اكثر من اربعمائة جوهرة من جواهر الضمائر فی كتاب الله

إنضم
31/10/2015
المشاركات
2,088
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
مصر
بسم الله الرحمن الرحيم

منذ سنوات وأنا مشغول بعلم الضمائر فی كتاب الله أبحث عنها وأفتش فی أسرارها

وقد جمعت إلي الأن مايزيد عن 400 جوهرة من جواهرها ولا يزال البحث جاريا ان شاء الله

وحقيقة البحث فی الضمائر فی كتاب الله لذة لا يشعر بها الا من اهتم وغاص فی بحور هذا العلم فی كتاب الله

ارجو من الله ان ينفع بهذا البحث وان يجعله فی ميزان حسناتی يوم ألقاه

الجوهرة الاولي

{ وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي ٱلسِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ }

قال القرطبي فی نفسيره

الثالثة: قوله تعالى: { فَأَنْسَاهُ ٱلشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ }

الضمير في «فَأَنْسَاهُ» فيه قولان: أحدهما: أنه عائد إلى يوسف عليه السلام، أي أنساه الشيطان ذكر الله عز وجل؛ وذلك أنه لما قال يوسف لساقي الملك ـ حين علم أنه سينجو ويعود إلى حالته الأولى مع الملك ـ { ٱذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ } نسي في ذلك الوقت أن يشكو إلى الله ويستغيث به، وجنح إلى الاعتصام بمخلوق؛ فعوقب باللّبث، قال عبد العزيز بن عُمير الكِنْديّ: دخل جبريل على يوسف النبي عليه السلام في السجن فعرفه يوسف، فقال: يا أخا المنذرين! مالي أراك بين الخاطئين؟! فقال جبريل عليه السلام: يا طاهر (ابن) الطاهرين! يقرئك السلام رب العالمين ويقول: أما استحيت إذ ٱستغثت بالآدميين؟! وعزّتي! لألبثنّك في السجن بضع سنين؛ فقال: يا جبريل! أهو عنّي راضٍ؟ قال: نعم! قال: لا أبالي الساعة. ورُوي أن جبريل عليه السلام جاءه فعاتبه عن الله تعالى في ذلك وطوّل سجنه، وقال له: يا يوسف! من خلّصك من القتل من أيدي إخوتك؟! قال: الله تعالى، قال: فمن أخرجك من الجبّ؟ قال: الله تعالى قال: فمن عَصَمك من الفاحشة؟ قال: الله تعالى، قال: فمن صرف عنك كيد النساء؟ قال: الله تعالى، قال: فكيف وثقت بمخلوق وتركت ربك فلم تسأله؟! قال: يا رب كلمة زلّت مني! أسألك يا إله إبراهيم وإسحق والشيخ يعقوب عليهم السلام أن ترحمني؛ فقال له جبريل: فإن عقوبتك أن تلبث في السجن بضع سنين. ورَوى أبو سلَمة عن أبي هُريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رحم الله يوسف لولا الكلمة التي قال: { ٱذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ } ما لبث في السجن بضع سنين " وقال ٱبن عباس: عوقب يوسف بطول الحبس بضع سنين لمّا قال للذي نجا منهما { ٱذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ } ولو ذكر يوسف ربه لخلّصه. وروى إسماعيل بن إبراهيم عن يونس عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لولا كلمة يوسف ـ يعني قوله: { ٱذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ } ـ ما لبث في السجن ما لبث " قال: ثم يبكي الحسن ويقول: نحن ينزل بنا الأمر فنشكو إلى الناس.

وقيل: إن الهاء تعود على الناجي، فهو الناسي؛ أي أنسى الشيطانُ الساقي أن يذكر يوسف لربه، أي لسيده؛ وفيه حذف، أي أنساه الشيطانُ ذكره لربه؛ وقد رجّح بعض العلماء هذا القول فقال: لولا أن الشيطان أنسى يوسف ذكر الله لما استحق العقاب باللبث في السجن؛ إذ الناسي غير مؤاخذ. وأجاب أهل القول الأوّل بأن النسيان قد يكون بمعنى الترك، فلما ترك ذكر الله ودعاه الشيطان إلى ذلك عوقب؛ ردّ عليهم أهل القول الثاني بقوله تعالى: { وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ } فدلّ على أن الناسي (هو) الساقي لا يوسف؛ مع قوله تعالى:

إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ }
[الإسراء:65] فكيف يصح أن يضاف نسيانه إلى الشيطان، وليس له على الأنبياء سلطنة؟! قيل: أما النسيان فلا عصمة للأنبياء عنه إلا في وجه واحد، وهو الخبر عن الله تعالى فيما يبلّغونه، فإنهم معصومون فيه؛ وإذا وقع منهم النسيان حيث يجوز وقوعه فإنه ينسب إلى الشيطان إطلاقاً، وذلك إنما يكون فيما أخبر الله عنهم، ولا يجوز لنا نحن ذلك فيهم؛ قال صلى الله عليه وسلم: " نسي آدم فنسيت ذريته " وقال: " إنما أنا بشر أنسى كما تَنسون " وقد تقدم.

وقال ابن كثير فی تفسيره

هذا هو الصواب أن الضمير في قوله: { فَأَنْسَاهُ ٱلشَّيْطَـٰنُ ذِكْرَ رَبِّهِ } عائد على الناجي، كما قاله مجاهد ومحمد ابن إسحاق وغير واحد. ويقال: إن الضمير عائد على يوسف عليه السلام. رواه ابن جرير عن ابن عباس، ومجاهد أيضاً، وعكرمة وغيرهم، وأسند ابن جرير ههنا حديثاً فقال: حدثنا ابن وكيع، حدثنا عمرو بن محمد عن إبراهيم بن يزيد، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعاً، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لو لم يقل - يعني: يوسف -: الكلمة التي قال، ما لبث في السجن طول ما لبث؛ حيث يبتغي الفرج من عند غير الله " ، وهذا الحديث ضعيف جداً، لأن سفيان بن وكيع ضعيف، وإبراهيم بن يزيد هو الخُوزي أضعف منه أيضاً. وقد روي عن الحسن وقتادة مرسلاً عن كل منهما، وهذه المرسلات ههنا لا تقبل لو قبل المرسل من حيث هو في غير هذا الموطن، والله أعلم.

ملحوظة

أنا ارجح ماذهب اليه الحافظ ابن كثير فسيدنا يوسف قال للناجی اذكر برائتی عند ربك ولم يقصد الخروج وإلا لو كان همه الأول الخروج لأجاب الداعی وخرج فورا لما جاءه ولكنه لم يخرج الا بعد أن ظهرت برائته فقال للناجی اذكر برائتی ونزاهتی فنسي الناجی ان يذكر هذا لربه فلبث فی السجن بضع سنين
 
الجوهرة الثانية

{ وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا ٱذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ ٱلشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي ٱلسِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ }

قال السمين الحلبي فی دره المصون

قوله تعالى: { لِلَّذِي ظَنَّ }: فاعلُ " ظنَّ " يجوز أن يكون يوسف عليه السلام إن كان تأويلُه بطريقة الاجتهاد، وأن يكون الشرَّابيُّ إن كان تأويله بطريق الوحي،

أو يكون الظنُّ بمعنى اليقين، قاله الزمخشري.

قلت: يعني أنه إنْ كان الظنُّ على بابه فلا يستقيم إسناده إلى يوسفَ إلا أن يكون تأويلُه بطريق الاجتهاد؛ لأنه متى كان بطريق الوحي كان يقيناً فيُنْسَب الظن حينئذ للشَّرابي لا له عليه السلام، وأمَّا إذا كان الظنُّ بمعنى اليقين فتصِحُّ نسبتُه إلى يوسف وإن كان تأويله بطريق الوحي، وهو حَسَنٌ وإلى كونِ الظنِّ على بابه ـ وهو مسندٌ ليوسف إن كان تأويله بطريق الاجتهاد ـ ذهب قتادة، فإنه قال: " الظنُّ هنا على بابه لأنَّ عبارة الرؤيا ظنٌّ "

وقال الرازی فی تفسيره

المسألة الأولى: اختلفوا في أن الموصوف بالظن هو يوسف عليه السلام أو الناجي فعلى الأول كان المعنى وقال الرجل الذي ظن يوسف عليه السلام كونه ناجياً، وعلى هذا القول وجهان: الأول: أن تحمل هذا الظن على العلم واليقين، وهذا إذا قلنا بأنه عليه السلام إنما ذكر ذلك التعبير بناء على الوحي. قال هذا القائل وورود لفظ الظن بمعنى اليقين كثير في القرآن. قال تعالى:
{ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُلاَقُواْ رَّبُّهُمْ }
[البقرة: 46] وقال:
{ إِنّى ظَنَنتُ أَنّى مُلَـٰقٍ حِسَابِيَهْ }
[الحاقة: 20] والثاني: أن تحمل هذا الظن على حقيقة الظن، وهذا إذا قلنا إنه عليه السلام ذكر ذلك التعبير لا بناء على الوحي، بل على الأصول المذكورة في ذلك العلم، وهي لا تفيد إلا الظن والحسبان.

والقول الثاني: أن هذا الظن صفة الناجي، فإن الرجلين السائلين ما كانا مؤمنين بنبوة يوسف ورسالته، ولكنهما كانا حسني الاعتقاد فيه، فكان قوله لا يفيد في حقهما إلا مجرد الظن.
 
الجوهرة الثالثة

{ قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِيۤ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ }

قال الرازی فی تفسيره

أما قوله: { قَالَ ٱلَّذِى عِندَهُ عِلْمٌ مّنَ ٱلْكِتَـٰبِ } ففيه بحثان:

الأول: اختلفوا في ذلك الشخص على قولين: قيل كان من الملائكة، وقيل كان من الإنس،

فمن قال بالأول اختلفوا، قيل هو جبريل عليه السلام، وقيل هو ملك أيد الله تعالى به سليمان عليه السلام،

ومن قال بالثاني اختلفوا على وجوه: أحدها: قول ابن مسعود: إنه الخضر عليه السلام

وثانيها: وهو المشهور من قول ابن عباس: إنه آصف بن برخيا وزير سليمان، وكان صديقاً يعلم الاسم الأعظم إذا دعا به أجيب وثالثها: قول قتادة: رجل من الإنس كان يعلم اسم الله الأعظم ورابعها: قول ابن زيد: كان رجلاً صالحاً في جزيرة في البحر، خرج ذلك اليوم ينظر إلى سليمان

وخامسها: بل هو سليمان نفسه والمخاطب هو العفريت الذي كلمه، وأراد سليمان عليه السلام إظهار معجزة فتحداهم أولاً، ثم بين للعفريت أنه يتأتى له من سرعة الإتيان بالعرش ما لا يتهيأ للعفريت،

وهذا القول أقرب لوجوه: أحدها: أن لفظة (الذي) موضوعة في اللغة للإشارة إلى شخص معين عند محاولة تعريفه بقصة معلومة والشخص المعروف بأنه عنده علم الكتاب هو سليمان عليه السلام، فوجب انصرافه إليه، أقصى ما في الباب أن يقال، كان آصف كذلك أيضاً لكنا نقول إن سليمان عليه السلام، كان أعرف بالكتاب منه لأنه هو النبي، فكان صرف هذا اللفظ إلى سليمان عليه السلام أولى الثاني: أن إحضار العرش في تلك الساعة اللطيفة درجة عالية، فلو حصلت لآصف دون سليمان لاقتضى ذلك تفضيل آصف على سليمان عليه السلام، وأنه غير جائز الثالث: أن سليمان عليه السلام، لو افتقر في ذلك إلى آصف لاقتضى ذلك قصور حال سليمان في أعين الخلق الرابع: أن سليمان قال: { هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبّى لِيَبْلُوَنِى أَءشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ } وظاهره يقتضي أن يكون ذلك المعجز قد أظهره الله تعالى بدعاء سليمان
 
الجوهرة الرابعة

{ فَقَالَ إِنِّيۤ أَحْبَبْتُ حُبَّ ٱلْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ

بِالْحِجَابِ } * { رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِٱلسُّوقِ وَٱلأَعْنَاقِ }

الأختلاف فی ضمير توارات وردوها عظيم بين أهل التفسير

قال القرطبي


{ حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ } يعني الشمس كناية عن غير مذكور؛ مثل قوله تعالى:
{ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ }
[فاطر: 45] أي على ظهر الأرض؛ وتقول العرب: هاجت باردة أي هاجت الريح باردة. وقال الله تعالى:
{ فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ }
[الواقعة: 83] أي بلغت النفس الحلقوم. وقال تعالى:
{ إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَٱلْقَصْرِ }
[المرسلات: 32] ولم يتقدم للنار ذكر. وقال الزجاج: إنما يجوز الإضمار إذا جرى ذكر الشيء أو دليل الذكر، وقد جرى هاهنا الدليل وهو قوله: { بِٱلْعَشِيِّ }. والعشيّ ما بعد الزوال، والتواري الاستتار عن الأبصار، والحجاب جبل أخضر محيط بالخلائق؛ قاله قتادة وكعب. وقيل: هو جبل قاف. وقيل: جبل دون قاف. والحجاب الليل سمّي حجاباً لأنه يستر ما فيه. وقيل: «حَتَّى تَوَارَتْ» أي الخيل في المسابقة. وذلك أن سليمان كان له ميدان مستدير يسابق فيه بين الخيل، حتى توارت عنه وتغيب عن عينه في المسابقة؛ لأن الشمس لم يجر لها ذكر. وذكر النحاس أن سليمان عليه السلام كان في صلاة، فجيء إليه بخيل لتعرض عليه قد غُنِمت فأشار بيده، لأنه كان يصلّي حتى توارت الخيل، وسترتها جُدر الاصطبلات، فلما فرغ من صلاته قال: «رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً» أي فأقبل يمسحها مسحاً. وفي معناه قولان: أحدهما أنه أقبل يمسح سوقها وأعناقها بيده إكراماً منه لها، وليرى أن الجليل لا يقبح أن يفعل مثل هذا بخيله. وقال قائل هذا القول: كيف يقتلها؟ وفي ذلك إفساد المال ومعاقبة من لا ذنب له. وقيل: المسح هاهنا هو القطع أُذِن له في قتلها.....

وقد قيل: إن الهاء في قوله: { رُدُّوهَا عَلَيَّ } للشمس لا للخيل. قال ابن عباس: سألت عليًّا عن هذه الآية فقال: ما بلغك فيها؟ فقلت سمعت كعباً يقول: إن سليمان لما اشتغل بعرض الأفراس حتى توارت الشمس بالحجاب وفاتته الصلاة، قال؛ { إِنِّيۤ أَحْبَبْتُ حُبَّ ٱلْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي } أي آثرت { حُبَّ ٱلْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي } الآية { رُدُّوهَا عَلَيَّ } يعني الأفراس وكانت أربع عشرة؛ فضرب سوقها وأعناقها بالسيف، وأن الله سلبه ملكه أربعة عشر يوماً؛ لأنه ظلم الخيل. فقال علي بن أبي طالب: كذب كعب؛ لكن سليمان اشتغل بعرض الأفراس للجهاد حتى توارت؛ أي غربت الشمس بالحجاب؛ فقال بأمر الله للملائكة الموكّلين بالشمس: «رُدُّوهَا» يعني الشمس فردوها حتى صلّى العصر في وقتها، وأن أنبياء الله لا يظلمون؛ لأنهم معصومون.

قلت: الأكثر في التفسير أن التي توارت بالحجاب هي الشمس، وتركها لدلالة السامع عليها بما ذكر مما يرتبط بها ويتعلق بذكرها، حسب ما تقدّم بيانه. وكثيراً ما يضمرون الشمس؛ قال لبيد:
حتّى إذا ألْقَتْ يداً في كافِرٍ وأَجَنَّ عَوْرَاتِ الثُّغورِ ظلاَمُها
والهاء في «رُدُّوهَا» للخيل، ومسحها قال الزهري وابن كيسان: كان يمسح سوقها وأعناقها، ويكشف الغبار عنها حُبًّا لها. وقاله الحسن وقتادة وابن عباس. وفي الحديث أن النبيّ صلى الله عليه وسلم رؤي وهو يمسح فرسه بردائه.

وقال: " إني عوتبت الليلة في الخيل " خرّجه الموطأ عن يحيـى بن سعيد مرسلاً. وهو في غير الموطأ مسند متصل عن مالك عن يحيـى بن سعيد عن أنس. وقد مضى في «الأنفال» قوله عليه السلام: " وامسحوا بنواصيها وأكفالها " وروى ابن وهب عن مالك أنه مسح أعناقها وسوقها بالسيوف......

قلت: ومن قال إن الهاء في «رُدُّوهَا» ترجع للشمس فذلك من معجزاته. وقد اتفق مثل ذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم. خرّج الطحاوي في مشكل الحديث عن أسماء بنت عُمَيْس من طريقين: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوحى إليه ورأسه في حجر عليّ، فلم يصلّ العصر حتى غربت الشمس؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أصليت يا علي» قال: لا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس»قالت أسماء: فرأيتها غربت ثم رأيتها بعدما غربت طلعت على الجبال والأرض، وذلك بالصَّهْباء في خيبر " قال الطحاوي: وهذان الحديثان ثابتان، ورواتهما ثقات.

قلت: وضعَّف أبو الفرج ابن الجوزي هذا الحديث فقال: وغلوّ الرافضة في حب عليّ عليه السلام حملهم على أن وضعوا أحاديث كثيرة في فضائله؛ منها أن الشمس غابت ففاتت عليّاً عليه السلام العصر فردّت له الشمس، وهذا من حيث النقل محال، ومن حيث المعنى فإن الوقت قد فات وعودها طلوع متجدّد لا يردّ الوقت. ومن قال: إن الهاء ترجع إلى الخيل، وأنها كانت تبعد عن عين سليمان في السباق، ففيه دليل على المسابقة بالخيل وهو أمر مشروع. وقد مضى القول فيه في «يوسف».

وقال ابن الجوزی فی زاد المسير

{ حتى توارت بالحجاب } قال المصنف: وأهل اللغة يقولون: يعني الشمس، ولم يَْرِ لها ذِكْر ولا أحسبهم أعطَوا في هذا الفِكْر حَقَّه، لأن في الآية دليلاً على الشمس، وهو قوله { بالعشيِّ } ومعناه: عُرِضَ عليه بعد زوال الشمس حتى توارت الشمس بالحجاب، ولا يجوز الإِضمار، إلا أن يجريَ ذِكْر أو دليل ذِكْر فيكون بمنزلة الذِّكْر، وأما الحِجَاب، فهو ما يحجُبها عن الأبصار.

قوله تعالى: { رُدُّها عَلَيَّ } قال المفسرون: لمّا شغله عَرْضُ الخَيْل عليه عن الصلاة، فصلاّها بعد خروج وقتها، اغتمَّ وغضب، وقال: " رُدُّوها عَلَيَّ " ، يعني: أعيدوا الخَيْل عَلَيَّ { فطَفِقَ } قال ابن قتيبة: أي: أقبل { مَسْحاً } قال الأخفش: أي: يَمْسَحُ مَسْحاً.

فأمّا السُّوق، فجمع ساق، مثل دُور ودار، وهمز السُّؤق ابن كثير، قال أبو علي: وغيرُ الهمز أحسنُ منه. وقرأ أبو عمران الجوني، وابن محيصن: " بالسُّؤوق " مثل الرُّؤوس، وفي المراد بالمسح هاهنا ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه ضربها بالسيف، " وروى أُبيُّ بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: { فطَفِقَ مَسْحاً بالسُّوق والأعناق } قال: «بالسيف» " وروى مجاهد عن ابن عباس قال: مسح أعناقها وسوقها بالسيف. وقال الحسن، وقتادة، وابن السائب: قطع أعناقها وسُوقها، وهذا اختيار السدي، ومقاتل، والفراء، وأبي عبيدة، والزجاج، وابن قتيبة، وأبي سليمان الدمشقي، والجمهور.

والثاني: أنه جعل يمسح أعراف الخيل وعراقيبها حُبّاً لها، رواه عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس. وقال مجاهد: مسحها بيده، وهذا اختيار ابن جرير والقاضي أبي يعلى.

والثالث: أنه كَوَى سُوقها وأعناقها وحبسها في سبيل الله تعالى، حكاه الثعلبي.

والمفسِّرون: على القول الأول. وقد اعترضوا [على] القول الثاني، وقالوا: أيّ مناسبة بين شغْلِها إيّاه عن الصلاة وبين مَسْح أعرافها حُبّاً لها؟!، ولا أعلم قوله: " حُبّاً لها " يثبت عن ابن عباس. وحملوا قول مجاهد " مَسَحها بيده " أي تولىَّ ضَرْبَ أعناقها.

فإن قيل: فالقول الأول يفسُد بأنه لا ذَنْب للحيوان، فكيف وجّه العقوبة إليه؟ وقصد التَّشفِّي بقتله، وهذا يشبه فِعْلَ الجبّارِين، لا فِعْلَ الأنبياء؟

فالجواب: أنه لم يكن لِيَفْعَلَ ذلك إلا وقد أُبيح له، وجائز أن يُباح له ما يُمنَع منه في شرعنا، على أنه إذا ذبحها كانت قرباناً، وأكلُ لحمها جائز، فما وقع تفريط.

وقال الرازی:
ثم قال تعالى: { حَتَّىٰ تَوَارَتْ } أقول الضمير في قوله: { حَتَّىٰ تَوَارَتْ } ، وفي قوله: { رُدُّوهَا } يحتمل أن يكون كل واحد منهما عائداً إلى الشمس، لأنه جرى ذكر ماله تعلق بها وهو العشي

ويحتمل أن يكون كل واحد منهما عائداً إلى الصافنات

، ويحتمل أن يكون الأول متعلقاً بالشمس والثاني بالصافنات،

ويحتمل أن يكون بالعكس من ذلك، فهذه احتمالات أربعة لا مزيد عليها

فالأول: أن يعود الضميران معاني إلى الصافنات، كأنه قال حتى توارت الصافنات بالحجاب ردوا الصافنات علي،

والاحتمال الثاني: أن يكون الضميران معاً عائدين إلى الشمس كأنه قال حتى توارت الشمس بالحجاب ردوا الشمس، وروي أنه صلى الله عليه وسلم لما اشتغل بالخيل فاتته صلاة العصر، فسأل الله أن يرد الشمس فقوله: { رُدُّوهَا عَلَيَّ } إشارة إلى طلب رد الشمس، وهذا الاحتمال عندي بعيد والذي يدل عليه وجوه الأول: أن الصافنات مذكورة تصريحاً، والشمس غير مذكورة وعود الضمير إلى المذكور أولى من عوده إلى المقدر الثاني: أنه قال: { إِنّى أَحْبَبْتُ حُبَّ ٱلْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِى حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ } وظاهر هذا اللفظ يدل على أن سليمان عليه السلام كان يقول إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي. وكان يعيد هذه الكلمات إلى أن توارت بالحجاب، فلو قلنا المراد حتى توارت الصافنات بالحجاب كان معناه أنه حين وقع بصره عليها حال جريها كان يقول هذه الكلمة إلى أن غابت عن عينه وذلك مناسب، ولو قلنا المراد حتى توارت الشمس بالحجاب كان معناه أنه كان يعيد عين هذه الكلمة من وقت العصر إلى وقت المغرب، وهذا في غاية البعد الثالث: أنا لو حكمنا بعود الضمير في قوله حتى توارت إلى الشمس وحملنا اللفظ على أنه ترك صلاة العصر كان هذا منافياً لقوله: { أَحْبَبْتُ حُبَّ ٱلْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِى } فإن تلك المحبة لو كانت عن ذكر الله لما نسي الصلاة ولما ترك ذكر الله الرابع: أنه بتقدير أنه عليه السلام بقي مشغولاً بتلك الخيل حتى غربت الشمس وفاتت صلاة العصر؟، فكان ذلك ذنباً عظيماً وجرماً قوياً، فالأليق بهذه الحالة التضرع والبكاء والمبالغة في إظهار التوبة، فأما أن يقول على سبيل التهور والعظمة لإله العالم ورب العالمين، ردوها علي بمثل هذه الكلمة العارية عن كل جهات الأدب عقيب ذلك الجرم العظيم، فهذا لا يصدر عن أبعد الناس عن الخير، فكيف يجوز إسناده إلى الرسول المطهر المكرٰ الخامس: أن القادر على تحريك الأفلاك والكواكب هو الله تعالى فكان يجب أن يقول ردها علي ولا يقول ردوها علي، فإن قالوا إنما ذكر صيغة الجمع للتنبيه على تعظيم المخاطب فنقول قوله: { رُدُّوهَا } لفظ مشعر بأعظم أنواع الإهانة فكيف يليق بهذا اللفظ رعاية التعظيم السادس: أن الشمس لو رجعت بعد الغروب لكان ذلك مشاهداً لكل أهل الدنيا ولو كان الأمر كذلك لتوفرت الدواعي على نقله وإظهاره، وحيث لم يقل أحد ذلك علمنا فساده السابع: أنه تعالى قال: { إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِٱلْعَشِىّ ٱلصَّـٰفِنَـٰتُ ٱلْجِيَادُ } ثم قال: { حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ } وعود الضمير إلى أقرب المذكورين أولى، وأقرب المذكورين هو الصافنات الجياد، وأما العشي فأبعدهما فكان عود ذلك الضمير إلى الصافنات أولى، فثبت بما ذكرنا أن حمل قوله: { حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ } على تواري الشمس وأن حمل قوله: { رُدُّوهَا عَلَىَّ } على أن المراد منه طلب أن يرد الله الشمس بعد غروبها كلام في غاية البعد عن النظم.

ثم قال تعالى: { فَطَفِقَ مَسْحاً بِٱلسُّوقِ وَٱلأَعْنَاقِ } أي فجعل سليمان عليه السلام يمسح سوقها وأعناقها، قال الأكثرون معناه أنه مسح السيف بسوقها وأعناقها أي قطعها، قالوا إنه عليه السلام لما فاتته صلاة العصر بسبب اشتغاله بالنظر إلى تلك الخيل استردها وعقر سوقها وأعناقها تقرباً إلى الله تعالى، وعندي أن هذا أيضاً بعيد، ويدل عليه وجوه الأول: أنه لو كان معنى مسح السوق والأعناق قطعها لكان معنى قوله:
{ وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ }
[المائدة: 6] قطعها، وهذا مما لا يقوله عاقل بل لو قيل مسح رأسه بالسيف فربما فهم منه ضرب العنق، أما إذا لم يذكر لفظ السيف لم يفهم ألبتة من المسح العقر والذبح الثاني: القائلون لهذا القول جمعوا على سليمان عليه السلام أنواعاً من الأفعال المذمومة فأولها: ترك الصلاة وثانيها: أنه استولى عليه الاشتغال بحب الدنيا إلى حيث نسي الصلاة، وقال صلى الله عليه وسلم: " حب الدنيا رأس كل خطيئة " وثالثها: أنه بعد الإتيان بهذا الذنب العظيم لم يشتغل بالتوبة والإنابة ألبتة ورابعها: أنه خاطب رب العالمين بقوله: { رُدُّوهَا عَلَىَّ } وهذه كلمة لا يذكرها الرجل الحصيف إلا مع الخادم الخسيس وخامسها: أنه أتبع هذه المعاصي بعقر الخيل في سوقها وأعناقها، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم

" نهى عن ذبح الحيوان إلا لمأكله " فهذه أنواع من الكبائر نسبوها إلى سليمان عليه السلام مع أن لفظ القرآن لم يدل على شيء منها: وسادسها: أن هذه القصص إنما ذكرها الله تعالى عقيب قوله:
{ وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ }
[ص: 17] وأن الكفار لما بلغوا في السفاهة إلى هذا الحد قال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم اصبر يا محمد على سفاهتهم واذكر عبدنا داود: وذكر قصة داود، ثم ذكر عقبيها قصة سليمان، وكان التقدير أنه تعالى قال لمحمد عليه السلام اصبر يا محمد على ما يقولون واذكر عبدنا سليمان، وهذا الكلام إنما يكون لائقاً لو قلنا إن سليمان عليه السلام أتى في هذه القصة بالأعمال الفاضلة والأخلاق الحميدة، وصبر على طاعة الله، وأعرض عن الشهوات واللذات، فأما لو كان المقصود من قصة سليمان عليه السلام في هذا الموضع أنه أقدم على الكبائر العظيمة والذنوب الجسيمة لم يكن ذكر هذه القصة لائقاً بهذا الموضع، فثبت أن كتاب الله تعالى ينادي على هذه الأقوال الفاسدة بالرد والإفساد والإبطال بل التفسير المطابق للحق لألفاظ القرآن والصواب أن نقول إن رباط الخيل كان مندوباً إليه في دينهم كما أنه كذلك في دين محمد صلى الله عليه وسلم ثم إن سليمان عليه السلام احتاج إلى الغزو فجلس وأمر بإحضار الخيل وأمر بإجرائها وذكر أني لا أحبها لأجل الدنيا ونصيب النفس، وإنما أحبها لأمر الله وطلب تقوية دينه وهو المراد من قوله عن ذكر ربي، ثم إنه عليه السلام أمر بإعدائها وتسييرها حتى توارت بالحجاب أي غابت عن بصره، ثم أمر الرائضين بأن يردوا تلك الخيل إليه فلما عادت إليه طفق يمسح سوقها وأعناقها، والغرض من ذلك المسح أمور الأول: تشريفاً لها وإبانة لعزتها لكونها من أعظم الأعوان في دفع العدو الثاني: أنه أراد أن يظهر أنه في ضبط السياسة والملك يتضع إلى حيث يباشر أكثر الأمور بنفسه الثالث: أنه كان أعلم بأحوال الخيل وأمراضها وعيوبها، فكان يمتحنها ويمسح سوقها وأعناقها حتى يعلم هل فيها ما يدل على المرض، فهذا التفسير الذي ذكرناه ينطبق عليه لفظ القرآن انطباقاً مطابقاً موافقاً، ولا يلزمنا نسبة شيء من تلك المنكرات والمحذورات، وأقول أنا شديد التعجب من الناس كيف قبلوا هذه الوجوه السخيفة مع أن العقل والنقل يردها، وليس لهم في إثباتها شبهة فضلاً عن حجة، فإن قيل فالجمهور فسروا الآية بذلك الوجه، فما قولك فيه؟ فنقول لنا ههنا مقامان:

المقام الأول: أن ندعي أن لفظ الآية لا يدل على شيء من تلك الوجوه التي يذكرونها، وقد ظهر والحمد لله أن الأمر كما ذكرناه، وظهوره لا يرتاب العاقل فيه.

المقام الثاني: أن يقال هب أن لفظ الآية لا يدل عليه إلا أنه كلام ذكره الناس، فما قولك فيه وجوابنا أن الدلالة الكثيرة قامت على عصمة الأنبياء عليهم السلام، ولم يدل دليل على صحة هذه الحكايات ورواية الآحاد لا تصلح معارضة للدلائل القوية، فكيف الحكايات عن أقوام لا يبالي بهم ولا يلتفت إلى أقوالهم، والله أعلم.

وقال ابو حيان فی بحره المحيط

والظاهر أن الضمير في { توارت } عائد على { الصافنات } ، أي دخلت اصطبلاتها، فهي الحجاب. وقيل: حتى توارت في المسابقة بما يحجبها عن النظر. وقيل: الضمير للشمس، وإن لم يجر لها ذكر لدلالة العشي عليها.

وقالت طائفة: عرض على سليمان الخيل وهو في الصلاة، فأشار إليهم أني في صلاتي، فأزالوها عنه حتى دخلت في الاصطبلات؛ فقال هو لما فرغ من صلاته: { إني أحببت حب الخير } ، أي الذي عند الله في الآخرة بسبب ذكر ربي، كأنه يقول: فشغلني ذلك عن رؤية الخيل حتى أدخلت اصطبلاتها، ردوها عليّ فطفق يمسح أعرافها وسوقها محبة لها. وقال ابن عباس والزهري: مسحه بالسوق والأعناق لم يكن بالسيف بل بيدية تكريماً لها ومحبة، ورجحه الطبري. وقيل: بل غسلاً بالماء. وقال الثعلبي: إن هذا المسح كان في السوق والأعناق بوسم حبس في سبيل الله. انتهى. وهذا القول هو الذي يناسب مناصب الأنبياء، لا القول المنسوب للجمهور، فإن في قصته ما لا يليق ذكره بالنسبة للأنبياء.
 
الجوهرة الخامسة

{ الۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } * { إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

قال ابو حيان فی بحره

والضمير في إنا أنزلناه، عائد على الكتاب الذي فيه قصة يوسف، وقيل: على القرآن، وقيل: على نبأ يوسف، قاله الزجاج وابن الأنباري. وقيل: هو ضمير الإنزال
 
الجوهرة السادسة


{ قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى ٱلصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَٰنُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ عَجَباً }

قال القرطبي فی تفسيره

قوله تعالى: { وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ عَجَباً } يحتمل أن يكون من قول يوشع لموسى؛ أي اتخذ الحوت سبيله عجباً للناس. ويحتمل أن يكون قوله: «واتخذ سبيله في البحر» تمام الخبر، ثم استأنف التعجيب فقال من نفسه: «عجباً» لهذا الأمر. وموضع العجب أن يكون حوت قد مات فأكل شقّه الأيسر ثم حيي بعد ذلك. قال أبو شجاع في كتاب «الطبري»: رأيته ـ أتيت به ـ فإذا هو شقّ حوت وعين واحدة، وشق آخر ليس فيه شيء. قال ابن عطية: وأنا رأيته والشقّ الذي ليس فيه شيء عليه قشرة رقيقة ليست تحتها شوكة.

ويحتمل أن يكون قوله: { وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ } إخباراً من الله تعالى،

وذلك على وجهين: إما أن يخبر عن موسى أنه اتخذ سبيل الحوت من البحر عجباً، أي تعجب منه، وإمّا أن يخبر عن الحوت أنه اتخذ سبيله عجباً للناس.

وقال ابن الجوزی فی زاد المسير

قوله تعالى: { واتخذ سبيله في البحر عجباً } الهاء في السبيل ترجع إِلى الحوت. وفي المُتَّخِذ قولان.

أحدهما: أنه الحوت، ثم في المخبر عنه قولان.

أحدهما: أنه الله عز وجل، ثم في معنى الكلام ثلاثة أقوال.

أحدها: فاتخذ سبيله في البحر يُري عجباً، ويُحدث عجباً.

والثاني: أنه لما قال الله تعالى: { واتخذ سبيله في البحر } ، قال: اعجبوا لذلك عجباً، وتنَّبهوا لهذه الآية.

والثالث: أن إِخبار الله تعالى انقطع عند قوله: «في البحر» فقال موسى: عجباً، لِما شوهد من الحوت. ذكر هذه الأقوال ابن الأنباري.

والثاني: [أن] المُخْبِر عن الحوت يوشع، وصف لموسى ما فعل الحوت.

والقول الثاني: أن المتخِذ موسى، اتخذ سبيل الحوت في البحر عجباً، فدخل في المكان الذي مَرَّ فيه الحوت، فرأى الخَضِر. وروى عطية عن ابن عباس قال: رجع موسى إِلى الصخرة فوجد الحوت، فجعل الحوت يضرب في البحر، ويتبعه موسى، حتى انتهى به إِلى جزيرة من جزائر البحر، فلقي الخضر.
 
الجوهرة السابعة

من لطائف أثر القراءات علي الضمائر فی كتاب الله

{ فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ } * { وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ }

قال السمين الحلبي فی الدر المصون

قوله: { لاَّ يُعَذِّبُ }: قرأ الكسائي " لا يُعَذَّبُ " و " لا يُوْثَقُ " مبنيين للمفعولِ. والباقون قرؤُوهما مبنيَّيْن للفاعل. فأمَّا قراءةُ الكسائي فأُسْنِد الفعلُ فيها إلى " أحد " وحُذِفَ الفاعلُ للعِلْم به وهو اللَّهُ تعالى أو الزَّبانيةُ المُتَوَلُّون العذابَ بأمرِ اللَّهِ تعالى. وأمَّا عذابه ووَثاقه فيجوزُ أَنْ يكونَ المصدران مضافَيْن للفاعلِ والضميرِ للَّهِ تعالى، ومضافَيْنِ للمفعول، والضميرُ للإِنسانِ، ويكون " عذاب " واقعاً موقع تَعْذيب. والمعنى: لا يُعَذَّبُ أحدٌ تعذيباً مثلَ تعذيبِ اللَّهِ تعالى هذا الكافرَ، ولا يُوْثَقُ أحدٌ توثيقاً مثلَ إيثاقِ اللَّهِ إياه بالسَّلاسِلِ والأغلالِ، أو لا يُعَذَّبُ أحدٌ مثلَ تعذيبِ الكافرِ، ولا يُوْثَقُ مثلَ إيثاقِه، لكفرِه وعنادِه، فالوَثاق بمعنى الإيثاق كالعَطاء بمعنى الإِعطاء. إلاَّ أنَّ في إعمالِ اسمِ المصدرِ عملَ مُسَمَّاه خلافاً مضطرباً فنُقل عن البصريين المنعُ، وعن الكوفيين الجوازُ، ونُقل العكسُ عن الفريقَيْن. ومن الإِعمال قولُه:
4571ـ أكُفْراً بعد رَدِّ الموتِ عني وبعد عَطائِكَ المِئَةَ الرَّتاعا
ومَنْ مَنَعَ نَصَبَ " المِئَة " بفعلٍ مضمر. وأَصْرَحُ من هذا قولُ الآخر:
4572ـ.................... فإنَّ كلامَها شفاءٌ لِما بيا
وقيل: المعنى ولا يَحْمِلُ عذابَ الإِنسانِ أحدٌ كقوله:
{ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ }
[الأنعام: 164] قاله الزمخشري. وأمَّا قراءةُ الباقين فإنه أَسْنَدَ الفعلَ لفاعلِه./

والضميرُ في " عذابَه " و " وَثاقَه " يُحتمل عَوْدُه على الباري تعالى، بمعنى: أنَّه لا يُعَذِّبُ في الدنيا مثلَ عذابِ اللَّهِ تعالى يومئذٍ أحدٌ، أي: إنَّ عذابَ مَنْ يُعَذِّبُ في الدنيا ليس كعذابِ الله تعالى يومَ القيامةِ، كذا قاله أبو عبد الله، وفيه نظرٌ: من حيث إنه يَلْزَمُ أَنْ يكونَ " يومئذٍ " معمولاً للمصدرِ التشبيهيِّ، وهو ممتنعٌ لتقدُّمِه عليه، إلاَّ أن يُقالَ: يُتَوَسَّعُ فيه.

وقيل: المعنى لا يَكِلُ عذابه ولا وَثاقَه لأحدٍ؛ لأنَّ الأمرَ لله وحدَه في ذلك. وقيل: المعنى أنَّه في الشدة والفظاعةِ في حَيِّزٍ لم يُعَذِّبْ أحدٌ قط في الدنيا مثلَه. ورُدَّ هذا: بأنَّ " لا " إذا دَخَلَتْ على المضارعِ صَيَّرَتْه مستقبلاً، وإذا كان مستقبلاً لم يطابقْ هذا المعنى، ولا يُطْلَقُ على الماضي إلاَّ بمجازٍ بعيدٍ، وبأنَّ " يومَئذٍ " المرادُ به يومَ القيامة لا دارُ الدنيا. وقيل: المعنى أنَّه لا يُعَذِّبُ أحدٌ في الدنيا مثلَ عذابِ اللهِ الكافرَ فيها، إلاَّ أن هذا مردودٌ بما رُدَّ به ما قَبلَه. ويُحتمل عَوْدُه على الإِنسان بمعنى: لا يُعَذِّبُ أحدٌ من زبانيةِ العذابِ مثلَ ما يُعَذِّبون هذا الكافرَ، أو يكونُ المعنى: لا يَحْمِلُ أحدٌ عذابَ الإِنسانِ كقوله:
{ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ }
[فاطر: 18]. وهذه الأوجهُ صَعْبَةُ المَرامِ على طالِبها من غيرِ هذا الموضوعِ لتفرُّقها في غيرِه وعُسْرِ استخراجِها منه.

وقال القرطبي

قوله تعالى: { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ } أي لا يعذِّب كعذاب الله أَحَد، ولا يُوثِق كوثاقه أحد. والكناية ترجع إلى الله تعالى. وهو قول ابن عباس والحسن. وقرأ الكسائي «لا يُعَذَّب» «ولا يُوثَق» بفتح الذال والثاء؛ أي لا يعذب أحد في الدنيا كعذاب الله الكافر يَوْمَئذ، ولا يوثَق كما يوثَق الكافر. والمراد إبليس؛ لأن الدليل قام على أنه أشدّ الناس عذاباً، لأجل إجرامه؛ فأطلق الكلام لأجل ما صحبه من التفسير. وقيل: إنه أمية بن خلف؛ حكاه الفرّاء. يعني أنه لا يعذَّب كعذاب هذا الكافر المعيَّن أحد، ولا يوثَق بالسلاسل والأغلال كوَثاقه أحد؛ لتناهيه في كفره وعناده. وقيل: أي لا يعذَّب مكانه أحد، فلا يؤخذ منه فداء. والعذاب بمعنى التعذيب، والوثاق بمعنى الإيثاق. ومنه قول الشاعر:
وبَعْدَ عَطائِكَ المِائَةً الرِّتاعا
وقيل: لا يعذب أحد ليس بكافر عذاب الكافر. واختار أبو عبيد وأبو حاتم فتح الذال والثاء. وتكون الهاء ضمير الكافر؛ لأن ذلك معروف: أنه لا يعذب أحد كعذاب الله. وقد روى أبو قِلابة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قرأ بفتح الذال والثاء. وروى أن أبا عمرو رجع إلى قراءة النبي صلّى الله عليه وسلم. وقال أبو عليّ: يجوز أن يكون الضمير للكافر على قراءة الجماعة؛ أي لا يعذِّب أحدٌ أحداً مثل تعذيب هذا الكافر؛ فتكون الهاء للكافر. والمراد بـ«ـأحد» الملائكة الذين يتولون تعذيب أهل النار.

وقال ابن الجوزی فی زاد مسيره

فيومئذ لا يعذَّب عذابه أحدٌ } قرأ الكسائي، ويعقوب، والمفضل «لا يعذَّب» بفتح الذال، والباقون بكسرها، فمن فتح، أراد: لا يعذب عذاب الكافر أحد، ومن كسر أراد: لا يعذَّب عذاب الله أحد، أي كعذابه، وهذه القراءة تختص بالدنيا، والأولى تختص بالآخرة.
 
الجوهرة الثامنة

{ وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ }


قال السمين الحلبي فی الدر المصون

والضميرُ المرفوعُ في " فَأَتَّمَّهُنَّ " فيه قولان: أحدُهما أنه عائدٌ على " ربه " أي: فأكملهنَّ. والثاني: أنه عائدٌ على إبراهيم أي: عَمِل بهنَّ وَوَفَّى بهنَّ.
 
الجوهرة التاسعة

{ فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي ٱلأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا ٱلْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلنَّادِمِينَ }

قال ابو حيان فی بحره المحيط

ويحتمل إن صح أنه قتل غراب غراباً أو كان ميتاً، أن يكون الضمير في أخيه عائداً على الغراب، أي: ليرى قابيل كيف يواري الغراب سوءة أخيه وهو الغراب الميت، ....

وضمير الفاعل في ليريه الظاهر أنه عائد على الله تعالى، لأن الإراءة حقيقة هي من الله، إذ ليس للغراب قصد الإراءة وإرادتها. ويجوز أن يعود على الغراب أي: ليريه الغراب، أي: ليعلمه لأنه لما كان سبب تعليمه فكأنه قصد تعليمه على سبيل المجاز،
 
الجوهرة العاشرة

{ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا }

قال ابو حيان فی بحره المحيط

والظاهر أن الضمير في { له } عائد على { الكتاب } وعليه التخاريج الإعرابية السابقة. وزعم قوم أن الضمير في { له } عائد على { عبده }
 
الجوهرة الحادية عشر

{ يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ }

قال ابو حيان فی بحره

والظاهر أن من الجنّ رسلاً إليهم كما أن من الإنس رسلاً لهم. فقيل: بعث الله رسولاً واحداً من الجنّ إليهم اسمه يوسف. وقيل: رسل الجنّ هم رسل الإنس فهم رسل الله بواسطة إذ هم رسل رسله، ويؤيده قوله:
{ ولوا إلى قومهم منذرين }
[الأحقاف: 29] قاله ابن عباس والضحاك. وروي أن قوماً من الجنّ استمعوا إلى الأنبياء ثم عادوا إلى قومهم فأخبروهم كما جرى لهم مع الرسول، فيقال لهم رسل الله وإن لم يكونوا رسله حقيقة

وعلى هذين القولين يكون الضمير عائداً على { الجنّ والإنس } وقد تعلق قوم بهذا الظاهر فزعموا أن الله تعالى بعث إلى الجنّ رسلاً منهم ولم يفرقوا بين مكلفين ومكلفين أن يبعث إليهم رسول من جنسهم لأنهم به آنس وآلف. وقال مجاهد والضحاك وابن جريج والجمهور: والرسل من الإنس دون الجن ولكن لما كان النداء لهما والتوبيخ معاً جرى الخطاب عليهما على سبيل التجوز المعهود في كلام العرب تغليباً للإنس لشرفهم، وتأوّله الفراء على حذف مضاف أي من أحدكم كقوله:
{ يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان }
[الرحمن: 22] أي من أحدهما وهو الملح وكقوله: وجعل القمر فيهنّ نوراً }
[نوح: 16] أي في إحداهن وهي سماء الدنيا
{ ويذكروا اسم الله في أيام معلومات }
[الحج: 28] أراد بالذكر التكبير وبالأيام المعلومات العشر أي في أحد أيام وهو يوم النحر. وقال الكلبي: كان الرسل يبعثون إلى الإنس وبعث محمد صلى الله عليه وسلم إلى الجن والإنس
 
الجوهرة الثانية عشر

{ سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ }

ذهبت ابحث فى كتب ساداتنا اهل التفسير عن مرجع الضمير فى قوله تعالى انه هو السميع البصير فوجدنهم كلهم قالوا انه لله اى الله عز وجل هو السميع البصير وهو الصحيح بلا شك

ووجدت الامام الالوسي ذكر رأی اخر فقال:

وأما الغيبة في قوله عز وجل: { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ } على تقدير كون الضمير له تعالى كما هو الأظهر وعليه الأكثر فليطابق قوله تعالى: { بِعَبْدِهِ } ويرشح ذلك الاختصاص بما يوقع هذا الالتفات أحسن مواقعه وينطبق عليه التعليل أتم انطباق إذ المعنى قربه وخصه بهذه الكرامة لأنه سبحانه مطلع على أحواله عالم باستحقاقه لهذا المقام. قال الطيبـي: أنه هو السميع / لأقوال ذلك العبد البصير بأفعاله بكونها مهذبة خالصة عن شوائب الهوى مقرونة بالصدق والصفا مستأهلة للقرب والزلفى،

وأما على تقدير كون الضمير للنبـي صلى الله عليه وسلم كما نقله أبو البقاء عن بعضهم وقال: أي السميع لكلامنا البصير لذاتنا، وقال الجلبـي: إنه لا يبعد، والمعنى عليه إن عبدي الذي شرفته بهذا التشريف هو المستأهل له فإنه السميع لأوامري ونواهي العامل بهما البصير الذي ينظر بنظرة العبرة في مخلوقاتي فيعتبر أو البصير بالآيات التي أريناه إياها كقوله تعالى:
{ مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ }
[النجم: 17] فقيل لمطابقة الضمائر العائدة عليه وكذا لما عبر به عنه من قوله سبحانه: { عَبْدِهِ } ، وقيل: للإشارة إلى اختصاصه صلى الله عليه وسلم بالمنح والزلفى وغيبوبة شهوده في عين بـي يسمع وبـي يبصر، ولا يمتنع إطلاق السميع والبصير على غيره تعالى كما توهم لا مطلقاً ولا هنا، قال الطيبـي: ولعل السر في مجيء الضمير محتملاً للأمرين الإشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم إنما رأى رب العزة وسمع كلامه به سبحانه كما في الحديث المشار إليه آنفاً فافهم تسمع وتبصر.
 
الجوهرة الثالثة عشر

{ وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَٰوةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَٰشِعِينَ }

قال ابو حيان فی بحره

وإنها لكبيرة }: الضمير عائد على الصلاة. هذا ظاهر الكلام، وهو القاعدة في علم العربية: أن ضمير الغائب لا يعود على غير الأقرب إلا بدليل، وقيل: يعود على الاستعانة، وهو المصدر المفهوم من قوله: { واستعينوا } ، فيكون مثل
{ اعدلوا هو أقرب للتقوى }
[المائدة: 8] أي العدل أقرب، قاله البجلي. وقيل: يعود على إجابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن الصبر والصلاة مما كان يدعو إليه، قاله الأخفش. وقيل: على العبادة التي يتضمنها بالمعنى ذكر الصبر والصلاة. وقيل: يعود على الكعبة، لأن الأمر بالصلاة إليها. وقيل: يعود على جميع الأمور التي أمر بها بنو إسرائيل ونهوا عنها، من قوله: { اذكروا نعمتي } إلى { واستيعنوا }. وقيل: المعنى على التثنية، واكتفى بعوده على أحدهما، فكأنه قال: وإنهما كقوله:
{ والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها }
[التوبة: 34] في بعض التأويلات، وكقوله: { والله ورسوله أحق أن يرضوه } ، وقول الشاعر:
إن شـرخ الشبـاب والشعـر الأسـود مـا لم يعـاص كـان جنونـا
فهذه سبعة أقوال فيما يعود الضمير عليه، وأظهرها ما بدأنا به أولاً، قال مؤرج في عود الضمير: لأن الصلاة أهم وأغلب، كقوله تعالى:
{ انفضّوا إليها }
[الجمعة: 11]، انتهى. يعني أن ميل أولئك الذين انصرفوا في الجمعة إلى التجارة أهم وأغلب من ميلهم إلى اللهو، فلذلك كان عود الضمير عليها، وليس يعني أن الضميرين سواء في العود، لأن العطف بالواو يخالف العطف بأو، فالأصل في العطف بالواو مطابقة الضمير لما قبله في تثنية وجمع، وأما العطف بأو فلا يعود الضمير فيه إلا على أحد ما سبق. ومعنى كبر الصلاة: ثقلها وصعوبتها على من يفعلها مثل قوله تعالى:
{ كبر على المشركين ما تدعوهم إليه }
[الشورى: 13]، أي شق ذلك وثقل.

وقال ابن الجوزی فی زاد المسير

قوله تعالى: { وإِنها } في المكنى عنها ثلاثة أقوال. أحدها: أنه الصلاة، قاله ابن عباس والحسن، ومجاهد والجمهور. والثاني: أنها الكعبة والقبلة، لأنه لما ذكر الصلاة، دلت على القبلة، ذكره الضحاك عن ابن عباس، وبه قال مقاتل. والثالث: أنها الاستعانة، لأنه لما قال: { واستعينوا } دل على الاستعانة، ذكره محمد بن القاسم النحوي.
 
الجوهرة الرابعة عشر

{ فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ سَرَباً }

قال الامام الرازى فى تفسيره

والضمير في قوله بينهما إلى ماذا يعود؟ فيه قولان،

الأول: مجمع بينهما أي مجمع البحرين وهو كأنه إشارة إلى (قول) موسى لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أي فحقق (الله) ما قاله.

والقول الثاني: أن المعنى فلما بلغ الموضع الذي يجتمع (فيه) موسى وصاحبه الذي كان يقصده لأن ذلك الموضع الذي وقع فيه نسيان الحوت هو الموضع الذي كان يسكنه الخضر أو يسكن بقربه ولأجل هذا المعنى لما رجع موسى وفتاه بعد أن ذكر الحوت صار إليه وهو معنى حسن، والمفسرون على القول الأول،

ملحوظة

مجمع بينهما...فراق بينی وبينك
 
الجوهرة الخامسة عشر

{ أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً وَرَحْمَةً أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ

الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ }

فهم مرجع الضمائر فی هذه الأية يحتاج لتعمق

قال ابن الجوزی فی زاد مسيره

وفي قوله: { ويتلوه } قولان:

أحدهما: يتبعه.

والثاني: يقرؤه. وفي هاء «يتلوه» قولان:

أحدهما: أنها ترجع إِلى النبي صلى الله عليه وسلم.

والثاني: إِلى القرآن، وقد سبق ذكره في قوله:
{ فأْتوا بعشرِ سُوَرٍ مثلِهِ مفتريات }
[هود 13].

وفي المراد بالشاهد ثمانية أقوال:

أحدها: أنه جبريل، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، وإِبراهيم في آخرين.

والثاني: أنه لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يتلو القرآن، قاله علي بن أبي طالب، والحسن، وقتادة في آخرين.

والثالث: أنه علي بن أبي طالب. و «يتلوه» بمعنى يتبعه، رواه جماعة عن علي بن أبي طالب، وبه قال محمد بن علي، وزيد بن علي.

والرابع: أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو شاهد من الله تعالى، قاله الحسين بن علي عليه السلام.


والخامس: أنه ملَك يحفظه ويسدده، قاله مجاهد.

والسادس: أنه الإِنجيل يتلو القرآن بالتصديق، وإِن كان قد أُنزل قبله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم بشَّرت به التوراة، قاله الفراء.

والسابع: أنه القرآن ونظمه وإِعجازه، قاله الحسين بن الفضل.

والثامن: أنه صورة رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجهه ومخايله، لأن كل عاقل نظر إِليه علم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي هاء «منه» ثلاثة أقوال:

أحدها: أنها ترجع إِلى الله تعالى.

والثاني: إِلى النبي صلى الله عليه وسلم.

والثالث: إِلى البيِّنة.

قوله تعالى: { ومِنْ قبله } في هذه الهاء ثلاثة أقوال:

أحدها: أنها ترجع إِلى النبي صلى الله عليه وسلم، قاله مجاهد.

والثاني: إِلى القرآن، قاله ابن زيد.

والثالث: إِلى الإِنجيل، أي: ومن قبل الإِنجيل { كتاب موسى } يتبع محمداً بالتصديق له، ذكره ابن الأنباري. قال الزجاج: والمعنى: وكان من قبل هذا كتاب موسى دليلاً على أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون «كتاب موسى» عطفا على قوله: { ويتلوه شاهد منه } أي: ويتلوه كتاب موسى، لأن موسى وعيسى بشَّرا بالنبي صلى الله عليه وسلم في التوراة والإِنجيل. ونصب «إِماما» على الحال.

فإن قيل: كيف تتلوه التوراة، وهي قبله؟

قيل: لما بشَّرت به، كانت كأنها تالية له، لأنها تبعته بالتصديق له.

وقال ابن الأنباري: { كتاب موسى } ، مفعول في المعنى، لأن جبريل تلاه على موسى، فارتفع الكتاب، وهو مفعول بمضمر بعده، تأويله: ومن قبله كتاب موسى كذاك، أي: تلاه جبريل أيضاً، كما تقول العرب: أكرمت أخاك وأبوك، فيرفعون الأب، وهو مكرَم على الاستئناف، بمعنى: وأبوك مكرَم أيضاً. قال: وذهب قوم إِلى أن كتاب موسى فاعل، لأنه تلا محمداً بالتصديق كما تلاه الإِنجيل.

فصل

فتلخيص الآية: أفمن كان على بيِّنة من ربه كمن لم يكن؟ قال الزجاج: ترك المضادَّ له، لأن في ما بعده دليلاً عليه، وهو قوله:
{ مَثَلُ الفريقين كالأعمى والأصم }
[هود 24]. وقال ابن قتيبة: لما ذكر قبل هذه الآية قوما ركنوا إِلى الدنيا، جاء بهذه الآية، وتقدير الكلام: أفمن كانت هذه حاله كمن يريد الدنيا؟ فاكتفى من الجواب بما تقدم، إِذ كان فيه دليل عليه. وقال ابن الأنباري: إِنما حُذف لانكشاف المعنى، والمحذوف المقدَّر كثير في القرآن والشعر، قال الشاعر:
فأُقْسِمُ لَوْ شيءٌ أتانا رَسُولُه سِواكِ، وَلكِن لم نَجِدْ لكِ مَدْفعا
فإن قلنا: إِن المراد بمن كان على بيِّنة من ربه، رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمعنى الآية: ويتبع هذا النبيَّ شاهد، وهو جبريل عليه السلام. «منه» أي: من الله. وقيل: «شاهد» هو علي بن أبي طالب، «منه» أي: من النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: «يتلوه» يعني القرآن، يتلوه جبريل، وهو شاهد لمحمد صلى الله عليه وسلم أن الذي يتلوه جاء من عند الله تعالى.

وقيل. ويتلو رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن وهو شاهد من الله. وقيل ويتلو لسانُ رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآنَ، فلسانه شاهد منه. وقيل: ويتبع محمداً شاهد له بالتصديق، وهو الإِنجيل من الله تعالى. وقيل ويتبع هذا النبي شاهد من نفسه، وهو سَمْتُه وهديه الدالُّ على صدقه. وإِن قلنا: إِن المراد بمن كان على بيِّنة من ربه المسلمون، فالمعنى: أنهم يتبعون رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو البيِّنة، ويتبع هذا النبي شاهد له بصدقه....

وفي هاء «به» ثلاثة أقوال. أحدها: أنها ترجع إِلى التوراة. والثاني إِلى القرآن. والثالث: إِلى محمد صلى الله عليه وسلم.


وقال السمين فی الدر المصون

قوله: { وَيَتْلُوهُ } اختلفوا في هذه الضمائر، أعني في " يتلوه " ، وفي " منه " ، وفي " قبله ": فقيل: الهاء في " يتلوه " تعود/ على " مَنْ " ، والمرادُ به النبيُّ صلى الله عليه وسلم وكذلك الضميران في " منه " و " قبله " والمرادُ بالشاهد لسانُه عليه السلام، والتقدير: ويتلو ذلك الذي على بَيِّنة، أي: ويتلو محمداً ـ أي صِدْقَ محمدٍ ـ لسانُه، ومِنْ قبلِه، أي قبل محمد. وقيل: الشاهدُ هو جبريلُ، والضمير في " منه " للَّه تعالىٰ، و " من قبله " للنبي. وقيل: الشاهدُ الإِنجيلُ و " كتاب موسىٰ " عطف على " شاهد " ، والمعنىٰ أن التوراة والإِنجيل يتلوان محمداً في التصديق، وقد فَصَلَ بين حرفِ العطف والمعطوف بقوله: " من قبله " ، والتقدير: شاهدٌ منه، وكتاب موسىٰ من قبله، وقد تقدَّم الكلامُ على الفصل بين حرف العطفِ والمعطوفِ مُشْبعاً في النساء.

وقيل: الضمير في " يتلوه " للقرآن وفي " منه " لمحمد عليه السلام. وقيل: لجبريل، والتقدير: ويتلو القرآنَ شاهدٌ من محمدٍ وهو لسانُه، أو مِن جبريلَ. والهاءُ في " من قبلِه " أيضاً للقرآن. وقيل: الهاءُ في " يَتْلوه " تعود على البيان المدلولِ عليه بالبيِّنة. وقيل: المرادُ بالشاهدِ إعجازُ القرآن، فالضمائر الثلاثة للقرآن. وهذا كافٍ، ووراء ذلك أقوالٌ مضطربةٌ غالبُها يَرْجِع لما ذكرْتُ.
...

والهاءُ في " به " يجوز أن تعودَ على " كتاب موسىٰ " وهو أقربُ مذكورٍ. وقيل: بالقرآن، وقيل: بمحمد، وكذلك الهاء في " به ".

وقال القرطبي

قوله تعالى: { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ } ٱبتداء والخبر محذوف؛ أي أفمن كان على بينة من ربه في اتباع النبيّ صلى الله عليه وسلم، ومعه من الفضل ما يتَبيّن به كغيره ممن يريد الحياة الدنيا وزينتها؟ٰ عن علي بن الحسين والحسن بن أبي الحسن. وكذلك قال ٱبن زيد: إن الذي على بيّنة هو من ٱتبع النبيّ محمداً صلى الله عليه وسلم. { وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ } من الله، وهو النبيّ صلى الله عليه وسلم. وقيل المراد بقوله: { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ } النبيّ صلى الله عليه وسلم، والكلام راجع إلى قوله: { وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ }؛ أي أفمن كان معه بيان من الله، ومعجزة كالقرآن، ومعه شاهد كجبريل ـ على ما يأتي ـ وقد بشرت به الكتب السالفة يضيق صدره بالإبلاغ، وهو يعلم أن الله لا يُسْلِمه. والهاء في { ربّه } تعود عليه، وقوله: { وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ }. وروى عِكرمة عن ٱبن عباس أنه جبريل؛ وهو قول مجاهد والنَّخَعِيّ. والهاء في { منه } لله عز وجل؛ أي ويتلو البيان والبرهان شاهد من الله عز وجل. وقال مجاهد: الشاهد ملَك من الله عزّ وجلّ يحفظه ويُسدّده. وقال الحسن البصري وقَتَادة: الشاهد لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال محمد بن علي بن الحنفية: قلت لأبي أنت الشاهد؟ فقال: وددت أن أكون أنا هو، ولكنه لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: هو علي بن أبي طالب؛ روي عن ٱبن عباس أنه قال: هو علي بن أبي طالب؛ وروي عن عليّ أنه قال: ما من رجل من قريش إلا وقد أنزلت فيه الآية والآيتان؛ فقال له رجل: أي شيء نزل فيك؟ فقال عليّ: { وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ }. وقيل: الشاهد صورة رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجهه ومخائله؛ لأن من كان له فضل وعقل فنظر إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم علم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فالهاء على هذا ترجع إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، على قول ٱبن زيد وغيره. وقيل الشاهد القرآن في نظمه وبلاغته، والمعاني الكثيرة منه في اللفظ الواحد؛ قاله الحسين بن الفضل، فالهاء في { منه } للقرآن. وقال الفرّاء قال بعضهم: { وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ } الإنجيل، وإن كان قبله فهو يتلو القرآن في التصديق؛ والهاء في { منه } لله عزّ وجلّ. وقيل: البيّنة معرفة الله التي أشرقت لها القلوب، والشاهد الذي يتلوه العقلُ الذي رُكِّب في دماغه وأشرق صدره بنوره. { وَمِن قَبْلِهِ } أي من قبل الإنجيل. { كِتَابُ مُوسَىٰ } رفع بالابتداء، قال أبو إسحق الزجاج: والمعنى ويتلوه من قبله كتاب موسى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم موصوف في كتاب موسى

....

والهاء في { به } يجوز أن تكون للقرآن، ويجوز أن تكون للنبيّ صلى الله عليه وسلم. { وَمَن يَكْفُرْ بِهِ } أي بالقرآن أو بالنبيّ عليه السلام. { مِنَ ٱلأَحْزَابِ } يعني من الملل كلها؛ عن قَتَادة؛ وكذا قال سعيد بن جُبَير: { الأحزاب } أهل الأديان كلها؛ لأنهم يتحازبون. وقيل: قريش وحلفاؤهم. { فَٱلنَّارُ مَوْعِدُهُ } أي هو من

أهل النار؛ وأنشد حسان:
أَوردتموها حياضَ الموتِ ضاحية فالنارُ موعدُها والموتُ لاقيها
وفي صحيح مسلم من حديث أبي يونس عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: " والذي نفس محمد بيده لاَ يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصرانيٌّ (ثم يموت) ولم يؤمن بالذي أُرسلتُ به إلاّ كان من أصحاب النار ". { فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ } أي في شك. { مِّنْهُ } أي من القرآن. { إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ } أي القرآن من الله؛ قاله مقاتل. وقال الكَلْبيّ: المعنى فلا تك في مرية في أن الكافر في النار.
 
الجوهرة السادسة عشر

{ فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ }

قال الرازی فی تفسيره

وأما قوله: { لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ } فيحتمل رجوعهم إلى إبراهيم عليه السلام، ويحتمل رجوعهم إلى الكبير. أما الأول: فتقريره من وجهين: الأول: أن المعنى أنهم لعلهم يرجعون إلى مقالة إبراهيم ويعدلون عن الباطل. والثاني: أنه غلب على ظنه أنهم لا يرجعون إلا إليه لما تسامعوه من إنكاره لدينهم وسبه لآلهتهم فبكتهم بما أجاب به من قوله:
{ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا فَاسْـئَلُوهُمْ }
[الأنبياء: 63] أما إذا قلنا: الضمير راجع إلى الكبير ففيه وجهان: الأول: أن المعنى لعلهم يرجعون إليه كما يرجع إلى العالم في حل المشكلات فيقولون ما لهؤلاء مكسورة وما لك صحيحاً والفأس على عاتقك. وهذا قول الكلبي، وإنما قال ذلك بناء على كثرة جهالاتهم فلعلهم كانوا يعتقدون فيها أنها تجيب وتتكلم. والثاني: أنه عليه السلام قال ذلك مع علمه أنهم لا يرجعون إليه استهزاء بهم، وإن قياس حال من يسجد له ويؤهل للعبادة أن يرجع إليه في حل المشكلات.

وقال الالوسي

وضمير { إِلَيْهِ } عند الجمهور عائد على إبراهيم عليه السلام أي لعلهم يرجعون إلى إبراهيم عليه السلام لا إلى غيره فيحاجهم ويبكتهم بما سيأتي من الجواب إن شاء الله تعالى،

وقيل: الضمير لله تعالى أي لعلهم يرجعون إلى الله تعالى وتوحيده حين يسألونه عليه السلام فيجيبهم، ويظهر عجز آلهتهم ويعلم من هذا أن قوله سبحانه: { إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ } ليس أجنبياً في البين على هذا القول كما توهم نعم لا يخفى بعده.

وعن الكلبـي أن الضمير للكبير أي لعلهم يرجعون إلى الكبير كما يرجع إلى العالم في حل المشكلات فيقولون له ما لهؤلاء مكسورة ومالك صحيحاً والفأس في عنقك أو في يدك؟ وحينئذ يتبين لهم أنه عاجز لا ينفع ولا يضر ويظهر أنهم في عبادته على جهل عظيم، وكأن هذا بناء على ظنه عليه السلام بهم لما جرب وذاق من مكابرتهم لعقولهم واعتقادهم في آلهتهم وتعظيمهم لها.
 
الجوهرة السابعة عشر

{ قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ٱلَّذِي فطَرَهُنَّ وَأَنَاْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ }

قال السمين فی دره المصون

قوله: { ٱلَّذِي فطَرَهُنَّ }: يجوزُ أَنْ يكونَ مرفوعَ الموضعِ، أو منصوبَه على القطع.

والضميرُ المنصوبُ في " فَطَرَهُنَّ " للسماواتِ والأرض. قال الشيخ: " ولَمَّا لم تكنْ السماواتُ والأرضُ تبلُغُ في العددِ الكَثيرِ منه جاء الضميرُ ضميرَ القلة ". قلت: إنْ عَنَىٰ لم يَبْلُغْ كلُّ واحدٍ من السماواتِ والأرض فمُسَلَّم، ولكنه غيرُ مرادٍ بل المرادُ المجموعُ. وإنْ عَنَىٰ لم يبلُغْ المجموعُ منهما فغيرُ مُسَلَّمٍ؛ لأنه يبلغ أربعَ عشرةَ، وهو في حَدّ جمع الكثرةِ، اللهم إلاَّ أَنْ نقولَ: إنَّ الأرضَ شخصٌ واحدٌ، وليسَتْ بسبعٍ كالسماءِ على ما رآه بعضُهم فَيَصِحُّ له ذلك ولكنه غيرُ مُعَوَّلٍ عليه.

وقيل: على التماثيل. قال الزمخشري: " وكونُه للتماثيل أثبتُ لتَضْليلِهم، وأدخلُ في الاحتجاجِ عليهم ". وقال ابن عطية: فَطَرَهُنَّ عبارةٌ عنها كأنها تَعْقِلُ، وهذه من حيث لها طاعةٌ وانقيادٌ، وقد وُصِفَتْ في مواضعَ بوَصْفِ مَنْ يَعْقِلُ ". وقال غيرُه: " فَطَرَهُنَّ: أعادَ ضميرَ مَنْ يَعْقِلُ لَمَّا صَدَرَ منهنَّ من الأحوالِ التي تَدُلُّ على أنَّها من قبيل مَنْ يَعْقِلُ؛ فإنَّ اللهَ تعالى أخبر بقولِه:
{ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ }
[فصلت: 11]. وقوله عليه السلام: " أطَّتِ السماءُ وحُقَّ لها أَنْ تَئِطَّ ".

قلت: كأنَّ ابنَ عطيةَ وهذا القائلَ تَوَهَّما أن " هُنَّ " ، من الضمائرِ المختصةِ بالمؤنثات العاقلاتِ، وليس كذلك بل هو لفظٌ/ مشتركٌ بين العلاقاتِ وغيرها. قال تعالى:
{ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ }
[التوبة: 36] ثم قال تعالىٰ: { فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ }.
 
الجوهرة الثامنة عشر

الضمائر وعلم القراءات

{ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَٱسْتَبِقُواْ ٱلْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ

بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

قال السمين الحلبي فی الدر المصون

قوله: { هُوَ مُوَلِّيهَا } جملةٌ من مبتدأٍ وخبرٍ في محلِّ رفعٍ لأنَّها صفةٌ لوِجْهَة، واختُلِف في " هو " على قولين، أحدَهما: أنه يعودُ على لفظِ " كل " / لا على معناها ولذلك أُفْرِدَ، والمفعول الثاني محذوف لفهمِ المعنى تقديرُه هو مُوَلِّيها وَجْهَه أو نفسَه، ويؤيد هذا قراءةُ ابن عامر: " مُوَلاَّها " على ما لم يُسَمَّ فاعلُه كما سيأتي. والثاني: أنه يعودُ على اللهِ تعالى أي: الله مُوَلِّي القبلةِ إياه، أي ذلك الفريقُ.

وقرأ الجمهورُ: " مُوَلِّيها " على اسمُ فاعل، وقد تقدَّم أنه حُذِفَ أحدُ مفعولَيْه، وقرأ ابن عامر - ويُعْزَى لابن عباس - مُوَلاَّها على اسمِ المفعول، وفيه ضميرٌ مرفوعٌ قائمٌ مقامَ الفاعلِ، والثاني هو الضميرُ المتصلُ به وهو " ها " العائدُ على الوجهة، وقيل: على التوليةِ ذكره أبو البقاء،

وعلى هذه القراءةِ بتعيَّن عَوْدُ " هو " إلى الفريق، إذ يَسْتَحِيلُ في المعنى عَوْدُه على الله تعالى،
 
الجوهرة التاسعة عشر

وما قتلوه يقينا

{ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً }

قال الامام ابو حيان فى تفسيره البحر المحيط


{ وما قتلوه يقيناً } قال ابن عباس والسدي وجماعة: الضمير في قتلوه عائد على الظن. تقول: قتلت هذا الأمر علماً إذا قطعت به وجزمت الجزم الذي لا يخالجه شيء. فالمعنى: وما صح ظنهم عندهم وما تحققوه يقيناً، ولا قطعوا الظن باليقين.

وقال الفراء وابن قتيبة؛ الضمير عائد على العلم أي: ما قتلوا العلم يقيناً. يقال: قتلت العلم والرأي يقيناً، وقتلته علماً، لأن القتل للشيء يكون عن قهر واستعلاء، فكأنه قيل: لم يكن علمهم بقتل المسيح علماً أحيط به، إنما كان ظناً.قال الزمخشري: وفيه تهكم، لأنه إذا نفى عنهم العلم نفياً كلياً بحرف الاستغراق ثم قيل: وما علموه علم يقين، وإحاطة لم يكن إلا تهكماً انتهى.

والظاهر قول الجمهور: إن الضمير يعود على عيسى بجعل الضمائر كلها كشيء واحد، فلا تختلف. والمعنى صحيح بليغ
 
الجوهرة العشرون

وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً }

قال ابن الجوزی فی زاد المسير

قوله تعالى: { وإِن الذين اختلفوا فيه } في المختلفين قولان.

أحدهما: أنهم اليهود، فعلى هذا في هاء «فيه» قولان.

أحدهما: أنها كناية عن قتله، فاختلفوا هل قتلوه أم لا؟.

وفي سبب اختلافهم في ذلك قولان.

أحدهما: أنهم لما قتلوا الشخص المشبّه كان الشبه قد أُلقي على وجهه دون جسده، فقالوا: الوجه وجه عيسى، والجسد جسد غيره، ذكره ابن السائب.

والثاني: أنهم قالوا: إِن كان هذا عيسى، فأين صاحبنا؟ وإِن كان هذا صاحبنا، فأين عيسى؟ يعنون الذي دخل في طلبه، هذا قول السدي.

والثاني: أن «الهاء» كناية عن عيسى، واختلافهم فيه قول بعضهم: هو ولد زنى، وقول بعضهم: هو ساحر.

والثاني: أن المختلفين النصارى، فعلى هذا في هاء «فيه» قولان.

أحدهما: أنها ترجع إِلى قتله، هل قتل أم لا؟ والثاني: أنها ترجع إِليه، هل هو إِله أم لا؟ وفي هاء «منه» قولان.

أحدهما: أنها ترجع إِلى قتله.

والثاني: إِلى نفسه هل هو إِلهٌ، أم لغيرِ رشدة، أم هو ساحر؟
 
الجوهرة الواحدة والعشرون

{ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَٰواْ لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَٰواْ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَٰواْ فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَٱنْتَهَىٰ فَلَهُ مَا

سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى ٱللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

قال السمين الحلبي فی الدر المصون

والضميرُ في قولِه " فَأَمْرُه " يعودُ على " ما سَلَف " ، أي: وأمرُ ما سلَفَ إلى الله، أي: في العفوِ عنه وإسقاطِ التِّبِعَةِ منه.

وقيل: يعودُ على المنتهي المدلولِ عليه بانتهى أي: فأمرُ المنتهي عن الربا إلى الله في العفوِ والعقوبةِ.

وقيل: يعودُ على ذي الربا في أَنْ ينتبهَ على الانتهاءِ أو يعيدَه إلى المعصيةِ

. وقيل: يعودُ على الرِبا أي: في عفو الله عمَّا شاء منه أو في استمرارِ تحريمِه.

وقال ابن الجوزی فی زاد المسير

وفي قوله تعالى: { وأمره إلى الله } قولان. أحدهما: أن «الهاء» ترجع إلى المربي، فتقديره: إن شاء عصَمَه منه، وإن شاء لم يفعل، قاله سعيد بن جبير، ومقاتل. والثاني: أنها ترجع إلى الربا، فمعناه: يعفو الله عما شاء منه، ويعاقب على ما شاء منه، قاله أبو سليمان الدمشقي.

وقال القرطبي

الخامسة والعشرون ـ قوله تعالى: { وَأَمْرُهُ إِلَى ٱللَّهِ } فيه أربع تأويلات: أحدها أن الضمير عائد إلى الربا، بمعنى وأمر الربا إلى الله في إمرار تحريمه أو غير ذلك. والآخر أن يكون الضمير عائداً على «ما سلف» أي أمره إلى الله تعالى في العفو عنه وإسقاط التَّبِعة فيه. والثالث أن يكون الضمير عائداً على ذي الربا، بمعنى أمره إلى الله في أن يثبته على الانتهاء أو يعيده إلى المعصية في الربا. واختار هذا القول النحاس، قال: وهذا قول حسن بيِّن، أي وأمرُه إلى الله في المستقبل إن شاء ثبّته على التحريم وإن شاء أباحه. والرابع أن يعود الضمير على المنتهى؛ ولكن بمعنى التأنيس له وبسط أمله في الخير؛ كما تقول: وأمره إلى طاعة وخير، وكما تقول: وأمره في نموّ وإقبال إلى الله تعالى وإلى طاعته.
 
الجوهرة الثانية والعشرون

{ فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُوۤاْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }

قال الامام ابو حيان فى البحر المحيط



والظاهر أنّ الضمير في وأوحينا إليه عائد على يوسف، وهو وحي إلهام قاله مجاهد. وروي عن ابن عباس: أو منام. وقال الضحاك وقتادة: نزل عليه جبريل في البئر. وقال الحسن: أعطاه الله النبوة في الجب وكان صغيراً، كما أوحى إلي يحيـى وعيسى عليهما السلام، وهو ظاهر أوحينا، ويدل على أنّ الضمير عائد على يوسف قوله لهم قال: هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون.



وقيل: الضمير في إليه عائد على يعقوب،

وقال القرطبي

وقيل: «الهاء» ليعقوب؛ أوحى الله تعالى إليه ما فعلوه بيوسف، وأنه سيعرِّفهم بأمره، وهم لا يشعرون بما أوحى الله إليه، والله أعلم.
 
الجوهرة الثالثة والعشرون

{ وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ قَالَ يٰبُشْرَىٰ هَـٰذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ }


يقول الامام الرازى فى تفسيره فی ضمير اسروه المرفوع:

الأول: أنه عائد إلى الوارد وأصحابه أخفوا من الرفقة أنهم وجدوه في الجب، وذلك لأنهم قالوا: إن قلنا للسيارة التقطناه شاركونا فيه، وإن قلنا اشتريناه: سألونا الشركة، فالأصوب أن نقول: إن أهل الماء جعلوه بضاعة عندنا على أن نبيعه لهم بمصر

والثاني: نقل عن ابن عباس أنه قال: { وَأَسَرُّوهُ } يعني: إخوة يوسف أسروا شأنه، والمعنى: أنهم أخفوا كونه أخاً لهم، بل قالوا: إنه عبد لنا أبق منا وتابعهم على ذلك يوسف لأنهم توعدوه بالقتل بلسان العبرانية، والأول أولى لأن قوله: { وَأَسَرُّوهُ بِضَـٰعَةً } يدل على أن المراد أسروه حال ما حكموا بأنه بضاعة، وذلك إنما يليق بالوارد لا بإخوة يوسف
 
الجوهرة الرابعة والعشرون




{ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّاهِدِينَ }

الضمير المتصل المرفوع فى شروه عائد على من؟؟؟؟

يقول الامام الرازى فى تفسيره{ وَشَرَوْهُ } ففيه قولان:

القول الأول: المراد من الشراء هو البيع، وعلى هذا التقدير ففي ذلك البائع قولان:
القول الأول: قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن إخوة يوسف لما طرحوا يوسف في الجب ورجعوا عادوا بعد ثلاث يتعرفون خبره، فلما لم يروه في الجب ورأوا آثار السيارة طلبوهم فلما رأوا يوسف قالوا: هذا عبدنا أبق منا فقالوا لهم: فبيعوه منا فباعوه منهم، والمراد من قوله: { وَشَرَوْهُ } أي باعوه يقال: شريت الشيء إذا بعته، وإنما وجب حمل هذا الشراء على البيع، لأن الضمير في قوله: { وَشَرَوْهُ } وفي قوله: { وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزهِدِينَ } عائد إلى شيء واحد لكن الضمير في قوله: { وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزهِدِينَ } عائد إلى الإخوة فكذا في قوله: { وَشَرَوْهُ } يجب أن يكون عائداً إلى الإخوة، وإذا كان كذلك فهم باعوه فوجب حمل هذا الشراء على البيع.

والقول الثاني: أن بائع يوسف هم الذين استخرجوه من البئر، وقال محمد بن إسحق: ربك أعلم أإخوته باعوه أم السيارة،

وههنا قول آخر وهو أنه يحتمل أن يقال: المراد من الشراء نفس الشراء، والمعنى أن القوم اشتروه وكانوا فيه من الزاهدين، لأنهم علموا بقائن الحال أن إخوة يوسف كذابون في قولهم إنه عبدنا وربما عرفوا أيضاً أنه ولد يعقوب فكرهوا شراءه خوفاً من الله تعالى، ومن ظهور تلك الواقعة، إلا أنهم مع ذلك اشتروه بالآخرة لأنهم اشتروه بثمن قليل مع أنهم أظهروا من أنفسهم كونهم فيه من الزاهدين، وغرضهم أن يتوصلوا بذلك إلى تقليل الثمن، ويحتمل أيضاً أن يقال إن الأخوة لما قالوا: إنه عبدنا أبق صار المشتري عديم الرغبة فيه.
 
الجوهرة الخامسة والعشرون

{ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّاهِدِينَ }

قال الامام الرازى فى تفسيره



والضمير في قوله: { فِيهِ } يحتمل أن يكون عائد إلى يوسف عليه السلام، ويحتمل أن يكون عائداً إلى الثمن البخس والله أعلم.
 
الجوهرة السادسة والعشرون

فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَٱنقَلَبُواْ صَاغِرِينَ }

قال السمين فی دره المصون

والضمير في " انقلبوا " يجوز أن يعودَ على قومِ فرعون، وعلى السَّحَرة إذا جعلنا الانقلابَ قبل إيمان السحرة، أو جعلنا انقلبوا بمعنى صاروا، كما فسَّره الزمخشري، أي: " صاروا أَذِلاَّء مَبْهوتين متحيِّرين " ويجوز أَنْ يعودَ عليهم دون السَّحَرة إذا كان ذلك بعد إيمانهم، ولم يُجعل " انقلبوا " بمعنى صاروا، لأنَّ الله لا يَصِفُهم بالصَّغار بعد إيمانهم
 
الجوهرة السابعة والعشرون



{ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ

مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ ٱللَّهُ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيِّنَـٰتِ فَرَدُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ فِيۤ أَفْوَٰهِهِمْ وَقَالُوۤاْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ }


قال الامام الرازى فى تفسيره


{ فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِى أَفْوَاهِهِمْ } وفي معناه قولان: الأول: أن المراد باليد والفم الجارحتان المعلومتان، والثاني: أن المراد بهما شيء غير هاتين الجارحتين وإنما ذكرهما مجازاً وتوسعاً. أما من قال بالقول الأول ففيه ثلاثة أوجه:

الوجه الأول: أن يكون الضمير في { أَيْدِيَهُمْ } و { أَفْوَاهِهِمْ } عائداً إلى الكفار، وعلى هذا ففيه احتمالات: الأول: أن الكفار ردوا أيديهم في أفواههم فعضوها من الغيظ والضجر من شدة نفرتهم عن رؤية الرسل واستماع كلامهم، ونظيره قوله تعالى:
{ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ }
[آل عمران: 119] وهذا القول مروي عن ابن عباس وابن مسعود رحمهما الله تعالى، وهو اختيار القاضي.

والثاني: أنهم لما سمعوا كلام الأنبياء عجبوا منه وضحكوا على سبيل السخرية، فعند ذلك ردوا أيديهم في أفواههم كما يفعل ذلك من غلبه الضحك فوضع يده على فيه،

والثالث: أنهم وضعوا أيديهم على أفواههم مشيرين بذلك إلى الأنبياء أن كفوا عن هذا الكلام واسكتوا عن ذكر هذا الحديث، وهذا مروي عن الكلبي.

والرابع: أنهم أشاروا بأيديهم إلى ألسنتهم وإلى ما تكلموا به من قولهم إنا كفرنا بما أرسلتم به، أي هذا هو الجواب عندنا عما ذكرتموه، وليس عندنا غيره إقناطاً لهم من التصديق ألا ترى إلى قوله: { فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِى أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ }.

الوجه الثاني: أن يكون الضميران راجعين إلى الرسل عليهم السلام وفيه وجهان

: الأول: أن الكفار أخذوا أيدي الرسل ووضعوها على أفواههم ليسكتوهم ويقطعوا كلامهم.

الثاني: أن الرسل لما أيسوا منهم سكتوا ووضعوا أيدي أنفسهم على أفواه أنفسهم فإن من ذكر كلاماً عند قوم وأنكروه وخافهم، فذلك المتكلم ربما وضع يد نفسه على فم نفسه وغرضه أن يعرفهم أنه لا يعود إلى ذلك الكرم ألبتة.

الوجه الثالث: أن يكون الضمير في أيديهم يرجع إلى الكفار وفي الأفواه إلى الرسل وفيه وجهان

: الأول: أن الكفار لما سمعوا وعظ الأنبياء عليهم السلام ونصائحهم وكلامهم أشاروا بأيديهم إلى أفواه الرسل تكذيباً لهم ورداً عليهم. والثاني: أن الكفار وضعوا أيديهم على أفواه الأنبياء عليهم السلام منعاً لهم من الكلام، ومن بالغ في منع غيره من الكلام فقد يفعل به ذلك.

أما على القول الثاني: وهو أن ذكر اليد والفم توسع ومجاز ففيه وجوه:

الوجه الأول: قال أبو مسلم الأصفهاني: المراد باليد ما نطقت به الرسل من الحجج وذلك لأن أسماع الحجة انعام عظيم والإنعام يسمى يداً. يقال لفلان عندي يد إذا أولاه معروفاً، وقد يذكر اليد. المراد منها صفقة البيع والعقد كقوله تعالى:
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ }
[الفتح: 10] فالبينات التي كان الأنبياء عليهم السلام يذكرونها ويقررونها نعم وأياد، وأيضاً العهود التي كانوا يأتون بها مع القوم أيادي وجمع اليد في العدد القليل هو الأيدي وفي العدد الكثير هو الأيادي، فثبت أن بيانات الأنبياء عليهم السلام وعهودهم صح تسميتها بالأيدي، وإذا كانت النصائح والعهود إنما تظهر من الفم فإذا لم تقبل صارت مردودة إلى حيث جاءت، ونظيره قوله تعالى:
{ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوٰهِكُمْ مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ }
[النور: 15] فلما كان القبول تلقياً بالأفواه عن الأفواه كان الدفع رداً في الأفواه، فهذا تمام كلام أبي مسلم في تقرير هذا الوجه.

الوجه الثاني: نقل محمد بن جرير عن بعضهم أن معنى قوله: { فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِى أَفْوَاهِهِمْ } أنهم سكتوا عن الجواب يقال للرجل إذا أمسك عن الجواب، رد يده في فيه وتقول العرب كلمت فلاناً في حاجة فرد يده في فيه إذا سكت عنه فلم يجب، ثم إنه زيف هذا الوجه وقال: إنهم أجابوا بالتكذيب لأنهم قالوا: { إِنَّا كَفَرْنَا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ }.

الوجه الثالث: المراد من الأيدي نعم الله تعالى على ظاهرهم وباطنهم ولما كذبوا الأنبياء فقد عرضوا تلك النعم للإزالة والإبطال فقوله: { رَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِى أَفْوَاهِهِمْ } أي ردوا نعم الله تعالى عن أنفسهم بالكلمات التي صدرت عن أفواههم ولا يبعد حمل «في» على معنى الباء لأن حروف الجر لا يمتنع إقامة بعضها مقام بعض.
 
الجوهرة الثامنة والعشرون

الضمائر وعلم القراءات

{ وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً } * { وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي ٱلْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً }

قال ابن الجوزی فی زاد مسيره

قوله تعالى: { فلا يُسرف في القتل } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم: «فلا يسرف» بالياء. وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي: بالتاء.

وفي المشار إِليه في الآية قولان.

أحدهما: أنه وليُّ المقتول. وفي المراد بإسرافه خمسة أقوال. أحدها: أن يَقتُل غير القاتل، قاله ابن عباس، والحسن.

والثاني: أن يقتُل اثنين بواحد، قاله سعيد بن جبير.

والثالث: أن يقتُل أشرف مِن الذي قُتل، قاله ابن زيد.

والرابع: أن يمثِّل، قاله قتادة.

والخامس: أن يتولى هو قتل القاتل دون السلطان، ذكره الزجّاج.

والثاني: أن الإِشارة إِلى القاتل الأول، والمعنى: فلا يسرف القاتل بالقتل تعدّياً وظلماً، قاله مجاهد.
 
الجوهرة التاسعة والعشرون

{ وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي ٱلْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً }


قال ابن الجوزی فی زاد المسير

قوله تعالى: { إِنه كان منصوراً } أي: مُعاناً عليه.

وفي هاء الكناية أربعة أقوال.

أحدها: أنها ترجع إِلى الولي، فالمعنى: إِنه كان منصوراً بتمكينه من القَوَد، قاله قتادة، والجمهور.

والثاني: أنها ترجع إِلى المقتول، فالمعنى: إِنه كان منصوراً بقتل قاتله، قاله مجاهد.

والثالث: أنها ترجع إِلى الدم، فالمعنى: إِن دم المقتول كان منصوراً، أي: مطلوباً به.

والرابع: أنها ترجع إِلى القتل، ذكر القولين الفراء.
 
الجوهرة الثلاثون

الضمائر وعلم القراءات

{ حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْأَسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ }


قال الحلبى فى الدر المصون

قوله: { كُذِبُواْ } قرأ الكوفيون " كُذِبوا " بالتخفيف والباقون بالتثقيل. فأمَّا قراءةُ التخفيف فاضطربت أقوالُ الناسِ فيها، ورُوي إنكارها عن عائشة رضي الله عنها قالت: " معاذَ اللَّه لم يكنِ الرسلُ لِتَظُنُّ ذلك بربها " وهذا ينبغي أن لا يَصِحَّ عنها لتواتُرِ هذه القراءة.

وقد وَجَّهها الناسُ بأربعة أوجه،

أجودُها: أن الضميرَ في " وظنُّوا " عائدٌ على المُرْسَل إليهم لتقدُّمهم في قوله:
{ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ }
[يوسف: 109]، ولأن الرسلَ تَسْتدعي مُرْسَلاً إليه. والضمير في " أنهم " و " كُذِبوا " عائد على الرسل، أي: وظنَّ المُرْسَل إليهم أنَّ الرسَلَ قد كُذِبوا، أي: كذَّبهم مَنْ أُرْسِلوا إليه بالوحي وبنصرهم عليهم.

الثاني: أنَّ الضمائرَ الثلاثةَ عائدة على الرسل. قال الزمخشري في تقرير هذا الوجه " حتى إذا اسْتَيْئَسوا من النصر وظنُّوا أنهم قد كُذِبوا، أي: كَذَّبَهم أنفسُهم حين حَدَّثَتْهم أنهم يُنْصَرون أو رجاؤُهم لقولهم رجاءٌ صادق ورجاءٌ كاذب، والمعنىٰ: أن مدَّة التكذيب والعداوةِ من الكفار، وانتظارَ النصر من اللَّه وتأميلَه قد تطاولت عليهم وتمادَتْ، حتىٰ استشعروا القُنوط، وتَوَهَّموا ألاَّ نَصْرَ لهم في الدنيا فجاءهم نَصْرُنا " انتهىٰ/ فقد جعل الفاعلَ المقدر: إمَّا أنفسُهم، وإمَّا رجاؤُهم، وجعل الظنَّ بمعنى التوهم فأخرجه عن معناه الأصلي وهو تَرَجُّحُ أحدِ الطرفين، وعن مجازه وهو استعمالُه في المُتَيَقَّن.

الثالث: أنَّ الضمائرَ كلَّها أيضاً عائدة على الرسل، والظنُّ على بابه من الترجيح، وإلى هذا نحا ابن عباس وابن مسعود وابن جبير، قالوا: والرسل بَشَرٌ فَضَعُفوا وساءَ ظَنُّهم، وهذا ينبغي ألاَّ يَصِحَّ عن هؤلاء فإنها عبارة غليظة على الأنبياء عليهم السلام، وحاشىٰ الأنبياء من ذلك، ولذلك رَدَّتْ عائشة وجماعةُ كثيرة هذا التأويلَ، وأعظموا أن تُنْسَبَ الأنبياء إلى شيء مِن ذلك

قال الزمخشري: " إن صَحَّ هذا عن ابن عباس فقد أراد بالظنِّ ما يَخْطِر بالبال ويَهْجِس في القلب مِنْ شبه الوسوسة وحديث النفس على ما عليه البشرية، وأمَّا الظنُّ الذي هو ترجيحُ أحدِ الجائزين على الآخر فغير جائز على رجلٍ من المسلمين، فما بالُ رسلِ اللَّه الذين هم أعرفُ بربهم؟ " قلت: ولا يجوز أيضاً أن يقال: خَطَر ببالهم شبهُ الوسوسة؛ فإنَّ الوسوسة من الشيطان وهم مَعْصومون منه.

وقال الفارسي أيضا: " إنْ ذهب ذاهب إلى أن المعنىٰ: ظنَّ الرسلُ الذين وعد اللَّه أمَمَهم على لسانهم قد كُذِبوا فيه فقد أتى عظيماً [لا يجوزُ أَنْ يُنْسَبُ مثلُه] إلى الأنبياء ولا إلى صالحي عبادِ اللَّه، وكذلك مَنْ زعم أنَّ ابنَ عباس ذهب إلى أن الرسل قد ضَعُفوا فظنوا أنهم قد أُخْلفوا؛ لأن اللَّه تعالى لا يُخْلف الميعاد ولا مُبَدِّل لكلماته ". وقد روي عن ابن عباس أيضاً أنه قال: " معناه وظنُّوا حين ضَعُفوا وغُلبوا أنهم قد أُخْلفوا ما وعدهم اللَّه به من النصر وقال: كانوا بشراً وتلا قوله تعالى:
{ وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ }
[البقرة: 214].

الرابع: أن الضمائر كلَّها تَرْجِعُ إلى المرسَل إليهم، أي: وظَنَّ المُرْسَلُ إليهم أنَّ الرسلَ قد كَذبوهم فيما ادَّعوه من النبوَّة وفيما يُوْعِدون به مَنْ لم يؤمنْ بهم من العقاب قبلُ، وهذا هو المشهور من تأويل ابن عباس وابن مسعود وابن جبير ومجاهد قالوا: ولا يجوز عَوْدُ الضمائر على الرسل لأنهم مَعْصومون. ويُحكى أن ابن جبير حين سُئِل عنها قال: نعم إذا استيئسَ الرسل من قومهم أن يُصَدِّقوهم، وظنَّ المُرْسَلُ إليهم أنَّ الرسلَ قد كَذَبوهم " فقال الضحاك بن مزاحم وكان حاضِراً: " لو رَحَلْتُ في هذه إلى اليمن كان قليلاً ".

وأمَّا قراءةُ التشديدِ فواضحة وهو أن تعودَ الضمائرُ كلها على الرسل، أي: وظنَّ الرسلُ أنهم قد كَذَّبهم أممُهم فيما جاؤوا به لطول البلاءِ عليهم، وفي صحيح البخاري عن عائشة: " أنها قالت: هم أتباعُ الأنبياءِ الذي آمنوا بهم وصَدَّقوا طال عليهم البلاءُ واستأخر عنهم النصرُ حتى إذا استيئس الرسلُ ممَّن كذَّبهم مِنْ قومهم، وظنَّتْ الرسلُ أن قومَهم قد كَذَّبوهم جاءهم نَصْرُ اللَّهِ عند ذلك ". قلت: وبهذا يَتَّحد معنىٰ القراءتين، والظنُّ هنا يجوز أن يكون على بابه، وأن يكونَ بمعنى اليقين وأن يكونَ بمعنى التوهُّم حسبما تقدَّم.

وقرأ ابن عباس والضحاك ومجاهد " كَذَبوا " بالتخفيف مبنياً للفاعل، والضمير علىٰ هذه القراءة في " ظنُّوا " عائد على الأمم وفي { أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ } عائدٌ على الرسل، أي: ظنَّ المُرْسَلُ إليهم أنَّ الرسلَ قد كَذَبوهم فيما وعدوهم به من النصر أو من العقاب، ويجوز أن يعودَ الضميرُ في " ظنُّوا " على الرسل وفي { أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ } على المُرْسَل [إليهم]، أي: وظنَّ الرسلُ أن الأممَ كَذَبَتْهم فيما وعدوهم به مِنْ أنَّهم يؤمنون به، والظنُّ هنا بمعنى اليقين واضح.

ونقل أبو البقاء أنه قُرِىء مشدَّداً مبنياً للفاعل، وأوَّلَه بأنَّ الرسل ظنُّوا أن الأمم قد كذَّبوهم. وقال الزمخشري: ـ بعد ما حكىٰ قراءة المبني للفاعل ـ " ولو قرىء بهذا مشدَّداً لكان معناه: وظنَّ الرسلُ أنَّ قومَهم كذَّبوهم في موعدهم " فلم يحفظها قراءةً وهي غريبة، وكان قد جَوَّز في القراءة المتقدمة أنَّ الضمائر كلَّها تعود على الرسل، وأن يعودَ الأولُ على المُرْسَل إليهم وما بعده على الرسل فقال: " وقرأ مجاهد " كَذَبوا " بالتخفيف على البناء للفاعل على: وظنَّ الرسلُ أنهم قد كَذَبوا فيما حَدَّثوا به قومهم من النُّصْرة: إمَّا على تأويل ابن عباس، وإمَّا على أنَّ قومهم إذا لم يَرَوا لموعدهم أثراً قالوا لهم: قد كَذَبْتُمونا فيكونون كاذبين عند قومهم أو: وظنَّ المُرْسَلُ إليهم أن الرسلَ قد كَذَبوا ".
 
الجوهرة الواحدة والثلاثون


{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا

الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَاللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ ٱلْفَٰسِقِينَ }

قال الامام ابو حيان فى البحر المحيط

والظاهر أن الضمير في به في الثلاثة عائد على مثلاً، وهو على حذف المضاف، أي يضرب المثل. وقيل: الضمير في به من قوله: { يضل به } ، أي بالتكذيب في به من قوله: { ويهدي به كثيراً } ، أي بالتصديق
 
الجوهرة الثانية والثلاثون

{ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ }

قال الامام ابو حيان فى البحر المحيط

والظاهر أن الضمير في فمكث عائد على الهدهد، أي غير زمن بعيد، أي عن قرب. ووصف مكثه بقصر المدة، للدلالة على إسراعه، خوفاً من سليمان، وليعلم كيف كان الطير مسخراً له، ولبيان ما أعطى من المعجزة الدالة على نبوته وعلى قدرة الله. وقيل: وقف مكاناً غير بعيد من سليمان، وكأنه فيما روي، حين نزل سليمان حلق الهدهد، فرأى هدهداً، فانحط عليه ووصف له ملك سليمان وما سخر له من كل شيء، وذكر له صاحبه ملك بلقيس وعظم منه، وذهب معه لينظر، فما رجع إلا بعد العصر.

وقيل: الضمير في فمكث لسليمان. وقيل: يحتمل أن يكون لسليمان وللهدهد، وفي الكلام حذف، فإن كان غير بعيد زماناً، فالتقدير: فجاء سليمان، فسأله: ما غيبك؟ فقال: أحطت؛ وإن كان مكاناً، فالتقدير: فجاء فوقف مكاناً قريباً من سليمان، فسأله: ما غيبك؟ وكان فيما روي قد علم بما أقسم عليه سليمان، فبادر إلى جوابه بما يسكن غيظه عليه، وهو أن غيبته كانت لأمر عظيم عرض له، فقال: { أحطت بما لم تحط به } ، وفي هذا جسارة من لديه علم، لم يكن عند غيره، وتبجحه بذلك، وإبهام حتى تتشوف النفس إلى معرفة ذلك المبهم ما هو.
 
الجوهرة الثالثة والثلاثون



{ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوْمٍ سُوۤءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ }


قال الامام ابن الجوزى الحنبلى فى تفسيره زاد المسير

{ له معقبات } في هاء «له» أربعة أقوال:

أحدها: أنها ترجع إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه أبو الجوزاء عن ابن عباس.

والثاني: إِلى الملك من ملوك الدنيا، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس.

والثالث: إِلى الإِنسان، قاله الزجاج.

والرابع: إِلى الله تعالى، ذكره ابن جرير، وأبو سليمان الدمشقي.



وفي المعقِّبات قولان:

أحدهما: أنها الملائكة، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، والحسن، وقتادة في آخرين. قال الزجاج: والمعنى: للإنسان ملائكة يعتقبون، يأتي بعضهم بِعَقِب بعض. وقال أكثر المفسرين: هم الحَفَظَة، اثنان بالنهار واثنان بالليل، إِذا مضى فريق، خلف بعده فريق، ويجتمعون عند صلاة المغرب والفجر. وقال قوم، منهم ابن زيد: هذه الآية خاصة في رسول الله صلى الله عليه وسلم، عزم عامر بن الطُّفَيْل وأربد بن قيس على قتله، فمنعه الله منهما، وأنزل هذه الآية.

والقول الثاني: أن المعقِّبات حُرَّاس الملوك الذين يتعاقبون الحَرْس، وهذا مروي عن ابن عباس، وعكرمة. وقال الضحّاك: هم السلاطين المشركون المحترسون من الله تعالى.

وفي قوله: { يحفظونه من أمر الله } سبعة أقوال:

أحدها: يحرسونه من أمر الله ولا يقدرون، هذا على قول من قال: هي في المشركين المحترسين من أمر الله.

والثاني: أن المعنى: حِفْظُهم له من أمر الله، قاله ابن عباس، وابن جُبير، فيكون تقدير الكلام: هذا الحفظ مما أمرهم الله به.

والثالث: يحفطونه بأمر الله، قاله الحسن، ومجاهد، وعكرمة. قال اللغويون: والباء تقوم مقام «مِنْ» وحروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض.

والرابع: يحفظونه من الجن، قاله مجاهد، والنخعي. وقال كعب: لولا أن الله تعالى وكَّل بكم ملائكة يَذُبُّون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعَوْرَاتِكم، إِذاً لتخطَّفَتْكم الجن. وقال مجاهد: ما من عَبْدٍ إِلا ومَلَكٌ موكّل به يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإِنس والهوامِّ، فإذا أراده شيء، قال: وراءك وراءك، إِلا شيء قد قضي له أن يصيبه. وقال أبو مجلز: جاء رجل من مُراد إِلى عليّ عليه السلام، فقال: احترس، فإن ناساً من مُراد يريدون قتلك، فقال: إِن مع كل رجل ملَكين يحفظانه مما لم يقدَّر، فاذا جاء القدر خلَّيا بينه وبينه، وإِن الأجل جُنَّة حصينة.

والخامس: أن في الكلام تقديماً وتأخيراً، والمعنى: له معقِّبات من أمر الله يحفظونه، قاله أبو صالح، والفراء.

والسادس: يحفظونه لأمر الله فيه حتى يُسْلِموه إِلى ما قدِّر له، ذكره أبو سليمان الدمشقي، واستدل بما روى عكرمة عن ابن عباس أنه قال: يحفظونه من أمر الله، حتى إِذا جاء القَدَر خلّوا عنه. وقال عكرمة: يحفظونه لأمر الله.

والسابع: يحفظون عليه الحسنات والسيئات، قاله ابن جُريج. قال الأخفش: وإِنما أنَّث المعقّبات لكثرة ذلك منها، نحو النسَّابة، والعلاَّمة، ثم ذكَّر في قوله: «يحفظونه» لأن المعنى مذكَّر.انتهى
 
الجوهرة الرابعة والثلاثون

{ إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلْعُلْيَا وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

الضمير فی فأنزل الله سكينته يعود علي الرسول او الصديق

وذكرنا كلام الامام الرازی فی الأية فی موضوع جواهر العطف فلتراجع هناك

وقال ابن الجوزی فی زاد المسير

وفي هاء «عليه» ثلاثة أقوال.

أحدها: أنها ترجع إلى أبي بكر، وهو قول علي بن أبي طالب، وابن عباس، وحبيب بن أبي ثابت، واحتجَ من نصر هذا القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مطمئناً.

والثاني: أنها ترجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قاله مقاتل.

والثالث: أن الهاء هاهنا في معنى تثنية، والتقدير: فأنزل الله سكينته عليهما، فاكتفى باعادة الذِّكر على أحدهما من إعادته عليهما، كقوله:
{ والله ورسوله أحق أن يرضوه }
[التوبة: 62] ذكره ابن الأنباري.....

فان قيل: إذا وقع الاتفاق أن هاء الكناية في { أيده } ترجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف تفارقها هاء { عليه } وهما متفقتان في نظم الكلام؟

فالجواب: أن كل حرف يُردُّ إلى الأليق به، والسكينة إنما يَحتاج إليها المنزعج، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم منزعجاً. فأما التأييد بالملائكة، فلم يكن إلا للنبي صلى الله عليه وسلم ونظير هذا قوله:
{ لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزِّروه وتوقِّروه }
[الفتح: 8] يعني النبي صلى الله عليه وسلم، { وتسبِّحوه } يعني: الله عز وجل

ملحوظة

اجاب الرازی علي السؤال فی مانقلناه فی جواهر العطف
 
الجوهرة الخامسة والثلاثون


{ وَقَالَ ٱلَّذِي ٱشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَآ أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن

تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }

هل الضمير فى امره عائد على الله عز جل ام سيدنا يوسف؟

يقول الامام القرطبى فى تفسيره


الهاء راجعة إلى الله تعالى؛ أي لا يغلب الله شيء، بل هو الغالب على أمر نفسه فيما يريده أن يقول له: كُنْ فَيَكُونُ. وقيل: ترجع إلى يوسف؛ أي الله غالب على أمر يوسف يدبّره ويحوطه ولا يكِله إلى غيره، حتى لا يصل إليه كيْدُ كائد.انتهى
 
الجوهرة السادسة والثلاثون

{ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ فَهِيَ كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ ٱلْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ ٱلأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ ٱلْمَآءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }

الظاهر للجميع ان الضمير المتصل فى منها عائد على الحجارة

ولكن قد يعود على القلوب

قال الامام ابو حيان فى كتاب البحر المحيط


وذهب أبو مسلم إلى أن الخشية حقيقة، وأن الضمير في قوله: { وإن منها لما يهبط من خشية الله } عائد على القلوب، والمعنى: أن من القلوب قلوباً تطمئن وتسكن، وترجع إلى الله تعالى، فكنى بالهبوط عن هذا المعنى، ويريد بذلك قلوب المخلصين

وقال ابن الجوزی فی زاد المسير

وفي المشار إليهم بها قولان. أحدهما: جميع بني إسرائيل

. والثاني: القاتل. قال ابن عباس: قال الذين قتلوه بعد أن سمى قاتله: والله ما قتلناه
 
الجوهرة السابعة والثلاثون

{ إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لأَهْلِهِ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً سَآتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } * { فَلَمَّا جَآءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

قال الامام ابو حيان فى البحر المحيط

والظاهر أن الضمير في { جاءها } عائد على النار، وقيل: على الشجرة، وكان قد رآها في شجرة سمر خضراء
 
الجوهرة الثامنة والثلاثون

وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ } * { عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنْذِرِينَ } * { بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ } * { وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ ٱلأَوَّلِينَ }

قال ابن الجوزی فی زاد المسير

قوله تعالى: { وإِنه لفي زُبُرِ الأوَّلِين } وقرأ الاعمش: { زُبْرِ } بتسكين الباء. وفي هاء الكناية قولان.

أحدهما: أنها ترجع إِلى القرآن؛ والمعنى: وإِنَّ ذِكْر القرآن وخبره، هذا قول الأكثرين.

والثاني: أنها تعود إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله مقاتل. والزُّبُر: الكُتُب.
 
الجوهرة التاسعة والثلاثون

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُوا بِٱلإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ مَّا ٱكْتَسَبَ مِنَ ٱلإِثْمِ وَٱلَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

هل ضمير الجماعة فى تحسبوه عائد على القاذف او المقذوف؟؟

يقول الامام الرازى فى تفسيره

والصحيح أن هذا الخطاب ليس مع القاذفين، بل مع من قذفوه وآذوه،

فإن قيل هذا مشكل لوجهين: أحدهما: أنه لم يتقدم ذكرهم


والثاني: أن المقذوفين هما عائشة وصفوان فكيف تحمل عليهما صيغة الجمع في قوله: { لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ } ،

والجواب عن الأول: أنه تقدم ذكرهم في قوله: { مّنكُمْ }

وعن الثاني: أن المراد من لفظ الجمع كل من تأذى بذلك الكذب واغتم، ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم تأذى بذلك وكذلك أبو بكر ومن يتصل به،

فإن قيل فمن أي جهة يصير خيراً لهم مع أنه مضرة في العاجل؟ قلنا لوجوه: أحدها: أنهم صبروا على ذلك الغم طلباً لمرضاة الله تعالى فاستوجبوا به الثواب وهذه طريقة المؤمنين عند وقوع الظلم بهم

وثانيها: أنه لولا إظهارهم للإفك كان يجوز أن تبقى التهمة كامنة في صدور البعض، وعند الإظهار انكشف كذب القوم على مر الدهر

وثالثها: أنه صار خيراً لهم لما فيه من شرفهم وبيان فضلهم من حيث نزلت ثمان عشرة آية كل واحدة منها مستقلة ببراءة عائشة وشهد الله تعالى بكذب القاذفين ونسبهم إلى الإفك وأوجب عليهم اللعن والذم وهذا غاية الشرف والفضل

ورابعها: صيرورتها بحال تعلق الكفر والإيمان بقدحها ومدحها فإن الله تعالى لما نص على كون تلك الواقعة إفكاً وبالغ في شرحه فكل من يشك فيه كان كافراً قطعاً وهذه درجة عالية،

ومن الناس من قال قوله تعالى: { لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ } خطاب مع القاذفين وجعله الله تعالى خيراً لهم من وجوه

: أحدها: أنه صار ما نزل من القرآن مانعاً لهم من الاستمرار عليه فصار مقطعة لهم عن إدامة هذا الإفك

وثانيها: صار خيراً لهم من حيث كان هذا الذكر عقوبة معجلة كالكفارة

وثالثها: صار خيراً لهم من حيث تاب بعضهم عنده، واعلم أن هذا القول ضعيف لأنه تعالى خاطبهم بالكاف، ولما وصف أهل الإفك جعل الخطاب بالهاء بقوله تعالى: { لِكُلّ ٱمْرِىء مّنْهُمْ مَّا ٱكْتَسَبَ مِنَ ٱلإثْمِ }
 
الجوهرة الاربعون

{ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

الظاهر ضمير استوی لله عز وجل وهو الصحيح بلا شك وذكر الطبري قول اخر فی تفسيره

قال الطبري فی تفسيره

ثم اختلف متأوّلو الاستواء بـمعنى العلوّ والارتفـاع فـي الذي استوى إلـى السماء، فقال بعضهم: الذي استوى إلـى السماء وعلا علـيها: هو خالقها ومنشئها.

وقال بعضهم: بل العالـي إلـيها الدخان الذي جعله الله للأرض سماء.

قال أبو جعفر: الاستواء فـي كلام العرب منصرف علـى وجوه: منها انتهاء شبـاب الرجل وقوّته، فـيقال إذا صار كذلك: قد استوى الرجل، ومنها استقامة ما كان فـيه أَوَدٌ من الأمور والأسبـاب، يقال منه: استوى لفلان أمره: إذا استقام له بعد أود. ومنه قول الطرماح بن حكيـم:
طالَ علـى رَسْمٍ مَهْدَدٍ أبَدُهْ وعَفـا واسْتَوَى بِهِ بَلَدُهْ
يعنـي: استقام به.

ومنها الإقبـال علـى الشيء بـالفعل، كما يقال: استوى فلان علـى فلان بـما يكرهه ويسوءه بعد الإحسان إلـيه. ومنها الاحتـياز والاستـيلاء كقولهم: استوى فلان علـى الـمـملكة، بـمعنى احتوى علـيها وحازها. ومنها العلوّ والارتفـاع، كقول القائل: استوى فلان علـى سريره، يعنـي به علوّه علـيه.

وأولـى الـمعانـي بقول الله جل ثناؤه: { ثُمَّ اسْتَوَى إلـى السماءِ فَسَوَّاهُنْ } علا علـيهنّ وارتفع فدبرهن بقدرته وخـلقهنّ سبع سموات.

والعجب مـمن أنكر الـمعنى الـمفهوم من كلام العرب فـي تأويـل قول الله: { ثُمَّ اسْتَوَى إلـى السَّماءِ } الذي هو بـمعنى العلوّ والارتفـاع هربـاً عند نفسه من أن يـلزمه بزعمه إذا تأوله بـمعناه الـمفوهم كذلك أن يكون إنـما علا وارتفع بعد أن كان تـحتها، إلـى أن تأوله بـالـمـجهول من تأويـله الـمستنكر، ثم لـم ينـج مـما هرب منه. فـيقال له: زعمت أن تأويـل قوله: { اسْتَوَى } أقْبَلَ، أفكان مدبراً عن السماء فأقبل إلـيها؟ فإن زعم أن ذلك لـيس بإقبـال فعل ولكنه إقبـال تدبـير، قـيـل له: فكذلك فقل: علا علـيها علوّ ملك وسلطان لا علوّ انتقال وزوال. ثم لن يقول فـي شيء من ذلك قولاً إلا ألزم فـي الآخر مثله، ولولا أنا كرهنا إطالة الكتاب بـما لـيس من جنسه لأنبأنا عن فساد قول كل قائل قال فـي ذلك قولاً لقول أهل الـحقّ فـيه مخالفـاً، وفـيـما بـينا منه ما يشرف بذي الفهم علـى ما فـيه له الكفـاية إنه شاء الله تعالـى.
 
الجوهرة الواحدة والأربعون

إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ } * { وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ } * { وَٱلَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ } * { وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } * { وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ

وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِٱلْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَـٰذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذٰلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ }

هل الضمير المتصل فى قلوبهم للمؤمنين ام الكفرة ؟؟؟

قال الامام ابو حيان فى البحر المحيط

{ بل قلوبهم } أي قلوب الكفار في ضلال قد غمرها كما يغمر الماء { من هذا } أي من هذا العمل الذي وصف به المؤمنون أو من الكتاب الذي لدينا أو من القرآن، والمعنى من اطراح هذا وتركه أو يشير إلى الدين بجملته أو إلى محمد صلى الله عليه وسلم أقوال خمسة { ولهم أعمال من دون ذلك } أي من دون الغمرة والضلال المحيط بهم، فالمعنى أنهم ضالون معرضون عن الحق، وهم مع ذلك لهم سعايات فساد وصفهم تعالى بحالتي شر قال هذا المعنى قتادة وأبو العالية، وعلى هذا التأويل الإخبار عما سلف من أعمالهم وعماهم فيه. وقيل: الإشارة بذلك إلى قوله { من هذا } وكأنه قال لهم أعمال من دون الحق، أو القرآن ونحوه. وقال الحسن ومجاهد: إنما أخبر بقوله { ولهم أعمال } عما يستأنف من أعمالهم أي إنهم لهم أعمال من الفساد.وعن ابن عباس { أعمال } سيئة دون الشرك. وقال الزمخشري { ولهم أعمال } متجاوزة متخطئة لذلك أي لما وصف به المؤمنون هم لها معتادون وبها ضارون ولا يفطمون عنها حتى يأخذهم الله بالعذاب و { حتى } هذه هي التي يبتدأ بعدها الكلام، والكلام الجملة الشرطية

وقيل الضمير في قوله { بل قلوبهم } يعود إلى المؤمنين المشفقين { في غمرة } من هذا وصف لهم بالحيرة كأنه قيل { وهم } مع ذلك الخوف والوجل كالمتحيرين في أعمالهم أهي مقبولة أم مردودة { ولهم أعمال } من دون ذلك أي من النوافل ووجوه البر سوى ما هم عليه، ويريد بالأعمال الأول الفرائض، وبالثاني النوافل
 
الجوهرة الثانية والاربعون

{ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَٱلْجُلُودُ } * { وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ } * { كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ }

قال الامام ابوحيان فى البحر المحيط

والظاهر أن الضمير في { ولهم } عائد على الكفار، واللام للاستحقاق. وقيل: بمعنى على أي وعليهم كقوله
{ لهم اللعنة }
[الرعد: 25] أي وعليهم.

وقيل: الضمير يعود على ما يفسره المعنى وهو الزبانية.

وقال قوم منهم الضحاك: المقامع المطارق. وقيل: سياط من نار وفي الحديث: " لو وضع مقمع منها في الأرض ثم اجتمع عليه الثقلان ما أقلوه من الأرض " و { من غم } بدل من منها بدل اشتمال، أعيد معه الجار وحذف الضمير لفهم المعنى أي من غمها، ويحتمل أن تكون من للسبب أي لأجل الغم الذي يلحقهم، والظاهر تعليق الإعادة على الإرادة للخروج فلا بد من محذوف يصح به المعنى، أي من أماكنهم المعدة لتعذيبهم { أعيدوا فيها } أي في تلك الأماكن. وقيل { أعيدوا فيها } بضرب الزبانية إياهم بالمقامع { وذوقوا } أي ويقال لهم ذوقوا.
 
الجوهرة الثالثة والاربعون

{ ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ } * { لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَىٰ ٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ }

قال ابو حيان فی بحره

والضمير في { فيها } من قوله { لكم فيها منافع } عائداً على الشعائر التي هي الشرائع أي لكم في التمسك بها { منافع إلى أجل } منقطع التكليف { ثم محلها } بشكل على هذا التأويل. فقيل: الإيمان والتوجه إليه بالصلاة، وكذلك القصد في الحج والعمرة، أي محل ما يختص منها بالإحرام { البيت العتيق } وقيل: معنى ذلك ثم أجرها على رب { البيت العتيق } قيل: ولو قيل على هذا التأويل أن { البيت العتيق } الجنة لم يبعدوا الضمير في إنها عائد على الشعائر على حذف مضاف أي فإن تعظيمها أو على التعظمة، وأضاف التقوى إلى القلوب كما قال عليه الصلاة والسلام: " " التقوى ههنا ". وأشار إلى صدره "....

والضمير في { فيها } عائد على البدن على قول الجمهور، والمنافع درها ونسلها وصوفها وركوب ظهرها { إلى أجل مسمى } وهو أن يسميها ويوجبها هدياً فليس له شيء من منافعها. قاله ابن عباس في رواية مقسم، ومجاهد وقتادة والضحاك. وقال عطاء: منافع الهدايا بعد إيجابها وتسميتها هدياً بأن تركب ويشرب لبنها عند الحاجة { إلى أجل مسمى } أي إلى أن تنحر. وقيل: إلى أن تشعر فلا تركب إلاّ عند الضرورة. وروى أبو رزين عن ابن عباس: الأجل المسمى الخروج من مكة. وعن ابن عباس { إلى أجل مسمى } أي إلى الخروج والانتقال من هذه الشعائر إلى غيرها. وقيل: الأجل يوم القيامة. وقال الزمخشري: إلى أن تنحر ويتصدق بلحومها ويؤكل منها.
 
الجوهرة الرابعة والاربعون

{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى

ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ ٱللَّهُ آيَاتِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

قال السمين الحلبي فی دره

والضميرُ في " أُمْنِيَّتِه " فيه قولان، أحدُهما: ـ وهو الذين ينبغي أن يكونَ ـ أنه ضميرُ الشيطان. والثاني: أنه ضميرُ الرسولِ، ورَوَوْا في ذلك تفاسيرَ اللهُ أعلم بصحتها.

{ وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُواْ بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهَادِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

قال السمين فی دره

والضميرُ في " أنَّه " فيه قولان، أحدهما ـ وإليه ذهب الزمخشري ـ أنه عائدٌ على تمكينِ الشيطانِ أي: ليَعْلَمَ المؤمنون ِأن تمكينَ الشيطانِ هو الحق. الثاني ـ وإليه نحا ابن عطية ـ أنه عائدٌ على القرآنِ. وهو وإنْ لم يَجْرِ له ذِكْرٌ فهو في قوة المنطوق.

{ وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ }

قال ابن الجوزی فی زاد المسير

قوله تعالى: { في مِرْيَة منه } أي: في شكّ.

وفي هاء «منه» أربعة أقوال.

أحدها: أنها ترجع إِلى قوله: تلك الغرانيق العلى.

والثاني: أنها ترجع إِلى سجوده في سورة (النجم). والقولان عن سعيد بن جبير، فيكون المعنى: إِنهم يقولون: ما بالُه ذكر آلهتنا ثم رجع عن ذكرها؟!

والثالث: أنها ترجع إِلى القرآن، قاله ابن جريج.

والرابع: أنها ترجع إِلى الدِّين، حكاه الثعلبي.
 
الجوهرة الخامسة والاربعون

{ وَجَاهِدُوا فِي ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ ٱجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَـٰذَا لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَـاةَ وَٱعْتَصِمُواْ بِٱللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ }

قال الشيخ السمين الحلبى فى الدر المصون

{ هُوَ سَمَّاكُمُ } في هذا الضميرِ قولان، أحدهما: أنه عائدٌ على " إبراهيم " فإنه أقربُ مذكورٍ.

إلاَّ أنَّ ابنَ عطيةَ قال: " وفي هذه اللفظةِ ـ يعني قولَه " وفي هذا " ـ ضَعْفُ قَوْلِ مَنْ قال: الضمير لإِبراهيم. ولا يَتَوَجَّه إلاَّ بتقديرِ محذوفٍ من الكلامِ مستأنفٍ " انتهىٰ. ومعنى " ضَعْف قولِ مَنْ قال بذلك " أنَّ قوله " وفي هذا " عطفٌ على " مِنْ قبلُ " ، و " هذا " إشارةٌ إلى القرآن المشارَ إليه إنما نزل بعد إبراهيم بمُدَدٍ طِوالٍ؛ فلذلك ضَعُفَ قولُه. وقوله: " إلاَّ بتقديرِ محذوفٍ " الذي ينبغي أَنْ يقدَّرَ: وسُمِّيْتُم في هذا القرآن المسلمين. وقال أبو البقاء: " قيل الضميرُ لإِبراهيم، فعلى هذا الوجهِ يكونُ قولُه " وفي هذا " أي: وفي هذا القرآن سببُ تسميتِهم ".

والثاني: أنه عائدٌ على اللهِ تعالىٰ ويَدُلُّ له قراءةُ أُبَيّ: " الله سَمَّاكم " بصريح الجلالةِ أي: سَمَّاكم في الكتبِ السالفةِ وفي هذا القرآنِ الكريمِ أيضاً.
 
الجوهرة السادسة والاربعون

{ قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ }

قال الامام القرطبى فى تفسيره



وقوله تعالى: { فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ } الضمير في «إنه» يحتمل معنيين؛ الأوّل: فإن الله نزّل جبريل على قلبك. الثاني: فإن جبريل نزل بالقرآن على قلبك

وقال السمين فی دره

والضميرُ في قوله: " فإنَّه " يعودُ على جبريل، وفي قوله " نَزَّلَه " يعودُ على القرآنِ، وهذا موافقٌ لقولِه:
{ نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ }
[الشعراء: 193] في قراءةِ مَنْ رَفَع " الروح " ، ولقولِه " مصدِّقاً " ، وقيل: الأولُ يعودُ على اللهِ والثاني يعودُ على جِبْريل، وهو موافقٌ لقراءَةِ مَنْ قَرأَ { نَزَلَ به الروحُ } بالتشديدِ والنَّصْبِ...

والهاءُ في " بين يديه " يجوزُ أن تعودَ على " القرآنِ " أو على " جِبْريل ".
 
الجوهرة السابعة والاربعون



{ وَإِن مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً }

قال الامام بن الجوزى فى زاد المسير


قوله تعالى: { وإِن من أهل الكتاب إِلا ليؤمنن به } قال الزجاج: المعنى: وما منهم أحد إِلا ليؤمنّن به، ومثله
{ وإِن منكم إِلا واردها }
[مريم: 71]. وفي أهل الكتاب قولان.

أحدهما: أنهم اليهود، قاله ابن عباس.

والثاني: اليهود والنصارى، قاله الحسن، وعكرمة.

وفي هاء «به» قولان.

أحدهما: أنها راجعة إلى عيسى، قاله ابن عباس، والجمهور.

والثاني: أنها راجعة إلى محمد صلى الله عليه وسلم، قاله عكرمة.

وفي هاء «موته» قولان.

أحدهما: أنها ترجع إِلى المؤمِن. روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: ليس يهودي يموتُ أبداً حتى يؤمن بعيسى، فقيل لابن عباس: إِن خرّ من فوق بيْت؟ قال: يتكلم به في الهُويِّ قال: وهي في قراءة أُبي: «قبل موتهم».

وهذا قول مجاهد، وسعيد بن جبير. وروى الضحاك عن ابن عباس قال: يؤمن اليهودي قبل أن يموت، ولا تخرج روح النصراني حتى يشهد أن عيسى عبدٌ. وقال عكرمة: لا تخرج روح اليهودي والنصراني حتى يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم.

والثاني: أنها تعود إِلى عيسى. روى عطاء عن ابن عباس قال: إِذا نزل إِلى الأرض لا يبقى يهودي ولا نصراني، ولا أحدٌ يعبد غير الله إِلا اتّبعه، وصدّقه، وشهد أنه روح الله، وكلمته، وعبده، ونبيّه. وهذا قول قتادة، وابن زيد، وابن قتيبة، واختاره ابن جرير، وعن الحسن كالقولين. وقال الزجاج: هذا بعيدٌ، لعموم قوله: { وإِن من أهل الكتاب } ، والذين يبقوْن حينئِذ شرذمة منهم، إِلا أن يكون المعنى: أنهم كلهم يقولون: إن عيسى الذي ينزل لقتل الدجّال نؤمن به.

وقال السمين فی دره

والضميرُ في " يكون " لعيسى، وقيل: لمحمد عليه السلام.
 
الجوهرة الثامنة والاربعون

{ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِّنَ ٱلْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ }

قال الامام ابو حيان فى البحر المحيط



والظاهر أن الضمير في { غشيهم } في الموضعين عائد على فرعون وقومه، وقيل الأول على فرعون وقومه، والثاني على موسى وقومه. وفي الكلام حذف على هذا القول تقديره فنجا موسى وقومه، وغرّق فرعون وقومه
 
الجوهرة التاسعة والاربعون

{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّـى يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ }

قال الامام ابو حيان فى البحر المحيط

والضمير في ترونها عائد على السموات أي: تشاهدون السموات خالية عن عمد. واحتمل هذا الوجه أن يكون ترونها كلاماً مستأنفاً، واحتمل أن يكون جملة حالية أي: رفعها مرئية لكم بغير عمد. وهي حال مقدرة، لأنه حين رفعها لم نكن مخلوقين.

وقيل: ضمير النصب في ترونها عائد على عمد أي: بغير عمد مرئية، فترونها صفة للعمد. ويدل على كونه صفة لعمد قراءة أبي: ترونه، فعاد الضمير مذكراً على لفظ عمد، إذ هو اسم جمع. قال أي ابن عطية: اسم جمع عمود والباب في جمعه عمد بضم الحروف الثلاثة كرسول ورسل انتهى. وهو وهم، وصوابه: بضم الحرفين، لأن الثالث هو حرف الإعراب فلا يعتبر ضمه في كيفية الجمع.

هذا التخريج يحتمل وجهين

: أحدهما أنها لها عمد، ولا ترى تلك العمد، وهذا ذهب إليه مجاهد وقتادة. وقال ابن عباس: وما يدريك أنها بعمد لا ترى؟ وحكى بعضهم أن العمد جبل قاف المحيط بالأرض، والسماء عليه كالقبة.

والوجه الثاني: أن يكون نفي العمد، والمقصود نفي الرؤية عن العمد، فلا عمد ولا رؤية أي: لا عمد لها فترى. والجمهور على أن السموات لا عمد لها البتة، ولو كان لها عمد لاحتاجت تلك العمد إلى عمد، ويتسلسل الأمر، فالظاهر أنها ممسكة بالقدرة الإلهية

وقال السمين الحلبى فى الدر المصون

قوله: { تَرَوْنَهَا } في الضميرِ المنصوبِ وجهان، أحدهما: أنه عائدٌ على " عَمَد " وهو أقربُ مذكورٍ، وحينئذٍ تكون الجملةُ في محل جرٍّ صفةً لـ " عَمَد " ، ويجيءُ فيه الاحتمالان المتقدمان: من كونِ العَمَد موجودةً، لكنها لا تُرى، أو غيرَ موجودةٍ البتةَ.

والثاني: أن الضميرَ عائدٌ على " السماوات ". ثم في هذه الجملة وجهان، أحدُهما: أنها مستأنفةٌ لا محلَّ لها، أي: استشهد برؤيتهم لها كذلك، ولم يَذْكر الزمخشريُّ غيرَه. والثاني: أنها في محلِّ نصبٍ على الحال مِن " السماوات " ، وتكونُ حالاً مقدرة؛ لأنها حين رَفْعِها لم نكن مَخْلُوْقِينَ، والتقدير: رَفَعَها مَرْئيةً لكم.
 
الجوهرة الخمسون

{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَٰحِشَةٍ

مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً }

قال ابن الجوزی فی زاد المسير

وفيمن خوطب بقوله { ولا تعضلوهن } ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه خطاب للأزواج، ثم في العضل الذي نهى عنه ثلاثة أقوال.

أحدها: أن الرجل كان يكره صحبة امرأته، ولها عليه مهر، فيحبسها، ويضربها لتفتدي، قاله ابن عباس، وقتادة، والضحاك، والسدي.

والثاني: أن الرجل كان ينكح المرأة الشريفة، فلعلها لا توافقه، فيفارقها على أن لا تتزّوج إِلاّ بإذنه، ويشهد على ذلك، فاذا خطبت، فأرضته، أذن لها، وإِلا عضلها، قاله ابن زيد.

والثالث: أنهم كانوا بعد الطلاق يعضلون، كما كانت الجاهلية تفعل، فنهوا عن ذلك، روي عن ابن زيد أيضا. وقد ذكرنا في { البقرة } أن الرجل كان يطلق المرأة، ثم يراجعها، ثم يطلقها كذلك أبداً إِلى غير غاية يقصد إِضرارها، حتى نزلت
{ الطلاق مرتان }
[البقرة: 229].

والقول الثاني: أنه خطاب للأولياء، ثم في ما نهوا عنه ثلاثة أقوال.

أحدها: أن الرجل كان في الجاهلية إذا كانت له قرابة قريبة، ألقى عليها ثوبه، فلم تتزّوج أبداً غيره إِلا بإذنه، قاله ابن عباس.

والثاني: أن اليتيمة كانت تكون عند الرجل، فيحبسها حتى تموت، أو تتزوّج بابنه، قاله مجاهد.

والثالث: أن الأولياء كانوا يمنعون النساء من التزويج، ليرثوهن، روي عن مجاهد أيضا.

والقول الثالث: انه خطاب لورثة أزواج النساء الذين قيل لهم: لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً. كان الرجل يرث امرأة قريبة، فيعضلها حتى تموت، أو تردّ عليه صداقها. هذا قول ابن عباس في آخرين. وعلى هذا يكون الكلام متّصلاً بالأول، وعلى الأقوال التي قبله يكون ذكر العضل منفصلاً عن قوله: { أن ترثوا النساء }.

وقال الامام الرازي فى تفسيره

والضمير في قوله { فِيهِ } إلى ماذا يعود؟ فيه وجهان

: الأول: المعنى انكم إن كرهتم صحبتهن فأمسكوهن بالمعروف فعسى أن يكون في صحبتهن الخير الكثير ومن قال بهذا القول فتارة فسر الخير الكثير بولد يحصل فتنقلب الكراهة محبة، والنفرة رغبة وتارة بأنه لما كره صحبتها ثم إنه يحمل ذلك المكروه طلبا لثواب الله، وأنفق عليها وأحسن اليها على خلاف الطبع، استحق الثواب الجزيل في العقبى والثناء الجميل في الدنيا،

الثاني: أن يكون المعنى إن كرهتموهن ورغبتم في مفارقتهن، فربما جعل الله في تلك المفارقة لهن خيرا كثيرا، وذلك بأن تتخلص تلك المرأة من هذا الزوج وتجد زوجا خيراً منه، ونظيره قوله:

{ وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ ٱللَّهُ كُلاًّ مّن سَعَتِهِ }
[النساء: 130] وهذا قول أبي بكر الأصم، قال القاضي: وهذا بعيد لأنه تعالى حث بما ذكر على سبيل الاستمرار على الصحبة، فكيف يريد بذلك المفارقة.
 
عودة
أعلى