التاريخ المحسوس لحضارة الإسلام وعصور اوروبا المظلمة من قصة الحضارة لديورانت أ. طارق منينة

الفيلسوف العلماني توماس هوبز يجعل العقد الاجتماعي في يد الملكية الوراثية المطلقة !(لكن ليس الإلهي، هذه المرة!!)!!
قال ديورانت
:"في تصور هوبز أنه من "حالة طبيعية" المفترضة هذه، خرج الناس باتفاق ضمني بين بعضهم بعضاً، على أن يخضعوا جميعاً لسلطة عامة. وتلك هي نظرية "العقد الاجتماعي التي أصبحت مألوفة شائعة يفضل رسالة روسو التي تحمل هذا الاسم (1762). ولكنها كانت بالفعل قديمة مطروقة في أيام هوبز. فإن ملتون في رسالته "ولاية الملك والحكام" (1649) كان قد فسر العقد بأنه اتفاق بين ملك ورعاياه- على أنهم يطيعونه، وعلى أنه سيقوم بمهام منصبه على خير وجه، فإذا أخفق هذا، كما قال ملتون (مثل ما قال بوكانان وماريانا وكثيرون غيرهما)، كان للشعب الحق في خلعه. واعترض هوبز على النظرية بهذه الصيغة، على أساس أنها لم تؤسس سلطة مخولة أن تنفذ العقد، أو تحدد كيف ومتى نقض. وآثر القول بأن هذا الاتفاق مبرم، لا بين الحاكم والمحكومين، بل بين المحكومين الذين اتفقوا فيما بينهم:
إنهم منحوا كل سلطانهم وقوتهم (أي حقهم في استخدام القوة بعضهم ضد بعض) لرجل واحد أو لجماعة من الرجال.... فإذا تم هذا، أتحد الجميع في رجل واحد يسمى الدولة. وهذا هو منشأ اللواياثان الكبير.... بل على الأرجح منشأ "الرب الفاني" الذي ندين له، في ظل "الإله الحي الباقي" بسلامنا والدفاع عنا لأنه بمقتضى هذه السلطة التي خولها إياه كل فرد في الدولة، له الحق في أن يستخدم كثيراً من السلطات والقوة اللتين منحتا له، ومن ثم فإنه بالإرهاب يكون قادراً على تشكيل إرادة الناس جميعاً.... غايته من ذلك أن يستخدم كل قوتهم وكل ما يملكون من وسائل. كلما وجد الضرورة تدعو إلى ذلك، من أجل سلامهم والدفاع المشترك عنهم. وهذا الذي يمثل هذا "الشخص" ويحمل هذا العبء يسمى ملكاً، ويقال أن له سلطة ملكية، وكل من عداه من رعاياه(31).
وفي شيء من الطيش افترضت النظرية ف هؤلاء الهمج "القذرين المتوحشين" الذين سبق ذكرهم، درجة من النظام والعقلانية والاتضاع، وهي درجة تسمح بتنازلهم عن سلطاتهم. وأجاز هوبز في شيء من الحكمة، أن تنشأ الدولة على أصول بديلة:-
ويكمن الوصول إلى هذه السلطة الملكية الحاكمة عن طريقين، أولهما القوة الطبيعية، كما هو الحال حين يعمد رجل ما إلى إخضاع بنيه وذرياتهم لحكومته، لأنه قادر على تدميرهم والقضاء عليهم إذا أبو عليه ذلك، أو يخضع أعداءه لإرادته عن طريق الحرب. أما ثانيهما فهو حين يتفق الناس فيما بينهم على الخضوع طواعية واختياراً لرجل أو جماعة من الرجال، ثقة من الناس بأن هذا الرجل أو جماعة الرجال سيتولون حمايتهم ضد الآخرين. ويمكن أن يطلق على هذا "رابطة سياسية"(32) (الدولة). ومهما كان الأساس الذي قام عليه الحاكم، فإنه لكي يكون حاكماً وملكاً حقاً، لا بد أن يكون ذا سلطة مطلقة، فإنه بدونها لا يستطيع أن يحقق أمن الفرد أو سلام الجماعة. ومقاومته إنما تعني نقض العقد الاجتماعي الذي أقره ضمناً كل فرد في الجماعة بقبوله حماية رأس الدولة له. وقد تسلم هذه "الاستبدادية المطلقة" النظرية ببعض قيود وحدود عملية. فيمكن مثلاً الوقوف في وجه الملك إذا أمر إنساناً بأن يقتل نفسه أو يبتر عضواً من جسمه ليعطله أو يشوهه، أو يعترف بجريمة لم يرتكبها، أو إذا لم يعد الحاكم قادراً على حماية رعاياه. "المفهوم إن التزام الرعايا نحو الملك يبقى ما بقيت سلطته التي يستطيع بها حمايتهم، ولا بقاء لهذا الالتزام إذا فقد السلطان(33)". والثورة دائماً جريمة إلا إذا حققت نجاحاً. إنها دائماً غير مشروعة وغير عادلة، لأن القانون والعدالة كلتيهما يحددهما ويحكمهما الملك، ولكن إذا أقامت الثورة حكومة مستقرة فعالة، فإن على المواطن أن يلتزم بطاعة السلطة الجديدة.
ولا يحكم هذا الملك بمقتضى الحق الإلهي، حيث أنه يستمد سلطته من الشعب، ولكن يجب أن تقيد سلطته جمعية شعبية أو قانون الكنيسة. ويجدر أن تمتد هذه السلطة إلى الملكية، فيجب على الملك أن يحدد حقوق الملكية (التملك)، وعليه أن يعيد توزيع الممتلكات الخاصة، حيثما يقدر أن هذا يحقق المصلحة العامة(34). "والحكم المطلق" ضروري، لأنه إذا كانت السلطة شركة، بين الملك والبرلمان مثلاً، فسرعان ما ينشب النزاع، ثم الحرب الإلهية، فتعم الفوضى وتتعرض الحياة والممتلكات للخطر. وحيث أن الأمن والسلام هما الضرورتان الأساسيتان للمجتمع، فإنه لا ينبغي أن يكون هناك فصل، بل وحدة كاملة وتركيز تام في السلطات الحكومية. وحيثما توزعت السلطات لا يكون هناك ملك، وحيثما لا يكون ملك، لا تكون هناك دولة(35).
وبناء على هذا يكون الشكل المنطقي للحكومة هو الملكية. ولا بد أن تكون وراثية، لأن حق اختيار الخلف جزء من سيادة الملك، ونكرر القول بأن البديل لهذا هو الفوضى(36). وقد تصلح الحكومة عن طريق الجمعية ولكن شريطة أن تكون سلطتها مطلقة، غير خاضعة لرغبات متقلبة لدى شعب غير متعلم. "إن الديموقراطية لا تعدو أن تكون أرستقراطية خطباء(37)" فما أسهل أن يهيج زعماء الدهماء مشاعر الشعب، ومن ثم كان لزاماً أن تمارس الحكومة الرقابة على الخطابة والصحافة، وينبغي أن تكون هناك رقابة صادقة على المطبوعات والواردات وقراءة الكتب(38). ولا يجوز أن يكون هناك جدل عقيم حول الحرية الفردية والآراء الخاصة والضمير. وينبغي أن يقتلع من الجذور كل ما يهدد سيادة الملك، ومن ثم السلام العام(39). فكيف يتسنى حكم دولة أو حماية علاقاتها الخارجية إذا بقى كل فرد حراً في طاعة القانون أو مخالفته وفقاً لرأيه الخاص؟
قصة الحضارة ج34 ص13-16، عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الفلسفة الإنجليزية -> توماس هوبز
 
هوبز علماني من آباء العلمانية الأوائل لكنه كعادة العلمانيين الذين رفضوا اللاهوت الكنسي، كان و ربوبيا بمعنى يؤمن بإله واحد ،وبعزل الكنيسة عن السلطة المطلقة يعطي السلطة لحاكم زمني لكنه مطلق الحكم!!(مع أنه يقول بالعقد الإجتماعي لكنه يوقعه في يد الملك المطلق!!)
قال ديورانت
:"كان هوبز "ربوبياً" لا ملحداً. فأعترف "بكائن أسمى(44)" ذكي، ولكنه أضاف "قد يعرف الناس... بالطبيعة أن الله موجود، ولو أنهم لا يدركون ما هو(45)...وبعد أن حدد هوبز لكل من الدين والرب مكانه، عرض أن يستخدمهما أداتين للحكومة ليكونا في خدمتها، ومن أجل هذا أورد سوابق ذوات شأن خطير.
إن المؤسسين والمشرعين الأولين للدول بين "الأمميين (غير اليهود) الذين كانت غاياتهم الإبقاء على طاعة الناس وعلى السلام، عنوا في كل مكان:
أولاً: بأن يطبعوا في أذهان الناس أن تلك التعاليم التي جاءوا به بها فيما يتعلق بالدين، لا يجوز الظن بأنها جاءت من عندياتهم، بل أنها جاءت بأمر من بعض الآلهة أو الأرواح، وإلا كانوا (المؤسسون والمشرعون من الطبيعة أسمى وأرقى من مجرد بشر معرضين للفناء، حتى يمكن تقبل قوانينهم في كثير من اليسر. وهكذا زعم "توما بومبليوس" (ثاني كلوك روما) أنه تلقى الطقوس التي أقامها بين الرومان من الحورية اجريا، كما زعم مؤسس بيرو وأول ملوكها أنه وزوجته من أبناء الشمس. ثانياً: أن يشيعوا الاعتقاد بأن الأشياء التي تغضب الآلهة هي نفسها الأشياء التي حرمها القانون(49).
ولكيلا يستنتج أحد أن موسى أستخدم وسائل شبيهة بهذه في نسبة شرائعه لله، يضيف هوبز، في نفور خاص من النار، أن "الرب بنفسه، بوحي خارق، أقام الدين" بين اليهود.
ولكنه يشعر بأنه على حق، بالأمثلة التاريخية، في أن يوصي بأن يصبح الدين أداة للحكومة، وبناء على هذا الغرض يفرض الملك مبادئ الدين وتعاليمه. وإذا كانت الكنيسة مستقلة فإنه يكون هناك ملكان، ومن ثم لا يكون ملك أبداً، وتكون الرعية موزعة بين السيدين...). ويرى هوبز أن المخرج الوحيد من مثل هذا المأزق الحرج أن تكون الكنيسة خاضعة للدولة. ولما كانت الكنيسة الكاثوليكية ترى في هذا رأياً آخر، فإن هوبز، في الجزء الرابع من "لواياثان" يهاجمها على أنها ألد وأقوى عدو لفلسفته.
قصة الحضارة ج34 ص17،18، عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الفلسفة الإنجليزية -> توماس هوبز
 
هوبز العلماني ينقد الكتاب المقدس!
هوبز العلماني لايحبذ المذاهب المسيحية الأخرى في دين الملك!!
"ويرى هوبز أن المخرج الوحيد من مثل هذا المأزق الحرج أن تكون الكنيسة خاضعة للدولة. ولما كانت الكنيسة الكاثوليكية ترى في هذا رأياً آخر، فإن هوبز، في الجزء الرابع من "لواياثان" يهاجمها على أنها ألد وأقوى عدو لفلسفته.
ثم يورد هوبز "نقداً أشد" للكتاب المقدس- يرتاب في تأليف موسى للأسفار الخمسة الأولى من التوراة، ويؤرخ "الأسفار التاريخية" في زمان متأخر عما هو وارد في النواميس التقليدية. ويرى ألا تتطلب المسيحية من معتنقيها إلا الإيمان "بيسوع المسيح" أما بالنسبة لبقية أركان العقيدة، فيجدر بها أن تجيز اختلاف الرأي بين الناس في نطاق الحدود الآمنة للنظام العام. ولمثل هذه العقيدة البسيطة المطهرة لا يوفر هوبز مجرد تأييد الحكومة فحسب. بل كل قوة الدولة لنشرها ما وسعها الجهد. ويتفق مع البابا في أن يكون للدولة دين واحد(52). ويشير على المواطنين بأن يتقبلوا لاهوت مليكهم دون تردد محرج، لأن هذا واجب أخلاقي، كما هو واجب الدولة. "لأن الحال بالنسبة لأسرار ديانتنا هي الحال بالنسبة للأقراص الصحية هند المرضى، إذا بلعت دفعة واحدة كان لها فضل الشفاء، أما إذا مضغت، فإنها في معظم الأحوال تلفظ ثانية ولا يكون لها أي تأثير(53)". وانتهى أشد هجوم شنه إنجليزي على المسيحية، بمسيحية قامت وكأنها قانون لا مفر منه لدولة استبدادية مطلقة.
قصة الحضارة ج34 ص18،19، عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الفلسفة الإنجليزية -> توماس هوبز
 
صاحب "لواياثان"(هوبز العلماني) يدعم سلطة الحاكم المطلق شارل الثاني بدفاعه عن الحاكم المطلق!!
ومن هو شارل الثاني (قدمت المواضيع عنه ، من قصة الحضارة أيضاً)،
قال ديورانت
:"جاء في الفقرة الأخيرة من "لواياثان": "وهكذا أختم دون تحيز، حديثي عن الحكومة المدنية والدينية التي تضطرب بفوضى العصر الحاضر... وليس لي من هدف إلا أن أضع تحت أنظار الناس العلاقة المتبادلة بين الحماية والطاعة".
ولم يتحقق الناس من عدم التحيز على نطاق واسع. فإن المهاجرين الذين تجمعوا حول شارل الثاني في فرنسا رحبوا بدفاع هوبز من النظام الملكي، ولكنهم استنكروا ماديته على أنها حمق وطيش إن لم تكن تجديفاً، وعراهم الأسى والأسف لما استنفد فيلسوفهم العنيد من صفحات في مهاجمة الكنيسة الكاثوليكية، على حين كانوا لفورهم يلتمسون العون من ملك كاثوليكي. أما رجال الدين الأنجليكانيون الذين كانوا بين اللاجئين إلى فرنسا من وجه البيوريتانيين المنتصرين، فقد تعالت صيحاتهم ضد الكتاب إلى حد أن هوبز "أمر ألا يعود إلى بلاط شارل الثاني(54)". ولما ألفى هوبز أنه بات بلا صديق ولا صاحب، وبلا حماية في فرنسا، قرر أن يتصالح مع كرومول ويعود إلى إنجلترا. وطبقاً لما رواه الأسقف بيرنت، أدخل هوبز بعض تعديلات على نصوص اللواياثان "إرضاء للجمهوريين(55)" وليس هذا مؤكداً، ولكن المؤكد، على أية حال، أن نظرية الثورة غير ذات الأصل الشرعي، والتي بررها نجاحها، التأمت بشكل مبتور وكأنها ترقيع، مع نظرية الطاعة المطلقة لحاكم مطلق.
قصة الحضارة ج34 ص19،20، عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الفلسفة الإنجليزية -> توماس هوبز
 
هوبز وبرلمان الثورة وولاء!
"
في لندن في 1651 بينما كان هوبز في باريس. وفي آخر هذا العام، وسط شتاء قاس، عبر البحر إلى إنجلترا، حيث أوى إلى ملاذ طيب عند أرل ديفونشير الذي كان قد استسلم منذ أمد طويل لبرلمان الثورة. وأعلن هوبز ولاءه وخضوعه للحكم القائم، فلقي قبولاً، ومن ثم أنتقل الفيلسوف إلى دار في لندن، مستعيناً بمعاش ضئيل أجراه عليه أرل ديفونشير، "لأن الافتقار إلى حديث العلم والعلماء كان أشد ما يضايق الفيلسوف في الريف(56)". وكان آنذاك في الثالثة والستين من العمر.
وشيئاً فشيئاً، كلما وجد الكتاب قراء، تكاثر النقاد على المؤلف أسراباً. فإنبرى رجال الدين الواحد تلو الآخر للدفاع عن المسيحية، وتساءلوا: من هو "وحش مامزبري" الذي قام يتحدى أرسطو وأكسفورد والبرلمان والله؟. وكان هوبز جباناً ولكنه مقاتل، وفي 1655 أثبت من جديد في "أصول الفلسفة" آراءه في المادية والحتمية. وفي كتاب "اصطياد اللواياثان (1658) نصب جون برامهول، أسقف دري العلامة، شراكه لهوبز وسدد الضربات إليه جديداً، وقال أسقف آخر "أن هوبز لا يزال في الشرك(57)". واستمرت الهجمات في كل عام تقريباً حتى قضى الفيلسوف نحبه.
قصة الحضارة ج34 ص20، عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الفلسفة الإنجليزية -> توماس هوبز
 
هوبز ولويانثان والمسيحية تراقبه
" وفي 1666 أمر مجلس العموم إحدى لجانه "بكتابة تقارير عن الكتب التي تنزع إلى الإلحاد والتجديف وانتهاك حرمة المقدسات أو تتناول بالتعريض لسمة الله وصفاته. وبخاصة الكتاب الذي نشر باسم "هوايت" (قسيس كاثوليكي سابق إرتاب في خلود النفس)، وكتاب هوبز، "لواياثان(59)". يقول أوبري "كان هناك تقريراً (صحيح يقيناً) بأن بعض الأساقفة في البرلمان قدموا اقتراحاً بإحراق الرجل الطيب العجوز بجريمة الهرطقة(60)". وأعدم هوبز كل ما كان يمكن أن يورطه أو يدينه بعد ذلك من أبحاثه التي لم تنشر، ثم كتب ثلاث محاورات حاول فيها أن يبرهن بأسلوب العالم المتفقة على أن أية محكمة في إنجلترا لا تستطيع أن تحاكمه بتهمة الهرطقة.
قصة الحضارة ج34 ص21، عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الفلسفة الإنجليزية -> توماس هوبز
 
هاهو فيلسوف اللوناثان حبيب الحاكم الدموي المطلق شارل الثاني!
صاحب "لواياثان"(هوبز العلماني) (2) يدعم سلطة الحاكم المطلق شارل الثاني بدفاعه عن الحاكم المطلق!!
ولما رآى شارل الثاني أن فيلسوفه سيصاب من المسيحية الدموية وهو نفسه حاكم دموي مدعوم من الفيلسوف قربه إليه مرة أخرى!!
قال ديورانت
:"وفي 1666 أمر مجلس العموم إحدى لجانه "بكتابة تقارير عن الكتب التي تنزع إلى الإلحاد والتجديف وانتهاك حرمة المقدسات... وبخاصة ...كتاب هوبز، يقول أوبري "كان هناك تقريراً (صحيح يقيناً) بأن بعض الأساقفة في البرلمان قدموا اقتراحاً بإحراق الرجل الطيب العجوز بجريمة الهرطقة(60)"...
وهك الملك الذي أستعاد عرشه لإنقاذ الفيلسوف. ذلك أن شارل الثاني بعد وصوله إلى لندن بزمن قصير، رأى هوبز في الشارع، وعرف فيه معلمه السابق، ورحب به في البلاط. وكان بلاط عودة الملكية ينزع بالفعل إلى شيء من التشكك الديني ويدافع عن الملكية المطلقة، ومن ثم وجد في فلسفة هوبز بعض العناصر التي تتمشى مع الأفكار السائدة في هذا البلاط. ولكن رأسه الأصلع وشعره الأشيب وزيه الشبيه بزي اللبيوريتانيين، كل أولئك مدعاة للسخرية. وأطلق عليه الملك شارل نفسه أسم الدب، وكلما اقترب منه قال: "ها قد جاء الدب لنقدم له الطعم ونغويه(61)". ومع ذلك استساغ الملك إجاباته البارعة وسرعة بديهيته، وأمر برسم صورة للفيلسوف العجوز، وتعليقها في حجراته الخاصة، وخصص له معاشاً سنوياً قدره مائة جنيه، ولم يكن الراتب يدفع بانتظام، ولكنه مع ذلك، بالإضافة إلى خمسين جنيهاً أخرى في السنة من أسرى كافندش، كان كافياً لسد حاجيات الفيلسوف البسيطة.
قصة الحضارة ج34 ص21،22 عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الفلسفة الإنجليزية -> توماس هوبز
 
هوبز والحرب الأهلية في إنجلترا وبلاط شارل الثاني
كتب هوبز عن تاريخ الحرب الأهلية في إنجلترا كتابه "بهيموت"
وكلام ديورانت عن كيف مات؟
"وفي 1670، وهو في الثانية بعد الثمانين نشر كتابه "بهيموث" وهو عبارة عن تاريخ الحرب الأهلية في إنجلترا، كما كتب عدة ردود على ناقديه، وترجم إلى اللاتينية كتابه "لواياثان" ترجمة رائعة. وفي 1675 كتب سيرة حياته نظماً باللاتينية، كما نظم في نفس العام الألياذة والأوديسية شعراً بالإنجليزية، حيث "لم أجد عملاً أؤديه أفضل من هذا".
وفي تلك السنة، حيث بلغ السابعة والثمانين، عاد من لندن إلى الريف حيث قضي أيام حياته في ضيعة آل كافندشي في دربيشير. وفي تلك الأثناء اشتد عليه الشلل، كما عانى من عسر البول. ولما انتقل أرل كافندشي آنذاك من تساتسورت إلى هاردويك هول أصر هوبز على مرافقته. وثبت أن الرحلة مرهقة، وبعدها بأسبوع انتشر الشلل في جسمه ولم يعد قادراً على الكلام. وفي 4 ديسمبر 1679 فاضت روحه
قصة الحضارة ج34 ص22،23،عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الفلسفة الإنجليزية -> توماس هوبز
 
كما دعم الفيلسوف العلماني هيجل الملك بروسي حاكما مطلقا كذلك دعم الفيلسوف العلماني الملكية
:"وعندما نشبت الحرب الأهلية في إنجلترا (1642) أسس المهاجرون الملكيون لأنفسهم مستعمرة في فرنسا، وربما أخذ هوبز عنهم مزيداً من التعاطف مع الملكية، فإنه لمدة عامين (1646slash1748) اشتغل بتدريس الرياضيات لأمير ويلز المنفي، الملك شارل الثاني فيما بعد. وجاءت حركة الفروند ضد لويس الرابع عشر في فرنسا- وكانت مثل الثورة في إنجلترا، تهدف إلى الحد من سلطة الملك- فأكدت اقتناعه بأن الملكية المطلقة وحدها هي التي يمكن أن تحافظ على الاستقرار والأمن الداخلي.
وفي بطء شديد وصل هوبز إلى صياغة محددة واضحة لفلسفته. ويقول أوبري: "أنه سار طويلاً وأعمل الفكر وتأمل، وكان في رأس عصاه قلم ومحبرة، وكان يحمل في جيبه دائماً كراسة، حتى إذا عرضت له فكرة، فسرعان ما كان يدونها على الفور حتى لا تضيع(3)" وأصدر سلسلة من التأليف الأقل قيمة ، التي ليس لها الآن ذكر، ولكنه- في 1651 جمع كل أفكاره في كتاب يجمع بين طرافة الفكر والأسلوب وعدم المبالاة، هو "لواياثان" (التنين) أو "المادة والشكل"، و "سلطة الدولة دينية ومدنية" (التنين) أو "المادة في تاريخ الفلسفة، وجدير بنا أن نتوقف عنده في شيء من التروي.
قصة الحضارة ج34 ص4،> عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الفلسفة الإنجليزية -> توماس هوبز
 
هوبز يدعم الدكتاتورية والحكم المطلق وشارل الثاني
صاحب "لواياثان"(هوبز العلماني)(3) يدعم سلطة الحاكم المطلق شارل الثاني بدفاعه عن الحاكم المطلق!!
:"وأعادت فلسفة هوبز السياسية صياغة ميكيافللي بلغة شارل الأول، ونبعث هذه الفلسفة من الاستبدادية المطلقة الموفقة التي انتهجها هنري الثامن وإليزابث في إنجلترا، وهنري الرابع وريشيليو في فرنسا، كما أنه لا ريب في أنها استمدت بعض القوة من مخالطته لأصدقائه الأدواق والملكيين المهاجرين. ومن حيث الأثر المباشر بدا أن لهذه الفلسفة ما يبررها، في العودة السعيدة لملك من آل ستيوارت ما زال يدعى ويطالب بسلطان مطلق غير محدود، وينهي فترة من الفوضى المدمرة. ولكن بعض الإنجليز النابهين أحسوا بأنه إذا كانت موافق الهمجيين "القذرين المتوحشين" كافية لإقامة حكومة، فإنه موافقة الناس، وهم في حالة يفترض أنها أكثر تقدماً ورقياً، قد يكون من شانها أن تكبح جماح هذه الحكومة أو تطيح بها. وهكذا نجد في الثورة الجليلة 1688 أن فلسفة الحكم الاستبدادي المطلق سقطت أمام إعادة البرلمان توكيد سيادته، وسرعان ما حل مكانها تحررية "ليبرالية" لوك التي تدعو إلى تحديد السلطات والفصل بينها. ...ولسنا ندري هل كان "لحالة الطبيعة" التي قال بها هوبز، وجود يوماً ما، فربما كان النظام الاجتماعي سابقاً للإنسان، فالقبيلة سبقت الدولة، والعرف أقدم وأوسع وأعمق من القانون. والأسرة هي أساس بيولوجي لا يثار ينمي الذات (الأنا) وولاداتها. وربما أصبح "علم الأخلاق" الذي جاء به هوبز أكثر ملائمة لو أنه عمد إلى تنشئة أسرة، أما أن يترك للدولة تحديد الأخلاقيات (ولو أن هذا انتقل إلى النظم الدكتاتورية) فمعناه تدخير إحدى القوى التي تعمل على تحسين الدولة والأخذ بيدها.
قصة الحضارة ج34 ص24، عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الفلسفة الإنجليزية -> توماس هوبز
 
سريان الأفكار من إلى المجالات الإجتماعية، هوبز مثالاً
"وبرز أقوى تأثير لفلسفة هوبز في "ماديته". وسرت "أفكار هوبز" من الجماعات المفكرة إلى طبقات المهنيين ورجال الأعمال. وفي هذا قال بنتلي الغضوب 1693 "لقد زخرت بها الحانات والمقاهي بل وستمنسر هول (البرلمان) والكنائس ذاتها كذلك(64)". وتقبلها كثير من رجال الحكومة فيما بينهم وبين أنفسهم، ولكنهم في العلن حجبوها باحترام أبدوه للكنيسة الرسمية على أنها شكل مفيد للانضباط الاجتماعي لا يقوم على تدميره إلا الحمقى والأغبياء. وأثرت هذه الفلسفة المادية في فرنسا في تشكك بيل، وأتت عليها تطورات أشد جرأة عند لامتري ودي هولباخ وديدرو.
قصة الحضارة ج34 ص 25،عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الفلسفة الإنجليزية -> توماس هوبز
 
دافع ...هوبز عن ملكية مزعجة موجعة
قصة الحضارة ج34 ص 25،عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الفلسفة الإنجليزية -> توماس هوبز
 
ظروف أوروبا العلمانية!!
تحت عنوان(الربوبيون) قال ديورانت
ظروف أوروبا العلمانية!!
:" وكما أضرت الحروب الدينية بالعقيدة الدينية في فرنسا، فإن الحرب الأهلية في إنجلترا أسهمت في إثارة الشكوك اللاهوتية. وأشاعت ذكريات الحكم البيوريتاني الزندقة والمروق عن الدين حتى بات أمراً مألوفاً بين الملكيين المنتصرين، كما جعلت الإلحاد يقترن بالمرح الصاخب والبذاءة في بلاط الملكية العائدة.
قصة الحضارة ج34 ص 29،عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الفلسفة الإنجليزية -> توماس هوبز
بقية النص"واشتبه في إلحاد أرل شافتسبري الول ودوق بكنجهام الثاني وأرل روشستر الثاني، كما أشتبه في إلحاد هاليفاكس وبولينيروك بعد ذلك.
وأدى اتساع دائرة المعارف الجغرافية والتاريخية والعلمية وانتشارها إلى ارتفاع موجة التشكك. وفي كل يوم، كان أحد السائحين أو المؤرخين يطلع على الناس بأنباء أمم عظيمة دياناتها وأخلاقها عن المسيحية بشكل مثير فظيع، ولكنها عادة فاضلة مستقيمة مثلها. ويندر أن كانت نزاعة إلى القتل متعطشة إلى سفك الدماء مثل المسيحية. كما بدا أن النظرة الميكانيكية إلى العالم التي رسمها ديكارت التقي الورع، ونيوتن العالم البصير، نقول بدا أن هذه النظرة تصرف النظر عن دور العناية الإلهية" في تسيير الكون، وكان اكتشاف القانون في الطبيعة يجعل من المعجزات أمراً غير مستساغ غير مقبول. وأسهم الانتصار البطيء الذي أحرزه كوبرنيكس، والمحاكمة المثير التي عانى منها"
تعليق
كانت عندنا الكشوف الجغرافية ، والإنجازات العلمية، وإتساع الكون والمراصد وكانت أمتنا مسلمة لأن التوحيد لاينفي لاعقلاً ولا نقلاً الأسباب الكونية، كما لاتنفي الأسباب خالقها!!
 
ظروف أوروبا العلمانية، والفلاسفة يصنعون المجالات الإجتماعية النافرة من الباباوية والخرافات!!
قال ديورانت
:"ويقول رئيس الشمامسة صمويل باركر 1681:
...... إن الجهال وغير المتفقهين منا أصبحوا أكبر المتظاهرين بالتشكك والكفر... وأصبح الإلحاد والمرق عن الدين في النهاية شائعين شيوع الرذيلة والفسوق. وفلسف الأجلاف والميكانيكيون لأنفسهم مبادئ بعيدة عن التقوى، وقرأوا دروسهم في الإلحاد على الناس في الشوارع والطرقات العامة، وإنهم لقادرون على أن يستخلصوا من كتاب "لواياثان" أنه ليس هناك إله(76)".
قصة الحضارةج34 ص30، عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الفلسفة الإنجليزية -> الربوبيون
 
ظروف أوروبا العلمانية، والتخلص من المسيحية المنحرفة، والإكتفاء بالإيمان بالخالق.
وأصحابها سموا ربيبيون!، أي مؤمنون بالرب فقط، فقد رفضوا المسيحية، لكنهم كانوا مؤمنون بالرب الخالق، بدون دين!، وبعضهم أصبح لا أدرياً!
قال ديورانت
:"وبين الطبقات المتعلمة التمس الشك حلاً وسطاً في التوحيد-الدين الطبيعي-والربوبية. وأرتاب التوحيديون في المساواة بين المسيح والأب، ولكنهم عادة ارتضوا الكتاب المقدس نصوصاً إلهية. وآثر المدافعون عن الدين الطبيعي عقيدة مستقلة عن الأسفار المقدسة ومحصورة في المعتقدات التي رأوا أنها شاملة كلية-في الله وفي الخلود. أما الربوبيون، الذين قاموا بحركتهم أساساً في إنجلترا، فإنهم طالبوا فقط بالإيمان بالله الذي اعتبره أحياناً مفهوماً تجريدياً غير مشخص، مرادفاً للطبيعة، أو "الدافع الأصلي" لإله الدنيا التي قال بها ديكارت ونيوتن. وبرزت لفظة "ربوبي" Deist في 1627 في "رسالة إلى ربوبي" لرئيس الشمامسة إدوارد ستللنجفليت، ولكن مطبوعات الربوبيين كانت قد بدأت لورد هربرت شربري "الحقيقة" 1624.
قصة الحضارةج34 ص30، عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الفلسفة الإنجليزية -> الربوبيون
 
ظروف أوروبا العلمانية، وجعل صفات الباباوات والكهنة هي صورة للأنبياء أنفسهم
:"وتابع تشارلز بلونت، أحد مريدي لورد هربرت، رسالته في كتاب "النفس البشرية" (1679). وكانت حجته أن كل ديانة أسست إنما كانت من خلق أو ابتداع دجالين أفاكين سعوا إلى السلطة السياسية أو الكسب المادي"
قصة الحضارةج34 ص30، عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الفلسفة الإنجليزية -> الربوبيون
 
تشارلز بلونت، (1679)، بداية الربوبيون، وهجوم على المعتقدات والفرضيات والمسلمات الباباوية والمسيحية
"وفي دقة ماكرة مؤذية ترجم بلونت كتاب فيلوستراتوسي "حياة أبوللنيوس أوف تيانا"، وحدد أوجه الشبه بين المعجزات المنسوبة إلى صانع الأعاجيب الوثني والمعجزات المنسوبة إلى المسيحيين، وأوحى برفق إلى التشكك فيها وعدم تصديقها جميعاً على حد سواء.وفي "بيان موجز عن ديانة الربوبيين-(1686) اقترح بلونت ديانة خالية من أي عبادة أو طقوس، اللهم إلا عبادة الله بحياة فاضلة قائمة على الأخلاق". وفي "وحي العقل"(1693) أوضح بلونت أن اللاهوت المسيحي قام أول الأمر على توقيع خاطئ لانتهاء العالم في وقت قريب أو مبكر، وسخر من قصص الكتاب المقدس عن الخليقة، ومن مولد حواء من ضلع آدم، ومن الخطيئة الأصلية، ومن إيقاف يشوع الشمس، على أنها جميعاً سخافات صبيانية. وأومأ إلى أن "الاعتقاد بأن أرضنا الحديثة (جسم مظلم تافه في الكون، أصغر شأناً من النجوم الثابتة في الحجم والمنزلة معاً) هي قلب هذا الكون الشاسع الهائل وأعظم أجزائه سمواً وحيوية، إنما هو اعتقاد غير منطقي وغير عقلاني، يتعارض مع طبيعة الأشياء".
قصة الحضارةج34 ص30، عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الفلسفة الإنجليزية -> الربوبيون
 
الربوبي تشارلز بلونت،صاحب كتاب كتاب "النفس البشرية" (1679)
قتل نفسه!!
قال ديورانت:"على أن بلونت نفسه لم يعبد العقل إلى النهاية، إذا صدقنا ما يروى من أنه قتل نفسه (1693) لأن القانون الإنجليزي لم يكن ليجيز له الزواج من أخت زوجته المتوفاة... "
قصة الحضارةج34 ص31، عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الفلسفة الإنجليزية -> الربوبيون
 
الماسونية والربوبيين في القرنين ال17،18
منهم جون تولاند المتأثر بكتب لوك، وقد كتب "ابن الناصرة" (1718) و"الإيمان بوحدة الوجود"
"وربما كان تولاند عضواً في Mother Grand Dlodge الماسونيين الأحرار التي أسست في لندن 1717. إن هذه الجمعية كما وصفها تولاند نبذت كل الوحي الخارق للطبيعة، وقدمت ديناً جديداً يتفق مع الفلسفة، وقالت بالتماثل بين الله والكون، واستبدلت بالقديسين في التقويم المسيحي أبطال الحرية والفكر. وأجازت الجمعية لأعضائها القيام بالعبادات العامة المألوفة ما داموا، عن طريق نفوذهم السياسي يستطيعون الحيلولة دون أن يكون التعصب أمراً مؤذياً ضارياً(82).
قصة الحضارةج34 ص33، عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الفلسفة الإنجليزية -> الربوبيون
"ومذ تقبل بقبول حسن كتاب لوك الحديث "بحث في العقل البشري" حيث أثبت أن الإحساس هو أصل كل المعرفة، فإنه أي جون تولاند، خرج منه بعقلانية متطرفة.
أنا أعتقد أن "العقل" هو الأساس الوحيد لكل حقيقة يقينية، ولا يستثنى من مجال بحث هذا العقل أي وحي أكثر مما يستثنى الظواهر العادية للطبيعة "
قصة الحضارةج34 ص33، عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الفلسفة الإنجليزية -> الربوبيون
 
النموذج التركي في القرن نهاية القرن ال17، وبداية ال18،
"كولنز" تأثر بالإسلام الإجتماعي(حرياته، وسياساته مع الأديان الموضوعة والوضعية!)، وتأثر به فولتير وغيره!!
إنه "كولنز" الفيلسوف الإنجليزي الذي ترك أثره الفكري في هولندا، كما في إنجلترا، وفيها الحمولة الفكرية والعملية السياسية والمجتمعية للمؤثرات الإسلامية!!!
(وهو صاحب كتاب""بحث في التفكير الحر" (1713)، وله أيضا" "بحث في الحرية الإنسانية" (1715)
إنه دليل من مئات الأدلة على التأثير الإسلامي على أوروبا حتى في ناحية الحرية والتعايش وعدم إكراه الأديان!
إنه كولنز هذا الفيلسوف الغربي الربوبي يحتج بالنظام الإجتماعي التركي لأنه أتاح حرية الرأي واختلاف الأديان(التعايش)
هنا نرى تحت السطح ، أيضاً أن " المجال" يتكون بمؤثرات إسلامية علمية-عقلية، وإنسانية-اجتماعية –نقدية (صنعها النص الإسلامي)
قال ديورانت
"ويضرب كولنز اليونان القديمة وتركيا الحديثة مثلاً للنظام الاجتماعي الذي يحتفظان به على الرغم من حرية الرأي واختلاف الأديان. وينكر أن حرية الفكر تؤدي إلى الإلحاد. ويقتبس عن بيكون قوله المأثور بأن الفكر الضيق ينزع بنا إلى الإلحاد، وبأن التفكير الواسع يصرفنا عنه، ويؤيد كولنز حكمة بيكون، ثم يضيف في إخلاص واضح، أن الجهل "هو أساس الإلحاد، والتفكير الحر هو علاجه(88)". ويعدد المفكرون الأحرار الذين كانوا "أفضل الناس في كل العصور": سقراط، أفلاطون، أرسطو، ابيقور، بلوتارك، فارو، كاتو الوقيب، كاتو أوتيكا، شيشرون، سنكا، سليمان، الرسل، أوريجن ارازمز، مونتاني، بيكون، هوبز، ملتون، تللوستون، ولوك. وهنا وعند تولاند أيضاً، نجد نموذجاً لقائمة أوجست كونت عن أعلام مذهب الوضعية...وأنيرت له المنابر والجامعات وأمطرته وابلاً من الردود، وقالت أن كولنز رأى أن التعقل يتطلب الترحال. أنه ربما تأثر أثناء إقامته في هولندا بآراء سبينوزا وبيل، ولدى عودته إلى إنجلترا أثار عاصفة أخرى بكتابه "بحث في الحرية الإنسانية" (1715)... وبعد ذلك بتسع سنين أثار جو اللاهوت برسالته "بحث في أسس الدين المسيحي وتفسيره". واقتبس عن الرسل وعن بسكال ما بنوا به شرحهم للمسيحية على نبوءات العهد القديم التي حققتها الشريعة الجديدة فيما يبدو، وجادل في أن هذه النبوءات لم تتضمن أية إشارة إلى المسيحية والمسيح. ورد عليه خمسة وثلاثون من رجال اللاهوت في خمس وثلاثون رسالة. وكان الخلاف ما زال محتد ما حين وصل فولتير إلى إنجلترا 1726، وطابت به نفسه في عبث مزعج، ونقله إلى فرنسا حيث وجد طريقه إلى "الاستنارة" المتشككة. وواصل حركة الربوبية في إنجلترا وليم هويستون، ماتيو تندال، توماس تشب وكونيرز مدلتون، وانتقلت عن طريق بولنريك والفيلسوف شافتسبري إلى جيبون وهيوم. ولم تعد مقبولة عند الطبقات الحاكمة مذ ارتابوا في إنها تشجع الأفكار الديموقراطية، ولكن أثرها المباشر كان ملموساً في تزعزع عابر في العقيدة الدينية. وفي 1711 رفع إلى مجلس اللوردات تقرير رسمي عن هذا الموضوع. من المجلس الكنسي والإنجيلي في مقاطعة كنتربري. ويصف التقرير سعة انتشار الكفر والدنس، والشكوك في الخلود، وانتقاص من قدرة القساوسة على أنهم دجالون(89). وفي مطلع القرن الثامن عشر في إنجلترا "هبط الدين إلى الربوبية(90)"
قصة الحضارةج34 ص 35،36، عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الفلسفة الإنجليزية -> الربوبيون
 
جون لوك 1632 - 1704 من سيرة حياته، وقد تعلم العربية في مدرسة وستمنستر في إنجلترا القرن ال17، زمن شارل الأول الذي أُعدم ولوك في سن الشباب!
قال ديورانت
:"ولد أعظم فلاسفة العصر أثراً في رنجتون بالقرب من برستول، في نفس العام الذي ولد في سبينوزا. ونشأ وترعرع في إنجلترا التي قامت فيها ثورة دامية وقتلت مليكها، وأصبح الصوت المنادي بثورة سلمية وعصر يسوده الاعتدال والتسامح، ومثل التسوية الإنجليزية في أحكم صورة وأفضلها. كان أبوه محامياً بيوريتانياً ناصر مع شيء من التضحية قضية البرلمان، وشرح لابنه نظريتي سيادة الشعب والحكومة النيابية، وبقي لوك مخلصاً لهذه الدروس مؤمناً بها، شاكراً معترفاً بفضل أبيه في تعويده على الرصانة الدروس مؤمناً بها، شاكراً معترفاً ليدي ماشام عن والد لوك أنه:-
سلك معه في صغره نهجاً تحدث عنها الابن فيما بعد في استحسان بالغ. ذلك أنه كان قاسياً عليه بإبقائه في رعب شديد منه، وعلى أبعد منه، حين كان صبياً. ولكنه كان يخفف من هذه القسوة شيئاً فشيئاً حتى استوى جون رجلاً، آنس منه رشداً ومقدرة فعاش مع صديقاً حميماً(104). ولم يقر لوك لمعلميه بمثل هذا الفضل. وفي مدرسة وستمنستر أرهق باللاتينية واليونانية والعبرية والعربية، ومن الجائز أنه لم يسمح له بشهود إعدام شارل الأول (1649) في ساحة قصر هويتهول القريب من المدرسة، ولكن هذه الحادثة تركت أثراً في فلسفته. وعوقت اضطرابات الحرب الأهلية التحاقه بكلية كريست في أكسفورد حتى بلغ العشرين من عمره... ودرس الطب ولكنه لم يحصل على درجة فيه إلا في 1674. وفي الوقت نفسه قرأ ديكارت، وأحس بسحر الفلسفة حين تحدثت في جلاء ووضوح. وساعد روبرت بويل في تجاربه المعملية، وملأه الإعجاب بالمنهج العلمي. وفي 1667 تلقى دعوة للحضور والإقامة في قصر أكستر ليكون طبيباً خاصاً لأنطوني آشيلي كوبر الذي سرعان ما أصبح أرل شافتسبري الأول، وعضو الوزارة أيام شارل الثاني، ومنذ هذا التاريخ إلى ما بعده، وعلى الرغم من احتفاظه رسمياً بمنصبه في أكسفورد حتى 1683، وجد لوك نفسه غارقاً في خضم السياسة الإنجليزية حيث شكلت أحداثها ورجالاتها أفكاره
قصة الحضارة ج34 ص 42،43/ عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الفلسفة الإنجليزية -> جون لوك
 
جون لوك يدعم المؤامرة المسلحة على إنجلترا(1)
فدعم وليم الثالث الهولندي وجيوش دول كبرى للإستيلاء على عرش إنجلترا
قال ديورانت
"وفي 1687 اشترك في مؤامرة لإحلال وليم الثالث محل جيمس الثاني على عرش إنجلترا(110). فلما نجحت حملة نائب الملك في هذه المغامرة أبحر لوك إلى إنجلترا (1689) على نفس السفينة التي أقلت الملكة المقبلة ماري(111). وقبل مغادرة هولندا كتب باللاتينية إلى لمبورخ رسالة تفيض بأحر العواطف
قصة الحضارة ج34 ص 45، عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الفلسفة الإنجليزية -> جون لوك
 
جون لوك يدعم المؤامرة المسلحة على إنجلترا(2) واشتراك في مناصب حكم وليم الثالث
"وفي إنجلترا التي تولى فيها أصدقاء لوك مقاليد الحكم، تقل الفيلسوف عدة مناصب رسمية. ففي 1690 كان مفوض الاستئناف، وفيما بين 1696- 1700 كان مفوض التجارة والزراعة، وكان صديقاً حميماً لجون سومرز النائب العام، وشارل مونتاجو أرل هاليفاكس الأول، وايزاك نيوتن الذي ساعده لوك في إصلاح العملة. وبعد 1691 قضى معظم وقته في أوتس مور في أسكس مع سير فرانسيس ماشام وقرينته ليدي داماريس ماشام إحدى بنات رالف كودورث. وظل في هذا الركن الهادئ يكتب وينقح ما كتب حتى وافته المنية.
قصة الحضارة ج34 ص 46، عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الفلسفة الإنجليزية -> جون لوك
 
جون لوك يدعم المؤامرة المسلحة على إنجلترا(3) يهدي كتابه مقدمة عن الحكم المدني لقائد عسكري --وليم الثالث الهولندي-استولى فيما بعد على إنجلترا بقوات دول عديدة(اسبانيا، النمسا، المانيا، هراطقة!
قال ديورانت
"قبل مغادرته هولندا فإنه عجل بطبع مقالي "الحكم المدني" قبله، لأنه كان تواقاً إلى تزويد "الثورة الجليلة 1688slash1689 بأساس فلسفي. وقد أثبت هذا الهدف صراحة في مقدمة المقال الأول "لتثبيت عرش منقذنا العظيم مليكنا الحالي وليم الثالث، وتدعيم حقه الشرعي أمام الناس.... وأبرز عمل الشعب الإنجليزي في نظر العالم، ذلك الشعب الذي أنقذ حبه لحقوقه الطبيعية العادلة وتصميمه على المحافظة عليها، أنقذ الأمة التي كانت شفا العبودية والدمار(113)".
وكان المقال الأول والأصغر رداً على "دفاع عن السلطة الطبيعية للملك" الذي كان سير روبرت فيلمر قد ألفه حوالي 1642 تدعيماً لحقوق شارل الإلهية، والذي لم يكن قد وصل إلى المطبعة إلا مؤخراً (1680) في ذروة حكم شارل الثاني المطلق المنتصر. ولم يكن هذا الكتاب أحسن ما دبج قلم سير روبرت، فإنه نشر في 1648 دون أن يذكر أسمه، "فوضى الحكم المختلط المحدد" الذي استبق به آراء هوبز. ...وفي المقال الثاني من "الحكم المدني" تحول لوك إلى مهمة البحث لحكم وليم الثالث في إنجلترا عن سند أقوى من الحق الإلهي الذي يعيد لسوء الحظ السلطة إلى جيمس الثاني. إن لوك حين اسندج ارتقاء وليم العرش من رضا المحكومين افترض أكثر مما استطاع إثباته بالتاريخ: إن الشعب لم يكن قد أعلن قبوله غزو وليم لإنجلترا، كما أن النبلاء أو أبناء الطبقة الأرستقراطية الذين كانوا قد وضعوا الخطة لهذا الغزو لم يكونوا فكروا في الحصول على موافقة الشعب، ولم يفكروا إلا في تجنب مقاومته، ومع ذلك فإن لوك في التماسه سنداً من الفلسفة لسلطة وليم، أتى بدفاع مؤثر عن سيادة الشعب. وفي سبيل دفاعه عن الملك الحاكم بسط نظرية الحكومة النيابية، وفي سياق عرضه الأساسي المنطقي لحركة الأحرار (الهويجز) والمدافعين عن حق التملك، صاغ إنجيل الحرية السياسية، وأنهى هيمنة هوبز على الفلسفة السياسية الإنجليزية.
وحذا لوك حذو هوبز في افتراض "حالة طبيعية" بدائية. قبل نشوء الدول. وشكل- مثل هوبز وفليمر- التاريخ وفقاً لأغراضه ولكنه على عكس هوبز، تصور أن الأفراد في "الحالة الطبيعية" كانوا أحراراً متساوين، واستخدم هذه اللفظة، كما استخدمها جفرسون حين نسج من منواله، لتعني أنه ليس لأحد بالطبيعة "حقوق" أكثر مما لسواه، وهو يبيح للإنسان في "الحالة الطبيعية" غرائز معينة بمثابة إعداد سايكولوجي للمجتمع، ويأتي لوك أحياناً بافتراضات لطيفة "من حيث أن كل إنسان حر بالطبيعة، فليس في إمكان أي شيء أن يخضعه لأية سلطة دنيوية إلا برضاه وموافقته...(119)" ولم يكن "الطور الطبيعي" في هذه النظرية- كما صوره هوبز- حرباً بين الناس بعضهم بعضاً، لأن "سنة أو قانون الطبيعة" أيد حقوقهم بوصفهم حيوانات عاقلة. وذهب لوك إلى أنه بمقتضى العقل توصل الناس إلى اتفاق "عقد اجتماعي"، الواحد منهم مع الآخر تنازلوا فيه عن حقوقهم الفردية في القضاء والعقاب، لا لملك، بل للجماعة ككل. وعلى هذا تكون الجماعة هي السيد أو الحاكم الحقيقي، وهي تختار بأغلبية الأصوات رئيساً أعلى ينفذ مشيئتها(120). ويمكن أن يسمى ملكاً، ولكنه مثل أي مواطن آخر ملتزم بطاعة القوانين التي تسنها الجماعة. فإذا سعى (مثل جيمس الثاني) إلى خرقها أو المراوغة في تطبيقها، كان للجماعة الحق في سحب السلطة التي منحاه إياه. والحق أن لوك لم يكن يدافع عن وليم ضد جيمس، بل عن البرلمان (المنتصر الآن) ضد أي ملك، إن أعلى سلطة في الدولة ينبغي أن تكون السلطة التشريعية، التي يجب أن تختارها الأصوات الحرة غير المشتراة. ويجدر أن توقع القوانين أشد العقوبة على كل محاولة لشراء أصوات المواطنين أو المشرعين.
قصة الحضارة ج34 ص 46-49، عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الفلسفة الإنجليزية -> جون لوك





 
جون لوك يدعم المؤامرة المسلحة على إنجلترا(4)
" ولم يتنبأ لوك بأن وليم الثالث الذي أعجب الفيلسوف به قد يضطر إلى شراء أصوات أعضاء البرلمان، وأن الأسرات القوية قد تستمر لمائة وأربعين عاماً بعده تتحكم في أصوات "المدن الفاسدة القابلة للرشوة" أو تقرر مصيرها. وينبغي أن تكون السلطة التشريعية مستقلة تمام الاستقلال عن السلطة التنفيذية، وأن يكون كل من جهازي الحكومة هذين رقيباً على الآخر... . ولكنه بوصفه نبي الثورة الجليلة وصوتها لم يستطع أن ينكر "الحق في قلب الحكومة(125)". إن الشعب في حل من الطاعة إذا كان ثمة محاولات غير مشروعة للاعتداء على حرياته وممتلكاته
قصة الحضارة ج34 ص 50، عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الفلسفة الإنجليزية -> جون لوك
 
قال ديورانت
"وانتقلت آراء لوك من إنجلترا إلى فرنسا مع فولتير في 1729، واعتنقها مونتسكيو عند زيارته لإنجلترا 1729slash1731، وكان لها صدى عند روسو وغيره قبل الثورة الفرنسية وفي أثنائها، وبرزت باحلى معانيها في "إعلان حقوق الإنسان" الذي أصدرته الجمعية التأسيسية 1789. وعندما ثار مستعمرو أمريكا في وجه جورج الثالث حين استعاد قوة الملك وسلطانه، نراهم اقتبسوا آراء لوك وصيغه بل ألفاظه تقريباً في "إعلان الاستقلال" الذي أصدروه. كما أن الحقوق التي أثبتها لوك أصبحت "وثيقة الحقوق" في التنقيحات العشرة الأولى للدستور الأمريكي. أما نظريته في فصل السلطات، كما وسعها منتسكيو لتشمل السلطة القضائية، فقد أصبحت عنصراً أساسياً في شكل الحكومة الأمريكية، كما أخذت عنايته البالغة بالملكية طريقها إلى التشريع الأمريكي، وأثرت مقالاته عن التسامح في الآباء المؤسسين في فصل الكنيسة عن الدولة وإقرار الحرية الدينية ويندر أن نجد في تاريخ الفلسفة السياسية رجلاً بمفرده كان له مثل هذا الأثر الخالد الباقي.
قصة الحضارة ج34 ص 52، عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الفلسفة الإنجليزية -> جون لوك
 
قال ديورانت
"وانتقلت آراء لوك من إنجلترا إلى فرنسا مع فولتير في 1729، واعتنقها مونتسكيو عند زيارته لإنجلترا 1729slash1731، وكان لها صدى عند روسو وغيره قبل الثورة الفرنسية وفي أثنائها، وبرزت باحلى معانيها في "إعلان حقوق الإنسان" الذي أصدرته الجمعية التأسيسية 1789.

قصة الحضارة ج34 ص 52، عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الفلسفة الإنجليزية -> جون لوك
تعليق
لو وضعت نفس تلك الألفاظ لديورانت، (انتقلت آراء، واعتنقها مونتسكيو، وكان لها صدى عند ...) مع الألفاظ التي مدح بها إنتقال علوم حضارتنا إلى أوروبا ، وعرضت كافة المؤثرات الإسلامية، وكيف انتقلت، لعلمت أن التأثير الإسلامي عظيم وهائل
 
"كان لوك قد بلغ السادسة والخمسين من العمر حيث عاد من منفاه. ولم يكن قد نشر سوى بعض مقالات قليلة الشأن، وخلاصة بالفرنسية "للمقال" في المكتبة العالمية التي كان يصدرها لي كلارك (1688) ولم يكن يعرف عن اشتغاله بالفلسفة إلا نفر قليل من أصدقائه. وما هي إلا سنة واحدة، هي "سنة العجائب" حتى دفع إلى المطبعة ثلاثة كتب سمت به إلى مصاف الشخصيات البارزة الكبرى في عالم الفكر في أوربا. وظهرت "رسالة عن التسامح" في مارس 1689، في هولندا، ثم ترجمت إلى الإنجليزية في الخريف. وأعقبتها في 1690 "برسالة ثانية عن التسامح". وفي فبراير 1690 أصدر مقاليه عن "الحكم المدني"، وهما حجر الزاوية في النظرية الحديثة للديموقراطية في إنجلترا وأمريكا، وبعد شهر واحد أخرج كتابه "بحث في العقل الإنساني"، وهو أعظم المؤلفات أثراً في علم النفس الحديث. وعلى الرغم من إتمامه هذا الكتاب الأخير قبل مغادرته هولندا فإنه عجل بطبع مقالي "الحكم المدني" قبله، لأنه كان تواقاً إلى تزويد "الثورة الجليلة 1688slash1689 بأساس فلسفي. وقد أثبت هذا الهدف صراحة في مقدمة المقال الأول "لتثبيت عرش منقذنا العظيم مليكنا الحالي وليم الثالث، وتدعيم حقه الشرعي أمام الناس.... وأبرز عمل الشعب الإنجليزي في نظر العالم، ذلك الشعب الذي أنقذ حبه لحقوقه الطبيعية العادلة وتصميمه على المحافظة عليها، أنقذ الأمة التي كانت شفا العبودية والدمار(113)".
وكان المقال الأول والأصغر رداً على "دفاع عن السلطة الطبيعية للملك" الذي كان سير روبرت فيلمر قد ألفه حوالي 1642 تدعيماً لحقوق شارل الإلهية، والذي لم يكن قد وصل إلى المطبعة إلا مؤخراً (1680) في ذروة حكم شارل الثاني المطلق المنتصر. ولم يكن هذا الكتاب أحسن ما دبج قلم سير روبرت، فإنه نشر في 1648 دون أن يذكر أسمه، "فوضى الحكم المختلط المحدد" الذي استبق به آراء هوبز. وعلى الرغم من إيداع فيلمر السجن لدفاعه عن قضية خاسرة فإنه دافع عنها ثانية في "ملاحظات على كتاب السياسية لأرسطو" الذي نشر غفلاً من اسم المؤلف في 1652، قبل وفاته بعام واحد.
صور فيلمر الحكومة بأنها امتداد للأسرة. وأودع الله السيادة في الأسرة الإنسانية الأولى، في آدم الذي أنحدر من الآباء. وعلى أولئك الذين (مثل خصوم فيلمر) يؤمنون بأن الكتاب المقدس منزل من عند الله، أن يسلموا بأن الأسرة الأبوية وسلطة الأب. أقرهما الله. وانتقلت هذه السيادة من الآباء إلى الملوك. وكان الملوك الأوائل آباء، وكان سلطانهم شكلاً من حكم الآباء، مشتقاً منه، فالملكية إذن ترجع إلى آدم، ومن ثم إلى الله. وسيادة الملوك، إلا إذا أمروا بخرق صريح للقانون الإلهي، مقدسة مطلقة. والتمرد عليها خطيئة وجريمة في وقت معاً(114).
وعلى نقيض النظرية التي تقول بأن الإنسان ولد حراً، يقول فيلمر بأن الإنسان ولد خاضعاً لعادات الجماعة وقوانينها، وللحقوق الطبيعية والشرعية للوالدين على أولادهم. "إن الحرية الطبيعية" خرافة رومانسية. وأنها لخرافة أيضاً أن الحكومة قامت برضا أفراد الشعب واتفاقهم. "والحكومة النيابية" خرافة أخرى. فالممثل لا يختاره إلا أقلية ضئيلة نشيطة في كل دائرة انتخابية(115). وكل حكومة هي من أغلبية عن طريق أقلية. ومن طبيعة الحكومة أن تكون فوق القانون. فللهيئة التشريعية، بمقتضى تعريفها، سلطة سن القوانين وتغييرها أو إلغائها. "وأنا لنخدع أنفسنا إذا راودنا الأمل يوماً في أن تحكمنا سلطة غير استبدادية(116)" وإذا كان للحكومة أن تعتمد على إرادة المحكومين، فسرعان ما ينتهي الأمر إلى عدم وجود حكومة البتة، فإن كل فرد أو مجموعة أفراد ستزعم لنفسها الحق في العصيان والتمرد وفقاً لما يمليه "الضمير". وتلك هي الفوضى أو حكم الرعاع". وليس هناك طغيان يمكن أن يقاس بطغيان الجماهير(117)".
وأحس لوك أن مهمته الأولى، وهو المدافع عن الثورة الجليلة أن يدحض حجج فيلمر. وقال "أنه لم يكن هناك يوماً مثل هذا الهراء المرتجل دون ترو بمثل هذه الكثرة في لغة إنجليزية رنانة" كما جاء في مقالات سير روبرت(118). ليس لي أن أتحدث بمثل هذه الصراحة على رجل لم يعد يستطيع أن يرد"، لو لم يعتنق المنبر السنين الخوالي علانية نظريته ويجعل منها عقيدة مقدسة رائجة في هذا العصر"- يعني لو لم يعتنق رجال الكنيسة الأنجليكانية نظرية حقوق الملوك الإلهية حتى في عهد الملك الكاثوليكي جيمس الثاني، وانتقل لوك، في تهكم هازل، لاذع أحياناً، ليفترض على أن فيلمر أرجع سلطة الملك إلى ما افترض من سلطة آدم وآباء التوراة، ولسنا في حاجة إلى تتبعه في طول دحضه للكتاب المقدس. ونحن اليوم نبرر خلافاتنا السياسية بوسائل أخرى غير الأسفار المقدسة أن شائناً من تفكير فليمر لا يزال باقياً بعد أن تناوله لوك بهذه الطريقة الخشنة- المحاولة مهما كانت خاطئة في تفصيلها لإلقاء الضوء على طبيعة الحكومة بالتماس أصولها في التاريخ، حتى في البيولوجيا. ومن المحتمل أن فليمر ولوك كليهما انتقصا من قدر الدور الذي لعبه الغزو والقوة في إقامة الدول.
قصة الحضارة ج34 ص46-49، عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الفلسفة الإنجليزية -> جون لوك





 
‫#‏من_قصة_الحضارة_لويل_ديورانت‬
جون لوك يرفض الثالوث ويبدو انه آمن بعقيدة الإيمان بالله الواحد
:"نشر لوك في 1695 "معقولية المسيحية كما تنقلها الأسفار المقدسة". وأعاد قراءة العهد الجديد، كما يمكن أن يقرأ الإنسان كتاباً جديداً، طارحاً كل التعاليم والتعليقات جانباً (كما قال)...بدا له أن هذه الأساسيات أكثر اعتدالاً وبساطة من اللاهوت المعقد في المواد التسع والثلاثين، أو اعتراف وستمنستر أو مذهب أثناسيوس. واقتبس من الإنجيل فقرة بعد فقرة، لا تطلب كلها من المسيحي إلا أن يؤمن بالله وبأن المسيح رسول من عند الله. وهنا- كما يقول لوك ديانة بسيطة صريحة واضحة، صالحة لكل إنسان، لا تعتمد على أي فقه أو لاهوت. وفيما يتعلق بوجود الله، فقد شعر لوك "بأن أعمال الطبيعة بكل دقائقها أوفى دليل على وجود الله(158)" وحاول لوك من وجوده هو نفسه أن يبرهن على "سبب أول"، وانتهى إلى أن مثل هذه الخصائص لا بد أن تنسب أيضاً إلى الله، والله "عقل سرمدي خالد(159)"
قصة الحضارة ج34 ص61، عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الفلسفة الإنجليزية -> جون لوك
 
جون لوك: التسامح مع الجميع إلا الكاثوليك!!!
ومن أجل ذلك دعم هجوم وليم الثالث على إنجلترا وإستلاءه على العرش
قال ديورانت
"ومهما يكن من أمر، فإن لوك ألح على أن تتمتع بالحرية الكاملة في إنجلترا كل المذاهب المسيحية فيما خلا الكثلكة. وكان قد كتب مقالاً عن التسامح في 1666. وعندما ارتحل إلى هولندا 1683 وجد هناك من حرية العبادة أكثر مما كان في إنجلترا. ولا بد أنه قرأ أثناء أقامته في هولندا دفاع بيل القوي عن التسامح الديني(1686). وحركت مشاعره هجرة الهيجونوت واضطهادهم (1685) فكتب إلى صديقه لمبروخ رسالة استحث نشرها. فطبعت باللاتينية 1689 تحت عنوان "رسالة في التسامح" وظهرت ترجمتها إلى الإنجليزية قبل نهاية العام. واستنكرها أحد أساتذة أكسفورد، فدافع عنها لوك، وكان آنذاك في إنجلترا، في رسالة ثانية وثالثة" عن التسامح في 1690slash1692. ولم يحقق قانون التسامح الذي صدر في 1689 من مقترحات لوك إلا قليلاً جداً، ذلك أن القانون استبعد الكاثوليك والتوحيديين واليهود والوثنيين وحظر تولي الشئون العامة على المخالفين. إن لوك أيضاً أتى باستثناءات فلم يكن ليتسامح مع الملحدين حيث رأى أنهم غير أهل للثقة ما داموا لا يخشون إلهاً ولا ديانة توقع عذاباً مادياً، بالتضحية بالإنسان مثلاً، ولم يتسامح مع مذهب يتطلب الولاء لسلطة أجنبية، ومفهوم أنه كان يعني الكثلكة(160). ودعا صراحة إلى التسامح مع المشيخيين والمستقلين، وأنصار تجديد العماد، والأرمينيين والكويكرز. ولم يتجاسر على القول بالتسامح مع التوحيديين ولو أن أرل شافتسبري الأول الذي قضي نحبه في أمستردام 1683 كان قد ذكر أنه قد استقى مذهب الأرمينيين والتوحيديين من سكرتيره لوك(161).
وقال لوك بأن القانون ينبغي أن يهتم فقط بالحافظة على النظام الاجتماعي. فإن القانون الحق في القضاء على كل ما من شأنه العمل على التخريب في الدولة، ولكن ليس له ولاية ولا سلطان على نفوس الناس، وليس لآية الكنيسة سلطة لإرغام الناس على مشايعتها.. فما أسخف أن يعاقب الناس في الدنمرك لأنهم غير لوثريين، أو في جنيف لأنهم لا يتبعون مذهب كلفن، أو في فيينا لأنهم لا يعتنقون المذهب الكاثوليكي. وفوق كل شيء، أي فرد أو أية جماعة أتيح لها إدراك الحقيقة كاملة عن حياة البشر ومصير الإنسان؟ ولحظ لوك أن معظم الديانات تنادي بالتسامح في أيان ضعفها، ولكنها تأباه في أيام قوتها.. ورأى أن الاضطهاد مصدره شهوة السلطان والسيطرة، والحقد المقنع في ثياب الغيرة الدينية. والاضطهاد يصنع المنافقين، أما التسامح فإنه يشجع المعرفة والحق، وكيف يعمد المسيحي إلى الاضطهاد والتعذيب والإساءة، وقد أخذ على نفسه عهداً بالبر والإحسان ومحبة الناس؟
وواصل لوك حملته من أجل التسامح حتى غابت شمس حياته. وكان منهمكاً في كتابة رسالة رابعة في نفس الموضوع حين وافته المنية. وعاجله الموت 1704
قصة الحضارة ج34 ص61-63، عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الفلسفة الإنجليزية -> جون لوك
 
فكرة التسامح عند الفيلسوف جون لوك يطرد الملاحدة منها والكاثوليك!!!
:"إن لوك أيضاً أتى باستثناءات فلم يكن ليتسامح مع الملحدين حيث رأى أنهم غير أهل للثقة ما داموا لا يخشون إلهاً ولا ديانة توقع عذاباً مادياً، بالتضحية بالإنسان مثلاً، ولم يتسامح مع مذهب يتطلب الولاء لسلطة أجنبية، ومفهوم أنه كان يعني الكثلكة(160).
قصة الحضارة ج34 ص62، عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الفلسفة الإنجليزية -> جون لوك
 
في الصفحات التي خصصها ديورانت لجون لوك وبعض من عاصره ترى اختلافا كبيرا بين الظواهر التي يقسمون على انها هي الحقيقة ، وهذا يعني أن العلمانية هي فرضيات نتجت غالبا عن تفكير إنساني بعيد عن ضوابط الوحي، وثوابته في ماهو الإنسان، وماهي الحياة، وماهي الفطرة، وماهو الدين، وماهي الأسباب، وماهو العقل، وماهي منهجية التفكير، فجون لوك يرفض المعرفة الفطرية ويرجع الامر لتأثيرات خارجية، فينكر الفطرة والأخلاق الفطرية أو التي دعا إليها الوحي، واما جورج باركلي 1685-1753 فينكر العالم الخارجي ويقول ان المادة غير موجودة وانها فقط في داخل الذهن الانسانيوذهب معاصرو باركلي إلى أن هذا لهو إيرلندي، وكتب لورد تشسترفيلد إلى ابنه:-
أن الدكتور باركلي الرجل الفاضل العبقري العالم، ألف كتاباً ليثبت أنه ليس هناك شيء مما يسمونه المادة، وأنه لا يوجد شيء إلا فكرة... وحججه مفحمة، بكل معنى الكلمة، ولكني أبعد ما أكون عن الاقتناع بها، إلى حد أني مصمم على أن آكل وأشرب وأمشي وأركب، حتى أحفظ تلك "المادة" التي أتصور خطأ، في الوقت الحاضر، أن جسمي يتكون منها، على أحسن حالة ممكنة(188).
،وكل العالم يعرف ما بذل دكتور جونسون من جهد عظيم في الرد على دكتور باركلي: يقول بوزول: بعد خروجنا من الكنيسة، وقفنا لبعض الوقت معاً نتحدث عن سفسطة الأسقف باركلي أو مغالطته البارعة لإثبات عدم وجود المادة، وأن كل شيء في الكون مجرد أفكار، ولاحظت أنه على الرغم من أننا قانعون بأنها غير صحيحة، فإنه من المتعذ1ر دحضها. وأن أنسي لن أنسي اندفاع جونسون في الرد، وهو يضرب بقدمه وبقوة شديدة حجراً كبيراً حتى أزاحه فارتد وسمع له صوت، وقال: "إني أدحضها هكذا(189)". قصة الحضارة ج34 ص70،عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الفلسفة الإنجليزية -> جورج باركلي
أما شافتسبري 1671-1713، وهو تلميذ لوك، " كان أنطوني آشلي كوبر، أرل شافتسبري الثالث، تلميذ لوك"،(ج34 ص63) قال ديورانت عنه"وعلى عكس هذا الرأي، زعم شافتسبري أن الطبيعة الإنسانية مزودة بشكل مضاعف بغرائز للنفع الشخصي، وغرائز للعيش في جماعة. وأعتقد أن المجتمع والدولة ما نشأتا عن العقد الاجتماعي. بل عن "مبدأ القطيع" أو نزعة التزامل... وهي نزعة طبيعية قوية في معظم البشر(173)وهناك "عواطف طبيعية قائمة في حب الجنس البشري. وفي محاولة إرضائه، والشعور الودي نحوه والتعاطف معه.... وتوافر هذه العواطف في بالغ قوتها معناه توافر الوسائل الأساسية للمتعة الذاتية، أما الافتقار إليها فهو التعاسة والسقم المحققان(174)". وكون المرء "طيباً صالحاً" معناه توجيه كل ميوله ونزعاته توجيهاً مستقيماً ثابتاً نحو خير الجماعة، وكلما كبرت الجماعة التي توحي بهذه المشاعر وتبثها، حسنت حال النسا فيها. والشعور بهذا التعاطف الاجتماعي هو الوعي الأخلاقي. وهذا شيء فطري، لا من حيث المتطلبات النوعية (التي تختلف من جماعة إلى جماعة) ولكن من حيث أساسه الغريزي، "الإحساس بالصواب "والخطأ، وهو فنياً أمر طبيعي مثل الميل الطبيعي نفسه، وهو من أول المبادئ في تكويننا(175)". قصة الحضارة ج34 ص65، عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الفلسفة الإنجليزية -> شافتسبري
"لكن لوك يبدأ بنبذ "المبادئ الفطرية". أن هناك رأياً ثابتاً لدى الناس بأن هناك في العقل بعض "مبادئ فطرية معينة، أو بعض مفاهيم غامضة أولية مطبوعة في ذهن الإنسان تتلقاها النفس منذ بداية نشأتها، وتأتي بها معها إلى الدنيا". ويأخذ في إيضاح "بطلان هذه الفرضية(135)"...وكان ديكارت فقد ذهب إلى أن فكرة الله فطرية أصيلة فينا، ولكن لوك ينكر هذا الرأي...وبالمثل ليس هناك "مبادئ عملية فطرية"- ليس هناك مفاهيم فطرية عما هو صواب وما هو خطأ. ......وبعد أن تخلى لوك عن "الأفكار الفطرية" جاء ليتساءل: كيف تولد أو تنشأ الأفكار؟ "فلنفترض أن العقل (عند الولادة)، كما يمكن أن يقال، صفحة بيضاء خالية من أي رسم أو نقش، ومن أية أفكار، فكيف يتأتى تزويده؟.... وعلى هذا السؤال نجيب بكلمة واحدة، من الخبرة، وعليها تبنى كل المعرفة، ومنها تستمد في النهاية(139)". فكل الأفكار مستمدة أما من الإحساس والانعكاس على نتاج إحساسنا. والأحاسيس كلها مادية، ونتائجها العقلية هي الإدراك الحسي، وهو "أولى مواهب العقل"(140). "
قصة الحضارة ج34 ص 54،55، عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الفلسفة الإنجليزية -> جون لوك
 
التراث العقلي لرينييه ديكارت (!) ديكارت فيلسوف من القرن ال17
"وكان للتراث نفسه ثلاثة أبواق، ردد أحدها صوت الشك أساساً واستهلالاً لكل فلسفة، وأعلن الثاني عن الآلية الشاملة للعالم الخارجي، وأما الثالث فقد عزف ألحان الترحيب بالعقيدة التقليدية، وأخرج الله والإرادة الحرة والخلود من دوامة العالم. وكان ديكارت قد بدأ بالشك وانتهى بالتقوى، واستطاع خلفاؤه أن يتناولوه على أي من الوجهين.
قصة الحضارة ج34 ص 74، عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الدين والعقل في فرنسا -> تقلبات الديكارتية
 
ديكارت (2) في القرن السابع عشر
"وكانت النساء البارزات في المجتمع تشهدن المحاضرات التي يلقيها أتباع ديكارت في باريس(2). وتبنى كبار النبلاء النهج الفلسفي. وكانت الندوات الديكارتية تعقد أسبوعياً في قصر دوق دي لوين، وف يقصر الأمير دي كونديه في باريس، "وفي أفخم فنادق العاصمة(3). وعلمت الطوائف الدينية-الوعاظ-والبندكت والأوغسطيون-الفلسفة الجديدة في مدارسها. وأصبحت أسلوباً جديداً لتمجيد العقل في العلم والشؤون الإنسانية، مع إخضاعه بدقة، في الدين، للوحي الإلهي كما فسرته الكنيسة الكاثوليكية. وتقبل أنصار جانيسن وكنيسة يورت رويال الديكارتية باعتبارها توفيقاً رائعاً بين الدين والفلسفة.
ولكن ألمع المرتدين فيهم، بليزبسكال استنكر الديكارتية مدخلاً للإلحاد، وقال "لن لأغفر لديكارت، ربما كان مغتبطاً، وفي كل فلسفته، بالاستغناء عن الله، ولكنه ما كان في مقدوره أن يتحاشى السماح له بنقرة بطرف الإصبع ليحرك العالم، بعد أن في غير حاجته إلى الله(4)". وفي هذه النقطة اتفق اليسوعيون مع بسكال، وبعد 1650 نبذوا الديكارتية باعتبارها وسيلة ماكرة خبيثة لتقويض أركان العقيدة الدينية. وأرادت السوربون حرمان ديكارت من حماية القانون، فدافع عنه بوالو، وحرض نينودي لنلكوس وغيره موليير على هجاء السوربون، فأذعنت للنقد وتوقفت(5). أما العلامة هيوت الذي ناصر الديكارتية لأمد طويل. فإنه انقلب عليها لأنها لم تقف من المسيحية موقفاً ثابتاً، تناولها بالمديح تارة وبالتجريح تارة أخرى. وتزايد انزعاج رجال اللاهوت لصعوبة التوفيق بين تحول الخبز والخمر إلى جسد المسيح ودمه، وبين وجهة مظر ديكارت في "المادة" باعتبارها امتداداً خالصاً. وفي 1665 حرم لويس الرابع عشر تدريس الفلسفة في الكلية الملكية، وفي 1671 امتد هذا الحظر إلى جامعة باريس، وفي 1687 اشترك بوسويه في الهجوم على الديكارتية.
قصة الحضارة ج34 ص 75، عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الدين والعقل في فرنسا -> تقلبات الديكارتية
 
ماتبقى من ديكارت ، وتطور الفكر المادي داخل الظروف الأوروبية!!
مايتبقى من عقيدة عن أي فيلسوف علماني سرعات ماتسقط تحت وطأ الآلية المادية المتنامية تحت وقع الفرضيات المتعارضة لكن داخل المجال المادي نفسه، وهنا تسقط في الغرب تباعاً كل العقائد والقيم الأخلاقية الدينية، وتقوم العلمانية بعمل الدين، وبالسيادة العليا التي كانت تسعى إليها بديلاً عن الحكم المطلق للباباوات أو الملوك.. وكان الإسلام نوراً لها في الحرية والتعدد المساواتي في المجتمع، والعقل والتجريب، لكنها انطلقت بعيدا في إتجاه الإخلاق العلمانية الجديدة، وتكونت المذاهب الإجتماعية والنفسية ، والسياسية والنقدية في ظل هذا المجال الواسع!
لننظر ماذا يقول ديورانت عن ديكارت وماتبقى منه!
قال ديورانت
"وانتشر الشك الأولى الذي جاء به هذا المقال خفية، أما ملحقاته أو ذيوله القويمة المستقيمة فقد ذبلت وانطفأت جذوتها. وما كان يبقى في القرن الثامن عشر شيء من هذا "المنهج" الذي كان يوماً ظافراً منتصراً اللهم إلا محاولته الهبوط بالعالم إلى مجرد آلة "ماكينة" تذعن لقوانين الفيزياء والكيمياء. وبدا أن كل اكتشاف جديد في العلوم يؤيد "آلية" ديكارت، ويضعف الثقة في لاهوت ديكارت. ولم يوجد مكان لرب إبراهيم واسحق ويعقوب في الصورة التي وضعها ديكارت للكون، كما أن المسيح لم يكن ماثلاً فيها. ولم يبق إلا رب عملاق أعطى العالم دفعة أولية، ثم تقاعس، اللهم إلا بوصفه كفيلاً وضامناً لأحداس ديكارت، وهذا لم يكن الرب المهيب الرهيب الذي ورد ذكره في العهد القديم، ولا الأب الرحيم الذي ورد ذكره في العهد الجديد، أنه كان رب "الربوبيين"، غير مشخص ولا عمل له، جدير بالإهمال، تخضع لمختلف القوانين...وبالفعل في عامي 1669 و1678 شرحت كتب غليوم لامي الأستاذ بكلية الطب في جامعة باريس، علم نفس ميكانيكي تماماً، واستبقت بذلك كتب كوندياك "في الأحاسيس" (1704) كما شرحت فلسفة مادية استبقت كتاب لامتري "الإنسان آلي" (1748).
قصة الحضارة ج34 ص 76، عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الدين والعقل في فرنسا -> تقلبات الديكارتية
 
مالبرانش 1638-1715 ، وظروف تولد الأفكار في الغرب، القرن السابع عشر، والقرن الثامن عشر
قال ديورانت
"في مقابل افنتاج الموصوم بالكفر والمروق عند جاسندي وديكارت، وجد الإيمان سنداً قوياً، لا في باسكال وبوسيوييه وفنيلون فحسب، بل في واحد من أدق وأبرع الميتافيزيقيين في العصور الحديثة كذلك.
كاد نيقولا مالبرانش أن يكون معاصراً للويس الرابع تماماً، فقد ولد قبله بشهر، ومات بعده بشهر. ولم يكن ثمة شبه بينهما إلا هذا. وكان نيقولا وديع النفس طاهر الذيل، ومذ كان أبوه سكرتير لويس الثالث عشر، وعمه نائب الملك في كندا، فقد اجتمع له كرم المحتد وحسن التنشئة، اللهم إلا صحته، فقد كان جسمه ضعيفاً مشوهاً"قصة الحضارة ج34 ص 79،عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الدين والعقل في فرنسا -> مالبرانش
"وكان لمالبرانش أصدقاء غيورون كثيرين ...، فقد وجد الشباب وعجائز النساء في نظريته عن الله عاملاً وحيداً في كل الأفعال، سروراً باطنياً في الاستسلام لأمر الله والاتحاد مع الله. وشق الفرنسيون والأجانب طريقهم إلى صومعته. وقال أحد الإنجليز أنه ما قدم إلى فرنسا إلا ليرى اثنين طبقت شهرتهما الآفاق: لويس الرابع عشر ومالبرانش(11)...وفي 13 أكتوبر 1715 فاضت روحه وهو نائم...وفي ساعة نشوة كان مالبراش قد اقترب-ولو أنه أنكر ذلك-من جبرية جعلت من الإنسان آلة ذاتية الحركة (إنساناً أوتوماتيكياً).
إن مذهب الاتفاقية كان، فوق كل شيء حلاً وسطاً بين ديكارت وسبينوزا. رأى ديكارت الآلية أو الميكانيكية في المادة. ولكن الحرية في العقل. ورأى مالبرانش أن الله هو السبب الوحيد في كل عمل في كل عقل. واتفق سبينوزا، وهو ثمل بنشوة الوجد الإلهي "مثل أي راهب، مع مالبرانش في أن سلسلتي الأعمال العقلية والمادية كلتيهما هما نتاج متواز لقوة خلاقة واحدة. أن العابد المتأمل الورع مذ رأى الله موجوداً في كل الوجود، كان قد لقن، عن غير عمد منه، حتى المؤمنين، "وحدة وجود" (الله والطبيعة شيء واحد، الكون المادي والإنسان ليسا إلا مظاهر للذات الإلهية)، لم ينقصها إلا عبارة "الله أو الطبيعة" لتصبح فلسفة سبينوزا أو فلسفة عصر الاستنارة.
قصة الحضارة ج34 ص ع82،83،عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الدين والعقل في فرنسا -> مالبرانش
"وأكمل مالبرانش من مذهب "الاتفاقية" المتردد هذا. فالله دائماً هو سبب كل من العمل المادي والحالة العقلية، وتفاعلها صوري، ولا يتفاعل أي منهما مع الآخر . "أن الله وحده يرد الهواء الذي جعلني هو أتنفسه... لست أنا الذي أتنفس، أنني أتنفس على الرغم مني. لست أنا أتحدث إليك، وكل ما هنالك أني أرغب في التحدث إليك(9)". أن الله (الطاقة الكلية للكون) هو القوة الوحيدة. وكل ما يتحرك ويفكر، إنما يفعل هذا لأن القوة الإلهية تعمل من خلال العمليات المادية (البدنية) أو العقلية. والحركة هي الله يعمل في أشكال مادية، والتفكير هو الله يفكر في داخلنا.
إن هذه الفلسفة الجبرية بشكل واضح تكتنفها صعاب لا تحصى حاول مالبرانش أن يتغلب عليها في رسائل لاحقة. وحاول جاهداً التنسيق بين درجة من الإرادة الحرة في الإنسان وبين قوة الله الشاملة للكون، والتوفيق بين الشر والشقاء والنزعات الشيطانية المتعددة، وبين السببية أو العلية الوحيدة الموجودة في كل الوجود لنزعة خيرة عليمة قديرة، ولن نتعقبه في هذه المتاهات، ولكنه في أثناء جولاته وصولاته يترك لنا قبساً معيناً في علم النفس. فهو يرى أن الأحاسيس في الجسم لا في العقل. وفي العقل أفكار، وهو يعرف الأشياء باعتبارها فقط طوائف من الأفكار-من التركيب، والحجم واللون والرائحة والصلابة والصوت والحرارة والطعم. ومكبات الأفكار هذه ليست في الشيء نفسه، وكثير من أحكامنا على شيء-أنه كبير أو صغير، منير أو مظلم ثقيل أو خفيف، حار أو بارد، يتحرك بسرعة أو ببطء-تصف موقع المشاهد وحالته ووضعه، لا صفات الشيء الذي يشاهده. ونحن لا نعرف الأشياء. وكل ما نعرفه هو مدركاتنا وأفكارنا المتحيزة المتحولة. (وكل هذا قبل لوك باركلي بجيل واحد)."
قصة الحضارة ج34 ص ص 81،82،عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الدين والعقل في فرنسا -> مالبرانش
 
قال بييربيل 1647-1706 ، وهو من عهد من لويس الرابع عشر ، يسميه ديورانت(أبو الإستنارة)(ج34 ص83)"أن الكفار يتعلمون منا أن مجتمعاً من الملحدين قد لا يكون أسوأ خلقاً من مجتمع من المسيحيين"
قصة الحضارة -ج34 ص 86،عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الدين والعقل في فرنسا -> بيير بيل
 
ييربيل 1647-1706 ، يعترض على اضطهاد لويس الرابع عشر للهيجونوت المسيحيين مثله!
قال ديورانت
"وعجب كيف يتسنى لرجل التزم التزاماً قوياً بمذهب معين، أن يكتب تاريخاً صادقاً نزيهاً غير متحيز. كيف يمكن أن يوثق في مؤرخ مثل ميمبورج نعت معاملة لويس الرابع عشر لهيجونوت (قبل 1682) بأنها معاملة "عادلة رقيقة كريمة؟" ووجه الخطاب إلى لويس الرابع عشر، فكتب من هولندا التي كانت فرنسا قد اجتاحتها حديثاً بشكل وحشي أثيم، متسائلاً: أي حق لملك في فرض مذهبه الديني على رعاياه؟ وإذا كان له هذا الحق، لكان للأباطرة الرومان ما يبرر اضطهادهم المسيحية. وذهب بيل إلى أن الضمير هو وحده الذي يحكم عقيدة المرء. ورد ميمبورج على ذلك رداً حاسماً بالحصول على أمر من لويس الرابع عشر بإحراق أية نسخة توجد في فرنسا من كتاب بيل بواسطة السلطات المختصة.
وفي العام نفسه، 1682، أصدر بيل أول أعماله الهامة "آراء شتى حول المذنب" وهو النجم المذنب الذي كان قد عبر السماء في ديسمبر 1680. وتولى الفزع أوربا بأسرها لهذا النجم الذي بدا أن النار في ذنبه تنذر بإحراق العالم. أننا إذا رجعنا إلى الوراء لنشارك ذاك العصر خوفه وجزعه-حين فسر الكاثوليك والبروتستانت على السواء هذه الظاهرة بأنها نذر إلهية، واعتقدوا أن الله سيرسل صاعقة من السماء على الأرض الخاطئة الآثمة في أية لحظة، فإننا عندئذ فقط نستطيع أن ندرك مدى الرعب الذي انتاب الناس عند ظهور هذا اللهب على غير انتظار، أو أن نقدر مدى الشجاعة والحكمة في تعليقات بيل عليه. إن العلامة ملتون نفسه كان قد قال حديثاً "أن النجم المذنب ينشر من شعره المروع الطاعون والحرب"(13). أن بيل أسس بحثه على الدراسات الحديثة التي أجراها الفلكيون (ولكن لم يكن نجم هالي 1682 قد ظهر بعد)، ومن ثم أكد لقرائه أن النجوم المذنبة تتحرك في السموات طبقاً لقوانين ثابتة وليس لها أي علاقة بشقاء البشر أو سعادتهم. ورأى لانتشار الخرافات وإلحاحها على عقول الناس. "أن الذي يقفو زلات العباد ملتمساً أسبابها لن ينتهي من ذلك أبداً(14)". ونبذ الإيمان بكل المعجزات إلا ما ورد منها في العهد الجديد "الإنجيل"، (ولولا هذا الاستثناء، لما سمح بطبع الكتاب في هولندا). "في الفلسفة الصحيحة، ليست الطبيعة إلا الله نفسه، يعمل وفق قوانين معينة استنها سبحانه وتعالى بمحض إرادته. ومن ثم فإن أعمال الطبيعة هي من آثار قدرة الله وقوته مثل المعجزات سواء بسواء، كما أن هذه العمال تدل على وجود قدرة عظمى مثل تلك التي تدل عليها المعجزات. وأن خلق إنسان وفق قوانين التناسل الطبيعية، لا يقل صعوبة عن قيامة إنسان من بين الأموات (معجزة المسيح)(15).
قصة الحضارة -ج34 ص 85،عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الدين والعقل في فرنسا -> بيير بيل
تعليق على أخر جملة في النص السابق
فرجل الاستنارة يدخل عقيدة المسيحيين في موت إلههم وقيامته من الأموات، بأنها معجزة، وكأن ربهم يموت ، ويتعرض للموت!!، ثم يقيم نفسه من بين الاموات، إنها الخرافة ياسيد بيل ياابا الاستنارة!
 
(2)
يير بيل 1647-1706 ، يعترض على اضطهاد لويس الرابع عشر للهيجونوت المسيحيين مثله!
ففي رسالته "تعليق فلسفي على كلمات يسوع المسيح": أخرج إلى الطرق والسياجات وألزمهم بالدخول. (لوقا 14-23). قال
كما يعرض ديورانت
"وجدنا فرض نعتقد ديني موحد قد خضب نصف أوربا بالدماء، وأن تباين المذاهب الدينية في الدولة حال دون وصول أحدهما إلى درجة من القوة تمكنه من الاضطهاد. وفضلاً عن هذا: من منا يثق بأنه على حق إلى حد يستند إليه في إيذاء من يخالفونه؟ واستنكر بيل اضطهاد البروتستانت للكاثوليك، والمسيحيين لغير المسيحيين، والعكس بالعكس سواء بسواء. وعلى النقيض من لوك، اقترح بيل أن تمتد حرية العبادة أو اللاعبادة إلى اليهود والمسلمين والمفكرين الأحرار. ونسي ما ذهب إليه من قبل من أن الملحدين يحتمل أن يكونوا مواطنين صالحين مثل المسيحيين، فنصح بعدم التسامح مع الطوائف التي لا تؤمن بالعناية الإلهية وبوجود إله يحاسب ويعاقب، فإن هؤلاء لا تطهر من نفوسهم خشية الله ومن ثم قد يجعلون من الصعب تطبيق القانون(19). أما بالنسبة للآخرين فلا يجوز التسامح مع المتعصبين منهم. فهل يجوز لدولة بروتستانتية أن تتسامح في أن تقوم فيها كاثوليكية دافعت عن التعصب على اعتبار أن الكثلكة وحدها هي العقيدة الحقة الصحيحة؟. ورأى بيل أن الكاثوليك في مثل هذه الحالات-"يجب أن يسلبوا سلطة إلحاق الأذى والضرر بغيرهم... ومع ذلك فأما لا أقر تعرضهم ممارستهم لديانتهم، ولا أقر حرمانهم من اللجوء إلى القانون(20).
ولم يكن البروتستانت أكثر ارتياحاً من الكاثوليك لبرنامج التسامح هذا، من ذلك أن بيير جوريو-الذي كان صديق بيل وزميله في العمل في سيدان، وكان الآن راعياً لأبرشية كلفنية في روتردام-هاجمه في بحث بعنوان: "حقوق السيدين في أمور الدين-الضمير والأمير-. (1687) وذهب جوريو إلى هدم نظرية عدم الاهتمام بالأديان، وفكرة التسامح العام والشامل، معارضاً كتاباً بعنوان "تعليقات فلسفية". واتفق مع البابوات في أن للحكام أو الملوك الحق في القضاء على أية عقيدة زائفة، وقد روعه بخاصة التسامح مع اليهود والمسلمين والسوسنيين والوثنيين. وفي 1691 أهاب جوريو بعمد مدينة روتردام أن يفصلوا بيل من عمله، فرفضوا. ولكن في 1693 جاءت الانتخابات بهيئة حكام جديدة، وجدد جوريو حملته متهماً بيل بالإلحاد، فطرد مكن وظيفته، فقال الفيلسوف "اللهم أنقذنا من محكمة التفتيش البروتستانتية، فلن تنقضي خمس أو ست سنوات حتى تشتد وطأتها إلى درجة يتطلع الناس معها إلى عودة محاكم التفتيش الكاثوليكية(21).
وسرعان ما أسترد بيل هدوء نفسه وعاد إلى طبيعته، فتكيف مع الظروف، وكان له كل العزاء والسلوى أنه استطاع أن يخصص كل ساعات عمله لإنجاز "قاموس" العصر الذي كان قد شرع في تأليفه فعلاً. وراض نفسه على العيش على مدخراته، وعلى بعض مكافآت شرفية من ناشري كتبه. وتلقى عروضاً بالرعاية من سفير فرنسا في هولندا ومن ثلاثة من النبلاء الإنجليز يحملون لقب أرل، ولكنه رفض في لطف وكياسة، بل أنه رفض مائتي جنيه عرضها عليه أرل شروزبري نظير إهداء القاموس إليه.
قصة الحضارة -ج34 ص87،88،عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الدين والعقل في فرنسا -> بيير بيل
 
يير بيل 1647-1706 ، يعترض على العهد القديم
"أن إله سفر التكوين أما أن يكون قاسياً أو ذا قدرة محدودة.
قصة الحضارة -ج34 ص92،عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الدين والعقل في فرنسا -> بيير بيل
 
يير بيل 1647-1706 ،يشكك في التثليث المسيحي
"وعبرت مقالة بيل عن "بيرهو" عن الشكوك في التثليث، "لأن الشيئين اللذين لا يختلفان عن ثالث، لا يفترق الواحد منهما عن الآخر(27). أما بالنسبة لتحويل الخبز والنبيذ-لا يمكن أن ودمه، فإن أحوال المادة-ومن ثم ظهور الخبز والنبيذ-لا يمكن أن توجد بدون المادة التي تعدل منها(28). وبالنسبة لتراث كل الناس في خطيئة آدم وحواء، يقول بيل: "ما دام المخلوق غير موجود فلا يمكن لأن يكون شريكاً في عمل خاطئ(29). ولكنه وضع كل هذه الشكوك على ألسنة آخرين غيره، ثم استنكرها هو باسم الدين. واقتبس بيل "باعتبار أن هذا من أشد ما قال المارقون زيفاً" أن "الدين ليس إلا مجرد بدعة من عمل الإنسان، ابتدعها الملوك ليلزموا رعاياهم بالطاعة والإذعان لهم(30). وفي المقال الذي كتبه عن سبينوزا تعمد أن يتهم اليهودي الذي يعتنق مذهب وحدة الوجود بالإلحاد، ومع ذلك فإنه لا بد أنه عثر عند هذا الفيلسوف على شيء يسحر لبه ويستوقف نظره، لأن هذا أطول مقال في القاموس. وزعم بيل أنه يؤكد لرجال اللاهوت من جديد أن كل هذه الشكوك التي أوردها في كتابه لا تهدم العقيدة الدينية-لأن هذه مسائل فوق مستوى عقول الناس(31).
وذهب فاجويه إلى أن بيل "ملحد بغير جدال(32)
قصة الحضارة -ج34 ص92،93، عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الدين والعقل في فرنسا -> بيير بيل
 
يير بيل 1647-1706 ،وهجوم مسيحي على قاموسه، وـاثيره على فولتير ورفاقه
"ولم يستمتع بيل بمثل هذا الهدوء في السنوات التسع التي بقيت له في حياته،...م. ودعا مجلس كنيسة والون في روتردام بيل-وهو عضو في مجمعها-للمثول أمامه ليرد على الاتهامات الموجهة إليه بأن قاموسه تضمن "تعبيرات ومسائل غير لائقة، وكثيراً جداً من الاقتباسات الفاجرة، وملاحظات عدائية عن الإلحاد وأبيقور، وبخاصة مقالات كريهة مثيرة للاعتراض على داود وبيرهو والمانويين. ووعد بيل "بمزيد من التأمل في مذهب المانوية حتى إذا عثر على أية ردود، أو أمده قساوسة المجلس بشيء منها، فإنه "يسعده أن يضعها في أحسن صيغة ممكنة(37)". وفي الطبعة الثانية من القاموس (1702) أعاد كتابة المقال الوارد عن داود وخفف من حدته. ولم يهدأ روع جوريو، وجدد الحملة على بيل، وشن عليه في 1706 هجوماً عنيفاً تحت عنوان "اتهام فيلسوف روتردام ومهاجمته وإدانته".
وانهارت صحة بيل بعد هذه الطبعة الثانية. وعانى مثل سبينوزا من السل. وفي تلك السنوات لازمه السعال بشكل دائم تقريباً، وانتابته الحمى الراجعة، وزاد الصداع من اكتئابه وجزعه. واقتنع بالا أمل في البرء من علته، استسلم للموت، وزاد اعتكافه في حجرته، واشتغل ليل نهار في إعداد رده على ناقديه. وفي 27 ديسمبر 1706 أرسل الصيغة النهائية إلى المطبعة. وفي صباح اليوم التالي وجده أصدقاؤه ميتاً في فراشه.
وانتشر تأثيره طوال القرن الثامن عشر. وأعيد طبع قاموسه عدة مرات، حتى أصبح مصدر ابتهاج خفي لآلاف العقول الثائرة. وما وافى علم 1750 حتى كان القاموس قد طبع تسع مرات باللغة الفرنسية، وثلاث مرات بالإنجليزية ومرة بالألمانية...وعلى مدى عشر سنين من وفاته كان الطلاب يقفون صفوفاً في مكتبة مازاران في باريس حتى يأتي دورهم في قراءة القاموس(39)...كذلك نبع منه كتابات لسنج عن تحرير العقل ودفاعه عن التسامح-ويحتمل أن فردريك الأكبر استمد تشككه أصلاً من بيل، لا فولتير، وأطلق على القاموس "عصارة الإحساس السليم"(41). واقتنى أربع مجموعات منه في مكتبته، وأشرف على إصدار طبعة رخيصة موجزة منه في مجلدين ليجذب عدداً أكبر من القراء(42). وكان تأثير بيل على شافتسبري ولوك أخف، وعرفه كلاهما في هولندا، وسار لوك في "رسالة التسامح" (1689) على خطى بيل في "التعليقات" (1686)...ولكن أعظم تأثير لبيل كان بطبيعة الحال على فلاسفة الاستنارة وكان فطامهم على القاموس. ومن الجائز أن مونتسكيو وفولتير أخذا عنه أسلوب الاستشهاد بالمقارنات والنقد الآسيوي للنظم الأوربية. ولم تكن "دائرة المعارف" (1715)، كما حكم فاجويه "مجرد طبعة منقحة مزيدة قليلاً من قاموس بيل(43). ولكن كثيراً من وجهة نظرها وآرائها التوجيهية نبعت من هذين المجلدين، كما أن المقال الذي كتب في دائرة المعارف عن التسامح كثيراً ما أحال القارئ على قاموس بيل على اعتبار أنه "وفى الموضوع حقه". كما أن ديدرو أعترف في صراحته المعهودة، بفضل بيل عليه، وحياه بأنه "أعظم شارح مهيب لمذهب الشك في العصور القديمة والحديثة معاً(44). أما فولتير فكان بيل ولد من جديد، مع رئتين أصح ومزيد من النشاط والطاقة والسنين والثراء والذكاء. وأطلق بحق على "القاموس الفلسفي" أنه ترديد لقاموس بيل(45). وكثيراً ما اختلف قرد فرني الفاتن عن بيل، مثال ذلك أن فولتير ذهب إلى أن الدين كان قد ساعد على تشجيع الأخلاق ورعايتها، وأنه لو أن بيل كان لديه خمسمائة أو ستمائة فلاح ليحكمهم. ولما تردد في أن هناك إلهاً يعاقب ويكافئ(46)، ولكنه اعتبر بيل "أعظم منطيق جدلي ألف(47)" وجملة القول. كانت فلسفة فرنسا في القرن الثامن عشر هي بيل في تكاثر متفجر. إن القرن السابع عشر بدأ، بهوبز وسبينوزا، وبيل وفونتيل، الحرب الطويلة المريرة بين المسيحية والفلسفة، تلك الحرب التي بلغت ذروتها في سقوط الباستيل وعيد آلهة العقل.
قصة الحضارة -ج34 ص94-96، عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الدين والعقل في فرنسا -> بيير بيل
 
فونتنيل 1657-1757 ،
تأثيرات مراكمة من الأهواء يضيف اليه االشاب فونتنيل 1657-1757 ، ماسيؤدي الى مزيد من التفسيرات المادية ، ونحن لانعترض على تطبيق النظريات على الوثنيات وكيف نشأت، لكن محاولة جعل التوحيد اختراع بشري هي محاولة فاشلة ، فالإنسان مخلوق في احسن خلقة فلايمكن ان يكون وجوده صدفة وان التوحيد خرافة
هذه سخافات العلمانيين التي تراكمت عبر التاريخ المادي في الغرب
قال ديورانت
"في السنوات الأربعة الأولى من حياته التي امتدت مائة عام، شن برنارد لي بوفييه دي فونتنيل، حرب الفلسفة، مستقلاً عن بيل، وأحياناً قبله، وواصل الحرب، بلا هوادة، طيلة نصف قرن بعد وفاة بيل. وهو إحدى ظواهر طول العمر، وملأ الفراغ بين بوسويه وديدرو، ونقل إلى معترك الحياة العقلية في القرن الثامن عشر شكوكية القرن السابع عشر الأكثر اعتدالاً وحرصاً. ولد في روان في 11 فبراير 1657...وكان أول اقتحامه مجال الفلسفة رسالة من خمس عشرة صحيفة "أصل الخرافات" والحق أنها كانت استقصاء سيولوجيا (اجتماعياً) عن نشأة الآلهة. ونحن لا نكاد نصدق كاتب سيرة حياته في أن الموضوع كتب وهو في سن الثالثة والعشرين، ولو أن مخطوطته تركت في حرص وحذر، حتى خفت وطأة الرقابة قي 1724. وتكاد تكون هذه الرسالة "عصرية" في روحها، تعقبت الأساطير، لا إلى مجرد اختراع الكهنة لها، بل إلى تخيلها البدائي، فوق كل شيء، إلى استعادة العقول البسيطة لتجسيد العمليات، فإن نهراً فاض لأن إلهاً صب ماءه، فكل عمليا ت الطبيعة من عمل الأرباب.
اعتقد الناس أن كثيراً من العجائب فوق قدرتهم: حلول الصواعق وقصف الرعود، وهبوب الرياح وإثارة الأمواج.... وتخيل الناس كائنات أقوى منهم، قادرة على أحداث هذه الآثار. وكان لا بد لهذه الكائنات الأسمى أن تتخذ شكلاً آدمياً، فأي شكل آخر يمكن تصوره؟... وعلى هذا كان الأرباب آدميين، ولكن أسبغت عليهم قدرة عليا.... وما كان في كقدور الناس البدائيين أن يدركوا صفة أدعى إلى الإعجاب من القوة المادية. ولم يكونوا قد أدركوا بعد الحكمة والعدالة، ولم يكن لديهم أسماء لهما(49).
وقبل ورسو بنصف قرن نبذ فونتنيل ما قاله روسو عن مثالية الهمج غير المتمدنين، ففي رأيه أنهم كانوا أغبياء، متوحشين. ولكنه أضاف "كل الناس متشابهون شبهاً كبيراً، وليس ثمة جنس أو عرق، لا نرتعد نحن فزعاً من حماقاته وسخافاته(50)". وكان حريصاً على أن يضيف أن تفسيره للأرباب، ذلك التفسير المبني على المذهب الطبيعي، لم يطبق على آلهة المسيحيين أو اليهود.
قصة الحضارة -ج34 ص96-97، عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الدين والعقل في فرنسا -> فونتنيل
 
فونتنيل يقدم هجاء سافراً للصراع الديني بين جنيف وروما. والاضطهاد المسيحي-المسيحي
فونتنيل 1657-1757 ، :
فقد كان-يقول ديورانت-
"يسبح محاذراً غاية الحذر، قد بات قاب قوسين أو أدنى من سجن الباستيل. ذلك أنه حوالي 1685 نشر رسالة مختصرة "علاقة جزيرة بورنيو"، وهي رحلة وهمية، صورها الكاتب في صورة واقعية (استبق به شبيهاتها عند ديفو وسويفت) إلى حد أن بيل طبعها في "الأخبار" على أنها تاريخ فعلى. ولكن الصراع الذي وصفته هذه الرسالة بين أنيجو ومريو كان هجاء سافراً للصراع الديني بين جنيف وروما. ولما اطلعت السلطات الفرنسية على الجناس التصحيفي (تغيير ترتيب الحروف في الكلمة) بدا أن اعتقال فونتنيل أمر لا مفر منه، لأن الملاحظة الساخرة بدت وكأنها تنطبق على إلغاء مرسوم نانت تماماً. فأسرع في نشر قصيدة يمتدح فيها "انتصار الدين في عهد لويس العظيم". وقبل اعتذاره. ومن تلك اللحظة حرص فونتنيل على أن تكون فلسفته غامضة يصعب على الحكومات إدراك مراميها.
قصة الحضارة -ج34 ص101، عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الدين والعقل في فرنسا -> فونتنيل
 
فرنسا كانت حتى القرن السابع عشر اك تكن قد مالت لنظرية كوبرنيكوس وبقيت على النظرة المسيحية بأن الارض مركز الكون
قال ديورانت
"وعلى الرغم من أن مائة وثلاثة وأربعين عاماً كانت قد انقضت على ظهور كتاب كوبرنيكس فإن قلة من الناس في فرنسا، حتى بين المتخرجين في الجامعات، كانت قد قبلت نظرية أن الشمس هي مركز العالم، وأدانت الكنيسة جاليليو لأنه اعتبر أمراً مفروغاً منه أن هذه الفرضية حقيقية، وما يجرؤ ديكارت على نشر رسالته "العالم" التي اعتبر فيها أن نظرية كوبرنيكس قضية مسلم بها.
قصة الحضارة -ج34 ص101، عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الدين والعقل في فرنسا -> فونتنيل
 
فونتنيل 1657-1757 ، فيلسوف -في القرن الثامن عشر!!-يتخيل أن هناك أناس يعيشون في القمر!!
قال ديورانت
:"وزيادة في الإغراء أثار فونتنيل مسألة أخرى: هل القمر وسائر الكواكب مسكونة؟. وكان ميالاً إلى أن يعتقد هذا. ولكنه تذكر أن بعض القراء قد تزعجهم فكرة أن في العالم نساء ورجالاً لم ينحدروا من آدم وحواء، ومن ثم أوضح في حزم ولباقة أن سكان القمر والكواكب لم يكونوا بشراً حقيقيين. ومهما يكن من أمر فإنه أوحى بأنه قد يكون لهم حواس أخرى، ربما كانت أدق من حواسنا، وإذا كان الأمر كذلك فإنهم قد يرون الأشياء مختلفة عما نراها نحن، فهلا تكون الحقيقة عندئذ نسبية؟. وقد يقلب هذا كل شيء رأساً على عقب، حتى أكثر مما فعل كوبرنيكس. وأنقذ فونتنيل الموقف بالإشارة إلى جمال الكون ونظامه، مقارناً إياه بساعة، مستدلاً بميكانيكية الكون على صانع بارع ذي ذكاء خارق.
قصة الحضارة -ج34 ص101، عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الدين والعقل في فرنسا -> فونتنيل
 
فونتنيل 1657-1757 ،يكتب عن الوحي من خلفية علماني بدأ في شبابه بنفس المنهجية المادية وعاش على ذلك اكثر من مائة عام"!لقد كان مولده قبل أن يتسلم لويس الرابع عشر دفة الحكم، وشب وسط انتصارات بوسويه، وإلغاء مرسوم نانت واضطهاد البروتستانت. وعاش ليرى "دائرة المعارف"، وليستمع فولتير وهو يدعو الفلاسفة لشن الحرب على الموبقات."(ج34 ص104)
قال ديورانت
:"فإن فونتنيل عاود المخاطرة بالاقتراب من الباستيل بإصداره في ديسمبر 1688 رسالة غفلاً من اسم المؤلف، هي أجرأ رسائله الصغيرة تحت عنوان "تاريخ الوحي". واعترف بأنه اقتبس مادتها من كتاب "الوحي" الذي ألفه أحد الباحثين الهولنديين، فان وايل، ولكنه حورها بأسلوبه الواضح الرشيق. وقال أحد القراء: "أنه يتملقنا لمعرفة الحقيقة" وهكذا قارن الرياضيين بالعاشقين. "ضع أمام الرياضي أقل قاعدة أو مبدأ، ولسوف يستنتج منه نتيجة، ويجدر بك أن تسلم له بها، ومن هذه النتيجة أخرى وهكذا....(56). إن رجال اللاهوت كانوا قد قبلوا بعض الوحي الوثني باعتباره صحيحاً صادقاً، ولكنهم كانوا قد نسوا دقته المعارضة إلى أحياء شيطاني، واعتبروا برهانهم على قدسية أصل الكنيسة، أن هذا الوحي انقطع منذ مجيء السيد المسيح، ولكن فونتنيل أوضح أن الوحي استمر حتى القرن الخامس الميلادي. وبرأ الشيطان من أنه صانعه، فالإيحاءات كانت حيلاً من الكهنة الوثنيين الذين تحركوا في المعابد ليأتوا بمعجزات ظاهرة، أو ليستولوا على الطعام المقدم من العابدين للآلهة. وادعى أنه ما تحدث إلا عن الوحي الوثني، وأنه استثنى صراحة الوحي والكهنة المسيحيين من هذا التحليل. ولم يكن هذا المقال ومقال "أصل الأساطير" مجرد ضربتين إيذاناً بعصر الاستنارة، بل كانتا كذلك، مثلين لمدخل جديد إلى المسائل اللاهوتية- تفسير للمنابع البشرية للمعتقدات الدينية، وبهذا يضفي الحالة الطبيعية على كل ما هو خارق للطبيعة.
وكان "تاريخ الوحي" آخر العمليات التي استنزفت حيوية فونتنيل. وفي 1691 انتخب عضواً في الأكاديمية الفرنسية برغم معارضة راسين وبوالو. وفي 1697 أصبح، وبقي لمدة اثنين وأربعين عاماً، السكرتير الدائم لأكاديمية العلوم. وكتب تاريخها، وأطنب في امتداح من فارقوا الحياة من الأعضاء. وهذا يشكل سجلاً وعرضاً وضاءين للعلوم في فرنسا لمدة نصف قرن تقريباً. وبمثل هذه الجلسات العلمية استطاع فونتنيل أن ينفذ-بمثل القدر من الغبطة والسرور إلى الصالونات-صالون مدام دالمبرت أولاً، ومدام دي تنسين، ثم مدام دي جيوفرين. وكان موضع الترحيب، لا لمجرد شهرته باعتباره كاتباً، بل لأن روح الكياسة واللطف والمجاملة لم تفتر فيه قط. أنه مزج الحقيقة بالتعقل، واستنكف أن يعكر جو المناقشة بالخلافات، ولم يكن ذكاؤه لاذعاً. "لم يكن في عصره من هو أكثر منه تفتحاً في الذهن أو تجرداً من الحقد والضغينة والتحيز(57)" واتهمته في حمق مدام دي تنسين، التي كانت سريعة الانفعال والغضب، بأن له مخاً آخر لا بد أنه كان يحتفظ فيه بقلبه(58). ولم يستطع الشباب قتلة الآلهة الذين كانوا يتكاثرون حوله أن يفهموا اعتداله أكثر مما استساغ هو تعصبهم وعنفهم. "أني لتزعجني الحقائق التي تسيطر من حولي(59)". ولم ير شراً محضاً في ضعف سمعه حين تقدمت به السنون.
وظاهر أنه في نحو الخمسين من العمر اعتزم ألا يقدم بعد ذلك إلا خدمات أفلاطونية للسيدات، ولكن كياسته لن تتداع. وعندما قدموه إلى سيدة جميلة، وهو في سن التسعين، قال: "آه: لو أني الآن في الثمانين فقط!(60)" وفي سن التاسعة والثمانين تقريباً افتتح حفل عام جديد بالرقص مع ابنة هلفيشيوسي البالغة من العمر عاماً ونصف العام(61). ولما قالت مدام جريموذ متعجبة، وكانت في مثل سنه تقريباً "حسناً. ها نحن كلانا حي يرزق" وضع إصبعه على شفتيه وهمس "صه يا سيدتي، إن الموت قد نسينا(62)".
ولكن الموت عثر عليه أخيراً في 9 يناير 1757، واختطفه في سكون، ولم يكن قد مرض إلا يوماً واحداً
قصة الحضارة -ج34 ص102-104، عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> الدين والعقل في فرنسا -> فونتنيل
 
سبينوزا من أصل يهودي أسباني
1632 - 1677
ولد في أمستردام في 24 نوفمبر 1632
"ويمكن تتبع أسلافه إلى مدينة سبينوزا بالقرب من برجوس في مقاطعة ليون الأسبانية. وكانوا يهوداً، ثم ارتدوا إلى المسيحية فكان منهم العلماء والقساوسة، وكان منهم كاردينال دييجو، كبير المحققين يوماً(1). وهاجر جزء من الأسرة إلى البرتغال، والمفروض أنهم لجئوا إلى الهجرة هرباً من محاكم التفتيش الأسبانية. وبعد فترة من الإقامة هناك في فيديجويرا بالقرب من باجه، انتقل جد الفيلسوف ووالده إلى نانت في فرنسا. ومنها في 1593 إلى أمستردام، كانا من أوائل اليهود الذين استوطنوا هذه المدينة، تلهفاً على التمتع بالحرية الدينية التي كفلها "اتحاد أوترخت" في 1579. وما جاءت سنة 1628 حتى أعتبر الجد زعيم الجالية الصفردية "اليهودية" في أمستردام، وكان الوالد في فترات مختلفة ناظراً للمدرسة اليهودية، ورئيساً لصندوق الصدقات المنتظمة للجالية اليهودية البرتغالية. وقدمت الأم: حنه ديبورا دي سبينوزا من لشبونه إلى أمستردام. وماتت عندما كان ابنها باروخ في السادسة من عمره. وأورثته السل. وتولى تربيته والده زوجة ثالثة"
قصة الحضارة ج34 ص105 عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> سبينوزا -> الهرطيق الصغير
 
سبينوزا 1632 - 1677
"لا بد أن سبينوزا قرأ ليفي بن جيرسون الذي كان قد هبط بمعجزات الكتاب المقدس إلى مجرد أسباب طبيعية، وأخضع الإيمان للعقل قائلاً "أن التوراة لا يمكن أن تحول دون أن نعتبر حقاً كل ما يستحثنا عقلنا على أن نؤمن به أو نصدقه(5)" وحديثاً جداً في جالية أمستردام اليهودية هذه، كان أوريل أكوستا قد تحدى الاعتقاد في الخلود، فحز في نفسه إصدار حكم الحرمان عقاباً له وأطلق النار على نفسه (1647). ولا بد أن الذكرى الغامضة لهذه المأساة زادت من حدة الثورة التي تعتمل في ذهن سبينوزا حين أحس بأن لاهوت عشيرته وأسرته العتيد يفلت منه.
ومات أبوه في 1654. وطالبت أخت له بكل الضيعة والثروة، فقاضاها سبينوزا أمام المحكمة وكسب القضية، ثم عاد ونزل لها عن كل التركة إلا سريراً واحداً. واعتمد الآن على نفسه فكسب عيشه بالاشتغال بشحذ العدسات وصقلها من أجل النظارات والمجهر والمقراب.
قصة الحضارة ج34 ص106،106 عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> سبينوزا -> الهرطيق الصغير
 
سبينوزا 1632 - 1677 ، أثناء حرب هولندا ضد لويس الرابع عشر
"ومن هنا ندرك لماذا لم يتعجل سبينوزا طبع مؤلفاته.
وفي يونيه 1663 انتقل إلى فوربورج قرب لاهاي. وأقام لمدة ستة أعوام في بيت أحد الفنانين يصقل العدسات، ويؤلف "الأخلاق". وكانت المقاطعات المتحدة في حرب دفاعية مستميتة ضد لويس الرابع عشر، وقد أزعج هذا الحكومة الهولندية ودعاها إلى فرض قيود أشد صرامة على حرية التعبير عن الآراء. ومع ذلك نشر سبينوزا في 1670، دون أن يفصح عن اسمه "رسالة اللاهوت والسياسة" أصبحت حدثاً أو معلماً هاماً من معالم نقد الأسفار المقدسة.
قصة الحضارة ج34 ص112،عصر لويس الرابع عشر -> المغامرة الفكرية -> سبينوزا -> اللاهوت والسياسة
 
عودة
أعلى