أبو عبد المعز
Active member
- إنضم
- 20/04/2003
- المشاركات
- 609
- مستوى التفاعل
- 26
- النقاط
- 28
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
والصلاة والسلام على نبيه الكريم وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
ظهر موقع فى الشبكة سماه القائم عليه"أسرار القرآن".جمع فيه ما رآه صاحبه تفسيرا للقرآن وتدبرا أوصله الى "حقائق "غابت عن الماضين.ومن موقع النصيحة للمسلمين- لامن موقع الحسد لعبقرية مسلم - كتبت هذه الورقات أرجو بها الكشف عن "أسرار الأسرار "والاعلان عن المطوي هناك . لا أريد الإطالة فى التقديم... وأرى الدخول فى الموضوع من فوري هذا :
ينهض منهج الشيخ صلاح الدين أبو عرفة -وهو صاحب الموقع المذكور- على أصلين عظيمين:
- دعوى التمسك بظاهر القرآن وصحة الحديث.
- دعوى الاستقلال عن فهم السلف.
وأريد الاستفصال في هاتين المسألتين قبل التفرغ الى المؤاخذات المنهجية والمنطقية المتفرقة بحسب المقالات المنشورة.
1- دعوى التمسك بالظاهر:
مفهوم"الظاهر" من أكثر المفاهيم تداولا عند صاحب "أسرار القرآن".ويشهره فى موقفين:
-فى موقف الاحتجاج لنفسه مدعيا أن قوله هو الموافق لـ(ظاهر القرآن).
-فى موقف الرد على مخالفيه من السلف والخلف, مدعيا انه لا يرتضيه ما عليه الجمهور لمخالفتهم لظاهر القرآن.
وكان على" صاحب الاسرار"أن ينقح هذا المفهوم نظرا لمركزيته فى منهج "قراءته للقرآن", لكنه لم يفعل مكتفيا بالدلالة الاجمالية لهذا المفهوم وهذا مخالف لشروط البناء العلمي للمناهج والنظريات.ويستفحل الأمر عندما يستعمل الباحث هذا المفهوم فى سياقات يستفاد منها تحميل "الظاهر"دلالات هي أبعد ما تكون عن معنى "الظاهر" ولو على محمله الإجمالي والعامي.
تعريف (الظاهر) عند أهل العلم:
قال أبو زيد الدبوسي الحنفي -رحمه الله- : الظاهر(ما ظهر للسامع بنفس السمع).
قال فخر الاسلام البزدوي الحنفي -رحمه الله-:(الظاهر اسم لكل كلام ظهر المراد به للسامع بصيغته.)
قال السرخسي الحنفي- رحمه الله-(الظاهر : ما يعرف المراد منه بنفس السماع من غير تأمل,وهو الذي يسبق الى العقول والأوهام لظهوره موضوعا فيما هو المراد.)
وعلق الدكتور محمد أديب صالح على التعاريف السابقة بقوله:أن عماد الظاهر عند هؤلاء الأئمة أن يكون اللفظ بحيث لا يتوقف فهم المراد منه على قرينة خارجية ,وإنما يتضح مدلوله المراد من الصيغة نفسها فمجرد سماع اللفظ كاف للحكم على المعنى الذي يدل عليه اللفظ ,لكن مع الاحتمال.ونستطيع بعد هذا الايضاح أن نعرفه تعريفا مبسطا يفي بالغرض فنقول:(هو اللفظ الذي يدل على معناه بصيغته من غير توقف على قرينة خارجية , مع احتمال التخصيص والتأويل والنسخ .)[راجع تفسير النصوص في الفقه الاسلامي- الجزء الاول]
يبدو ان قيد "مع الاحتمال" أضافه الدكتور ليجمع على صعيد واحد تعريفات الشافعية والمتكلمين مع أصوليي الحنفية .لأنه يغلب على الشافعية أن يذكروا قيد الاحتمال فى الدلالة الظاهرة:
قال أبو إسحاق المروزي:(الظاهر لفظ معقول يبتدر الى فهم البصيربجهة الفهم منه معنى ,وله عنده وجه في التأويل مسوغ لا يبتدر الظن والفهم.فهو بالنسبة للمعنى الراجح ظاهر وبالنسبة للمعنى المرجوح مؤول)
قال القاضي الباقلاني:(هو لفظة معقولة المعنى لها حقيقة ومجاز,فإن أجريت على حقيقتها كانت ظاهرا وإذا عدلت الى جهة المجاز كانت مؤولة).
ولنا على هذه التعريفات ملاحظات:
-"الظاهر" هي الدرجة الأولى فى دلالة الكلام...ولا يتوقف فهمه على ذكاء أو ثقافة أو حس تذوقي أو استنباط.
-"السامع" الذي يخطر بباله المعنى الظاهر لا يشترط فيه شيء الا المعرفة بأوضاع اللغة.واصطلاحات المستعملين.ومن هنا لا بد من رفع التباس يتعلق بتوهم "الظاهر" أمرا نسبيا أو إضافيا: فالمعيار ليس ذاتيا بحيث يكون الظاهرهو ما" يظهر لي" وقد يخفى على الآخر فلا يكون ظاهرا عنده.كلا...فلو كان الأمر كذلك لكان الظاهر" سفسطائيا" لا يصلح فى أدوات العلم الشرعي فضلا عن ان يكون معيارا يتحاكم اليه كما هو حاصل بالفعل عند أهل العلم .
-"السامع "هو ما يطلق عليه المعاصرون"المتكلم السامع المثالي"ويعنون به السامع العادي فى بيئة لسانية معينة:
فلا يقصد به مطلق السامع كالمجنون وغيره, كما لا يقصد به فئة ممتازة من السامعين كالنوابغ وغيرهم.لنقل ان فهم السامع المتكلم المثالي هو ما نعبر عنه بقولنا "ما يفهمه العربي من الكلام العربي".
-يلزم مما سبق ألا يكون "الظاهر" -من حيث هو ظاهر- مختلفا فيه.فالاختلاف في الظهور دليل على انه ليس كذلك. فالظهور يفرض نفسه على كل واحد بغض النظر عن المذهب والاصول المعتبرة. وعلماؤنا ما كانوا يقولون فى مناظراتهم "هذا الظاهر ليس ظاهرا...." بل يقولون" ليس مرادا" مع الاعتراف بكونه ظاهرا.
-اخيرا نلاحظ أمرا ذا بال- وقع فيه المردودعليه كما سننبه عليه فى موضعه- وهو"أن المستنبط من الظاهر ليس ظاهرا": فاللطائف المستنبطة تكون خفية لاتظهر للسامع بنفس السمع.بل تظهر باعمال الذهن والتوسل بقرائن خارجية وهذا يتعارض مع مفهوم" الظاهر".
غير ان المردود عليه "عبث" بمفهوم الظاهر فاستعمله اتفاقا وأحيانا بطريقة نشهد معها انقلاب الجنس الى ضده - وهو تجديف فى العقل عند المتكلمين-
قال فى المقدمة التي نصح قراءه بقراءتها:
وحديث رسول الله عليه الصلاة والسلام: "من قال بالقرآن بغير علم فليتبوء مقعده من النار"، و"من قال بالقرآن برأيه فليتبوء مقعده من النار", فهما حديثان ضعيفان, والراسخون في العلم لا يحتجون بالضعيف. وإن صحا فإنما يراد منهما شيء آخر, اُسيء فهم الحديث فيه, ويتناقله من يتناقله بفهم مغلوط وبشيء من الهوى، فيكفّرون الناس ويدخلونهم النار بما لم يصح ولم يثبت عن النبي المعصوم عليه الصلاة والسلام.
نترك مسالة الصحة والضعف جانبا.ونفترض مع المردود عليه( وإن صحا فإنما يراد منهما شيء آخر.)لكن ما هذا المراد الذي لم يفهم على وجهه وكفر بسببه الناس؟
يجيب:
(وأما من قال بالقرآن برأيه، فظاهر الحديث، أن يقول بهواه ما يخالف ظاهر القرآن ونص رسول الله صلى الله عليه وسلم, وما لا تحتمله لغة العرب, وما ليس عنده فيه بينة ولا برهان، مستخفاً ابتداء بالكتاب ملحداً فيه، فهذا لا جرم يتبوء مقعده من النار، فالصواب هدى، فمن أين له بعد إلحاده بالهدى والصواب؟. هذا إن صح الحديث أصلاً.)
كل هذا يسميه المردود عليه "ظاهرا".ومع "ظهوره" فقد خفي على الناس!!!.(وهذا الذي نعتناه بانقلاب الاجناس). فأين- أيها المنصفون- فى ظاهرحديث الرسول صلى الله عليه وسلم "الاستخفاف"؟ وأين فيه "الالحاد"؟وأين فى ظاهر قوله" وما لا تحتمله لغة العرب"؟وأين فى ظاهر الحديث شرط عدم مخالفة ظاهر القرآن؟
وهل علينا التذكيرفى كل حين بتعريف الأئمة:
(الظاهر: ما يعرف المراد منه بنفس السماع من غير تأمل)
( الظاهر:ما ظهر للسامع بنفس السمع).
نحن لا نحجر واسعا فلا نمنع المردود عليه ولا غيره أن يفهم من الكلام ما يشاء أو أن يحمله على ما يشتهي.. له ذلك وأكثر منه, لكن ينبغي التقيد بضوابط واصطلاح الناس -فهو يخاطب الناس- لكي لا يقع التلبيس علىالناس. ولا يقال بهذا الصدد "لا مشاحة فى الاصطلاح" لأننا نقول ان اصطلاح "الظاهر" لم يات عرضا فى كتاباته بل هو العمود الفقري لمنهجه وهو يرد على علمائنا من منطلق"الظاهر"الذي لم يظهر لهم....او ظهر لهم لكنهم طووه لحاجات فى نفس يعقوب-في نفس عمران؟-.وتوحد الاصطلاح واجب فى هذا المقلم كما لا يخفى.
ومن عجيب حال المردود عليه اتهام غيره بالحياد عن "الظاهر" -مع أخذهم به- وزعمه لنفسه التمسك بالظاهر-مع توغلها فى الباطن- ففي الحديث الذي استشهد به- تبرعا- "من قال بالقرآن برأيه فليتبوء مقعده من النار".فالظاهر-الحق-من الحديث منع القول بالرأي مطلقا فى القرآن لا يستثنى من ذلك رأي صواب أو حسن ولا موافق للشرع أو مخالف له.وأهل العلم الذين حملوا الرأي المتوعد عليه على الهوى إنما استندوا الى ادلة أخرى مع إعمال للفكر والاجتهاد.فحق لهم ان يقولوا "الحديث ليس على ظاهره فى الاطلاق والعموم".
لكن المردود عليه يعجبه الرأي يراه فلا يرضى إلا أن يكون هو ظاهر القرآن أو الأقرب الي الظاهر.نذكر -من بين أمثلة عديدة جدا- فهمه "للمنسأة"في قصة سليمان عليه السلام.قال-هداه الله-:
(باختصار..
فالمنسأة بهذا, "أداة للزمن", وقد تكون بهيئة العصا, كانت على رأس ملك سليمان, ملازمة له, متعلقة فيه, استدل من استدل على انقضاء "أجله" بذهاب "أداته الزمنية", التي كان يملك بها سليمان زمام "الزمن الأرضي",-وقِفْ عند "دابة الأرض" الواردة في الآية- فيزيد فيه ويأخره بالقدر الذي يعينه على فعل أوامر الله الملك. تماما مثل ما يحلم العلماء التقنيون اليوم, بالسيطرة على "الإزاحة الزمنية", سواء بتسريعها أو بإبطائها, ذلك الذي سبقهم إليه النبي "المؤتى من كل شيء", وبما سخر الله له, ليجعله آيته وحجته على الحضارة البشرية حتى منتهاها, أن القوة لله جميعا.)
لقد فهم الرجل من "المنسأة" شيئا شبيها بما يتخيله الغربيون فى رواياتهم "العلمية" وأفلامهم المستقبلية من سفن تسافر فى الزمن فيختار الربان وجهته ما ضيا ومستقبلا- فى الزمان -كما يختار ربان السفينة الوجهة يمينا ويسارا-فى المكان-!!
ولسنا فى الحاجة الى تكرير أننا لا ننقد حريته فى الفهم.وإنما ننقد اعتبار فهمه من مقتضيات ظاهر القرآن,وتحامله ظلما على أئمة التفسير.قال:
بداية السؤال..
إذا كانت "المنسأة" هي العصا, فلم قال الله الحكيم "منسأته", ولم يقل "عصاه"؟.
ظاهر الآية يرفض ما قاله المفسرون..
فالمفسرون جزاهم الله خيرا, على أن "الأرضة" أكلت "العصا" حتى نخرتها, فانكسرت, فسقط سليمان أرضا, فعلم من علم بموته بعدما خر على الأرض!.
أفيكون ظاهر الآية عنده هو ما ذكره( ه.ج.ويلز) لا ما ذكره( الطبري)؟؟
قال المردود عليه:
فظاهر الآية يشير بشكل جلي, أن من استدل على موته, ممن حضره, إنما استدل بما رآه من أن دابة الأرض "تأكل" منسأته, بالفعل المضارع, فهو استدل على الموت من الفعل الحاضر في الأكل, لا بعدما مضى الفعل وصار ما صار!.
لاحظ كيف اقحم "الزمن"ضمن "ظاهره" المزعوم, فتحدث عن الفعل المضارع باعتباره صيغة لا مادة-فمادة الفعل "تأكل" جعلها بين علامة التنصيص اشعارا بمعنى آخر غير الاكل الحقيقي- ونبه على "الفعل الحاضر فى الأكل"مدعيا ان ذاك هو محور الاستدلال...فلم يصب الظاهر ولا المنطق.....:فأكل الدابة ليس تجريبيا بالشيء العيان الملاحظ ليستدل به بل المراد الاستدلال بالنتيجة الظاهرة وهي المنصوص عليها في قوله تعالى: فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ.
فالسقوط هو العمدة فى الاستدلال عند الإنس والجن.وقد فسر هذا السقوط بسبب من المرتبة الأولى وسبب من المرتبة الثانية:فالأول هو تهاوي المنسأة وهو ملحوظ والثاني هونخر الدابة للمنسأة وهو فى حكم المغيب.لأنه لم تجر العادة أن يتفرج الانسان على الأرضة أو العثة وهي تقوم بفعلها التخريبي.
لكن الذي حمل" المفسر" على هذا التكلف هو ما فى نيته من تأويل "المنسأة"بآلة الزمن"فكان لا بد من التمهيد لذلك بذكر الزمن وإقحامه فى الاستدلال "الظاهر".والحيلة كما يبدوفى ميزان المنطق ضعيفة جدا لكنها لها ثقل فى ميزان
"التداعي"الذي سنخصص له حيزا من الكلام ان شاء الله.
هذا وقد أشرنا آنفا الى أن الاستنباط من الظاهر-الحقيقي لا المزعوم- لا يسمى "ظاهر النص"كيف والعلماء يقولون:
" الظاهر الذي تسبق إليه الأوهام قبل التأمل."
أو كما قال "الشاشي:
الظاهر اسم لكل كلام ظهر المراد به للسامع بنفس السماع من غير تأمل.
ومعلوم أن الاستنباط لا يكون إلا بتأمل.وليس للمردود عليه خيار بين أمرين:
-أن يعد "اجتهاده وتأويله"هو ظاهر القرآن,فيقال له هذا قلب للأجناس.
-أن يقول: هو اجتهاد وتأويل شخصي لكنه مستند الى ظاهر القرآن..فيقال له وكذلك فعل غيرك من المفسرين .فلا وجه لادعائك انحرافهم عن الظاهر.فضلا عن تشنيعك وتشغيبك عليهم.
والصلاة والسلام على نبيه الكريم وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
ظهر موقع فى الشبكة سماه القائم عليه"أسرار القرآن".جمع فيه ما رآه صاحبه تفسيرا للقرآن وتدبرا أوصله الى "حقائق "غابت عن الماضين.ومن موقع النصيحة للمسلمين- لامن موقع الحسد لعبقرية مسلم - كتبت هذه الورقات أرجو بها الكشف عن "أسرار الأسرار "والاعلان عن المطوي هناك . لا أريد الإطالة فى التقديم... وأرى الدخول فى الموضوع من فوري هذا :
ينهض منهج الشيخ صلاح الدين أبو عرفة -وهو صاحب الموقع المذكور- على أصلين عظيمين:
- دعوى التمسك بظاهر القرآن وصحة الحديث.
- دعوى الاستقلال عن فهم السلف.
وأريد الاستفصال في هاتين المسألتين قبل التفرغ الى المؤاخذات المنهجية والمنطقية المتفرقة بحسب المقالات المنشورة.
1- دعوى التمسك بالظاهر:
مفهوم"الظاهر" من أكثر المفاهيم تداولا عند صاحب "أسرار القرآن".ويشهره فى موقفين:
-فى موقف الاحتجاج لنفسه مدعيا أن قوله هو الموافق لـ(ظاهر القرآن).
-فى موقف الرد على مخالفيه من السلف والخلف, مدعيا انه لا يرتضيه ما عليه الجمهور لمخالفتهم لظاهر القرآن.
وكان على" صاحب الاسرار"أن ينقح هذا المفهوم نظرا لمركزيته فى منهج "قراءته للقرآن", لكنه لم يفعل مكتفيا بالدلالة الاجمالية لهذا المفهوم وهذا مخالف لشروط البناء العلمي للمناهج والنظريات.ويستفحل الأمر عندما يستعمل الباحث هذا المفهوم فى سياقات يستفاد منها تحميل "الظاهر"دلالات هي أبعد ما تكون عن معنى "الظاهر" ولو على محمله الإجمالي والعامي.
تعريف (الظاهر) عند أهل العلم:
قال أبو زيد الدبوسي الحنفي -رحمه الله- : الظاهر(ما ظهر للسامع بنفس السمع).
قال فخر الاسلام البزدوي الحنفي -رحمه الله-:(الظاهر اسم لكل كلام ظهر المراد به للسامع بصيغته.)
قال السرخسي الحنفي- رحمه الله-(الظاهر : ما يعرف المراد منه بنفس السماع من غير تأمل,وهو الذي يسبق الى العقول والأوهام لظهوره موضوعا فيما هو المراد.)
وعلق الدكتور محمد أديب صالح على التعاريف السابقة بقوله:أن عماد الظاهر عند هؤلاء الأئمة أن يكون اللفظ بحيث لا يتوقف فهم المراد منه على قرينة خارجية ,وإنما يتضح مدلوله المراد من الصيغة نفسها فمجرد سماع اللفظ كاف للحكم على المعنى الذي يدل عليه اللفظ ,لكن مع الاحتمال.ونستطيع بعد هذا الايضاح أن نعرفه تعريفا مبسطا يفي بالغرض فنقول:(هو اللفظ الذي يدل على معناه بصيغته من غير توقف على قرينة خارجية , مع احتمال التخصيص والتأويل والنسخ .)[راجع تفسير النصوص في الفقه الاسلامي- الجزء الاول]
يبدو ان قيد "مع الاحتمال" أضافه الدكتور ليجمع على صعيد واحد تعريفات الشافعية والمتكلمين مع أصوليي الحنفية .لأنه يغلب على الشافعية أن يذكروا قيد الاحتمال فى الدلالة الظاهرة:
قال أبو إسحاق المروزي:(الظاهر لفظ معقول يبتدر الى فهم البصيربجهة الفهم منه معنى ,وله عنده وجه في التأويل مسوغ لا يبتدر الظن والفهم.فهو بالنسبة للمعنى الراجح ظاهر وبالنسبة للمعنى المرجوح مؤول)
قال القاضي الباقلاني:(هو لفظة معقولة المعنى لها حقيقة ومجاز,فإن أجريت على حقيقتها كانت ظاهرا وإذا عدلت الى جهة المجاز كانت مؤولة).
ولنا على هذه التعريفات ملاحظات:
-"الظاهر" هي الدرجة الأولى فى دلالة الكلام...ولا يتوقف فهمه على ذكاء أو ثقافة أو حس تذوقي أو استنباط.
-"السامع" الذي يخطر بباله المعنى الظاهر لا يشترط فيه شيء الا المعرفة بأوضاع اللغة.واصطلاحات المستعملين.ومن هنا لا بد من رفع التباس يتعلق بتوهم "الظاهر" أمرا نسبيا أو إضافيا: فالمعيار ليس ذاتيا بحيث يكون الظاهرهو ما" يظهر لي" وقد يخفى على الآخر فلا يكون ظاهرا عنده.كلا...فلو كان الأمر كذلك لكان الظاهر" سفسطائيا" لا يصلح فى أدوات العلم الشرعي فضلا عن ان يكون معيارا يتحاكم اليه كما هو حاصل بالفعل عند أهل العلم .
-"السامع "هو ما يطلق عليه المعاصرون"المتكلم السامع المثالي"ويعنون به السامع العادي فى بيئة لسانية معينة:
فلا يقصد به مطلق السامع كالمجنون وغيره, كما لا يقصد به فئة ممتازة من السامعين كالنوابغ وغيرهم.لنقل ان فهم السامع المتكلم المثالي هو ما نعبر عنه بقولنا "ما يفهمه العربي من الكلام العربي".
-يلزم مما سبق ألا يكون "الظاهر" -من حيث هو ظاهر- مختلفا فيه.فالاختلاف في الظهور دليل على انه ليس كذلك. فالظهور يفرض نفسه على كل واحد بغض النظر عن المذهب والاصول المعتبرة. وعلماؤنا ما كانوا يقولون فى مناظراتهم "هذا الظاهر ليس ظاهرا...." بل يقولون" ليس مرادا" مع الاعتراف بكونه ظاهرا.
-اخيرا نلاحظ أمرا ذا بال- وقع فيه المردودعليه كما سننبه عليه فى موضعه- وهو"أن المستنبط من الظاهر ليس ظاهرا": فاللطائف المستنبطة تكون خفية لاتظهر للسامع بنفس السمع.بل تظهر باعمال الذهن والتوسل بقرائن خارجية وهذا يتعارض مع مفهوم" الظاهر".
غير ان المردود عليه "عبث" بمفهوم الظاهر فاستعمله اتفاقا وأحيانا بطريقة نشهد معها انقلاب الجنس الى ضده - وهو تجديف فى العقل عند المتكلمين-
قال فى المقدمة التي نصح قراءه بقراءتها:
وحديث رسول الله عليه الصلاة والسلام: "من قال بالقرآن بغير علم فليتبوء مقعده من النار"، و"من قال بالقرآن برأيه فليتبوء مقعده من النار", فهما حديثان ضعيفان, والراسخون في العلم لا يحتجون بالضعيف. وإن صحا فإنما يراد منهما شيء آخر, اُسيء فهم الحديث فيه, ويتناقله من يتناقله بفهم مغلوط وبشيء من الهوى، فيكفّرون الناس ويدخلونهم النار بما لم يصح ولم يثبت عن النبي المعصوم عليه الصلاة والسلام.
نترك مسالة الصحة والضعف جانبا.ونفترض مع المردود عليه( وإن صحا فإنما يراد منهما شيء آخر.)لكن ما هذا المراد الذي لم يفهم على وجهه وكفر بسببه الناس؟
يجيب:
(وأما من قال بالقرآن برأيه، فظاهر الحديث، أن يقول بهواه ما يخالف ظاهر القرآن ونص رسول الله صلى الله عليه وسلم, وما لا تحتمله لغة العرب, وما ليس عنده فيه بينة ولا برهان، مستخفاً ابتداء بالكتاب ملحداً فيه، فهذا لا جرم يتبوء مقعده من النار، فالصواب هدى، فمن أين له بعد إلحاده بالهدى والصواب؟. هذا إن صح الحديث أصلاً.)
كل هذا يسميه المردود عليه "ظاهرا".ومع "ظهوره" فقد خفي على الناس!!!.(وهذا الذي نعتناه بانقلاب الاجناس). فأين- أيها المنصفون- فى ظاهرحديث الرسول صلى الله عليه وسلم "الاستخفاف"؟ وأين فيه "الالحاد"؟وأين فى ظاهر قوله" وما لا تحتمله لغة العرب"؟وأين فى ظاهر الحديث شرط عدم مخالفة ظاهر القرآن؟
وهل علينا التذكيرفى كل حين بتعريف الأئمة:
(الظاهر: ما يعرف المراد منه بنفس السماع من غير تأمل)
( الظاهر:ما ظهر للسامع بنفس السمع).
نحن لا نحجر واسعا فلا نمنع المردود عليه ولا غيره أن يفهم من الكلام ما يشاء أو أن يحمله على ما يشتهي.. له ذلك وأكثر منه, لكن ينبغي التقيد بضوابط واصطلاح الناس -فهو يخاطب الناس- لكي لا يقع التلبيس علىالناس. ولا يقال بهذا الصدد "لا مشاحة فى الاصطلاح" لأننا نقول ان اصطلاح "الظاهر" لم يات عرضا فى كتاباته بل هو العمود الفقري لمنهجه وهو يرد على علمائنا من منطلق"الظاهر"الذي لم يظهر لهم....او ظهر لهم لكنهم طووه لحاجات فى نفس يعقوب-في نفس عمران؟-.وتوحد الاصطلاح واجب فى هذا المقلم كما لا يخفى.
ومن عجيب حال المردود عليه اتهام غيره بالحياد عن "الظاهر" -مع أخذهم به- وزعمه لنفسه التمسك بالظاهر-مع توغلها فى الباطن- ففي الحديث الذي استشهد به- تبرعا- "من قال بالقرآن برأيه فليتبوء مقعده من النار".فالظاهر-الحق-من الحديث منع القول بالرأي مطلقا فى القرآن لا يستثنى من ذلك رأي صواب أو حسن ولا موافق للشرع أو مخالف له.وأهل العلم الذين حملوا الرأي المتوعد عليه على الهوى إنما استندوا الى ادلة أخرى مع إعمال للفكر والاجتهاد.فحق لهم ان يقولوا "الحديث ليس على ظاهره فى الاطلاق والعموم".
لكن المردود عليه يعجبه الرأي يراه فلا يرضى إلا أن يكون هو ظاهر القرآن أو الأقرب الي الظاهر.نذكر -من بين أمثلة عديدة جدا- فهمه "للمنسأة"في قصة سليمان عليه السلام.قال-هداه الله-:
(باختصار..
فالمنسأة بهذا, "أداة للزمن", وقد تكون بهيئة العصا, كانت على رأس ملك سليمان, ملازمة له, متعلقة فيه, استدل من استدل على انقضاء "أجله" بذهاب "أداته الزمنية", التي كان يملك بها سليمان زمام "الزمن الأرضي",-وقِفْ عند "دابة الأرض" الواردة في الآية- فيزيد فيه ويأخره بالقدر الذي يعينه على فعل أوامر الله الملك. تماما مثل ما يحلم العلماء التقنيون اليوم, بالسيطرة على "الإزاحة الزمنية", سواء بتسريعها أو بإبطائها, ذلك الذي سبقهم إليه النبي "المؤتى من كل شيء", وبما سخر الله له, ليجعله آيته وحجته على الحضارة البشرية حتى منتهاها, أن القوة لله جميعا.)
لقد فهم الرجل من "المنسأة" شيئا شبيها بما يتخيله الغربيون فى رواياتهم "العلمية" وأفلامهم المستقبلية من سفن تسافر فى الزمن فيختار الربان وجهته ما ضيا ومستقبلا- فى الزمان -كما يختار ربان السفينة الوجهة يمينا ويسارا-فى المكان-!!
ولسنا فى الحاجة الى تكرير أننا لا ننقد حريته فى الفهم.وإنما ننقد اعتبار فهمه من مقتضيات ظاهر القرآن,وتحامله ظلما على أئمة التفسير.قال:
بداية السؤال..
إذا كانت "المنسأة" هي العصا, فلم قال الله الحكيم "منسأته", ولم يقل "عصاه"؟.
ظاهر الآية يرفض ما قاله المفسرون..
فالمفسرون جزاهم الله خيرا, على أن "الأرضة" أكلت "العصا" حتى نخرتها, فانكسرت, فسقط سليمان أرضا, فعلم من علم بموته بعدما خر على الأرض!.
أفيكون ظاهر الآية عنده هو ما ذكره( ه.ج.ويلز) لا ما ذكره( الطبري)؟؟
قال المردود عليه:
فظاهر الآية يشير بشكل جلي, أن من استدل على موته, ممن حضره, إنما استدل بما رآه من أن دابة الأرض "تأكل" منسأته, بالفعل المضارع, فهو استدل على الموت من الفعل الحاضر في الأكل, لا بعدما مضى الفعل وصار ما صار!.
لاحظ كيف اقحم "الزمن"ضمن "ظاهره" المزعوم, فتحدث عن الفعل المضارع باعتباره صيغة لا مادة-فمادة الفعل "تأكل" جعلها بين علامة التنصيص اشعارا بمعنى آخر غير الاكل الحقيقي- ونبه على "الفعل الحاضر فى الأكل"مدعيا ان ذاك هو محور الاستدلال...فلم يصب الظاهر ولا المنطق.....:فأكل الدابة ليس تجريبيا بالشيء العيان الملاحظ ليستدل به بل المراد الاستدلال بالنتيجة الظاهرة وهي المنصوص عليها في قوله تعالى: فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ.
فالسقوط هو العمدة فى الاستدلال عند الإنس والجن.وقد فسر هذا السقوط بسبب من المرتبة الأولى وسبب من المرتبة الثانية:فالأول هو تهاوي المنسأة وهو ملحوظ والثاني هونخر الدابة للمنسأة وهو فى حكم المغيب.لأنه لم تجر العادة أن يتفرج الانسان على الأرضة أو العثة وهي تقوم بفعلها التخريبي.
لكن الذي حمل" المفسر" على هذا التكلف هو ما فى نيته من تأويل "المنسأة"بآلة الزمن"فكان لا بد من التمهيد لذلك بذكر الزمن وإقحامه فى الاستدلال "الظاهر".والحيلة كما يبدوفى ميزان المنطق ضعيفة جدا لكنها لها ثقل فى ميزان
"التداعي"الذي سنخصص له حيزا من الكلام ان شاء الله.
هذا وقد أشرنا آنفا الى أن الاستنباط من الظاهر-الحقيقي لا المزعوم- لا يسمى "ظاهر النص"كيف والعلماء يقولون:
" الظاهر الذي تسبق إليه الأوهام قبل التأمل."
أو كما قال "الشاشي:
الظاهر اسم لكل كلام ظهر المراد به للسامع بنفس السماع من غير تأمل.
ومعلوم أن الاستنباط لا يكون إلا بتأمل.وليس للمردود عليه خيار بين أمرين:
-أن يعد "اجتهاده وتأويله"هو ظاهر القرآن,فيقال له هذا قلب للأجناس.
-أن يقول: هو اجتهاد وتأويل شخصي لكنه مستند الى ظاهر القرآن..فيقال له وكذلك فعل غيرك من المفسرين .فلا وجه لادعائك انحرافهم عن الظاهر.فضلا عن تشنيعك وتشغيبك عليهم.