اكثر من اربعمائة جوهرة من جواهر الضمائر فی كتاب الله

الجوهرة الرابعة والتسعون بعد الثلاثمائة

{ وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْاْ رَبَّهُمْ مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَآ أَذَاقَهُمْ مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ }

الظاهر عود ضمير منه علي الله عز وجل

قال الرازي:

المسألة الثانية: قوله تعالى: { مِنْهُ } أي من الضر في هذا التخصيص ما ذكرناه من الفائدة وهي أن الرحمة غير مطلقة لهم إنما هي عن ذلك الضر وحده، وأما الضر المؤخر فلا يذوقون منه رحمة
 
الجوهرة الخامسة والتسعون بعد الثلاثمائة

{ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ

قال ابن الجوزي فی زاد المسير

{ وإِن كانوا مِنْ قَبْلِ أن يُنَزَّل عليهم } المطر { مِنْ قَبْله } وفي هذا التكرير ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه للتأكيد كقوله:
{ فسجد الملائكة كلُّهم أجمعون }
[الحجر:30]، قاله الأخفش في آخرين.

والثاني: أن «قَبْل» الأولى للتنزيل، والثانية للمطر، قاله قطرب. قال ابن الأنباري: والمعنى: مِنْ قَبْل نزول المطر، مِنْ قَبْل المطر، وهذا مثلما يقول القائل: آتيك من قبل أن تتكلم، من قبل ان تطمئن في مجلسك، فلا تُنكَر الإِعادة، لاختلاف الشيئين.

والثالث: أن الهاء في قوله: { مِنْ قبْله } ترجع إِلى الهُدى وإِن لم يتقدَّم له ذِكْر، فيكون المعنى: كانوا يقنَطنون من قبل نزول المطر، من قبل الهُدى، فلمَّا جاء الهُّدى والإِسلام زال القُنوط، ذكره ابن الأنباري عن أبي عُمر الدُّوري وأبي جعفر بن قادم. والمبلسون: الآيسون وقد سبق الكلام في هذا [الأنعام:44].

وقال الالوسي في تفسيره

وقال قطرب: ضمير { قَبْلِهِ } للمطر فلا تأكيد. وأنت تعلم أنه يصير التقدير من قبل تنزيل المطر من قبل المطر وهو تركيب لا يسوغ في كلام فصيح فضلاً عن القرآن، وقيل: الضمير للزرع الدال عليه المطر أي من قبل تنزيل المطر من قبل أن يزرعوا، وفيه أن { مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ } متعلق بمبلسين ولا يمكن تعلق { مِن قَبْلِهِ } به أيضاً لأن حرفي جر بمعنى لا يتعلقان بعامل واحد إلا أن يكون بوساطة حرف العطف أو على جهة البدل ولا عاطف هنا ولا يصح البدل ظاهراً، وجوز بعضهم فيه بدل الاشتمال مكتفياً فيه بكون الزرع ناشئاً عن التنزيل فكان التنزيل مشتملاً عليه وهو كما ترى.

وقال المبرد: الضمير للسحاب لأنهم لما رأوا السحاب كانوا راجين المطر، والمراد من قبل رؤية السحاب، ويحتاج أيضاً إلى حرف عطف حتى يصح تعلق الحرفين بمبلسين، وقال علي بن عيسى: الضمير للإرسال، وقال الكرماني: للاستبشار لأنه قرن بالإبلاس ومن عليهم به، وأورد عليهما أمر التعلق من غير عطف كما أورد على من قبلهما فإن قالوا بحذف حرف العطف ففي جوازه في مثل هذا الموضع قياساً خلاف. واختار بعضهم كونه للاستبشار على أن { مِنْ } متعلقة بينزل و { مِنْ } الأولى متعلقة بملبسين لأنه يفيد سرعة تقلب قلوبهم من اليأس إلى الاستبشار بالإشارة إلى غاية تقارب زمانيهما ببيان اتصال اليأس بالتنزيل المتصل بالاستبشار بشهادة إذا الفجائية فتأمل، و { إن } مخففة من الثقيلة واللام في لمبلسين هي الفارقة، ولا ضمير شأن مقدراً لإن لأنه إنما يقدر للمفتوحة وأما المكسورة فيجب إهمالها كما فصله في «المغني»، وبعض الأجلة قال بالتقدير.
 
الجوهرة السادسة والتسعون بعد الثلاثمائة

{ وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً لَّظَلُّواْ مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ }

قال السمين الحلبي في الدر المصون

قوله: { فَرَأَوْهُ }: أي: فَرَأَوْا النباتَ، لدلالة السياق عليه، أو على الأثر؛ لأنَّ الرحمةَ هي الغيث، وأثرُها هو النبات. وهذا ظاهرٌ على قراءةِ الإِفراد، وأمَّا على قراءة الجمع فيعودُ على المعنى. وقيل: الضمير للسَّحابِ.


{ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَآءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ }

قال القرطبي

قوله تعالى: { ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ } قال يحيـى بن سلام: هو جبريل يصعَد إلى السماء بعد نزوله بالوحي. النقاش: هو الملَك الذي يدبّر الأمر من السماء إلى الأرض. وقيل: إنها أخبار أهل الأرض تصعَد إليه مع حملتها من الملائكة؛ قاله ابن شجرة. { فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ }.

وقيل: «ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ» أي يرجع ذلك الأمر والتدبير إليه بعد انقضاء الدنيا { فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ } وهو يوم القيامة. وعلى الأقوال المتقدّمة فالكناية في «يَعْرُجُ» كناية عن الملَك، ولم يجر له ذكر لأنه مفهوم من المعنى، وقد جاء صريحاً في «سَأَلَ سَائِلٌ» قوله:
{ تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ }
[المعارج: 4]. والضمير في { إِلَيْهِ } يعود على السماء على لغة من يذكّرها، أو على مكان الملك الذي يرجع إليه، أو على اسم الله تعالى؛ والمراد إلى الموضع الذي أقره فيه، وإذا رجعت إلى الله فقد رجعت إلى السماء، أي إلى سدرة المنتهى؛ فإنه إليها يرتفع ما يصعد به من الأرض ومنها ينزل ما يهبط به إليها؛ ثبت معنى ذلك في صحيح مسلم. والهاء في «مِقْدَارُهُ» راجعة إلى التدبير؛ والمعنى: كان مقدار ذلك التدبير ألفَ سنة من سني الدنيا؛ أي يقضي أمر كل شيء لألف سنة في يوم واحد، ثم يلقيه إلى ملائكته، فإذا مضت قضى لألف سنة أخرى، ثم كذلك أبداً؛ قاله مجاهد. وقيل: الهاء للعروج. وقيل: المعنى أنه يدبّر أمر الدنيا إلى أن تقوم الساعة، ثم يعرج إليه ذلك الأمر فيحكم فيه في يوم كان مقداره ألف سنة. وقيل: المعنى يدبر أمر الشمس في طلوعها وغروبها ورجوعها إلى موضعها من الطلوع، في يوم كان مقداره في المسافة ألف سنة. وقال ابن عباس: المعنى كان مقداره لو ساره غير الملَك ألف سنة؛ لأن النزول خمسمائة والصعود خمسمائة. وروي ذلك عن جماعة من المفسرين، وهو اختيار الطبريّ؛ ذكره المهدويّ.
 
الجوهرة السابعة والتسعون بعد الثلاثمائة

{ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِن طِينٍ }

قال السمين الحلبي في دره المصون:

قوله: " خَلَقَه " قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بسكونِ اللام. والباقون بفتحها.

فأمَّا الأُولى ففيها أوجهٌ، أحدُها: أن يكونَ " خَلْقَه " بدلاً مِنْ " كلَّ شيء " بدلَ اشتمالٍ مِنْ " كلَّ شيءٍ " ، والضميرُ عائدٌ على كل شيء. وهذا هو المشهورُ المتداوَلُ.

الثاني: أنه بدلُ كلٍ مِنْ كل، والضميرُ على هذا عائدٌ على الباري تعالى. ومعنى " أحسن ": /حَسَّن؛ لأنه ما مِنْ شيءٍ خَلَقَه إلاَّ وهو مُرَتَّبٌ على ما تَقْتَضيه الحكمةُ، فالمخلوقاتُ كلُّها حسنةٌ.

الثالث: أن يكونَ " كلَّ شيءٍ " مفعولاً أول، و " خَلْقَه " مفعولاً ثانياً على أَنْ يُضَمَّن " أحسَنَ " معنى أَعْطى وأَلْهَمَ. قال مجاهد: " أعطى كلَّ جنسٍ شكله ". والمعنى: خَلَقَ كلَّ شيءٍ على شكلِه الذي خصَّه به

. الرابع: أن يكون " كلَّ شيء " مفعولاً ثانياً قُدِّم، و " خَلْقَه " مفعولاً أول أُخِّر، على أَنْ يُضَمَّنَ " أَحْسَنَ " معنى أَلْهَمَ وعَرَّف. قال الفراء: " ألهم كلَّ شيءٍ خَلْقَه فيما يحتاجون إليه فيكونُ أَعْلَمهم ذلك ". قلت: وأبو البقاء ضَمَّن أحسنَ معنى عَرَّف. وأَعْرَبَ على نحوِ ما تقدَّم، إلاَّ أنه لا بُدَّ أن يُجْعَلَ الضميرُ لله تعالى، ويُجعلَ الخَلْقُ بمعنى المَخْلوق أي: عَرَّف مخلوقاتِه كلَّ شيءٍ يحتاجون إليه، فيَؤول المعنى إلى معنى قولِه:
{ أَعْطَي° كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى }
[طه: 50].

الخامس: أن تعودَ الهاء [على الله تعالى] وأَنْ يكون " خَلْقَه " منصوباً على المصدرِ المؤكِّدِ لمضمون الجملةِ كقولِه:
{ صُنْعَ اللَّهِ }
[النمل: 88]، وهو مذهبُ سيبويه أي: خَلَقَه خَلْقاً. ورُجِّحَ على بدلِ الاشتمال: بأنَّ فيه إضافةَ المصدرِ إلى فاعِله، وهو أكثرُ مِنْ إضافتِه إلى المفعول، وبأنه أبلغُ في الامتنانِ لأنه إذا قال: { أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ } كان أبلغَ مِنْ " أَحْسَنَ خَلْقَ كلِّ شيء "؛ لأنه قد يَحْسُنُ الخلقُ - وهو المحاولةُ - ولا يكون الشيء في نفسِه حَسَناً. وإذا قال: أحسنَ كلَّ شيْءٍ اقتضى أنَّ كلَّ شيءٍ خَلَقَه حَسَنٌ، بمعنى أنه وَضَعَ كلَّ شيءٍ في موضعِه.

وأمَّا القراءةُ الثانية فـ " خَلَقَ " فيها فعلٌ ماضٍ، والجملةُ صفةٌ للمضافِ أو المضافِ إليه، فتكونُ منصوبةَ المحلِّ أو مجرورتَه
 
الجوهرة الثامنة والتسعون بعد الثلاثمائة

{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ }

قال السمين الحلبي في الدر الصون:

قوله: " مِنْ لقائِه " في الهاءِ أقوالٌ، أحدُها: أنها عائدةٌ على موسى. والمصدرُ مضافٌ لمفعولِه أي: مِنْ لقائِك موسى ليلةَ الإِسراء. وامتحن المبردُ الزجَّاج في هذه المسألةِ فأجابه بما ذُكر

. الثاني: أنَّ الضميرَ يعودُ على الكتاب. وحينئذٍ يجوزُ أن تكونَ الإِضافةُ للفاعلِ أي: من لقاءِ الكتاب لموسى، أو المفعولِ أي: مِنْ لقاءِ موسى الكتاب؛ لأنَّ اللقاءَ تَصِحُّ نسبتُه إلى كلٍ منهما

. الثالث: أنه يعودُ على الكتاب، على حَذْفِ مضاف أي: من لقاءِ مثل كتابِ موسى.

الرابع: أنه عائدٌ على مَلَكَ الموتِ لتقدُّم ذِكْره.

الخامس: عَوْدُه على الرجوعِ المفهومِ مِن الرجوع في قوله: { إِلَىظ° رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } أي: لا تَكُ في مِرْيةٍ مِنْ لقاء الرجوع.

السادس: أنه يعودُ على ما يُفهَمُ مِنْ سياقِ الكلام ممَّا ابْتُلِي به موسى مِن البلاء والامتحان. قاله الحسن أي: لا بُدَّ أنَ تَلْقَى ما لَقِيَ موسى من قومه.

وهذه أقوالٌ بعيدة ذكرْتُها للتنبيه على ضَعْفها. وأظهرُها: أنَّ الضميرَ: إمَّا لموسى، وإما للكتاب. أي: لا تَرْتَبْ في أنَّ موسى لقي الكتابَ وأُنْزِلَ عليه

وقال ابن الجوزي في زاد مسيره

. وفي قوله: { وجعلناه هُدىً } قولان.

أحدهما: الكتاب، قاله الحسن.

والثاني: موسى، قاله قتادة.
 
الجوهرة التاسعة والتسعون بعد الثلاثمائة

{ وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُواْ الْفِتْنَةَ لآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ إِلاَّ يَسِيراً }

قال ابو حيان في بحره

والضمير في: { دُخِلتْ } ، الظاهر عوده على البيوت، إذ هو أقرب مذكور. قيل: أو على المدينة، أي ولو دخلها الأحزاب الذين يفرون خوفاً منها؛ والثالث على أهاليهم وأولادهم. { ثم سئلوا الفتنة }: أي الردة والرجوع إلى إظهار الكفر ومقاتلة المسلمين.....

وقال الضحاك: { ثم سئلوا الفتنة }: أي القتال في العصبية، لأسرعوا إليه. وقال الحسن: الفتنة، الشرك، والظاهر عود الضمير بها على الفتنة. وقيل: يعود على المدينة...

وقال الالوسي

وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَا } أي بالفتنة، والباء للتعدية أي ما لبثوها وما أخروها { إِلاَّ يَسِيراً } أي إلا تلبثاً يسيراً أو إلا زماناً يسير وهو مقدار ما يأخذون فيه سلاحهم على ما قيل، وقيل: مقدار ما يجيبون السؤال فيه، وكلاهما عندي من باب التمثيل، والمراد أنهم لو سألهم غيرك القتال وهم في أشد حال وأعظم بلبال لأسرعوا جداً فضلاً عن التعلل باختلال البيوت مع سلامتها كما فعلوا الآن. والحاصل أن طلبهم الإذن في الرجوع ليس لاختلال بيوتهم بل لنفاقهم وكراهتهم نصرتك، وقال ابن عطية: المعنى ولو دخلت المدينة من أقطارها واشتد الحرب الحقيقي ثم سئلوا الفتنة والحرب لمحمد صلى الله عليه وسلم لطاروا إليها ولم يتلبثوا في بيوتهم لحفظها إلا يسيراً قيل قدر ما يأخذون سلاحهم انتهى، فضمير { دَخَلَتْ } عنده عائد على المدينة وباء { بِهَا } للظرفية كما هو ظاهر كلامه، وجوز أن تكون سببية والمعنى على تقدير مضاف أي ولم يتلبثوا بسبب حفظها وقيل: يجوز أن تكون للملابسة أيضاً، والضمير على كل تقدير للبيوت وفيه تفكيك الضمائر.

وعن الحسن ومجاهد وقتادة { الْفِتْنِةِ } الشرك. وفي معناه ما قيل: هي الردة والرجوع إلى إظهار الكفر، وجعل بعضهم ضميري (دخلت ـ وبها) للمدينة وزعم أن المعنى ولو دخلت المدينة عليهم من جميع جوانبها ثم سئلوا الرجوع إلى إظهار الكفر والشرك لفعلوا وما لبثوا بالمدينة بعد إظهار كفرهم إلا يسيراً فإن الله تعالى يهلكهم أو يخرجهم بالمؤمنين، وقيل: ضمير { دخلت } للبيوت أو للمدينة وضمير { بِهَا } للفتنة بمعنى الشرك والباء للتعدية، والمعنى ولو دخلت عليهم ثم سئلوا الشرك لأشركوا وما أخروه إلا يسيراً، وقريب منه قول قتادة أي لو دخلت عليهم ثم سئلوا الشرك لأعطوه طيبة به أنفسهم وما تحبسوا به إلا يسيراً، وجوز أن تكون الباء / لغير ذلك، وقيل: فاعل الدخول أولئك العساكر المتحزبة، والوجوه المحتملة في الآية كثيرة كما لا يخفى على من له أدنى تأمل، وما ذكرناه أولاً هو الأظهر فيما أرى.
 
الجوهرة الاربعمائة

{ وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُواْ هَـذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً }

قال السمين الحلبي في دره المصون

قوله: { وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ }: مِنْ تكريرِ الظاهرِ تعظيماً كقوله:
3687 ـ لا أرى الموتَ يَسْبِقُ الموتَ شيءٌ ...............................
ولأنه لو أعادَهما مُضْمَرَيْنِ لجَمَعَ بين اسمِ الباري تعالى واسمِ رسولِه في لفظةٍ واحدةٍ، فكان يُقال: وصدقا، والنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قد كَرِه ذلك،/ وردَّ على مَنْ قاله حيث قال: " مَنْ يطعِ اللَّهَ ورسولَه فقد رَشَدَ، ومَنْ يَعْصِهما فقد غَوى ". وقال له: " بِئْسَ خطيبُ القومِ أنت. قل: ومن يَعْصِ اللَّهَ ورسولَه " قصداً إلى تعظيمِ اللَّهِ. وقيل: إنما رَدَّ عليه لأنه وقف على " يَعْصِهما ". وعلى الأولِ استشكل بعضُهم قولَه [عليه السلام]: " حتى يكونَ اللَّهَ ورسولُه أحَبَّ إليه مِمَّا سِواهما " فقد جَمَعَ بينهما في ضميرٍ واحدٍ. وأُجيبَ: بأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أعرفُ بقَدْرِ اللَّهِ تعالى مِنَّا فليس لنا أَنْ نقولَ كما يقول.

قوله: " وما زادَهُمْ " فاعلُ " زادهم " ضميرُ الوَعْدِ أي: وما زادهم وَعْدُ اللَّهِ أو الصدقُ. وقال مكي: " ضميرُ النظر؛ لأنَّ قولَه: " لَمَّا رأى " بمعنى: لَمَّا نظر ". وقال أيضاً: " وقيل: ضمير الرؤية. وإنما ذُكِّر لأن تأنيثها غيرُ حقيقي " ولم يَذْكُرْ غيرَهما. وهذا عجيبٌ منه؛ حيث حَجَّر واسعاً مع الغُنْيَةِ عنه.

وقرأ ابنُ أبي عبلة " وما زادُوهم " بضمير الجمع. ويعود للأحزابِ؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أخبرهم أنَّ الأحزابَ تَأْتيهم بعد عشرٍ أو تسعٍ.
 
الجوهرة الواحدة بعد الاربعمائة

الضمائر والقراءات

{ ينسَآءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَآءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً }

قال السمين في الدر المصون:

قوله: " فَيَطْمَعَ " العامَّةُ على نصبه جواباً للنهي. والأعرج بالجزم فيكسِرُ العينَ لالتقاءِ الساكنين. ورُوي عنه وعن أبي السَّمَّال وابن عمر وابن محيصن بفتح الياء وكسر الميم. وهذا شاذٌّ؛ حيث تَوافَقَ الماضي والمضارعُ في حَرَكةٍ

. ورُوي عن الأعرج أيضاً أنه قرأ بضمِّ الياء وكسرِ الميم مِنْ أطمع. وهي تحتمل وجهين، أحدهما: أَنْ يكونَ الفاعلُ ضميراً مستتراً عائداً على الخضوعُ المريضَ القلبِ. ويحتمل أن يكون " الذي " فاعلاً، ومفعوله محذوف أي: فيُطْمِع المريضُ نفسَه
 
{ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً } * { تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً }

قال ابن الجوزي في زاد المسير

قوله تعالى: { تحيَّتُهم } الهاء والميم كناية عن المؤمنين.

فأما الهاء في قوله { يَلْقَونه } ففيها قولان.

أحدهما: أنها ترجع إِلى الله عز وجل. ثم فيه ثلاثة أقوال.

أحدها: أن معناه: تحيَّتُهم من الله يوم يَلْقَونه سلام. وروى صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يسلِّم على أهل الجنة. والثاني: تحيَّتُهم من الملائكة يوم يَلْقَون اللّهَ: سلامٌ، قاله مقاتل. وقال أبو حمزة الثُّمالي: تسلِّم عليهم الملائكة يوم القيامة، وتبشِّرهم حين يخرجون من قبورهم. والثالث: تحيَّتُهم بينهم يوم يلقون ربَّهم: سلام، وهو أن يُحيِّي بعضُهم بعضاً بالسلام، ذكره أبو سليمان الدمشقي.

والقول الثاني: أن الهاء ترجع إِلى ملك الموت، وقد سبق ذِكْره في ذِكْر الملائكة. قال ابن مسعود: إِذا جاء ملك الموت لقبض روح المؤمن قال له: ربُّك يقرئك السلام. وقال البراء بن عازب: في قوله: { تحيَّتُهم يوم يَلْقَونه } قال: ملَك الموت، ليس مؤمن يقبض روحه إِلا سلَّم عليه. فأما الأجر الكريم، فهو الحسن في الجنة.
 
الجوهرة الثالثة بعد الاربعمائة

{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا°أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }

قال القرطبي

مسألة: واختلف العلماء في الضمير في قوله: { يُصَلُّونَ } فقالت فرقة: الضمير فيه لله والملائكة؛ وهذا قولٌ من الله تعالى شرّف به ملائكته، فلا يصحبه الاعتراض الذي جاء في " قول الخطيب: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِهما فقد غَوَى. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بئس الخطيب أنت، قل ومن يعص الله ورسوله» " أخرجه الصحيح. قالوا: لأنه ليس لأحد أن يجمع ذكر الله تعالى مع غيره في ضمير، ولله أن يفعل في ذلك ما يشاء. وقالت فرقة: في الكلام حذف، تقديره إن الله يصلّي وملائكته يصلون، وليس في الآية اجتماع في ضمير، وذلك جائز للبشر فعله. ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم " بئس الخطيب أنت " لهذا المعنى، وإنما قاله لأن الخطيب وقف على ومن يعصهما، وسكت سكتة. واستدلوا بما رواه أبو داود عن عديّ بن حاتم " أن خطيباً خطب عند النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: من يطع الله ورسوله ومن يعصهما. فقال: «قم ـ أو اذهب ـ بئس الخطيب أنت» " إلا أنه يحتمل أن يكون لمَّا خطأه في وقفه وقال له: " بئس الخطيب " أصلح له بعد ذلك جميع كلامه، فقال: " قل ومن يعص الله ورسوله " كما في كتاب مسلم. وهو يؤيد القول الأوّل بأنه لم يقف على «ومن يعصهما». وقرأ ابن عباس: «وملائكتُه» بالرفع على موضع اسم الله قبل دخول «إنّ». والجمهور بالنصب عطفاً على المكتوبة.
 
الجوهرة الرابعة بعد الاربعمائة

{ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىظ° مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُواْ فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ }

قال السمين في دره المصون

قوله: " فلمَّا خَرَّ " الظاهر أنَّ فاعلَه ضميرُ سليمان عليه السلام. وقيل: عائدٌ على الباب لأنَّ الدابَّةَ أكلَتْه فوقع. وقيل: بل أكلَتْ عَتَبَةَ البابِ، وهي الخارَّة. ونُقِل ذلك في التفسير، وينبغي أَنْ لا يَصِحَّ؛ إذ كان يكون التركيبُ خرَّتْ بتاءِ التأنيث. و:
3732 ـ............................ ....................... أَبْقَل إبْقالَها
ضرورةٌ أو نادرٌ. وتأويلُها بمعنى العُوْد أَنْدَرُ منه.

قوله: " تَبَيَّنَتْ " العامَّةُ على بنائِه للفاعلِ مسنداً للجنِّ. وفيه تأويلاتٌ، أحدُها: أنه على حَذْفِ مضافٍ تقديرُه: تبيَّن أَمْرُ الجنِّ أي: ظهر وبان. و " تبيَّن " يأتي بمعنى بان لازماً، كقولِه:
3733 ـ تَبَيَّنَ لي أنَّ القَماءَةَ ذِلَّةٌ وأنَّ أَعِزَّاءَ الرجالِ طِيالُها
فلمَّا حُذِفَ المضافُ، وأقيم المضافُ إليه مُقامَه، وكان ممَّا يجوز تأنيثُ فعلِه، أُلْحِقَتْ علامةُ التأنيثِ.....

وفي كتاب أبي جعفر ما يَقْتضي أنَّ بعضَهم قرأ " الجنَّ " بالنصب، وهي واضحةٌ أي: تبيَّنت الإِنسُ الجنَ.
 
الجوهرة الخامسة بعد الاربعمائة

{ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ } * { وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ }

قال ابن عاشور في التحرير

الأظهر أن هذا عطف على قوله:
{ وقال الذين كفروا هل ندلُّكم على رجل }
[سبأ: 7] الآية وأن ما بينهما من الأخبار المسوقة للاعتبار كما تقدم واقع موقع الاستطراد والاعتراض فيكون ضمير { عليهم } عائداً إلى { الذين كفروا } من قوله: { وقال الذين كفروا هل نُدلكم } الخ.

والذي درج عليه المفسرون أن ضمير { عليهم } عائد إلى سبأ المتحدث عنهم. ولكن لا مفرّ من أن قوله تعالى بعد ذلك:
{ قل ادعوا الذين زعمتم من دون اللَّه }
[سبأ: 22] الآيات هو عَوْد إلى محاجة المشركين المنتقل منها بذكر قصة داود وسليمان وأهل سبا. وصلوحية الآية للمحملين ناشئة من موقعها، وهذا من بلاغة القرآن المستفادة من ترتيب مواقع الآية.

فالمقصود تنبيه المؤمنين إلى مكائد الشيطان وسوء عاقبة أتباعه ليحذروه ويستيقظوا لكيده فلا يقعوا في شَرَك وسوسته
 
الجوهرة السادسة بعد الاربعمائة

{ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً } * { ثُمَّ نُنَجِّي ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّنَذَرُ ٱلظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً }


قال ابن عاشور فی التحرير

فليس الخطاب في قوله { وإن منكم إلاّ واردها } لجميع النّاس مؤمنهم وكافِرِهم على معنى ابتداء كلام؛ بحيث يقتضي أن المؤمنين يردون النّار مع الكافرين ثم يُنْجوَن من عذابها، لأنّ هذا معنى ثقيل ينبو عنه السياق، إذ لا مناسبة بينه وبين سياق الآيات السابقة، ولأنّ فضل الله على المؤمنين بالجنّة وتشريفهم بالمنازل الرفيعة ينافي أن يسوقهم مع المشركين مَساقاً واحداً، كيف وقد صُدّر الكلام بقوله
{ فوربك لنحشرنهم والشياطين }
[مريم: 68] وقال تعالى:
{ يوم نحشر المتقين إلى الرحمان وفداً ونسوق المجرمين إلى جهنم ورداً }
[مريم: 85، 86]، وهو صريح في اختلاف حشر الفريقين.

فموقع هذه الآية هنا كموقع قوله تعالى:
{ وإن جهنم لموعدهم أجمعين }
[الحجر: 43] عقب قوله
{ إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين }
[الحجر: 42]. فلا يتوهم أن جهنّم موعد عباد الله المخلصين مع تقدّم ذكره لأنّه ينبو عنه مقام الثناء.

وهذه الآية مثار إشكال ومحطّ قيل وقال؛ واتفق جميع المفسرين على أن المتّقين لا تنالهم نار جهنّم،

واختلفوا في محل الآية فمنهم من جعل ضمير { منكُم } لجميع المخاطبين بالقرآن، ورووه عن بعض السلف فصدمَهم فساد المعنى ومنافاة حكمة الله والأدلّة الدالة على سلامة المؤمنين يومئذ من لقاء أدنى عذاب، فسلكوا مسالك من التّأويل، فمنهم من تأوّل الورود بالمرور المجرد دون أن يمس المؤمنين أذى، وهذا بُعد عن الاستعمال، فإن الورود إنما يراد به حصول ما هو مودع في المَورد لأنّ أصله من وُرود الحوض. وفي آي القرآن ما جاء إلاّ لمعنى المصير إلى النّار كقوله تعالى:
{ إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها }
[الأنبياء: 98، 99] وقوله
{ يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود }
[هود: 98] وقوله
{ ونسوق المجرمين إلى جهنم وِرداً }
[مريم: 86]. على أن إيراد المؤمنين إلى النّار لا جدوى له فيكون عبثاً، ولا اعتداد بما ذكره له الفخر ممّا سمّاه فوائد.

ومنهم من تأوّل ورود جهنّم بمرورالصراط، وهو جسر على جهنّم، فساقوا الأخبار المروية في مرور الناس على الصراط متفاوتين في سُرعة الاجتياز. وهذا أقل بُعداً من الذي قبله.....
 
الجوهرة السابعة بعد الاربعمائة

{ وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ } * { قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً }

قال القرطبي

قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } قراءة العامة بفتح القاف والدال؛

أي قَدّرها لهم السقاة الذين يطوفون بها عليهم. قال ٱبن عباس ومجاهد وغيرهما: أتوا بها على قدر رِيِّهم، بغير زيادة ولا نقصان. الكلبي: وذلك ألذ وأشهى؛

والمعنى: قدّرتها الملائكة التي تطوف عليهم. وعن ٱبن عباس أيضاً: قدّروها على مِلء الكف لا تزيد ولا تنقص، حتى لا تؤذيهم بثقل أو بإفراط صغر

. وقيل: إن الشاربين قَدّروا لها مقادير في أنفسهم، على ما ٱشتهوا وقَدّروا. وقرأ عبيد ابن عمير والشَّعْبي وٱبن سيرين «قُدِّروها» بضم القاف وكسر الدال؛ أي جعللت لهم على قدر إرادتهم. وذكر هذه القراءة المهدويّ عن عليّ وٱبن عباس رضي الله عنهما؛ وقال: ومن قرأ «قُدِّرُوهَا» فهو راجع إلى معنى القراءة الأخرى، وكأنّ الأصل قُدِّروا عليها فحذف الجر؛ والمعنى قُدِّرت عليهم؛ وأنشد سيبويه:
آلَيْتَ حَبَّ العِراقِ الدّهْرَ آكُلُهُ والْحَبُّ يأكلُه في القَرْيةِ السُّوسُ
وذهب إلى أن المعنى على حَبِّ العراق. وقيل: هذا التقدير هو أن الأقداح تطير فتغترف بمقدار شهوة الشارب؛ وذلك قوله تعالى: { قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } أي لا يفضل عن الرِّيِّ ولا ينقص منه، فقد أُلْهِمت الأقداحُ معرفةَ مقدار رِيّ المشتهى حتى تغترف بذلك المقدار. ذكر هذا القول الترمذيّ الحكيم في «نوادر الأصول».

وقال السمين فی الدر المصون

قوله: { قَدَّرُوهَا } صفةٌ لـ " قواريرَ ". والواو في " قَدَّروها " فيه وجهان، أحدهما: أنَّه للمُطافِ عليهم. ومعنى تقديرهم إياها: أنهم قَدَّروها في أنفسِهم أَنْ تكونَ على مقاديرَ وأشكالٍ على حَسَبِ شَهَواتِهم، فجاءَتْ كما قَدَّروا.

والثاني: أنَّ الواو للطائفين للدلالةِ عليهم، مِنْ قولِه تعالى: " ويُطافُ " والمعنى: أنهم قَدَّروا شرابَها على قَدْر رِيِّ الشَّارِب، وهو ألذُّ الشرابِ لكونِه على مِقْدارِ حاجتِه لا يَفْضُل عنها ولا يَعْجِزُ، قاله الزمخشري. وجَوَّزَ أبو البقاء أَنْ تكونَ الجملةُ مستأنفةً.

{ وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً }

قال السمين فی الدر المصون

قوله: { حُبِّهِ }: حالٌ: إمَّأ من الطعامِ، أي: كائنين حلى حُبَّهم الطعامَ،

وإمَّا من الفاعلِ. والضمير في " حُبِّه " لله تعالى، أي: على حُبِّ اللهِ. وعلى التقديرَيْن فهو مصدرٌ مضافٌ للمفعول
 
الجوهرة الثامنة بعد الاربعمائة

{ قَالُواْ سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ أَكْـثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ }
قال الالوسي

أَكْـثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ } الضمير الثاني للجن والأول للمشركين، والأكثر على ظاهره لأن من المشركين من لم يؤمن بهم وعبدهم اتباعاً لقومه كأبـي طالب أو الأكثر بمعنى الكل، واختار في «البحر» الأول لأن كونه بمعنى الكل ليس حقيقة وقال: إنهم لم يدعوا الإحاطة إذ يكون في الكفار من لم يطلع الله تعالى الملائكة عليهم السلام عليهم أو أنهم حكموا على الأكثر بإيمانهم بالجن لأن الإيمان من أعمال القلب فلم يذكروا الاطلاع على عمل جميع قلوبهم لأن ذلك / لله عز وجل، وجوز أن يكون الضمير الأول للإنس فالأكثر على ظاهره أي غالبهم مصدقون أنهم آلهة، وقيل مصدقون أنهم بنات الله
{ وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ٱلْجِنَّةِ نَسَباً }
[الصافات: 158] وقيل مصدقون أنهم ملائكة.

{ فَٱلْيَوْمَ لاَ يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعاً وَلاَ ضَرّاً وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ }

قال ابن عاشورفی التحرير

الأظهر أن هذا من خطاب الله تعالى المشركين والجنَّ. والفاء فصيحة ناشئة عن المقاولة السابقة. وهي كلام موجه من جانب الله تعالى إلى الملائكة والمقصود به: التعريض بضلال الذين عبدوا الملائكة والجن لأن الملائكة يعلمون مضمون هذا الخبر فلا نقصد إفادتهم به. والمعنى: إذ علمتم أنكم عبدتم الجن فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعاً ولا ضراً.

ويجوز أن يكون من خطاب الملائكة للفريقين بعد أداء الشهادة عليهم توبيخاً لهم وإظهاراً للغضب عليهم تحقيقاً للتبرؤ منهم، والفاء أيضاً فصيحة وهي ظاهرة.
 
الجوهرة التاسعة بعد الاربعمائة

{ وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ وَمَا بَلَغُواْ مِعْشَارَ مَآ ءَاتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُواْ رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ }

قال السمين فی الدر المصون

قوله: { وَمَا بَلَغُواْ } الظاهرُ أن الضميرُ في " بَلَغُوا " وفي " آتيناهم " للذين مِنْ قبلهم ليناسِقَ قوله: " فكذَّبُوا رُسُلي " بمعنى: أنهم لم يَبْلُغوا في شُكْر النِّعْمَة وجزاءِ المِنَّةِ مِعْشارَ ما آتيناهم من النعمِ والإِحسانِ إليهم

. وقيل: بل ضميرُ الرفع لقريشٍ والنصبِ للذين مِنْ قبلهم، وهو قولُ ابنِ عباس على معنى أنهم كانوا أكثرَ أموالاً.

وقيل: بالعكس على معنى: إنَّا أَعْطَيْنا قريشاً من الآياتِ والبراهينِ ما لم نُعْطِ مَنْ قبلَهم
 
الجوهرة العاشرة بعد الاربعمائة

{ وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ }


قال السمين فی دره المصون

قوله: " مِنْ عُمُرِه " في هذا الضميرِ قولان، أحدهما: أنه يعودُ على مُعَمَّرٍ آخرَ؛ لأنَّ المرادَ بقوله: " مِنْ مُعَمَّر " الجنسُ فهو يعودُ عليه لفظاً، لا معنى، لأنه بعدَ أَنْ فَرَضَ كونَه معمَّراً، استحال أَنْ يَنْقُصَ مِنْ عمرِه نفسِه، كقول الشاعر:
3762 ـ وكلُّ أناسٍ قارَبُوا قَيْدَ فَحْلِهم ونحن خَلَعْنا قيدَه فهو ساربُ
ومنه " عندي درهمٌ ونصفُه " أي: ونصفُ درهمٍ آخرَ. الثاني: أنه يعودُ على " مُعَمَّر " لفظاً. ومعنى ذلك: أنه إذا مضى مِنْ عُمُره حَوْلٌ أُحْصِيَ وكُتِبَ، ثم حَوْلٌ آخرُ كذلك، فهذا هو النَّقْصُ. وإليه ذهب ابنُ عباس وابن جبير وأبو مالك. ومنه قولُ الشاعرِ:
3763 ـ حياتُك أَنْفاسٌ تُعَدُّ فكلَّما مضى نَفَسٌ منكَ انْتَقَصْتَ به جُزْءا

وقال القرطبي

وقيل: إن الله كتب عمر الإنسان مائة سنة إن أطاع، وتسعين إن عصى، فأيهما بلغ فهو في كتاب. وهذا مثل قوله عليه الصلاة والسلام: " من أحبّ أن يُبْسَط له في رزقه ويُنْسأ له في أثره فليصِلْ رحمه " أي أنه يكتب في اللوح المحفوظ: عمر فلان كذا سنة، فإن وصل رحمه زيد في عمره كذا سنة. فبيّن ذلك في موضع آخر من اللوح المحفوظ، إنه سيصل رحمه فمن اطلع على الأوّل دون الثاني ظن أنه زيادة أو نقصان. وقد مضى هذا المعنى عند قوله تعالى:
{ يَمْحُو ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ }
[الرعد: 39] والكناية على هذا ترجع إلى العمر. وقيل: المعنى وما يعمَّر من معمَّر أي هرم، ولا ينقص آخر من عمر الهرم إلا في كتاب؛ أي بقضاء من الله جل وعز. روي معناه عن الضحاك واختاره النحاس، قال: وهو أشبهها بظاهر التنزيل...
 
الجوهرة الحادية عشر بعد الاربعمائة

{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ ٱلظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً }

قال الالوسي

{ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً } أي بل آتيناهم كتاباً ينطق بأنا اتخذناهم شركاء { فَهُمْ عَلَىٰ بَيّنَتٍ مِنْهُ } أي حجة ظاهرة من ذلك الكتاب بأن لهم شركة معنا. وقال في «الكشف» الظاهر أن الكلام مبني على الترقي في إثبات الشركة لأن الاستبداد بخلق جزء من الأرض شركة ما معه عز وجل والاشتراك معه سبحانه في خلق السماوات أدل على إثباتها ثم إيتاء كتاب منه تعالى على أنهم شركاؤه أدل وأدل، وقيل: هم في { ءاتَيْنَـٰهُمُ } للمشركين وكذا في { فَهُمْ } كما في قوله تعالى:
{ أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰناً }
[الروم: 35] الخ ففي الكلام التفات من ضمير الخطاب إلى ضمير الغيبة إعراضا عن المشركين وتنزيلاً لهم منزلة الغيب. والمعنى أن عبادة هؤلاء إما بالعقل ولا عقل يحكم بصحة عبادة من لا يخلق جزأ ما من الأرض دلالة شرك في السماء وإما بالنقل ولم نؤت المشركين كتاباً فيه الأمر بعبادة هؤلاء، وفيه تفكيك للضمائر، وقال بعضهم: ضمير / { ءاتَيْنَـٰهُمُ } للشركاء كالضمائر السابقة وضمير { فَهُمْ عَلَىٰ بَيّنَةٍ } للمشركين و «أم» منقطعة للإضراب عن الكلام السابق وزعم أن لا التفات حينئذ ولا تفكيك فتأمل.
 
جزاك الله خيرا،
هلّا كتبتَ متبعا ترتيب المصحف؟.
إلى مَن يرجع الضمير في قوله تعالى (وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى....)؟
الضمير المراد هو مفعول الفعل جاء (هم).
 
وفيك بارك ربي اخی الحبيب

اما ان اتتبع ترتيب المصحف فليس جواهر الضمائر بهذا الظهور حتی اتتبع ترتيب المصحف فربما تمر بأيه او ضمير لاتلتفت إليه الا بعد فترة

اما الضمير المذكور فی الاية فواضح يعود علي اكابر مجرميها فی الاية السابقة

الجوهرة الثانية عشر بعد الاربعمائة

{ إِنَّا جَعَلْنَا فِيۤ أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِىَ إِلَى ٱلأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ }

قال السمين فی دره المصون


قوله: { فَهِىَ إِلَى ٱلأَذْقَانِ }: في هذا الضميرِ وجهان، أحدهما: - وهو المشهورُ - أنه عائدٌ على الأَغْلال، لأنها هي المُحَدَّثُ عنها، ومعنى هذا الترتيبِ بالفاءِ: أن الغِلَّ لغِلَظِه وعَرْضِه يَصِلُ إلى الذَّقَنِ لأنه يَلْبَسُ العُنُقَ جميعَه

. الثاني: أن الضميرَ يعودُ على الأَيدي؛ لأنَّ الغِلَّ لا يكونُ إلاَّ في العُنُقِ واليدين، ولذلك سُمِّي جامِعَةً. ودَلَّ على الأيدي هذه الملازَمَةُ المفهومةُ من هذه الآلةِ أعني الغِلَّ. وإليه ذهب الطبري. إلاَّ أنَّ الزمخشريَّ قال: " جعل الإِقْماحَ نتيجةَ قولِه: { فَهِىَ إِلَى ٱلأَذْقَانِ } ولو كان للأيدي لم يكن معنى التَّسَبُّبِ في الإِقماحِ ظاهراً. على أنَّ هذا الإِضمارَ فيه ضَرْبٌ من التعسُّفِ وتَرْكِ الظاهر
 
الجوهرة الثالثة عشر بعد الاربعمائة

{ إِنِّيۤ آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ }


قال الرازی
في المخاطب بقوله: { بِرَبِّكُمْ } وجوه أحدها: هم المرسلون، قال المفسرون: أقبل القوم عليه يريدون قتله فأقبل وهو على المرسلين وقال: إني آمنت بربكم فاسمعوا قولي واشهدوا لي

وثانيها: هم الكفار كأنه لما نصحهم وما نفعهم قال: فأنا آمنت فاسمعون وثالثها: بربكم أيها السامعون فاسمعون على العموم، كما قلنا في قول الواعظ حيث يقول: يا مسكين ما أكثر أملك وما أنزل عملك يريد به كل سامع يسمعه...
 
الجوهرة الرابعة عشر بعد الاربعمائة

{ أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ }

قال السمين فی دره

والضميرُ في " أنهم " عائدٌ على معنى " كم " وفي " إليهم " عائدٌ على ما عاد عليه واو " يَرَوْا ". وقيل: بل الأولُ عائدٌ على ما عاد عليه واو " يَرَوْا ". والثاني عائدٌ على المُهْلَكين.

وقال البقاعی فی نظم الدرر

وضمير { أنهم } للمرسل إليهم، وضمير { إليهم } للرسل، لا يشك في هذا من له ذوق سليم وطبع مستقيم، والتعبير بالمضارع للدلالة على إمهالهم والتأني بهم والحلم عنهم مع تماديهم في العناد بتجديد عدم الرجوع، و { يرجعون } هنا نحو قوله تعالى

{ ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون }
[السجدة: 21] أي عن طرقهم الفاسدة - وهذا معنى الآية بغير شك، وليس بشيء قول من قال: المعنى أن المهلكين لا يرجعون إلى الدنيا ليفيد الرد على من يقول بالرجعة لأن العرب ليست ممن يعتقد ذلك، ولو سلم لم يحسن، لأن السياق ليس له، لم يتقدم عنهم غير الاستهزاء، فأنكر عليهم استهزاءهم مع علمهم بأن الله تعالى أجرى سنته أن من استهزأ بالرسل وخالف قولهم فلم يرجع إليه أهلكه، أطرد ذلك من سنته ولم يتخلف في أمة من الأمم كما وقع لقوم نوح وهود ومن بعدهم، لم يتخلف في واحدة منهم، وكلهم تعرف العرب أخبارهم، وينظرون آثارهم، وكذا يعرفون قصة موسى عليه السلام مع فرعون, فالسياق للتهديد, فصار المعنى: ألم ير هؤلاء كثرة من أهلكنا ممن قبلهم لمخالفتهم للرسل، أفلا يخشون مثل ذلك في مخالفتهم لرسولهم؟ وذلك موافق لقراءة الكسر التي نقلها البرهان السفاقسي عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره عن الحسن، وقالوا: إنها استئنافية، فهي على تقدير سؤال من كأنه قال: لم أهلكهم؟ وهذا كما إذا شاع أن الوادي الفلاني ما سلكه أحد إلا أصيب، يكون ذلك مانعاً عن سلوكه، وإن أراد ذلك أحد صح أن يقال له: ألم تر أنه ما سلكه أحد إلا هلك، فيكون ذلك زاجراً له ورادّاً عن التمادي فيه، لكون العلة في الهلاك سلوكه فقط، وذلك أكف له من أن يقال له: ألم تر أن الناس يموتون وكثرة من مات منهم ولم يرجع أحد منهم، غير معلل ذلك بشيء من سلوك الوادي ولا غيره، فإن هذا أمر معلوم له، غير مجدد فائدة، وزيادة عدم الرجوع إلى الدنيا لا دخل لها في العلية أيضاً لأن ذلك معلوم عند المخاطبين بل هم قائلون بأعظم منه من أنه لا حياة بعد الموت لا إلى الدنيا ولا إلى غيرها، وعلى تقدير التسليم فربما كان ذكر الرجوع للأموات أولى بأن يكون تهديداً، فإن كل إنسان منهم يرجع حينئذ إلى ما في يد غيره مما كان مات عليه ويصير المتبوع بذلك تابعاً أو يقع الحرب وتحصل الفتن، فأفاد ذلك أنه لا يصلح التهديد بعدم الرجوع - والله الموفق للصواب....

وقال الالوسي

وقال الجلبي: لعل الحق أن يجعل أول الضميرين لمعنى { كَمْ } وثانيهما للرسل وأن وصلتها مفعولاً لأجله لأهلكناهم، والمعنى أهلكناهم لاستمرارهم على عدم الرجوع عن عقائدهم الفاسدة إلى الرسل وما دعوهم إليه فاختيار { لاَ يَرْجِعُونَ } على لم يرجعوا للدلالة على استمرار النفي مع مراعاة الفاصلة انتهى. وهو على بعده ركيك معنى، وأرك منه ما قيل الضميران على ما يتبادر فيهما من رجوع الأول لمعنى { كَمْ } والثاني لمن نسبت إليه الرؤية وأن وصلتها علة لأهلكنا، والمعنى أنهم لا يرجعون إليهم فيخبروهم بما حل بهم من العذاب وجزاء الاستهزاء حتى ينزجر هؤلاء فلذا أهلكناهم، ونقل عن الفراء أنه يعمل { يَرَوْاْ } في { كَمْ أَهْلَكْنَا } وفي { أَنَّهُمْ } الخ من غير إبدال ولم يبين كيفية ذلك.

وزعم ابن عطية أن (أن) وصلتها بدل من { كَمْ } ولا يخفى أنه إذا جعلها معمول { أَهْلَكْنَا } كما هو المعروف لا يسوغ ذلك لأن البدل على نية تكرار العامل ولا معنى لقولك أهلكنا أنهم لا يرجعون ولعله تسامح في ذلك، والمراد بدل من { كَمْ أَهْلَكْنَا } على المعنى كما حكي عن سيبويه، وأما جعل { كَمْ } معمولة ليروا والإبدال منها نفسها إذ ذاك فلا يخفى حاله، وقال أبو حيان: الذي تقتضيه صناعة العربية أن { أَنَّهُمْ } الخ معمول لمحذوف دل عليه المعنى وتقديره قضينا أو حكمنا أنهم إليهم لا يرجعون والجملة حال من فاعل { أَهْلَكْنَا } على ما قال الخفاجي وأراه أبعد عن القيل والقال بيد أن في الدلالة على المحذوف خفاء فإن لم يلصق بقلبك لذلك فالأقوال بين يديك ولا حجر عليك. وكأني بك تختار ما نقل عن السيرافي ولا بأس به.

وجوز على بعض الأقوال أن يكون الضمير في { أَنَّهُمْ } عائداً على من أسند إليه { يَرَوْاْ } وفي { إِلَيْهِمُ } عائداً على المهلكين، والمعنى أن الباقين لا يرجعون إلى المهلكين بنسب ولا ولادة أي أهلكناهم وقطعنا نسلهم والإهلاك مع قطع النسل أتم وأعم، ويحسن هذا على الوجه المحكي عن السيرافي.

{ لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ وَلاَ ٱلَّيلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }

قال الالوسي

...وفي الاستدلال بالآية بحث ظاهر وأما بالحساب فله وجه في الجملة. ورأى المنجمون أن ابتداء الدورة دائرة نصف النهار وله موافقة لما ذكر، والذي يغلب على الظن عدم صحة الخبر من مبتدئه فالرضى أجل من أن يستدل بالآية على ما سمعت من دعواه.

وفهم الإمام من قوله تعالى: { وَلاَ ٱلَّيْلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ } أن الليل مسبوق لا سابق ومن قوله سبحانه:
{ يُغْشِي ٱلْلَّيْلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً }
[الأعراف: 54] أن الليل سابق لأن النهار يطلبه، وأجاب عما يلزم عليه من كون الليل سابقاً مسبوقاً بأن المراد من الليل هنا آيته وهو القمر وهو لا يسبق الشمس بالحركة اليومية والمراد من الليل هناك نفس الليل وكل واحد لما كان في عقب الآخر كان طالبه. وتعقبه أبو حيان بأن فيه جعل الضمير الفاعل في { يَطْلُبُهُ } عائداً على النهار وضمير المفعول عائداً على { ٱلَّيْلَ } والظاهر أن ضمير الفاعل عائد على ما هو الفاعل في المعنى وهو الليل لأنه كان قبل دخول همزة النقل { ٱيُغْشِي ٱلْلَّيْلَ ٱلنَّهَارَ } وضمير المفعول عائد على { ٱلنَّهَارَ } لأنه المفعول قبل النقل وبعده وحينئذٍ كلتا الآيتين تفيد أن النهار سابق فلا سؤال انتهى. فتأمل ولا تغفل.
 
الجوهرة الخامسة عشر بعد الاربعمائة

{ وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ }

قال ابن عاشور فی التحرير

وضمير { ينبغي } عائد إلى الشعر، وضمير { لَهُ } يجوز أن يكون عائداً إلى ما عاد إليه ضمير الغائب في قوله: { علمناه } وهو الظاهر. وجوّز ابن عطية أن يعود إلى القرآن الذي يتضمنه فعل { عَلَّمْناهُ } فجعل جملة { وما ينبغي له } بمنزلة التعليل لِجملة { وما علمْناهُ الشِّعر }.


وقال السمين فی الدر المصون:

قوله: { إِنْ هُوَ }: أي: إنِ القرآن. دَلَّ عليه السِّياقُ أو إنِ العِلْمُ إلاَّ ذكرٌ، يَدُلُّ عليه: " وما عَلَّمْناه " والضمير في " له " للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم. وقيل: للقرآن.
 
الجوهرة الرابعة عشر بعد الاربعمائة

{ أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ }

قال السمين فی دره

والضميرُ في " أنهم " عائدٌ على معنى " كم " وفي " إليهم " عائدٌ على ما عاد عليه واو " يَرَوْا ". وقيل: بل الأولُ عائدٌ على ما عاد عليه واو " يَرَوْا ". والثاني عائدٌ على المُهْلَكين.

وقال البقاعی فی نظم الدرر

وضمير { أنهم } للمرسل إليهم، وضمير { إليهم } للرسل، لا يشك في هذا من له ذوق سليم وطبع مستقيم، والتعبير بالمضارع للدلالة على إمهالهم والتأني بهم والحلم عنهم مع تماديهم في العناد بتجديد عدم الرجوع، و { يرجعون } هنا نحو قوله تعالى

{ ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون }
[السجدة: 21] أي عن طرقهم الفاسدة - وهذا معنى الآية بغير شك، وليس بشيء قول من قال: المعنى أن المهلكين لا يرجعون إلى الدنيا ليفيد الرد على من يقول بالرجعة لأن العرب ليست ممن يعتقد ذلك، ولو سلم لم يحسن، لأن السياق ليس له، لم يتقدم عنهم غير الاستهزاء، فأنكر عليهم استهزاءهم مع علمهم بأن الله تعالى أجرى سنته أن من استهزأ بالرسل وخالف قولهم فلم يرجع إليه أهلكه، أطرد ذلك من سنته ولم يتخلف في أمة من الأمم كما وقع لقوم نوح وهود ومن بعدهم، لم يتخلف في واحدة منهم، وكلهم تعرف العرب أخبارهم، وينظرون آثارهم، وكذا يعرفون قصة موسى عليه السلام مع فرعون, فالسياق للتهديد, فصار المعنى: ألم ير هؤلاء كثرة من أهلكنا ممن قبلهم لمخالفتهم للرسل، أفلا يخشون مثل ذلك في مخالفتهم لرسولهم؟ وذلك موافق لقراءة الكسر التي نقلها البرهان السفاقسي عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره عن الحسن، وقالوا: إنها استئنافية، فهي على تقدير سؤال من كأنه قال: لم أهلكهم؟ وهذا كما إذا شاع أن الوادي الفلاني ما سلكه أحد إلا أصيب، يكون ذلك مانعاً عن سلوكه، وإن أراد ذلك أحد صح أن يقال له: ألم تر أنه ما سلكه أحد إلا هلك، فيكون ذلك زاجراً له ورادّاً عن التمادي فيه، لكون العلة في الهلاك سلوكه فقط، وذلك أكف له من أن يقال له: ألم تر أن الناس يموتون وكثرة من مات منهم ولم يرجع أحد منهم، غير معلل ذلك بشيء من سلوك الوادي ولا غيره، فإن هذا أمر معلوم له، غير مجدد فائدة، وزيادة عدم الرجوع إلى الدنيا لا دخل لها في العلية أيضاً لأن ذلك معلوم عند المخاطبين بل هم قائلون بأعظم منه من أنه لا حياة بعد الموت لا إلى الدنيا ولا إلى غيرها، وعلى تقدير التسليم فربما كان ذكر الرجوع للأموات أولى بأن يكون تهديداً، فإن كل إنسان منهم يرجع حينئذ إلى ما في يد غيره مما كان مات عليه ويصير المتبوع بذلك تابعاً أو يقع الحرب وتحصل الفتن، فأفاد ذلك أنه لا يصلح التهديد بعدم الرجوع - والله الموفق للصواب....

وقال الالوسي

وقال الجلبي: لعل الحق أن يجعل أول الضميرين لمعنى { كَمْ } وثانيهما للرسل وأن وصلتها مفعولاً لأجله لأهلكناهم، والمعنى أهلكناهم لاستمرارهم على عدم الرجوع عن عقائدهم الفاسدة إلى الرسل وما دعوهم إليه فاختيار { لاَ يَرْجِعُونَ } على لم يرجعوا للدلالة على استمرار النفي مع مراعاة الفاصلة انتهى. وهو على بعده ركيك معنى، وأرك منه ما قيل الضميران على ما يتبادر فيهما من رجوع الأول لمعنى { كَمْ } والثاني لمن نسبت إليه الرؤية وأن وصلتها علة لأهلكنا، والمعنى أنهم لا يرجعون إليهم فيخبروهم بما حل بهم من العذاب وجزاء الاستهزاء حتى ينزجر هؤلاء فلذا أهلكناهم، ونقل عن الفراء أنه يعمل { يَرَوْاْ } في { كَمْ أَهْلَكْنَا } وفي { أَنَّهُمْ } الخ من غير إبدال ولم يبين كيفية ذلك.

وزعم ابن عطية أن (أن) وصلتها بدل من { كَمْ } ولا يخفى أنه إذا جعلها معمول { أَهْلَكْنَا } كما هو المعروف لا يسوغ ذلك لأن البدل على نية تكرار العامل ولا معنى لقولك أهلكنا أنهم لا يرجعون ولعله تسامح في ذلك، والمراد بدل من { كَمْ أَهْلَكْنَا } على المعنى كما حكي عن سيبويه، وأما جعل { كَمْ } معمولة ليروا والإبدال منها نفسها إذ ذاك فلا يخفى حاله، وقال أبو حيان: الذي تقتضيه صناعة العربية أن { أَنَّهُمْ } الخ معمول لمحذوف دل عليه المعنى وتقديره قضينا أو حكمنا أنهم إليهم لا يرجعون والجملة حال من فاعل { أَهْلَكْنَا } على ما قال الخفاجي وأراه أبعد عن القيل والقال بيد أن في الدلالة على المحذوف خفاء فإن لم يلصق بقلبك لذلك فالأقوال بين يديك ولا حجر عليك. وكأني بك تختار ما نقل عن السيرافي ولا بأس به.

وجوز على بعض الأقوال أن يكون الضمير في { أَنَّهُمْ } عائداً على من أسند إليه { يَرَوْاْ } وفي { إِلَيْهِمُ } عائداً على المهلكين، والمعنى أن الباقين لا يرجعون إلى المهلكين بنسب ولا ولادة أي أهلكناهم وقطعنا نسلهم والإهلاك مع قطع النسل أتم وأعم، ويحسن هذا على الوجه المحكي عن السيرافي.

{ لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ وَلاَ ٱلَّيلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }

قال الالوسي

...وفي الاستدلال بالآية بحث ظاهر وأما بالحساب فله وجه في الجملة. ورأى المنجمون أن ابتداء الدورة دائرة نصف النهار وله موافقة لما ذكر، والذي يغلب على الظن عدم صحة الخبر من مبتدئه فالرضى أجل من أن يستدل بالآية على ما سمعت من دعواه.

وفهم الإمام من قوله تعالى: { وَلاَ ٱلَّيْلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ } أن الليل مسبوق لا سابق ومن قوله سبحانه:
{ يُغْشِي ٱلْلَّيْلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً }
[الأعراف: 54] أن الليل سابق لأن النهار يطلبه، وأجاب عما يلزم عليه من كون الليل سابقاً مسبوقاً بأن المراد من الليل هنا آيته وهو القمر وهو لا يسبق الشمس بالحركة اليومية والمراد من الليل هناك نفس الليل وكل واحد لما كان في عقب الآخر كان طالبه. وتعقبه أبو حيان بأن فيه جعل الضمير الفاعل في { يَطْلُبُهُ } عائداً على النهار وضمير المفعول عائداً على { ٱلَّيْلَ } والظاهر أن ضمير الفاعل عائد على ما هو الفاعل في المعنى وهو الليل لأنه كان قبل دخول همزة النقل { ٱيُغْشِي ٱلْلَّيْلَ ٱلنَّهَارَ } وضمير المفعول عائد على { ٱلنَّهَارَ } لأنه المفعول قبل النقل وبعده وحينئذٍ كلتا الآيتين تفيد أن النهار سابق فلا سؤال انتهى. فتأمل ولا تغفل.

جزاك الله خيرا،
لم أفهم ما هي الهمزة في (ايُغشي الليل النهار)؟
 
وفيك بارك ربي اخی الامين

الهمزة همزة النقل وحذفها وشروطها له احكام كثيرة عند اهل اللغة والقراءات

الجوهرة السادسة عشر بعد الاربعمائة

{ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ }

قال الامام الالوسي:

وقول ابن عطية: يحتمل أن يكون ضمير { يَسْتَطِيعُونَ } للمشركين وضمير { نَصَرَهُمُ } للأصنام ليس بشيء أصلاً { وَهُمْ } أي أولئك المتخذون المشركون { لَهُمْ } أي لآلهتهم { جُندٌ مٌّحْضَرُونَ } أي معدون لحفظهم والذب عنهم في الدنيا. أخرجه ابن أبـي حاتم وابن المنذر عن الحسن وقتادة، وقيل: المعنى إن المشركين جند لآلهتهم في الدنيا محضرون للنار في الآخرة، وجاء بذلك في رواية أخرجها ابن أبـي حاتم عن الحسن، واختار بعض الأجلة/ أن المعنى والمشركون لآلهتهم جند محضرون يوم القيامة أثرهم في النار وجعلهم جنداً من باب التهكم والاستهزاء. وكذلك لام { لهم } الدالة على النفع،

وقيل { هُمْ } للآلهة وضمير { لَهُمْ } للمشركين أي وإن الآلهة معدون محضرون لعذاب أولئك المشركين يوم القيامة لأنهم يجعلون وقود النار أو محضرون عند حساب الكفرة إظهاراً لعجزهم وإقناطاً للمشركين عن شفاعتهم وجعلهم جنداً، والتعبير باللام في الوجهين على ما مر آنفاً، واختلاف مراجع الضمائر في الآية ليس من التفكيك المحظور، والواو في قوله سبحانه: { وَهُمْ } الخ على جميع ما مر إما عاطفة أو حالية إلا أن الحال مقدرة في بعض الأوجه كما لا يخفى.
 
الجوهرة السابعة عشر بعد الاربعمائة

{ أَوَلَـيْسَ ٱلَذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاواتِ وَٱلأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَىٰ وَهُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ }

قال السمين فی دره :

والضميرُ في " مِثْلهم " قيل: عائدٌ على الناسِ؛ لأنهم هم المخاطبونَ. وقيل: على السماواتِ والأرض لتضمُّنِهم مَنْ يَعْقِلُ...

وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ } * { لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ }

قال ابو حيان في بحره المحيط

والضمير في نسلكه عائد على الذكر قاله الزمخشري، قال: والضمير للذكر أي: مثل ذلك السلك. ونحوه: نسلك الذكر في قلوب المجرمين على معنى أنه يلقيه في قلوبهم مكذباً مستهزأ به غير مقبول، كما لو أنزلت بلئيم حاجة فلم يجبك إليها فقلت: كذلك أنزلها باللئام يعني: مثل هذا الإنزال أنزلها بهم، مردودة غير مقصية. ومحل قوله: لا يؤمنون النصب على الحال أي: غير مؤمن به، أو هو بيان لقوله: كذلك نسلكه انتهى. وما ذهب إليه من أنّ الضمير عائد على الذكر ذكره الغرنوي عن الحسن. قال الحسن: معناه نسلك الذكر إلزاماً للحجة.

وقال ابن عطية: الضمير في نسلكه عائد على الاستهزاء والشرك ونحوه، وهو قول: الحسن، وقتادة، وابن جريج، وابن زيد. ويكون الضمير في به يعود أيضاً على ذلك نفسه،

وتكون باء السبب أي: لا يؤمنون بسبب شركهم واستهزائهم،

ويكون قوله: لا يؤمنون به في موضع الحال، ويحتمل أن يكون الضمير في نسلكه عائداً على الذكر المحفوظ المتقدم الذكر وهو القرآن أي: مكذباً به مردوداً مستهزأ به، يدخله في قلوب المجرمين. ويكون الضمير في به عائداً عليه، ويحتمل أن يكون الضمير في نسلكه عائداً على الاستهزاء والشرك، والضمير في به يعود على القرآن، فيختلف على هذا عود الضميرين انتهى. وروى ابن جريج عن مجاهد بذلك التكذيب، فعلى هذا تكون الباء في به للسبب. والذي يظهر عوده على الاستهزاء المفهوم من قوله: يستهزؤون، والباء في به للسبب.

ملحوظة

اطنب الرازی فی تفسيره فی هذا الضمير فليراجع
 
الجوهرة الثامنة عشر بعد الاربعمائة

{ وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ } * { إِذْ جَآءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }

قال الرازی

المسألة الأولى: الضمير في قوله من شيعته إلى ماذا يعود؟ فيه قولان: الأول: وهو الأظهر أنه عائد إلى نوح عليه السلام أي من شيعة نوح أي من أهل بيته وعلى دينه ومنهاجه لإبراهيم، قالوا: وما كان بين نوح وإبراهيم إلا نبيان هود وصالح، وروى صاحب «الكشاف» أنه كان بين نوح وإبراهيم ألفان وستمائة وأربعون سنة الثاني: قال الكلبي المراد من شيعة محمد لإبراهيم بمعنى أنه كان على دينه ومنهاجه فهو من شيعته وإن كان سابقاً له والأول أظهر، لأنه تقدم ذكر نوح عليه السلام، ولم يتقدم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فعود الضمير إلى نوح أولى
 
السلام عليكم.
جزاك الله خيرا.
قوله (واتبعوا ما تتلو الشياطين)، أيعود الضمير إلى الفريق خاصة؟ أم للذين أوتوا الكتاب عامة؟ وكذلك ضمائر الآية الاخرى (يفرقون، علموا لمن اشتراه، شروا...)
 
وعليكم السلام

اخی الهلالي الظاهر يعود علي الفريق

قال الرازی:

قوله تعالى: { وَٱتَّبِعُـواْ } حكاية عمن تقدم ذكره وهم اليهود، ثم فيه أقوال، أحدها: أنهم اليهود الذين كانوا في زمان محمد عليه الصلاة والسلام، وثانيها: أنهم الذين تقدموا من اليهود، وثالثها: أنهم الذين كانوا في زمن سليمان عليه السلام من السحرة لأن أكثر اليهود ينكرون نبوة سليمان عليه السلام ويعدونه من جملة الملوك في الدنيا، فالذين كانوا منهم في زمانه لا يمتنع أن يعتقدوا فيه أنه إنما وجد ذلك الملك العظيم بسبب السحر، ورابعها: أنه يتناول الكل وهذا أولى لأنه ليس صرف اللفظ إلى البعض أولى من صرفه إلى غيره، إذ لا دليل على التخصيص. قال السدي: لما جاءهم محمد عليه الصلاة والسلام عارضوه بالتوراة فخاصموه بها فاتفقت التوراة والقرآن فنبذوا التوراة وأخذوا بكتاب آصف وسحر هاروت وماروت فلم يوافق القرآن، فهذا قوله تعالى:
{ وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ كِتَـٰبَ ٱللَّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ }
[البقرة: 101] ثم أخبر عنهم بأنهم اتبعوا كتب السحر.....

وقال الالوسي

والضمير لفريق من الذين أوتوا الكتاب ـ على ما تقدم عن السدي، وقيل: عطف على مجموع ما قبله عطف القصة على ـ القصة، والضمير للذين تقدموا من اليهود، أو الذين كانوا في زمن سليمان عليه السلام، أو الذين كانوا في زمن نبينا صلى الله عليه وسلم، أو ما يتناول الكل...

وهذا ينطبق علي باقي الضمائر

الجوهرة التاسعة عشر بعد الاربعمائة

وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىٰ إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ }

قال البقاعی فی نظم الدرر

{ وباركنا عليه } أي على الغلام الحليم وهو الذبيح المحدث عنه الذي جر هذا الكلام كله الحديث عنه، وكان آخر ضمير محقق عاد عليه الهاء في " وفديناه " ثم في " وتركنا عليه في الآخرين " وهذا عندي أولى من إعادة الضمير على إبراهيم عليه السلام لأنه استوفى مدحه، ثم رأيت حمزة الكرماني صنع هكذا وقال: حتى كان محمد صلى الله عليه وسلم والعرب من صلبه
 
عودة
أعلى