اكثر من اربعمائة جوهرة من جواهر الضمائر فی كتاب الله

الجوهرة الواحدة والخمسون

{ مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَٱلَّذِينَ يَمْكُرُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ }

قال الامام الرازى فى تفسيره

قوله تعالى: { وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّـٰلِحُ يَرْفَعُهُ } وفي الهاء وجهان

أحدهما: هي عائدة إلى الكلم الطيب أي العمل الصالح هو الذي يرفعه الكلم الطيب ورد في الخبر " لا يقبل الله قولاً بلا عمل "

وثانيهما: هي عائدة إلى العمل الصالح وعلى هذا في الفاعل الرافع وجهان

: أحدهما: هو الكلم الطيب يرفع العمل الصالح، وهذا يؤيده قوله تعالى:
{ مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن }
[النحل: 97]

وثانيهما: الرافع هو الله تعالى

وقال السمين الحلبى فى الدر المصون


اختلفوا في فاعل " يَرْفَعُه " على ثلاثةِ أوجهٍ،

أحدُها: أنه ضميرُ اللَّهِ تعالى أي: والعملُ الصالحُ يرفعه اللَّهُ إليه.

والثاني: أنه ضميرُ العملِ الصالحِ. وضميرُ النصبِ على هذا فيه وجهان، أحدُهما: أنه يعودُ على صاحب العمل، أي يَرْفَعُ صاحبَه. والثاني: أنه ضميرُ الكلمِ الطيبِ أي: العمل الصالح يرفع الكلمَ الطيبَ. ونُقِلَ عن ابن عباس. إلاَّ أنَّ ابنَ عطية منع هذا عن ابن عباس، وقال: " لا يَصِحُّ؛ لأنَّ مَذْهَبَ أهلِ السنَّة أنَّ الكلمَ الطيبَ مقبولٌ، وإنْ كان صاحبُه عاصياً ".

والثالث: أنَّ ضميرَ الرفعِ للكَلِمِ، والنصبِ للعملِ، أي: الكَلِمُ يَرْفَعُ العملَ.انتهى
 
الجوهرة الثانية والخمسون



{ وَيُنْذِرَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً } * { مَّا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلاَ لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً }

قال الامام ابو حيان فى البحر المحيط

والضمير في { به } الظاهر أنه عائد على الولد الذي ادّعوه. قال المهدوي: فتكون الجملة صفة للولد. قال ابن عطية: وهذا معترض لأنه لا يصفه إلاّ القائل وهم ليس قصدهم أن يصفوه، والصواب عندي أنه نفى مؤتنف أخبر الله تعالى به بجهلهم في ذلك، ولا موضع للجملة من الإعراب

ويحتمل أن يعود على الله تعالى، وهذا التأويل أذم لهم وأقضى في الجهل التام عليهم وهو قول الطبري انتهى.

قيل: والمعنى { ما لهم } بالله { من علم } فينزهوه عما لا يجوز عليه، ويحتمل أن يعود على القول المفهوم من { قالوا } أي { ما لهم }.

بقولهم هذا { من علم } فالجملة في موضع الحال أي { قالوا } جاهلين من غير فكر ولا روية ولا نظر في ما يجوز ويمتنع.

وقيل: يعود على الاتخاذ المفهوم من { اتخذه } أي { ما لهم } بحكمة الاتخاذ من علم إذ لا يتخذه إلاّ من هو عاجز مقهور يحتاج إلى معين يشد به عضده. وهذا مستحيل على الله.

الجوهرة الثالثة والخمسون



{ وَلاَ تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

قال الامام الالوسى فى روح المعانى

وقيل: ضمير (إليه) للحكم
 
الجوهرة الرابعة والخمسون

{ فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي ٱلسَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً }

{ فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلاَماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً }

لاحظ اخى الحبيب فى الايتين اتى الله عز وجل بالضمبر المنصوب ولم يقل خرق السفينة او قتل الغلام

تدبر هذة الاية

{ فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ ٱسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً }

لماذا لم يقل الله استطعماهم لماذا لم يذكر الله ضمير مثل الايتين السابقتين؟؟

قال الامام الالوسى فى تفسيره

وهٰهنا سؤال مشهور وقد نظمه الصلاح الصفدي ورفعه إلى الإمام تقي الدين السبكي فقال:


أسيدنا قاضي القضاة ومن إذا بدا وجهه استحيى له القمران
ومن كفه يوم المندى ويراعه على طرسه بحران يلتقيان
ومن إن دجت في المشكلات مسائل جلاها بفكر دائم اللمعان
رأيت كتاب الله أعظم معجز لأفضل من يهدى به الثقلان
ومن جملة الإعجاز كون اختصاره بإيجاز ألفاظ وبسط معاني
ولكنني في الكهف أبصرت آية بها الفكر في طول الزمان عناني
وما هي إلا استطعما أهلها فقد نرى استطعماهم مثله ببيان
فما الحكمة الغراء في وضع ظاهر مكان ضمير إن ذاك لشان
فارشد على عادات فضلك حيرتي فما لي إلى هذا الكلام يدان

فأجاب السبكي بأن جملة { ٱسْتَطْعَمَا } محتملة لأن تكون في محل جر صفة لقرية وأن تكون في محل نصب صفة لأهل وأن تكون جواب { إذا } ولا احتمال لغير ذلك، ومن تأمل علم أن الأول متعين معنى وأن الثاني والثالث وأن احتملتهما الآية بعيدان عن مغزاها، أما الثالث فلأنه يلزم عليه كون المقصود الإخبار بالاستطعام عند الإتيان وأن ذلك تمام معنى الكلام، ويلزمه أن يكون معظم قصدهما أو هو طلب الطعام مع أن القصد هو ما أراد ربك مما قص بعد وإظهار الأمر العجيب لموسى عليه السلام، وأما الثاني فلأنه يلزم عليه أن تكون العناية بشرح حال الأهل من حيث هم هم ولا يكون للقرية أثر في ذلك ونحن نجد بقية الكلام مشيراً إليها نفسها فيتعين الأول ويجب فيه { ٱسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا } ولا يجوز استطعماهم أصلاً لخلو الجملة عن ضمير الموصوف.

وعلى هذا يفهم من مجموع الآيات أن الخضر عليه السلام فعل ما فعل في قرية مذموم أهلها وقد تقدم منهم سوء صنيع من الإباء عن حق الضيف مع طلبه وللبقاع تأثير في الطباع ولم يهم فيها مع أنها حرية بالإفساد والإضاعة بل باشر الإصلاح لمجرد الطاعة ولم يعبأ عليه السلام بفعل أهلها اللئام. ويضاف إلى ذلك من الفوائد أن الأهل الثاني يحتمل أن يكون هم الأولون أو غيرهم أو منهم ومن غيرهم، والغالب أن من أتى قرية لا يجد جملة أهلها دفعة بل يقع بصره أولاً على البعض ثم قد يستقريهم فلعل هذين العبدين الصالحين لما أتيا قدر الله تعالى لهما استقراء الجميع على التدريج ليتبين به كمال رحمته سبحانه وعدم مؤاخذته تعالى بسوء صنيع بعض عباده، ولو قيل استطعماهم تعين إرادة الأولين فأتى بالظاهر إشعاراً بتأكيد العموم فيه وأنهما لم يتركا أحداً من أهلها حتى استطعماه وأبـى ومع ذلك قوبلوا بأحسن الجزاء، فانظر إلى هذه الأسرار كيف احتجبت عن كثير من المفسرين تحت الأستار حتى أن بعضهم لم يتعرض لشيء، وبعضهم ادعى أن ذلك تأكيد، وآخر زعم ما لا يعول عليه حتى سمعت عن شخص أنه قال: إن العدول عن استطعماهم لأن اجتماع الضميرين في كلمة واحدة مستثقل وهو قول يحكي ليرد فإن القرآن والكلام الفصيح مملوء من ذلك ومنه ما يأتي في الآية. ومن تمام الكلام فيما ذكر أن استطعما إن جعل جواباً فهو متأخر عن الإتيان وإذا جعل صفة احتمل أن يكون الإتيان قد اتفق قبل هذه المرة وذكر تعريفاً وتنبيهاً على أنه لم يحملهما على عدم الإتيان لقصد الخير فهذا ما فتح الله تعالى علي والشعر يضيق عن الجواب وقد قلت:

لأسرار آيات الكتاب معاني تدق فلا تبدو لكل معاني
وفيها لمرتاض لبيب عجائب سنا برقها يعنو له القمران
إذا بارق منها لقلبـي قد بدا هممت قرير العين بالطيران
سروراً وإبهاجاً وصولاً على العلا كأني علا فوق السماك مكاني
فما الملك والأكوان ما البيض ما القنا وعندي وجوه أسفرت بتهاني
وهاتيك منها قد أبحتك سرها فشكراً لمن أولاك حسن بياني
أرى استطعما وصفاً على قرية جرى وليس لها والنحو كالميزان
صناعته تقضي بأن استتار ما يعود عليه ليس في الإمكان
وليس جواباً لا ولاصف أهلها فلا وجه للإضمار والكتمان
وهذي ثلاث ما سواها بممكن تعين منها واحد فسباني
ورضت بها فكري إلى أن تمحضت به زبدة الأحقاب منذ زمان
وإن حياتي في تموج أبحر من العلم في قلبـي يمد لساني

إلى آخر ما تحمس به وفيه من المناقشة ما فيه.

وقد اعترض بعضهم بأنه على تقدير كون الجملة صفة للقرية يمكن أن يؤتي بتركيب أخصر مما ذكر بأن يقال: فلما أتيا قرية استطعما أهلها فما الداعي إلى ذكر الأهل أولاً على هذا التقدير، وأجيب بأنه جىء بالأهل للإشارة إلى أنهم قصدوا بالإتيان في قريتهم وسألوا فمنعوا ولا شك أن هذا أبلغ في اللؤم وأبعد عن صدور جميل في حق أحد منهم فيكون صدور ما صدر من الخضر عليه السلام غريباً جداً، لا يقال: ليكن التركيب كذلك وليكن على الإرادة الأهل تقديراً أو تجوزاً كما في قوله تعالى:
{ وَٱسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ }
[يوسف: 82] لأنا نقول: إن الإتيان ينسب للمكان كأتيت عرفات ولمن فيه كأتيت أهل بغداد فلو لم يذكر كان فيه تفويتاً للمقصود، وليس ذلك نظير ما ذكر من الآية لامتناع سؤال نفس القرية عادة،

واختار الشيخ عز الدين علي الموصلي في جواب الصفدي أن تكرار الأهل والعدول عن استطعماهم إلى { ٱسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا } للتحقير وهو أحد نكات إقامة الظاهر مقام الضمير وبسط الكلام في ذلك نثراً؛ وقال نظماً:

سألت لماذا استطعما أهلها أتى عن استطعماهم إن ذاك لشان
وفيه اختصار ليس ثم ولم تقف على سبب الرجحان منذ زمان
فهاك جواباً رافعاً لنقابه يصير به المعنى كرأي عيان
/ إذا ما استوى الحالان في الحكم رجح الضمير وأما حين يختلفان
بأن كان في التصريح إظهار حكمة كرفعة شأن أو حقارة جاني
كمثل أمير المؤمنين يقول ذا وما نحن فيه صرحوا بأمان
وهذا على الإيجاز والبسط جاء في جوابـي منثوراً بحسن بيان


وذكر في النثر وجهاً آخر للعدول وهو ما نقله السبكي ورده، وقد ذكره أيضاً النيسابوري وهو لعمري كما قال السبكي، ويؤول إلى ما ذكر من أن الإظهار للتحقير قول بعض المحققين: إنه للتأكيد المقصود منه زيادة التشنيع وهو وجه وجيه عند كل نبيه،

ومن ذلك قوله تعالى:
{ فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ }
[البقرة: 59] الآية

ومثله كثير في الفصيح،

وقال بعضهم: إن الأهلين متغايران فلذا جىء بهما معاً، وقولهم: إذا أعيد المذكور أولاً معرفة كان الثاني عين الأول غير مطرد وذلك لأن المراد بالأهل الأول البعض إذ في ابتداء دخول القرية لا يتأتى عادة إتيان جميع أهلها لا سيما على ما روي من أن دخولهما كان قبل غروب الشمس وبالأهل الثاني الجميع لما ورد أنهما عليهما السلام كانا يمشيان على مجالس أولئك القوم يستطعمانهم فلو جىء بالضمير لفهم أنهما استطعما البعض، وعكس بعضهم الأمر فقال: المراد بالأهل الأول الجميع ومعنى إتيانهم الوصول إليهم والحلول فيما بينهم؛ وهو نظير إتيان البلد وهو ظاهر في الوصول إلى بعض منه والحلول فيه وبالأهل الثاني البعض إذ سؤال فرد فرد من كبار أهل القرية وصغارهم وذكورهم وإناثهم وأغنيائهم وفقرائهم مستبعد جداً والخبر لا يدل عليه ولعله ظاهر في أنهما استطعما الرجال، وقد روي عن أبـي هريرة والله تعالى أعلم بصحة الخبر أنه قال: أطعتهما امرأة من بربر بعد أن طلبا من الرجال فلم يطعموهما فدعيا لنسائهم ولعنا رجالهم فلذا جىء بالظاهر دون الضمير، ونقل مثله عن الإمام الشافعي عليه الرحمة في «الرسالة».

وأورد عليهما أن فيهما مخالفة لما هو الغالب في إعادة الأول معرفة، وعلى الثاني أنه ليس في المغايرة المذكورة فيه فائدة يعتد بها، ولا يورد هذا على الأول لأن فائدة المغايرة المذكورة فيه زيادة التشنيع على أهل القرية كما لا يخفى. واختار بعضهم على القول بالتأكيد أن المراد بالأهل في الموضعين الذين يتوقع من ظاهر حالهم حصول الغرض منهم ويحصل اليأس من غيرهم باليأس منهم من المقيمين المتوطنين في القرية، ومن لم يحكم العادة يقول: إنهما عليهما السلام أتوا الجميع وسألوهم لما أنهما على ما قيل قد مستهما الحاجة
 
الجوهرة الخامسة والخمسون

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِٱلْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإن كَانَ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِٱلْعَدْلِ .....}

الضمير المتصل فى وليه يعود على ماذا؟

قال الامام القرطبى فى تفسيره


قوله تعالى: { فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِٱلْعَدْلِ } ذهب الطبري إلى أن الضمير في { وَلِيُّهُ } عائد على «الْحَقُّ» وأسند في ذلك عن الربيع، وعن ابن عباس. وقيل: هو عائد على { ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ سَفِيهاً } وهو الصحيح.
 
الجوهرة السادسة والخمسون

الضمائر وعلم القراءات


{ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ } * { عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ } * { عِندَهَا جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰ }



قال ابو حيان فى البحر المحيط

وقرأ علي وأبو الدرداء وأبو هريرة وابن الزبير وأنس وزر ومحمد بن كعب وقتادة: جنه، بهاء الضمير، وجن فعل ماض، والهاء ضمير النبي صلى الله عليه وسلم، أي عندها ستره إيواء الله تعالى وجميل صنعه. وقيل: المعنى ضمه المبيت والليل. وقيل: جنه بظلاله ودخل فيه. وردّت عائشة وصحابة معها هذه القراءة وقالوا: أجن الله من قرأها؛ وإذا كانت قراءة قرأها أكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس لأحد ردّها. وقيل: إن عائشة رضي الله تعالى عنها أجازتها


وجاء فى تفسير الامام الرازى



وقرىء { جنّه } بالهاء من جن بمعنى أجن يقال جن الليل وأجن، وعلى هذه القراءة يحتمل أن يكون الضمير في قوله { عِندَهَا } عائداً إلى النزلة، أي عند النزلة جن محمداً المأوى، والظاهر أنه عائد إلى السدرة وهي الأصح
 
الجوهرة السابعة والخمسون

{ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ } * { ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ } * { كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ }

الضمير فى يقض هل عائد على الله عز وجل ام الانسان؟

قال الامام القرطبى فى تفسيره

قوله تعالى: { كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ } قال مجاهد وقتادة: «لَمّا يَقْضِ»: لا يقضي أحد ما أَمرِ به. وكان ٱبن عباس يقول: «لما يقضِ ما أمره» لم يف بالميثاق الذي أُخِذَ عليه في صلب آدم. ثم قيل: «كَلاَّ» ردع وزجر، أي ليس الأمر: كمَا يقول الكافر؛ فإن الكافر إذا أُخبر بالنُّشور قال:
{ وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَىٰ رَبِّيۤ إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ }
[فصلت: 50] ربما يقول قد قضيت ما أَمِرْت به. فقال: كلاّ لمْ يقض شيئاً بل هو كافر بي وبرسولي. وقال الحسن: أي حَقّاً لم يقض: أي لم يَعمل بما أُمر به. و «ما» في قوله: «لَمّا» عماد للكلام؛ كقوله تعالى:
{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ }
[آل عمران: 159] وقوله:
{ عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ }
[المؤمنون: 40]

وقال الإمام ٱبن فُورَك: أي: كَلاّ لَمّا يقض الله لهذا الكافر ما أَمره به من الإيمان، بل أمره بما لم يقض له.

وجاء فى تفسيرالامام الفخر الرازى

وفي قوله: { لما يقض ما أمره } وجوه أحدها: قال مجاهد لا يقضي أحد جميع ما كان مفروضاً عليه أبداً، وهو إشارة إلى أن الإنسان لا ينفك عن تقصير ألبتة، وهذا التفسير عندي فيه نظر، لأن قوله: { لما يقض } الضمير فيه عائد إلى المذكور السابق، وهو الإنسان في قوله:
{ قتل الإنسان ما أكفره }
[عبس: 17] وليس المراد من الإنسان ههنا جميع الناس بل الإنسان الكافر فقوله: { لما يقض } كيف يمكن حمله على جميع الناس

وثانيها: أن يكون المعنى أن الإنسان المترفع المتكبر لم يقض ما أمر به من ترك التكبر، إذ المعنى أن ذلك الإنسان الكافر لما يقض ما أمر به من التأمل في دلائل الله، والتدبر في عجائب خلقه وبينات حكمته

وثالثها: قال الأستاذ أبو بكر بن فورك: كلا لم يقض الله لهذا الكافر ما أمره به من الإيمان وترك التكبر بل أمره بما لم يقض له به.انتهى
 
الجوهرة الثامنة والخمسون

{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِي ۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } * { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى ٱلأَرْضِ وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَٱقْصُصِ ٱلْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }

قال الامام ابوحيان فى البحر المحيط

{ ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه }.

أي ولو أردنا أن نشرفه ونرفع قدره بما آتيناه من الآيات لفعلنا { ولكنه أخلد إلى الأرض } أي ترامى إلى شهوات الدنيا ورغب فيها واتبع ما هو ناشىء عن الهوى وجاء الاستدراك هنا تنبيهاً على السبب الذي لأجله لم يرفع ولم يشرف كما فعل بغيره ممن أوتي الهدى فآثره وأتبعه و { أخلد } معناه رمى بنفسه إلى الأرض أي إلى ما فيها من الملاذ والشهوات قال معناه ابن عباس ومجاهد والسدّي، ويحتمل أن يريد بقوله { أخلد إلى الأرض } أي مال إلى السفاهة والرذالة كما يقال: فلان في الحضيض عبارة عن انحطاط قدره بانسلاخه من الآيات قال معناه الكرماني.

قال أبو روق: غلب على عقله هواه فاختار دنياه على آخرته،

وقال قوم: معناه لرفعناه بها لأخذناه كما تقول رفع الظالم إذا هلك والضمير في { بها } عائد على المعصية في الانسلاخ وابتدىء وصف حاله بقوله { ولكنه أخلد } ، وقال ابن أبي نجيح { لرفعناه } لتوفيناه قبل أن يقع في المعصية ورفعناه عنها والضمير للآيات ثم ابتدىء وصف حاله والتفسير الأول أظهر وهو مرويّ عن ابن عباس وجماعة ولم يذكر الزمخشري غيره وهو الذي يقتضيه الاستدراك لأنه على قول الإهلاك بالمعصية أو التوفي قبل الوقوع فيها لا يصحّ معنى الاستدراك

والضمير في { لرفعناه } في هذه الأقوال عائد على الذي أوتي الآيات وإن اختلفوا في الضمير في { بها } على ما يعود

وقال قوم الضمير في { لرفعناه } على الكفر المفهوم مما سبق وفي { بها } عائد على الآيات أي ولو شئنا لرفعنا الكفر بالآيات وهذا المعنى روي عن مجاهد وفيه بعد وتكلّف.
 
الجوهرة التاسعة والخمسون


{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ }

قال الطبري فی تفسيره

وقد اختلف أهل العربية في معنى قوله: { ونَحْنُ أقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ حَبْلٍ الوَرِيدِ } فقال بعضهم: معناه: نحن أملك به، وأقرب إليه في المقدرة عليه. وقال آخرون: بل معنى ذلك: { ونَحْنُ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيد } بالعلم بما تُوَسْوس به نفسه

ملحوظة

ذهب الحافظ ابن كثير الي ان نحن مراد بها الملائكة فقال

وقوله عز وجل: { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } يعني: ملائكته تعالى أقرب إلى الإنسان من حبل وريده إليه، ومن تأوله على العلم؛ فإنما فر لئلا يلزم حلول أو اتحاد، وهما منفيان بالإجماع، تعالى الله وتقدس، ولكن اللفظ لا يقتضيه؛ فإنه لم يقل: وأنا أقرب إليه من حبل الوريد، وإنما قال: { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } كما قال في المحتضر:
{ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَـٰكِن لاَّ تُبْصِرُونَ }
[الواقعة: 85] يعني: ملائكته، وكما قال تبارك وتعالى:
{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَـٰفِظُونَ }
[الحجر: 9] فالملائكة نزلت بالذكر، وهو القرآن بإذن الله عز وجل، وكذلك الملائكة أقرب إلى الإنسان من حبل وريده إليه بإقدار الله جل وعلا لهم على ذلك. فللملك لمة من الإنسان؛ كما أن للشيطان لمة، وكذلك الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق، ولهذا قال تعالى ههنا: { إِذْ يَتَلَقَّى ٱلْمُتَلَقِّيَانِ } يعني: الملكين اللذين يكتبان عمل الإنسان.انتهى
 
الجوهرة الستون

فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ } * { وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ } * { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَـٰكِن لاَّ تُبْصِرُونَ }


قال الامام ابن كثير

{ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ } أي: بملائكتنا { وَلَـٰكِن لاَّ تُبْصِرُونَ } أي ولكن لا ترونهم انتهى

ملحوظة

فى الحقيقة انا ارى لو كان معنى تبصرون من البصر الحقيقى اى النظر لكان مرجع الضمير الى الملائكة اقرب


ولو كان تبصرون من البصيرة اى العلم اى لا تعلمون يكون مرجع الضمير الى الله عز وجل

وقد اشار الى ما قلت الامام ابن الجوزى فى زاد المسير فقال

{ ونحن أقرب إليه منكم } فيه قولان.

أحدهما: ملك الموت أدنى إليه من أهله { ولكن لا تبصرون } الملائكة، رواه أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: ونحن أقرب إليه منكم بالعلم والقدرة والرؤية { ولكن لا تبصرون } أي: لا تعلمون، والخطاب للكفار، ذكره الواحدي.
 
الجوهرة الواحدة والستون

{ وَجَآءَ أَهْلُ ٱلْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ } * { قَالَ إِنَّ هَؤُلآءِ ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ } * { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ } * { قَالُواْ أَوَ لَمْ نَنْهَكَ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ } * { قَالَ هَؤُلآءِ بَنَاتِي إِن كُنْتُمْ فَاعِلِينَ } * { لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ }

قال الامام ابو حيان فى البحر المحيط

والكاف خطاب للوط عليه السلام، والتقدير: قالت الملائكة للوط لعمرك، وكنى عن الضلالة والغفلة بالسكرة أي: تحيرهم في غفلتهم، وضلالتهم منعهم عن إدراك الصواب الذي يشير به من ترك البنين إلى البنات.

وقيل: الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم، وهو قول الجمهور ابن عباس، وأبو الحوراء، وغيرهما. أقسم تعالى بحياته تكريماً له

وقال الامام الرازى

المسألة الثانية: في قوله: { لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } قولان: الأول: أن المراد أن الملائكة قالت للوط عليه السلام: { لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } أي في غوايتهم يعمهون، أي يتحيرون فكيف يقبلون قولك، ويلتفتون إلى نصيحتك.

والثاني: أن الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه تعالى أقسم بحياته وما أقسم بحياة أحد، وذلك يدل على أنه أكرم الخلق على الله تعالى
 
الجوهرة الثانية والستون

{ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ }

استكمالا للجوهرة السابقة

قال الامام ابو حيان فى البحر المحيط

والضمير في سكرتهم عائد على قوم لوط، وقال الطبري: لقريش، وهذا مروي عن ابن عباس. قال: ما خلق الله نفساً أكرم على الله من محمد قال له: وحياتك إنهم أي قومك من قريش لفي سكرتهم أي ضلالهم، وجهلهم يعمهون يتردّدن. قال ابن عطية: وهذا بعيد لانقطاعه مما قبله وما بعده.
 
الجوهرة الثالثة والستون

{ يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ }

قال السمين الحلبى فى الدر المصون

قوله: { وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ } في الضمير وجهان، أظهرُهما: أنه عائدٌ على " كل جبار ". والثاني: أنه عائدٌ على العذابِ المتقدِّمِ.
 
الجوهرة الرابعة والستون

{ فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ } * { وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ }

قال الامام ابو حيان فى البحر المحيط

والضمير في وأنها عائد على المدينة المهلكة أي: أنها لبطريق ظاهر بين للمعتبر قاله: مجاهد، وقتادة، وابن زيد.

قيل: ويحتمل أن يعود على الآيات، ويحتمل أن يعود على الحجارة. وقوله: لبسبيل أي ممر ثابت، وهي بحيث يراها الناس ويعتبرون بها لم تندرس. وهو تنبيه لقريش، وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل. وقيل: عائد على الصيحة أي: وإنّ الصيحة لبمرصد لمن يعمل عملهم لقوله: وما هي من الظالمين ببعيد
 
الجوهرة الخامسة والستون

{ وَإِن كَانَ أَصْحَابُ ٱلأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ } * { فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ }

قال الامام الرازى فى تفسيره

{ وَإِنَّهُمَا } فيه قولان:

القول الأول: المراد قرى قوم لوط عليه السلام والأيكة.

والقول الثاني: الضمير للأيكة ومدين لأن شعيباً عليه السلام كان مبعوثاً إليهما فلما ذكر الأيكة دل بذكرها على مدين فجاء بضميرهما وقوله: { لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ } أي بطريق واضح

وقال الامام ابو حيان فى البحر المحيط

والظاهر قول الجمهور من أنّ الضمير في وأنهما عائد على قريتي: قوم لوط، وقوم شعيب. أي: على أنهما ممر السائلة.

وقيل: يعود على شعيب ولوط أي: وإنهما لبإمام مبين، أي بطريق من الحق واضح، والإمام الطريق. وقيل: وإنهما أي: الحر بهلاك قوم لوط وأصحاب الأيكة، لفي مكتوب مبين أي: اللوح المحفوظ. قال مؤرج: والإمام الكتاب بلغة حمير. وقيل: يعود على أصحاب الأيكة ومدين، لأنه مرسل إليهما، فدل ذكر أحدهما على الآخر، فعاد الضمير إليهما

ملحوظة

اعلم اخى الحبيب ان هناك اختلاف بين السادة المفسرين هل اصحاب الايكة هم قوم مدين ام الايكة غير مدين وقد اجاد الحافظ بن كثير فى قصص الانبياء فى هذا الموضوع فليراجع

ولا حظ ان القول الثانى الذى ذكره الامام الرازى يؤيد ان الايكة غير مدين
 
الجوهرة السادسة والستون

{ وَإِذْ وَٰعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَٰلِمُونَ }

قال الامام ابوحيان فى البحر المحيط

{ من بعده } ، من: تفيد ابتداء الغاية، ويتعارض مدلولها مع مدلول ثم، لأن ثم تقتضي وقوع الاتخاذ بعد مهلة من المواعدة، ومن تقتضي ابتداء الغاية في التعدية التي تلي المواعدة، إذا الظاهر عود الضمير على موسى، ولا تتصوّر التعدية في الذات، فلا بد من حذف، وأقرب ما يحذف مصدر يدل عليه لفظ واعدنا، أي من بعد مواعدته، فلا بد من ارتكاب المجاز في أحد الحرفين، إلا أن قدر محذوف غير المواعدة، وهو أن يكون التقدير من بعد ذهابه إلى الطور، فيزول التعارض، إذ المهلة تكون بين المواعدة والاتخاذ. ويبين المهلة قصة الأعراف، إذ بين المواعدة والاتخاذ هناك جمل كثيرة، وابتداء الغاية يكون عقيب الذهاب إلى الطور، فلم تتوارد المهلة والابتداء على شيء واحد، فزال التعارض.

وقيل: الضمير في بعده يعود على الذهاب، أي من بعد الذهاب، ودل على ذلك أن المواعدة تقتضي الذهاب، فيكون عائداً على غير مذكور، بل على ما يفهم من سياق الكلام، نحو قوله تعالى:
{ حتى توارت بالحجاب }
[ص: 32]،
{ فأثرن به نقعاً }
[العاديات: 4] أي توارت الشمس، إذ يدل عليها قوله: بالعشي، وأي فأثرن بالمكان، إذ يدل عليه
{ والعاديات }
[العاديات: 1]
{ فالموريات }
[العاديات: 2]،
{ فالمغيرات }
[العاديات: 3] إذ هذه الأفعال لا تكون إلا في مكان فاقتضته ودلت عليه.

وقيل: الضمير يعود على الانجاء، أي من بعد الانجاء، وقيل: على الهدى، أي من بعد الهدى، وكلا هذين القولين ضعيف.
 
جواهر الضمائر فى سورة العاديات

الجوهرة السابعة والستون



{ وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً } * { فَٱلمُورِيَاتِ قَدْحاً } * { فَٱلْمُغِيرَاتِ

صُبْحاً } * { فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً }

قال الامام الرازى فى تفسيره

المسألة الثانية: الضمير في قوله: { به } إلى ماذا يعود؟

فيه وجوه أحدها: وهو قول الفراء أنه عائد إلى المكان الذي انتهى إليه، والموضع الذي تقع فيه الإغارة، لأن في قوله: { فَٱلْمُغِيرٰتِ

صُبْحاً } دليلاً على أن الإغارة لا بد لها من وضع، وإذا علم المعنى جاز أن يكنى عما لم يجز ذكره بالتصريح كقوله:
{ إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ }
[القدر: 1]

وثانيها: إنه عائد إلى ذلك الزمان الذي وقعت فيه الإغارة، أي فأثرن في ذلك الوقت نقعاً

وثالثها: وهو قول الكسائي أنه عائد إلى العدو، أي فأثرن بالعدو نقعاً، وقد تقدم ذكر العدو في قوله: { وَٱلْعَـٰدِيَـٰتِ }.
 
الجوهرة الثامنة والستون

نستكمل جواهر الضمائر فى سورة العاديات

{ فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً }

قال الامام الرازى فى تفسيره

والضمير في قوله: { بِهِ } إلى ماذا يرجع؟ فيه وجوه أحدها:

قال مقاتل: أي بالعدو، وذلك أن العاديات تدل على العدو، فجازت الكناية عنه، وقوله: { جَمْعاً } يعني جمع العدو، والمعنى صرن بعدوهن وسط جمع العدو، ومن حمل الآيات على الإبل، قال: يعني جمع منى

وثانيها: أن الضمير عائد إلى النقع أي: وسطن بالنقع الجمع

وثالثها: المراد أن العاديات وسطن ملبساً بالنقع جمعاً من جموع الأعداء.
 
الجوهرة التاسعة والستون

استكمالا للرحلة مع الضمائر فى سورة العاديات

{ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ } * { وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَلِكَ لَشَهِيدٌ } * { وَإِنَّهُ لِحُبِّ ٱلْخَيْرِ لَشَدِيدٌ }

قال الرازى فى تفسيره

{ وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَلِكَ لَشَهِيدٌ } وفيه قولان

: أحدهما: أن الإنسان على ذلك أي على كنوده لشهيد يشهد على نفسه بذلك، أما لأنه أمر ظاهر لا يمكنه أن يجحده، أو لأنه يشهد على نفسه بذلك في الآخرة ويعترف بذنوبه

القول الثاني: المراد وإن الله على ذلك لشهيد قالوا: وهذا أولى لأن الضمير عائد إلى أقرب المذكورات والأقرب ههنا هو لفظ الرب تعالى ويكون ذلك كالوعيد والزجر له عين المعاصي من حيث إنه يحصى عليه أعماله،

وأما الناصرون للقول الأول فقالوا: إن قوله بعد ذلك: { وَإِنَّهُ لِحُبّ ٱلْخَيْرِ لَشَدِيدٌ } الضمير فيه عائد إلى الإنسان، فيجب أن يكون الضمير في الآية التي قبله عائداً إلى الإنسان ليكون النظم أحسن.
 
الجوهرة السبعون

ما زلنا مع جواهر الضمائر فى سورة العاديات

{ أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي ٱلْقُبُورِ }

قال الامام القرطبى فى تفسيره

وقوله: { إِذَا بُعْثِرَ } العامل في «إذا»: «بُعْثِر»، ولا يعمل فيه { يَعْلَمُ }؛ إذ لا يراد به العلم من الإنسان ذلك الوقت، إنما يراد في الدنيا
وقال الامام الالوسى فى تفسيره

وقال الحوفي العامل في { إِذَا } الظرفية { يَعْلَمُ } وأورد عليه أنه لا يراد منه العلم في ذلك الوقت بل العلم في الدنيا وأجيب بأن هذا إنما يرد إذا كان ضمير { يَعْلَمُ } راجعاً إلى الإنسان وذلك غير لازم على هذا القول

لجواز أن يرجع إليه عز وجل ويكون مفعولاً { يَعْلَمُ } محذوفين والتقدير أفلا يعلمهم الله تعالى عاملين بما عملوا إذا بعثر على أن يكون العلم كناية عن المجازاة والمعنى أفلا يجازيهم إذا بعثر ......
 
الجوهرة الواحدة والسبعون

الضمائر فی سورة القدر

{ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ }

قال الامام ابو حيان فى البحر المحيط

{ إنا أنزلناه في ليلة القدر } ،والضمير عائد على ما دل عليه المعنى، وهو ضمير القرآن. قال ابن عباس وغيره: أنزله الله تعالى ليلة القدر إلى سماء الدنيا جملة، ثم نجمه على محمد صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة. وقال الشعبي وغيره: إنا ابتدأنا إنزال هذا القرآن إليك في ليلة القدر. وروي أن نزول الملك في حراء كان في العشر الأواخر من رمضان.

وقيل المعنى: إنا أنزلنا هذه السورة في شأن ليلة القدر وفضلها. ولما كانت السورة من القرآن، جاء الضمير للقرآن تفخيماً وتحسيناً، فليست ليلة القدر ظرفاً للنزول، بل على نحو قول عمر رضي الله تعالى عنه: لقد خشيت أن ينزل فيّ قرآن. وقول عائشة: لأنا أحقر في نفسي من أن ينزل فيّ قرآن.

وقال الامام الالوسى فى تفسيره


{ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ }


الضمير عند الجمهور للقرآن وادعى الإمام فيه إجماع المفسرين وكأنه لم يعتد بقول من قال منهم برجوعه لجبريل عليه السلام أو غيره لضعفه
 
الجوهرة الثانية والسبعون

{ تَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ }

قال الامام الالوسى فى التفسير

فضمير { فِيهَا } لليلة وزعم بعضهم أن الجملة صفة لألف شهر والضمير لها وليس بشيء وجوز بعضهم كون الضمير للملائكة على أن (الروح) مبتدأ لا معطوف على (الملائكة) و(فيها) خبره لا متعلق بتنزل والجملة حال من (الملائكة) وهو خلاف الظاهر.
 
الجوهرة الثالثة والسبعون

{ سَلاَمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ }

قال السمين فی دره المصون

قوله تعالى: { سَلاَمٌ هِيَ } فيه وجهان،

أحدُهما: أنَّ " هي " ضمير الملائكة، و " سلام " بمعنى التسليم، أي: الملائكة ذاتُ تَسْليمٍ على المؤمنين. وفي التفسير: أنهم يُسَلِّمون تلك الليلةَ على كلِّ مؤمنِ ومؤمنة بالتحية

. والثاني: أنها ضميرُ ليلةِ القَدْرِ، وسلامٌ بمعنى سَلامة، أي: ليلةُ القَدْرِ ذاتُ سلامةٍ مَنْ شيءٍ مَخْوفٍ. ويجوزُ على كلٍ من التقديرَيْن أَنْ يرتفعَ " سلامٌ " على أنه خبرٌ مقدمٌ، و " هي " مبتدأٌ مؤخرٌ، وهذا هو المشهورُ، وأنْ يرتفع بالابتداء و " هي " فاعلٌ به عند الأخفشِ، لأنه لا يَشْتَرِطُ الاعتمادَ في عَمَلِ الوصفِ. وقد تقدَّم أَنْ بعضَهم يجعلُ الكلامُ تامَّاً على قولِه { بِإِذْنِ رَبِّهِم } ويُعَلِّقُ " مِنْ كلِّ أمرٍ " بما بعدَه، وتقدَّم تأويلُه
 
الجوهرة الرابعة والسبعون

{ وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ }

قال القرطبى فى تفسيره

{ إِنَّهُ رَبِّيۤ } يعني زوجها، أي هو سيّدي أكرمني فلا أخونه؛ قاله مجاهد وابن إسحق والسدّي. وقال الزجاج: أي إن الله ربي تولاني بلطفه، فلا أركب ما حرّمه.
 
الجوهرة الخامسة والسبعون

{ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَراً إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ }

قال الامام ابو حيان فى البحر المحيط


والظاهر أن الضمير يعود في أكبرنه على يوسف. إن ثبت أن أكبر بمعنى حاض، فتكون الهاء عائدة على المصدر أي: أكبرن الإكبار.
 
الجوهرة السادسة والسبعون



{ وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى ٱلْمَلَٰئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هَـٰؤُلاۤءِ إِن كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ }

اعلم اخى الحبيب ان الضمير المتصل فى عرضهم قد يكون عائد على الاسماء كما هو ظاهر .وقد يكون عائد على الاشخاص وهذا الذى اميل اليه فالله فد عرض الاشخاص على الملائكة ثم قال لهم انبئونى باسماء هؤلاء

قال ابن عطية فى المحرر الوجيز

واختلف المتأولون هل عرض على الملائكة أشخاص الأسماء أو الأسماء دون الأشخاص؟ فقال ابن مسعود وغيره: عرض الأشخاص.

وقال ابن عباس وغيره: عرض الأسماء، فمن قال في الأسماء بعموم كل شيء قال عرضهم أمة أمة ونوعاً نوعاً، ومن قال في الأسماء إنها التسميات استقام على قراء ة أبيّ: " عرضها " ، ونقول في قراءة من قرأ " عرضهم ": إن لفظ الأسماء يدل على الأشخاص، فلذلك ساغ أن يقول للأسماء عرضهم.

وقال الامام ابو حيان فى البحر المحيط

والظاهر أن ضمير النصب في عرضهم يعود على المسميات، وظاهره أنه للعقلاء، فيكون إذ ذاك المعنى بالأسماء أسماء العاقلين، أو يكون فيهم غير العقلاء، وغلب العقلاء. وقرأ أبي ثم عرضها. وقرأ عبد الله ثم عرضهن، والضمير عائد على الأسماء، فتكون هي المعروضة، أو يكون التقدير مسمياتها، فيكون المعروض المسميات لا الأسماء.
 
الجوهرة السابعة والسبعون

استكمالا للجوهرة السابقة


{ وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى ٱلْمَلَٰئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي

بِأَسْمَآءِ هَـٰؤُلاۤءِ إِن كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ } * { قَالُواْ سُبْحَٰنَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ } * { قَالَ يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ }


هل الضمير المتصل فى اسمائهم يجوز ان يعودعلى الملائكة فقط وهى اقرب مذكور فى انبئهم ام يعود على هؤلاء التى قبلها فتشمل الملائكة وغيرها؟

قال الحافظ بن كثير فى تفسير انبئهم باسمائهم

قال زيد بن أسلم: قال: أنت جبرائيل، أنت ميكائيل، أنت إسرافيل، حتى عدد الأسماء كلها حتى بلغ الغراب، وقال مجاهد في قول الله { قَالَ يَـاءَادَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ } قال: اسم الحمامة، والغراب، واسم كل شيء.انتهى

فعلى ماورد فى تفسير الحافظ بن كثير الاحتمال الثاتى اقرب وهو عود الضمير على هؤلاء فتشمل الملائكة وغيرها والله اعلم
 
الجوهرة الثامنة والسبعون


{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } * { رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ }

قال الامام ابو حيان فى البحر المحيط

والضمير في فيهم يحتمل أن يعود على الذرية، ويحتمل أن يعود على أمّة مسلمة، ويحتمل أن يعود على أهل مكة، ويؤيده قوله: { هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم } ، ولا خلاف أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصح عنه أنه قال: " أنا دعوة أبي إبراهيم " ولم يبعث الله إلى مكة وما حولها إلا هو صلى الله عليه وسلم.
 
الجوهرة التاسعة والسبعون

{ وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ ٱلَّذِي تَقُولُ وَٱللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً }

قال الامام ابوحيان فى البحر المحيط

{ فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول } أي إذا خرجوا من عندك رووا وسووا أي: طائفة منهم غير الذي تقوله لك يا محمد من إظهار الطاعة، وهم في الباطن كاذبون عاصون، فعلى هذا الضمير في تقول عائد على الطائفة، وهو قول ابن عباس.


وقيل: يعود على الرسول أي: غير الذي تقوله وترسم به يا محمد، وهو الخلاف والعصيان المشتمل عليه بواطنهم. ويؤيد هذا التأويل قراءة عبد الله بيت مبيت منهم يا محمد.

وقال ابن الجوزى فى زاد المسير

وفي قوله: { غير الذي تقول } قولان.

أحدهما: غير الذي تقول الطائفة عندك، وهو قول ابن عباس، وابن قتيبة.

والثاني: غير الذي تقول أنت يا محمد، وهو قول قتادة، والسدي.
 
الجوهرة الثمانون

{ فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ }

قال ابن الجوزی فی زاد المسير

قوله تعالى: { فلما رأى قميصه } في هذا الرائي والقائل: { إِنه من كيدكن } قولان:

أحدهما: أنه الزوج. والثاني: الشاهد.

وفي هاء الكناية في قوله: «إِنه من كيدكن» ثلاثة أقوال:

أحدها: أنها ترجع إِلى تمزيق القميص، قاله مقاتل.

والثاني: إِلى قولها: «ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً» فالمعنى: قولكِ هذا من كيدكن، قاله الزجاج.

والثالث: إِلى السوء الذي دعته إِليه، ذكره الماوردي. قال ابن عباس: «إِن كيدكن» أي: عملكن «عظيم» تخلطن البريء والسقيم.
 
الجوهرة الواحدة والثمانون

{ قَالَ فَٱهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَٱخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّاغِرِينَ }

قال السمين الحلبي فی دره المصون

وقوله تعالى: { مِنْهَا }: و " فيها " الضميرُ يعود على الجنة لأنه كان من سكانها. عن ابن عباس: أنهم كانوا في عدن لا في جنة الخلد. وقيل: يعود على السماء، لأنه يُروى في التفسير أنه وَسْوس إليهما وهو في السماء. وقيل: على الأرض أُمِر أن يَخْرج منها إلى جزائر البحار، ولا يدخل في الأرض إلا كالسارق. وقيل: على الرتبة المنيفة والمنزلة الرفيعة. وقيل: على الصورة والهيئة التي كان عليها لأنه كان مُشْرق الوجه فعاد مُظْلِمَه. وقوله: " فاخرجْ " تأكيدٌ لـ " اهبط " إذ هو بمعناه.
 
الجوهرة الثانية والثمانون

{ فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَٱجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ مَكَاناً سُوًى } * {قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ ٱلزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحًى } * { فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَىٰ }

الضمير المرفوع فى قال عائد على الكليم عليه السلام ام فرعون؟

قال الرازى فى تفسيره مفاتيح الغيب


يحتمل أن قوله تعالى: { قَالَ مَوْعِدُكُمْ } أن يكون من قول فرعون فبين الوقت ويحتمل أن يكون من قول موسى عليه السلام، قال القاضي والأول أظهر لأنه المطالب بالاجتماع دون موسى عليه السلام،

وعندي الأظهر أنه من كلام موسى عليه السلام لوجوه. أحدها: أنه جواب لقول فرعون فاجعل بيننا وبينك موعداً. وثانيها: وهو أن تعيين يوم الزينة يقتضي اطلاع الكل على ما سيقع فتعيينه إنما يليق بالمحق الذي يعرف أن اليد له لا المبطل الذي يعرف أنه ليس معه إلا التلبيس. وثالثها: أن قوله: موعدكم خطاب للجمع فلو جعلناه من فرعون إلى موسى وهرون لزم إما حمله على التعظيم وذلك لا يليق بحال فرعون معهما أو على أن أقل الجمع إثنان وهو غير جائز أما لو جعلناه من موسى عليه السلام إلى فرعون وقومه استقام الكلام.
 
الجوهرة الثالثة والثمانون

الضمائر فی سورة الشمس

{ وَٱلشَّمْسِ وَضُحَاهَا } * { وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا } * { وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا }

قال الامام الرازى فى تفسيره

والضمير في جلاها إلى ماذا يعود؟ فيه وجهان

أحدهما: وهو قول الزجاج: أنه عائد إلى الشمس وذلك لأن النهار عبارة عن نور الشمس. فكلما كان النهار أجلى ظهوراً كانت الشمس أجلى ظهوراً، لأن قوة الأثر وكماله تدل على قوة المؤثر، فكان النهار يبرز الشمس ويظهرها، كقوله تعالى: { لاَ يُجَلّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ } أي لا يخرجها

الثاني: وهو قول الجمهور ـ أنه عائد إلى الظلمة، أو إلى الدنيا، أو إلى الأرض. وإن لم يجر لها ذكر، يقولون: أصبحت باردة يريدون الغداة، وأرسلت يريدون السماء.
 
الجوهرة الرابعة والثمانون


{ وَٱللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا }

قال الامام ابو حيان فى البحر المحيط


{ والليل إذا يغشاها }: أي يغشى الشمس، فبدخوله تغيب وتظلم الآفاق، ونسبة ذلك إلى الليل مجاز. وقيل: الضمير عائد على الأرض، والذي تقتضيه الفصاحة أن الضمائر كلها إلى قوله: { يغشاها } عائدة على الشمس.
 
الجوهرة الخامسة والثمانون

وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا } * { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } * { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا } * { وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا }


قال ابن كثير

وقوله تعالى: { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّـٰهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّـٰهَا } يحتمل أن يكون المعنى: قد أفلح من زكى نفسه، أي: بطاعة الله، كما قال قتادة: وطهرها من الأخلاق الدنيئة والرذائل، ويروى نحوه عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير، وكقوله تعالى:
{ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ }
[الأعلى: 14 ــــ 15] { وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّـٰهَا } أي: دسسها، أي: أخملها، ووضع منها؛ بخذلانه إياها عن الهدى حتى ركب المعاصي، وترك طاعة الله عز وجل،

وقد يحتمل أن يكون المعنى: قد أفلح من زكى الله نفسه، وقد خاب من دسى الله نفسه؛ كما قال العوفي وعلي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي وأبو زرعة قالا: حدثنا سهل بن عثمان، حدثنا أبو مالك، يعني: عمرو بن الحارث عن عمرو ابن هشام عن جويبر، عن الضحاك عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في قول الله عز وجل: { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّـٰهَا } قال النبي صلى الله عليه وسلم: أفلحت نفس زكاها الله عز وجل " ورواه ابن أبي حاتم من حديث أبي مالك به، وجويبر هذا هو ابن سعيد، متروك الحديث، والضحاك لم يلق ابن عباس، وقال الطبراني: حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح، حدثنا أبي، حدثنا ابن لهيعة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر بهذه الآية: { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } وقف ثم قال: " اللهم آت نفسي تقواها، أنت وليها ومولاها، وخير من زكاها "
 
الجوهرة السادسة والثمانون


ما زلنا مع سورة الشمس

{ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ } * { إِذِ ٱنبَعَثَ أَشْقَاهَا} * { فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ نَاقَةَ ٱللَّهِ وَسُقْيَاهَا }

قال الامام ابو حيان فى البحر المحيط


والظاهر أن الضمير في { لهم } عائد على أقرب مذكور وهو { أشقـاها } إذا أريد به الجماعة، ويجوز أن يعود على { ثمود }.

الجوهرة السابعة والثمانون

{ فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا }

قال السمين فی دره المصون

قوله: { فَسَوَّاهَا } الضميرُ المنصوبُ يجوزُ عَوْدُه على ثمودَ باعتبار القبيلةِ كما أعادَه في قولِه " بَطَغْواها " ويجوزُ عَوْدُه على الدَّمْدَمَة والعقوبةِ، أي: سَوَّاها بينهم، فلم يَفْلَتْ منهم أحدٌ. وقرأ ابن الزبير " فَدَهْدَمَ " بهاءٍ بين الدالَيْن بدلَ الميم، وهي بمعنى القراءةِ المشهورةِ.

وقال ابن الجوزی فی زاد المسير

وفي قوله تعالى: { فَسوَّاها } قولان.

أحدهما: سوَّى بينهم في الإهلاك، قاله السدي، ويحيى بن سلام. وقيل: سوَّى الدمدمة عليهم. والمعنى: أنه أهلك صغيرهم، وكبيرهم.

والثاني: سوَّى الأرض عليهم. قال مقاتل: سوَّى بيوتهم على قبورهم. وكانوا قد حفروا قبوراً فاضطجعوا فيها، فلما صِيْحَ بهم فهلكوا زُلزلت بيوتهم فوقعت على قبورهم.
 
الجوهرة الثامنة والثمانون
{ وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا }

قال ابن الجوزی فی زاد المسير


قوله تعالى: { ولا يخاف عقباها } قرأ أبو جعفر، ونافع، وابن عامر، «فلا يخاف» بالفاء، وكذلك هو في مصاحف أهل المدينة والشام. وقرأ الباقون بالواو، وكذلك هي في مصاحف مكة، والكوفة، والبصرة.

وفي المشار إليه ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه الله عز وجل، فالمعنى: لا يخاف الله من أحد تَبِعَةً في إهلاكهم، ولا يخشى عقبى ما صنع، قاله ابن عباس، والحسن.

والثاني: أنه الذي عقرها، فالمعنى: أنه لم يخف عقبَى ما صنع، وهذا مذهب الضحاك والسدي، وابن السائب. فعلى هذا في الكلام تقديم وتأخير، تقديره: إذ انبعث أشقاها وهو لا يخاف عقباها.

والثالث: أنه نبي الله صالح لم يخف عقباها، حكاه الزجاج.

وقال ابو حيان فی بحره

قال الامام ابو حيان فى البحر المحيط

والضمير في يخاف الظاهر عوده إلى أقرب مذكور وهو ربهم، أي لأدرك عليه تعالى في فعله بهم لا يسئل عما يفعل، قاله ابن عباس والحسن، وفيه ذم لهم وتعقبه لآثارهم. وقيل: يحتمل أن يعود على صالح، أي لا يخاف عقبى هذه الفعلة بهم، إذ كان قد أنذرهم وحذرهم. ومن قرأ: ولا يحتمل الضمير الوجهين. وقال السدي والضحاك ومقاتل والزجاج وأبو علي: الواو واو الحال، والضمير في يخاف عائد على { أشقاها } ، أي انبعث لعقرها، وهو لا يخاف عقبى فعله لكفره وطغيانه، والعقبى: خاتمة الشيء وما يجيء من الأمور بعقبه، وهذا فيه بعد لطول الفصل بين الحال وصاحبها.
 
الجوهرة التاسعة والثمانون

{ فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ ٱلْوِلْدَانَ شِيباً }.{ ٱلسَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً }

قال الامام ابو حيان فى البحر المحيط


والضمير في به الظاهر أنه يعود على اليوم، والباء للسبب، أي بسبب شدة ذلك اليوم، أو ظرفية، أي فيه. وقال مجاهد: يعود على الله، أي بأمره وسلطانه
 
الجوهرة التسعون

استكمالا للجوهرة السابقة

{ ٱلسَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً }

قال الامام الرازى فى تفسيره

أما قوله: { كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً } فاعلم أن الضمير في قوله: { وَعْدَهُ } يحتمل أن يكون عائداً إلى المفعول وأن يكون عائداً إلى الفاعل، أما الأول: فأن يكون المعنى وعد ذلك اليوم مفعول أي الوعد المضاف إلى ذلك اليوم واجب الوقوع، لأن حكمة الله تعالى وعلمه يقتضيان إيقاعه،

وأما الثاني: فأن يكون المعنى وعد الله واقع لا محالة لأنه تعالى منزه عن الكذب وههنا وإن لم يجر ذكر الله تعالى ولكنه حسن عود الضمير إليه لكونه معلوماً
 
الجوهرة الواحدة والتسعون


{ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ }

قال الامام ابن عطية فى المحرر

وقوله { وهم له ناصحون } يحتمل أن الضمير يعود على الطفل ويحتمل أن يعود على الملك الذي كان الطفل في ظاهر أمره من جملته، وقال ابن جريج: إن القوم تأولوا أنها أعادت الضمير على الطفل فقالوا لها إنك قد عرفته فأخبرينا من هو فقالت: ما أردت إلا أنهم ناصحون للملك: فتخلصت منهم بهذا التأويل.

قال الفقيه الإمام القاضي: ويحتمل أن يعود الضمير على الطفل ولكن يكون النصح له بسبب الملك وحرصاً على التزلف إليه والتقرب منه،
 
الجوهرة الثانية والتسعون

{ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْيَ قَالَ يٰبُنَيَّ إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ

فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ }

الضمير المرفوع فى بلغ عائد على من ؟

من هو الذبيح؟

قال الامام الرازى فى تفسيره



وٱختلف العلماء في المأمور بذبحه. فقال أكثرهم: الذبيح إسحاق. وممن قال بذلك العباس بن عبد المطلب وٱبنه عبد اللّه وهو الصحيح عنه. روى الثوريّ وٱبن جريج يرفعانه إلى ٱبن عباس قال: الذبيح إسحاق. وهو الصحيح عن عبد اللّه بن مسعود أن رجلاً قال له: يا بن الأشياخ الكرام. فقال عبد اللّه: ذلك يوسف بن يعقوب بن إسحاق ذبيح اللّه بن إبراهيم خليل اللّه صلى اللّه عليهم وسلم ـ. وقد روى حماد بن زيد يرفعه إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: " إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم صلى الله عليه وسلم " وروى أبو الزبير عن جابر قال: الذبيح إسحاق. وذلك مروي أيضاً عن عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه. وعن عبد اللّه بن عمر: أن الذبيح إسحاق. وهو قول عمر رضي اللّه عنه. فهؤلاء سبعة من الصحابة. وقال به من التابعين وغيرهم عَلْقَمة والشّعبي ومجاهد وسعيد بن جُبير وكعب الأحبار وقتادة ومسروق وعِكرمة والقاسم بن أبي بَزَّة وعطاء ومقاتل وعبد الرحمن بن سابط والزهريّ والسديّ وعبد اللّه بن أبي الهذيل ومالك بن أنس، كلهم قالوا: الذبيح إسحاق. وعليه أهل الكتابين اليهود والنصارى، واختاره غير واحد منهم النحاس والطبري وغيرهما. قال سعيد بن جبير: أُرِيَ إبراهيمُ ذبح إسحاق في المنام، فسار به مسيرة شهر في غداة واحدة، حتى أتى به المنحر من مِنىً؛ فلما صرف اللّه عنه الذبح وأمره أن يذبح الكبش فذبحه، وسار به مسيرة شهر في رَوْحة واحدة طويت له الأودية والجبال. وهذا القول أقوى في النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين.

وقال آخرون: هو إسماعيل. وممن قال ذلك أبو هريرة وأبو الطفيل عامر بن واثلة. وروي ذلك عن ٱبن عمر وٱبن عباس أيضاً، ومن التابعين سعيد بن المسيّب والشّعبي ويوسف بن مِهْران ومجاهد والربيع بن أنس ومحمد بن كعب القُرَظيّ والكلبي وعلقمة.
وسئل أبو سعيد الضرير عن الذبيح فأنشد:إنّ الذبيح هُدِيتَ إسمعيلُ نَطقَ الكتابُ بِذاك والتنزيلُ
شرفٌ به خصّ الإلٰهُ نبيَّنا وأتى به التفسيرُ والتأويلُ
إن كنتَ أُمَّتَه فلا تُنْكِرْ لَهُ شرفاً به قد خَصّه التفضيلُ
وعن الأصمعي قال: سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح، فقال: يا أصمعي أين عَزَب عنك عقلك! ومتى كان إسحاق بمكة؟ وإنما كان إسماعيل بمكة، وهو الذي بنى البيت مع أبيه والمنحر بمكة. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الذبيح إسماعيل والأوّل أكثر عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه وعن التابعين.

وٱحتجوا بأن اللّه عز وجل قد أخبر إبراهيم حين فارق قومه، فهاجر إلى الشام مع ٱمرأته سارّة وٱبن أخيه لوط فقال:
{ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ }
[الصافات: 99] أنه دعا فقال: «رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ» فقال تعالى:
{ فَلَمَّا ٱعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ }
[مريم: 49]؛ ولأن اللّه قال: «وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ» فذكر أن الفداء في الغلام الحليم الذي بُشِّر به إبراهيم وإنما بُشِّر بإسحاق؛ لأنه قال: { وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ } ، وقال هنا: «بِغُلامٍ حَلِيمٍ» وذلك قبل أن يتزوّج هاجر وقبل أن يولد له إسماعيل، وليس في القرآن أنه بُشر بولد إلا إسحاق.

ٱحتج من قال إنه إسماعيل: بأن اللّه تعالى وصفه بالصبر دون إسحاق في قوله تعالى:
{ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا ٱلْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ ٱلصَّابِرِينَ }
[الأنبياء: 85] وهو صبره على الذبح، ووصفه بصدق الوعد في قوله:
{ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ ٱلْوَعْدِ }
[مريم: 54]؛ لأنه وعد أباه من نفسه الصبر على الذبح فوفّى به؛ ولأن اللّه تعالى قال: { وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً } فكيف يأمره بذبحه وقد وعده أن يكون نبيًّا، وأيضاً فإن اللّه تعالى قال:
{ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ }
[هود: 71] فكيف يؤمر بذبح إسحق قبل إنجاز الوعد في يعقوب. وإيضاً ورد في الأخبار تعليق قرن الكبش في الكعبة، فدلّ على أن الذبيح إسماعيل، ولو كان إسحاق لكان الذبح يقع ببيت المقدس. وهذا الاستدلال كله ليس بقاطع؛

أما قولهم: كيف يأمره بذبحه وقد وعده بأن يكون نبيّاً، فإنه يحتمل أن يكون المعنى: وبشرناه بنبوّته بعد أن كان من أمره ما كان؛ قاله ٱبن عباس. وسيأتي. ولعله أُمِر بذبح إسحاق بعد أن ولد لإسحق يعقوب. ويقال: لم يرد في القرآن أن يعقوب يولد من إسحق. وأما قولهم: ولو كان الذبيح إسحق لكان الذبح يقع ببيت المقدس، فالجواب عنه ما قاله سعيد بن جبير على ما تقدّم.

وقال الزجاج: اللّه أعلم أيهما الذبيح. وهذا مذهب ثالث.
 
الجوهرة الثالثة والتسعون

{ وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً }



قال الرازى فى تفسيره

قوله: { وَءاتُواْ ٱلنّسَاء } خطاب لمن؟

فيه قولان: أحدهما: ان هذا خطاب لأولياء النساء، وذلك لأن العرب كانت في الجاهلية لا تعطي النساء من مهورهن شيئا، ولذلك كانوا يقولون لمن ولدت له بنت: هنيئا لك النافجة، ومعناه أنك تأخذ مهرها إبلاً فتضمها الى إبلك فتنفج مالك أي تعظمه، وقال ابن الأعرابي: النافجة يأخذه الرجل من الحلوان اذا زوج ابنته، فنهى الله تعالى عن ذلك، وأمر بدفع الحق الى أهله، وهذا قول الكلبي وأبي صالح واختيار الفراء وابن قتيبة.

القول الثاني: ان الخطاب للأزواج. أمروا بايتاء النساء مهورهن، وهذا قول: علقمة والنخعي وقتادة واختيار الزجاج، قال لأنه لا ذكر للأولياء ههنا، وما قبل هذا خطاب للناكحين وهم الأزواج
 
الجوهرة الرابعة والتسعون

استكمالا للجوهرة الاخيرة

{ وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً }

قال الامام ابو حيان فى البحر المحيط

والضمير في: منه، عائد على الصداق قاله: عكرمة. إذ لو وقع مكان صدقاتهن لكان جائزاً وصار شبيهاً بقولهم: هو أحسن الفتيان وأجمله لصلاحية، هو أحسن فتى. قال الزمخشري: ويجوز أن يكون تذكير الضمير لينصرف إلى الصداق الواحد، فيكون متناولاً بعضه. فلو أنث لتناول ظاهرة هبة الصداق كله، لأن بعض الصدقات واحد منها فصاعداً انتهى. وأقول: حسن تذكير الضمير، لأن معنى: فإن طبن، فإن طابت كل واحدة، فلذلك قال منه أي: من صداقها، وهو نظير:
{ واعتدت لهن متكأ }
[يوسف: 31] أي لكل واحدة، ولذلك أفرد متكأ. وقيل: يعود على صدقاتهن مسلوكاً به مسلك اسم الإشارة، كأنه قيل عن شيء من ذلك. واسم الإشارة وإن كان مفرداً قد يشار به إلى مجموع كقوله:
{ قل أؤنبئكم بخير من ذلكم }
[آل عمران: 15].

.......... وقيل: يعود على المال، وهو غير مذكور، ولكن يدل عليه صدقاتهن. وقيل: يعود على الإيتاء وهو المصدر الدال عليه: وآتوا، قاله الراغب، وذكره ابن عطية.
 
الجوهرة الخامسة والتسعون

{ مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى ٱلْغَيْبِ وَلَكِنَّ ٱللَّهَ يَجْتَبِي

مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَآءُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ }

قال الامام القرطبى فى تفسيره

واختلفوا مَن المخاطب بالآية على أقوال. فقال ابن عباس والضحاك ومقاتِل والكلبيّ وأكثر المفسرين: الخطاب للكفار والمنافقين. أي ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه من الكفر والنفاق وعداوة النبيّ صلى الله عليه وسلم. قال الكلبيّ: إن قريشاً من أهل مكة قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم: الرجلُ منا تزعم أنه في النار، وأنه إذا ترك دِيننا وٱتبع دينكَ قلتَ هو من أهل الجنةٰ فأخبرنا عن هذا من أين هو؟ وأخبرنا مَن يأتيك منا؟ ومَن لم يأتك؟. فأنزل الله عزّ وجلّ { مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنْتُمْ عَلَيْهِ } من الكفر والنفاق «حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ».

وقيل: هو خطاب للمشركين. والمراد بالمؤمنين في قوله: { لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ } من في الأصلاب والأرحام ممن يؤمن. أي ما كان الله ليذر أولادكم الذين حكم لهم بالإيمان على ما أنتم عليه من الشرك، حتى يفرق بينكم وبينهم؛ وعلى هذا { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ } كلام مستأنف. وهو قول ابن عباس وأكثر المفسرين.

وقيل: الخطاب للمؤمنين. أي وما كان الله ليذركم يا معشر المؤمنين على ما أنتم عليه من ٱختلاط المؤمن بالمنافق، حتىٰ يميِّز بينكم بالمحنة والتكليف؛ فتعرفوا المنافق الخبيث، والمؤمن الطيب. وقد مَيَّزَ يوم أُحُد بين الفريقين. وهذا قول أكثر أهل المعاني.
 
الجوهرة السادسة والتسعون

استكمالا للجوهرة السابقة

{ مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى ٱلْغَيْبِ وَلَكِنَّ ٱللَّهَ يَجْتَبِي

مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَآءُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ }

قال الامام ابن الجوزى فى زاد المسير

وفي المخاطب بقوله: { وما كان الله ليطلعكم على الغيب } قولان.

أحدهما: أنهم كفار قريش، فمعناه: ما كان الله ليبين لكم المؤمن من الكافر، لأنهم طلبوا ذلك، فقالوا: أخبرنا بمن يؤمن ومن لا يؤمن، هذا قول ابن عباس.

والثاني: أنه النبي صلى الله عليه وسلم، فمعناه: وما كان الله ليطلع محمداً على الغيب، قاله السدي «ويجتبي» بمعنى يختار، قاله الزجاج وغيره. فمعنى الكلام على القول الأول: أن الله لا يطلع على الغيب أحداً إلا الأنبياء الذين اجتباهم، وعلى القول الثاني: أن الله لا يطلع على الغيب أحداً إلا أنه يجتبي من يشاء فيطلعه على ما يشاء.

وقال الامام القرطبى فى تفسيره

{ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى ٱلْغَيْبِ } يا معشر المؤمنين. أي ما كان الله ليعيِّن لكم المنافقين حتى تعرفوهم، ولكن يظهر ذلك لكم بالتكليف والمحنة، وقد ظهر ذلك في يوم أُحُد؛ فإن المنافقين تخلفوا وأظهروا الشماتة، فما كنتم تعرفون هذا الغيب قبل هذا، فالآن قد أطلع الله محمداً عليه السَّلام وصحبه على ذلك.........
 
الجوهرة السابعة والتسعون

{ وَكَذٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُواْ ٱبْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً }


قال الامام ابو حيان فى البحر المحيط

والضمير في { ليعلموا } عائد على مفعول { أعثرنا } وإليه ذهب الطبري.
....... وقيل: يحتمل أن يعود الضمير في و { ليعلموا } على أصحاب الكهف، أي جعل الله أمرهم آية لهم دالة على بعث الأجساد من القبور.

وقال السمين الحلبى فى الدر المصون


" لِيَعْلَموا " متعلقٌ بأَعْثَرْنا. والضمير: قيل: يعود على مفعول " أَعْثَرْنا " المحذوفِ تقديرُه: أَعْثَرْنا الناسَ. وقيل: يعود على أهل الكهف.


وقال ابن الجوزى فى زاد المسير

قوله تعالى: { ليعلموا } في المشار إِليهم بهذا العلم قولان.

أحدهما: أنهم أهل بلدهم حين اختصموا في البعث، فبعث الله أهل الكهف ليعلموا { أن وعد الله } بالبعث والجزاء { حَقٌّ } وأن القيامة لا شك فيها، هذا قول الأكثرين.

والثاني: أنهم أهل الكهف، بعثناهم ليرَوْا بعد علمهم أن وعد الله حق، ذكره الماوردي.
 
الجوهرة الثامنة والتسعون

استكمالا للجوهرة السابقة

{ وَكَذٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُواْ ٱبْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً }

قال الامام ابن عاشور فى التحرير والتنوير

وضمير { أمرهم } يجوز أن يعود إلى أصحاب الكهف. والأمر هنا بمعنى الشأن.

والتنازع: الجدال القوي، أي يتنازع أهل المدينة بينهم شأن أهل الكهف، مثل: أكانوا نياماً أم أمواتاً، وأيبقون أحياء أم يموتون، وأيبقون في ذلك الكهف أم يرجعون إلى سكنى المدينة، وفي مدة مكثهم.

ويجوز أن يكون ضمير { أمرهم } عائداً إلى ما عاد عليه ضمير { يتنازعون } ، أي شأنهم فيما يفعلونه بهم.
 
الجوهرة التاسعة والتسعون

استكمالا للجوهرة السابقة

{ وَكَذٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُواْ ٱبْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً }

لاحظ اخى الحبيب اننا فى هذة الجوهرة نتكلم عن مرجع الضمير فى امرهم الثانية

ذكر الامام ابن عاشور فى التحرير والتنوير وجه جميل فى مرجع هذا الضمير قال:

والذين غلبوا على أمرهم ولاة الأمور بالمدينة، فضمير { أمرهم } يعود إلى ما عاد إليه ضمير { فقالوا } ، أي الذين غلبوا على أمر القائلين: ابنوا عليهم بنياناً.
 
الجوهرة المائة

{ سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِٱلْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِراً وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِّنْهُمْ أَحَداً }

قال الامام ابو حيان فى البحر المحيط

والظاهر أن الضمير في { سيقولون } عائد على من تقدم ذكرهم وهم المتنازعون في حديثهم قبل ظهورهم عليهم، فأخبر تعالى نبيه بما كان من اختلاف قومهم في عددهم وكون الضمير عائداً على ما قلنا ذكره الماوردي.

وقيل: يعود على نصارى نجران تناظروا مع الرسول صلى الله عليه وسلم في عددهم. فقالت الملكانية: الجملة الأولى، واليعقوبية الجملة الثانية، والنسطورية الجملة الثالثة، وهذا يروي عن ابن عباس. وفي الكشاف أن السيد قال الجملة الأولى وكان يعقوبياً، والعاقب قال الثانية وكان نسطورياً، والمسلمون قالوا الثالثة وأصابوا وعرفوا ذلك بإخبار الرسول عن جبريل عليهما الصلاة والسلام، فتكون الضمائر في { سيقولون } { ويقولون } عائداً بعضها على نصارى نجران، وبعضها على المؤمنين. وعن عليّ هم سبعة نفر أسماؤهم تمليخاً، ومكشلبيناً ومشلبينا هؤلاء أصحاب يمين الملك، وكان عن يساره مرنوش، ودبرنوش، وشاذنوش وكان يستشير هؤلاء الستة في أمره، والسابع الراعي الذي وافقهم، هربوا من ملكهم دقيانوس واسم مدينتهم أفسوس واسم كلبهم قطمير انتهى.

وقال ابن عطية الضمير في قوله { سيقولون } يراد به أهل التوراة من معاصري محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك أنهم اختلفوا في عدد أهل الكهف هذا الاختلاف المنصوص انتهى
 
الجوهرة الواحدة بعد المائة

{ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

قال الامام ابن الجوزى الحنبلى فى زاد المسير

قوله تعالى: { وأَصبح فؤادُ أُمِّ موسى فارغاً } فيه أربعة أقوال.

أحدها: فارغاً من كل شيء إِلا من ذِكْر موسى، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وعكرمة، وقتادة، والضحاك.

والثاني: أصبح فؤادها فَزِعاً، رواه الضحاك عن ابن عباس، وهي قراءة أبي رزين، وأبي العالية، والضحاك، وقتادة، وعاصم الجحدري، فانهم قرؤوا { فَزِعاً } بزاي معجمة.

والثالث: فارغاً من وحينا بنسيانه، قاله الحسن، وابن زيد.

والرابع: فارغاً من الحزن، لِعِلْمها أنَّه لم يُقتَل، قاله أبو عبيدة. قال ابن قتيبة: وهذا من أعجب التفسير، كيف يكون كذلك واللّهُ يقول: { لولا أنْ رََبَطْنا على قَلْبها }؟! وهل يُرْبَطُ إِلاّ على قلب الجازع المحزون؟!

قوله تعالى: { إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي به } في هذه الهاء قولان.

أحدهما: أنها ترجع إِلى موسى. ومتى أرادت هذا؟ فيه ثلاثة أقوال. أحدها: أنه حين فارقتْه؛ روى سعيد بن جبير عن ابن عباس [أنه] قال: كادت تقول: يا بُنَيَّاه. قال قتادة: وذلك من شدة وجدها. والثاني: حين حُمِلَتْ لِرَضاعه ثم كادت تقول: هو ابني، قاله السدي. والثالث: أنَّه لمَّا كَبِر وسَمِعَت الناسَ يقولون: موسى بن فرعون، كادت تقول: لا بل هو ابني، قاله ابن السائب.

والقول الثاني: أنها ترجع إِلى الوحي؛ والمعنى: إِنْ كادت لتُبْدي بالوحي، حكاه ابن جرير.

وقال الطبري فی تفسيره

قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب عندي قول من قال: معناه: { وَأصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فـارِغاً } من كلّ شيء إلاَّ من همّ موسى.

وإنـما قلنا: ذلك أولـى الأقوال فـيه بـالصواب لدلالة قوله: { إنْ كادَتْ لَتُبْدِى بِهِ لَوْلا أنْ رَبَطْنا عَلـى قَلْبِها } ولو كان عَنَى بذلك: فراغ قلبها من الوحي لـم يعقب بقوله: { إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ } لأنها إن كانت قاربت أن تبدي الوحي، فلـم تكد أن تبديه إلا لكثرة ذكرها إياه، وولوعها به، ومـحال أن تكون به ولعة إلا وهي ذاكرة. وإذا كان ذلك كذلك بطل القول بأنها كانت فـارغة القلب مـما أوحى إلـيها. وأخرى أن الله تعالـى ذكره أخبر عنها أنها أصبحت فـارغة القلب، ولـم يخصص فراغ قلبها من شيء دون شيء، فذلك علـى العموم إلا ما قامت حجته أن قلبها لـم يفرغ منه. وقد ذُكر عن فضالة بن عبـيد أنه كان يقرؤه: «وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فـازِعاً» من الفزع.
 
الجوهرة الثانية بعد المائة

{ قَالَ أَلْقِهَا يٰمُوسَىٰ } * { فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ } * { قَالَ خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا ٱلأُولَىٰ }

الظاهر ان الضمير فى خذها عائد على الحية وليس العصا

لكن الضمير فی سنعيدها وسيرتها هل للعصا؟
 
عودة
أعلى