بارك الله فيكم جميعاً. وهذا كلام له نوع تعلق وجدته للشيخ محمود محمد شاكر رحمه الله في تعليقه على قول الطبري في تفسيره للآية (78) من سورة البقرة :(ومنهم أميون ).
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه:(ومنهم أميون)، ومن هؤلاء -اليهود الذين قص الله قصصهم في هذه الآيات, وأيأس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من إيمانهم فقال لهم: أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله، ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه، وهم إذا لقوكم قالوا: آمنا، كما:-
1352 - حدثنا المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر, عن الربيع, عن أبي العالية:(ومنهم أميون)، يعني: من اليهود.
1353 - وحدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع مثله.
1354 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد:(ومنهم أميون)، قال: أناس من يهود.
* * *
قال أبو جعفر: يعني بـ "الأميين" ، الذين لا يكتبون ولا يقرءون.
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم:"إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب" يقال منه:"رجل أمي بين الأمية.
كما:-
1356 - حدثني المثنى قال، حدثني سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن < 2-258 > المبارك, عن سفيان, عن منصور، عن إبراهيم:(ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب)، قال: منهم من لا يحسن أن يكتب.
قال محمود شاكر تعليقاً على قول إبراهيم:(منهم من لا يحسن أن يكتب.) :
قوله "لا يحسن أن يكتب" نفى لمعرفة الكتابة، لا لجودة معرفة الكتابة، كما يسبق إلى الوهم. وقديما قام بعض أساتذتنا يدعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يعرف الكتابة، ولكنة لا يحسنها، لخبر استدل به هو - أو اتبع فيه من استدل به من أعاجم المستشرقين - وهو ما جاء في تاريخ الطبري 3: 80 في شرح قصة الحديبية، حين جاء سهيل بن عمرو، لكتابة الصلح. روى الطبري عن البراء بن عازب قال:".. فلما كتب الكتاب، كتب:"هذا ما تقاضى عليه محمد رسول الله"، فقالوا لو نعلم أنك رسول الله ما منعناك، ولكن أنت محمد بن عبد الله. قال: أنا رسول الله، وأنا محمد بن عبد الله. قال لعلي: امح"رسول الله". قال: لا والله لا أمحاك أبدا. فأخذه رسول الله وليس يحسن يكتب: "فكتب مكان "رسول الله" "محمد"، فكتب: " هذا ما قاضى عليه محمد" .
فظن أولا أن ضمير الفاعل في قوله "فكتب مكان "رسول الله" - محمد" ، هو رسول الله صلى الله عليه. وليس كذلك بل هو: علي بن أبي طالب الكاتب. وفي الكلام اختصار، فإنه لما أمر عليا أن يمحو الكتاب فأبى، أخذه رسول الله، وليس يحسن يكتب، فمحاه. وتفسير ذلك قد أتى في حديث البخاري عن البراء بن عازب أيضًا 3: 184:"فقال لعلى" امحه. فقال على: ما أنا بالذي أمحاه فمحاه رسول الله صلى عليه وسلم بيده".وأخرى أنه أخطأ في معنى"يحسن"، فإنها هنا بمعنى"يعلم"، وهو أدب حسن في العبارة، حتى لا ينفي عنه العلم، وقد جاء في تفسير الطبري 21: 6 في تفسير قوله تعالى:"أحسن كل شيء خلقه"، ما نصه:"معنى ذلك: أعلم كل شيء خلقه. كأنهم وجهوا تأويل الكلام إلى أنه ألهم كل خلقه ما يحتاجون إليه. وأنه قوله:"أحسن"، إنما هو من قول القائل:"فلا يحسن كذا"، إذا كان يعلمه". هذا، والعرب تتأدب بمثل هذا، فتضع اللفظ مكان اللفظ؛ وتبطل بعض معناه، ليكون تنـزيها للسان، أو تكرمه للذي تخبر عنه. فمعنى قوله:"ليس يحسن يكتب"، أي ليس يعرف يكتب. وقد أطال السهيلي في الروض الأنف 1: 230 بكلام ليس يغني في تفسير هذا الكلمة.