محمد بن يوسف
New member
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد؛ فهذا بحث كُنت قد كتبته في "ملتقى أهل الحديث" -حفظ الله القائمين عليه وأعضائه ورواده- بتاريخ 30 / 10 / 1423هـ، ومِن قَبل في كل مِن: "شبكة الفوائد الإسلامية" و"المنتدى العام" بـ "شبكة الفجر".
------------------------------------------
إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده اللهُ فلا مُضِل الله، ومَن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسولُه، (صلى الله عليه وآله وسلم) ...
أما بعدُ ...
فإنَّ أصدق الحديثِ كتابُ اللهِ تعالَى، وأحسنَ الهَدْي هَديُ مُحمدٍ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وشرَّ الأمورِ مُحدثاتُها وكُلَّ مُحدثَةٍ بِدْعَة، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضلالة، وكُلَّ ضلالةٍ في النار ...
فمن الأمور المُحدَثَة التي انتشرت انتشارًا هائلا في هذا العَصر؛ بحيثُ لا تكاد تَجِدُ قارِئًا للقُرآن مُعرِضًا عَنها؛ هي التزامُ قولِ (صدق اللهُ العَظيم) بعد الفراغ مِن تلاوة القرآن الكريم.
فاعْلَم –أخي- أنَّ التزامَ قولِ (صدق اللهُ العَظيم) بعد الفراغ مِن تلاوة القرآن الكريم بِدْعَة، وكل بِدْعَة ضلالة، وكل ضلالةٍ في النَّار؛ فهي لم تَرِد –فَضلا عَن أن تَثبت- قَطُّ عَن النَّبي (صلى الله عليه وسلم) "قولا أو تَقريرًا" ولا عَن أحَدٍ مِن أصحابِه ولا عَن أحد التَّابِعين، ولا أظُنُّ أنَّها كانت مَعروفةً قَبل مائتي عام، هذا على أقصَى تَقْدير؛ وإلا فغالِبُ ظَنِّي أنَّها لم تَكن مَعروفَةً قبل مائة عام، واللهْ أعْلَم. عمومًا تاريخ تَلَفُّظ النَّاس بها بعد التلاوة يحتاج إلى تَحرير؛ لتعرِفَ صِدق ما أقول!
وعليه؛ فهل غابَتَ هذه الجُملَة عَن العُصور الثلاثة المُفَضَّلة الأولى المَشهود لها بالخَيرية، وعَن العُصور التي تَلَتها بما فيهم عَصر الأئمة الأربعة، وعن القُرون التالية لها حتى عَهدٍ قَريب، حتى عَرَفها أهلُ زمانِنِا، فأتَوا بما لم تأتِ به الأوائِلُ!
وواللهِ لو كان التَّلفُّظ بهذه الجُملَة خيرًا لسبقونا إليه، عليهم رَحمَةُ اللهِ –تَبارَك وتعالى.
وقد أمرَنَا اللهُ –سُبحانَه وتعالى- باتباعِه واتباعِ نَبيِّه (صلى الله عليه وسلم) في غَير آية مِن آياتِ القُرآن الكَريم؛ فقال –تعالى- (مَن يُطِع الرَّسولَ فقد أطاعَ الله) [النِّساء: 80]، وقال (وما آتاكُم الرَّسولُ فَخُذوه وما نهاكُم عَنه فانتَهوا) [الحَشر: 7]، وقال (يا أيُّها الذين آمَنوا لا تُقَدِّموا بَينَ يَدَي اللهِ ورَسولِه) [الحُجُرات: 1]، وقال (وما تَنَازَعتُم في شَيء فَرُدُّوه إلى اللهِ والرَّسول) [النِّساء: 59]، وقال (فلا وَرَبِك لا يؤمِنون حتَّى يُحَكِّموك فيما شَجَرَ بَينَهم ثم لا يَجدِوا في أنفُسِهم حَرَجًا مِمَّا قَضَيتَ ويُسَلِّموا تَسليمًا) [النِّساء: 65]، وقال (قُل إن كُنتم تُحِبُّون اللهَ فاتَّبِعوني يُحْبِبْكُم اللهُ ويَغفِر لَكُم ذُنُوبَكم) [آل عِمران: 31].
وبَيَّن الحَقُّ –عَزَّ وجَل- في كِتابِه أنَّ الدِّين كَمُل بوفاةِ النَّبي (صلى الله عليه وسلم)؛ فقال –تعالى- على لِسان نَبيِّه (صلى الله عليه وسلم): (اليومَ أكمَلتُ لَكمُ دينَكم وأتمَمتُ عَلَيكم نِعمَتي ورَضيتُ لكم الإسلامَ دينًا) [المائدة: 3].
وقال النَّبيُ (صلى الله عليه وسلم): "مَن أحدَثَ في أمرِنا هذا ما ليسَ مِنه فهو رَدٌ" [متفق عليه]، وفي رواية: "مَن عَمِلَ عَمَلا ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌ" [رواه مُسلِم]، وقال: "إيَّاكم ومُحدَثاتُ الأمور؛ فإنَّ كل مُحدَثَة بِدْعَة، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضلالة" [رواه أحمَد، وهو في صَحيح الجامِع]، وقال: "وكُل ضلالةٍ في النار" [رواه النَّسائي، وهو في صَحيح الجامِع].
فالأصل في العِبادات التَّحريم إلا إذا دَلَّ النَّصُ على خِلاف ذَلِك، بِعَكس العادات؛ فتنَبَّه!
ولو كانَ هذا القَولُ مَشروعًا لَبَيَّنه النَّبيُ (صلى الله عليه وسلم) لأمَّتِه؛ بل ثَبَت عَن النَّبي (صلى الله عليه وسلم) أنَّه قال لعَبد الله بن مَسعود (رَضي الله عَنه): "اقْرأ عَليَّ القُرآن"، فقال: يا رَسولَ الله أقرأ عَليَك وعَلَيك أنزِل؟! قال: "إنِّي أحِبُّ أن أسمَعَه مِن غَيري"، فقرأتُ عليه سُورَة النِّساء. حتَى جِئتُ إلى هذه الآية: (فكيف إذا جِئنا مِن كُلِّ أمَّة بِشَهيدٍ وجِئنَا بِكَ على هؤلاءِ شَهيدًا) [الآية: 41]. قال: "حَسبُك الآن"، فالتَفَتَ إليه فإذا عَيناه تَذرِفان. [مُتفق عَليه]، وفي رواية للبخاري [ح 5050، 4582 - «فتح»] قال رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم): "أمسِك".
ومِن القواعِد الأصولية أنَّه "لا يجوز تأخير البَيان عَن وَقت الحاجَة"؛ فلو كان قول (صَدق اللهُ العَظيم) مَشروعًا لَنَبَّه النَّبيُ (صلى الله عليه وسلم) عَبدَ الله بنَ مسعود –رَضي الله عَنه- عَلَيه ودَلَّه عليه وأمرَه بأن يقولَه؛ فلما لم يُبَيِّن النَّبيُ (صلى الله عليه وسلم) مَشروعية ذلك دَلَّ على أنَّه لا يُشرَع؛ و"تَرك البَيان في وَقت الحاجَة بَيانٌ" –كما تُقَرِّرُ القاعِدَة الأصولية.
بل قال (صلى الله عليه وسلم) بعد الفراغ مِن التلاوة: "حَسبُك الآن"؛ مِمَّا يَدُل دلالةً واضِحَةً أنَّها هذا القولَ لا يَشرُع، بل المَشروع بعد الفراغ مِن التلاوة هو السُّكوت أو الكلام المُباح أو مُباشرة العَمل أو خِلافُه مِمَّا هو مُباحٌ في أصلِه، ولا نَقولُ: كيف نَخلِط بين القُرآن وكلام البَشَر دون فاصِل! نقول: نحن أمِرنا بالاتباع لا الابتداع، ومَصدر الدِّين النَّقل لا العَقل، والدِّينُ لا يؤخَذ بالرأي، و"لو كان الدِّينُ بالرأي لكان أسفل الخُف أولى بالمَسح مِن أعلاه"؛ كما ثَبَتَ عَن (علىُّ بن أبي طالِب) –رَضي الله عَنه- [رواه أبو داود].
بل قد ثَبَت –والحمدُ لله- في السُّنَة القولية ما يَدُل على أنَّ النَّبيَ (صلى الله عليه وسلم) لم يَفصِل بين القرآن الكَريم وكلامِه العادي بفاصِل؛ ففي "خُطبة الحاجَة" كان النَّبيُ (صلى الله عليه وسلم) يقرأ –أحيانًا- ثلاث آيات بعد الشهادَتَين؛ هم على التَّرتيب: الآية 102 مِن سورة "آل عِمران"، الآية 1 مِن سورة "النِّساء"، الآيتَين 70، 71 مِن سورة "الأحزاب"، ثم يقول بَعدَها -دون فاصل-: "أما بعد؛ فإنَّ أصدق الحَديث كِتابُ الله تعالى ..." [رواه مُسلِم والنَّسائي].
ومِن تناقُض الذين يَستَنكِرونَ عَدمَ فصل القُرآن والكلام العادي بِفاصِل (كَقول: صدق الله العَظيم)؛ أنَنَّا نقولُ لهم: أليس قول (صدق الله العظيم) كلام البشر؟!! فكيف تَفصِلون بين القُرآن وكلام البَشَر بكلامٍ البَشَر ؟!!
وأقولُ لهم أيضًا: لماذا اقتصرتُم على قول (صدق اللهُ العَظيم) دون غَيرِها ؟!! يَعني: لماذا لا تقولون –مَثلا- (صدق الرَّحمَنُ الرَّحيم) أو (صَدَقَ المَلِكُ الوهَّاب) ؟!! ولماذا تَقتَصِرون –أصلا- على لفظة "صَدَق" دون غَيرِها ؟!! لِمَ لا تقولون –مَثلا- (الحَقُّ ما قال الله) ؟!!
وإلى مَن لا يَقتَنِعون بقولِ اللهِ (تَبارَك وتعالى) وقولِ رَسولِه (صلى الله عليه وسلم)، ولا يَقتَنِعون إلا بالعَقل –زَعُموا؛ مع أنَّ العَقل السَّليم لا يُنافي الشَّرع الصَّريح ألبَتَة؛ أقول:
مِن المُقَرَّر عِند عُلماء اللغة العَرَبية والبَيان أنَّ الجُملَ نوعان:
1- جُمل خبرية (تقريرية): وهي الجُمَل التي تَحتَمِل التَّصديق والتَّكذيب. كقولك: أحمد مُلتَزِم بهَدي النَّبي (صلى الله عليه وسلم)، أو جاء أحمَد، أو لم يُسافِر أحمد اليوم، أو يَتلو أحمد القرآنَ كلَ يوم. فهذه الجُمَل تَحتَمِل أن يُصَدَّق قائِلُها أو يُكَذَّب، فلو قال لك قائِلٌ: أحمد مُجتَهِد، تَستطيعُ أن تقولَ له: صَدقتَ أو كَذَبت، وهكذا في كل الجُمَل الخَبَريَّة؛ وضابِطُها ما قُلناه وهي كل جملة ليست إنشائية.
2- جُمَل إنشائية: وهي الجُمَل التي لا تَحتَمِل التَّصديق أو التَّكذيب، وقد تكون جملةً طَلَبيَّة (أمر، نَهي) أو جملةً تَدُّل على الطَّلَب؛ كأن تُسبَق باستفهام أو تَمَني أو تَرَجِّي. كقولِك لأخيك: صَلِّ صلاة موَدِّع! أو لا تُقَلِّد المُشركين! أو هل رأيتَ مُحمَّدًا؟! أو لَيتَ المُسلِمين يَعودون إلى دينِهم! أو لَعَل اللهَ يُخرِج مِن أمَّتِنَا مَن يُعيدُ إليها مَجدَها! فهذه الجُمَل السابِقَة لا تَحتَمِل مِن سامِعها أن يُصَدِّقَ قائِلَها أو يُكَذِّبُه؛ فلو قال لك قائِلٌ: صَلِّ، فلا يجوزُ أن تقولَ له: صَدَقتَ أو كَذَبتَ، وهكذا في كل الجُمَل الإنشائية.
إذا تَبَيَّن هذا؛ فالقُرآن الكَريم يَجمَع في سُوَرِه بين الجَملَ الخَبَرية والإنشائية، بل قَد تَجمَع الآية الواحِدَة النَّوعَين مَعًا، وهاكَ أمثِلَةً مِن كل نوع:
فَمِن أمثِلَة الجُمَل الخَبَرية؛ قولُه –تعالى-: (إنَّ اللهَ على كُلِّ شَئ قَديرٌ) [البقرة: 20]، (أولئك على هدي مِن رَبهم وأولئك هم المُفلِحون) [البقرة: 5]، (قَد أفلَح المؤمِنون) [المؤمِنون: 1].
ومِن أمثِلَة الجُمَل الإنشائية؛ قولُه –تعالى-: (واتَّقُوا يومًا لا تَجزي نَفسٌ عَن نَفسٍ شَيئًا) [البقرة: 48]، (ولا تكونوا كالذين نَسُوا اللهَ فأنساهُم أنفسَهم) [الحشر: 19]، (أليس اللهُ بأحكِم الحاكِمين) [التين: 8].
ومِن أمثِلَة الآيات التي جَمَعت بين الجُملَتَين مَعًا؛ قولُه –تعالى- (ألم تَعلم أنَّ اللهَ له مُلكُ السَّموات والأرض، وما لكم مِّن دُونِ اللهِ مِن وَليٍّ ولا نَصير) [البقرة: 107].
وقارئ القُرآن لا يخَلو –عِند فَراغِه مِن التلاوة- أن يَقِف على إحدى نَوعَي الجُمَل: إمَّا أن يَقِفَ على جمُلَة خَبَرية أو إنشائية. فهل –باللهِ- إن وَقَف على جُملَةٍ إنشائية يَليقُ به أن يقولَ (صَدَق الله العَظيم)، وهي –كما بَيَّنَّا- لا تَحتَمِلُ التَّصديق أو التَّكذيب؟!! أفيجوزُ هذا العَبَثُ بِكتابِ الله –تبارك وتعالى- ؟!! وإن قال: أقولُها عِند رأس الجُمَل الخَبَرية فَقَط! نقولُ له: كَذَبت ورَبي؛ واقِعُك يُخالِفُ قولَك، ثُم مِن أين لك الدَّليل على التَّفريقِ بين النَّوعَين ؟!! أتَضَعُ ضوابِطًا لبِدْعَة ابتدعتَها ما أنزَلَ اللهُ بِها مِن سُلطان ؟!! (تاللهِ إنَّ هذا لَشئٌ عجاب) [ص: 5].
الجواب عَن الشُّبهات الوارِدَة في هذه المسألة:
الشُبهة الأولى: قد يَستَدِلُ البَعضُ على جوازِها بقولِه –تعالى- (قُل صَدَق الله فاتَّبِعوا مِلَّة إبراهيم حِنيفًا) [آل عِمران: 95]، وقولِه (ومَن أصدَقُ مِن الله حَديثًا) [النِّساء: 87]، وقولِه (ومَن أصدَقُ مِن الله قِيلا) [النِّساء: 122]، وهذا استدلال مَردودٌ مِن غَير وَجه:
(1) بُمراجَعَةِ أسباب نُزولِ الآية الأولى؛ يَتَبَيُّن أنَّ مَعنى الآية: "أي ظَهَرَ وثَبَت صِدقَه في أنَّ (كُل الطَّعام كان حِلا لِبَني إسرائيل إلا ما حَرَّم إسرائيلُ على نَفسِه مِن قَبْلِ أن تُنَزَّلَ التَّوراة) [آل عِمران: 93]؛ فلم يَكُن ذلك في التوراة مُحَرَّمًا كما أخَبَر رَبُّنا -تَبارَك وتعالى، وفيه تَعريضٌ بِكذِب اليَّهود الصَّريح"، [راجِع: «تَفسير القُرطبي»: (2/ 1482: 1485)، و«روح المَعاني/ للآلوسي»: (3/ 241: 246)، كِلاهما طـ دار الغَد العربي بمصر].
ومِن القواعِد الأصوليَّة الهامَّة أنَّ "العِبرَة بِعُموم اللفظ لا بِخصوص السَّبَب"؛ ولِذَلك فمَعنى الآية –عُمومًا-: "أي قُل يا مُحَمَّد: صَدَقَ اللهُ فيما أخبَرَ بِه وفيما شَرَعَه في القرآن"، كما في «تَفسير ابن كَثير»: (1/ 382، طـ مُطصفى البابي الحَلبي).
(2) قُل لي –بِرَبِّك- أين في الآية الكَريمة ما يَدُل على أنَّ الله أمر (أو أرشد) نَبيَّه (صلى الله عليه وسلم) أن يلتَزِمَ قولَ هذه الجُملَة بعد الفراغ مِن تلاة القُرآن خاصَّةً؟! فمِنَ أينَ لَكم بهذا التَّقييد ؟!! ولو سَلَّمنَا جَدلا أنَّه –تَبارَك وتعالَى- أمرَه بِذَلِك وَحيًا فلَّمَّا لم يُنقَل إلينا عُلِم –بالضَّرورة- أنَّ هذا الاعتقادَ لا أصلَ له ألبتة!
(3) ألم تسأل نفسَك لماذا لم يَفهَمِ النَّبيُ (صلى الله عليه وسلم) أو أحدٌ مِن أصحابِه أو تابِعوهم مِن هذه الآية الكَريمة أنَّ المقصودَ التزامُ قولِها بعد كل تلاوةٍ للقُرآن؟!! أم أنَّك أتيتَ بِمَا لم تأتِ به الأوائِل؟!
(4) لو ألزمتَ نفسَك بأنَّ المَقصودَ بالآيةِ الكَريمَةِ التزامَ قولِ هذه الجُملَة بعد الفَراغ مِن التلاوة، فأنا ألزِمُك إلزامًا لا انفكاك له –إن شاء الله تعالى- أن تفهمَ أنَّك أثناءَ قِراءَتِك للقُرآن إذا مَررتَ بقولِه تعالى (قُل هو الله أحَد) [الإخلاص: 1] أن تَقطَعَ القِراءة وتَقول: "هو الله أحد"! وإذا مَررتَ بقولِه تعالى (قل يأ أيُّها الكافِرون) [الكافِرون: 1] أن تَقطَعَ القِراءة وتَقول: "يا أيُّها الكافِرون"، وهكذا في باقي الآيات التي استُفتِحَت بِلفظَة (قُل)، فما رأي المُخالِف؟
(5) أمَّا الآيتان الكَريمتان الأخريتان فمعناهما: "لا أحد أصدق مِن الله" [راجع: «تَفسير القُرطبي»: 2/ 1967، 2057].
الشُبهة الثانية: وقد يَستَدِل بَعضُهم بِما [رواه التِّرمذيُ والبَيهَقيُّ] عَن (عَبد الله بن بُريدَة) عَن أبيه –رَضي الله عَنه يقول: رأيتُ النَّبيَ (صلى الله عليه وسلم) يَخطُب، فجاء الحَسَنُ والحُسَين وعليهما قميصان أحمران، يَمشيان ويَعثران، فنزل رسولُ اللهِ (صلى اللهُ عليه وسلم) فحَمَلَهُما فوَضَعَهُما بَينَ يَديه، ثُمَّ قال: "صدق اللهُ (إنَّما أموالُكم وأولادُكم فِتنةٌ) [التَّغابُن: 15]، نَظَرتُ إلى هَذَين الصَّبيين يَمشيان ويَعثران فَلَم أصبِر حتَّى قَطَعْتُ حَديثي وَرَفَعْتُهما"، ثم أخذ في خُطبَتِه. اهـ.
وشاهِد الاستدلال قولُه (صلى الله عليه سلم): "صَدَق الله ...".
وهذا الاستدلالُ فيه نَظَرٌ:
(1) قولُه (صلى الله عليه وسلم): "صَدَق الله" قبل الآية لا بَعدَها! فهو خارِجُ مَحلِّ النِّزاع، ثُمَّ إنَّه (صلى الله عليه وسلم) اقتصر على "صَدَق الله"، والمُخالِفُ لا يَقتَصِرُ عَليها؛ وإن اقتَصَر فهي بِدْعَةٌ أيضًا؛ لِمَا يأتي في (2).
(2) عِند تأمُل سَبَب ذِكرِه (صلى الله عليه وسلم) للآية يَتَّضِحُ أنَّه لا دلالة في الحَديث على ما يَزعُمون؛ فهو (صلى الله عليه وسلم) إنَّما قال ذلك لِِبيان صِدْق خَبَرِ الله –تبارَك وتعالى- بأنَّ الأموالَ والأولادَ فِتنَةٌ، ولا أدَلَّ على ذَلِك مِن أنَّه (صلى الله عليه وسلم) لَمَّا رأي الحَسَنَ والحُسَين –رَضي الله عَنهما- يَمشيان ويَعثران اشتَغَل قَلبُه بِهما ولَم يَصبِر حتى قَطَع خُطبَتَه ونَزَل مِن على مِنبَرِه وحَمَل الحَسَن والحُسَين –رَضي الله عَنهما- ووَضَعهما بَينَ يَدَيه؛ فالحَديثُ واقِعَةُ عَين لا تَنهَضُ للاستدلال على حُكمٍ عامٍّ تَعُمُّ به البَلوى، فتأمَل.
(3) قد يكونُ النَّبيُّ (صلى الله عليه وسلم) قد أخَذَ بِعُموم قَولِه تعالى (قُل صَدَقَ الله) [آل عِمران: 95] في واقِعَةٍ مَا، ولو اقتدى مُكَلَّفٌ بالنَّبي (صلى الله عليه وسلم) في أمرٍ كهذا؛ فاستعمَلَ عمومَ آيَّةٍ في مَوقِفٍ خاص؛ فلا حَرَجَ -إن شاء اللهُ تعالى.
ولقد وَقَع هذا مع النَّبي (صلى الله عليه وسلم) في آيَةٍ أخرى؛ فقد ثَبَتَ في [صَحيح مُسلِم] أنَّ النَّبي (صلى الله عليه وسلم) لَمَّا أيقَظَ عَليًّا وأمَرَه وفاطمةَ –رَضي الله عَنهما- بالصلاة مِن الليل، وقال له على -رَضي الله عنه-: "إن أرواحنا بيد الله إن شاء بعثنا"، ولَّى النَّبيُّ (صلى الله عليه وسلم) يَضرب فَخذَه، ويقول: (وكان الإنسان أكثر شئ جَدلا) [الكهف: 54]. فجعل (صلى الله عليه وسلم) عليًّا –رَضي الله عنه- داخِلا فيها، مع أنَّ سَبَبَ نزولها الكُفار الذين يُجادِلون في القرآن، [انظر: «تفسير القُرطبي»: (5/ 4158، طـ دار الغد العربي بمصر)، «مُذكرة في أصول الفِقه»/ للعلامة (محمد الأمين الشنقيطي) –رَحِمَه الله، ص 235، طـ دار البصيرة بمصر].
الشُبهة الثالثة: وقَد يَستَدِل بَعضُهم على جوازِها بأنَّ الأكثَرين مِن المُسلمين يَلتَزِمون قولَها بعد الفَراغ مِن التلاوة!
وهذه شُبهَة أوهَى مِن بَيتِ العَنكبوت، وتُغني حِكايَتُها عَن رَدِّها، وفسادُها عَن إفسادِها. ومَع ذلك فأقولُ: لقد قال اللهُ –سُبحانَه وتعالى- في كِتابِه العَزيز الذي لا يأتيه الباطِلُ مِن بَين يَديه ولا مِن خَلفِه: (وإن تُطِع أكثَرَ مَن في الأرض يُضِلُّوكَ عَن سَبيلِ الله) [الأنعام: 116]، وقال (ومَا أكثَرُ النَّاسِ ولو حَرَصتَ بِمؤمِنين) [يوسف: 103]. وتأمَل –بَارَكَ اللهُ فيك- آياتِ القُرآن التي وَرَدَت فيها كَلِمَة الكثرة واشتقاقاتُها تَجِدْها جَميعًا –بلا استثناء- تُقَرِّرُ أنَّ القَليلَ مِن النَّاس هم الذين يَتِّبِعُون الحَقَّ ويُطيعون رَبَّهم، وأنّ الكثرة الباقية لا يؤمِنون بالله ولا يَشكُرونَه ولا يُطيعونَه، فتأمَل! فإذَن عَمَلُ الكَثرة ليس دليلاً على أنَّهم أصابوا الحَقَّ، ومِن الأقوالِ الرائِعَة لـ (الفُضَيل بن عياض) -رَحِمَه الله- قولُه: "لا تَستوحش طُرقَ الهُدَى لِقِلَةِ أهلها، ولا تَغتَر بكثرة السالكين الهالكين"، والله المُستعان!
فائدة (1): وأحِبُّ أن أقولَ للقارئ الكَريم: "البِدعَة تُميتُ السُّنَة؛ فما ظهرت بِدْعَة إلا مُحيت سُنَة"، وبِتَطبيقِ هذا القَول على هذه البِدْعَة نَقول: مِن آثارِ هذه البِدْعَة السَّيئة أنَّها مَحَت سُنَةً حَسَنَةً حَثَنَها عليها النَّبيُ (صلى الله عليه وسلم)؛ حيثُ قال (صلى الله عليه وسلم): "مَن قرأ القُرآن فليسألِ الله به" [حَسن: رواه التِّرمذي]، فيُشرَع للقارئ بعد الفَراغ مِن التِّلاوة أن يتوسَلَ لله بتلاوَتِه؛ فهي تَدخُل في عُموم العَمَل الصالِح الذي يُشرَع التَّوسَّلُ به وسؤالِ الله الحاجات.
ولا يَسَعُنا في الخِتام إلا أن نُرَدِّدَ –دائِمًا- مع القائِل:
وكل خَيرٍ في اتباع مَن سَلَف *** وكل شَر في ابتداع مَن خَلَف
فائدة (2): لقد أفتى بِبِدْعيَّة التزام هذه الجُملَة بعد تلاوة القُرآن مِن أهل العِلم المُعاصرين:
1- اللجنة العلمية الدائمة للإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية برئاسَة العلامة (عبد العزيز بن عبد الله بن باز) –رَحِمَه الله، فتوى رَقم (4310)، (4/ 118).
2- العلامة (بكر بن عبد الله أبو زيد) –حَفِظَه الله- في رِسالَتِه القَيِّمة «بِدَع القُراء القَديمة والمُعاصِرَة»، ص 22: 23، طـ مؤسسة قُرطبة بمصر.
ومِن نافِلَة القَول: أنَّه –وإن كُنتُ قد انفصَلتُ إلى أنَّ التزام هذا القول بعد التلاوة بِدْعَة- إلا أنِّي أقول: إنَّ قول الله –سُبحانَه وتعالى- حَقٌ وصِدق، وكلامُه أصدَقُ الحَديث، وهو العَظيمُ –سُبحانَه- على الدَّوام، لا في نهاية التلاوة فَحَسبُ. تمامًا مثلما أنكر العُلماء المُحَقِّقون زيادة لفظة "سيدنا" في الأذان والتَّشهد وصيغ الصلاة على النَّبي (صلى الله عليه وسلم)؛ إلا أنَّهم مُقِرُّون بأنَّ النَّبي (صلى الله عليه وسلم) هو سَيدُنا وسَيدُ آبائِنا وأجدادِنا، وله مِنَّا وافِرُ التَّبجيل والتَّقدير والتَّكريم، كيف وقد قال: "أنا سَيِّدُ النَّاس يومَ القيامَة" [مُتفقٌ عَليه]. بأبي هو وأمي، صلى الله عليه وآله وأصحابِه وسَلَّم تَسليمًا كَثيرًا، آمين.
اللهمَّ ارزُقنا اتباع شَرع نَبيِّك (صلى الله عليه وسلم)، وجَنِّبنَا الابتداع في الدِّين، وآخِر دعوانا أن الحَمدُ لله رَب العالَمين.
[وفي الحلقة الثانية: نُجيب عَن بعض شبهات أحد الإخوة المُشتركين في "المنتدى العام" بشبكة "الفجر" بشأن هذا البحث -إن شاء اللهُ تعالَى].
سُبحانَك اللهم وبِحَمدِك، أشهد أن لا إلهَ إلا أنتَ، أستَغفِرُك وأتوبُ إليك.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد؛ فهذا بحث كُنت قد كتبته في "ملتقى أهل الحديث" -حفظ الله القائمين عليه وأعضائه ورواده- بتاريخ 30 / 10 / 1423هـ، ومِن قَبل في كل مِن: "شبكة الفوائد الإسلامية" و"المنتدى العام" بـ "شبكة الفجر".
------------------------------------------
إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده اللهُ فلا مُضِل الله، ومَن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسولُه، (صلى الله عليه وآله وسلم) ...
أما بعدُ ...
فإنَّ أصدق الحديثِ كتابُ اللهِ تعالَى، وأحسنَ الهَدْي هَديُ مُحمدٍ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وشرَّ الأمورِ مُحدثاتُها وكُلَّ مُحدثَةٍ بِدْعَة، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضلالة، وكُلَّ ضلالةٍ في النار ...
فمن الأمور المُحدَثَة التي انتشرت انتشارًا هائلا في هذا العَصر؛ بحيثُ لا تكاد تَجِدُ قارِئًا للقُرآن مُعرِضًا عَنها؛ هي التزامُ قولِ (صدق اللهُ العَظيم) بعد الفراغ مِن تلاوة القرآن الكريم.
فاعْلَم –أخي- أنَّ التزامَ قولِ (صدق اللهُ العَظيم) بعد الفراغ مِن تلاوة القرآن الكريم بِدْعَة، وكل بِدْعَة ضلالة، وكل ضلالةٍ في النَّار؛ فهي لم تَرِد –فَضلا عَن أن تَثبت- قَطُّ عَن النَّبي (صلى الله عليه وسلم) "قولا أو تَقريرًا" ولا عَن أحَدٍ مِن أصحابِه ولا عَن أحد التَّابِعين، ولا أظُنُّ أنَّها كانت مَعروفةً قَبل مائتي عام، هذا على أقصَى تَقْدير؛ وإلا فغالِبُ ظَنِّي أنَّها لم تَكن مَعروفَةً قبل مائة عام، واللهْ أعْلَم. عمومًا تاريخ تَلَفُّظ النَّاس بها بعد التلاوة يحتاج إلى تَحرير؛ لتعرِفَ صِدق ما أقول!
وعليه؛ فهل غابَتَ هذه الجُملَة عَن العُصور الثلاثة المُفَضَّلة الأولى المَشهود لها بالخَيرية، وعَن العُصور التي تَلَتها بما فيهم عَصر الأئمة الأربعة، وعن القُرون التالية لها حتى عَهدٍ قَريب، حتى عَرَفها أهلُ زمانِنِا، فأتَوا بما لم تأتِ به الأوائِلُ!
وواللهِ لو كان التَّلفُّظ بهذه الجُملَة خيرًا لسبقونا إليه، عليهم رَحمَةُ اللهِ –تَبارَك وتعالى.
وقد أمرَنَا اللهُ –سُبحانَه وتعالى- باتباعِه واتباعِ نَبيِّه (صلى الله عليه وسلم) في غَير آية مِن آياتِ القُرآن الكَريم؛ فقال –تعالى- (مَن يُطِع الرَّسولَ فقد أطاعَ الله) [النِّساء: 80]، وقال (وما آتاكُم الرَّسولُ فَخُذوه وما نهاكُم عَنه فانتَهوا) [الحَشر: 7]، وقال (يا أيُّها الذين آمَنوا لا تُقَدِّموا بَينَ يَدَي اللهِ ورَسولِه) [الحُجُرات: 1]، وقال (وما تَنَازَعتُم في شَيء فَرُدُّوه إلى اللهِ والرَّسول) [النِّساء: 59]، وقال (فلا وَرَبِك لا يؤمِنون حتَّى يُحَكِّموك فيما شَجَرَ بَينَهم ثم لا يَجدِوا في أنفُسِهم حَرَجًا مِمَّا قَضَيتَ ويُسَلِّموا تَسليمًا) [النِّساء: 65]، وقال (قُل إن كُنتم تُحِبُّون اللهَ فاتَّبِعوني يُحْبِبْكُم اللهُ ويَغفِر لَكُم ذُنُوبَكم) [آل عِمران: 31].
وبَيَّن الحَقُّ –عَزَّ وجَل- في كِتابِه أنَّ الدِّين كَمُل بوفاةِ النَّبي (صلى الله عليه وسلم)؛ فقال –تعالى- على لِسان نَبيِّه (صلى الله عليه وسلم): (اليومَ أكمَلتُ لَكمُ دينَكم وأتمَمتُ عَلَيكم نِعمَتي ورَضيتُ لكم الإسلامَ دينًا) [المائدة: 3].
وقال النَّبيُ (صلى الله عليه وسلم): "مَن أحدَثَ في أمرِنا هذا ما ليسَ مِنه فهو رَدٌ" [متفق عليه]، وفي رواية: "مَن عَمِلَ عَمَلا ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌ" [رواه مُسلِم]، وقال: "إيَّاكم ومُحدَثاتُ الأمور؛ فإنَّ كل مُحدَثَة بِدْعَة، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضلالة" [رواه أحمَد، وهو في صَحيح الجامِع]، وقال: "وكُل ضلالةٍ في النار" [رواه النَّسائي، وهو في صَحيح الجامِع].
فالأصل في العِبادات التَّحريم إلا إذا دَلَّ النَّصُ على خِلاف ذَلِك، بِعَكس العادات؛ فتنَبَّه!
ولو كانَ هذا القَولُ مَشروعًا لَبَيَّنه النَّبيُ (صلى الله عليه وسلم) لأمَّتِه؛ بل ثَبَت عَن النَّبي (صلى الله عليه وسلم) أنَّه قال لعَبد الله بن مَسعود (رَضي الله عَنه): "اقْرأ عَليَّ القُرآن"، فقال: يا رَسولَ الله أقرأ عَليَك وعَلَيك أنزِل؟! قال: "إنِّي أحِبُّ أن أسمَعَه مِن غَيري"، فقرأتُ عليه سُورَة النِّساء. حتَى جِئتُ إلى هذه الآية: (فكيف إذا جِئنا مِن كُلِّ أمَّة بِشَهيدٍ وجِئنَا بِكَ على هؤلاءِ شَهيدًا) [الآية: 41]. قال: "حَسبُك الآن"، فالتَفَتَ إليه فإذا عَيناه تَذرِفان. [مُتفق عَليه]، وفي رواية للبخاري [ح 5050، 4582 - «فتح»] قال رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم): "أمسِك".
ومِن القواعِد الأصولية أنَّه "لا يجوز تأخير البَيان عَن وَقت الحاجَة"؛ فلو كان قول (صَدق اللهُ العَظيم) مَشروعًا لَنَبَّه النَّبيُ (صلى الله عليه وسلم) عَبدَ الله بنَ مسعود –رَضي الله عَنه- عَلَيه ودَلَّه عليه وأمرَه بأن يقولَه؛ فلما لم يُبَيِّن النَّبيُ (صلى الله عليه وسلم) مَشروعية ذلك دَلَّ على أنَّه لا يُشرَع؛ و"تَرك البَيان في وَقت الحاجَة بَيانٌ" –كما تُقَرِّرُ القاعِدَة الأصولية.
بل قال (صلى الله عليه وسلم) بعد الفراغ مِن التلاوة: "حَسبُك الآن"؛ مِمَّا يَدُل دلالةً واضِحَةً أنَّها هذا القولَ لا يَشرُع، بل المَشروع بعد الفراغ مِن التلاوة هو السُّكوت أو الكلام المُباح أو مُباشرة العَمل أو خِلافُه مِمَّا هو مُباحٌ في أصلِه، ولا نَقولُ: كيف نَخلِط بين القُرآن وكلام البَشَر دون فاصِل! نقول: نحن أمِرنا بالاتباع لا الابتداع، ومَصدر الدِّين النَّقل لا العَقل، والدِّينُ لا يؤخَذ بالرأي، و"لو كان الدِّينُ بالرأي لكان أسفل الخُف أولى بالمَسح مِن أعلاه"؛ كما ثَبَتَ عَن (علىُّ بن أبي طالِب) –رَضي الله عَنه- [رواه أبو داود].
بل قد ثَبَت –والحمدُ لله- في السُّنَة القولية ما يَدُل على أنَّ النَّبيَ (صلى الله عليه وسلم) لم يَفصِل بين القرآن الكَريم وكلامِه العادي بفاصِل؛ ففي "خُطبة الحاجَة" كان النَّبيُ (صلى الله عليه وسلم) يقرأ –أحيانًا- ثلاث آيات بعد الشهادَتَين؛ هم على التَّرتيب: الآية 102 مِن سورة "آل عِمران"، الآية 1 مِن سورة "النِّساء"، الآيتَين 70، 71 مِن سورة "الأحزاب"، ثم يقول بَعدَها -دون فاصل-: "أما بعد؛ فإنَّ أصدق الحَديث كِتابُ الله تعالى ..." [رواه مُسلِم والنَّسائي].
ومِن تناقُض الذين يَستَنكِرونَ عَدمَ فصل القُرآن والكلام العادي بِفاصِل (كَقول: صدق الله العَظيم)؛ أنَنَّا نقولُ لهم: أليس قول (صدق الله العظيم) كلام البشر؟!! فكيف تَفصِلون بين القُرآن وكلام البَشَر بكلامٍ البَشَر ؟!!
وأقولُ لهم أيضًا: لماذا اقتصرتُم على قول (صدق اللهُ العَظيم) دون غَيرِها ؟!! يَعني: لماذا لا تقولون –مَثلا- (صدق الرَّحمَنُ الرَّحيم) أو (صَدَقَ المَلِكُ الوهَّاب) ؟!! ولماذا تَقتَصِرون –أصلا- على لفظة "صَدَق" دون غَيرِها ؟!! لِمَ لا تقولون –مَثلا- (الحَقُّ ما قال الله) ؟!!
وإلى مَن لا يَقتَنِعون بقولِ اللهِ (تَبارَك وتعالى) وقولِ رَسولِه (صلى الله عليه وسلم)، ولا يَقتَنِعون إلا بالعَقل –زَعُموا؛ مع أنَّ العَقل السَّليم لا يُنافي الشَّرع الصَّريح ألبَتَة؛ أقول:
مِن المُقَرَّر عِند عُلماء اللغة العَرَبية والبَيان أنَّ الجُملَ نوعان:
1- جُمل خبرية (تقريرية): وهي الجُمَل التي تَحتَمِل التَّصديق والتَّكذيب. كقولك: أحمد مُلتَزِم بهَدي النَّبي (صلى الله عليه وسلم)، أو جاء أحمَد، أو لم يُسافِر أحمد اليوم، أو يَتلو أحمد القرآنَ كلَ يوم. فهذه الجُمَل تَحتَمِل أن يُصَدَّق قائِلُها أو يُكَذَّب، فلو قال لك قائِلٌ: أحمد مُجتَهِد، تَستطيعُ أن تقولَ له: صَدقتَ أو كَذَبت، وهكذا في كل الجُمَل الخَبَريَّة؛ وضابِطُها ما قُلناه وهي كل جملة ليست إنشائية.
2- جُمَل إنشائية: وهي الجُمَل التي لا تَحتَمِل التَّصديق أو التَّكذيب، وقد تكون جملةً طَلَبيَّة (أمر، نَهي) أو جملةً تَدُّل على الطَّلَب؛ كأن تُسبَق باستفهام أو تَمَني أو تَرَجِّي. كقولِك لأخيك: صَلِّ صلاة موَدِّع! أو لا تُقَلِّد المُشركين! أو هل رأيتَ مُحمَّدًا؟! أو لَيتَ المُسلِمين يَعودون إلى دينِهم! أو لَعَل اللهَ يُخرِج مِن أمَّتِنَا مَن يُعيدُ إليها مَجدَها! فهذه الجُمَل السابِقَة لا تَحتَمِل مِن سامِعها أن يُصَدِّقَ قائِلَها أو يُكَذِّبُه؛ فلو قال لك قائِلٌ: صَلِّ، فلا يجوزُ أن تقولَ له: صَدَقتَ أو كَذَبتَ، وهكذا في كل الجُمَل الإنشائية.
إذا تَبَيَّن هذا؛ فالقُرآن الكَريم يَجمَع في سُوَرِه بين الجَملَ الخَبَرية والإنشائية، بل قَد تَجمَع الآية الواحِدَة النَّوعَين مَعًا، وهاكَ أمثِلَةً مِن كل نوع:
فَمِن أمثِلَة الجُمَل الخَبَرية؛ قولُه –تعالى-: (إنَّ اللهَ على كُلِّ شَئ قَديرٌ) [البقرة: 20]، (أولئك على هدي مِن رَبهم وأولئك هم المُفلِحون) [البقرة: 5]، (قَد أفلَح المؤمِنون) [المؤمِنون: 1].
ومِن أمثِلَة الجُمَل الإنشائية؛ قولُه –تعالى-: (واتَّقُوا يومًا لا تَجزي نَفسٌ عَن نَفسٍ شَيئًا) [البقرة: 48]، (ولا تكونوا كالذين نَسُوا اللهَ فأنساهُم أنفسَهم) [الحشر: 19]، (أليس اللهُ بأحكِم الحاكِمين) [التين: 8].
ومِن أمثِلَة الآيات التي جَمَعت بين الجُملَتَين مَعًا؛ قولُه –تعالى- (ألم تَعلم أنَّ اللهَ له مُلكُ السَّموات والأرض، وما لكم مِّن دُونِ اللهِ مِن وَليٍّ ولا نَصير) [البقرة: 107].
وقارئ القُرآن لا يخَلو –عِند فَراغِه مِن التلاوة- أن يَقِف على إحدى نَوعَي الجُمَل: إمَّا أن يَقِفَ على جمُلَة خَبَرية أو إنشائية. فهل –باللهِ- إن وَقَف على جُملَةٍ إنشائية يَليقُ به أن يقولَ (صَدَق الله العَظيم)، وهي –كما بَيَّنَّا- لا تَحتَمِلُ التَّصديق أو التَّكذيب؟!! أفيجوزُ هذا العَبَثُ بِكتابِ الله –تبارك وتعالى- ؟!! وإن قال: أقولُها عِند رأس الجُمَل الخَبَرية فَقَط! نقولُ له: كَذَبت ورَبي؛ واقِعُك يُخالِفُ قولَك، ثُم مِن أين لك الدَّليل على التَّفريقِ بين النَّوعَين ؟!! أتَضَعُ ضوابِطًا لبِدْعَة ابتدعتَها ما أنزَلَ اللهُ بِها مِن سُلطان ؟!! (تاللهِ إنَّ هذا لَشئٌ عجاب) [ص: 5].
الجواب عَن الشُّبهات الوارِدَة في هذه المسألة:
الشُبهة الأولى: قد يَستَدِلُ البَعضُ على جوازِها بقولِه –تعالى- (قُل صَدَق الله فاتَّبِعوا مِلَّة إبراهيم حِنيفًا) [آل عِمران: 95]، وقولِه (ومَن أصدَقُ مِن الله حَديثًا) [النِّساء: 87]، وقولِه (ومَن أصدَقُ مِن الله قِيلا) [النِّساء: 122]، وهذا استدلال مَردودٌ مِن غَير وَجه:
(1) بُمراجَعَةِ أسباب نُزولِ الآية الأولى؛ يَتَبَيُّن أنَّ مَعنى الآية: "أي ظَهَرَ وثَبَت صِدقَه في أنَّ (كُل الطَّعام كان حِلا لِبَني إسرائيل إلا ما حَرَّم إسرائيلُ على نَفسِه مِن قَبْلِ أن تُنَزَّلَ التَّوراة) [آل عِمران: 93]؛ فلم يَكُن ذلك في التوراة مُحَرَّمًا كما أخَبَر رَبُّنا -تَبارَك وتعالى، وفيه تَعريضٌ بِكذِب اليَّهود الصَّريح"، [راجِع: «تَفسير القُرطبي»: (2/ 1482: 1485)، و«روح المَعاني/ للآلوسي»: (3/ 241: 246)، كِلاهما طـ دار الغَد العربي بمصر].
ومِن القواعِد الأصوليَّة الهامَّة أنَّ "العِبرَة بِعُموم اللفظ لا بِخصوص السَّبَب"؛ ولِذَلك فمَعنى الآية –عُمومًا-: "أي قُل يا مُحَمَّد: صَدَقَ اللهُ فيما أخبَرَ بِه وفيما شَرَعَه في القرآن"، كما في «تَفسير ابن كَثير»: (1/ 382، طـ مُطصفى البابي الحَلبي).
(2) قُل لي –بِرَبِّك- أين في الآية الكَريمة ما يَدُل على أنَّ الله أمر (أو أرشد) نَبيَّه (صلى الله عليه وسلم) أن يلتَزِمَ قولَ هذه الجُملَة بعد الفراغ مِن تلاة القُرآن خاصَّةً؟! فمِنَ أينَ لَكم بهذا التَّقييد ؟!! ولو سَلَّمنَا جَدلا أنَّه –تَبارَك وتعالَى- أمرَه بِذَلِك وَحيًا فلَّمَّا لم يُنقَل إلينا عُلِم –بالضَّرورة- أنَّ هذا الاعتقادَ لا أصلَ له ألبتة!
(3) ألم تسأل نفسَك لماذا لم يَفهَمِ النَّبيُ (صلى الله عليه وسلم) أو أحدٌ مِن أصحابِه أو تابِعوهم مِن هذه الآية الكَريمة أنَّ المقصودَ التزامُ قولِها بعد كل تلاوةٍ للقُرآن؟!! أم أنَّك أتيتَ بِمَا لم تأتِ به الأوائِل؟!
(4) لو ألزمتَ نفسَك بأنَّ المَقصودَ بالآيةِ الكَريمَةِ التزامَ قولِ هذه الجُملَة بعد الفَراغ مِن التلاوة، فأنا ألزِمُك إلزامًا لا انفكاك له –إن شاء الله تعالى- أن تفهمَ أنَّك أثناءَ قِراءَتِك للقُرآن إذا مَررتَ بقولِه تعالى (قُل هو الله أحَد) [الإخلاص: 1] أن تَقطَعَ القِراءة وتَقول: "هو الله أحد"! وإذا مَررتَ بقولِه تعالى (قل يأ أيُّها الكافِرون) [الكافِرون: 1] أن تَقطَعَ القِراءة وتَقول: "يا أيُّها الكافِرون"، وهكذا في باقي الآيات التي استُفتِحَت بِلفظَة (قُل)، فما رأي المُخالِف؟
(5) أمَّا الآيتان الكَريمتان الأخريتان فمعناهما: "لا أحد أصدق مِن الله" [راجع: «تَفسير القُرطبي»: 2/ 1967، 2057].
الشُبهة الثانية: وقد يَستَدِل بَعضُهم بِما [رواه التِّرمذيُ والبَيهَقيُّ] عَن (عَبد الله بن بُريدَة) عَن أبيه –رَضي الله عَنه يقول: رأيتُ النَّبيَ (صلى الله عليه وسلم) يَخطُب، فجاء الحَسَنُ والحُسَين وعليهما قميصان أحمران، يَمشيان ويَعثران، فنزل رسولُ اللهِ (صلى اللهُ عليه وسلم) فحَمَلَهُما فوَضَعَهُما بَينَ يَديه، ثُمَّ قال: "صدق اللهُ (إنَّما أموالُكم وأولادُكم فِتنةٌ) [التَّغابُن: 15]، نَظَرتُ إلى هَذَين الصَّبيين يَمشيان ويَعثران فَلَم أصبِر حتَّى قَطَعْتُ حَديثي وَرَفَعْتُهما"، ثم أخذ في خُطبَتِه. اهـ.
وشاهِد الاستدلال قولُه (صلى الله عليه سلم): "صَدَق الله ...".
وهذا الاستدلالُ فيه نَظَرٌ:
(1) قولُه (صلى الله عليه وسلم): "صَدَق الله" قبل الآية لا بَعدَها! فهو خارِجُ مَحلِّ النِّزاع، ثُمَّ إنَّه (صلى الله عليه وسلم) اقتصر على "صَدَق الله"، والمُخالِفُ لا يَقتَصِرُ عَليها؛ وإن اقتَصَر فهي بِدْعَةٌ أيضًا؛ لِمَا يأتي في (2).
(2) عِند تأمُل سَبَب ذِكرِه (صلى الله عليه وسلم) للآية يَتَّضِحُ أنَّه لا دلالة في الحَديث على ما يَزعُمون؛ فهو (صلى الله عليه وسلم) إنَّما قال ذلك لِِبيان صِدْق خَبَرِ الله –تبارَك وتعالى- بأنَّ الأموالَ والأولادَ فِتنَةٌ، ولا أدَلَّ على ذَلِك مِن أنَّه (صلى الله عليه وسلم) لَمَّا رأي الحَسَنَ والحُسَين –رَضي الله عَنهما- يَمشيان ويَعثران اشتَغَل قَلبُه بِهما ولَم يَصبِر حتى قَطَع خُطبَتَه ونَزَل مِن على مِنبَرِه وحَمَل الحَسَن والحُسَين –رَضي الله عَنهما- ووَضَعهما بَينَ يَدَيه؛ فالحَديثُ واقِعَةُ عَين لا تَنهَضُ للاستدلال على حُكمٍ عامٍّ تَعُمُّ به البَلوى، فتأمَل.
(3) قد يكونُ النَّبيُّ (صلى الله عليه وسلم) قد أخَذَ بِعُموم قَولِه تعالى (قُل صَدَقَ الله) [آل عِمران: 95] في واقِعَةٍ مَا، ولو اقتدى مُكَلَّفٌ بالنَّبي (صلى الله عليه وسلم) في أمرٍ كهذا؛ فاستعمَلَ عمومَ آيَّةٍ في مَوقِفٍ خاص؛ فلا حَرَجَ -إن شاء اللهُ تعالى.
ولقد وَقَع هذا مع النَّبي (صلى الله عليه وسلم) في آيَةٍ أخرى؛ فقد ثَبَتَ في [صَحيح مُسلِم] أنَّ النَّبي (صلى الله عليه وسلم) لَمَّا أيقَظَ عَليًّا وأمَرَه وفاطمةَ –رَضي الله عَنهما- بالصلاة مِن الليل، وقال له على -رَضي الله عنه-: "إن أرواحنا بيد الله إن شاء بعثنا"، ولَّى النَّبيُّ (صلى الله عليه وسلم) يَضرب فَخذَه، ويقول: (وكان الإنسان أكثر شئ جَدلا) [الكهف: 54]. فجعل (صلى الله عليه وسلم) عليًّا –رَضي الله عنه- داخِلا فيها، مع أنَّ سَبَبَ نزولها الكُفار الذين يُجادِلون في القرآن، [انظر: «تفسير القُرطبي»: (5/ 4158، طـ دار الغد العربي بمصر)، «مُذكرة في أصول الفِقه»/ للعلامة (محمد الأمين الشنقيطي) –رَحِمَه الله، ص 235، طـ دار البصيرة بمصر].
الشُبهة الثالثة: وقَد يَستَدِل بَعضُهم على جوازِها بأنَّ الأكثَرين مِن المُسلمين يَلتَزِمون قولَها بعد الفَراغ مِن التلاوة!
وهذه شُبهَة أوهَى مِن بَيتِ العَنكبوت، وتُغني حِكايَتُها عَن رَدِّها، وفسادُها عَن إفسادِها. ومَع ذلك فأقولُ: لقد قال اللهُ –سُبحانَه وتعالى- في كِتابِه العَزيز الذي لا يأتيه الباطِلُ مِن بَين يَديه ولا مِن خَلفِه: (وإن تُطِع أكثَرَ مَن في الأرض يُضِلُّوكَ عَن سَبيلِ الله) [الأنعام: 116]، وقال (ومَا أكثَرُ النَّاسِ ولو حَرَصتَ بِمؤمِنين) [يوسف: 103]. وتأمَل –بَارَكَ اللهُ فيك- آياتِ القُرآن التي وَرَدَت فيها كَلِمَة الكثرة واشتقاقاتُها تَجِدْها جَميعًا –بلا استثناء- تُقَرِّرُ أنَّ القَليلَ مِن النَّاس هم الذين يَتِّبِعُون الحَقَّ ويُطيعون رَبَّهم، وأنّ الكثرة الباقية لا يؤمِنون بالله ولا يَشكُرونَه ولا يُطيعونَه، فتأمَل! فإذَن عَمَلُ الكَثرة ليس دليلاً على أنَّهم أصابوا الحَقَّ، ومِن الأقوالِ الرائِعَة لـ (الفُضَيل بن عياض) -رَحِمَه الله- قولُه: "لا تَستوحش طُرقَ الهُدَى لِقِلَةِ أهلها، ولا تَغتَر بكثرة السالكين الهالكين"، والله المُستعان!
فائدة (1): وأحِبُّ أن أقولَ للقارئ الكَريم: "البِدعَة تُميتُ السُّنَة؛ فما ظهرت بِدْعَة إلا مُحيت سُنَة"، وبِتَطبيقِ هذا القَول على هذه البِدْعَة نَقول: مِن آثارِ هذه البِدْعَة السَّيئة أنَّها مَحَت سُنَةً حَسَنَةً حَثَنَها عليها النَّبيُ (صلى الله عليه وسلم)؛ حيثُ قال (صلى الله عليه وسلم): "مَن قرأ القُرآن فليسألِ الله به" [حَسن: رواه التِّرمذي]، فيُشرَع للقارئ بعد الفَراغ مِن التِّلاوة أن يتوسَلَ لله بتلاوَتِه؛ فهي تَدخُل في عُموم العَمَل الصالِح الذي يُشرَع التَّوسَّلُ به وسؤالِ الله الحاجات.
ولا يَسَعُنا في الخِتام إلا أن نُرَدِّدَ –دائِمًا- مع القائِل:
وكل خَيرٍ في اتباع مَن سَلَف *** وكل شَر في ابتداع مَن خَلَف
فائدة (2): لقد أفتى بِبِدْعيَّة التزام هذه الجُملَة بعد تلاوة القُرآن مِن أهل العِلم المُعاصرين:
1- اللجنة العلمية الدائمة للإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية برئاسَة العلامة (عبد العزيز بن عبد الله بن باز) –رَحِمَه الله، فتوى رَقم (4310)، (4/ 118).
2- العلامة (بكر بن عبد الله أبو زيد) –حَفِظَه الله- في رِسالَتِه القَيِّمة «بِدَع القُراء القَديمة والمُعاصِرَة»، ص 22: 23، طـ مؤسسة قُرطبة بمصر.
ومِن نافِلَة القَول: أنَّه –وإن كُنتُ قد انفصَلتُ إلى أنَّ التزام هذا القول بعد التلاوة بِدْعَة- إلا أنِّي أقول: إنَّ قول الله –سُبحانَه وتعالى- حَقٌ وصِدق، وكلامُه أصدَقُ الحَديث، وهو العَظيمُ –سُبحانَه- على الدَّوام، لا في نهاية التلاوة فَحَسبُ. تمامًا مثلما أنكر العُلماء المُحَقِّقون زيادة لفظة "سيدنا" في الأذان والتَّشهد وصيغ الصلاة على النَّبي (صلى الله عليه وسلم)؛ إلا أنَّهم مُقِرُّون بأنَّ النَّبي (صلى الله عليه وسلم) هو سَيدُنا وسَيدُ آبائِنا وأجدادِنا، وله مِنَّا وافِرُ التَّبجيل والتَّقدير والتَّكريم، كيف وقد قال: "أنا سَيِّدُ النَّاس يومَ القيامَة" [مُتفقٌ عَليه]. بأبي هو وأمي، صلى الله عليه وآله وأصحابِه وسَلَّم تَسليمًا كَثيرًا، آمين.
اللهمَّ ارزُقنا اتباع شَرع نَبيِّك (صلى الله عليه وسلم)، وجَنِّبنَا الابتداع في الدِّين، وآخِر دعوانا أن الحَمدُ لله رَب العالَمين.
[وفي الحلقة الثانية: نُجيب عَن بعض شبهات أحد الإخوة المُشتركين في "المنتدى العام" بشبكة "الفجر" بشأن هذا البحث -إن شاء اللهُ تعالَى].
سُبحانَك اللهم وبِحَمدِك، أشهد أن لا إلهَ إلا أنتَ، أستَغفِرُك وأتوبُ إليك.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.