التزام قول "صدق الله العظيم" بعد التلاوة بِدْعَة (الحلقة الأولى والثانية)

إنضم
10/07/2003
المشاركات
30
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
مصر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد؛ فهذا بحث كُنت قد كتبته في "ملتقى أهل الحديث" -حفظ الله القائمين عليه وأعضائه ورواده- بتاريخ 30 / 10 / 1423هـ، ومِن قَبل في كل مِن: "شبكة الفوائد الإسلامية" و"المنتدى العام" بـ "شبكة الفجر".

------------------------------------------
إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده اللهُ فلا مُضِل الله، ومَن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسولُه، (صلى الله عليه وآله وسلم) ...
أما بعدُ ...
فإنَّ أصدق الحديثِ كتابُ اللهِ تعالَى، وأحسنَ الهَدْي هَديُ مُحمدٍ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وشرَّ الأمورِ مُحدثاتُها وكُلَّ مُحدثَةٍ بِدْعَة، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضلالة، وكُلَّ ضلالةٍ في النار ...
فمن الأمور المُحدَثَة التي انتشرت انتشارًا هائلا في هذا العَصر؛ بحيثُ لا تكاد تَجِدُ قارِئًا للقُرآن مُعرِضًا عَنها؛ هي التزامُ قولِ (صدق اللهُ العَظيم) بعد الفراغ مِن تلاوة القرآن الكريم.
فاعْلَم –أخي- أنَّ التزامَ قولِ (صدق اللهُ العَظيم) بعد الفراغ مِن تلاوة القرآن الكريم بِدْعَة، وكل بِدْعَة ضلالة، وكل ضلالةٍ في النَّار؛ فهي لم تَرِد –فَضلا عَن أن تَثبت- قَطُّ عَن النَّبي (صلى الله عليه وسلم) "قولا أو تَقريرًا" ولا عَن أحَدٍ مِن أصحابِه ولا عَن أحد التَّابِعين، ولا أظُنُّ أنَّها كانت مَعروفةً قَبل مائتي عام، هذا على أقصَى تَقْدير؛ وإلا فغالِبُ ظَنِّي أنَّها لم تَكن مَعروفَةً قبل مائة عام، واللهْ أعْلَم. عمومًا تاريخ تَلَفُّظ النَّاس بها بعد التلاوة يحتاج إلى تَحرير؛ لتعرِفَ صِدق ما أقول!
وعليه؛ فهل غابَتَ هذه الجُملَة عَن العُصور الثلاثة المُفَضَّلة الأولى المَشهود لها بالخَيرية، وعَن العُصور التي تَلَتها بما فيهم عَصر الأئمة الأربعة، وعن القُرون التالية لها حتى عَهدٍ قَريب، حتى عَرَفها أهلُ زمانِنِا، فأتَوا بما لم تأتِ به الأوائِلُ!
وواللهِ لو كان التَّلفُّظ بهذه الجُملَة خيرًا لسبقونا إليه، عليهم رَحمَةُ اللهِ –تَبارَك وتعالى.
وقد أمرَنَا اللهُ –سُبحانَه وتعالى- باتباعِه واتباعِ نَبيِّه (صلى الله عليه وسلم) في غَير آية مِن آياتِ القُرآن الكَريم؛ فقال –تعالى- (مَن يُطِع الرَّسولَ فقد أطاعَ الله) [النِّساء: 80]، وقال (وما آتاكُم الرَّسولُ فَخُذوه وما نهاكُم عَنه فانتَهوا) [الحَشر: 7]، وقال (يا أيُّها الذين آمَنوا لا تُقَدِّموا بَينَ يَدَي اللهِ ورَسولِه) [الحُجُرات: 1]، وقال (وما تَنَازَعتُم في شَيء فَرُدُّوه إلى اللهِ والرَّسول) [النِّساء: 59]، وقال (فلا وَرَبِك لا يؤمِنون حتَّى يُحَكِّموك فيما شَجَرَ بَينَهم ثم لا يَجدِوا في أنفُسِهم حَرَجًا مِمَّا قَضَيتَ ويُسَلِّموا تَسليمًا) [النِّساء: 65]، وقال (قُل إن كُنتم تُحِبُّون اللهَ فاتَّبِعوني يُحْبِبْكُم اللهُ ويَغفِر لَكُم ذُنُوبَكم) [آل عِمران: 31].
وبَيَّن الحَقُّ –عَزَّ وجَل- في كِتابِه أنَّ الدِّين كَمُل بوفاةِ النَّبي (صلى الله عليه وسلم)؛ فقال –تعالى- على لِسان نَبيِّه (صلى الله عليه وسلم): (اليومَ أكمَلتُ لَكمُ دينَكم وأتمَمتُ عَلَيكم نِعمَتي ورَضيتُ لكم الإسلامَ دينًا) [المائدة: 3].
وقال النَّبيُ (صلى الله عليه وسلم): "مَن أحدَثَ في أمرِنا هذا ما ليسَ مِنه فهو رَدٌ" [متفق عليه]، وفي رواية: "مَن عَمِلَ عَمَلا ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌ" [رواه مُسلِم]، وقال: "إيَّاكم ومُحدَثاتُ الأمور؛ فإنَّ كل مُحدَثَة بِدْعَة، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضلالة" [رواه أحمَد، وهو في صَحيح الجامِع]، وقال: "وكُل ضلالةٍ في النار" [رواه النَّسائي، وهو في صَحيح الجامِع].
فالأصل في العِبادات التَّحريم إلا إذا دَلَّ النَّصُ على خِلاف ذَلِك، بِعَكس العادات؛ فتنَبَّه!
ولو كانَ هذا القَولُ مَشروعًا لَبَيَّنه النَّبيُ (صلى الله عليه وسلم) لأمَّتِه؛ بل ثَبَت عَن النَّبي (صلى الله عليه وسلم) أنَّه قال لعَبد الله بن مَسعود (رَضي الله عَنه): "اقْرأ عَليَّ القُرآن"، فقال: يا رَسولَ الله أقرأ عَليَك وعَلَيك أنزِل؟! قال: "إنِّي أحِبُّ أن أسمَعَه مِن غَيري"، فقرأتُ عليه سُورَة النِّساء. حتَى جِئتُ إلى هذه الآية: (فكيف إذا جِئنا مِن كُلِّ أمَّة بِشَهيدٍ وجِئنَا بِكَ على هؤلاءِ شَهيدًا) [الآية: 41]. قال: "حَسبُك الآن"، فالتَفَتَ إليه فإذا عَيناه تَذرِفان. [مُتفق عَليه]، وفي رواية للبخاري [ح 5050، 4582 - «فتح»] قال رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم): "أمسِك".
ومِن القواعِد الأصولية أنَّه "لا يجوز تأخير البَيان عَن وَقت الحاجَة"؛ فلو كان قول (صَدق اللهُ العَظيم) مَشروعًا لَنَبَّه النَّبيُ (صلى الله عليه وسلم) عَبدَ الله بنَ مسعود –رَضي الله عَنه- عَلَيه ودَلَّه عليه وأمرَه بأن يقولَه؛ فلما لم يُبَيِّن النَّبيُ (صلى الله عليه وسلم) مَشروعية ذلك دَلَّ على أنَّه لا يُشرَع؛ و"تَرك البَيان في وَقت الحاجَة بَيانٌ" –كما تُقَرِّرُ القاعِدَة الأصولية.
بل قال (صلى الله عليه وسلم) بعد الفراغ مِن التلاوة: "حَسبُك الآن"؛ مِمَّا يَدُل دلالةً واضِحَةً أنَّها هذا القولَ لا يَشرُع، بل المَشروع بعد الفراغ مِن التلاوة هو السُّكوت أو الكلام المُباح أو مُباشرة العَمل أو خِلافُه مِمَّا هو مُباحٌ في أصلِه، ولا نَقولُ: كيف نَخلِط بين القُرآن وكلام البَشَر دون فاصِل! نقول: نحن أمِرنا بالاتباع لا الابتداع، ومَصدر الدِّين النَّقل لا العَقل، والدِّينُ لا يؤخَذ بالرأي، و"لو كان الدِّينُ بالرأي لكان أسفل الخُف أولى بالمَسح مِن أعلاه"؛ كما ثَبَتَ عَن (علىُّ بن أبي طالِب) –رَضي الله عَنه- [رواه أبو داود].
بل قد ثَبَت –والحمدُ لله- في السُّنَة القولية ما يَدُل على أنَّ النَّبيَ (صلى الله عليه وسلم) لم يَفصِل بين القرآن الكَريم وكلامِه العادي بفاصِل؛ ففي "خُطبة الحاجَة" كان النَّبيُ (صلى الله عليه وسلم) يقرأ –أحيانًا- ثلاث آيات بعد الشهادَتَين؛ هم على التَّرتيب: الآية 102 مِن سورة "آل عِمران"، الآية 1 مِن سورة "النِّساء"، الآيتَين 70، 71 مِن سورة "الأحزاب"، ثم يقول بَعدَها -دون فاصل-: "أما بعد؛ فإنَّ أصدق الحَديث كِتابُ الله تعالى ..." [رواه مُسلِم والنَّسائي].
ومِن تناقُض الذين يَستَنكِرونَ عَدمَ فصل القُرآن والكلام العادي بِفاصِل (كَقول: صدق الله العَظيم)؛ أنَنَّا نقولُ لهم: أليس قول (صدق الله العظيم) كلام البشر؟!! فكيف تَفصِلون بين القُرآن وكلام البَشَر بكلامٍ البَشَر ؟!!
وأقولُ لهم أيضًا: لماذا اقتصرتُم على قول (صدق اللهُ العَظيم) دون غَيرِها ؟!! يَعني: لماذا لا تقولون –مَثلا- (صدق الرَّحمَنُ الرَّحيم) أو (صَدَقَ المَلِكُ الوهَّاب) ؟!! ولماذا تَقتَصِرون –أصلا- على لفظة "صَدَق" دون غَيرِها ؟!! لِمَ لا تقولون –مَثلا- (الحَقُّ ما قال الله) ؟!!
وإلى مَن لا يَقتَنِعون بقولِ اللهِ (تَبارَك وتعالى) وقولِ رَسولِه (صلى الله عليه وسلم)، ولا يَقتَنِعون إلا بالعَقل –زَعُموا؛ مع أنَّ العَقل السَّليم لا يُنافي الشَّرع الصَّريح ألبَتَة؛ أقول:
مِن المُقَرَّر عِند عُلماء اللغة العَرَبية والبَيان أنَّ الجُملَ نوعان:
1- جُمل خبرية (تقريرية): وهي الجُمَل التي تَحتَمِل التَّصديق والتَّكذيب. كقولك: أحمد مُلتَزِم بهَدي النَّبي (صلى الله عليه وسلم)، أو جاء أحمَد، أو لم يُسافِر أحمد اليوم، أو يَتلو أحمد القرآنَ كلَ يوم. فهذه الجُمَل تَحتَمِل أن يُصَدَّق قائِلُها أو يُكَذَّب، فلو قال لك قائِلٌ: أحمد مُجتَهِد، تَستطيعُ أن تقولَ له: صَدقتَ أو كَذَبت، وهكذا في كل الجُمَل الخَبَريَّة؛ وضابِطُها ما قُلناه وهي كل جملة ليست إنشائية.
2- جُمَل إنشائية: وهي الجُمَل التي لا تَحتَمِل التَّصديق أو التَّكذيب، وقد تكون جملةً طَلَبيَّة (أمر، نَهي) أو جملةً تَدُّل على الطَّلَب؛ كأن تُسبَق باستفهام أو تَمَني أو تَرَجِّي. كقولِك لأخيك: صَلِّ صلاة موَدِّع! أو لا تُقَلِّد المُشركين! أو هل رأيتَ مُحمَّدًا؟! أو لَيتَ المُسلِمين يَعودون إلى دينِهم! أو لَعَل اللهَ يُخرِج مِن أمَّتِنَا مَن يُعيدُ إليها مَجدَها! فهذه الجُمَل السابِقَة لا تَحتَمِل مِن سامِعها أن يُصَدِّقَ قائِلَها أو يُكَذِّبُه؛ فلو قال لك قائِلٌ: صَلِّ، فلا يجوزُ أن تقولَ له: صَدَقتَ أو كَذَبتَ، وهكذا في كل الجُمَل الإنشائية.
إذا تَبَيَّن هذا؛ فالقُرآن الكَريم يَجمَع في سُوَرِه بين الجَملَ الخَبَرية والإنشائية، بل قَد تَجمَع الآية الواحِدَة النَّوعَين مَعًا، وهاكَ أمثِلَةً مِن كل نوع:
فَمِن أمثِلَة الجُمَل الخَبَرية؛ قولُه –تعالى-: (إنَّ اللهَ على كُلِّ شَئ قَديرٌ) [البقرة: 20]، (أولئك على هدي مِن رَبهم وأولئك هم المُفلِحون) [البقرة: 5]، (قَد أفلَح المؤمِنون) [المؤمِنون: 1].
ومِن أمثِلَة الجُمَل الإنشائية؛ قولُه –تعالى-: (واتَّقُوا يومًا لا تَجزي نَفسٌ عَن نَفسٍ شَيئًا) [البقرة: 48]، (ولا تكونوا كالذين نَسُوا اللهَ فأنساهُم أنفسَهم) [الحشر: 19]، (أليس اللهُ بأحكِم الحاكِمين) [التين: 8].
ومِن أمثِلَة الآيات التي جَمَعت بين الجُملَتَين مَعًا؛ قولُه –تعالى- (ألم تَعلم أنَّ اللهَ له مُلكُ السَّموات والأرض، وما لكم مِّن دُونِ اللهِ مِن وَليٍّ ولا نَصير) [البقرة: 107].
وقارئ القُرآن لا يخَلو –عِند فَراغِه مِن التلاوة- أن يَقِف على إحدى نَوعَي الجُمَل: إمَّا أن يَقِفَ على جمُلَة خَبَرية أو إنشائية. فهل –باللهِ- إن وَقَف على جُملَةٍ إنشائية يَليقُ به أن يقولَ (صَدَق الله العَظيم)، وهي –كما بَيَّنَّا- لا تَحتَمِلُ التَّصديق أو التَّكذيب؟!! أفيجوزُ هذا العَبَثُ بِكتابِ الله –تبارك وتعالى- ؟!! وإن قال: أقولُها عِند رأس الجُمَل الخَبَرية فَقَط! نقولُ له: كَذَبت ورَبي؛ واقِعُك يُخالِفُ قولَك، ثُم مِن أين لك الدَّليل على التَّفريقِ بين النَّوعَين ؟!! أتَضَعُ ضوابِطًا لبِدْعَة ابتدعتَها ما أنزَلَ اللهُ بِها مِن سُلطان ؟!! (تاللهِ إنَّ هذا لَشئٌ عجاب) [ص: 5].

الجواب عَن الشُّبهات الوارِدَة في هذه المسألة:

الشُبهة الأولى: قد يَستَدِلُ البَعضُ على جوازِها بقولِه –تعالى- (قُل صَدَق الله فاتَّبِعوا مِلَّة إبراهيم حِنيفًا) [آل عِمران: 95]، وقولِه (ومَن أصدَقُ مِن الله حَديثًا) [النِّساء: 87]، وقولِه (ومَن أصدَقُ مِن الله قِيلا) [النِّساء: 122]، وهذا استدلال مَردودٌ مِن غَير وَجه:
(1) بُمراجَعَةِ أسباب نُزولِ الآية الأولى؛ يَتَبَيُّن أنَّ مَعنى الآية: "أي ظَهَرَ وثَبَت صِدقَه في أنَّ (كُل الطَّعام كان حِلا لِبَني إسرائيل إلا ما حَرَّم إسرائيلُ على نَفسِه مِن قَبْلِ أن تُنَزَّلَ التَّوراة) [آل عِمران: 93]؛ فلم يَكُن ذلك في التوراة مُحَرَّمًا كما أخَبَر رَبُّنا -تَبارَك وتعالى، وفيه تَعريضٌ بِكذِب اليَّهود الصَّريح"، [راجِع: «تَفسير القُرطبي»: (2/ 1482: 1485)، و«روح المَعاني/ للآلوسي»: (3/ 241: 246)، كِلاهما طـ دار الغَد العربي بمصر].
ومِن القواعِد الأصوليَّة الهامَّة أنَّ "العِبرَة بِعُموم اللفظ لا بِخصوص السَّبَب"؛ ولِذَلك فمَعنى الآية –عُمومًا-: "أي قُل يا مُحَمَّد: صَدَقَ اللهُ فيما أخبَرَ بِه وفيما شَرَعَه في القرآن"، كما في «تَفسير ابن كَثير»: (1/ 382، طـ مُطصفى البابي الحَلبي).
(2) قُل لي –بِرَبِّك- أين في الآية الكَريمة ما يَدُل على أنَّ الله أمر (أو أرشد) نَبيَّه (صلى الله عليه وسلم) أن يلتَزِمَ قولَ هذه الجُملَة بعد الفراغ مِن تلاة القُرآن خاصَّةً؟! فمِنَ أينَ لَكم بهذا التَّقييد ؟!! ولو سَلَّمنَا جَدلا أنَّه –تَبارَك وتعالَى- أمرَه بِذَلِك وَحيًا فلَّمَّا لم يُنقَل إلينا عُلِم –بالضَّرورة- أنَّ هذا الاعتقادَ لا أصلَ له ألبتة!
(3) ألم تسأل نفسَك لماذا لم يَفهَمِ النَّبيُ (صلى الله عليه وسلم) أو أحدٌ مِن أصحابِه أو تابِعوهم مِن هذه الآية الكَريمة أنَّ المقصودَ التزامُ قولِها بعد كل تلاوةٍ للقُرآن؟!! أم أنَّك أتيتَ بِمَا لم تأتِ به الأوائِل؟!
(4) لو ألزمتَ نفسَك بأنَّ المَقصودَ بالآيةِ الكَريمَةِ التزامَ قولِ هذه الجُملَة بعد الفَراغ مِن التلاوة، فأنا ألزِمُك إلزامًا لا انفكاك له –إن شاء الله تعالى- أن تفهمَ أنَّك أثناءَ قِراءَتِك للقُرآن إذا مَررتَ بقولِه تعالى (قُل هو الله أحَد) [الإخلاص: 1] أن تَقطَعَ القِراءة وتَقول: "هو الله أحد"! وإذا مَررتَ بقولِه تعالى (قل يأ أيُّها الكافِرون) [الكافِرون: 1] أن تَقطَعَ القِراءة وتَقول: "يا أيُّها الكافِرون"، وهكذا في باقي الآيات التي استُفتِحَت بِلفظَة (قُل)، فما رأي المُخالِف؟
(5) أمَّا الآيتان الكَريمتان الأخريتان فمعناهما: "لا أحد أصدق مِن الله" [راجع: «تَفسير القُرطبي»: 2/ 1967، 2057].

الشُبهة الثانية: وقد يَستَدِل بَعضُهم بِما [رواه التِّرمذيُ والبَيهَقيُّ] عَن (عَبد الله بن بُريدَة) عَن أبيه –رَضي الله عَنه يقول: رأيتُ النَّبيَ (صلى الله عليه وسلم) يَخطُب، فجاء الحَسَنُ والحُسَين وعليهما قميصان أحمران، يَمشيان ويَعثران، فنزل رسولُ اللهِ (صلى اللهُ عليه وسلم) فحَمَلَهُما فوَضَعَهُما بَينَ يَديه، ثُمَّ قال: "صدق اللهُ (إنَّما أموالُكم وأولادُكم فِتنةٌ) [التَّغابُن: 15]، نَظَرتُ إلى هَذَين الصَّبيين يَمشيان ويَعثران فَلَم أصبِر حتَّى قَطَعْتُ حَديثي وَرَفَعْتُهما"، ثم أخذ في خُطبَتِه. اهـ.
وشاهِد الاستدلال قولُه (صلى الله عليه سلم): "صَدَق الله ...".
وهذا الاستدلالُ فيه نَظَرٌ:
(1) قولُه (صلى الله عليه وسلم): "صَدَق الله" قبل الآية لا بَعدَها! فهو خارِجُ مَحلِّ النِّزاع، ثُمَّ إنَّه (صلى الله عليه وسلم) اقتصر على "صَدَق الله"، والمُخالِفُ لا يَقتَصِرُ عَليها؛ وإن اقتَصَر فهي بِدْعَةٌ أيضًا؛ لِمَا يأتي في (2).
(2) عِند تأمُل سَبَب ذِكرِه (صلى الله عليه وسلم) للآية يَتَّضِحُ أنَّه لا دلالة في الحَديث على ما يَزعُمون؛ فهو (صلى الله عليه وسلم) إنَّما قال ذلك لِِبيان صِدْق خَبَرِ الله –تبارَك وتعالى- بأنَّ الأموالَ والأولادَ فِتنَةٌ، ولا أدَلَّ على ذَلِك مِن أنَّه (صلى الله عليه وسلم) لَمَّا رأي الحَسَنَ والحُسَين –رَضي الله عَنهما- يَمشيان ويَعثران اشتَغَل قَلبُه بِهما ولَم يَصبِر حتى قَطَع خُطبَتَه ونَزَل مِن على مِنبَرِه وحَمَل الحَسَن والحُسَين –رَضي الله عَنهما- ووَضَعهما بَينَ يَدَيه؛ فالحَديثُ واقِعَةُ عَين لا تَنهَضُ للاستدلال على حُكمٍ عامٍّ تَعُمُّ به البَلوى، فتأمَل.
(3) قد يكونُ النَّبيُّ (صلى الله عليه وسلم) قد أخَذَ بِعُموم قَولِه تعالى (قُل صَدَقَ الله) [آل عِمران: 95] في واقِعَةٍ مَا، ولو اقتدى مُكَلَّفٌ بالنَّبي (صلى الله عليه وسلم) في أمرٍ كهذا؛ فاستعمَلَ عمومَ آيَّةٍ في مَوقِفٍ خاص؛ فلا حَرَجَ -إن شاء اللهُ تعالى.
ولقد وَقَع هذا مع النَّبي (صلى الله عليه وسلم) في آيَةٍ أخرى؛ فقد ثَبَتَ في [صَحيح مُسلِم] أنَّ النَّبي (صلى الله عليه وسلم) لَمَّا أيقَظَ عَليًّا وأمَرَه وفاطمةَ –رَضي الله عَنهما- بالصلاة مِن الليل، وقال له على -رَضي الله عنه-: "إن أرواحنا بيد الله إن شاء بعثنا"، ولَّى النَّبيُّ (صلى الله عليه وسلم) يَضرب فَخذَه، ويقول: (وكان الإنسان أكثر شئ جَدلا) [الكهف: 54]. فجعل (صلى الله عليه وسلم) عليًّا –رَضي الله عنه- داخِلا فيها، مع أنَّ سَبَبَ نزولها الكُفار الذين يُجادِلون في القرآن، [انظر: «تفسير القُرطبي»: (5/ 4158، طـ دار الغد العربي بمصر)، «مُذكرة في أصول الفِقه»/ للعلامة (محمد الأمين الشنقيطي) –رَحِمَه الله، ص 235، طـ دار البصيرة بمصر].

الشُبهة الثالثة: وقَد يَستَدِل بَعضُهم على جوازِها بأنَّ الأكثَرين مِن المُسلمين يَلتَزِمون قولَها بعد الفَراغ مِن التلاوة!
وهذه شُبهَة أوهَى مِن بَيتِ العَنكبوت، وتُغني حِكايَتُها عَن رَدِّها، وفسادُها عَن إفسادِها. ومَع ذلك فأقولُ: لقد قال اللهُ –سُبحانَه وتعالى- في كِتابِه العَزيز الذي لا يأتيه الباطِلُ مِن بَين يَديه ولا مِن خَلفِه: (وإن تُطِع أكثَرَ مَن في الأرض يُضِلُّوكَ عَن سَبيلِ الله) [الأنعام: 116]، وقال (ومَا أكثَرُ النَّاسِ ولو حَرَصتَ بِمؤمِنين) [يوسف: 103]. وتأمَل –بَارَكَ اللهُ فيك- آياتِ القُرآن التي وَرَدَت فيها كَلِمَة الكثرة واشتقاقاتُها تَجِدْها جَميعًا –بلا استثناء- تُقَرِّرُ أنَّ القَليلَ مِن النَّاس هم الذين يَتِّبِعُون الحَقَّ ويُطيعون رَبَّهم، وأنّ الكثرة الباقية لا يؤمِنون بالله ولا يَشكُرونَه ولا يُطيعونَه، فتأمَل! فإذَن عَمَلُ الكَثرة ليس دليلاً على أنَّهم أصابوا الحَقَّ، ومِن الأقوالِ الرائِعَة لـ (الفُضَيل بن عياض) -رَحِمَه الله- قولُه: "لا تَستوحش طُرقَ الهُدَى لِقِلَةِ أهلها، ولا تَغتَر بكثرة السالكين الهالكين"، والله المُستعان!

فائدة (1): وأحِبُّ أن أقولَ للقارئ الكَريم: "البِدعَة تُميتُ السُّنَة؛ فما ظهرت بِدْعَة إلا مُحيت سُنَة"، وبِتَطبيقِ هذا القَول على هذه البِدْعَة نَقول: مِن آثارِ هذه البِدْعَة السَّيئة أنَّها مَحَت سُنَةً حَسَنَةً حَثَنَها عليها النَّبيُ (صلى الله عليه وسلم)؛ حيثُ قال (صلى الله عليه وسلم): "مَن قرأ القُرآن فليسألِ الله به" [حَسن: رواه التِّرمذي]، فيُشرَع للقارئ بعد الفَراغ مِن التِّلاوة أن يتوسَلَ لله بتلاوَتِه؛ فهي تَدخُل في عُموم العَمَل الصالِح الذي يُشرَع التَّوسَّلُ به وسؤالِ الله الحاجات.
ولا يَسَعُنا في الخِتام إلا أن نُرَدِّدَ –دائِمًا- مع القائِل:
وكل خَيرٍ في اتباع مَن سَلَف *** وكل شَر في ابتداع مَن خَلَف

فائدة (2): لقد أفتى بِبِدْعيَّة التزام هذه الجُملَة بعد تلاوة القُرآن مِن أهل العِلم المُعاصرين:
1- اللجنة العلمية الدائمة للإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية برئاسَة العلامة (عبد العزيز بن عبد الله بن باز) –رَحِمَه الله، فتوى رَقم (4310)، (4/ 118).
2- العلامة (بكر بن عبد الله أبو زيد) –حَفِظَه الله- في رِسالَتِه القَيِّمة «بِدَع القُراء القَديمة والمُعاصِرَة»، ص 22: 23، طـ مؤسسة قُرطبة بمصر.

ومِن نافِلَة القَول: أنَّه –وإن كُنتُ قد انفصَلتُ إلى أنَّ التزام هذا القول بعد التلاوة بِدْعَة- إلا أنِّي أقول: إنَّ قول الله –سُبحانَه وتعالى- حَقٌ وصِدق، وكلامُه أصدَقُ الحَديث، وهو العَظيمُ –سُبحانَه- على الدَّوام، لا في نهاية التلاوة فَحَسبُ. تمامًا مثلما أنكر العُلماء المُحَقِّقون زيادة لفظة "سيدنا" في الأذان والتَّشهد وصيغ الصلاة على النَّبي (صلى الله عليه وسلم)؛ إلا أنَّهم مُقِرُّون بأنَّ النَّبي (صلى الله عليه وسلم) هو سَيدُنا وسَيدُ آبائِنا وأجدادِنا، وله مِنَّا وافِرُ التَّبجيل والتَّقدير والتَّكريم، كيف وقد قال: "أنا سَيِّدُ النَّاس يومَ القيامَة" [مُتفقٌ عَليه]. بأبي هو وأمي، صلى الله عليه وآله وأصحابِه وسَلَّم تَسليمًا كَثيرًا، آمين.
اللهمَّ ارزُقنا اتباع شَرع نَبيِّك (صلى الله عليه وسلم)، وجَنِّبنَا الابتداع في الدِّين، وآخِر دعوانا أن الحَمدُ لله رَب العالَمين.

[وفي الحلقة الثانية: نُجيب عَن بعض شبهات أحد الإخوة المُشتركين في "المنتدى العام" بشبكة "الفجر" بشأن هذا البحث -إن شاء اللهُ تعالَى].

سُبحانَك اللهم وبِحَمدِك، أشهد أن لا إلهَ إلا أنتَ، أستَغفِرُك وأتوبُ إليك.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
شكر الله لك أخي الكريم محمد بن يوسف هذا البيان ، وحبذا لو رق أسلوبك قليلاً مع من يرى الالتزام بها رغبة في دلالة الناس على الخير لا غير ، فأنت تعلم يا أخي الحبيب أن النفوس جبلت على النفور ولا سيما في زماننا ، فلا بد من أخذها بالكلمة الطيبة ولو كان الدليل معك كما في مسألتنا ، فإن الرفق في الأمر بالمكان الذي تعلمه ، وإذا كثرت علامات التعجب في الكتابات ، وعلامات الاستفهام ، صدت المخطاب عن قبولها ، وفقك الله ، وزادك نوراً وهدى.
 
أخي محمد بن يوسف حفظك الله.
هل كلامك هذا يأخذ به المذاهب الأربعة أم هو فقط في المذهب الحنبلي؟
سمعت هذا السؤال عن قول صدق الله العظيم فأجاب الشيخ أن قول صدق الله العظيم من الطيب من القول وليس منكرا من القول.
لكني أراك تصفها : بدعة ومن بيت العنكبوت وفساد....
من يقرأ كلامك هذا يعتقد أن قول ( صدق الله العظيم) تساوي (صدق الآب والإبن والروح القدس).
 
التزام قول "صدق الله العظيم" بعد التلاوة بِدْعَة (الحلقة الثانية)

التزام قول "صدق الله العظيم" بعد التلاوة بِدْعَة (الحلقة الثانية)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد؛
فهذه هي (الحلقة الثانية) من بحثي المتواضِع: "التزام قول "صدق الله العظيم" بعد التلاوة بِدْعَة!!!"، كُنت قد كتبته رَدًّا على أحد الإخوة الذين اعترضوا على ما انفصلت إليه من القول ببدعية هذا اللفظ بعد التلاوة، وقد كتبته في "ملتقى أهل الحديث" بتاريخ 30 / 10 / 1423هـ، وأيضًا في "المنتدى العام" بـ "شبكة الفجر".

--------------------------------------------

إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده اللهُ فلا مُضِل الله، ومَن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسولُه، (صَلَّىَ الله عليه وآله وَسَلَّم).
أما بَعد ...
فإنَّ أصدق الحديثِ كتابُ اللهِ تعالَى، وأحسنَ الهَدْي هَديُ مُحمدٍ (صَلَّىَ الله عليه وآله وَسَلَّم)، وشرَّ الأمورِ مُحدثاتُها وكُلَّ مُحدثَةٍ بِدْعَة، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضلالة، وكُلَّ ضلالةٍ في النار ...

كُنتُ قد كَتَبتُ بَحثًا في إحدى منتديات "شَبكة الفوائد الإسلامية" –حَفِظَها اللهُ تَعالَى- سَميِّتُه: «التِزام قَول (صَدَق اللهُ العَظيم) بعد التلاوة بِدْعَة !!!»؛ ورَغبَةً مِنِّي في نَشر الخَير بأوسَعِ صُورَةٍ مُمكِنَة، أدرجتُ نُسخَةً مِنه في "المُنتدى العَام" بِشَبَكَةِ "الفَجر" –حَفِظَها اللهُ تَعالَى؛ فلاقَى هذا البَحثُ مِن أحَد الأعضاء رَفضًا لِمَا انفصَلتُ فيه بأنَّ التِزام قَول (صَدَقَ اللهُ العَظيم) بعد الفَراغ مِن تلاوة القُرآن بِدْعَة! ويا لَيْتَ هذا العُضو المَذكور كَانَ يَمِلكُ عَلَىَ رَفضِه أثارَةً مِن عِلم؛ بل هي الشُّبَه والاستشكالات التي يُورِدُها على أنَّها أدِلَةٌ يُستَدَلُ بِها على قولِه، وهي في الحَقيقة يُحتاجُ لأن يُستَدَلُ لَها لا بِهَا، فكيف إذا عَلِمتَ –أخي الحَبيب- أنَّها عِند التَّحقيق لا تُخالِفُ ما انفصلتُ إليه؛ بل تَعضدُه وتُقَويه –كما سيظَهر جَليًّا في الجَواب عَنها بِحَول الله وعَونِه وقُوَتِه.
والذي دعاني إلى إدراج نُسخَةٍ مِن جوابِي على هذا العُضو المَذكور في هذا المُنتدَى المُبارَك -إن شاء اللهُ تَعالَى- سَببان:
أولاهما: أنَّ هذه الاستكشالات قد تَرِدُ على خاطِر كَثيرٍ مِن أحبائِنا القُراء.
ثانيهما: أنَّ الجوابَ عَنها يَتَضَمَّنُ أصولا وفوائِدَ نافِعةً –إن شاءَ اللهُ تَعالَى- خاصَّةً فيما يَتَعَلَّقُ بالبِدْعَة وضوابِطِها؛ وهو ما كان حَقُّه ومكانُه بَحثي السابِق؛ ولكن "قَدَرُ اللهِ وما شاء فَعَل".

فائِدَة:
هكذا وَرَد في رواية الإمامُ (مُسلِم) –رَحِمَه اللهُ تَعالَى-: "قَدَرُ اللهِ وما شَاءَ فَعَلَ" (ح 2664)؛ بِتَحريك القاف والدال (دون تَشديدِها)؛ على أنَّها مَصدَر مِن الفِعل (قَدَّر)، ولَفظُ الجلالة مُضافٌ إليه مَجرور بالكَسرَة الظاهِرَةِ تَحتَ آخِرِه.
بينما في إحدى روايات الإمامَين (ابْنِ ماجَة) و(أحمَد) –رَحِمَهما اللهُ تَعالَى-: "قَدَّر اللهُ وما شاءَ فَعَل" (ح 79، 8573 –على التَّرتيب)؛ بتَشديد الدال المَفتوحَة، ولَفظُ الجلالة فاعِلُ مَرفوع بالضَّمَّة الظاهِرَةِ فوقَ آخِرِه.
وكلا الروايَتَين مَحفوظتان –إن شاءَ اللهُ تَعالَى؛ فبأيِهما تَعبَّد المُكَلَّفُ فلا حَرَج؛ ويُستَحَبُ له أن يَقول هذه تارةً وهذا تارةً أخرَى؛ لأنَّ هذا اختلافُ تَنوُّع لا تَضاد، واللهُ أعْلَم.

---------------------------------------
وهذا نَصُّ المُشارَكَةِ الأولى للأخ المَذكور –هَداه الله-:
---------------------------------------
"يا سبحان الله !! من قال : صدق الله العظيم. فقد ابتدع بدعة، وهذه البدعة إنما هي ضلالة تدخل قائلهاالنار!! هل الكلام الطيب والثناء على الله يعتبر ضلالا !! ظهر من بيننا قوم اتهموا غيرهم بالابتداع في الدين حتى لو كان أحد يدعو بدعاء من نفسه يمجد فيه الله ويتضرع إليه -لقال له هؤلاء: يا هذا إن دعاءك هذا بدعة لأنه ليس دعاء مؤثورا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع أن النبي عليه الصلاة والسلام سمع أعرابيا يدعو بدعاء من عند نفسه يقول فيه: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت الحنان المنان...) فقال عليه الصلاة والسلام :لقد دعا الله باسمه الأعظم. لم يقل له : يا هذا انك ابتدعت دعاء لم آمر به. هل إذا ذكرنا صحابيا وقلنا: رضي الله عنه) هل تعتبر مقولة: رضي الله عنه) بدعة؟ لأن هذه الكلمة لم تكن تقال في عهد الصحابة، ولم نسمع أحدا من الصحابة خاطب صحابيا آخر قائلا له: رضي الله عنك. كان الصحابة إذا سألهم النبي في أمر الدين ولم يعلموه، لم يكن جوابهم فقط: لا نعلم، وإنما كانوا يضيفون إليها : الله ورسوله أعلم، فهل أنكر رسول الله عليهم أن يقولوا : الله ورسوله أعلم!!
إن القول بضلال من قال صدق الله العظيم كمثل ذلك الذي رأى النصارى واليهود يسارعون في مد يد العون والمساعدة لإخوان لنا أصابهم نقص من الثمرات وابتلوا بالجفاف والجوع، فقال: لا تتشبهوا باليهود والنصارى حتى ولو كان في الإحسان.ولا تمدوا يد العون لإخواننا في الصومال والسودان لأن اليهود والنصارى سبقونا إلى ذلك ونحن لا نريد أن نتشبه بهم" اهـ.


--------------------------------------
بَعد المُشارَكة الأولَى للأخ المَذكور؛ رَدَّ عَليه أحدُ الإخوة –حَفِظَه الله- بِمَا نَصُّه: "(لقد رَضيَ اللهُ عَن المُؤمنينَ إذ يُبَايعونَك تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا في قُلوبِهم فأنزَلَ السَّكينةَ عَليهم وأثَابَهم فَتحًا قَريبًا). ومن هم المؤمنون ؟؟؟؟ هم الصحابه" اهـ. فَرَدَ عَليه الأخ المَذكور بِمَا نَصُّه:
--------------------------------------

"هذه الآية لم تنزل في كل الصحابة وإنما نزلت في من بايعوا بيعة الرضوان، والرضى هنا على الفعل وهو البيعة، مثل ما أقول: رضي الله عن أبي عبد العزيز إذ صام أيام رمضان وقام لياليه، فالرضى على الصيام والقيام، وليست الآية إنشائية بأمر، لو كانت إنشائية لجاءت في صيغة الأمر، ولسمعنا المتأخرين من الصحابة يترضون على الأولين في حضورهم أو غيابهم. إذن هي كلمة ابتدعناها وليس في ذلك إشكال ، لسنا ملزمين بها وإنما هي كلمة مستحبة. ولماذا لم تظهر لك إلا آية الرضى؟ فآية: ( قل صدق الله ...) إنشائية، وأمر بالقول.
أما أخانا صاحب النية الصافية فقوله :الأصل في العبادات التحريم، هذا ليس حديث شريف، الأصل في العبادات الالتزام بالأمر، والحلال بين والحرام بين، إذا جاءني سائل مسكين حتى ولو كان يهوديا فإني لن أنهره ولن أنتظر فتوى من أحد أو أبحث عن نص في الكتاب والسنة يجيز لي أن أتصدق على غير المسلمين، فهذه معروفة بالفطرة، والله جعل الصدقة للمساكين على إطلاقهم. كذلك كلمة: صدق الله العظيم إذا قيلت بعد سماع القرآن فهي مستحبة، وإذا سمعت حديث شريف وقلت: صدق رسول الله، فأين البدعة هنا !!
أريد أن أعرف، أي فقه هذا الذي يجمد الفكر ويسمي الثناء والكلام الطيب بدعة !! أي مذهب هذا!! أنا أتبع مدرسة العلم الفقهي وليس العلم النقلي المتجمد" اهـ.


-----------------
وكان هذا نَصُّ رَدِّي عَليه:
-----------------
أخي الكَريم (؟؟؟؟؟؟؟؟؟) ...
اعْلَم –عَلَمَني اللهُ وإيَّاك- أنَّ القولَ على اللهِ بِغَير عِلم مِن أكبَرِ الكبائر؛ يقول الله تعالى (قل إنَّما حَرَّم رَبيَ الفواحِش ما ظَهَر مِنها وما بَطَن والإثمَ والبَغي بِغَير الحَق وأن تُشركوا بالله ما لم يُنَزِّل به سُلطانًا وأن تقولوا على الله ما لا تَعلمون) [الأعراف: 33]؛ فجَعَل اللهُ –تعالى- "القولَ على الله بِلا عِلم" أعظَم مِن الشرك بالله؛ لأنَّه "يَتَضمَّنُ الكَذِبَ على الله ونِسبَتَه إلى ما لا يَليقُ به، وتَغييرَ دينِه وتَبديله، ونفيَ ما أثبَتَه وإثباتَ ما نفاه، وتَحقيقَ ما أبطله وإبطالَ ما حققه، وعداوةَ مَن والاه وموالاةَ مَن عاداه، وحُبَّ مَا أبغضه وبُغضَ ما أحبَّه، ووصفَه بما لا يَليقُ به في ذاتِه وصِفاتِه وأقوالِه وأفعالِه، فليسَ في أجناس المُحَرَّمات أعَظمُ عِند الله مِنه، ولا أشدَّ إثمًا، وهو أصلُ الشِّرك والكُفر، وعليه أسسَت البِدَع والضلالات، فكل بِدعَة مُضِلَة في الدين أساسُها القول على الله بِلا عِلم" اهـ مِن كلام الإمام (ابن القَيم) –رَحِمَه الله- في كِتابِه الماتِع «مَدارِج السالكين» (1/ 397).
فليسَت أحكامُ الدِّين تُعرَفُ بالعَقلِ والرأي؛ فيُستحسَن مِنها ما استحسَنَه العَقل، ويُستقبَحُ ما استقبَحَه العَقل! بل أحكام دينِنِا مَصدَرُها الكِتابُ والسُّنَّة، وجَميع المصادِر التَّشريعية الأخرى (كالإجماع والقياس وغَيرِها) إنَّما تَستَنبِط مِن الكِتاب والسُّنَّة. ألم تَسمَع قَولَ الإمامِ (الشَّافعيِّ) –رَحِمَه الله-: "مَن استحسَن فَقَد شَرع" ؟!
وَوَاللهِ إنَّ نَبذَ أحكامِ الكِتاب والسُّنَّة وفَهمِ عُلمائِنا لِكليهما لَخَطرٌ عَظيمٌ، تُخشَى عواقِبُه على فاعِلِه!
أيصِحُ أن نُقابِلَ نُصوصَ الكِتاب والسُّنَّة وقواعِدَ العُلماء المَبنيَّةَ عَليهما بآرائِنا واستشكالاتِنا وفَهمِنا القاصِر ؟!!
ألم يَكفِك –أخي- أنَّنِّي قد ذَكَرتُ لك أنَّ الحُكم بِبدعيَّة هذا القَول قد أفتَى به العلامةُ (ابنُ بَاز) –رَحِمَه الله- وأعضاءُ اللجنة العلمية الدائمة للإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة، والعلامةُ المُحَقِّقُ (بَكر بن عَبد الله أبو زيد) –حَفِظَه اللهُ- ؟!!
يا أخي الكَريم إن كان هُناك ثَمَّة استشكال عِندَك بخصوص هذه المَسألة فاطرَحه للنِّقاش، ولكن على سَبيل التَّعلُّم لا على سَبيل التَّعقيب على العُلماء. واعْلَم أنَّ تَعقُّبَك هذا ليس تَعقُّبًا عَليَّ؛ إنَّما هو تَعقُّبًا على عُلمائِنا الأفاضِل الذين أفتَوا بِبِدْعيَّة هذا القَول بعد الفَراغِ مِن التلاوة.
يقول العلامَةُ (محمد بن محمد المختار الشنقيطي) –حَفِظَه الله وشفاه ورعاه-: "يَنبَغي لكُلِّ طَالِب عِلمٍ أن يَحفَظَ قَدرَه وأن يَحفَظَ للعُلماءِ حَقَّهم. ولذلك أنَبِّه عَلَى ما شَاعَ وذاعَ بَينَ كَثيرٍ مِن طُلاب العِلم وخاصَّةً في هذه الأزمنة، وإلَى اللهِ المُشتَكَى ...
كَثيرٌ مِن الأمور تحُكى عن أهل العلم ويأتي طالب العلم ويُورِد سؤالَه على سبيل التَّعقيب وعلى سبيل الاجتهاد، ويقول: كيف هذا، قد ورد هذا. إنَّما يقول ذلك على سبيل الاستشكال؛ يقول: أشكل عندي كلام العلماء، أشكل علي، وكيف نُوَفِّقُ بين هذا وبين قول النبي (صَلَّىَ الله عليه وَسَلَّم)؟! وأمَّا أن يُورِدَ الشيءَ عَلَى أنَّه نَوع ٌمِنَ التَّعقيب عَلَى العُلماءِ أو نَوعُ مِنَ الأخذِ عَلَىَ كَلامِهم فَهَذَا لا يَنبغي عَلَى طالِب العلم. المُنبَغي عَلَىَ الإنسانِ أن يَعلمَ أنَّ هؤلاء العُلماءِ كانُوا عَلَى دَرَجَةٍ مِنَ الوَرَع وخَوفِ الله –جَلَّ وعَلا- ما يَمنَعُهم عَن أن يَقولوا عَلَىَ اللهِ بِدُون عِلم" اهـ كلامُه –جزاه الله خيرًا- نقلا عَن «شَرح زاد المُستقنِع»، شَريط رَقم (6/ ب).

وأمَّا الجوابُ عَمَّا أورَدتَه مِن الاستكشالات (!)؛ فهاكَ الجواب:

(1) قَولُك: "هل الكلام الطَّيب والثناء على الله يُعتَبَر ضَلالا" اهـ.

قُلتُ: إنَّما الطِّيبُ مِن الكَلام هو ما حَكَمَ بِطيبِه الشَّرعُ، والحَسَنُ ما حَسَنَه الشَّرعُ، وقد يكونُ الكلامُ طَيِّبًا في أصلِه، فإذا وُضِعَ في غَير مَوضِعِه الذي عَيَّنَه وقَيَّدَه به الشَّرعُ؛ صار مُستقبَحًا يَرفُضُه الشَّارِع الحَكيم –جَلَّ وعَلا. وقد يكونُ الكلام مُستقبَحًا في أصلِه، فيَظُنُّه المُكَلَّفُ طَيِّبًا لِجَهلٍ أو تأويلٍ أو غَيرِهما.
والثناءُ على اللهِ إنَّما يكونُ بما أثنَى به رَبُّنَا على نَفسِه أو أثنَى رسولُه (صَلَّىَ الله عليه وَسَلَّم) عَليه، أما ثناءُنا نَحنُ العَبيدُ يَجِبُ أن يكون مُقَيِّدًا بما أثنى به رَبُّنَا أو رَسولُه على اللهِ –تبارَك وتعالَى. والثناءُ على اللهِ يكونُ بأسمائه وصفاتِه الحُسنَى، ومِن المُقَرَرِ عِند عُلماء أهل السُّنَّة والجَمَاعَة أنَّ "أسماءَ الله تَوقيفيَّةٌ لا مَجالَ للعِقل فيها" و"الأدِلَة التي تُثبَتُ بِهَا أسماءُ اللهِ تعالى وصِفاتُه هي كِتابُ اللهِ –تعالَى- وسُنَةُ رَسولِه (صَلَّىَ الله عليه وَسَلَّم)؛ فلا تُثبَتُ أسماءُ الله وصِفاتُه بِغَيرِهما"، (راجِع: «القواعِد المُثلَى في صِفات الله وأسمائِه الحُسنَى»/ للعلامة (محمد بن صالح العُثيمين) –رَحِمَه اللهُ، ص 16، 39، طـ مكتبة السُّنَّة بِمصر).
قالَ رَسولُ اللهِ (صَلَّىَ الله عليه وَسَلَّم): "... لا أحصي ثناءً عَليك، أنتَ كما أثنيتَ على نَفسِك" [رواه مُسلِم (ح 486)].
إذا عَلِمتَ هذا –أخي- فالكلامُ الطَّيِّبُ والثَّناءُ على اللهِ لا يكون ضَلالا إذا كان مُعتَبَرًا لدَى الشَّرع، أمَّا إذا حَكَمَ المُكَلَّفُ علَى الكلامِ بأنَّه طَيِّبًا أو أنَّه يتضَمَنُ الثَّناء -مِن وِجْهَة نَظَرِه هو، نَظَرنَا هل اعتبَرَه الشَّرعُ أم لا؟! فإن كان مُعتَبَرًا فهو ليس ضلالا، وإلا فلا !
فلو أنَّ إنسانًا أثنى على اللهِ بِقَولِه: "يا ساتِر، يا سَتَّار، يا مُسَهِّل، يا مُهَندِس الكَون، يا مُعين، يا مَقصود، ..." فهل اعتبَرَ الشَّرعُ هذا الثَّناء أم لا؟! الجوابُ: لا؛ لم يَعتَبِر الشَّرعُ هذا الثَّناء؛ لأنَّ هذه الأسماء ليسَت مِن أسماء الله الحُسنَى التي دَلَّنَا عليها القُرآن أو السُّنَّة! رَغم أنَّ مَعناها طَيِّبٌ وحَسَنٌ -عِند المُكَلَّف! ومَعَ ذَلِك؛ فبَعضُ هذه الأسماء قد دَلَّت نُصوصُ الشَّرع على مَعناه –دونَ لَفظِه؛ فهو –سُبحانَه وتعالَى- يَستُر عَبدَه ويُعينُه ويَقصُدُه عِبادُه لِقضاء حوائِجِهم، لكن أن نتعبَدَه –سُبحانَه- بهذه الألفاظ؛ فهذا هو مَحلُ النَّظَر!
وأقولُ لأخي الكَريم (؟؟؟): ما رأيك في الصلاة والسلام على رَسولِ الله (صَلَّىَ الله عليه وَسَلَّم) ؟! أليس هو كلامًا حَسَنًا طَيِّبًا مُعتَبَرًا ؟! لكن هل اعتبَرَه الشَّرع في كُلِّ الأحوال والظُروف التي يَمُرُّ بِها المُكَلَّف؟!
فما رأيُّك لو صَلَّىَ أحدُهم على النَّبي (صَلَّىَ الله عليه وَسَلَّم) في رُكوع الصلاة أو سجودِها؟! بل أقولُ لَك: ما رأيَّك لو عَطسَ أحدُ المُكَلَّفين؛ فقال: "الحَمدُ لله، والصلاةُ والسَّلامُ على رَسولِ الله (صَلَّىَ الله عليه وآلِه وَسَلَّم)" ؟!! أو لم يَقُل: "الحَمدُ لله" وصلى وَسَلَّم فَقَط ؟! أنقولُ لَه: لقد أحسَنتَ ولم تَبتَدِع في الدِّين؛ لأنَّ الصلاةَ والسلامَ علَى رَسُولِ الله (صَلَّىَ الله عليه وآلِه وَسَلَّم) كلامًا طَيِّبًا حَسَنًا ؟!!
بل ثَبَت أنَّ رَجُلا عَطَس فقال: الحَمدُ لله، والسَّلامُ على رَسُولِ الله. فقال (عَبدُ اللهِ بن عُمَر) –رَضيَ اللهُ عَنهما-: وأنا أقولُ: الحَمدُ لله، والسَّلامُ على رَسولِ الله، وليسَ هكذا عَلَّمَنَا رَسولُ اللهِ (صَلَّىَ الله عليه وَسَلَّم)! عَلَّمَنَا أن نَقولَ: "الحَمدُ للهِ عَلَىَ كُلِّ حال" [رواه التِّرمذي: (2738)].
"فانظُر كيف أنكَرَ (ابنُ عُمَرَ) –رَضيَ الله عَنهما- وَضعَ الصلاة بجانِب الحَمد؛ بِحُجَّةِ أنَّه (صَلَّىَ اللهُ عليه وَسَلَّم) لم يَصنَع ذلِك، مع تَصريحِه بأنَّه يُصَلي على النَّبي (صَلَّىَ الله عليه وَسَلَّم)؛ دَفعًا لِمَا عَسى أن يَرِد على خَاطِر أحَد أنَّه أنكَرَ الصلاة عليه (صَلَّىَ الله عليه وَسَلَّم) جُملَةً! كما يتوهَمُ ذلك بَعضُ الجَهَلة حينما يَرَون أنصارَ السُّنَّة يُنكِرون هذه البِدْعَة وأمثالَها، فيَرمونَهم بأنَّهم يُنكِرون الصلاةَ عليه، صَلَّىَ اللهُ –تعالَى- عليه وآله وَسَلَّم، هداهُم اللهُ –تعالَى- إلى اتباعِ السُّنَّة" اهـ نَقلا مِن كلام العلامة (الألباني) –رَحِمَه الله- في «سِلسِلَة الأحاديث الضَّعيفة»: (2/ 294، طـ المَكتَب الإسلامي). فتأمَّل هذا الكلامَ المُبارَكَ –إن شاء اللهُ تعالى!
ومِمَّا يَحسُن نَقْلُه هُنا بِخصوص هذا الأثر قَولَ الإمام (ابْن العَرَبي) –رَحِمَه اللهُ تَعالَى- عِندَ شَرحِه له في «تُحفَة الأحوَذي»: "الأدب مُتابَعَةُ الأمر مِن غَير زيادَةٍ ونُقصان مِن تِلقاء النَّفس إلا بِقياسٍ جَليّ" اهـ؛ فتأمَل!
فالحاصِلُ أنَّ ما أطلَقَه الشَّارِعُ لا يَجوزُ لنا أن نَلتَزِم تَقييدَه بِبَعضِ المواضِع أو الأزمِنَة أو الهَيئات زاعِمين أنَّنَا نَتَعبَّدُ الله بِه!
ومِثالا عَلى ذَلِك: رَفع اليَّدَين في الدُّعاء؛ فقد ثَبَت بالتواتُّر المَعنَوي أنَّ النَّبيَّ (صَلَّى اللهُ عَليه وَسَلَّم) كان يَرفَع يَدَيه في الدُّعاء، وهذا نَصٌّ عامٌ؛ ومَع ذَلِك "لَمَّا فَعَلَه بَعضُهم في مَوطِن لم يَفعلْه رَسولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَليه وعلى آلِه وَسَلَّم) فيه؛ أنَكَر صاحِبُ رَسولِ الله (صَلَّى اللهُ عَليه وعلى آلِِه وَسَلَّم) عَليه: فَعن (عِمارَة بن رؤيبة) –رَضيَ اللهُ عَنه- أنَّه رأى (بِشر بن مَروان) على المِنبَر رافِعًا يَدَيه، فقال: "قَبَّح اللهُ هاتَين اليَدَين؛ لَقَد رأيتُ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى الله عَليه وَسَلَّم) ما يَزيدُ عن أن يَقول بيَدِه هكذا؛ وأشار بإصبُعِه السَّبابَة" [رواه مُسلِم: (874)]" [بِتَصَرُّفٍ مِن كِتاب «الانتصار للحَقِّ وأهلِ العِلم الكِبَار»/ للشيخ (أحمد بن إبراهيم بن أبي العينين) –أثابَه اللهُ تَعالَى، ص 35: 36].
فانظُر –أخي- إنكار الصَّحابَة –رَضيَ اللهُ عَنهم- على عِبادَةٍ لها أصلٌ عام فَعَلَه رَسولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَليه وَسَلَّم) في مواطِن ولم يَفعلْه في أخرَى، فكيف بشيء لم يَفعلْه رَسولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَليه وَسَلَّم) قَطُّ في حياتِه "كَقول (صَدَقَ اللهُ العَظيم) بعد التلاوة" ؟!! لا شكَ أنَّ الإنكارَ مِنهم –رَضيَ الله عَنهم- كان سَيكون أشَدَّ وأنكَى!
ولا يَخفَى عَليكم قِصَة (أبي موسى الأشعَري) –رَضي اللهُ عَنه- عِندما رأى قومًا حِلَقًا جُلوسًا يَنتَظِرون الصَّلاة، في كُلِّ حَلَقَةٍ رَجُل، وفي أيديهم حَصًى، فيقول: كَبَّروا مائة، فيكبرون مائة، فيقول: هَلِّلوا مائة، فيُهَلِّلون مائة، ويقول: سَبِّحُوا مائة، فيُسَبِّحون مائة. فأخبَرَ (عَبْدَ اللهِ بن مَسعود) –رَضيَ اللهُ عَنه- بِذَلِك؛ فأنكَرَ عليهم ذَلِك إنكارًا شَديدًا، وقال لَهم: "عُدوا سيئاتِكم، فأنا ضامِنٌ أن لا يَضيع مِن حسناتِكم شئٌ، وَيْحَكُم يا أمَّة مُحمَّد ما أسرَع هَلَكَتَكُم، هؤلاء صحابَة نَبيِّكم (صَلَّى اللهُ عَليه وَسَلَّم) مُتوافِرون، وهذه ثيابُه لم تَبْلَ وآنيَتُه لم تُكسَر، والذي نَفسي بيَدِه؛ إنَّكم لَعَلى مِلَّةٍ أهدَى مِن مِلَّة مُحَمَّدٍ أوْ مُفتَتِحُو بابِ ضَلالة؟!".
قالوا: واللهِ يا أبا عَبْدَ الرَّحمَن؛ ما أردنَا إلا الخَير! قال: وكَم مِن مُريدٍ للخَير لن يُصيبَه! إنَّ رَسولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَليه وَسَلَّم) حَدَّثنَا أن قَومًا يَقْرءون القُرآن لا يُجاوِز تَراقِيَهُم؛ وايمُ اللهِ ما أدري لَعَلَّ أكثرَهم مِنكم! ثم تولَّى عَنهم.
فقال (عمَرو بن سَلَّمة) –وهو أحدُ الرواة-: رأينَا عامَّةَ أولئِكَ الحِلَقِ يُطاعِنُونَا يَومَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الخَوارِج. [رواه الدارِمي: (204)].
فانظر –رَحِمَك اللهُ- إلى البِدْعَة وأثرِها السييء؛ لا على صاحِبِها فَحَسبُ؛ بل علي عُموم الأمَّةِ الإسلامية!
وتَدَبَر –أخي- كيف أنكَر (عَبْدُ اللهِ بْنِ مَسعودٍ) –رَضيَ اللهُ عَنه- عِبادَةً (التَّكبير والتَّهليل والتَّسبيح) بِكَيفيةٍ لم يَفعلْها رَسولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَليه وَسَلَّم)، رَغم أنَّ أصلَ العِبادَةِ مَشروعٌ ! فكيف بما يتَّخِذُه المُكَلَّفُ عِبادَةً ولا أصلَ له في الشَّرع ألبتَة "كَقول (صَدَقَ اللهُ العَظيم) بعد التلاوة" ؟!!
وهذا الأثَرُ السَّابِق –الذي سُقتَه لَك باختِصار- حَوَى فوائِد ودُرَرًا جَمَّة؛ تَجِدُها في كِتاب «البِدْعَة وأثرُها السَّييء على الأمَّة»/ للشيخ (سليم الهلالي) –أثابَه اللهُ تَعالَى.

(2) قَولُك: "ظَهَرَ مِن بَينِنَا قَومٌ اتَّهَمُوا غَيرَهُم بالابتداعِ في الدِّين حَتَّى لَو كانَ أحدٌ يَدعُو بِدعُاءٍ مِن نَفسِه يُمَجِّدُ فيه اللهَ ويَتَضَرَّعُ إليه -لقَالَ لَه هؤلاء: يا هَذا إنَّ دُعاءَك هذا بِدْعةٌ؛ لأنَّه ليسَ دُعاءً مؤثورًا [كذا؛ والصَّوابُ: مأثورًا] عَن رَسولِ اللهِ (صَلَّىَ اللهُ عليه وَسَلَّم)" اهـ.

قُلت: كلامُك فيه عِدَّة مُؤاخَذَات:
أولا: قولُك: " ظَهَرَ مِن بَينِنَا قَومٌ ..."؛ لم تُبَيِّن -أخي الكَريم- مَن تَقصِدُ بكلامِك هذا؟! وأخشَى أن يكونَ بُهتانًا ورَميًا بالباطِل؟! وفي نِهايَة مُشارَكَتِك هذه لَمزٌ آخَر، فاسألِ اللهَ العَفو والمَغفِرَة.

ثانيًا: قولُك: "اتَّهَمُوا غَيرَهُم بالابتداعِ في الدِّين حَتَّى لَو كَانَ أحدٌ يَدعُو بِدُعَاءٍ مِن نَفسِه يُمَجِّدُ فيه اللهَ ويَتَضَرَّعُ إليه -لقَالَ لَه هؤلاء: يا هَذا إنَّ دُعاءَك هذا بِدْعةٌ؛ لأنَّه ليسَ دُعاءً مؤثورًا [كذا؛ والصَّوابُ: مأثورًا] عَن رَسولِ اللهِ (صَلَّىَ اللهُ عليه وَسَلَّم)" اهـ.
قُلتُ: هذه الجُملَةُ فيها عِدَّة مؤاخذات:
1- مِن أينَ لكَ أنَّ هؤلاء القَومِ يُبَدِّعون مَن دَعَا بِدُعَاءٍ لم يُؤثَر عَن رَسولِ الله (صَلَّىَ الله عليه وَسَلَّم) ؟!
2- قولُك: "يُمَجِّدُ فيه اللهَ ويَتَضَرَّعُ إليه"؛ يَجِبُ تَقييدُ ذلك بتَمجيدِ اللهِ بِما مَجَّدَ به نَفسَه أو مَجَّدَه به رَسولُه (صَلَّىَ الله عليه وَسَلَّم)، كما بَيَّنَّا في الاستكشال الأول (1).
3- اعْلَم –أخي- أنَّ الدعاء الذي لم يؤثَر عَن رَسولِ الله (صَلَّىَ الله عليه وَسَلَّم) لا يخَلو مِن حالَتيَن: إمَّا أن يكونَ له أصلٌ شَرعي أو لا يُخالِفُ أصلا شَرعيًّا أو ليس فيه ما يُنافي الشَّرع، أو يكونَ بألفاظٍ لا يُقِرُّها الشَّرْع، كألفاظ الصُّوفية وغيرِهم مِن المُبتدِعَة (كقولِك: الله، هو هو هو، حَي، مَدَد، ...). فالأوَلُ جائِزٌ لا حُرمَةَ فيه، وأمَّا الثاني مُحَرَّمٌ.
والدَّليلُ على جوازِ الأول النُّصوص العامَّة مِن الكِتاب والسُّنَّة التي تَحُثُّ على الدُّعاء وتُبَيِّنُ فَضلَه؛ وهاكَ بعضَها:
قال اللهُ –تَعالَى-: (وَقَالَ رَبُّكُم ادْعوني أستَجِبْ لَكُم) [غافِر: 60]، وقال –تَعالَى-: (ادْعوا رَبَّكُم تَضَرُّعًا وخُفيَّةً إنَّه لا يُحِبُّ المُعتَدين) [الأعراف: 55]، وقال –تَعالَى-: (وإذا سألَك عِبادي عَنِّي فإنِّي قَريبٌ أجيبُ دَعوةَ الدَّاعِ إذا دَعانِ) [البقرة: 186]، وقال –تَعالَى-: (أمَّن يُجيبُ المُضطَّرَّ إذا دَعَاهُ وَيَكشِفُ السُّوء) [النَّمل: 62]. وقالَ رَسولُ اللهِ (صَلَّىَ اللهُ عليه وآلِه وَسَلَّم): "الدُعاءُ هو العِبادَة" [صحيح: رواه أبو داود والتِّرمذي]، وقال (صَلَّىَ الله عليه وآلِه وَسَلَّم): "ادعُوا اللهَ وأنتُم مُوقِنون بالإجابَةِ واعْلَمُوا أنَّ اللهَ لا يَستَجيبُ دُعاءً مِن قَلبٍ غَافِلٍ لاهٍ" [حَسَن: رواه التِّرمذيُّ، وحَسَنَه (الألبانيُّ) –رَحِمَه الله- في «صَحيح التِّرمذي»: (2766)].
فهذه النُّصُوصُ وغَيرُها تَدُل دلالةً واضِحَةً عَلَىَ الحَثِّ والتَّرغيب في الدُعاء، دون أن تُلزِّمَ المُكَلَّفَ بِدُعاءٍ مَخصُوصٍ بألفاظٍ مَعلومَة، عِلمًا بأنَّ المُكَلَّف لو دَعَا بأدعيَّةٍ عامَّةٍ مِن القُرآن والسُّنَّة، حَسبَ حَالِ الدُّعاء وُمناسَبَتِه، لَكَانَ أولَى وأفضَل؛ ومِن أقوالِ الإمام (أبي حامِد الغَزالي) –رَحِمَه الله- الرائِعَة في كِتابِه «إحياءِ عُلوم الدِّين»: "الأصلُ ألا يتجاوزَ الدعواتِ المأثورةَ [أى عَن النَّبىِّ (صَلَّىَ اللهُ عَليه وَسَلَّم)]، فإنَّه قَد يَعتَدِى في دُعائِه؛ فيسألُ ما لا تَقتَضيه مَصلَحتُه، فَمَا كُلُّ أحَدٍ يُحسِنُ الدُعَاء" اهـ.
ولا يَفوتُني أن أنَبِّه أنَّ جوازَ الدُّعاء بألفاظٍ لم تَرِد في الكِتاب والسُّنَّة مُقَيِّدٌ بِعَدَمِ التَّعَدِّي في الدُّعاء؛ لقَولِ اللهِ –تَعالَى-: (ادْعوا رَبَّكُم تَضَرُّعًا وخُفيَّةً إنَّه لا يُحِبُّ المُعتَدين) [الأعراف: 55]، وقَولِ رَسولِه (صَلَّىَ الله عليه وَسَلَّم): "إنَّه سَيكونُ فى هذه الأمَّةِ قَومٌ يَعتَدُون فى الطُّهور والدُعاء" [رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم وأحمد، وسَنَدُه صَحِيحٌ].
وعلى هذا يُحمَلُ قَولُ الإمامِ (القُرطبي) –رَحِمَه الله- وهو يُعَدِّدُ بَعضَ مَظاهِر التَّعَدِّي في الدُّعاء: "ومنها أن يَدعو بِمَا ليسَ في الكِتاب والسُّنَّة؛ فَيَتَخَيَّرُ ألفاظًا مُفَقَّرَة وكَلِماتٍ مُسجَعَة قد وَجَدَها في كَراريس لا أصلَ لها ولا مُعوِّلَ عَليها، فيجْعلُها شِعارَه ويَترُكُ ما دَعَا به رَسولُه [صَلَّىَ الله عليه وَسَلَّم]" اهـ مِن «الجامِع لأحكامِ القُرآن»: (3/ 2742)؛ فهو –رَحِمَه الله- إنَّما يتَكَلَّمُ عَن الدُّعاء الذي لم يُجيزُه الشَّرعُ أصلا، فتنَبَّه!
هذا إذا كان الدُّعاءُ عامًّا غيرَ مُقَيِّدٍ بِمكَانٍ أو زَمَانٍ أو هَيئةٍ؛ فالمُقَيَّدُ لَه أدعيَّةٌ بَيَّنَها النَّبيُّ (صَلَّىَ الله عليه سلم) كُلٌّ بِحَسب حالِه؛ فهُناك أدعيَّةٌ للسجود والتَّشَهُّد وصلاة الجنازَة ودخُول الخلاء والخُروج مِنه ودخول المَنزل والخُروج مِنه ودخول المَسجد والخُروج مِنه وغَيرِها الكَثير والكَثير؛ مِمَّا دَعَى العُلماء لِتَخصيصِه بالتَّصنيف. وهُناك بَعضُ المواطِن جَعَل فيها الرَّسولُ (صَلَّىَ اللهُ عليه وَسَلَّم) سَعَةً للمُكَلَّفِ أن يَختارَ مِنَ الدُعَاءِ ما يَشاءُ؛ لِعموم النُّصوص (كالسُّجود والتَّشَهُّد وبين الأذان والإقامَة وغَيرِها)، مَع كونِ الدُّعاءِ بالمأثورِ –إن وُجِد- هو الأفضَلُ باتفاقِ المُسلمين؛ فخيرُ الهَدي هَديُ مُحَمَّدٍ (صَلَّىَ اللهُ عَليه وآلِه وَسَلَّم).
أمَّا الذي لا يَستطيعُ حِفظَ هذه الأدعية المُقَيَّدَة فلا يجوزُ له ابتداعُ دُعَاءٍ مَخصوصٍ يلتَزِمُه طُوال حَياتِه؛ فهذا هو الذي نُبَدِّعُ فِعلَه. أمَّا إن كَانَ يَدعو بما يَستطيعُ ويَجتَهِدُ قَدْر طاقَتِه لإصابَةِ السُّنَّة فأتَى بِألفاظٍ ليسَت مأثورَةً عَن النَّبيِّ (صَلَّىَ اللهُ عليه وَسَلَّم)؛ فهذا مأجورٌ إن شاء اللهُ تعالَى؛ لأنَّه (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفسًا إلا وُسعَهَا) [البقرة: 286].

ثالثًا: كلامُك –أخي- فيه إيماءٌ بالسُّخريَة والاستِهزاء بالمُخَالِف؛ بل صَرحتَ –أخي- في مُشارَكَتِك الأخيرَة بذلك أبلَغ تَصريح؛ حيث قُلتَ عَن أخينا (صافي النيَّة): "صاحب النيَّة الصافيَة"، وقُلتَ: "أنا أتبع مَدرسَة العِلم الفِقهي وليس العِلم النَّقْلي المُتَجَمِّد" !!! وفي نِهايَة مُشارَكَتِك هذه ما يؤكِدُ ذَلِك!
وهذا ليس مِن خُلُقِ المُسلِم؛ قَالَ اللهُ –تعالَى-: (يا أيُّها الذين آمَنوا لا يَسخَرْ قَومٌ مِن قَومٍ عَسَى أن يَكونُوا خَيرًا مِنهم) [الحُجُرات: 11]، وقَالَ –تَعالَى-: (ما يَلفِظُ مِن قَولٍ إلا لَدَيهِ رَقيبٌ عَتيد) [ق: 18]، وقَالَ رَسولُ اللهِ (صَلَّىَ اللهُ عَليه وآلِه وَسَلَّم): "بِحَسبِ امْرىءٍ مِن الشَّرِّ أن يَحقِرَ أخَاهُ المُسلِم" [رواه مُسلِم]، وقَال: "مَن كَانَ يُؤمِنُ باللهِ واليَومِ الآخِر فَليَقُل خَيرًا أو ليَصمُت" [مُتفق عَليه].
هَداني اللهُ وإيَّاك إلى ما يُحِبُّ ويَرضَى.

(3) قَولُك: "مَعَ أنَّ النَّبيَّ (عليه الصلاةُ والسَّلام) سَمِعَ أعْرابيًّا يَدعُو بِدُعاءٍ مِن عِندِ نَفسِه يَقولُ فيه: "اللهمَّ إني أسألُك بأنَّ لكَ الحَمدُ لا إلَه إلا أنتَ الحَنَّانُ المَنَّانُ ..."، فقَالَ (عَليه الصَّلاةُ والسَّلام): "لقد دَعَا اللهَ باسمِه الأعْظَم"؛ لَم يَقُل لَه: يا هذا انك [كذا؛ والصواب: إنَّك؛ فالهَمزَةُ هَمزَةُ قَطْعٍ لا وَصل] ابتدعت دُعَاءً لم آمُر به" اهـ.

قُلتُ: الحَديثُ بهذا اللفظ –دون زيادة "لقد"- صَحَحَ إسنادَه العلامَةُ (الألبانيُّ) –رَحِمَه الله- في تَخريج «مِشكاة المَصابيح»: (ح 2230).
يا أخِي ألا تَعلَم أنَّ تَعريفَ السُّنَّة عند عُلماء الأصُول هي: "ما صَدَر عَن النَّبيِّ (صَلَّىَ الله عليه وَسَلَّم) غَير القُرآنِ: مِن قَولٍ أو فِعلٍ أو تَقرير" (راجِع: «الوَجيز في أصول الفِقه»/ لعبد الكَريم زِيدان –أثابَه الله، ص 165، طـ دار التَّوزيع والنشر الإسلامية بمصر)؛ "فالرِّسُولُ (صَلَّىَ اللهُ عَليه وَسَلَّم) كان يُقِرُّ أصحابَه على أقوالٍ وأفعالٍ يأتونَ بها لم تَكن مَشروعَةٍ مِن قَبلُ [بِسكوتِه وعَدَمِ إنكارِه وبموافَقَتِه وإظهارِ استحسانِه]، وبِتَقريرِه لها تُصبِح شَرعًا يُعبَدُ الله به، [ولو صِرنا نَتَتَبَّعُ الأمثِلَةَ على ذَلِك لَخَرجنا بأمثِلَةٍ وَفيرَة]، أمَّا بَعدَ مَوت الرَّسُولِ (صَلَّىَ اللهُ عَليه وَسَلَّم) فإنَّ الشَّرع لم يَعُد بِحاجَةٍ إلى زيادَة؛ لأنَّ اللهَ أتَمَّه وأكمَلَه، ولم يَترُك الرَّسولُ (صَلَّىَ الله عليه وَسَلَّم) شَيئًا يُقَرِّبُنا إلى الجَنَّةِ إلا وَقد [حَثَّنَا عَليه]، ولم يَدَع أمرًا يُقَرِّبُنا مِن النَّار إلا وَقَد [حَذَرَنا مِنه –بأبي هو وأمِّي، صَلَّىَ الله عَليه وعلى آلِه وَسَلَّم]" (مُستفادٌ –عَدا ما بَين المَعكوفَتَين- مِن كِتاب «البِدْعَة وأثرُها السَّييءُ على الأمَّة"/ لِسليم الهِلالي –أثابَه الله-).
فتأمَّل –أخي- هذا الكلامَ تَخرُجْ مِن إشكالاتٍ عَديدة أوردتَها في مُشاركاتِك، ومِن هُنا أتيت!
ومِثالُنا هذا –الذي أورَدَه الأخ (؟؟؟)- يَدخُل في السُّنَّة التَّقريرية التي هي حُجَّةٌ يُعمَلُ بِها بإجماعِ المُسلِمين.
ولو كان هذا الدُّعاءُ مِمَّا لا يُقِرُّه الشَّرعُ لَنهاه النَّبيُّ (صَلَّىَ الله عَليه وَسَلَّم) عَنه.
إذا تأملتَ هذا؛ عَرَفتَ أنَّ قَولَك "يَدعُو بِدُعاءٍ مِن عِند نَفسهِ ... يا هذا انك [كذا؛ والصواب: إنَّك؛ فالهَمزَةُ هَمزَةُ قَطْعٍ لا وَصل] ابتدعت دُعَاءً لم آمُر به" لا مَعنىً له ألبَتَة!
أقولُ هذا مَع أنَّ قولَك: "يَدعُو بِدُعاءٍ مِن عِند نَفسهِ" فيه نَظَرٌ:
فقولُ الأعرابي: "اللهمَّ إنِّي أسألك"؛ قالَه النَّبيُّ (صَلَّىَ اللهُ عَليه وَسَلَّم) في مُناسَباتٍ عِدَّة؛ عِند هُبوب الرِّيح والهَمِّ والحُزن والدُّخول على الزَوجِة ليلة الزَّفاف وغَيرِها، أذكُر مِنها قولَه (صَلَّىَ اللهُ عَليه وَسَلَّم): "اللهمِّ إنِّي أسالُك الهُدى والتُّقَى والعَفافَ والغِنَى" [رواه مُسلِم (72)].
وقولُه: "لك الحَمدُ"؛ أصلُها في القُرآنِ الكَريم في قَولِ اللهِ –تَعالَى-: (وَلَه الحَمدُ في السَّمواتِ والأرضِ وعَشيًّا وَحين تُظهِرون) [الروم: 18]، وفي قَولِه –َتعالَى-: (الحَمدُ لله رَب العالَمين) [الفاتحة: 1]. وكانَ رَسولُ اللهِ (صَلَّىَ الله عليه وَسَلَّم) إذا استَجَدَّ ثَوبًا سَمَّاه باسمِه –عِمامًة أو قَميصًا أو رِدَاءً- يقولُ: "اللهمَّ لَك الحَمدُ أنتَ كَسَوتَنيه ..." [صَحيح: رواه أبو دَاود والتِّرمذي وأحمَد، وهو في «صَحيح أبي داود»/ للعلامة (الألباني) –رَحِمَه اللهُ-: (3393)].
وقولُه: "لا إلَهَ إلا أنت"؛ أصلُها في القُرآنِ الكَريم في قَولِ اللهِ –تَعالَى- على لِسان نَبيِّه (يونُس) –عليه السَّلام-: (لا إلَهَ إلا أنتَ سُبحانَك إنِّي كُنتُ مِن الظالِّمين) [الأنبياء: 87]؛ وهي أشهَر مِن أن يُستَدَلُّ لَهَا؛ فهي كَلِمَةُ التَّوحيد الذي مِن أجلِه أرسِلَت الرُّسُل (صَلَّىَ الله عليهم وَسَلَّم)؛ واستخدامُ الخِطاب هُنا (أنتَ) لِضَرورَةِ الدُّعاء، واللهُ أعْلَم.
وقولُه: "بَديع السَّموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حَي يا قَيوم"؛ أصلُها في القُرآنِ الكَريم في قَولِه –تَعالَى-: (بَديُع السَّمواتِ والأرض) [البقرة: 117]، وقَولِه: (تَبارَك اسمُ رَبِّك ذي الجَلال والإكرام) [الرَّحمَن: 78]، وقَولِه: (اللهُ لا إله إلا هو الحَيُّ القَيومُ) [البقرة: 255].
لم تَبقَ إلا لَفظةً "الحَنَّان المَنَّان"؛ وهي مِن شَرعِنا لإقرار النَّبيِّ (صَلَّىَ اللهُ عَليه وَسَلَّم) الأعرابيَ على قَولِها. ويَنبَغي أن يُعلَم أنَّ لفظة "المَنَّان" أصلُها في قَولِه –َتعالَى-: (قالَت لَهُم رُسُلُهم إن نحنُ إلا بَشَرٌ مِثلُكم ولَكِنَّ الله يَمُنَّ على مَن يشاءُ مِن عبادِه) [إبراهيم: 11].
فهذا الحَديثُ –كما تَرَى- لا يَنهَضُ للاستدلال على ما استدللتَ بِهِ، فتأمَل!

(4) قَولُك: "هَل إذا ذَكَرنَا صَحَابيًّا وقُلنَا: "رَضيَ اللهُ عَنه"، هَل تُعتَبَرُ مَقولَة [كذا؛ وهي مِمَّا لا أعْلَمُ له أصلا في اللُغَة! فالصَّواب: "مَقالَة أو قَول"]: "رَضيَ اللهُ عَنه" بِدْعَة؟ لأنَّ هذه الكَلِمَة لَم تَكُن تُقَالُ في عَهد الصَّحابَة، وَلَم نَسمَعْ أحَدًا مِنَ الصَّحَابَة خَاطَبَ صَحابيًّا آخَرَ قائِلا لَه: "رَضيَ اللهُ عَنك" اهـ.

قُلتُ: بلي؛ ألم تَقرأ قَولَ اللهِ –تَعالَى-: (والسَّابِقون الأولون مِن المُهاجِرين والأنصار والذين اتَّبَعوُهم بإحسانٍ رَضيَ اللهُ عَنهم ورَضوا عَنه وأعَدَّ لَهم جناتٍ تَجري تَحتَها الأنهارُ خالِدين فيها أبدًا ذلك الفَوزُ العَظيم) [التوبة: 100] ؟!! ألم تَشمَل هذه الآية جَميعَ الصَّحابَة بل والتابِعين لَهم بإحسانٍ إلى يَومِ القيامَة ؟! وهل الرِّضَا هُنا على فِعلٍ مُعَيِّن أم هو عامٌّ ؟! أظُنُّ أنَّ الجَوابَ على أسئلَتِك السابِقَة أصبَح سَهلا مَيسورًا ؟! فهَل –يا أخي- هذه الكَلِمَة لم تَكُن تُقالُ في عَهْد الصَّحابَة فِعلا كما تَزعُم ؟! إذَن في عَهد مَن أنزِل القُرآنُ الكَريم ؟! ومَن الذي كان يَقرأه ؟!
فأنا أطالِبُك الآن أن تتراجَعَ عَن قَولِك في "مُشارَكَتِك الأخيرة": "إذن هي –أي: رَضي اللهُ عَنهم- كلمة ابتدعناها وليس في ذلك إشكال" !!!
واعْلَم أخي أنَّ هذه الآيةَ إخبارٌ مِن اللهِ -سُبحانَه وتَعالَى- بأنَّه "قَد رَضي عَن السَّابِقين الأوَّلين مِن المُهاجِرينَ والأنصارِ والذينَ اتَّبَعوهم بإحْسَان" [كما في «تَفسير ابن كَثير»: (2/ 383: 384، طـ مُصطَفَى البابي الحَلبي بمصر).
فهذه الآيةُ الكَريمةُ السابِقَة أصلٌ عَظيمٌ في مَشروعية التَّرَضي عَن الصَّحابَة حين يَمُرُّ ذِكرُ أحَدِهم؛ وهذا هو هَديُ سَلَفِنا الصَّالِح –عَليهم رحمَةُ اللهِ جَميعًا؛ قال الإمامُ (النَّوَوي) –رَحِمَه اللهُ تَعالَى- وهو يَذكُر أدَبَ كاتِب الحَديث: "وكَذَلِك يَقولُ في الصَّحَابي "رَضيَ اللهُ عَنه"، فإن كان صَحَابيًّا ابنَ صحابي قَالَ "رَضيَ اللهُ عَنهما"، وكَذَلِك يَتَرَضَّى ويتَرَحَمُ عَلَىَ سائِر العُلماء والأخيار" [«صَحيح مُسلِم بِشَرح النَّوَوي»: (1/ 39)، وراجِع: «تَذكِرَة السَّامِع والمُتكَلم في أدَب العالِم والمُتعَلِم»/ لِبَدر الدين بن جَمَاعَة –رَحِمَه اللهُ-: (ص 176)، و«مُقَدِّمَة ابن الصَّلاح»: (ص 372)، و«الجَامِع لأخلاقِ الرَّاوي وآدَابِ السَّامِع»/ للإمام (الخَطيب البَغدادي) –رَحِمَه اللهُ-: (2/ 141)] (1).
وقال الإمامُ (ابنُ كَثيرٍ) –رَحِمَه اللهُ تَعالَى-: "وأمَّا أهلُ السُّنَّة فإنَّهم يَتَرَضَّونَ عَمَّنَ رَضيَ اللهُ عَنه وَيَسُبُّونَ مَن سَبَّه اللهُ ورَسولُه، وَيُوالُون مَن يُوالي اللهَ ويُعادُون مَن يُعادِي اللهَ، وَهُم مُتَّبِعُونَ لا مُبْتَدِعون، وَيَقتَدون ولا يَبْتَدون، وهؤلاء هُم حِزبُ اللهِ المُفلِحون وعِبادُه المؤمِنون" اهـ كلامُه –رَحِمَه اللهُ- نَقلا مِن «تَفسيرِه»: (2/ 384).
فنَحنُ –المُسلمين- حين نَترَضَّي عَن الصحابَة بِقَولِنا: "رَضيَ اللهُ عَنهم"؛ فإنَّما نَحن مُتَّبِعون لا مُبتَدِعون، ومُقتَدون بالقُرآن لا مُبتَدون. والتَّرَضي مِنَّا عَنهم إمَّا إخبارٌ وإقرارٌ مِنَّا بِرِضَا الله عَنهم (وهذا يُفيد الإيمانَ بِكتابِ الله وتَصديقِه)، أو دُعاءٌ لَهم؛ وهذه شيمَةُ أهل الإيمان؛ كَمَا قال اللهُ تَعالَى: (والذينَ جاءُوا مِن بَعدِهم يَقولون رَبَّنَا اغفِر لَنَا ولإخوانِنَا الذين سَبَقونَا بالإيمانِ ولا تَجْعَل في قُلوبِنَا غِلا للذين آمَنُوا رَبَّنَا إنَّك رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحَشر: 10]؛ فأمَرَنا اللهُ –سُبحانَه وتَعالَى- بالاستغفار للصحابَة وذِكرِ مَحاسِنِهم؛ "فَمَن لم يَستَغفِر للصَّحَابَة على العُموم ويَطْلُبْ رِضوانَ اللهِ لَهم؛ فِقَد خالَفَ ما أمَرَه اللهُ به في هذه الآية، فإن وَجَدَ في قَلبِه غِلا لهم فقد أصابَه نَزغٌ مِن الشَّيطان وحَلَّ به نَصيبٌ وافِرٌ مِن عِصيانِ الله بِعَداوَةِ أوليائِه وخَير أمَّةِ نَبيه (صَلَّىَ اللهُ عَليه وَسَلَّم)، وانفَتَح له بابٌ مِن الخُذلان يَفِدُ به على نارِ جَهَنَّم إن لم يَتَدارَك نَفسَه باللجأ إلى اللهِ –سُبحانَه- والاستغاثَةِ به؛ بأن يَنزَعَ عَن قَلبِه ما طَرَقَه مِن الغِلّ لِخَيرِ القُرونِ وأشرَفِ هذه الأمَّة" [نَقلا مِن «فَتح القَدير الجامِع بَينَ فَنَّيّ الرِّوايَة والدِّرايَة في عِلم التَّفسير»/ للإمامِ (الشَّوكانِي) –رَحِمَه اللهُ تَعالَى-].
وهذه الآيَةُ الكَريمَة رَدٌ كافٍ على قَولِي أخينا (؟؟؟): "وليست الآيَةُ -أي: قولُ اللهِ –تَعَالَى-: (لَقَد رَضي اللهُ عَن المؤمِنين إذ يُبايعونَك تَحتَ الشَّجَرَة) [الفَتح: 18]- إنشائيةٌ بأمر، لَو كانَت إنشائيةً لجاءَت في صيغة الأمر". وهي رَدٌ أيضًا عَلَى قَولِه: "وَلَسَمِعْنا المُتأخرين مِنَ الصَّحَابَة يَتَرَّضَّونَ على [كذا، والصَّواب: عَن] الأوَّلين في حُضورِهم أو غيابِهم"؛ وهذا ما تُؤكِدُ الآيةُ خِلافَه تَمامًا! وهي أيضًا رَدٌ عَلَى قَولِه: "هَذه الكَلِمَة –أي: رَضي الله عَنهم- لم تَكُن تُقال في عَهد الصَّحابَة، ولَم نَسمَع أحَدًا مِنَ الصَّحابَة خَاطَبَ صحابِيًّا آخَرَ قائلا له: رضي الله عنك". واللهُ –تَعالَى- أعْلَم.

(5) قَولُك: "كانَ الصَّحابَة [لم يَتَرَضَّي أخونَا (؟؟؟) عَلَيهم –رَضي اللهُ عَنهم- مَع دِفاعِه الشَّديد عَن التَّرضي عَنهم!] إذا سألهم النَّبيُّ [أقول: صَلَّىَ اللهُ عَليه وآلِه وَسَلَّم (!)] في أمر الدين [كَذا؛ والأولَى أن يَقول: "أمر مِن أمورِ الدِّين" –مَثلا-] وَلَم يَعْلَمُوه، لَم يَكُن جَوابُهم فَقَط: لا نعلم، وإنَّما كانُوا يُضيفون إليها: الله ورَسوله أعْلَم، فَهَل أنكَر رَسولُ اللهِ [أقولُ: صَلَّىَ اللهُ عَليه وآلِه وَسَلَّم (!)] عليهم أن يقولوا: الله ورَسولُه أعْلَم !!" اهـ.

قُلتُ: لَقَد أجَبْتُ على استشكالِك هَذا (!) جوابًا شافيًا –إن شاءَ اللهُ تَعالَى- عِندَ جوابي عَن استشكالِك السَّابِق (رَقم 3)؛ فراجِعْه –بارَك اللهُ فيك! وخُلاصَةُ جَوابي: أنَّ إقرارَ النَّبي (صَلَّىَ اللهُ عَليه وآلِه وسَلَّم) قَولَ صَحابَتِه –رَضيَ اللهُ عَنهم-: "الله ورَسوله أعْلَم"؛ عِند سؤالِه لَهم سؤالا لا يَعرِفونَه؛ إنَّما هو يَدْخُل تحت مَبحَث "السُّنَّة التَّقريرية" التي هي حُجَّةٌ يُعمَلُ بِها بإجماعِ المُسلِمين، ولو كان هذا القَولُ مِمَّا لا يُقِرُّه الشَّرعُ لَنهاهُم النَّبيُّ (صَلَّىَ الله عَليه وَسَلَّم) عَنه، واللهُ أعْلَم.
ولا يَفوتُني أن أنَبِّه –هُنَا- على أمرَين هامِّين جِدًّا بِخصوص هذا القَول:

الأمر الأول: كَيفَ نَجْمَعُ بَينَ قِولِ الصَّحابَة –رَضيَ اللهُ عَنهم-: "الله ورَسوله أعْلَم" -بالعَطف بالواو- وإقرارِ النَّبي (صَلَّىَ اللهُ عَليه وَسَلَّم) لَهم عَلَى ذَلِك، وإنكارِه (صَلَّىَ اللهُ عَليه وَسَلَّم) على مَن قال: "ما شاءَ اللهُ وَشِئتَ" [كما عِند «مُسلِم»: (ح 870)] ؟!
يُجيبُ العلامةُ (ابْنُ عُثيمين) –رَحِمَه اللهُ تَعالَى- على هذا السؤالِ بِقَولِه: "قَولُه "الله ورَسوله أعْلَم" جائِزٌ؛ وَذَلِك لأنَّ عِلمَ الرَّسولِ [صَلَّى اللهُ عَليه وَسَلَّم] مِن عِلم الله؛ فاللهُ –َتعالَى- هُوَ الذي يُعَلِّمُه ما لا يُدرِكُه البَشَرُ، ولِهذا أتِي بالواو. وكَذَلِك في المَسائِل الشَّرعيَّة يُقال: الله ورَسوله أعْلَم"؛ لأنَّه أعْلَم الخَلق بِشَريعَة الله، وعِلمه بِهَا مِن عِلمِ الله الذي عَلَّمَه؛ كما قال اللهُ –تَعالَى-: (وأنزَلَ اللهُ عَليكَ الكِتاب والحِكمَة وعَلَّمَك ما لم تَكُن تَعْلَم) [النِّساء: 113].
وَليس هذا كَقولِه "ما شاءَ اللهُ وَشِئت"؛ لأنَّ هذا في باب القُدرَة والمَشيئة، ولا يُمكِن أن يَجْعَل الرَّسولَ (صَلَّى اللهُ عَليه وَسَلَّم) مُشارِكًا لله فيها.
فَفي الأمور الشَّرعيَّة يُقال: "الله وَرسولُه أعْلَم"، وفي الأمورِ الكَونيَّة لا يُقالُ ذَلِك.
ومِن هُنا نَعرِفُ خَطأ وجَهل مَن يَكتُب الآن على بَعضِ الأعمال: (وُقل اعْمَلوا فَسَيرَى اللهُ عَمَلَكم وَرَسولُه) [التوبة: 105]؛ لأنَّ الرَّسولَ (صَلَّى اللهُ عَليه وَسَلَّم) لا يَرَى العَمَلَ بَعد مَوتِه" اهـ كلامُه –عَليه سَحائِبُ الرَّحمَة- نَقلا عَن كِتاب «المَناهي اللفظية: ألفاظ ومَفاهيم في ميزانِ الشَّريعَة»، ص 96: 98، طـ مَكتَبة السُّنَّة بِمصر.

الأمر الثاني: يَنبَغي أن يُعلَم أنَّ مَشروعية قَول: "الله ورَسوله أعْلَم" إنَّما كانَت في حياةِ النَّبي (صَلَّىَ اللهُ عَليه وَسَلَّم) لا بَعد موتِه! فَبعَد وفاتِه (صَلَّى الله عَليه وعلى آلِه وصَحبِه وَسَلَّم) انقَطَع عَملُه وعِلمُه، وصَارَ العِلمُ التَّامُّ: الشَّرعي والكَوني مُختَصًّا باللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَحدَه.
ولهذا استحَبَ العُلماء –رَحِمَهم اللهُ تَعالَى- أن تُذَيَّلَ فَتوى المُفتي بِقَولِه: "والله أعْلَم"؛ ولم نَسمَع أنَّ أحدَهم كان يَقول: "الله ورَسوله أعْلَم"!
وعلى هذا يُحمَل قَولُ العلامةُ (ابنُ عُثيمين) –رَحِمَه اللهُ تَعالَى- في الفَتوَى السَّابِقة التي نَقلناها بتَمامِها: "قَولُه "الله ورَسوله أعْلَم" جائِزٌ"، وَقولُه: "فَفي الأمور الشَّرعيَّة يُقال: "الله وَرسولُه أعْلَم" اهـ؛ فَهو –رَحِمَه اللهُ- إنَّما يُجيبُ عَن سؤالٍ بِعَينِه أوردنَا نَصَّه على رأسِ الإجابَة!

(6) قَولُك: "إنَّ القَولَ بِضَلالِ مَن قَالَ "صَدَقَ اللهُ العَظيم" كَمَثَلِ ذلِك الذي رأى النَّصارَى وَاليَهودَ يُسارِعُون في مَدِّ يَدِ العَون والمُساعَدَة لإخوانٍ لَنَا أصابَهُم نَقْصٌ مِنَ الثَّمرات وابتُلُوا بالجَفَافِ والجُوع، فقال: لا تتشبهوا [كذا؛ والأولَى: تَشَبَّهُوا] باليَهودِ والنَّصارَى حَتَّى وَلَو كانَ في الإحْسان، وَلا تَمُدُّوا يَدَ العَون لإخوانِنَا في الصُّومَال والسُودَان؛ لأنَّ اليَهودَ وَالنَّصارَى سَبَقُونَا إلَى ذلك وَنَحْن لا نُريد أن نَتَشَبَّه بِهم" اهـ.

قُلتُ
أولا: مَتى كان اليَهودُ والنَّصارَى يُسارِعون في مَدِّ يَدِ العَون والمُساعَدَة لإخوانِنَا في الصُّومَال والسُودَان ؟!! رُبَما تَقصِد: يُسارِعون في مَدِّ يَدِ العَونِ والمُساعَدَة لاقتلاع جُثَثِهم لِتَطهير أراضي المُسلمينَ مِنها !

ثانيًا: كلامُك فيه سُخريَة واستِهزاء ولَمزٌ لإخوانِك المُسملين! أيَليقُ هذا ونَحنُ نتدارَسُ أحكامَ اللهِ –عَزَّ وَجَلَّ- ؟!
وأحيلُك –أخي- على ما نَصَحتُك به في رَدي على استشكالِك (رَقم (1) – ثالِثًا).

ثالثًا: حَقًّا؛ أنا لا أفهَم وَجْهَ الشَّبَهِ بَينَ مسألَتِنا وهذا المِثالِ الذي ضَرَبتَه لَنا! أم هو التَّكَلُّف في الرَّد، ولا كَرامَة!

رابعًا: رُبَما يَكونُ هذا المِثالُ استشكالا مِنك فِعلا –أخي؛ وتَوَدُّ الجوابَ عَنه؛ يَعني: كَيف نَمتَثِلُ لِنَهي النَّبي (صَلَّى اللهُ عَليه وَسَلَّم) عَن التَّشَّبُّه بالمُشرِكين ومُخالَفَتِهم، إذا صَدَر مِنهم فِعلا يَرضاه الإسلامُ ويَحُثُّ عَليه [كَهذا الذي في المِثال (!)] ؟! فسأتحِفُك –حالا- بالجوابِ بِحَول اللهِ وقِوَتِه وعَونِه؛ فأقولُ:
اعْلَم –أخي- أنَّ أحكامَ الإسلام وأصولَه تُقَرِّر تَحريمَ التَّشَّبُّه بالمُشركين ووجوبَ مُخالَفَتِهم فيما كان مِن هَديِهم وعاداتِهم واعتقاداتِهم وأخلاقِهم وسُلوكياتِهم؛ بِحَيثُ صارَت هذه الصِّفاتُ فوارِقَ تُمَيِّزُهم عَن غَيرِهم، حتى لو أنَّ أحَدَ المُسلمين قَلَّدَهم فيها صَارَ كأنَّه مِنهم؛ لِشِدَةِ ارتباطِ هذه العلامات بِهم وتَمَيُّزِهم بِها، واللهُ أعْلَم.
قال الإمامُ (المَناويُّ) –رَحِمَه اللهُ تَعالَى-: "مَن تَشَبَّه بِقَومٍ: أي تَزَيَّا في ظاهِرِه بِزيِّهِم، وفي تَعَرُّفِه بِفِعلِهم، وفي تَخَلُّقِه بِخُلُقِهم، وسَارَ بِسيرَتِهم وهَديِهم في مَلبَسِهم وبَعضِ أفعالِهم، أي: وكان التَّشَبُّه بِحَقٍّ قد طابَقَ فيه الظاهِرُ الباطِنَ فهو مِنهم" اهـ كلامُه نَقلا عَن «فَيض القَدير»: (6/ 104، طـ المكتبة التجارية الكُبرَى بمصر).
أمَّا ما كان في أصلِ شَرعِنا مَشروعًا (مُباحًا أو مُستَحَبًّا أو واجِبًا) وقَلَّدونَا هُم فيه؛ فهذا خارِجُ نَصِّ الحَديث ولم يَدخُل فيه أصلا! كالِمثال الذي أورَدَه أخونا (؟؟؟)؛ فمُساعَدةُ المُحتاجين والإنفاقُ في سَبيل الله؛ مَعلومٌ مِن دِينِنَا بالضَّرورة؛ بِنَصِ الكِتاب والسُّنَّة. فماذا يَضيرُنا لو أنَّ أحَدَ المُشركين قَلَّدَنَا فيه، خاصًّةً أنَّ الإنفاقَ والصَّدقَة مِن خَصائِصِ المُسلمين وصِفاتِهم، التي يَعرِفُها الجاهِلُ والعالِم والعَدو والصَّديق، فَتَنَبَّه!

وللفائِدَة والأهمية أضرِبُ مِثالا آخرَ يَتَّخِذُه بَعضُهم حُجَّةً في هَجر أحكام الشَّرع ومَعصيَة الله –سُبحانَه وتَعالَى- عياذًا بالله مِن ذَلِك:

اتَّفَقُ العُلماء على وجوبِ إعفاء اللحية وتَحريم حَلقِ ما دون القَبضَةِ مِنها؛ (أمَّا ما زاد عَن القَبضَة فالخِلافُ فيه مَشهور، والرَّاجِحُ عَدمُ الأخذ مِنها مُطلَقًا)، والنُّصوص مِن الكِتاب والسُّنَّة واضِحَةٌ جَليَّة. غَير أنَّ البَعضَ استَشكَل تَقييدَ الأمر بإعفائِها بُمخالَفَةِ المُشركين؛ وقال: "بَعضُ المُشركين يُعفون لِحاهَم في عَصرِنا، وما مَوقِفُ المُسلِم لو أعفى كُلُّ المُشركين لِحاهُم؟!".
أقولُ: الأصلُ أنَّ إعفاءَ اللحيَة مِن خَصائِص المُسلمين وهَديِهِم، وحَلَقَها مِن هَدي المُشرِكين وعاداتِهم، فلا يَضُرُّنا أن يُقَلِّدَنا بَعضُ المُشرِكين (أو كُلُّهم) في هذا الهَدي، فافهَم هذا الأصلَ وعُضَّ عَليه بالنَّواجِذ.
يَبقَى الإشكالُ في تَقييد الأمرِ بِإعفائِها -في بَعضِ الأحاديثِ لا كُلِّها- بِمُخالَفَة المُشرِكين؛ فأقولُ: المَقصود بالمُخالَفَة إمَّا المُخالَفَة في الأصل أو الصِفَة: فَمِن المُشركينَ مَن يَحلِقُ لِحيَتَه فنحن نُعفيها، ومِنهم مَن يَقُصُّها ويأخُذ مِنها فَنحن نُوفِرُها ولا نَتَعَرَّضُ لَها. وفي الحالَتَين فالمُسلِم لا يأخُذُ مِن لِحيَتِه مُطلَقًا كما أومأتُ سابِقًا! أمَّا لو أعفَى كُلُّ المُشركين لِحاهُم فَقَد عادُوا –إذَن- إلى أصلِ الفِطرَة؛ لأنَّ إعفاءَ اللحيَة "مِن الفِطرَة" –كما في حَديث (عائِشَة) –رَضيَ اللهُ عَنها- عِند "مُسلِم": (ح 261)؛ وتَبقَى المُخالَفَةُ أيضًا في أنَّنَا نَقُصُّ الشَّارِب بأخذِ ما طال عَن الشِّفة، واللهُ أعْلَم.
ومَِّا يُزيلُ الإشكالَ –إن شاءَ اللهُ تَعالَى- أن تَعلَم أخي أنَّ (المُشرِكين المَوجودين في زَمنِ النَّبي (صَلَّى اللهُ عَليه وَسَلَّم) كانوا ذَوي لِحَى [انظُر: «صَحيح مُسلِم»: (ح 1800)]؛ لأنَّ العَرَب لم تَترُك زينَةَ اللِّحي لا في الجاهلية ولا في الإسلام، وقد أقرَّهم الإسلامُ عَليها، ولَعَلَّهم توارَثُوها مِن دين (إبراهيم) –عَليه السَّلام. وكان الغَربيونَ يُعفون لِحاهُم إلى أن أشاع المَلِك (بُطرس) مَلِك روُسيا حَلق اللحية في أورُبا في أول القَرن السَّابِع عَشر، ومِنهم تَسَرَّبَت إلى المُسلِمين هذه السُّنَّة السَّيئَة فيما بَعد، [وإلى اللهُ المُشتَكَى]. أمَّا كَيفيَة مُخالَفَةُ المُشركين مَع إعفائِهم لِحاهم في زَمَنِه (صَلَّى اللهُ عَليه وَسَلَّم) فَبِقَصِّ الشَّارِب وأخذِ ما طَالَ عَن الشِّفة، أو بِتَوفير اللِّحَى إذا كانُوا يُقَصِّرونَها؛ فالمُخالَفَةُ هُنا في وَصف الفِعل، أمَّا إذا حَلَقُوا لِحاهم فَنَحنُ نُخالِفُهم في أصْلِ الفِعل بإعفاء اللِّحَى) اهـ بِتَصَرُّفٍ مِن كلام العلامة (محمد إسماعيل) –حَفِظَه اللهُ- في كِتابِه «اللحية لِمَاذا؟»، هامش ص 21، طـ دار عَبد الواحِد للطباعة ومَكتَبَة أبي حُذيفَة.
ولو ضَربنَا صَفحًا عَن كل ما سَبَق؛ فليسَت هذه هي العِلَّة الوَحيدَةُ في المَسألة؛ بل توجَد عِلَلٌ كَثيرَة تَجِدُها مَبسوطَةً في كِتاب «أدِلَة تَحريم حَلقِ اللحية»، وإن شِئتَ الاختصار فَفي كِتاب «اللحيَة لِماذا؟»/ كِلاهُما لِشَيخِنا العلامةُ الحَبيب (محمد بن أحمد إسماعيل المُقَدَّم) –حَفِظَه اللهُ تَعالَى وأمتَعَنَا بِطولِ بَقائِه، آمين.

(7) قَولُك: "الأصلُ في العِبادَاتِ التَّحريمُ: هَذَاَ لَيس حَديث [كذا؛ والصَّوابُ: حَديثًا؛ على النَّصب] شريف [كذا؛ والصَّوابُ: شَريفًا؛ بِفَتح الفاء]؛ الأصلُ في العباداتِ الالتزامُ بالأمر، والحَلالُ بَيِّنٌ والحَرَامُ بَيِّنٌ" اهـ.

قُلتُ:
أولا: واللهِ يا أخي؛ أنا لا أرضَى لَك هذا الكلامَ الشَّنيع؛ الذي هَدمتَ به أصولَ شَريعَتِنا الغَرَّاء، بَعد أن هَدَمتَ جُهودَ عُلماء المُسلمين في استنباط القواعِد والأصول الجامِعَة لِفروع الشَّريعة!

ثانيًا: اعْلَم أنَّ مِن القواعِد الأصوليًّة الهامَّة التي ذَكَرها الإمامُ (أحمَد) وشَيخُ الإسلام (ابن تَيميَّة) –رَحِمَهما اللهُ تَعالَى- وغَيرُهما أنَّ: "الأصل في العِبادات التَّحريم (الحَظر)؛ فلا يُشرَعُ مِنها إلا ما شَرَعَه اللهُ ورَسولُه. والأصل في العادات الإباحَة؛ فلا يَحرُم مِنها إلا ما حَرَّمَه اللهُ وَرَسولُه". وهذه القاعِدة لم تأتي عَفوًا؛ بل دَلَّت عَليها نُصوص الكِتابِ والسُّنَّةِ في مواضِع:
أمَّا الأصل الأول فَيَدُلُ عَليه قَولُه –تَعالَى-: (أمْ لَهُم شُركاءُ شَرَعُوا لَهم مِن الدِّينِ مَا لم يأذَن بِه اللهُ) [الشُّورَى: 21]. ومِثل الأمر بِعبادَةِ اللهِ وَحدَه لا شَريك له في مواضِع كَثيرة؛ كَقولِه –تَعالَى-: (واعْبُدوا اللهَ ولا تُشرِكُوا به شَيئًا) [النِّساء: 36]، وقولِه –تَعالَى-: (وَقَضَى رَبُّك ألا تَعبُدوا إلا إيَّاه) [الإسراء: 23]، وقولِه –تَعالَى-: (وما أمِروا إلا لِيَعبُدوا اللهَ مُخلِصينَ لَه الدِّين حُنفاء) [البَيِّنَة: 5]، وغَيرِها كَثير.
(أمَّا الأصل الثاني فَيَدُلُ عَليه (قَولُه –تَعالَى-: (هُوَ الذي خَلَق لَكم ما في الأرضِ جَميعًا) [البقرة: 29]؛ أي: لِجَميع أنواع الانتفاعات، فأباح مِنها جَميع المَنافِع سِوَى ما وَرَد في الشَّرعِ المَنعُ مِنه لِضَرَرِه. وقَولُه –تَعالَى- (قُل مَن حَرَّم زينَةَ اللهِ التي أخرَجَ لِعبادِه والطَّيباتِ مِنَ الرِّزق قُل هي للذين آمَنُوا في الحياةِ الدُّنيَا خالِصَةً يَومَ القيامَة) [الأعراف: 32]؛ فأنكَرَ –تَعالَى- على مَن حَرَّم ما خَلق اللهُ لِعبادِه مِن المآكِل والمشارِب والملابِسِ وتوابِعِها.
وبيانُ ذَلِك: أنَّ العِبادَة هي ما أمِرَ به أمرُ إيجابٍ أو استحبابٍ؛ فَكُلُّ واجِبٍ أوجَبَه اللهُ ورَسولُه أو مُستَحَبٌ فهو عِبادَةٌ يُعبَدُ الله به وَحدَه ويُدانُ اللهُ به، فَمَن أوجَبَ أو استَحَبَ عِبادةً لم يَدُل عَليها الكِتابُ ولا السُّنَّة فقد ابتدَعَ دينًا لم يأذَنِ اللهُ به، وهو مَردودٌ على صاحِبِه؛ كما قال (صَلَّىَ اللهُ عَليه وَسَلَّم): "مَن عَمِل عَملا ليس عَليه أمرُنا فهو رَدٌّ" [مُتَّفَقٌ عَليه]، ومِن شُروط العِبادَة: الإخلاص لله، والمُتابَعَة لِرَسولِ الله (صَلَّىَ اللهُ عَليه وَسَلَّم) ... واللهُ –تَعالَى- هو الحاِكمُ لِعبادِه على لِسان رَسولِه (صَلَّى الله عَليه وسَلَّم)؛ فلا حُكمَ إلا حُكمه، ولا دينَ إلا دينه.
وأمَّا العادات كُلُّها: كالمآكِل والمشارِب والملابِس كُلِّها والأعمال والصنائِع والمُعاملات والعادات كُلِّها؛ فالأصلُ فيها الإباحَةُ والإطلاق؛ فَمَن حَرَّم شَيئًا لم يُحَرِّمْه اللهُ ولا رَسولُه فهو مُبتَدِع؛ كما حَرَّم المُشرِكون بَعضَ الأنعام التي أحلَّها اللهُ ورَسولُه، وكَمَن يُريد بِجَهلِه أن يُحَرِّمَ بَعضَ أنواع اللِّباس أو الصنائِع أو المُخترعاتِ الحَديثةِ بِغَير دَليلٍ شَرعيٍّ يُحَرِّمُها. فَمَن سَلَك هذا المَسلَك فهو ضالٌّ جاهِلٌ. والمُحَرَّمُ مِن هذه الأمورِ قد فُصِّلَت في الكِتاب والسُّنَّة؛ كما قال –تَعالَى-: (وَقَد فَصَّلَ لَكُم ما حَرَّم عَليكُم) [الأنعام: 119]، ولَم يُحَرِّمِ اللهُ عَلينَا إلا كُلَّ ضَارٍّ خَبيث ...
[فالحاصِلُ] أنَّ "كُلَّ مَن أمَرَ بِشَيءٍ لم يأمُر به الشَّارِعُ فهو مُبتَدِع، وكُلَّ مَن حَرَّم شَيئًا لم يُحَرِّمْه الشَّارِعُ مِن العادات فهو مُبتَدِع") اهـ نَقلا عَن الكِتاب الماتِع القَيِّم «القواعِد والأصول الجامِعَة، والفُروق والتَّقاسيم البَديعة النافِعَة»/ للعلامة (عبد الرَّحمَن بن ناصِر السَّعدي) –رَحِمَه اللهُ تَعالَى، بتصَرُّف مِن "القاعِدَة السادِسَة"، واقرأها بِتمَامِها؛ فهي مُهِمَّةٌ جِدًّا!
ويَقولُ العلامةُ (ابْنُ عُثيمين) –رَحِمَه اللهُ تَعالَى- في «مَنظومَتِه»:
والأصلُ في الأشياءِ حِلَّ وامنَعِ * * * عِبـادَةً إلا بإذنِ الشَّـارِع

ثالثًا: وأنا أقولُ لك: "قَولُك: الأصلُ في العِبادات الالتزامُ بالأمر"؛ ليس حَديثًا شَريفًا ولا آيةً في القُرآن وَلَم يَسبِقُك به أحَدٌ –لا مِن أهْلِ العِلم ولا مِن أهْلِ الجَهل- فيمَا أعْلَم؛ فهل أتيتَ بما لم تأتِ به الأوائِلُ! وأنا أنتظرك أن تأتي لي بِدَليلٍ ولو ضَعيفٍ (ولو مِن حيث الدلالة) يُثبِتُ ما زَعمتَ! بل وأنتظرك أن تَنجَحَ في استخدامِ هذه القاعِدَةَ المَزعومَة في استنباطِ الأحكام الشَّرعيَةِ!

رابعًا: أقسِمُ بالله –غَيرَ حانِثٍ إن شاءَ اللهُ تَعالَى- أنَّك –رَغمَ مُعارَضَتِك للقواعِد الأصوليَة- تتعَبَّدُ اللهَ بِتلكَ القاعِدة وغَيرِها! فأنا أسألُك –على سَبيل المِثال فِقط- هَل يَجوزُ أن يؤذِنَ عَشرَةُ مؤذِنين في مَسجِدٍ واحِدٍ لِوَقتٍ واحِدٍ بِصَوتِ رَجُلٍ واحِد ؟!! وماذا تَفعَلُ إذا وَجَدتَ ماءً في الطَّريق وأنتَ لا تَدري هَل هو طاهِرٌ أم لا ؟!! وكيف تَتَصَرَّفُ وَقَد شَكَكتَ هل انتَقَضَ وضوءُك أم لا؟!! وهَل يَجوزُ استخدامُ الهاتِفِ أم لا ؟!! وهَل ......... ؟!!!!

(8) قَولُك: "جاءني سائِلٌ مِسكينٌ حَتَّى وَلَو كَانَ يَهوديًّا فإنِّي لَن أنهَرَه ولَن أنتَظِرَ فَتوىَ مِن أحَدٍ أو أبْحَثَ عَن نصٍّ في الكِتابِ والسُّنَّة يُجيزُ لي أن أتصَدَّقَ على غَير المُسلمينَ، فهذه مَعروفَةٌ بالفِطْرَة، والله جَعَلَ الصَدَقَةَ للمساكين على إطلاقهم" اهـ.

قُلت: لقد أبعدتَ النُّجْعَة أخي !!!
فَقَولُك "ولَن أنتَظِرَ فَتوىَ مِن أحَدٍ أو أبْحَثَ عَن نصٍّ في الكِتابِ والسُّنَّة يُجيزُ لي ..."؛ لا يَنبَغي أن يَصدُر مِن مُسلِمٍ يؤمِنُ بالله رَبًّا وبالإسلام دينًا وبمُحَمَّدٍ (صَلَّىَ اللهُ عَليه وَسَلَّم) نَبيًّا ورَسولا؛ ألم تَقرأ قَولَ اللهِ –تَعالَى-: (فلا وَرَبِك لا يؤمِنون حَتَّى يُحَكِّموكَ فيما شَجَر بَينَهم ثُمَّ لا يَجِدُوا في أنفُسِهم حَرَجًا مِمَّا قَضَيتَ ويُسَلِّمُوا تَسليمًا) [النِّساء: 65]، وقَولَه: (إنَّما كَانَ قَولَ المُؤمِنين إذا دُعُوا إلى اللهِ ورَسُولِه لِيَحْكُمَ بَينَهم أن يَقولوا سَمِعنَا وأطعنَا وَأولَئِكَ هُمُ المُفلِحون) [النور: 51] وقَولَه: (وأطيعُوا اللهَ والرَّسُولَ لعلَّكم تُرحَمون) [آل عِمران: 132]، وقَولَه: (فاسألوا أهلَ الذِّكر إن كُنتُم لا تَعْلَمُون) [النَّحل: 43] ؟!!
أتُريدُ أن تَتَبِع الهَوى وتُعرِضَ عَن نُصوصِ الكِتابِ والسُّنَّة بِزَعم اتِّباع "الفِطْرَة" ؟!! وما ضابِطُ الفِطْرَة يا أخي ؟!
قالَ الإمامُ (الشَّافعيُّ) –رَحِمَه اللهُ-: "مَن استحسَنَ فَقد شَرَع" ! فأنتَ إذا استحسَنتَ حُكمًا مِن الأحكام دون استنادٍ إلى نَصٍّ مِن الكِتاب والسُّنَّة فَقَد نازَعتَ الله –سُبحانَه وتَعالَى- في التَّشريع، عياذًا باللهِ!
ألم تَقرأ قَولَ اللهِ –تَعالَى-: (أمْ لَهُم شُركاءُ شَرَعُوا لَهم مِن الدِّينِ مَا لم يأذَن بِه اللهُ) [الشُّورَى: 21] ؟!!
وَوَاللهِ إنَّ دينَنَا هو دينُ الفِطْرَة؛ قال اللهُ –تَعالَى- (فأقِم وَجْهَك للدين حَنيفًا فِطْرَتَ اللهِ التي فَطَرَ النَّاس عَليها لا تَبْديل لِخَلقِ اللهِ ذلك الدِّينُ القَيِّمُ ولكنَّ أكثرَ النَّاسِ لا يَعْلَمون) [الروم: 30]، وثَبَتَ أنَّ النَّبيَّ (صَلَّى اللهُ عَليه وَسَلَّم) كان يُعَلِّم أصحابَه –رَضيَ اللهُ عَنهم- أن يَقولوا إذا أصبَحُوا: "أصبَحنَا على فِطْرَة الإسلام ..." [صَحَحه العلامةُ (الألبانيُّ) –رَحِمَه الله- في «السلسلة الصَّحيحة»: (2989)]، وقال (صَلَّىَ اللهُ عَليه وَسَلَّم) للبراء بن العازِب –رَضي اللهُ عَنه: "إذا أتيتَ مَضجَعَك فتوضأ وضوءَك للصَّلاة ..."، إلَى أن قالَ له: "فإن مِتَّ؛ مِتَّ على الفِطْرَة" [مُتَّفَقٌ عَليه].
وكأنَّك أخي قد عُدتَ إلى صوابِك وإلى "الفِطْرَة" (!) ورَجَعتَ إلى نُصوصِ الكِتاب والسُّنَّة؛ فإنَّك قُلتَ –في الآخِر-: "والله جَعَلَ الصَدَقَةَ للمساكين على إطلاقهم"؛ فكأنِّي بِكَ –أخي- قد استمسكتَ بِكتابِ رَبِّك وسُنَّة نَبيِّك (صَلَّىَ اللهُ عَليه وَسَلَّم)؛ فهنيئًا لَك!

(9) أما قَولُك: " أيّ فِقهٍ هذا الذي يُجَمِّد الفِكرَ ويُسَمي الثَّنَاءَ والكَلامَ الطِّيبَ بِدْعَة !! أيّ مَذهَبٍ هذا!! أنا أتَّبِعُ مَدرَسَةَ العِلم الفِقْهي وَلَيسَ العِلَم النَّقْلي المُتَجَمِد" اهـ.

فأنا أعتَذِرُ عَن التَّعليق! واللهُ المُستعان.

وأخيرًا
أخي (؟؟؟)؛ قد يكونُ جوابي فيه بَعضُ الشِّدَّة؛ ولكن "المؤمِنَ للمؤمِن كاليَدَين تَغسِلُ إحداهُما الأخرَى، وقَد لا يَنقَلِعُ الوَسَخُ إلا بِنَوعٍ مِن الخُشونَة، لَكِن ذَلِكَ يُوجِب مِن النَّظافَةِ والنُّعومَة ما نَحمَد مَعه ذَلِك التَّخشين" ! كما يَقولُ شَيخُ الإسلامِ (ابن تَيميَّة) –رَحِمَه اللهُ تَعالَى- [«مَجموع الفَتاوَى»: (28/ 53)].
أسألُ اللهَ العَظيمَ ربَّ العَرشِ العَظيمِ أن يُفَقِّهَنَا في دِينِنَا، إنَّه على كل شيء قَديرٌ.
و"سُبحانَك اللهُمَّ وبِحَمدِك، أشهَدُ ألا إلَه إلا أنتَ، أستَغفِرُك وأتوبُ إليكَ".
والسَّلامُ عَليكم ورَحمَةُ اللهِ وبَركاتُه.


-------------------------حاشية سُفليَّة------------------------
(1) «صَحيح مُسلِم بِشَرح النَّوَوي»: طـ المطبعة المصرية ومكتبتها، «تَذكِرَة السَّامِع والمُتكَلم في أدَب العالِم والمُتعَلِم»: طـ دار الكتب العلمية بِبَيروت، «مُقَدِّمَة ابن الصَّلاح»: طـ دار المعارف بمصر، «الجَامِع لأخلاقِ الرَّاوي وآدَابِ السَّامِع»: طـ مؤسسة الرسالة بِبَيروت.
 
أخي الكريم (أبا علي) –وفقه الله تعالى-
لقد قلتَ: "هل كلامك هذا يأخذ به المذاهب الأربعة أم هو فقط في المذهب الحنبلي؟".
وأحب أن أذكرك أن آخر أئمة المذاهب الأربعة موتًا هو الإمام (أحمد بن حنبل) رحمه الله تعالى (توفي عام 241 هـ)، واختراع قول "صدق الله العظيم" بعد التلاوة من مُحدثات عصرنا، ولم يعرفه الأئمة المُتقَدِّمون ولا المتأخِرون، فما علاقة المذاهب الأربعة به وقد أتى بعدهم بأكثر من ألف سنة ؟!
ولا أدري لماذا جعلت القول ببدعية "صدق الله العظيم" بعد التلاوة من اختيارات المذهب الحنبلي؟!

وقلتَ: "سمعت هذا السؤال عن قول صدق الله العظيم فأجاب الشيخ أن قول صدق الله العظيم من الطيب من القول وليس منكرا من القول". ولم تُبَيّن لنا مَن هو هذا الشيخ؟ وقد ذكرتُ لك في مقالي: اللجنة الدائمة والعلامة (بكر بن عبد الله أبا زيد) -أثابهم الله جميعًا.

قلتَ: "لكني أراك تصفها : بدعة ومن بيت العنكبوت وفساد.... من يقرأ كلامك هذا يعتقد أن قول ( صدق الله العظيم) تساوي (صدق الآب والإبن والروح القدس)".
وأقول: لم أصفها بأنها "بيت العنكبوت" ولا "فساد"، والحمد لله. ومعذرة؛ فأنا لا أفهم بقية كلامك!
 
Re: التزام قول "صدق الله العظيم" بعد التلاوة بِدْعَة!!! (الحلقة الأولى)

Re: التزام قول "صدق الله العظيم" بعد التلاوة بِدْعَة!!! (الحلقة الأولى)

شيخنا محمد بن يوسف بارك الله فيك
كاتب الرسالة الأصلية : محمد بن يوسف
الشُبهة الثالثة: وقَد يَستَدِل بَعضُهم على جوازِها بأنَّ الأكثَرين مِن المُسلمين يَلتَزِمون قولَها بعد الفَراغ مِن التلاوة!
وهذه شُبهَة أوهَى مِن بَيتِ العَنكبوت، وتُغني حِكايَتُها عَن رَدِّها، وفسادُها عَن إفسادِها.

=========================
هذا الكلام يا شيخ محمد هو الذي فهمت منه أنه وصف لقول (صدق الله العظيم).
وأما الشيخ الذي أجاب على سؤال ( صدق الله العظيم) فهو شيخ مصري يشرح الحديث ويجيب على الأسئلةيظهر في التلفزيون (لا أذكر اسمه )، والمصريون شوافع على ما أظن ولذلك سألتك هل قول صدق الله العظيم تعتبر بدعة فقط عند المذهب الحنبلي؟
كما أن المذهب الحنبلي وإن كان هو آخر المذاهب فهو لا يعتبر ناسخا للمذاهب التي جاءت قبلة.
المذاهب كلها متفقة أن من أحدث في أمر الدين شيئا فهو بدعة.
فالصلاة عبادة ، وهي تبدأ من تكبيرة الإحرام وتنتهي بالتسليم، فإذا سلم المصلي يعني أنه انتهى من صلاته ، يجوز له أن يقول ما يشاء ويفعل ما يشاء ، ولا يسمى ذلك بدعة لأن ذلك خارج الصلاة.
كذلك فقراءة القرآن عبادة ، فإن انتهى الإنسان من قراءة القرآن فليقل ما يشاء ، وليفعل ما يشاء، وقول (صدق الله العظيم) لا تقال أثناء تعبد المسلم بتلاوة القرآن وإنما يقولها المقرؤون خارج التعبد بتلاوة القرآن.
 
أخي الكريم (أبا علي) -حفظه الله تعالى-
اعلم -أخي الكريم- أنَّ قولي: "أوهى من بيت العنكبوت، فسادها"، إنما هو متعلقٌ بالشبهة لا بقول "صدق الله العظيم"، كما هو واضح. وهذه الشُّبهة تستحق ما قلته عنها؛ وهي أن كثيرًا من الناس يحتجون على معصيتهم أو ابتداعهم في الدين بأنه فعل الأكثرين. وهذا باطلٌ كما هو مَعلومٌ باستقراء نصوص الكِتاب والسُّنَّة، وقد ذكرتُ بعض تلك النصوص في بحثي السابق.

قلتَ -بارك الله فيك-: "كما أن المذهب الحنبلي وإن كان هو آخر المذاهب فهو لا يعتبر ناسخا للمذاهب التي جاءت قبله". وأقول: كلامك صحيح لا غُبار عليه، وأنا لم أقصد بكلامي أبدًا أن المذهب الحنبلي ناسخًا لما قبله من المذاهب؛ وإنما خصصت الإمام (أحمد) -رحمه الله- بالذِّكر لأنه آخرهم موتًا؛ لأبيِّن لك المدة الزمنيَّة التي بيننا وبين آخر واحد منهم، وهذا واضحٌ في كلامي.

وأيًّا كان هذا الشيخ المُشار إليه؛ فنحن نتعبد الله -سبحانه- بالدليل الصحيح من الكِتاب والسُّنَّة، لا بأقوال العُلماء والشيوخ. فراجع بحثي السابق واقرأه بإنصاف وتجرد، وأسأل الله -سبحانه- أن يهديني وإياك إلى الحق، آمين.

قلتَ: "فالصلاة عبادة، وهي تبدأ من تكبيرة الإحرام وتنتهي بالتسليم، فإذا سلم المصلي يعني أنه انتهى من صلاته، يجوز له أن يقول ما يشاء ويفعل ما يشاء ، ولا يسمى ذلك بدعة لأن ذلك خارج الصلاة".
أقول: هذا فيه تفصيل؛ فإن التزم المُسلم فعلا أو قولا بعد الصلاة، بحيث أصبح شعارًا له في كل صلاة، وهذا القول أو الفعل ليس عليه دليلٌ مِن الكِتاب أو السُّنَّة الصَّحيحة، قُلنا ببدعيَّة هذا القول أو الفعل. مثال ذلك: قول كثير من المصلين بعد الفراغ من الصلاة: "تقبل الله" أو "حرمًا" ومُصافحتهم لمن على يمينهم ويسارهم. فهذا الفعل قيدوه بدبر كل صلاة، وقد بين لنا النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) الأذكار التي تُقال دبر كل صلاة، ولم يذكر فيها "تقبل الله" أو "حرمًا"، ولم يفعل ذلك هو ولا صحابته ولا سلف الأمَّة الأخيار، فدل ذلك على البدعيَّة؛ لانتفاء المانِع مع وجود المُقتضَى.
أما لو أن إنسانًا صلى ثم قام، أو صلى ثم حَدَّث مَن بجوارِه، فهذا لا يقول أحدٌ بأنه بدعة؛ لأنه لم يفعل ذلك أصلا على وجه التَّعبُّد؛ وإنما فعله على وجه العادة، مع عدم التزام ذلك أصلا، والله أعلم.

قلتَ: "فقراءة القرآن عبادة ، فإن انتهى الإنسان من قراءة القرآن فليقل ما يشاء، وليفعل ما يشاء، وقول (صدق الله العظيم) لا تقال أثناء تعبد المسلم بتلاوة القرآن وإنما يقولها المقرؤون خارج التعبد بتلاوة القرآن".
وأقول: نعم؛ قراءة القرآن عبادة، فإذا انتهى الإنسان من قراءة القرآن فليقل ما يشاء وليفعل ما يشاء -بشرط ألا يتخذه عبادة يتقرب بها إلى الله -سبحانه وتعالى، وهذا الشرط مُنعَدِمٌ في قول "صدق الله العظيم" بعد التلاوة؛ فالمسلم يقوله تقربًا إلى الله، والتقرُّب إلى الله بالعبادات يفتقِر إلى توقيفٍ مِن النبي (صلى الله عليه وسلم)، والنبي (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه وسلف الأمة كانوا يقرأون القرآن ليل نهار، ولم يُنقَل عن أحد منهم قط أنه قال "صدق الله العظيم" بعد الفراغ من التلاوة، فدل ذلك على بدعيته، وكل خير في اتباعهم، وكل شر في ابتداعنا.
وأما إذا فرغت من التلاوة ثم أكلت أو شربت أو قمت أو تكلمت كلامًا لا تتخذه عبادة، فهذا هو الذي نَقول فيه: "فليقل ما يشاء، وليفعل ما يشاء".
والإنسان -أخي الكريم- يتعبد ربه في كل حين، أثناء التلاوة وبعد الفراغ منها، فقل لي بربك: لماذا يلتزم هذا القول بعد التلاوة إذن، لماذا لا يقوله وهو يمشي، وهو يأكل، وهو نائم، لماذا يتعمد التعبد به بعد التلاوة دون دليل من الكتاب والسُّنَّة الصحيحة؟

ولو جاز لنا أن نقول بما تقوله بأن الإنسان يقول ما شاء أو يفعل ما شاء بعد الفراغ من العبادة -أعني: على وجه التَّعبُّد- لدخل في الدين من البِدَع ومُحدثات الأمور ما الله به عليم.

وأخيرًا؛ أقول لأخي الكريم: لقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم): "إيَّاكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل مُحدَثة بدعة، وكل بدعة ضلالة" [رواه أحمد]. فطبقًا لما ذكرتَه في رسالتك الأخيرة، سَمِّ لي أمثلة على مُحدثات الأمور والبدع التي حذر منها النبيُّ (صلى الله عليه وسلم). وقد قال النبيُّ (صلى الله عليه وسلم): "مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فو رَدٌّ" [متفق عليه]، فإن لم يكن هذا مِمَّا أحدث في ديننا فسَمِّ لنا ما أحدِثَ فيه.

وأنصحك -أخي الحبيب- بقراءة كُتب البِدَع؛ خاصة «الاعتصام»/ للإمام (الشاطبي) -رحمه الله تعالى، وكلام شيخ الإسلام (ابن تيمية) -رحمه الله- في «مَجموع الفتاوى» بالاستعانة بفهارسه، وكتاب «البِدعة وأثرها السيىء على الأمة»/ لسليم الهلالي، وغيرها من الكتب.

وفقني الله وإياك لما يُحب ويرضى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
الأخ محمد يوسف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خيرا على الموضوع وجعله الله في ميزان حسناتك
أرجو منك ملاحظة الخطأ الموجود في آية البقرة -107- ( ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض...) حيث أن -له - كتبت - لم- لذلك وجب التنبيه وأرجو من الأخوة المشرفين على الموقع تصحيح الآيات القرآنية
وجزى الله الجميع كل خير
 
تنبيهان:

الأول :قولك :(أوهى من بيت العنكبوت) نبه بعض العلماء على كراهة هذا التعبير ؛ لأن الله قال :(وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت..). فلا تقدموا بين يدي الله ورسوله.
وراجع الاتقان في علوم القرآن.

ثانيا: اشتهار قولهم :(صدق الله) بين أهل القرآن ، يجعل محاربته والإنكار عليهم فيه ما فيه ، فهم أهل الله وخاصته، فلو عرف بين الناس أن هذا مجرد ذكر عندهم ، ولم يرفعوه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو مما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ، كما صح عن ابن مسعود قوله.
فالتشديد في هذه المسألة لا وجه له ، خاصة أنه يندرج تحت أصول عامة ثابتة ، كقوله تعالى :(قل صدق الله)
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم :(صدق الله : إنما أموالكم وأولادكم فتنة..).

وهو وإن قالها قبل الآية فالأمر لا يخلو من وجود أصل على سنية التعليق على تلاوات آيات من القرآن بقولك صدق الله .
أما الالتزام بها دبر كل تلاوة فلم نر أحدا ممن قرأنا عليه أنه قال بها أو قالها ، لكن بين الحين والآخر نسمعها من جمهرة من القراء.
ولا أرى في ذلك كبير خطر على الإسلام وأهله.
 
تعليق على التنبيه الأول للأخ راجي رحمة ربه

تعليق على التنبيه الأول للأخ راجي رحمة ربه

أقول تعليقاً على قولك يا أخي الكريم : ( قولك :(أوهى من بيت العنكبوت) نبه بعض العلماء على كراهة هذا التعبير ؛ لأن الله قال :(وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت..). فلا تقدموا بين يدي الله ورسوله.)


إن ما كرهه العلماء - والكراهة هنا بمعنى المنع والتحريم - هو أن يقال عن بيت معين من البيوت: إنه أوهن من بيت العنكبوت ؛ لأن الله قد أخبر أنه لا أوهن من بيت العنكبوت .

أما أن يقال عن شيء آخر : إنه أوهن من بيت العنكبوت ؛ فلا محذور في ذلك ، والله أعلم .
 
الأخ الكريم (راجي رحمة ربه) -حفظه الله-
جزاك الله خيرًا على ما نبهت عليه. وأما عن التنبيه الأول فقد كفاني مؤنة الرد أخي الكريم (الباحث7) -أثابه الله تعالى، وإن كان الأمر لا يزال يحتاج إلى مزيد بحث.
وبالنسبة لتنبيهك الثاني فهذا يحتاج إلى وقفات:

الوقفة الأولى: قولك: "اشتهار قولهم: (صدق الله) بين أهل القرآن ، يجعل محاربته والإنكار عليهم فيه ما فيه".
قلتُ: لقد رددتُ على هذه الشبهة في بحثي السابق "الشبهة الثالثة"، فراجعه -رحمك الله.

الوقفة الثانية: قولك: "فلو عرف بين الناس أن هذا مجرد ذكر عندهم، ولم يرفعوه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو مما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ، كما صح عن ابن مسعود قوله".
أقول:
(1) الأثر الذي سقته عن (عبد الله بن مسعود) -رضي الله عنه- أثر موقوفٌ ولم يرفعه إلى النبي (صلى الله عليه وسلم)؛ بل لا يصح رفعه عنه (صلى الله عليه وسلم). وبذلك فهو ليس حجة إذا عارض ما هو أقوى منه.
(2) لو احتججنا بهذا الأثر فالمقصود بقوله: "المسلمون" أي جميع المُسلمين المُجتهدين، لا عموم المُسلمين، فـ "ال" هنا تُفيد استغراق المجتهدين، أو العهد (يعني: المجتهدين)، وهذا الأثر حجة لمن يرى حجية الإجماع، فهو إنما ساقه لتقرير حجية إجماع المُسلمين على أمر ما، وهذا لا يُعارضك فيه أحد. فقل لي بربك: أين إجماع المُسلمين في مسألتنا هذه؟ فكيف إذا كان كبار مجتهدي عصرنا يقولون ببدعية هذا القول -كما نقلته عن اللجنة الدائمة والعلامة (بكر بن عبد الله أبي زيد) -حفظه الله تعالى-؟
ولو جاز لنا أن نقول كقولك، لقلنا: إذن:
1- الجهر بالصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم) بعد الأذان، حسن؛ لأنه مما رآه المُسلمون حسنًا!
2- خروج الناس حاسري رؤسهم حسن؛ لأنه مما رآه المُسلمون حسنًا!
3- حلق اللحية حسن؛ لأنه مما رآه المُسلمون حسنًا، بل يذمون مَن أعفى لحيته!
4- إسبال الثياب حسن؛ لأنه مما رآه المُسلمون حسنًا؛ بل يذمون من شمر ثوبَه!
وهكذا في سلسلة طويلة من البدع والمُنكرات التي سنجيزها -على حد قولك- لأنها مما رآه المُسلمون حسنًا.

الوقفة الثالثة: قولك: "فالتشديد في هذه المسألة لا وجه له ، خاصة أنه يندرج تحت أصول عامة ثابتة".
أقول: ما معنى التشديد؟ وأين التشديد في مقالي؟ هل إظهار الحق ونشره بين الناس يُسمى تشديدًا؟
وأما قولك: "خاصة أنه يندرج تحت أصول عامة ثابتة"، فالحمد لله رب العالمين؛ لقد أجبتُ في بحثي السابق عن كل هذه الأصول العامة الثابتة، فراجعه -بارك الله فيك، وطالع الحلقة الثانية فستجد فيه خيرًا كثيرًا وجوابًا شافيًا -إن شاء الله تعالى .
ولقد رأيت الآن أنه من تمام الفائدة أن أنقل نسخة من هذه (الحلقة الثانية) هنا بعد هذه المُشاركة -إن شاء الله تعالى، فالرجاء من الإخوة المُشرفين نسخ مُشاركتي: "التزام قول (صدق الله العظيم) بعد التلاوة بدعة (الحلقة الثانية)"، ونقلها هنا بعد مُشاركتي هذه -مُشاركة مُستقلة باسمي، وعُذرًا فإن هذا سيأخذ مني وقتًا طويلا لو فعلته بنفسي؛ لأن بعض العناوين ملونة. وجزاكم الله خيرًا.
تم نقلها ولكن ظهرت قبل هذه المشاركة برقم (4) . المشرف .


الوقفة الرابعة قولك: "فالأمر لا يخلو من وجود أصل على سنية التعليق على تلاوات آيات من القرآن بقولك صدق الله".
أقول: سبحان الله؛ لقد قلتُ في جوابي عن "الشبهة الثانية" ما نصه:
"(3) قد يكونُ النَّبيُّ (صلى الله عليه وسلم) قد أخَذَ بِعُموم قَولِه تعالى (قُل صَدَقَ الله) [آل عِمران: 95] في واقِعَةٍ مَا، ولو اقتدى مُكَلَّفٌ بالنَّبي (صلى الله عليه وسلم) في أمرٍ كهذا؛ فاستعمَلَ عمومَ آيَّةٍ في مَوقِفٍ خاص؛ فلا حَرَجَ -إن شاء اللهُ تعالى". فلو قرأ إنسان آية فأثرت فيه كثيرًا أو وجد فيها العبرة والعظة أ و استنبط منها حُكما كان قد خفي عليه، فقال: "صدقت يا ربي" أو "صدق الله"، فهذا أمرٌ حسن قد قال مثلَه رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، كما في قوله: "صدق الله (إنما أموالكم وأولادكم فتنة)". ولكن ما ننكره هو أن يلتزم القارىء أن يقول هذا القول "صدق الله العظيم" بعد كل تلاوة للقرآن، وقد لا يكون متدبرًا لما يقرأ أو ساهيًا أو غافلا -عياذًا بالله من ذلك، ولكن اتخذها عبادة يلتزمها بعد كل تلاوة، فأين الدليل على ذلك؟ بالله تدبروا ما قلت جيدًا -بارك الله فيكم.

والعجيب أنك -أخي الكريم- قد قلتَ: "أما الالتزام بها دبر كل تلاوة فلم نر أحدا ممن قرأنا عليه أنه قال بها أو قالها"، إذن لماذا المُعارضة؟
ولكنك عقبتَ بعد ذلك بقولك: "لكن بين الحين والآخر نسمعها من جمهرة من القراء"، فأقول: كل خير في اتباع من سلف، وكل شر في ابتداع من خلف.

الوقفة الخامسة: قولك: "ولا أرى في ذلك كبير خطر على الإسلام وأهله"!!!
وأقول: لقد أثر فيَّ هذا القول كثيرًا، ولا أظنه يصدر من طالب علم منصف عالم بقواعد البدع وأصول الشريعة. فالبدع -مهما صغرت- كان لها أكبر الأثر على هدم الإسلام أصولا وفروعًا، ومَن تأمل عنوان سلسلة العلامة (الألباني) -رحمه الله تعالى- التي وضعها للأحاديث الضعيفة والموضوعة عَلِمَ ذلك؛ فقد سماها: «سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيىء على الأمة»، هذا في أحاديث ضعيفة، فكيف في بدع لا أصل لها! وراجع كتاب «البدعة وأثرها السيىء على الأمة»/ لسليم الهلالي.
ولو جاز لنا أن نقول في كل بدعة: "ولا نرى في تلك البدعة كبير خطر على الإسلام وأهله"، لطلت علينا البدع من كل مكان، وهذا ما حدث؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون. وأي خطر أكبر من أن نقول على الله بلا علم، ونُدخله في دينه ما ليس منه، ونتعبده بما لم يُشرع، ونهجر سنة نبيه (صلى الله عليه وسلم) بهذه البدع؛ فما جاءت بدعة إلا وهُجرت سنةٌ مكانها. فاتقِ الله -أخي- وتراجع عن قولك هذا، تكن من المُفلحين.
وأرى أنه من المناسب هنا أن أنقل بعض كلامي في (الحلقة الثانية) من بحثي هذا:
قلتُ ما نصه:
"ولا يَخفَى عَليكم قِصَة (أبي موسى الأشعَري) –رَضي اللهُ عَنه- عِندما رأى قومًا حِلَقًا جُلوسًا يَنتَظِرون الصَّلاة، في كُلِّ حَلَقَةٍ رَجُل، وفي أيديهم حَصًى، فيقول: كَبَّروا مائة، فيكبرون مائة، فيقول: هَلِّلوا مائة، فيُهَلِّلون مائة، ويقول: سَبِّحُوا مائة، فيُسَبِّحون مائة. فأخبَرَ (عَبْدَ اللهِ بن مَسعود) –رَضيَ اللهُ عَنه- بِذَلِك؛ فأنكَرَ عليهم ذَلِك إنكارًا شَديدًا، وقال لَهم: "عُدوا سيئاتِكم، فأنا ضامِنٌ أن لا يَضيع مِن حسناتِكم شئٌ، وَيْحَكُم يا أمَّة مُحمَّد ما أسرَع هَلَكَتَكُم، هؤلاء صحابَة نَبيِّكم (صَلَّى اللهُ عَليه وَسَلَّم) مُتوافِرون، وهذه ثيابُه لم تَبْلَ وآنيَتُه لم تُكسَر، والذي نَفسي بيَدِه؛ إنَّكم لَعَلى مِلَّةٍ أهدَى مِن مِلَّة مُحَمَّدٍ أوْ مُفتَتِحُو بابِ ضَلالة؟!".
قالوا: واللهِ يا أبا عَبْدَ الرَّحمَن؛ ما أردنَا إلا الخَير! قال: وكَم مِن مُريدٍ للخَير لن يُصيبَه! إنَّ رَسولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَليه وَسَلَّم) حَدَّثنَا أن قَومًا يَقْرءون القُرآن لا يُجاوِز تَراقِيَهُم؛ وايمُ اللهِ ما أدري لَعَلَّ أكثرَهم مِنكم! ثم تولَّى عَنهم.
فقال (عمَرو بن سَلَّمة) –وهو أحدُ الرواة-: رأينَا عامَّةَ أولئِكَ الحِلَقِ يُطاعِنُونَا يَومَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الخَوارِج. [رواه الدارِمي: (204)].
فانظر –رَحِمَك اللهُ- إلى البِدْعَة وأثرِها السييء؛ لا على صاحِبِها فَحَسبُ؛ بل علي عُموم الأمَّةِ الإسلامية!
وتَدَبَر –أخي- كيف أنكَر (عَبْدُ اللهِ بْنِ مَسعودٍ) –رَضيَ اللهُ عَنه- عِبادَةً (التَّكبير والتَّهليل والتَّسبيح) بِكَيفيةٍ لم يَفعلْها رَسولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَليه وَسَلَّم)، رَغم أنَّ أصلَ العِبادَةِ مَشروعٌ ! فكيف بما يتَّخِذُه المُكَلَّفُ عِبادَةً ولا أصلَ له في الشَّرع ألبتَة "كَقول (صَدَقَ اللهُ العَظيم) بعد التلاوة" ؟!!
وهذا الأثَرُ السَّابِق –الذي سُقتَه لَك باختِصار- حَوَى فوائِد ودُرَرًا جَمَّة؛ تَجِدُها في كِتاب «البِدْعَة وأثرُها السَّييء على الأمَّة»/ للشيخ (سليم الهلالي) –أثابَه اللهُ تَعالَى" اهـ كلامي.
فتدبر أخي وتأمل بإنصاف -بارك الله فيك.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
أما أثر ابن مسعود فقد أشرت في ردي أنه من قوله

أما عن الأمثلة التي ذكرت فالفقير قد حدد أن القائلين بها ليسوا من عوام الناس بل أهل القرآن فشتان بين الفريقين.

وأخيرا هل لك أخي الفاضل أن تذكر تحقيق سند قصة أبي موسى الأشعري رضي الله عنه لأنك سقتها محتجا بها، فهل هي صحيحة السند؟ فقط لإثراء البحث.


أما بالنسبة لضرب المثل بما هو أوهن من بيت العنكبوت فالسؤال لك أو للأخ باحث 7 من هم هؤلاء العلماء الذين فرقوا بهذا الضابط؟
وإن لم يكن مكروها مثل هذا القول، ألا يدخل في باب أدب اللفظ مع أمثال القرآن الكريم؟
أو أليس داخلا في باب الورع مثلا.

علما بأن الهدف ليس تتبع الأخطاء بل التناصح فيما هو أنسب للمسلم التزامه.


وفقكم الله لما يحب ويرضى.
 
أخي الكريم (راجي رحمة ربه) -جزاك الله خيرًا-
ونظرًا لضيق وقتي فسأقتصر الآن على بعض النقاط في مُشاركتك الأخيرة، وأترك بقيتها لوقت آخر -إن شاء الله تعالى.

قلتَ -بارك الله فيك-: "وأخيرا هل لك أخي الفاضل أن تذكر تحقيق سند قصة أبي موسى الأشعري رضي الله عنه لأنك سقتها محتجا بها، فهل هي صحيحة السند؟ فقط لإثراء البحث".
وسأقتصر فقط على حُكم العلامة (الألباني) -رحمه الله تعالى- على هذا الأثر؛ فقد قال عنه في «السلسلة الصَّحيحة»: (5/ 12): "إسناده صَحيح". وسأوافيك بتفصيل أكثر في وقت لاحق -إن شاء الله تعالى.
وأحب أن أعلمك -وذلك من فضل الله عليَّ- أني قد اشترطتُ على نفسي -في جميع كِتاباتي- ألا أحتَجَّ إلا بما صَحَّ مِن الأحاديث والآثار عن النَّبي (صلى الله عليه وسلم) وصحابَتِه الأبرار -رضي الله عنهم جميعًا، وألا أذكر حَديثًا ضعيفًا إلا لبيان ضَعفِه أو مَع التَّنبيه على ضَعفه إن كان قد احتَج به أحدُ العُلماء. ومِن باب أولى في العَمل؛ ألا أعمَل إلا بما صَحَّ مِن الأخبار. وهذا هو الواجِبُ على كُلّ مُسلِم؛ ففي الصَّحيح مِن الأخبار كِفاية عَمَّا لم يَثبُت مِنها. ولا يَنبَغي لشخص أن يعُارِض هذا بالقَول المَشهور: "يُعمَل بالأحاديث الضَّعيفَة في فضائِل الأعمال"! وكأنَّ هذا القَول مَحل اتفاقٍ بين العُلماء، وهو ليس كذلك -وإن جَزَم به الإمامُ (النَّوويُّ) -رَحِمَه اللهُ تعالى- في غِير كِتابٍ مِن كُتُبِه-، فكيف إذا عَلِمتَ أن هذا القَول مَرجوحٌ؛ بل غير صَحيح. وأحيلك الآن في هذه العُجالَة على رسالة نَفيسة بعنوان: «حُكم العَمل بالحَديث الضَّعيف في فضائِل الأعمال»/ للشيخ الفاضل (أشرف بن سعيد) -أثابه الله تعالى-، طـ مكتبة السُّنَّة بمصر، وطالِع أيضًا مُقَدِّمَتي: «صَحيح الجامِع» و«صَحيح التَّرغيب والتَّرهيب»/ كلاهما للعلامة (الألباني) -رحمه الله تعالى-؛ فإنهما نفيسَتَين.

وأمَّا بالنسبة لضرب المَثَل بما هو أوهَن مِن بَيت العَنكبوت؛ فقد أحلتنا -حفظك الله- على كِتاب «الإتقان في عُلوم القُرآن»/ للإمام (السيوطي) -رحمه الله- ولم أجده فيه؛ وإنما بَحَث هذا الموضوع الإمامُ (الزركشي) -رحمه الله تعالى- في كِتابِه النَّفيس «البُرهان في عُلوم القُرآن». وسأكمِل النِّقاش مَعك في هذا الموضوع في وَقتٍ لاحِق، عسى أن يكون قريبًا -إن شاء الله تعالى.

ولقد أحزَنَني -أخي الحبيب- ختامُك مُشاركَتِك بقولك: "علمًا بأن الهدف ليس تتبع الأخطاء بل التناصح فيما هو أنسب للمسلم التزامه". فهذا -أخي الحبيب- أمرُ مُسَلَّمٌ به لا يُجادِل فيه اثنان ولا يتناطَح فيه عَــنزان، وما ضَربَ إخواننا الأعضاءُ أصابعَهم على "لوحة المفاتيح" للكتابة في هذا المُلتقى إلا نُصحًا لله ولرسوله ولأئمة المُسلمين وعامتهم، نَحسبهم كذلك ولا نُزَكي على الله أحدًا. والأصل إحسان ظن المُسلم بأخيه المُسلِم، فكيف أظُنُّ بك -أو يَظُنُّ غِيري- أنَّك تتبع أخطائي، حاشا وكلا؛ ولو كانت غايتنا مِن الكِتابة هي تَتبُع الأخطاء فقد خِبنا وخَسِرنا. وأسأل الله سبحانه أن يجعل أعمالنا كلَّها خالصة لوجه الكريم، ولا يجعل لأحد سواه فيها شيئًا، آمين.

ولقد أعجبَني قولُك: "بل التَّناصُح فيما هو أنسب للمُسلم التزامه"، فلله درك، وجزاك الله خيرًا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
نعم هو في البرهان لكن أحلتك على الإتقان لكثرة تداوله وهو إنما نقل كلام البرهان ولعلك لم تجده لأنه السيوطي يذكره في باب الأمثال بل في خاتمة
النوع الخامس والثلاثون
في آداب تلاوته وتأليفه

وهو في آخر فصل: في الاقتباس وما جرى مجراه


قال الإمام السيوطي:
خاتمة قال الزركشي في البرهان: لا يجوز تعدي أمثلة القرآن، ولذلك أنكر على الحريري قوله
فأدخلني بيتاً أخرج من التابوت وأوهي من بيت العنكبوت،
وأي معنى أبلغ من معنى أكده الله من ستة أوجه حيث قال - وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت - فأدخل إن وبنى أفعل التفضيل وبناه من الوهن وأضافه إلى الجمع وعرف الجمع باللام وأتى في خبر إن باللام


وتجده مباشرة قبيل عنوان:

النوع السادس والثلاثون
في معرفة غريبه
 
بالنسبة للأثر فقد أخرجه الدارمي أخبرنا ‏ ‏الحكم بن المبارك ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏عمرو بن يحيى ‏ ‏قال سمعت ‏ ‏أبي ‏ ‏يحدث عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏قال ‏‏كنا نجلس على باب ‏ ‏عبد الله بن مسعود ‏ ‏قبل صلاة ‏ ‏الغداة، ‏ ‏فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد. فجاءنا ‏ ‏أبو موسى الأشعري ‏
الأثر
وفي آخره فقال ‏ ‏عمرو بن سلمة ‏ ‏رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم ‏ ‏النهروان ‏ ‏مع ‏ ‏الخوارج.

وفي إسناد هذا الآثر وقفتان الأولى الحكم بن المبارك

وهو وإن وثقه الذهبي في الكاشف ج: 1 ص: 345‏
لكن قال عنه في الميزان: الحكم بن المبارك الخاشبي البلخي عن مالك ومحمد بن راشد المكحولي وعنه أبو محمد الدارمي وجماعة. وثقه ابن حبان وابن مندة. وأما ابن عدي فإنه لوّح في ترجمة أحمد بن عبد الرحمن الوهبي بأنه ممن يسرق الحديث، لكن ما أفرد له في الكامل ترجمة. وهو صدوق.
ميزان الإعتدال في نقد الرجال (2\345).

ومثله في تهذيب التهذيب ج: 2 ص: 376‏
لكن قال عنه في التقريب أنه صدوق ربما وهم
وهذا كله بالرغم من تهمته بسرقة الحديث و هي تهمة معناها الاتهام بالكذب و وضع الحديث فالراوي يبلغه حديث يرويه بعضهم فيسرقه منه و يركب عليه إسناداً من أسانيده ، ثم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه و سلم مثلا.

ولو توقف باحث عن تصحيح الأثر لهذه العلة فإنه لا يلام، لكن لنفترض جدلا أن الراوي مستقيم وأن ابن عدي بالغ في التشنيع عليه

لكن تأتي مشكلة الراوي الآخر وهي عمرو بن يحيى وقد يتوهم متوهم أنه أحد 3 ثقات مترجمين في التهذيب وغيره وهذه أسماؤهم من التقريب

عمرو بن يحيى بن الحارث الحمصي ثقة من الثانية عشرة مات بعد الثمانين س
‏عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي أبو أمية السعيدي المكي ثقة من السابعة خ ق
‏عمرو بن يحيى بن عمارة بن أبي حسن المازني المدني ثقة من السادسة مات بعد الثلاثين ع


وموطن الخلل قد يأتي من الخلط بين أحدهم وبين الراوي أعلاه

لكن الراوي هنا هو عمرو بن يحيى بن عمرو بن سلمة بدليل ما في آخر الأثر من تعليق جد الراوي عمرو بن سلمة وهو أحد الرواة في سلسة الإسناد

ووقع التصريح باسمه كاملا في تاريخ واسط ص: 198
حدثنا أسلم قال ثنا علي بن الحسن بن سليمان قال ثنا عمرو بن يحيى بن عمرو بن سلمة الهمداني قال حدثني أبي قال حدثني أبي قال كنا جلوسا على باب عبدالله بن مسعود ننتظر أن يخرج إلينا فاذا أبو موسى الأشعري الأثر بحروفه

فماذا قال العلماء عن عمرو بن يحيى هذا
قال الذهبي في ميزان الإعتدال في نقد الرجال ج: 5 ص: 352‏
عمرو بن يحيى بن عمرو بن سلمة
قال يحيى بن معين ليس حديثه بشيء
قد رأيته وذكره بن عدي مختصرا انتهى.

وزاد على كلام الذهبي أعلاه الحافظ ابن حجر في اللسان:وقال بن خراش ليس بمرضي.
وقال بن عدي ليس له كبير شيء ولم يحضرني له شيء.
لسان الميزان (4\378).

وكلام ابن عدي في الكامل في ضعفاء الرجال (5\122). وفيه ذكر سندين عن ابن معين في تضعيف الرجل

وقال الذهبي في المغني في الضعفاء ج: 2 ص: 491‏
عمرو بن يحيى بن عمرو بن سلمة قال يحيى بن معين ليس حديثه بشيء قد رأيته

ومثله في الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي ج: 2 ص: 233‏
عمرو بن يحيى بن عمرو بن سلمة قال يحيى ليس حديثه بشيء وقال مرة لم يكن بمرضي



فخلاصة الكلام عن إسناد هذا الأثر عند الدارمي أنه ضعيف لا يصلح للاحتجاج حتى يؤتى له بإسناد أنظف من هذا.
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله في الأخوة المشاركين

أخي الكريم للفائدة فقد سمعت الشيخ عبدالله بن منيع عضو هيئة كبار العلماء في السعودية يقول بعدم الإنكار على من يقولها بعد التلاوة والأفضل تركها. والله تعالى

أخوك : أبوخطاب العوضي
 
فقط من باب إكمال البحث، لأني قرأت لكثيرين قولهم أن قول صدق الله العظيم لم تظهر إلا في المائة سنة الأخيرة أو أقل، فلذا أحببت أن أبين عدم صحة هذا القول

نص السؤال
هل قول (صدق الله العظيم ) بعد قراءة القرآن تعتبر بدعة ؟

الشيخ عطية صقر اسم المفتي

حذرت كثيرا من التعجل فى إطلاق وصف البدعة على أى عمل لم يكن فى أيام النبى صلى الله عليه وسلم ولا فى عهد التشريع ، ومن التمادى فى وصف كل بدعة بأنها ضلالة وكل ضلالة فى النار، ويمكن الرجوع إلى ص ‏352 من المجلد الثالث من هذه الفتاوى لمعرفة ذلك .‏
وقول "صدق الله العظيم " من القارىء أو من السامع بعد الانتهاء من القراءة ، أو عند سماع آية من القراَن ليس بدعة مذمومة، أولا لأنه لم يرد نهى عنها بخصوصها، وثانيا لأنها ذكر لله والذكر مأمور به كثيرا ، وثالثا أن العلماء تحدثوا عن ذلك داعين إليه كأدب من آداب قراءة القرآن ، وقرروا أن قول ذلك فى الصلاة لا يبطلها، ورابعا أن هذه الصيغة أو قريبا منها ورد الأمر بها فى القرآن ، وقرر أنها من قول المؤمنين عند القتال .‏
قال تعالى :‏ {‏قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا}‏ آل عمران :‏‏95 ، وقال {‏ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله }‏ الأحزاب :‏ ‏22 ، وذكر القرطبى في مقدمة تفسيره أن الحكيم الترمذى تحدث عن آداب تلاوة القراَن الكريم وجعل منها أن يقول عند الانتهاء من القراءة :‏ صدق الله العظيم أو أية عبارة تؤدى هذا المعنى .‏ ونص عبارته "ج ‏1 ص ‏27 " :‏ ومن حرمته إذا انتهت قراءته أن يصدق ربه ، ويشهد بالبلاغ لرسوله صلى الله عليه وسلم [‏مثل أن يقول :‏ صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ]‏ ويشهد على ذلك أنه حق ، فيقول :‏ صدقت ربنا وبلَّغت رسلك ونحن على ذلك من الشاهدين .‏
اللهم اجعلنا من شهداء الحق القائمين بالقسط ، ثم يدعو بدعوات .‏
وجاء فى فقه المذاهب الأربعة ، نشر أوقاف مصر، أن الحنفية قالوا :‏ لو تكلَّم المصلى بتسبيح مثل .‏ صدق اللّه العظيم عند فراغ القارئ من القراءة لا تبطل صلاته إذا قصد مجرد الثناء والذكر أو التلاوة ، وأن الشافعية قالوا :‏ لا تبطل مطلقا بهذا القول ، فكيف يجرؤ أحد فى هذه الأيام على أن يقول :‏ إن قول :‏
صدق الله العظيم ، بعد الانتهاء من قراءة القرآن بدعة؟
أكرر التحذير من التعجل فى إصدار أحكام فقهية قبل التأكد من صحتها ، والله سبحانه وتعالى يقول :‏{‏ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون }‏ النخل :‏
‏116


http://www.islamonline.net/fatwa/arabic/FatwaDisplay.asp?hFatwaID=9893
 
لا تعليق

لا تعليق

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه.
وبعد؛
فقد أخبرني أحد أصحاب التسجيلات أن لجنة الأزهر المختصة بالموافقة على صوتيات القرآن لا تَقبل أي تَسجيل للقرآن إلا إذا خُتِمَ بـ "صدق الله العظيم"؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون.
 
قول صدق الله العظيم بعد التلاوة هل هو بدعة؟ دراسة فقهية

قول صدق الله العظيم بعد التلاوة هل هو بدعة؟ دراسة فقهية

بسم الله الرحمن الرحيم
مضى عمل المسلمين قديما وحديثا على قول ( صدق الله العظيم ) بعد الانتهاء من تلاوة القرآن ولم ينكر ذلك أحد على مر العصور بل عد أهل العلم ذلك من آداب التلاوة :

ففي تفسير القرطبي 1 / 27 :
أن الحكيم الترمذي ذكر ذلك بعض آداب التلاوة فقال : ( ومن حُرْمَته إذا انتهت قراءته أن يُصَدِّقَ رَبَّهُ، ويشهد بالبلاغ لرسوله صلى الله عليه وسلم مثل أن يقول: صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ويشهد على ذلك أنه حق، فيقول: صدقتَ ربنا وَبَلَّغَتْ رُسُلُك ونحن على ذلك من الشاهدين اللهم اجعلنا من شهداء الحق القائمين بالقِسْطِ، ثم يدعو بدعوات ) اهـ.

وقال الإمام الغزالي في الإحياء وهو يعدد آداب تلاوة القرآن 1/278 : (الثامن : أن يقول في مبتدأ قراءته أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون وليقرأ قل أعوذ برب الناس وسورة الحمد لله وليقل عند فراغه من القراءة صدق الله تعالى وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم انفعنا به وبارك لنا فيه الحمد لله رب العالمين وأستغفر الله الحي القيوم ) اهـ.

وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك في دعاء ختم القرآن ففي شعب الإيمان للبيهقي2/372 :
( قال أحمد :
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء الختم حديث منقطع بإسناده ضعيف ، وقد تساهل أهل الحديث في قبول ما ورد من الدعوات وفضائل الأعمال متى ما لم تكن من رواته من يعرف بوضع الحديث أو الكذب في الرواية .أخبرنا أبو نصر بن قتادة أنا أبو الفضل بن حمرويه الكرابيسي المهروي بها ثنا أحمد بن نجدة القرشي ثنا أحمد بن يونس ثنا عمرو بن سمرة عن جابر الجعفي عن أبي جعفر قال : كان علي بن حسين يذكر : عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا ختم القرآن حمد الله بمحامد وهو قائم ثم يقول : الحمد الله رب العالمين والحمد الله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون لا إله إلا الله وكذب العادلون بالله وضلوا ضلالا بعيدا لا إله إلا الله وكذب المشركون بالله من العرب والمجوس واليهود والنصارى والصابئين ومن ادعى لله ولدا أو صاحبة أو ندا أو شبها أو مثلا أو سميا أو عدلا فأنت ربنا أعظم من أن تتخذ شريكا فيما خلقت والحمد لله الذي لن يتخذ صاحبة ولا ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا ، الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان بكرة وأصيلا والحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا * قيما قرأها إلى قوله إن يقولون إلا كذبا ، الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير * يعلم ما يلج في الأرض الآية ، و الحمد لله فاطر السماوات والأرض الآيتين ، والحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أما يشركون ، بل الله خير وأبقى وأحكم وأكرم وأجل وأعظم مما يشركون والحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون صدق الله وبلغت رسله وأنا على ذلكم من الشاهدين ، اللهم صل على جميع الملائكة والمرسلين وارحم عبادك المؤمنين من السماوات والأرض ، واختم لنا بخير ، وافتح لنا بخير وبارك لنا في القرآن العظيم وانفعنا بالآيات والذكر الحكيم ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ... ) اهـ.

وهاهو ابن عباس يقول هذا العبارة عقب ذكر بعض الآيات ففي تفسير القرطبي 16/ 188 : ( وقال ابن عباس : إذا عسر على المرأة ولدها تكتب هاتين الآيتين والكلمتين في صحيفة ثم تغسل وتسقى منها ، وهي : بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلا الله العظيم الحليم الكريم ، سبحان الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش العظيم ( كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ) ( كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون ) صدق الله العظيم ) اهـ.

وها هو الحافظ ابن كثير يصنع ذلك في موضع مشهور من تاريخه , فعَقِب ذكره بعض الآيات يقول هذه العبارة . ففي البداية والنهاية 13/119 قال : ( فمن ترك الشرع المحكم المنزل المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاك إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين قال الله تعالى أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون وقال تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) صدق الله العظيم ) اهـ

بل إن الحنفية والشافعية يرون أن من قال صدق الله العظيم في صلاته بعد الانتهاء من التلاوة بقصد الذكر أن ذلك لا يضر صلاته ففي البحر الرائق 2/8 : ( في الخانية والظهيرية : ولو قرأ الإمام آية الترغيب أو الترهيب فقال المقتدي صدق الله وبلغت رسله فقد أساء ولا تفسد صلاته ا.هـ، وهو مشكل لأنه جواب لإمامه ولهذا قال في المبتغى بالمعجمة: ولو سمع المصلي من مصل آخر ولا الضالين فقال آمين لا تفسد وقيل تفسد وعليه المتأخرون وكذا بقوله عند ختم الإمام قراءته صدق الله وصدق الرسول ) اهـ .

وفي شرح الحصكفي 1/621 :
( فروع : سمع اسم الله تعالى فقال جل جلاله أو النبي صلى الله عليه وسلم فصلى عليه أو قراءة الإمام فقال صدق الله ورسوله تفسد إن قصد جوابه ( ) اهـ

في حاشية الطحاوي على مراقي الفلاح 2/320 :
( قوله : ( ويفسدها كل شيء من القرآن قصد به الجواب ) إنما قيد بالقرآن ليعلم الحكم في غيره بالأولى فلو ذكر الشهادتين عنه ذكر المؤذن لهما أو سمع ذكر الله فقال : جل جلاله أو ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فصلى عليه أو قال عند ختم الإمام القراءة : صدق الله العظيم أو صدق رسوله أو سمع الشيطان فلعنه أو ناداه رجل بأن يجهر بالتكبير ففعل فسدت ) اهـ

وفي مبسوط محمد ابن الحسن الشيباني 1/204 :
(قلت : أرأيت الرجل يكون خلف الإمام فيفرغ الإمام من السورة أتكره للرجل أن يقول صدق الله وبلغت رسله ؟ قال أحب إلي أن ينصت ويستمع . قلت فإن فعل هل يقطع ذلك صلاته ؟ قال لا صلاته تامة ولكن أفضل ذلك أن ينصت ) اهـ

وفي حاشية الرملي على أسنى المطالب 1/179 :
( وسئل ابن العراقي عن مصل قال بعد قراءة إمامه صدق الله العظيم هل يجوز له ذلك ولا تبطل صلاته ؟ فأجاب : بأن ذلك جائز ولا تبطل به الصلاة لأنه ذكر ليس فيه خطاب آدمي ) اهـ .

وفي حاشية الجمل على شرح المنهج 1/431 وحاشية الشبراملسي على النهاية 2/44 :
( فرع ) لو قال : صدق الله العظيم عند قراءة شيء من القرآن قال م ر ينبغي أن لا يضر وكذا لو قال آمنت بالله عند قراءة ما يناسبه ا هـ سم على المنهج ) اهـ

وانظر أيضا حاشية قليوبي 1/116
ومن ذلك نعلم تعجل من حكم من المعاصرين على ذلك بأنه من البدع المذمومة
قال تعالى (خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ) وقال سبحانه ( وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا ) اهـ
صدق الله العظيم

كتبه / عبد الفتاح بن صالح قديش اليافعي

اليمن - صنعاء
منقووول
 
السلام عليكم
اللجنة الدائمة في المملكة السعودية ذكرت أن الاستمرار أو اتخاذها الدائم بدعة .

أقول : إذا كان الأمر كذلك فما الدليل علي قولها في كل فترة من الزمن ؟؟
إذا كان الأمر أمرا تعبديا ، والعبادات توقيفية كما هو مقرر ، ويجب فيها النص ، وحيث لا نص في المسألة بالمنع (مع وجودها في عهد النبوة ولكن في الاستشهاد بالآية كما في حديث الحسن والحسين قال عليه الصلاة والسلام "صدق الله " إنما أموالكم وأولادكم فتنة .." )

فعليه جواز قول صدق الله العظيم عند الختم . كما ذكر القرطبى في مقدمة تفسيره أن الحكيم الترمذى تحدث عن آداب تلاوة القراَن الكريم وجعل منها أن يقول عند الانتهاء من القراءة :‏ صدق الله العظيم أو أية عبارة تؤدى هذا المعنى .‏ ونص عبارته "ج ‏1 ص ‏27 " :‏ ومن حرمته إذا انتهت قراءته أن يصدق ربه ، ويشهد بالبلاغ لرسوله صلى الله عليه وسلم [‏مثل أن يقول :‏ صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ]‏ ا.هـ

وإلا للزم المانعين أن يمنعوا المرة والمرتين لعدم النص . والله أعلم
والسلام عليكم
 
أوافق الشيخ عبد الحكيم عبد الرازق - حفظه الله.
الدكتور إسماعيل سالم - أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم - كان قد وضع كتابا ليدرسه لنا، وتوفي قبل أن يقوم بتدريسه، فدرسنا الكتاب على غيره.
في كتابه ناقش هذه المسألة ورفض القول ببدعيتها أو كراهيتها،، والله أعلم.
 
قضية من أرشيف الملتقى كانت بدايتها سنة 2004م

كم ترتاح النفس لقول الشيخ الثبت عطية صقر ـ رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة.

ولا نعترض على من لا يري ما نراه ولا نعيبه ولا نبدعه ، بل نحترمه ونجله بمقدار احترامه لأدب الخلاف في الإسلام.

ولازالت الأيام تثبت لنا عمق حكمة المشرف العام منذ زمن بعيد مضى ولا زالت، نلمح ذلك من خلال رده في بدايات هذا الموضوع


راجي رحمة ربه;5223[quote قال:
نص السؤال هل قول (صدق الله العظيم ) بعد قراءة القرآن تعتبر بدعة ؟
الشيخ عطية صقر اسم المفتي حذرت كثيرا من التعجل فى إطلاق وصف البدعة على أى عمل لم يكن فى أيام النبى صلى الله عليه وسلم ولا فى عهد التشريع ، ومن التمادى فى وصف كل بدعة بأنها ضلالة وكل ضلالة فى النار، ويمكن الرجوع إلى ص ‏352 من المجلد الثالث من هذه الفتاوى لمعرفة ذلك .‏
وقول "صدق الله العظيم " من القارىء أو من السامع بعد الانتهاء من القراءة ، أو عند سماع آية من القراَن ليس بدعة مذمومة، أولا لأنه لم يرد نهى عنها بخصوصها، وثانيا لأنها ذكر لله والذكر مأمور به كثيرا ، وثالثا أن العلماء تحدثوا عن ذلك داعين إليه كأدب من آداب قراءة القرآن ، وقرروا أن قول ذلك فى الصلاة لا يبطلها، ورابعا أن هذه الصيغة أو قريبا منها ورد الأمر بها فى القرآن ، وقرر أنها من قول المؤمنين عند القتال .‏
قال تعالى :‏ {‏قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا}‏ آل عمران :‏‏95 ، وقال {‏ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله }‏ الأحزاب :‏ ‏22 ، وذكر القرطبى في مقدمة تفسيره أن الحكيم الترمذى تحدث عن آداب تلاوة القراَن الكريم وجعل منها أن يقول عند الانتهاء من القراءة :‏ صدق الله العظيم أو أية عبارة تؤدى هذا المعنى .‏ ونص عبارته "ج ‏1 ص ‏27 " :‏ ومن حرمته إذا انتهت قراءته أن يصدق ربه ، ويشهد بالبلاغ لرسوله صلى الله عليه وسلم [‏مثل أن يقول :‏ صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ]‏ ويشهد على ذلك أنه حق ، فيقول :‏ صدقت ربنا وبلَّغت رسلك ونحن على ذلك من الشاهدين .‏
اللهم اجعلنا من شهداء الحق القائمين بالقسط ، ثم يدعو بدعوات .‏
وجاء فى فقه المذاهب الأربعة ، نشر أوقاف مصر، أن الحنفية قالوا :‏ لو تكلَّم المصلى بتسبيح مثل .‏ صدق اللّه العظيم عند فراغ القارئ من القراءة لا تبطل صلاته إذا قصد مجرد الثناء والذكر أو التلاوة ، وأن الشافعية قالوا :‏ لا تبطل مطلقا بهذا القول ، فكيف يجرؤ أحد فى هذه الأيام على أن يقول :‏ إن قول :‏
صدق الله العظيم ، بعد الانتهاء من قراءة القرآن بدعة؟
أكرر التحذير من التعجل فى إصدار أحكام فقهية قبل التأكد من صحتها ، والله سبحانه وتعالى يقول :‏{‏ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون }‏ النخل :‏
‏116
وبالله التوفيق
 
الحمد لله أصدق القائلين وأصلي وأسلم على رسول الله أنصح المعلمين -الصادق المصدوق-

أما بعد
جاء في الأثر عن ابن عمر رضي الله عنه أن رجلا عطس إلى جنبه فقال (الحمد لله والسلام على رسول الله) قال ابن عمر وأنا أقول: الحمد لله والسلام على رسول الله وليس هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه و سلم، علمنا أن نقول: (الحمد لله على كل حال ).
[ رواه الترمذي في سننه 2738 وحسنه الألباني في صحيح السنن باختصار السند]



وأنا أقول: الله الصادق، وهو خير الصادقين، ومن أصدق من الله حديثا، ومن أصدق من الله قيلا، وأقول صدق الله،

ولكن، لم يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقول بعد الانتهاء من تلاوة القرآن أو سماعه "صدق الله العظيم"، ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم، كان يعلم الصحابة الكرام القرآن وكان يقرؤه عليهم، بل ويقرؤه عليهم على المنبر جهارا مسموعا، ومع ذلك لم ينقل أحد من الصحابة أنه كان يختم قراءته بقوله "صدق الله العظيم" ولا أمر به، ولا رغّب فيه،
بل وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن يقرأ عليه القرآن الكريم، فاستفتح سورة النساء، حتى بلغ قوله تعالى (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) فقال :"حسبك"

فالسنة عند الانتهاء من قراءة القرآن هو عدم الالتزام بذكر معين

ومن التزم بقول "صدق الله العظيم" عند الانتهاء من تلاوة القرآن أو سماعه نقول له: وأنا أقول صدق الله العظيم، ولكن ما هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، علمنا أن لا نلتزم بذكر ولا دعاء بعد الانتهاء من قراءة القرآن الحكيم،

فعلمنا بذلك، أنه ليس من آداب تلاوة القرآن قول صدق الله العظيم عند الانتهاء من سماعه أو قراءته، بل هو مخالف للأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه زيادة في الدين والله يقول (اليوم أكملت لكم دينكم ) قال الإمام مالك رحمه الله: (من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - خان الرسالة، لأن الله يقول: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا } فما لم يكن يومئذ ديناً لا يكون اليوم ديناً، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أوله) .

وكثير من العامة بل وطلبة العلم يعتقدونها من فعل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وأمره، والكثير الكثيريعتقدونها لا من آداب التلاوة، بل من واجباتها!، وآخرون -وهي طامة كبرى- يعتقدونها آية من القرآن، ذلك لاشتهارها بين القراء ، والتزامهم بها، وأمرهم بقولها، وإنكارهم على من تركها، وتقديمهم من يتلوها، وإبعادهم من يسقطها، وسكوت بعض العلماء عن بيان حكمها، وتساهلهم فيها، وردهم على من ينكرها ويبين حقيقة أمرها وحدوثها،

وكم هو عجبي حين أسمع بعض قرائنا إذا سئل عنها في الفضائيات أو في الفتاوى يقول أن قولها وتركها جائز! كيف ذلك والصحابة والتابعون وأتباعهم لم يعرفوها؟!


أين النصح؟

أين بيان الحق؟

أين الصدق؟

على الأقل ، انصح أخاك بتركه

على الأقل، إذا سئلت، قل ليس هذا من آداب تلاوة القرآن ولا سننه،

وعلى الأقل، لا تنكر على من ينكر ذلك على غيره
 
وكم هو عجبي حين أسمع بعض قرائنا إذا سئل عنها في الفضائيات أو في الفتاوى يقول أن قولها وتركها جائز! كيف ذلك والصحابة والتابعون وأتباعهم لم يعرفوها؟!

السلام عليكم
الشيخ الفاضل حكيم بن منصور
أود أن أخبرك بأن اللجنة الدائمة أجازت قولها بين الفيئة والفيئة ، ونهت عن الاستمرار والدوام فقط . فمن أين لهم ذلك ؟؟؟؟؟

نقل الأئمة القدامي جوازها مثل القرطبي والحكيم الترمذي ـ كما هو أعلاه ـ ، هل أتيت لنا بنهي صريح عن التصديق في الختم من أقوال القدامي ؟؟

أجبني عن السؤالين قبل الحديث في المسألة ؟؟
والسلام عليكم
 
قول العالم ليس حجة على عالم آخر، وليس من أصول الاستدلال أقوال العلماء مجردة عن الدليل

قول العالم ليس حجة على عالم آخر، وليس من أصول الاستدلال أقوال العلماء مجردة عن الدليل

السلام عليكم
الشيخ الفاضل حكيم بن منصور
أود أن أخبرك بأن اللجنة الدائمة أجازت قولها بين الفيئة والفيئة ، ونهت عن الاستمرار والدوام فقط . فمن أين لهم ذلك ؟؟؟؟؟

نقل الأئمة القدامي جوازها مثل القرطبي والحكيم الترمذي ـ كما هو أعلاه ـ ، هل أتيت لنا بنهي صريح عن التصديق في الختم من أقوال القدامي ؟؟

أجبني عن السؤالين قبل الحديث في المسألة ؟؟
والسلام عليكم

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الجواب على السؤال الأول: اللجنة الدائمة الموقرة أجازت قول "صدق الله العظيم" من غير التزام بها ولا اعتقاد سنيتها، لأنه ذكر مطلق ، ولا أحد يمنع من ذكر الله المطلق من غير تقييد ولا تخصيص، فافهم. قد أقرأُ الآية وألاحظ فيها حقا تركه الناس -أو نحو ذلك- فأجدني أتفاعل مع الآية فأقول صدق الله العظيم ، أو هذا هو الحق المبين، أو الله أكبر، لا أحد يمنع من هذا. وإنما المحذور التزام ذلك حتى يصل الحد إلى الإنكار على من يتركه، والذي يسأل عن قول "صدق الله العظيم" إنما يسأل عن المتعارف بين عامة المسلمين من مشروعيتها وهل هي سنة؟

الجواب على السؤال الثاني: ليس من المتعارف إلى عند أهل الأصول ولا الفقه ولا أهل القرآن الاستدلال بكلام أحد العلماء على كلام عالم آخر ولو تأخرت وفاته، وقد تقدم أن اللجنة الدائمة منعت من التزام ذلك، وكذا الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله إذ جعله من بدع القراءن وكذلك منعه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله كما في أسئلة الحويني حفظه الله له، فقد قرأ الشيخ الألباني رحمه الله آخر الفرقان فقال أبتدئ بالاستعاذة كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم، فلما انتهى من تلاوته قال : ولا أقول صدق الله العظيم، وكذا سئل الشيخ عبد المحسن العباد عنها فقال لا أعرف لها أصلا من السنة(وهذا تجده في شرحه لسنن أبي داود). ثم المؤلفون القدامى في آداب التلاوة وحملته وفضائل القرآن لم يذكروا هذا من آدابه ولا سننه، كأبي عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن (وذكر ما يتعلق بآدابه) وابن الضريس في فضائل القرآن والفريابي والآجري في كتابه أخلاق حملة القرآن والنووي في التبيان وأبو عمرو الداني في الأرجوزة المنبهة وغيرها من مصنفاته التي ذكر فيها بعض آداب القراء حال قراءتهم، وغيرهم من المصنفين القدامى رحم الله الجميع.

وأنبه أن المسألة هي في نصح السائل، وتعليم الجاهل، وتبيين الحق ودمغ الباطل، فلا شك أن قول "صدق الله العظيم" على الوجه المتعارف به الآن : محدث، لم يعرفه الصدر الأول من القراء وغيرهم.
 
إليكم هذه القصة :
جمعنا في المدينة المنورة قبل سنتين أو ثلاثة في منزل أخي الدكتور عبد الله الجارالله حفظه الله مجلس ضم كبار قراء الشام وهم المشايخ : أبو الحسن الكردي والطرابيشي وكريّم راجح ، والمشايخ : على الحذيفي إمام السجد النبوي الشريف ، وإبراهيم الأخضر ، وشيخي عبد العزيز القارئ حفظهم الله ، ، وقرأ أحد الطلاب ماتيسر وختم دون أن يقول" صدق الله العظيم " ، ففتح أحد المشايخ النقاش في المسألة فكل أدلى بدلوه ما بين مؤيد ومعارض .
ثم لما انتهى المجلس وذهب الحضور للعشاء ، كنت أحد من شرفه الله بالجلوس على المائدة مع المشايخ " الحذيفي والأخضر والقارئ " فأعادوا النقاش ، وقال الشيخ القارئ :
كان والدي رحمه الله يبدأ مجالس الشيخ ابن باز رحمه الله بآيات من القرآن ، فقال مرة " صدق الله العظيم " فنهاه الشيخ ابن باز عنها ، ولم يعد يقولها .
قال : وذات يوم حضر الشيخ محمد الأمين الجكني - صاحب أضواء البيان - الدرس ، وكان بقرب والدي ، فلما انتهى - القارئ الأب - من القراءة لم يقل " صدق الله العظيم " .
فقال له الشيخ الأمين :
لماذا لم تقل صدق الله العظيم ؟
فقال القارئ الأب : منعني الشيخ ابن باز عن قولها .
فقال الشيخ الأمين موجهاً السؤال للشيخ ابن باز : مادليل المنع عندك؟
فقال الشيخ ابن باز : لم يرد فيها دليل؟
فقال الشيخ الأمين : وقوله تعالى " قل صدق الله " ؟؟
فقال الشيخ ابن باز : هذا عام ، ومسألتنا خاصة ؟
فقال الشيخ الأمين : هذا عليك ، العام يبقى على عمومه حتى يأتي ما يخصصه ، ولا مخصص هنا .
قال شيخنا القارئ : فسلّم الشيخ ابن باز للشيخ .
هذه القصة سمعتها بأذني ومعي المشايخ المذكورون سابقاً .
أما ما ذكره بعض المانعين من أن دليل المنع هو : عدم معرفة الصحابة للمسألة ، أو عدم فعلهم لها ؟؟
فهذا لا يعتبر دليلاً على المنع ألبتة ، ومن شمّ رائحة علم الأصول عرف ما يعتبر دليلاً مما لا يعتبر.
والله أعلم .
 
بارك الله في إخواني الفضلاء , وكما يعلم الجميع أن الأصل في العبادة هو التوقيف فمن قال ببدعة عبادة قد التزمها كثير من الناس ليس مطالبا بأن يبرهن على بدعة هذه العبادة , بل من يلتزمونها أو ينفون عنها البدعة هم المطالبون بدليل مشروعيتها فمثلا لو قال قائل : إن قول ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) قبل القراءة بدعة . ليس من حق المعارض أن يقول له : ما دليلك على أنها بدعة ؟ بل الواجب على من قال بسنيتها أن يأتي بالدليل الصريح الخاص وليس العام , فلا يصلح أن يقول : الدليل ( إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله ) ولا يصح أن يستدل ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله ) لأن هذه الآيات أطلقت الاستعاذة ولم تقيدها بتلاوة القرآن فلابد من دليل يخصص الاستعاذة باتلاوة وذلك في قوله تعالى ( فإذا قرأت القرءان فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) فحينئذ على من قال ببدعية الاستعاذة للقراءة أن يتوب إلى الله ويعلن خطأه ورجوعه إلى الصواب , فإذا اتفقنا على ذلك فالمطالب بالدليل هو من يقول بمشروعية قول ( صدق الله العظيم ) بعد التلاوة , فالحكم ببدعيتها هو الصحيح إلى أن يأتينا أحد بدليل صريح يخصصها بالتلاوة كدليل الاستعاذة السابق . وجزاكم الله خيرا .
 
يجب أولاً الاتفاق بين المتخالفين على تحديد معنى البدعة ومن ثم يبينون الأدلة ، أما أن يكون كل منهم يتكلم على معنى البدعة بما يراه هو تعريفاً والآخر لا يسلم له ، فهذا مضيعة للوقت وشغب في البحث .
دخولي في الموضوع ليس للمنع أو الجواز بل لبيان خلل رأيته - حسب علمي القاصر - في منهجية الاستدلال على حكم المسألة ، وهو مايهم أمثالي من المبتدئين في طلب العلم .
والله من وراء القصد .
 
حوار جميل وماتع وفيه من الفوائد والتذكير بقواعد العلم وأصوله الشيء الكثير
وأتمنى لو نبتعد جميعا عن الطريقة المستعلية في الحوار والتي تشعر أن البعض يملك الحقيقة والفهم الصحيح دون الباقين ويظهر بمظهر الأستاذ والمعلم وعلى الطلبة أن يقبلوا قوله دون اعتراض.

وما تفضل به الدكتور السالم يعطينا صورة لأدب الكبار

مع أنه في نظري القاصر أنه كان بإمكان الشيخ بن باز رحمه الله أن يعترض على كلام الشيخ محمد الأمين رحمه الله تعالى ويقول ما قال به بعض الأفاضل من المشاركين في مسألة تقرير ماهو بدعة وما هو سنة وتحرير محل النزاع....

ولكن يبدوا أن الشيخ رأى أن في الأمر سعة

وفق الله الجميع لما فيه الخير والصلاح

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.
 
ولكن، لم يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقول بعد الانتهاء من تلاوة القرآن أو سماعه "صدق الله العظيم"، ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم، كان يعلم الصحابة الكرام القرآن وكان يقرؤه عليهم، بل ويقرؤه عليهم على المنبر جهارا مسموعا، ومع ذلك لم ينقل أحد من الصحابة أنه كان يختم قراءته بقوله "صدق الله العظيم" ولا أمر به، ولا رغّب فيه،
بل وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن يقرأ عليه القرآن الكريم، فاستفتح سورة النساء، حتى بلغ قوله تعالى (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) فقال :"حسبك"

فالسنة عند الانتهاء من قراءة القرآن هو عدم الالتزام بذكر معين

ومن التزم بقول "صدق الله العظيم" عند الانتهاء من تلاوة القرآن أو سماعه نقول له: وأنا أقول صدق الله العظيم، ولكن ما هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، علمنا أن لا نلتزم بذكر ولا دعاء بعد الانتهاء من قراءة القرآن الحكيم،

فعلمنا بذلك، أنه ليس من آداب تلاوة القرآن قول صدق الله العظيم عند الانتهاء من سماعه أو قراءته، بل هو مخالف للأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه زيادة في الدين

ترتيب أحكام على مقدمات لا تؤدي إليها.
مع قفزات واسعة الخطى.
والمحصلة: بدع القراء
وأخطاء المصلين
ونحو ذلك مما شاع في عناوين كتب كثيرة في هذه الأزمنة!
 
المنع من العبادة لعدم معرفة الصحابة لها وعدم فعلها لها من طرق الاستدلال عند الأصوليين

المنع من العبادة لعدم معرفة الصحابة لها وعدم فعلها لها من طرق الاستدلال عند الأصوليين

أما ما ذكره بعض المانعين من أن دليل المنع هو : عدم معرفة الصحابة للمسألة ، أو عدم فعلهم لها ؟؟
فهذا لا يعتبر دليلاً على المنع ألبتة ، ومن شمّ رائحة علم الأصول عرف ما يعتبر دليلاً مما لا يعتبر.
والله أعلم .

أنقل لكم هنا كلام من شم رائحة أصول الفقه وزيادة:

لما لم تظهر معالم أصول الفقه إلا في زمن الإمام الشافعي رحمه الله -فهو أول من صنف في هذا العلم الجليل- لا أنقل لكم كلام من سبقه، وهم قد استدلوا على منع الشيء لترك من قبله له، وأقوال الإمام مالك في ذلك مشهورة، ولنا كلام من سبقه من الصحابة والتابعين وأتباعهم، ولكن أنقل هنا كلام الأصوليين والفقهاء والمفتين:

*فأبدأ بالإمام أبي إسحاق الشاطبي المالكي (ت 790) صاحب الموافقات والاعتصام، فهو من الأصوليين المبرزين: سئل عن غير مسألتنا لكن نستفيد من طريقة الاستدلال -جاء في فتاوى الشاطبي (ص193إلى196- تحقيق أبو الأجفان-): سألتَ وفقني الله وإياكَ عن قوم يتسمون بالفقر يجتمعون في بعض الليالي ويأخذون في الذكر ثم في الغناء والضرب بالأكفّ والشطح إلى آخر الليل، واجتماعهم على إمامين من أئمة ذلك الموضع يتوسمان بوسم الشيوخ في تلك الطريقة، وذكرت أن كل من زجرهم عن ذلك الفعل يحتجون بحضور الفقهاء معهم، ولو كان حراما أو مكروها لم يحضروا معهم. والجواب -والله الموفق للصواب- أن اجتماعهم للذكر على صوت واحد إحدى البدع المحدثات التي لم تكن في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا زمان الصحابة ولا من بعدهم ولا عرف ذلك من شريعة محمد عليه السلام بل هو من البدع التي سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم ضلالة وهي مردودة، ففي الصحيح أنه عليه السلام قال "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد" يعني مردود غير مقبول وفي رواية: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو مردود". وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته :"أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة". وفي رواية "كل محدثة بدعة وكل بدعة في النار". وهذا الحديث يدل على أن صاحب البدعة في النار ، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. وعن الحسن البصري أنه سئل فقيل له: ما ترى في مجلسنا هذا، قوم من أهل السنةوالجماعة لا يطعنون على أحد نجتمع في بيت هذا يوما وفي بيت هذا يوما، فنقرأ كتاب الله وندعو الله ربنا ونصلي على النبيء صلى الله عليه وسلم وندعو لأنفسنا ولعامة المسلمين؟ قال: فنهى الحسن عن ذلك أشد النهي لأنه لم يكن من عمل الصحابة ولا التابعين وكل ما لم يكن عليه السلف الصالح فليس من الدين فقد كانوا أحرص على الخير من هؤلاء، فلو كان فيه خير فعلوه. وقال الله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم). وقال مالك بن أنس : فما لم يكن يومئذ دينا لا يكون اليوم دينا. وإنما يعبد الله بما شرع. وهذا الاجتماع لم يكن مشروعا قط فلا يصح أن يعبد الله به. -ثم ذكر كلام السلف في ذم الغناء- ثم قال ص196: وأما ما ذكرتم من شأن الفقيهين الإمامين فليسا بفقيهين إذا كانا يحضران شيئا من ذلك، وحضورهما ذلك على الانتصاب إلى المشيخة قادح في عدالتهما ... ) انتهى كلام الشيخ الشاطبي رحمه الله والفتوى في المعيار المعرب
 


ترتيب أحكام على مقدمات لا تؤدي إليها.
مع قفزات واسعة الخطى.
والمحصلة: بدع القراء
وأخطاء المصلين
ونحو ذلك مما شاع في عناوين كتب كثيرة في هذه الأزمنة!

لو تفضلتم بالبيان والتوضيح، أين هي النتائج التي بنيت على غير مقدماتها، مع العلم أن هذه المقدمات -إذا صحت- كافية للوصول إلى تلك النتائج، وهذه طريقة العلماء، فقد جاء عن الزبير بن بكار رحمه الله قال : سمعت مالك بن أنس ـ وأتاه رجل فقال : يا أبا عبد الله من أين أحرم ؟ ـ قال : من ذي الحليفة من حيث أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : إني أريد أن أحرم من المسجد . فقال لا تفعل . قال : فإني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر . قال : لا تفعل فإني أخشى عليك الفتنة . فقال : واي فتنة هذه ؟ إنما هي أميال أزيدها ، قال : وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ إني سمعت الله يقول : "فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم" . وهذا الأثر عن الإمام مالك ذكره الإمام الشاطبي الأصولي ضمن فتواه السابقة الذكر ليبين طريقة العلماء في ذكر النتائج مع مقدماتها.
 
قال : وذات يوم حضر الشيخ محمد الأمين الجكني - صاحب أضواء البيان - الدرس ، وكان بقرب والدي ، فلما انتهى - القارئ الأب - من القراءة لم يقل " صدق الله العظيم " .
فقال له الشيخ الأمين :
لماذا لم تقل صدق الله العظيم ؟
فقال القارئ الأب : منعني الشيخ ابن باز عن قولها .
فقال الشيخ الأمين موجهاً السؤال للشيخ ابن باز : مادليل المنع عندك؟
فقال الشيخ ابن باز : لم يرد فيها دليل؟
فقال الشيخ الأمين : وقوله تعالى " قل صدق الله " ؟؟
فقال الشيخ ابن باز : هذا عام ، ومسألتنا خاصة ؟
فقال الشيخ الأمين : هذا عليك ، العام يبقى على عمومه حتى يأتي ما يخصصه ، ولا مخصص هنا .
قال شيخنا القارئ : فسلّم الشيخ ابن باز للشيخ .
هذه القصة سمعتها بأذني ومعي المشايخ المذكورون سابقاً .
إذن لو التزم القارئ بعد تلاوته أن يقول : ( سبحان ربي ) بعد التلاوة لكان جائزا مشروعا لدخوله تحت قوله تعالى ( قل سبحان ربي ) فهل يقول بهذا عالم أو يسلم به عالم ؟
أنا لا أطعن في الشيخين الفاضلين ابن باز والأمين رحمهما الله ولكني أجزم أن في القصة وهما من ناقلها مع احترامنا له لأن صوابها أن الأمين هو الذي سلم لابن باز , وإنما قلب الأمر على راوي القصة ربما لبعد العهد والله أعلم .
 
الشيخ حكيم بن منصور
زادك الله حرصا على الحق
قد قلتُ إنك واسع الخطو، وكثرة استشهادك بقول إمام دار الهجرة لن يكون فيصلا ولا قاطعا في المسألة.
فكم من مسألة خالفه فيه الأئمة، والأمر يسير.
الإمام مالك لم ير أحدا يصوم ستة أيام من شوال، فنصَّ في الموطأ على كراهة صيامها.
فعلى قوله؛ صيام ستة أيام من شوال بدعة مذمومة ويُخشى على مرتكبها الفتنة! لكن الأمر في حقيقته ليس كذلك.
والإمام مالك لم ير أحدا يجهر بالبسملة.
ولا يرى سجود التلاوة في المفصل.
وغيره يخالفه
فكان ماذا؟!
أذكر أن في زاد المعاد تحقيقًا بديعًا لمسألة القنوت في الصبح، خلاصته: إذا قنت فحسن وإن لم يقنت فحسن، والأحب أن لا يقنت.
((لن يشاد الدين أحد إلا غلبه)).
أنا لا أدعو إلى قول: صدق الله العظيم.
لكني لن أتأفف كلما سمعت قارئا قرأ فختم قراءته بها.
ولا أظنني حينئذ تركت النهي عن المنكر، هذا كل ما في الأمر.
أما القائلون ببدعية هذه الجملة الطيبة فأدعوهم إلى تجييش الجيوش لإزالة هذا المنكر.
 
أولاً : العجب ممن شم رائحة الأصول ويستدل على كلامه بكلام في كتب من كتب " الفتاوى" ؟؟ وهذا عند المالكية فيه ما فيه ؟؟؟؟؟
أما :
لو التزم القارئ بعد تلاوته أن يقول : ( سبحان ربي ) بعد التلاوة لكان جائزا مشروعا لدخوله تحت قوله تعالى ( قل سبحان ربي ) فهل يقول بهذا عالم أو يسلم به عالم ؟
القضية ليست قضية " لو " كان كذا أو " لعل" كذا فيكون كذا وكذا ؟؟؟؟
القضية أسهل مما تتصور : لو طرأ حكم ما ، فعلى العلماء أن ينظروا إليه بمنظار الشرع بأن يحددوا تحت أي حكم يدخل : التحريم أم الجواز أم الكراهة أم الندب ....الخ
وباختلاف الموقع الذي يتم من خلاله النظربينهم يأتي الحكم ، وإلا لماذا وكيف اختلفوا والنصوص واحدة ؟؟؟
أما القول:
ولكني أجزم أن في القصة وهما من ناقلها مع احترامنا له
إن كان المراد ب " ناقلها " هو كاتب هذه الحروف فثق تماماً - وكفى بالله شهيداً- أنه لم " يهم " ولم " يحرف ، بل نقل القصة كما سمعها من قائلها ، والحمدلله كل المشايخ المذكورة أسماؤهم موجودون فيمكنك سؤالهم ، بل ويمكنك التأكد ممن أخبر بها وهو حاضر لها ، أعني شيخنا القارئ حفظه الله .
وأما :
لأن صوابها أن الأمين هو الذي سلم لابن باز , وإنما قلب الأمر على راوي القصة ربما لبعد العهد
هذا كلام أملته العاطفة وحب الشيخ ابن باز والاعتقاد فيه ، وكأنك حاضر للقصة ؟؟
وبما أنك قلت " بعد العهد " فهو عليك لا لك ، وبيان ذلك :القصة المشار إليها كانت قبل ما يزيد على أربعين سنة ، والشيخ ابن باز بل وكبارشيوخه رحمهم الله في ذلك الوقت هم تلاميذ الشخ الأمين ؛ سواء رضيت بذلك أم أبيت ،- والتاريخ لا تشوشه العواطف إلا عاطفة من لايتقي الله - ولو كان رد القصة بكلام علمي لكتبنا كلاماً علمياً ، أما وهو عاطفة في عاطفة فهذا لايعجز عنه النساء فضلاً الرجال.
والسلام ختام.
 
والتاريخ لا تشوشه العواطف إلا عاطفة من لايتقي الله - ولو كان رد القصة بكلام علمي لكتبنا كلاماً علمياً ، أما وهو عاطفة في عاطفة فهذا لايعجز عنه النساء فضلاً عن الرجال.
والسلام ختام.
لذلك أراك ما عجزت عنه , وأنت أدرى بنفسك وقد حكمت على نفسك بنفسك , ولا تعليق إذا كان هذا نقاشك وسلام عليكم.
 
[align=center]يا فضلاء ترفعوا عما لا يليق بمقام القرآن وأهل القرآن

أصلح الله بالكم[/align]
 
فافهم.
قد أقرأُ الآية وألاحظ فيها حقا تركه الناس -أو نحو ذلك- فأجدني أتفاعل مع الآية فأقول صدق الله العظيم ، أو هذا هو الحق المبين، أو الله أكبر، لا أحد يمنع من هذا. .

السلام عليكم
يا أخي الكريم
أليست هذه عبادة، والعبادات تفتقر إلي نص كما قررتموه ؛ فأين النص ؟؟
ألم يتفاعل الصحابة مع القرآن ؟ لماذا لم يقولوها ؟ وتفعل أنت مالم يقله الصحابة ؟
هب أني أتفاعل مع القرآن في كل مرة ..فما الحكم ؟؟

أخي الحبيب : أين الدليل علي جواز التصديق عند التفاعل ؟؟

والسلام عليكم
 
يا فضلاء ترفعوا عما لا يليق بمقام القرآن وأهل القرآن
أصلح الله بالكم
اللهم آمين.
جزيت خيراً أخي الكريم " حجازي الهوى " وما أمرت إلا بخير .
اللهم إني أستغفر وأتوب إليك ، فاغفر لي ولأخي " طارق عبدالله " فلا أراه إلا وهو يريد الخير والنصح .
 
السلام عليكم
يا أخي الكريم
أليست هذه عبادة، والعبادات تفتقر إلي نص كما قررتموه ؛ فأين النص ؟؟
ألم يتفاعل الصحابة مع القرآن ؟ لماذا لم يقولوها ؟ وتفعل أنت مالم يقله الصحابة ؟
هب أني أتفاعل مع القرآن في كل مرة ..فما الحكم ؟؟

أخي الحبيب : أين الدليل علي جواز التصديق عند التفاعل ؟؟

والسلام عليكم

أخانا الفاضل عبد الحكيم
أظن المسألة فيها سعة
وهنا إشكال يجب تحريره في قضية السنة وعدمها
هل السنة في هذا المسألة تقتصر على :
أن يثبت قول الرسول صلى الله عليه وسلم صدق الله العظيم بعد التلاوة.
أو يثبت أمره بقولها.
أو يثبت سماعه لغيره ويقره على فعله.
إذا حصرنا السنة في هذه الأمور فلا شك أنها ليست سنة.

ولكن أليس من السنة العمل بما دل عليه عموم القرآن إذا وجدت المناسبة ؟
الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول صدق الله في حواره مع أهل الكتاب وهذه مناسبة الآية .
أيضا نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم يستخدم هذا الذكر حينما يوجد سبب لقوله مثل حديث أبي داود في قصة الحسن والحسين حيث نزل صلى الله عليه وسلم عن المنبر ثم حملهما وقال:
صَدَقَ اللَّهُ
{ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ }
رَأَيْتُ هَذَيْنِ فَلَمْ أَصْبِرْ ثُمَّ أَخَذَ فِي الْخُطْبَةِ.
جملة معترضة( أرايت لو أن خطيبا اليوم فعل ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم هل تقول فعله سنة أم لا؟)

وكذلك ما رواه النسائي :
عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ الشَّهْرِ فَقَدْ صَامَ الدَّهْرَ كُلَّهُ ثُمَّ قَالَ صَدَقَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ
{ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا }.

بعد هذا:
ألا يمكن أن يحتج قائل فيقول:
بعد أن قرأت ما شاء الله أن أقرأ أليس هذه مناسبة أن أصدق الله تعالى كما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يستشهد بآية من كتاب الله تعالى؟

أما كون قول صدق الله العظيم عبادة فهو كذلك فهو ذكر والنص الدال على ذلك عموم قول الله تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)) سورة الأحزاب
فأطلق الأمر بالذكر ولم يقيده بعدد ولا بزمن فإذا وجد سبب يستدعيه فلماذا نمنعه؟
 
اللهم آمين.
جزيت خيراً أخي الكريم " حجازي الهوى " وما أمرت إلا بخير .
اللهم إني أستغفر وأتوب إليك ، فاغفر لي ولأخي " طارق عبدالله " فلا أراه إلا وهو يريد الخير والنصح .

جزاك الله خيرا يا شيخنا الكريم

طيبه لا يأتي منها إلا الطيب

طيب الله أيامك
 
غفر الله لك يا أخانا الجكني وجزى الله إخواننا خيرا ومما يؤكد بدعية قول ( صدق الله العظيم ) بعد التلاوة أن القراء وبعض الفقهاء اختلفوا في موضع الاستعاذة كما لا يخفى على إخواننا المقرئين فمنهم من جعلها قبل القراءة لأن المعنى كما نظم الشاطبي إذا أردت القراءة وعلى ذلك أكثر القراء والفقهاء ومنهم من جعلها بعد القراءة على ظاهر الآية , قال الكيا الطبري : ونقل عن بعض السلف التعوذ بعد القراءة مطلقا احتجاجا بقوله تعالى ( فإذا قرأت القرءان فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم )ولا شك أن ظاهر ذلك يقتضي أن تكون الاستعاذة بعد القراءة كقوله تعالى ( فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا ) إلا أن غيره محتمل مثل قوله تعالى ( وإذا قلتم فاعدلوا )(تفسير القرطبي 10 / 115 ).
ألا يدل هذا على أن القراء والفقهاء لم يكونوا يقولون ( صدق الله العظيم ) بعد التلاوة إذ لو كان ذلك لما اختلفوا أن الاستعاذة قبل القراءة لأن بعد القراءة يقولون ( صدق الله العظيم ) فلا موضع للاستعاذة بعد القراءة أليس كذلك ؟
إذن هذا يؤكد بدعية ( صدق الله العظيم ) بعد التلاوة . والله تعالى أعلم .
 
ثم ماذا يقول إخواننا في قارئ يلتزم الاستعاذة قبل القراءة وبعدها فيبدأ قراءته بها ويختم بها أيضا ؟ أليس هذا بدعة ؟
إذا كان هذا بدعة مع أنه جمع بين نصوص وعمل الفقهاء والقراء جميعا فكيف بمن قال ( صدق الله العظيم ) وليس معه نص ولا عمل ؟ ألا يكون بالبدعة أولى ؟
 
أخانا الفاضل عبد الحكيم
أظن المسألة فيها سعة
وهنا إشكال يجب تحريره في قضية السنة وعدمها

يا أخي الكريم
الشيخ عبد الحكيم كلامه متفق معك كما سبق من مشاركته.
وكلامه هنا رد على المانعين، فيما فهمت.
 
هل أتيت لنا بنهي صريح عن التصديق في الختم من أقوال القدامي ؟؟

قال الشيخ الألباني رحمه الله فى معرض رده على الحبشي فى مسألة السبحة و بدعيتها :
((ثم هب أنني لا أعلم أحدا من السلف عادى السبحة ، فما قيمة ذلك إذا كنتُ أنا إنما أعاديها لمخالفتها السنة ، و خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه و سلم ، و هى محدثة اتفاقا ، و هل يشترط عند أهل العلم و العقل في إنكار مفردات البدع أن يكون عندنا نقل ( بإسناد صحيح ) عن أحد من السلف بإنكارها بدعة بدعة ؟ هذا مما لا يقوله من شم رائحة العلم ! )) انتهى من قاموس البدع ص 693 .
 
الشيخ حكيم بن منصور
زادك الله حرصا على الحق [آمين وإياك]
قد قلتُ إنك واسع الخطو، وكثرة استشهادك بقول إمام دار الهجرة لن يكون فيصلا ولا قاطعا في المسألة.
فكم من مسألة خالفه فيه الأئمة، والأمر يسير.
الإمام مالك لم ير أحدا يصوم ستة أيام من شوال، فنصَّ في الموطأ على كراهة صيامها.
فعلى قوله؛ صيام ستة أيام من شوال بدعة مذمومة ويُخشى على مرتكبها الفتنة! لكن الأمر في حقيقته ليس كذلك.
والإمام مالك لم ير أحدا يجهر بالبسملة.
ولا يرى سجود التلاوة في المفصل.
وغيره يخالفه
فكان ماذا؟!
أذكر أن في زاد المعاد تحقيقًا بديعًا لمسألة القنوت في الصبح، خلاصته: إذا قنت فحسن وإن لم يقنت فحسن، والأحب أن لا يقنت.
((لن يشاد الدين أحد إلا غلبه)).
أنا لا أدعو إلى قول: صدق الله العظيم.
لكني لن أتأفف كلما سمعت قارئا قرأ فختم قراءته بها.
ولا أظنني حينئذ تركت النهي عن المنكر، هذا كل ما في الأمر.
أما القائلون ببدعية هذه الجملة الطيبة فأدعوهم إلى تجييش الجيوش لإزالة هذا المنكر.

وزادك الله حرصا وعلما وعملا

أراك لا تحب الاحتجاج بالإمام مالك، أو أنه ليس من مراجعك،

ولكن هذا ليس مذهب القراء يا أخي! هذا الكلام الذي ذكرته عن الإمام مالك يحتاج منك إلى تبرير وتصحيح وتعليل، أو توضيح، فهو بإطلاقه خطأ، وجلالة الإمام مالك معروفة لا فقط عند المالكية بل عند المذاهب الأربعة، وعند غيرهم من الفقهاء، بل وعن المحدثين، وحتى عند القراء، فكلامك يحتاج إلى توضيح. فإذا كنت لا تتبع العلماء في طريقة الاستدلال، خاصة من أمثال الإمام مالك رحمه الله، فمن أين أخذت أصول الاستدلال ، وأصول الفتوى، وأصول الفقه.
لا أقول إن الإمام مالك أو غيره معصوم، لا أبدا، لكننا ملزمون باقتفاء آثارهم إذا لم يختلفوا، وإن اختلفوا فنتبع الأقوى دليلا منهم، وهنا نتكلم في باب التعبد، الذي كان موجودا في وقتهم ووقتنا، فمسألة قول صدق الله العظيم، ليس شيئا محدثا اكتشفته العلم الجديد والتكنولوجا، ولكنه أمر كان من سبقنا قادرين على فعله، وتعظمهم للقرآن معروف عندكم، متواتر عنهم، مع ذلك تركوا هذا القول بعد قراءة القرآن أو سماعه، فإذا فعلناه بعدهم من غير إرشادهم لنا وتعليمهم، فنكون بذلك زعمنا أننا سبقناهم إلى خير، هم لم يقدروا عليه، وهذا ما عناه الإمام مالك بقوله السابق الذكر، وأزيدك عن غيره هنا، وهو "الخليفة الخامس" عمر بن عبد العزيز رحمه الله، نستفيد منه كيف رد أمر الدين إلى اتباع من سبق، وترك ما لم يعتقدوه أو يفعلوه، فقد روى الإمام أبو داود رحمه الله في سننه في كتاب القدر منه بسند صحيح كما في صحيح سنن أبي داود للألباني رحمه الله قال:

كَتَبَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَسْأَلُهُ عَنِ الْقَدَرِ فَكَتَبَ أَمَّا بَعْدُ أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالاِقْتِصَادِ فِى أَمْرِهِ وَاتِّبَاعِ سُنَّةِ نَبِيِّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَتَرْكِ مَا أَحْدَثَ الْمُحْدِثُونَ بَعْدَ مَا جَرَتْ بِهِ سُنَّتُهُ وَكُفُوا مُؤْنَتَهُ فَعَلَيْكَ بِلُزُومِ السُّنَّةِ فَإِنَّهَا لَكَ بِإِذْنِ اللَّهِ عِصْمَةٌ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَبْتَدِعِ النَّاسُ بِدْعَةً إِلاَّ قَدْ مَضَى قَبْلَهَا مَا هُوَ دَلِيلٌ عَلَيْهَا أَوْ عِبْرَةٌ فِيهَا فَإِنَّ السُّنَّةَ إِنَّمَا سَنَّهَا مَنْ قَدْ عَلِمَ مَا فِى خِلاَفِهَا مِنَ الْخَطَإِ وَالزَّلَلِ وَالْحُمْقِ وَالتَّعَمُّقِ فَارْضَ لِنَفْسِكَ مَا رَضِىَ بِهِ الْقَوْمُ لأَنْفُسِهِمْ فَإِنَّهُمْ عَلَى عِلْمٍ وَقَفُوا وَبِبَصَرٍ نَافِذٍ كَفَوْا وَلَهُمْ عَلَى كَشْفِ الأُمُورِ كَانُوا أَقْوَى وَبِفَضْلِ مَا كَانُوا فِيهِ أَوْلَى فَإِنْ كَانَ الْهُدَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ لَقَدْ سَبَقْتُمُوهُمْ إِلَيْهِ وَلَئِنْ قُلْتُمْ إِنَّمَا حَدَثَ بَعْدَهُمْ مَا أَحْدَثَهُ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِهِمْ وَرَغِبَ بِنَفْسِهِ عَنْهُمْ فَإِنَّهُمْ هُمُ السَّابِقُونَ فَقَدْ تَكَلَّمُوا فِيهِ بِمَا يَكْفِى وَوَصَفُوا مِنْهُ مَا يَشْفِى فَمَا دُونَهُمْ مِنْ مَقْصَرٍ وَمَا فَوْقَهُمْ مِنْ مَحْسَرٍ وَقَدْ قَصَّرَ قَوْمٌ دُونَهُمْ فَجَفَوْا وَطَمَحَ عَنْهُمْ أَقْوَامٌ فَغَلَوْا وَإِنَّهُمْ بَيْنَ ذَلِكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ ؛ كَتَبْتَ تَسْأَلُ عَنِ الإِقْرَارِ بِالْقَدَرِ فَعَلَى الْخَبِيرِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَعْتَ مَا أَعْلَمُ مَا أَحْدَثَ النَّاسُ مِنْ مُحْدَثَةٍ وَلاَ ابْتَدَعُوا مِنْ بِدْعَةٍ هِىَ أَبْيَنُ أَثَرًا وَلاَ أَثْبَتُ أَمْرًا مِنَ الإِقْرَارِ بِالْقَدَرِ لَقَدْ كَانَ ذَكَرَهُ فِى الْجَاهِلِيَّةِ الْجُهَلاَءُ يَتَكَلَّمُونَ بِهِ فِى كَلاَمِهِمْ وَفِى شِعْرِهِمْ يُعَزُّونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ عَلَى مَا فَاتَهُمْ ثُمَّ لَمْ يَزِدْهُ الإِسْلاَمُ بَعْدُ إِلاَّ شِدَّةً وَلَقَدْ ذَكَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى غَيْرِ حَدِيثٍ وَلاَ حَدِيثَيْنِ وَقَدْ سَمِعَهُ مِنْهُ الْمُسْلِمُونَ فَتَكَلَّمُوا بِهِ فِى حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ يَقِينًا وَتَسْلِيمًا لِرَبِّهِمْ وَتَضْعِيفًا لأَنْفُسِهِمْ أَنْ يَكُونَ شَىْءٌ لَمْ يُحِطْ بِهِ عِلْمُهُ وَلَمْ يُحْصِهِ كِتَابُهُ وَلَمْ يَمْضِ فِيهِ قَدَرُهُ وَإِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَفِى مُحْكَمِ كِتَابِهِ مِنْهُ اقْتَبَسُوهُ وَمِنْهُ تَعَلَّمُوهُ وَلَئِنْ قُلْتُمْ لِمَ أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ كَذَا وَلِمَ قَالَ كَذَا. لَقَدْ قَرَءُوْا مِنْهُ مَا قَرَأْتُمْ وَعَلِمُوا مِنْ تَأْوِيلِهِ مَا جَهِلْتُمْ وَقَالُوا بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ بِكِتَابٍ وَقَدَرٍ وَكُتِبَتِ الشَّقَاوَةُ وَمَا يُقَدَّرْ يَكُنْ وَمَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ وَلاَ نَمْلِكُ لأَنْفُسِنَا ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا ثُمَّ رَغَبُوا بَعْدَ ذَلِكَ وَرَهِبُوا."

فأنت ترى كيف ذكر الإمام عمر بن عبد العزيز هذه المقدمات ، ثم استنتج منها تلك النتائج، فإن كان ذلك قفزا، فأنا -فيما أحسب- قفزت مثل ما قفز الإمام.

ثم لتعلم أن من نصيحة القراء السابقين والمقرئين المجودين، الأمر باقتفاء سنن الأئمة الفقهاء ونصوا على الإمام مالك رحمه الله، وأذكر لك علكمان وأعلام القراء والمصنفين، أولهم ابن أبي داود السجستاني صاحب كتاب المصاحف، قال في أرجوزته الحائية في السّنة:
ومن بعدهم فالتابعون لحسـن يأ=خُذوا فِعلهم قولا وفعلا فأفلحُوا
ومالكُ والـثّوريُّ ثم أخوهم =أبو عمرو الأوزاعيُّ ذاك المسبِّـحُ
ومن بعـدهم فالشافـعيُّ وأحمدُ=إماماَ هدى، من يتّبع الحقَّ يفصحُ
أولئك القوم قد عفا الله عنـهم=وأرضاهم فأجبهم فإنك تفرحُ [شرح مذاهب السنة لابن شاهين ص322-323]
والثاني الإمام أبو عمر الداني في كتابه الأرجوزة المنبهة قال فيها:

القول فيمن يقتدى به ومن يترك قوله

تدري أخي أين طريق الجنه ............... طريقها القرءان ثم السنه
كلاهما ببلد الرسول ............... وموطن الأصحاب خير جيل
ومعدن الأتباع والأخيار ............... والفقهاء الجلة الأحبار
فاتبعن جماعة المدينه ............... فالعلم عن نبيهم يروونه
وهم فحجة على سواهم ............... في النقل والقول وفي فتواهم
واعتمدن على الإمام مالك ............... إذ قد حوى على جميع ذلك
في الفقه والفتيا إليه المنتهى ............... وصحة النقل وعلم من مضى
إلى أن قال:
وجانب الأراذل المبتدعه ............... واعمل بقول الفرقة المتبعه
واطرح الأهواء والآراء ............... وكل قول ولد المراء
من دار بِالسنة فاستمعه ............... وكل ما قد حد فاتبعه
إذا رأيت المرء قد أحبا ............... أئمة الدين وعنهم ذبا
كمالك والليث والثوري ............... وابن عيينة الفتى التقي
والفاضل المعروف بالأوزاعي ............... ومثلهم من أهل الاتباع
كابن المبارك الجليل القدر ............... والشافعي ذي التقى والبر
وعابد الرحمن وابن وهب ............... وصحبهم أكرم بهم من صحب
والقاسم العالِم بالإعراب ............... والفقه والقرءان والآداب
وأحمد بن حنبل الإمام ............... ونظرائهم من الأعلام
وفضل الصحابة الأبرارا ............... وقدم الأصهار والأنصارا
وأبغض البدعي والمخالفا ............... ومن تراه لهما مخالفا
فاعلم بأنه من أهل السنه ............... فالزمه واستمسك بما قد سنه
 
الاستعاذة ليست من القرءان بالإجماع ، وقد أمر تعالى بقراءتها عند البدأ بقراءة القرءان الكريم على خلاف بين أهل العلم في الوجوب أو الاستحباب. وقد تلقّاها خلف الأمّة عن سلفها وهي ثابتة بالنصّ والأداء عند أئمّة الأداء عليهم رحمة الله تعالى. والأمّة تتعبّد الله عزّ وجلّ بذلك.

أمّا : (صدق الله العظيم) فهي ليست من القرءان ، ولم يثبت دليل على الإتيان بها بعد التلاوة كما هو الحال في الاستعاذة قبل التلاوة ، ولم تثبت عن أئمّة أهل الأداء الذين نقلوا لنا القرءان لا سلفاً ولاخلفاً (ابن الجزري). فكيف نتعبّد الله تعالى بها بعد التلاوة وهي غير ثابتة.
ليس الإشكال في اللفظة بالذات فهي حقّ ولكن أن نجعلها بعد التلاوة مباشرة بمجرّد التوقّف عن التلاوة هو الإشكال بعينه. فلو قالها القارئ متأثّراً بآية من الآيات ومتدبّراً لمعانيها فلا إشكال في ذلك ولكن أن يؤت بها بعد التلاوة في كلّ مرّة ، هذا الذي يُخشى أن يكون من المحدثات والعلم عند الله تعالى.

فالأولى الترك لقول النبيّ عليه الصلاة والسلام : دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، وقال عليه الصلاة والسلام : فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ بدينه وعرضه.

والعلم عند الله تعالى.
 
قال الشيخ الألباني رحمه الله فى معرض رده على الحبشي فى مسألة السبحة و بدعيتها :
((ثم هب أنني لا أعلم أحدا من السلف عادى السبحة ، فما قيمة ذلك إذا كنتُ أنا إنما أعاديها لمخالفتها السنة ، و خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه و سلم ، و هى محدثة اتفاقا ، و هل يشترط عند أهل العلم و العقل في إنكار مفردات البدع أن يكون عندنا نقل ( بإسناد صحيح ) عن أحد من السلف بإنكارها بدعة بدعة ؟ هذا مما لا يقوله من شم رائحة العلم ! )) انتهى من قاموس البدع ص 693 .

السلام عليكم
يا شيخ ما تقوله قد يكون صحيحا إن لم يكن هناك نقل من السلف في استحباب "صدق الله العظيم" كما علمت قول القرطبي وغيره .

وكتب التفسير فيها الكثير والكثير .
فهذا الثناء والدعوة للاستحباب ، فأين النهي من أقوال السلف أولا ؟؟

الإمام ابن تيمية قالها في الختم ، وذكر لك الشيخ عطية صقر اختلاف المذاهب في صحة الصلاة من عدمها عند قولها في الصلاة ، فلم يتحدث أحد عن النهي فيها خارج الصلاة ..لماذا وهي بدعة منكرة كما تقولون ؟

يا شيخ ما نقلته عن الشيخ الألباني لا دخل لنا بمسألتنا ، فهناك من نقل الاستحباب كما سبق . والله أعلم
والسلام عليكم
 
بارك الله فيك شيخنا عبدالحكيم
يا شيخ ما نقلته عن الشيخ الألباني لا دخل لنا بمسألتنا ، فهناك من نقل الاستحباب كما سبق . والله أعلم
والسلام عليكم

الذى عنيته من نقل الشيخ الألباني أنه لم يثبت عن النبى صلى الله عليه و سلم أنه قال صدق الله العظيم بعد الانتهاء من التلاوة أو أنه أمر بها و إنما الثابت خلاف ذلك فأنا _ أو غيري_ إن تركتُ قولها فلمخالفتها السنة كما جاء فى الحديث الثابت عن ابن مسعود رضى الله عنه و هذا يكفيني و إن لم أعلم أحدا قال ببدعيتها من السلف إلا أن تأتيني بحديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بأنه قال صدق الله العظيم بعد التلاوة ..
هذا ما أردتُّ إيصاله من خلال إيرادي لكلام الألباني رحمه الله تعالى و أرجو أن تتأمل كلام الشيخ مرة أخرى ..
وفقكم الله تعالى ..
 
عودة
أعلى