أبو عبد المعز
Active member
- إنضم
- 20/04/2003
- المشاركات
- 588
- مستوى التفاعل
- 25
- النقاط
- 28
التفسير العلمي للقرآن:مدخل نقدي لإسرائليات العصر.
إن القرآن قد قضى بتميزه عن الأصناف الخطابية السائدة ،وجعل القول بالتداخل أو التشابه ليس قولا خاطئا فحسب، بل قولا فاجرا،فمن زعم من الناس أن القرآن نثر مسجوع ،كنثر الكهان ،أو نظم مقفى ، كشعر العرب، فقد أخطـأ عقلا وفجر شرعا..ولا يضر القول بأن انتفاء الشعر عن القرآن يجعله من النثر لا محالة لاستحالة ارتفاع النقيضين-على اعتبار أن الكلام إما منظوم أو غير منظوم (وهو المنثور)،ولا واسطة بين العدم والوجود-فقد قال العلامة ابن خلدون:
"والقرآن وإن كان من المنثور إلاّ أنه خارج عن الوصفين؛ فليس يسمَّى مرسلاً مطلقاً ولا مسجعاً، بل تفصيل آيات"
وقد استوعب المسلمون هذه الحقيقة جيدا فأمعنوا في التمييز حتى جعلوا أسماء ما يدل على القرآن مختلفة عن غيره في الإجمال والتفصيل..فقد نقل السيوطي عن الجاحظ قوله:
"سمَّى الله كتابه اسماً مخالفاً لِما سمَّى العربُ كلامهم على الجملة والتفصيل؛ سمَّى جملتَه قرآناً كما سمَّوا ديواناً، وبعضَه سورة كقصيدة، وبعضَها آية كالبيت، وآخرَها فاصلة كقافية"
ثم ميزوا القرآن باصطلاح خاص وإن كان المسمى هو عينه في غيره، فالأسجاع-مثلا- ليست إلا التوافق الصوتي في ختام الجمل ،وهذا الحد منطبق على القرآن وغيره، غير أنهم سموا هذه الظاهرة الصوتية في القرآن" فاصلة"، وسموها في غيره "سجعة"..وكذلك سموا إدخال شيء من القرآن في كلامهم "اقتباسا "وسموا إدخال شيء من الشعر "تضمينا"...
ولعل الأمر قد يتجاوز هنا حدود التأدب في الاصطلاح ليصل إلى تقرير قاعدة عامة في المنهج مفادها رسم حدود واضحة بين الكلام الإلهي والكلام البشري...وتحاشي كل ما من شأنه أن يخلط بين الكلامين ولو على سبيل الاصطلاح الذي لا مشاحة فيه!
لكن بعض الناس قديما، وجمهرة منهم حديثا، سعوا إلى إهمال هذا القاعدة أو على الأقل إلى إدخال استثناء فيها، فجعلوا "الخطاب العلمي " ذا حظوة عن بقية الخطابات وأجازوا له ما لم يجيزوا لغيره ،فلو قيل إن القرآن وافق "الشعر" في هذا الموضع لردوا هذا القول في فم القائل بكل استنكار وتنديد، ولكن لو قيل وافقت الآية" العلم الحديث" لاستقبل القول بكل بشاشة وترحيب، ولعدوه انتصارا للقرآن ..
أفيكون القول بموافقة القرآن لامريء القيس الجاهلي طعنا في التنزيل،ويكون القول بموافقة القرآن لأينشتاين اليهودي نصرا للفرقان!!
قد لا يعدمون الجواب من أن القول بالموافقة الأولى قول أبطله القرآن نفسه وأن الشعراء- الهائمين الذين يقولون ما لا يفعون والذين يحترفوت الكذب والتملق وتزوير المقال المستمد من الشياطين -يؤسسون خطابا هو نقيض القرآن المنزل الذي لا ياتيه الباطل..فلا يكون الجمع بين الشعر والقرآن إلا جمعا بين الحق والباطل وهو محال..
أما ما يقوله العلم الحديث فهو حق ،ونحن إذ نفسر "الحبك" ب "الأوتار الفائقة" فهذا ليس تداخلا للخطابات ولا حملا للقرآن على غيره وما فعلنا شيئا غير تفسير كلمة بأخرى كما تفعلون أنتم-معاشر اللغويين- عندما تفسرون "القسورة" بالأسد..وليس في هذا كله إلا حملا للقرآن على نفسه لأنه حمل للحق على الحق!!
هذا الجواب- كما ترى- مبني كله على دعوى لم يقيموا عليها دليلا، وهي دعوى تماهي العلم الحديث مع الحقيقة.. فإذا ما انهارت هذه الدعوى بات "العلم" كغيره من الشعر والسحر، وعاد القول بموافقة القرآن لها أو لبعضها فجورا وكفرا..
( وقد نقول لك كلمة عن فايربند فيلسوف العلم الأسترالي الذي شغب على العلماء وطالبهم بسندهم في تفضيل الخطاب العلمي على الخطاب السحري مثلا)
وهذا الكتاب الذي سنخطه في هذه الصفحات ، شيئا فشيئا،يطمح إلى تفنيد هذا الزعم المشهور ،متمسكين بشرط هو الابتعاد - ما أمكن- عن الاستدلال الخطابي المخرج من باب التحسين والتقبيح بالبيان والإنشاء، والاعتماد ما أمكن على "فقه العلم" المسمى "ابستملوجيا " ناقلين بصفة حاصرة من منشئي الخطاب العلمي الحديث وناقديه، من أهل الغرب علماء وفلاسفة، فهو أجدر بالقبول على مبدأ "شهد شاهد من أهلها "وأولى بإفحام أبناء جلدتنا الذين يريد بعضهم أن يكونوا "ملكيين أكثر من الملك نفسه"!!
كلمة عن مصطلح" إسرائيليات"
يدل هذا المصطلح على تراث بني إسرائيل وهو أمشاج من التاريخ الطبيعي والتاريخ البشري والجغرافيا وعلم العقائد وقصص الأولين وسير الملوك وأخبارالأنبياء وطقوس العادات والعبادات...
وهذا التراث المتنوع لا يستحق أن يسمى "إسرائيليات" إلا إذا اقتحم فضاء النص الديني الإسلامي..وإلا فهو تاريخ وجغرافيا وسير وأخبار ...لها هذه التسميات ذاتها المعهودة لفنون التراث عند أي شعب من الشعوب..
وبعبارة أوضح لا حرج أن يسلك عموم المروي عن بني إسرائيل في علم الفلك أو في علم الأرض.. ولكن إذا ما قصد به تفسير آية قرآنية أو تعيين دلالة في حديث نبوي فإن ذلك المروي سيغدو من" الإسرائيليات" وليس من علم الفلك ..
هذه الرؤية الاعتبارية لمصطلح "إسرائيليات" لها- في تصورنا- أهمية بالغة لأنها توطئة لتنزيل الحكم الشرعي على ما يسمى بالتفسير العلمي...فلسنا نتوفر على حكم شرعي خاص بعلم الفزياء أو علم وظائف الأعضاء... ولكن التكييف الشرعي للإسرائيليات وارد في السنة النبوية :
" حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" فهذا تأصيل من جهة الرواية ..
"لا تصدقوهم ، ولا تكذبوهم " وهذا تأصيل من جهة الدراية..
لكن علينا قبل تنزيل الحكم إثبات أن هذه العلوم العصرية هي من جنس تلك الإسرائيليات..وأن حديث "حوت البهموت "مثل حديث "الثقوب البيضاء والسوداء" وأن الاختلاف- إن وجد-هو اختلاف في الدرجة وليس في النوع.
لعل من المفيد إزعاج القاريء قليلا قبل الاسترسال في الموضوع..ونرى المطلبين التاليين يفيان بهذا المقصد:
-هل تعتقد أن العالم الطبيعي يصف الظاهرة الطبيعية كما هي في الخارج، أم أنه ينشيء لها نموذجا تصوريا في الذهن؟
-هل ترى المفاهيم التي يعتمدها العالم في خطابه مفاهيم حقيقية لها ما يطابقها في الخارج، أم أنها محض أدوات من ابتكار العقل تساعده على التفسير والتنظيم ،أو لنقل باصطلاح البيانيين هل هي من باب الخبر أم من باب الإنشاء؟
إن القرآن قد قضى بتميزه عن الأصناف الخطابية السائدة ،وجعل القول بالتداخل أو التشابه ليس قولا خاطئا فحسب، بل قولا فاجرا،فمن زعم من الناس أن القرآن نثر مسجوع ،كنثر الكهان ،أو نظم مقفى ، كشعر العرب، فقد أخطـأ عقلا وفجر شرعا..ولا يضر القول بأن انتفاء الشعر عن القرآن يجعله من النثر لا محالة لاستحالة ارتفاع النقيضين-على اعتبار أن الكلام إما منظوم أو غير منظوم (وهو المنثور)،ولا واسطة بين العدم والوجود-فقد قال العلامة ابن خلدون:
"والقرآن وإن كان من المنثور إلاّ أنه خارج عن الوصفين؛ فليس يسمَّى مرسلاً مطلقاً ولا مسجعاً، بل تفصيل آيات"
وقد استوعب المسلمون هذه الحقيقة جيدا فأمعنوا في التمييز حتى جعلوا أسماء ما يدل على القرآن مختلفة عن غيره في الإجمال والتفصيل..فقد نقل السيوطي عن الجاحظ قوله:
"سمَّى الله كتابه اسماً مخالفاً لِما سمَّى العربُ كلامهم على الجملة والتفصيل؛ سمَّى جملتَه قرآناً كما سمَّوا ديواناً، وبعضَه سورة كقصيدة، وبعضَها آية كالبيت، وآخرَها فاصلة كقافية"
ثم ميزوا القرآن باصطلاح خاص وإن كان المسمى هو عينه في غيره، فالأسجاع-مثلا- ليست إلا التوافق الصوتي في ختام الجمل ،وهذا الحد منطبق على القرآن وغيره، غير أنهم سموا هذه الظاهرة الصوتية في القرآن" فاصلة"، وسموها في غيره "سجعة"..وكذلك سموا إدخال شيء من القرآن في كلامهم "اقتباسا "وسموا إدخال شيء من الشعر "تضمينا"...
ولعل الأمر قد يتجاوز هنا حدود التأدب في الاصطلاح ليصل إلى تقرير قاعدة عامة في المنهج مفادها رسم حدود واضحة بين الكلام الإلهي والكلام البشري...وتحاشي كل ما من شأنه أن يخلط بين الكلامين ولو على سبيل الاصطلاح الذي لا مشاحة فيه!
لكن بعض الناس قديما، وجمهرة منهم حديثا، سعوا إلى إهمال هذا القاعدة أو على الأقل إلى إدخال استثناء فيها، فجعلوا "الخطاب العلمي " ذا حظوة عن بقية الخطابات وأجازوا له ما لم يجيزوا لغيره ،فلو قيل إن القرآن وافق "الشعر" في هذا الموضع لردوا هذا القول في فم القائل بكل استنكار وتنديد، ولكن لو قيل وافقت الآية" العلم الحديث" لاستقبل القول بكل بشاشة وترحيب، ولعدوه انتصارا للقرآن ..
أفيكون القول بموافقة القرآن لامريء القيس الجاهلي طعنا في التنزيل،ويكون القول بموافقة القرآن لأينشتاين اليهودي نصرا للفرقان!!
قد لا يعدمون الجواب من أن القول بالموافقة الأولى قول أبطله القرآن نفسه وأن الشعراء- الهائمين الذين يقولون ما لا يفعون والذين يحترفوت الكذب والتملق وتزوير المقال المستمد من الشياطين -يؤسسون خطابا هو نقيض القرآن المنزل الذي لا ياتيه الباطل..فلا يكون الجمع بين الشعر والقرآن إلا جمعا بين الحق والباطل وهو محال..
أما ما يقوله العلم الحديث فهو حق ،ونحن إذ نفسر "الحبك" ب "الأوتار الفائقة" فهذا ليس تداخلا للخطابات ولا حملا للقرآن على غيره وما فعلنا شيئا غير تفسير كلمة بأخرى كما تفعلون أنتم-معاشر اللغويين- عندما تفسرون "القسورة" بالأسد..وليس في هذا كله إلا حملا للقرآن على نفسه لأنه حمل للحق على الحق!!
هذا الجواب- كما ترى- مبني كله على دعوى لم يقيموا عليها دليلا، وهي دعوى تماهي العلم الحديث مع الحقيقة.. فإذا ما انهارت هذه الدعوى بات "العلم" كغيره من الشعر والسحر، وعاد القول بموافقة القرآن لها أو لبعضها فجورا وكفرا..
( وقد نقول لك كلمة عن فايربند فيلسوف العلم الأسترالي الذي شغب على العلماء وطالبهم بسندهم في تفضيل الخطاب العلمي على الخطاب السحري مثلا)
وهذا الكتاب الذي سنخطه في هذه الصفحات ، شيئا فشيئا،يطمح إلى تفنيد هذا الزعم المشهور ،متمسكين بشرط هو الابتعاد - ما أمكن- عن الاستدلال الخطابي المخرج من باب التحسين والتقبيح بالبيان والإنشاء، والاعتماد ما أمكن على "فقه العلم" المسمى "ابستملوجيا " ناقلين بصفة حاصرة من منشئي الخطاب العلمي الحديث وناقديه، من أهل الغرب علماء وفلاسفة، فهو أجدر بالقبول على مبدأ "شهد شاهد من أهلها "وأولى بإفحام أبناء جلدتنا الذين يريد بعضهم أن يكونوا "ملكيين أكثر من الملك نفسه"!!
كلمة عن مصطلح" إسرائيليات"
يدل هذا المصطلح على تراث بني إسرائيل وهو أمشاج من التاريخ الطبيعي والتاريخ البشري والجغرافيا وعلم العقائد وقصص الأولين وسير الملوك وأخبارالأنبياء وطقوس العادات والعبادات...
وهذا التراث المتنوع لا يستحق أن يسمى "إسرائيليات" إلا إذا اقتحم فضاء النص الديني الإسلامي..وإلا فهو تاريخ وجغرافيا وسير وأخبار ...لها هذه التسميات ذاتها المعهودة لفنون التراث عند أي شعب من الشعوب..
وبعبارة أوضح لا حرج أن يسلك عموم المروي عن بني إسرائيل في علم الفلك أو في علم الأرض.. ولكن إذا ما قصد به تفسير آية قرآنية أو تعيين دلالة في حديث نبوي فإن ذلك المروي سيغدو من" الإسرائيليات" وليس من علم الفلك ..
هذه الرؤية الاعتبارية لمصطلح "إسرائيليات" لها- في تصورنا- أهمية بالغة لأنها توطئة لتنزيل الحكم الشرعي على ما يسمى بالتفسير العلمي...فلسنا نتوفر على حكم شرعي خاص بعلم الفزياء أو علم وظائف الأعضاء... ولكن التكييف الشرعي للإسرائيليات وارد في السنة النبوية :
" حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" فهذا تأصيل من جهة الرواية ..
"لا تصدقوهم ، ولا تكذبوهم " وهذا تأصيل من جهة الدراية..
لكن علينا قبل تنزيل الحكم إثبات أن هذه العلوم العصرية هي من جنس تلك الإسرائيليات..وأن حديث "حوت البهموت "مثل حديث "الثقوب البيضاء والسوداء" وأن الاختلاف- إن وجد-هو اختلاف في الدرجة وليس في النوع.
لعل من المفيد إزعاج القاريء قليلا قبل الاسترسال في الموضوع..ونرى المطلبين التاليين يفيان بهذا المقصد:
-هل تعتقد أن العالم الطبيعي يصف الظاهرة الطبيعية كما هي في الخارج، أم أنه ينشيء لها نموذجا تصوريا في الذهن؟
-هل ترى المفاهيم التي يعتمدها العالم في خطابه مفاهيم حقيقية لها ما يطابقها في الخارج، أم أنها محض أدوات من ابتكار العقل تساعده على التفسير والتنظيم ،أو لنقل باصطلاح البيانيين هل هي من باب الخبر أم من باب الإنشاء؟