط من طريق العنوان عنه عن ابن سيف. فأمّا الإشباع فلأنّ ابن الجزريّ الصرّح بأنّه قرأ بالإشباع من طريقه ولم نعثر على نصّ يناقضه . وأمّا التوسط من العنوان عن صاحب المجتبى فلأجل النصوص التي نقلناها آنفاً عن صاحب العنوان وابن الجزري في كتابه تحفة. وعليه يكون التوسّط في {شيء} من طريق العنوان والطول من طريق المجتبى وهو مذهب المتولّي في روضه والضباع في المطلوب.

المذهب الثالث التوسّط العام :
قال ابن الجزريّ في كتابه النشر : "وذهب إلى التوسط أبو محمد مكي وأبو عمر والداني وبه قرأ الداني على أبي القاسم خلف بن خاقان وأبي الفتح فارس بن أحمد وهو الوجه الثاني في الكافي والشاطبية وظاهر التجريد"
فظاهر النشر على أنّ التوسط في (شيء) كيف وقع (وكهيئة. وسوءة. والسوء) هو مذهب مكي القيسي والداني عن ابن خاقان وفارس ابن أحمد وابن الفحام وأحد وجهي الكافي والشاطبية.

فأمّا من التبصرة فقال مكي القيسي : القسم الثاني : أن تأتي الهمزة بعد واو وياء مفتوحاً ما قبلهما وذلك في كلمة نحو {شيء} و {كهيئة} و {سَوْء} و {استيئس} فقرأ ورش جميع هذا بالمدّ وهو مدّ دون مدّ حرف المدّ واللين"(التبصرة 68). فقوله دون مدّ حرف المدّ واللين دلالة على التوسط أي دون الإشباع.
وأمّا من الكافي فقال ابن شريح "وإذا انفتح ما قبل الواو والياء الساكنتين وجاء بعدهما همزة في كلمة واحدة ، فورش يمدّها مداً وسطاً نحو {شيء} و {كهيئة} و {استيئس} و {السوء} و {سوءة} ، وقد قرأت له أيضاً بإشباع المدّ في ذلك كلّه...."(الكافي ص40).

وأما من الشاطبية فقد قال صاحبها : وإن تسكن الياء بين فتح وهمزة.....بكلمة أو واوٌ فوجهان جُمّلا.

وأمّا من طريق الداني فقال أبو عمرو الداني في كتابه التيسير : "ورش يُمكّن الياء من {شيء} و {شيئا} و {كهيئة} و شبهه. وكذلك الواو من {سَوْء} و {سَوْءة} وشبهه ، إذا انفتح ما قبلهما وكانا مع الهمزة في كلمة حاشا : {موئلا} و {الموءودة}"(التيسير ص225). وقال في جامع البيان بعد ما ذكر القصر : "إلاّ ما رواه أصحاب أبي يعقوب الأزرق عنه عن ورش إذا رأته كان يمكن الياء والواو المفتوح ما قبلهما إذا أتت الهمزة بعدهما في كلمةلا غير لأنّ حركتها لا تلقى عليهما فيها تمكيناً وسطاً من غير إسراف لأنّ فيها مع ذلك مدّاً وليناً وإن كان يسيراً ، وقد أخذ بذلك أيضاً بعض اصحابنا الأزهريّين المصريّين ، وبذلك قرأت على ابن خاقان وفارس بن أحمد عن قراءتهما"(جامع البيان ص203).

وأمّا من التجريد ففيه نظر كما أشرت إليه من قبل حيث عبارة ابن الفحام لا تدلّ على التوسط بل تشمل البدل واللين المهموز جميعاً ، وقد سبق أنّ مذهبه في البدل الإشباع لا غير ، فكيف نأخذ له بالتوسّط في اللين دون البدل والنصّ يشملهما. تأمّل قول ابن الفحام : "إذا تقدّمت الهمزة حرف المدّ واللين وانفتح ما قبل الياء والواو نحو {ءادم} و {ءازر} و {شيء} و {شيئا} و {سوءة} فمذهب ورش اختيار مدّه منفرداً فاعرف ذلك." (التجريد ص137).
وعليه فأصحاب هذا المذهب هم : مكي في تبصرته والداني في تيسيره من قراءته على ابن خاقان ومن جامع البيان من قراءته على فارس ابن أحمد. ومن طريق صاحب الكافي والشاطبي في أحد وجهيهما.

المذهب الرابع التوسط الخاصّ ب{شيء}كيف وقعت :
قال ابن الجزريّ في كتابه النشر : "فابن بليمة والخزاعي وابن غلبون يرون أنه التوسط وبه قرأ الداني عليه"

فأمّا من التذكرة فقال طاهر ابن غلبون : "وقرأ ورش وحمزة {على كل شيء قدير} بتمكين الياء التي قبل الهمزة من قوله {شيء} ، فيكوم مداُ متوسطاً تقوية على النطق بالهمزة في هذا الاسم وحده –حيث وقع- لكثرته ، وقرأه الباقون بغير تمكين حيث وقع"(التذكرة 2/250). وبه قرأ الداني عليه.

وأمّا من التلخيص فقال ابن بليمة : "وقرأ ورش وحمزة {على كل شيء } بتمكين الياء التي قبل الهمزة. وقرأ الباقون بغير تمكين" (تلخيص العبارات ص65). أقول : وليس في كلامه ما يدلّ على التوسّط إلاّ أنّ ابن الجزرّي قيّد هذا التمكين بالتوسّط.

وقد سكت صاحب النشر على مذهب صاحب الإرشاد ، والظاهر من عبارته التوسّط الخاصّ. قال عبد المنعم بن غلبون :"وقرأ ورش عن نافع وحمزة : {على كل شيء قدير} بتمكين ما قبل الهمزة قليلاً فيكون كالمد المتوسط في قراءتهما ، إلاّ أنّ مدّ ورش عن نافع أزيد من مدّ خمزة قليلاً من غير إسراف في التمكين والمدّ."(الإرشاد 1/508). ويؤكّد ذلك أنّ عبد المنعم والد وشيخ طاهر ابن غلبون في الإسناد ومذهب هذا الأخير التوسّط الخاص فيكون مذهبهما كذلك وهو ما جنح إليه المتولّي في روضه والضباع في المطلوب.

وقد سكت صاحب النشر أيضاً عن الكامل ولم أجد في الكامل إشارةً تُبيّن مذهبه في ذلك . والذي ذهب إليه الأزميري والتولّي هو التوسّط الخاصّ. قال المتولّي في روضه : "وأمّا المدّ في {شيء} فمن المجتبى والهداية ومن العنوان -على ما في النشر - وأحد الوجهين من الشاطبية والتجريد والكافي. وأمّا التوسط فمن باقي الطرق. وأمّا القصر في غير {شيء} فمن التلخيص والإرشاد والتذكرة والكامل والعنوان والمجتبى".

وقد سكت صاحب النشر أيضاً عن طريق أبي معشر وكذا المتولّي حيث قال في روضه : "ولم أقف على طريق أبي معشر في هذا الباب" وكذلك الأزميري في بدائعه ويوسف زادة في كتابه الائتلاف.وقال العلامة الضباع : "وسكت في النشر عن مذهب أبي معشر ، وقال المتولّي : ولم أقف على طريق أبي معشر في هذا الباب وسكت عنه أيضاً الأزميري كالمنصوري وزادة وقال السمرقندي الظاهر أنّه كالهذلي " (المطلوب ص5). أقول : لعلّ السمرقندي بنى قوله هذا على قول ابن الجزري في النشر : "طريق أبي نصر الموصلي وهي السادسة عن النحاس من طريق أبي معشر والكامل قرأ بها أبو معشر الطبري وأبو القاسم الهذلي على الإمام أبي الفضل عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن الرازي". ولمّا كانت الرواية الوحيدة لأبي معشر الطبري عن الأزرق من النشر تشترك مع رواية أبي القاسم الهذلي في الإسناد عن الإمام أبي الفضل عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن الرازي من جهة وكون مذهب الكامل في اللين المهموز هو التوسط الخاص لا غير مع كثرة طرقه من جهة أخرى ، يقوى الاحتمال أن يكون مذهب أبي معشر الطبري في اللين المهموز هو التوسط الخاص كالهذلي.
وعليه فأصحاب مذهب التوسط الخاص هم : صاحب التذكرة والإرشاد وتلخيص العبارات والكامل وأبي معشر الطبري والعنوان كما سبق بيانه ومن قراءة الداني على أبي الحسن,

فالحاصل مما سبق أنّ :
- مذهب الإشباع العام أي في (شيء) كيف وقع (وكهيئة. وسوءة. والسوء) هو من طريق : الهداية والتجريد والكافي والشاطبيّة في أحد وجهَيْهما.
- مذهب الإشباع الخاصّ ب (شيء) كيف وقع دون غيرها من طريق المجتبى للطرسوسي.
- مذهب التوسط العام أي في (شيء) كيف وقع (وكهيئة. وسوءة. والسوء) من طريق التبصرة والداني من قراءته على ابن خاقان من طريق التيسير ومن قراءته على فارس ابن أحمد من جامع البيان، ومن طريق الكافي والشاطبية في أحد وجهيهما.
- مذهب التوسط الخاص ب (شيء) كيف وقع دون غيرها من التذكرة والإرشاد وتلخيص العبارات والكامل وطريق أبي معشر الطبري وكذا من العنوان وبه قرأ الداني على أبي الحسن.

فإذا اجتمع بدل مع {شيء} كما في قوله تعالى {وءا تيناه من كلّ شيء سببا} أربعة أوجه وهي كالتالي :
- قصر البدل مع التوسط في {شيء} من الشاطبية والتذكرة والإرشاد وقراءة الداني على أبي الحسن.
- توسّطهما من الشاطبية وتلخيص ابن بلّمية وقراءة الداني على ابن خاقان من التيسير ومن قراءته على فارس ابن أحمد من جامع البيان.
- طول البدل مع التوسط في {شيء} من الشاطبية والكافي في أحد وجهيهما ، ومن التبصرة والكامل والعنوان وطريق أبي معشر الطبري
- طولهما من الهداية والتجريد والشاطبية والكافي في أحد وجهيهما.

وفي قوله تعالى : { أفلم ييئس الذين آمنوا } ستة أوجه :
- قصر {ييئس} مع قصر {ءامنوا} من التذكرة والإرشاد وقراءة الداني على أبي الحسن.
- قصر {ييئس} مع توسط {ءامنوا} من تلخيص العبارات.
- قصر {ييئس} مع طول{ءامنوا} من الكامل والعنوان والمجتبى وطريق أبي معشر الطبري
- توسّطهما من الشاطبية و قراءة الداني على ابن خاقان من التيسير ومن قراءته على فارس ابن أحمد من جامع البيان.
- توسّط {ييئس} مع طول {ءامنوا} من التبصرة وأحد وجهي الكافي والشاطبية.
- طولهما من الشاطبية والكافي في أحد وجهيهما ، ومن الهداية والتجريد.

وفي قوله تعالى {ورسولا الى بني إسرائيل أنّي قد جئتكم بآية من ربكم} إلى قوله {كهيئة الطير } : ثمانية أوجه
- قصر {إسرائيل} و {بآية} مع قصر {كهيئة} من التذكرة والإرشاد وقراءة الداني على أبي الحسن.
- قصر{إسرائيل} وتوسط {بآية} مع {كهيئة} من التيسير والشاطبية وقراءة الداني على ابن خاقان وفارس بن أحمد
- قصر{إسرائيل} وطول {بآية} مع توسط {كهيئة} من الشاطبية
- قصر{إسرائيل} مع طول {بآية} و{كهيئة} من الشاطبية
- توسط {إسرائيل} و{بآية} مع قصر {كهيئة} من تلخيص ابن بليمة
- طول {إسرائيل} و{بآية} مع قصر {كهيئة} من المجتبى والكامل والعنوان وطريق أبي معشر
- طول {إسرائيل} و{بآية} مع توسط {كهيئة} من الكافي في أحد وجهيه
- الطول في الجميع من الكافي في أحد وجهيه ومن الهداية والتجريد.
ويمتنع وجهان وهما :
- قصر{إسرائيل} وتوسط {بآية} مع قصر {كهيئة} وسببه أنّ توسط البدل هو من طريق الشاطبية والداني عن ابن خاقان وفارس بن أحمد ومن تلخيص ابن بليمة. فأمّا الشاطبي والداني فليس لهما تمكين في {إسرائيل} وأمّا ابن بليمة فإنّ له القصر في {سرائيل} لأنّها غير مستثناة عنده.
- توسّط الجميع لأنّ صاحب ابن بليمة ليس له التوسط في {كهيئة} والشاطبيّ والداني ليس لهما تمكين في {إسرائيل}.

أكتفي بهذه التفريعات والحمد لله ربّ العالمين.
 
عودة
أعلى