أشكلت علي هذه الآية، فمن لها ؟

إنضم
4 أبريل 2003
المشاركات
172
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
أشكل علي معنى قوله تعالى: "أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ" (هود: 17)

فراجعت بعض كتب التفاسير فوجدت معتركا في هذه الآية في بيان معناها لكثرة الاحتمالات واختلاف مرجع الضمائر – وأخص منها ابن عطية وابن عاشور-، فأرجو من إخواننا المتخصصين الممارسين للتفسير والخلاف فيه أن يلخص معنى الآية مهذبا مع توجيه ذلك وتطبيق قواعد التفسير وقرائن الترجيح، وأنا جازم أنه سيفيد ويستفيد كثيرا، وله منا الثناء والدعاء.
والسلام عليكم،،،
 
أي سماء تظلني ....

أي سماء تظلني ....

بسم الله وحده نسترفد منه العون والمدد وتستجير به من براثن الغواية وطول الأمد والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيد الخلق ورحمة الكون من فرق بين الحق والباطل وتلاه شاهد منه .... محمد رسولاالله ... وبعد فهذا تفسير شيخ الإسلام ابن تيمية في الأيات التي أشكل الفكر بمراد ضمائرها واستوى خصوص فكرها ونظائرها بين مثبت ونافِ وباسط في القول ومتجافِ فقال رحمه الله :

فصل وأما من قال : { أفمن كان على بينة من ربه } إنه محمد صلى الله عليه وسلم كما قاله طائفة من السلف فقد يريدون بذلك التمثيل لا التخصيص فإن المفسرين كثيرا ما يريدون ذلك ومحمد هو أول من كان على بينة من ربه وتلاه شاهد منه وكذلك الأنبياء وهو أفضلهم وإمامهم والمؤمنون تبع له وبه صاروا على بينة من ربهم .

والخطاب قد يكون لفظه له ومعناه عام كقوله : { فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك } { لئن أشركت ليحبطن عملك } { فإذا فرغت فانصب } { قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي } ونحو ذلك وذلك أن الأصل فيما خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما أمر به ونهي عنه وأبيح له سار في حق أمته كمشاركة أمته له في الأحكام وغيرها حتى يقوم دليل التخصيص فما ثبت في حقه من الأحكام ثبت في حق الأمة إذا لم يخصص هذا مذهب السلف والفقهاء ودلائل ذلك كثيرة كقوله : { فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها } الآية ولما أباح له الموهوبة قال : { خالصة لك من دون المؤمنين } الآية .

فإذا كان هذا مع كون الصيغة خاصة فكيف تجعل الصيغة العامة له وللمؤمنين مختصة به ؟ ولفظ " من " أبلغ صيغ العموم ; لا سيما إذا كانت شرطا أو استفهاما كقوله : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } { ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } وقوله : { أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا } وقوله : { أومن كان ميتا فأحييناه } وقوله { أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله } .

و " أيضا " : فقد ذكر بعد ذلك قوله : { أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده } وذكر بعد هذا : { مثل الفريقين } وقد تقدم قبل هذا ذكر الفريقين وقوله : { أولئك يؤمنون به } إشارة إلى جماعة ولم يقدم قبل هذا ما يصلح أن يكون مشارا إليه إلا ( من والضمير يعود تارة إلى لفظ ( من وتارة إلى معناها كقوله : { ومنهم من يستمع إليك } { ومنهم من يستمعون إليك } { ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى } { من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة } الآية .

وأما الإشارة إلى معناها فهو أظهر من الضمير . فقوله : { أولئك يؤمنون به } دليل على أن الذي على بينة من ربه كثيرون لا واحد قال ابن أبي حاتم : ثنا عامر بن صالح عن أبيه عن الحسن البصري : { أفمن كان على بينة من ربه } . قال : المؤمن على بينة من ربه وهذا الذي قاله الحسن البصري هو الصواب والرسول هو أول المؤمنين كما قال : { وأمرت أن أكون من المؤمنين } .

ومن قال : إن الشاهد من الله هو محمد كما رواه ابن أبي حاتم ثنا الأشج ثنا أبو أسامة عن عوف عن سليمان الفلاني عن الحسين بن علي : { ويتلوه شاهد منه } يعني محمدا شاهدا من الله فهنا معنى كونه شاهدا من الله هو معنى كونه رسول الله وهو يشهد للمؤمنين بأنهم على حق وإن كان يشهد لنفسه بأنه رسول الله فشهادته لنفسه معلومة قد علم أنه صادق فيها بالبراهين الدالة على نبوته وأما شهادته للمؤمنين فهو أنها إنما تعلم من جهته بما بلغه من القرآن ويخبر به عن [ ص: 84 ] ربه فهو إذا شهد كان شاهدا من الله .

وأما قوله : { ما أصابك من حسنة فمن الله } فقد دخل في ذلك نعم الدنيا كلها كالعافية والرزق والنصر وتلك حسنات يبتلي الله العبد بها . كما يبتليه بالمصائب هل شكر أم لا ؟ وهل يصبر أم لا ؟ كما قال تعالى : { وبلوناهم بالحسنات والسيئات } وقال : { ونبلوكم بالشر والخير فتنة } { فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه } الآيات .

[ ص: 101 ] وقد يقال في الشيء إنه من الله وإن كان مخلوقا إذا كان مختصا بالله كآيات الأنبياء كما قال لموسى : { فذانك برهانان من ربك } وقلب العصا حية وإخراج اليد بيضاء من غير سوء مخلوق لله لكنه منه لأنه دل به وأرشد إلى صدق نبيه موسى وهو تصديق منه وشهادة منه له بالرسالة والصدق فصار ذلك من الله بمنزلة البينة من الله والشهادة من الله وليست هذه الآيات مما تفعله الشياطين والكهان كما يقال : هذه علامة من فلان وهذا دليل من فلان وإن [ لم ] يكن ذلك كلاما منه .

وقد سمى موسى ذلك بينة من الله فقال : { قد جئتكم ببينة من ربكم } فقوله : ببينة من ربكم كقوله : { فذانك برهانان من ربك } .

وهذه البينة هنا حجة وآية ودلالة مخلوقة تجري مجرى شهادة الله وإخباره بكلامه كالعلامة التي يرسل بها الرجل إلى أهله وكيله قال سعيد بن جبير في الآية : هي كالخاتم تبعث به فيكون هذا بمنزلة قوله صدقوه فيما قال أو أعطوه ما طلب .

فالقرآن والهدى منه وهو من كلامه وعلمه وحكمه الذي هو قائم به غير مخلوق وهذه الآيات دليل على ذلك كما يكتب كلامه في [ ص: 102 ] المصاحف ; فيكون المراد المكتوب به الكلام يعرف به الكلام قال تعالى : { قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا } .

ولهذا يكون لهذه الآيات المعجزات حرمة : كالناقة وكالماء النابع بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك . والله سبحانه أعلم .

للأمانة العلمية نقل قول ابن تيمية من موقع الشبكة الإسلامية
أعانك الله وسدد للخير خطاك
 
هذا ما كتبه من شارك في تصنيف (التفسير الميسر) الذي صدر عن مجمع الملك فهد ، وفيه تحرير لأصح ما قيل في تفسير الآية في كتب التفسير ، ويبقى هناك مجال للمراجعة إن شاء الله :
أفمَن كان على حجة وبصيرة من ربه فيما يؤمن به, ويدعو إليه بالوحي الذي أنزل الله فيه هذه البينة, ويتلوها برهان آخر شاهد منه, وهو جبريل أو محمد عليهما السلام, ويؤيد ذلك برهان ثالث من قبل القرآن, وهو التوراة -الكتاب الذي أنزل على موسى إمامًا ورحمة لمن آمن به-, كمن كان همه الحياة الفانية بزينتها؟ أولئك يصدِّقون بهذا القرآن ويعملون بأحكامه, ومن يكفر بهذا القرآن من الذين تحزَّبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجزاؤه النار, يَرِدُها لا محالة, فلا تك -أيها الرسول- في شك من أمر القرآن وكونه من عند الله تعالى بعد ما شهدت بذلك الأدلة والحجج, واعلم أن هذا الدين هو الحق من ربك, ولكن أكثر الناس لا يصدِّقون ولا يعملون بما أُمروا به. وهذا توجيه عام لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.
 
أشكر الأخوين الكريمين على مشاركتهما وإفادتهما
و لازال رجائي باقيا لتحرير هذه الآية
وجزاكم الله خيرا
 
هدية للأخ خالد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين.
سيقت الآية لنفي التقارب بين المهتدين بالبرهان والدليل على صحة وحقية ما جاءهم من ربهم، وبين من عطل عقله ولم يرد إلا الحياة الدنيا وزينتها وقصر همته على تحصيلها ولم يلتفت إلى الدار الآخرة.
(أَفَمَنْ كَانَ) من المؤمنين من كل الأمم (عَلَى بَيِّنَةٍ) وهي الدليل العقلي بالنظر في وجه دلالة المعجزة ـ التي هي فعل الله تعالى ـ على صدق محمد صلى الله عليه وسلم وعلى حقية ما جاء به (مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ) في التصديق (شَاهِدٌ) مؤكد لذلك وهو الدليل الشرعي الصادر (مِنْهُ) تلاوة صلى الله عليه وسلم وهو القرآن العظيم، (وَمِنْ قَبْلِهِ) أي من قبل ذلك الشاهد الشرعي الذي جاء به صلى الله عليه وسلم ـ وهو القرآن ـ دليل شرعي ـ أي سمعي نقلي ـ آخر على صدق المرسلين وهو (كِتَابُ مُوسَى) الذي كان (إِمَامًا) مؤتما به في الدين (وَرَحْمَةً) وطريقا إلى الفوز بالسعادة، وهذا مدح لكتاب موسى وتزكية له (أُولَئِكَ) الموصوفون بالاهتداء بالأدلة العقلية والشرعية (يُؤْمِنُونَ بِهِ) أي بالقرآن العظيم وما تضمنه من أوامر ونواهي وأخبار (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ) وهم صناديد قريش (فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ) [هود:17]
 
(أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ) سورة هود (17)

(أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) الرسول صلى الله عليه وسلم على بينة من ربه وهي القرآن ، كما قال تعالى في سورة الأنعام من الآية 57: ( قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ) أي كذبتم بالقرآن.

والبينة أطلقت على القرآن كما في قوله تعالى:
(أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آَيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ) سورة الأعراف (157)

(ويتلوه) الرسول صلى الله عليه وسلم يتلو القرآن

( شاهد ) القرآن

( منه) من الرسول صلى الله عليه وسلم شاهد على صدق نبوته

والمعنى : ويتلو القرآن وهو شاهد منه على صدق نبوته ، فهو النبي الأمي الذي لم يقرأ قبله كتاب ولا خطه بيمينه كما قال تعالى: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49)) سورة العنكبوت .

وقوله تبارك وتعالى : (قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) سورة يونس(16)

( ومن قبله ) من قبل القرآن

(كتاب موسى) شاهد على صدق نبوته صلى الله عليه وسلم

(إماماورحمة) أي أنزلناه.

( أولئك يؤمنون به) أولئك إشاره دون التصريح على سبيل المدح تعود على الذين آمنوا به وصدقوه.

(وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ) بالقرآن ( مِنَ الْأَحْزَابِ) الذين تحزبوا للباطل ( فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ).

(فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ)وهذه الجملة تعريض بحال الكافرين الذين يزعمون أن الرسول صلى الله عليه وسلم افترى القرآن .

اللهم إن كان ما كتبته صوابا فأنت الموفق ولك الفضل والمنة.
وإن كان خطأً فاغفر الزلة وأقل العثرة.

وصل اللهم وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد.

كتبه : محب القرآن الكريم
 
لشيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ بحث مطول في مجموع الفتاوى 15 / 63 - 105 ، لا أحب أن أطيل بنقله هنا ، فلعلك ـ أبا عبدالعزيز ـ تراجعه، وإنا منتظرون، لعل كلامه يزيل ما وقع لكم من إشكال، وجزاك الله خيراً على لفت النظر إلى تدارس معاني كلام الله تعالى.
 
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم
ملخص كلام شيخ الإسلام في آية سورة هود[/align]

مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 15 / ص 62)

"سُورَةُ هُودٍ وَقَالَ فَصْلٌ وقَوْله تَعَالَى { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ } وَهَذَا يَعُمُّ جَمِيعَ مَنْ هُوَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ .
فَالْبَيِّنَةُ الْعِلْمُ النَّافِعُ وَالشَّاهِدُ الَّذِي يَتْلُوهُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ وَذَلِكَ يَتَنَاوَلُ الرَّسُولَ وَمَنْ اتَّبَعَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَإِنَّ الرَّسُولَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَمُتَّبِعِيهِ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ ."

وهنا نسأل : إذا كان الشاهد هو العمل الصالح ، فعلى من يعود الضمير في قوله "منه" ؟
وأظن الجواب سيكون : الضمير يعود على المؤمن. أي عمله الصالح صادر منه شاهداً على أنه على بينه.
وإذا كان الجواب صحيحاً ، فنقول : ما وجه عطف قوله تعالى : وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً عليه؟


ثم قال رحمه الله تعالى في الصفحة 64 :
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 15 / ص 64)
ثُمَّ قَالَ : { وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ } وَالضَّمِيرُ فِي ( مِنْهُ )عَائِدٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَيْ : وَيَتْلُو هَذَا الَّذِي هُوَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ شَاهِدٌ مِنْ اللَّهِ وَالشَّاهِدُ مِنْ اللَّهِ كَمَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا الْمَذْكُورَةَ مِنْ اللَّهِ أَيْضًا .

ثم قال رحمه الله تعالى:
( ويتلوه) معناه يتبعه.
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 15 / ص 70)

ثم قال رحمه الله تعالى:
فتبين أن قوله : { أفمن كان على بينة من ربه } يعني هدى الإيمان ( ويتلوه شاهد منه ) أي من الله يعني القرآن شاهد من الله يوافق الإيمان ويتبعه وقال : ( يتلوه ) لأن الإيمان هو المقصود ؛ لأنه إنما يراد بإنزال القرآن الإيمان وزيادته .
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 15 / ص 71)


ثم قال رحمه الله تعالى:
ولهذا جعل الإيمان " بينة " وجعل القرآن شاهدا ؛ لأن البينة من البيان و " البينة " هي السبيل البينة وهي الطريق البينة الواضحة وهي أيضا ما يبين بها الحق فهي بينة في نفسها مبينة لغيرها.
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 15 / ص 72 )

ثم قال رحمه الله تعالى:
فالقرآن وافق الإيمان والآيات المستقبلة وافقت القرآن والإيمان ؛ ولهذا قال : { ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة } فقوله : { ومن قبله } يعود الضمير إلى الشاهد الذي هو القرآن كما قال تعالى : { قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله } الآية ثم قال : { ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة } الآية . فقوله { ومن قبله } الضمير يعود إلى القرآن أي : من قبل القرآن كما قاله ابن زيد . وقيل : يعود إلى الرسول كما قاله مجاهد وهما متلازمان . وقوله : { ومن قبله كتاب موسى } فيه وجهان قيل : هو عطف مفرد وقيل : عطف جملة . قيل المعنى { ويتلوه شاهد منه } "ويتلوه أيضا من قبله كتاب موسى فإنه شاهد بمثل ما شهد به القرآن وهو شاهد من الله وقيل : { ومن قبله كتاب موسى } جملة ؛ ولكن مضمون الجملة فيها تصديق القرآن كما قال في الأحقاف ."

وقوله تعالى { أولئك يؤمنون به } يدل على أن قوله : { أفمن كان على بينة من ربه } تتناول المؤمنين فإنهم آمنوا بالكتاب الأول والآخر كما تتناول النبي صلى الله عليه وسلم وأولئك يعود إليهم الضمير فإنهم مؤمنون به بالشاهد من الله فالإيمان به إيمان بالرسول والكتاب الذي قبله .
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 15 / ص 74 )

ثم قال رحمه الله تعالى:
ثم قال : ( ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده ).......
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 15 / ص 75 )

ثم أورد حديث عن الإمام أحمد رحمه الله يستشهد به على أن المراد بالأحزاب الملل كلها.
ولكنه لم يذكر على ما يعود الضمير في قوله" ومن يكفر به"
ولكن يفهم من كلامه أنه يعود على الشاهد وهو : القرآن وكتاب موسى.


وفي الصفحة 77 قال رحمه الله:
"وهذه الآية تقتضي أن الضمير يعود إلى القرآن في قوله : { ومن يكفر به } وكذلك : { أولئك يؤمنون به } إنه القرآن ودليله قوله تعالى { فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك } وهذا هو القرآن بلا ريب وقد قيل : هو الخبر المذكور وهو أنه من يكفر به من الأحزاب وهذا أيضا هو القرآن فعلم أن المراد هو الإيمان بالقرآن والكفر به باتفاقهم وأنه من قال في أولئك إنهم غير من آمن بمحمد لم يتصور ما قال ."

إلى هنا نخلص من كلام بن تيمة رحمه الله :
أن "من" لفظ عام يدخل تحته كل مؤمن .
والبينة : هي الإيمان .
ويتلوه : يتبعه أي : الإيمان.
والشاهد : هو القرآن
"( ويتلوه شاهد منه ) أي من الله يعني القرآن شاهد من الله يوافق الإيمان ويتبعه"
( ومن قبله كتاب موسى) ويتلوه أيضا من قبله كتاب موسى فإنه شاهد بمثل ما شهد به القرآن وهو شاهد من الله.
أولئك يؤمنون به: أي المؤمنون الذين هم على بينة من ربهم يؤمنون بالقرآن وبكتاب موسى.

وبهذا يكون معنى الآية حسب تفسير شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:
"أفمن كان على بينة من ربه" أي كل مؤمن "ويتلوه شاهد منه" ويشهد على إيمانه القرآن من ربه " ومن قبله" شاهد أيضاً على إيمانه " كتاب موسى"
" أولئك " كل مؤمن " يؤمنون به" أي بالشاهد وهو القرآن وكتاب موسى.
"ومن يكفر به" أي من يكفر بالشاهد .

وهذا مخالف لتفسيره للآية في أول الفصل في صفحة 64.

هذا ما تيسر تلخيصا لكلام بن تيمه رحمه الله حيث حذفت استطراداته.
ويبقى إن شاء الله تعالى رده على الأقوال الأخرى ، لعل الله ييسر تلخيصها.
 
الموضوع قديم لكن أحببت أن أنقل كلام لشيخ الإسلام في كتابه النبوات
صفحة (١٧٧-١٧٨) للفائدة.

قال رحمه الله :
" وقوله { وشهد شاهد} ليس المقصود به شاهداً واحداً معيّنا. بل ولا يُحتمل كونه واحداً، وقول من قال أنه عبدالله بن سلام ليس بشيء، فإن هذه نزلت بمكة قبل أن يعرف بن سلام.
ولكن المقصود جنس الشاهد. كما تقول قام الدليل، وهو الشاهد الذي يجب تصديقه سواءً كان واحداً قد يقترن بخبره ما يدل على صدقه، أو كان عدداً يحصل بخبرهم العلم بما تقول، فإن خبرك بهذا صادق، وقوله {على مثله}، فإن الشاهد من بني إسرائيل على مثل القرآن ؛ وهو أن الله بعث بشراً ، وأنزل عليهم كتاباً أمر فيه بعباد الله وحده لا شريك له ، ونهى فيه عن عبادة ماسواه ، وأخبر فيه أنه خلق هذا العالم وحده وأمثال ذلك .
وقد ذكر في أول هذه السورة التوحيد . وبين أن المشركين ليس معهم على الشرك لا دليل عقلي ولا سمعي .............
"
إلى أن قال : " ومثل ذلك قوله {ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب}، فمن عنده علم الكتاب شهد بما في الكتاب الأول ، وهو يوجب تصديق الرسول لأنه يشهد بالمثل ، ويشهد أيضاً بالعين ، وكل من الشهادتين كافيه، فمتى ثبت الجنس ؛ عُلم قطعاً أن المعين منه "
 
للمفسرين أقوال في تفسير هذه الآية . يقول السيد طنطاوي (ت:1431هـ) : " وأقرب هذه الأقوال إلى الصواب أن يكون المقصود بقوله - تعالى - { أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ } الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأتباعه المؤمنون . وبقوله تعالى - { وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ } القرآن الكريم الذي أنزله الله - تعالى - على نبيه - صلى الله عليه وسلم - ليكون معجزة له شاهدة بصدقه .
والضمير فى قوله من ربه يعود إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وفى قوله { وَيَتْلُوهُ } يعود إلى القرآن الكريم ، وفى قوله { منه } يعود إلى الله - تعالى - .
وعلى هذا القول يكون المعنى : أفمن كان على حجة واضحة من عند ربه تهديه إلى الحق والصواب في كل أقواله وأفعاله ، وهو هذا الرسول الكريم وأتباعه ويؤيده ويقويه فى دعوته شاهد من ربه هو هذا القرآن الكريم المعجز لسائر البشر . .
أفمن كان هذا شأنه كمن ليس كذلك ؟
أو أفمن كان هذا شأنه كمن استحوذ عليه الشيطان فجعله لا يريد إلا الحياة الدنيا وزينتها ؟ كلا إنهما لا يستويان .
وشهادة القرآن الكريم بصدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - في دعوته ، تتجلى في إعجازه ، فقد تحدى النبي - صلى الله عليه وسلم - أعداءه أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا مع فصاحتهم وبلاغتهم ، فثبت بذلك أن هذا القرآن من عند الله - تعالى - .
وإنما جعلنا هذا القول أقرب الأقوال إلى الصواب ، لأنه هو الذي يتسق مع ما يفيده ظاهر الآية الكريمة ، ولأننا عندما نقرأ هذه السورة الكريمة وغيرها ، نجد الرسل الكرام كثيرا ما يؤكدون لأقوامهم - أنهم - أي الرسل على بينة من ربهم .
فهذا نوح - عليه السلام - يقول لقومه : {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ}[هود:28] . وهذا صالح - عليه السلام - يقول لقومه : { قَالَ ياقوم أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ على بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ الله إِنْ عَصَيْتُهُ ... }[هود:63] . وهذا شعيب - عليه السلام - يقول لقومه : { قَالَ ياقوم أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً ... }[هود:88] . وهكذا نجد كل نبي يؤكد لقومه أنه جاءهم على بينة من ربه وما دام الأمر كذلك فسيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو أفضل من جاء قومه على بينة من ربه ، والمؤمنون به - صلى الله عليه وسلم - يقتدون به في ذلك " .

والله أعلم وأحكم
 
لكن الشواهد لم تجتمع لنا كلها هنا، ومما غاب منها قوله تعالى:(أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُم)
فمن هنا للعموم وهي التي وردت أيضا في أول سورة هود الآية رقم17
أما الآيات التي استشهدت بها فهي مقول للأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- دون خلاف، وليس هو السياق في الآيتين في سورة هود وسورة محمد!
 
قال ابن كثير رحمه الله:
"أفمن كان على بينة من ربه" أي على بصيرة ويقين في أمر الله ودينه بما أنزل الله في كتابه من الهدى والعلم (((((((((( وبما جبله الله عليه من الفطرة المستقيمة )))))))) "كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم" أي ليس هذا كهذا كقوله تعالى "أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى" وكقوله تعالى "لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون".
انتهى كلامه.
وحمله رحمه الله المعنى هنا على ( ماجبله الله على الإنسان من الفطرة المستقيمة) حمل به المعنى أيضا في تفسير الآية 17 من سورة هود فقال رحمه الله:
يخبر تعالى عن حال المؤمنين الذين هم على فطرة الله تعالى التي فطر عليها عباده من الاعتراف له بأنه لا إله إلا هو كما قال تعالى { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا } الآية. وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟ " الحديث. وفي صحيح مسلم عن عياض بن حماد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يقول الله تعالى إني خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين، فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً " وفي المسند والسنن " كل مولود يولد على هذه الملة، حتى يعرب عنه لسانه " الحديث، فالمؤمن باق على هذه الفطرة، قوله { وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ } أي وجاءه شاهد من الله، وهو ما أوحاه إلى الأنبياء من الشرائع المطهرة المكملة المعظمة، المختتمة بشريعة محمد صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين. ولهذا قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وأبو العالية والضحاك وإبراهيم النخعي والسدي وغير واحد في قوله تعالى { وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ } إنه جبريل عليه السلام. وعن علي رضي الله عنه والحسن وقتادة هو محمد صلى الله عليه وسلم وكلاهما قريب في المعنى لأن كلاً من جبريل ومحمد صلوات الله عليهما، بلغ رسالة الله تعالى، فجبريل إلى محمد، ومحمد إلى الأمة، وقيل هو عليّ، وهو ضعيف لا يثبت له قائل، والأول والثاني هو الحق، وذلك أن المؤمن عنده من الفطرة ما يشهد للشريعة من حيث الجملة، والتفاصيل تؤخذ من الشريعة، والفطرة تصدقها وتؤمن بها، ولهذا قال تعالى { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ } وهو القرآن، بلغه جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبلغه النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى أمته، ثم قال تعالى { وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ } أي ومن قبل القرآن كتاب موسى، وهو التوراة { إَمَامًا وَرَحْمَةً } أي أنزله الله تعالى إلى تلك الأمة إماماً لهم، وقدوة يقتدون بها، ورحمة من الله بهم، فمن آمن بها حق الإيمان قاده ذلك إلى الإيمان بالقرآن، ولهذا قال تعالى { أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } ثم قال تعالى متوعداً لمن كذب بالقرآن أو بشيء منه { وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ ٱلأَحْزَابِ فَٱلنَّارُ مَوْعِدُهُ } أي ومن كفر بالقرآن من سائر أهل الأرض مشركهم وكافرهم، وأهل الكتاب وغيرهم من سائر طوائف بني آدم على اختلاف ألوانهم وأشكالهم وأجناسهم ممن بلغه القرآن كما قال تعالى { لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ }
الأنعام 19 وقال تعالى
{ قُلْ يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّى رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا }
الأعراف 58 وقال تعالى { وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ ٱلأَحْزَابِ فَٱلنَّارُ مَوْعِدُهُ }. وفي صحيح مسلم من حديث شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني، ثم لا يؤمن بي، إلا دخل النار " وقال أيوب السختياني عن سعيد بن جبير قال كنت لا أسمع بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم على وجهه، إلا وجدت مصداقه - أو قال تصديقه - في القرآن، فبلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، فلا يؤمن بي، إلا دخل النار " فجعلت أقول أين مصداقه في كتاب الله؟ قال وقلما سمعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وجدت له تصديقاً في القرآن، حتى وجدت هذه الآية { وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ ٱلاَْحْزَابِ فَٱلنَّارُ مَوْعِدُهُ } قال من الملل كلها. وقوله { فَلاَ تَكُ فِى مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ } الآية، أي القرآن حق من الله، لا مرية ولا شك فيه كما قال تعالى
{ الۤـمۤ تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ }
السجدة1-2 وقال تعالى
{ الۤمۤ ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ }
البقرة1-2 وقوله { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } كقوله تعالى
{ وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ }
يوسف 103 وقال تعالى
{ وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِى ٱلأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ }
الأنعام 116 وقال تعالى
{ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَٱتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }
سبأ 20.

انتهى كلامه.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
ندعوا الله ان يوفقنا وينورنا بأسرار القرآن وتدبر آياته
رحم الله علماء التفسير ونور الله صراطهم الى الجنة لما نورونا

دعونا نعود الى الموضوع الرئيسي لسورة هود وندعوا الله ان يوفقنا ويفتح علينا. آمين


ابتدأت السورة (الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)
تقرير مصدر الكتاب أنه من الله
والمضمون الاساسي للكتاب هوالدعوة الى التوحيد
الذي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم والرسل من قبله عليهم السلام

ألَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4
وهذه الآية شملت . اركان الرسالة

قالها نوح عليه السلام 24) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ

وقالها هود وصالح وشعيب وغيرهم
عليهم السلام

إذاً نجد الموضوع الرئيسي للسورة
1 - وحدة دعوة الانبياء الى التوحيد
2- وحدة موقف الاقوام لكل الرسل بالتكذيب والاستهزاء( قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ
3-تقرير نجاة المرسلين والمؤمنين وهلاك المكذبين (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102
4-وحدة التعبير في السورة لكل الرسل لما جاءهم من بينة من ربهم والمصدر هومن عند الله الذي يوحي اليهم عن طريق الوحي ) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63
فهو تعبير موحد لكل الرسل لعقيدة التوحيد ولصدق اتصالهم بربهم
وهذا التعبير ناسب سياق
الموضوع الرئيسي للسورة
فهذا تقرير بصدق اتصالهم بربهم عن طريق الوحي وأنهم على بينة من ربهم

نعود للآية أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ موسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (17)
أفمن كان على بينة من ربه
هو النبي محمدعليه الصلاة والسلام وكل مؤمن يتبعه
وهذه الآية ردٌ على استهزائهم بالقرآن قال تعالى( أم يقولون افتراه)
وألاحظ ( يتلوه) فعل مضارع حاضر
النبي حاضر بينهم يتلوه والوحي ينزل عليه وهو بينهم موجود معهم
وهذا تقرير بالتصديق عين اليقين

شاهد :القرآن
منه :الضمير عائد على لفظ الجلالةالله
(ومن قبله كتاب موسى إماماً ورحمة)

والسؤال لماذا خص الله كتاب موسى عليه السلام وسماه إمامًا ورحمة
فهو يشمل ويتضمن كل ماجاءت به الكتب وهو يًُصدق ماجاء به القرآن مطابقا ً للاصول العقائدية في التوحيد التي يقوم عليها التوحيد

(أولئك يؤمنون به )تشمل الصحابة رضوان الله عليهم ومن تبعهم
ثم جاء التهديد بالنار بعد كل تلك الشواهد لكل من يكفر به من شتى الفئات من المشركين

(فلاتك في مرية منه)
وماشك رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أوحي اليه وهو على بينة من ربه ولكن تثبيتٌ لفؤاد النبي عليه السلام بما يلاقيه من أذى المشركين الذي اشتد عليه في عام الحزن بعد ان فقد عمه ابا طالب وزوجه خديجة رضي الله عنها
48) تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ 49)

هذا والله أعلم واستغفر الله العظيم
اردت بعون الله المشاركة بتدبر آيات الكتاب الذي لاتنتهي عجائبه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
 
"أَفَمَنْ كَانَ (إشارة لكل من اتبع النبي صلى الله عليه وسلم من المؤمنين ) عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ (متبعاً لهدي القرآن الكريم ) وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ(الشاهد الذي يتلوا القرآن أي يتبعه ويقرأه هو محمد صلى الله عليه وسلم ) مِنْهُ (منه يعود على "ربه"شاهد مرسل من ربه) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى (من قبل البينة التي هم عليها بينة سابقة) إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ (تعود على المشار إليهم في قوله أفمن كان على بينة من ربه وهم المؤمنون أتباع النبي صلى الله عليه وسلمالذين يؤمنون بما نزل على محمد وعلى موسى عليهما السلام) وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ (يا محمد ) فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ (شكِّ من القرآن) إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ" (هود: 17)

أي كيف لهم أن يكفروا بما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم وقد اتبعه المؤمنون به بينةً وبرهاناً صادقاً على إتيانه من الله ويتبعه شاهد كلفه الله بالنبوة والشهادة البشارة وهو محمد صلى الله عليه وسلم (
إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً) ومن قبل هذه البينةِ بينةً أخرى وهي شريعة موسى إماماً يؤتم به ورحمة على متبعيه وأتباع محمد المذكورون مؤمنون به أيضاً ، ومن يكفر بالقرآن (البينة) فالنار موعده ، فلا تك في شك من حقيقته فهو حق من الله تعالى ولكن أكثر الناس لا يؤمنون.والله أعلى وأعلم
 
أخي عدنان
أوردتُ كلامَ ابن كثير رحمه الله لتدارسه، فهل من إسهام من جانبك أو من جانب الشيخ عبدالكريم الذي كثيرا ما استفدنا من إسهامته.
وطبعا ليس المقصود بتدارس كلام ابن كثير تصويبه أو تخطأته رحمه الله، إنما بيان ماغمض من كلامه وبيان وجه مفارقته لكلام غيره من المفسرين رحمهم الله جميعا، وإن فتح الله على أحد من المساهمين بأن يظهر له ترجيح بين الأقوال يعضده بالدليل تعاظمت الفائدة من هذه المدارسة.
 
بسم1​
قال تعالي{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14) مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16) أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (17)} هذه الآيات هي التي تبين السياق الذي تقع فيه الآية(17) موضع البحث وبيان مدى تكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظم البينة من قبل الله عز وجل وهي تتجلى في عظيم التحدي في قوله تعالى { قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) } و قوله تعالى{فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14} فالبينة هي أن القرآن ليس من كلام البشر و أنه أوحي بعلم الله إلي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأن الله هو الواحد الأحد ويدل على هذا أيضا من سورة البينة قوله تعالى {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً } فبالرجوع الى قوله تعالى {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (17)} {أفمن} هي لعموم المؤمنين من اهل الكتاب من اليهود والنصارى لأنهم هم الذين كانوا على بينة سابقة من ربهم و التحدي في القرآن كان موجه وقتها للأميين وأهل الكتاب يقول إبن القيم القرآن العظيم إجتمع فيه ما لم يجتمع في غيره فإنه الدعوة والحجة وهو الدليل والمدلول عليه وهو الشاهد والمشهود له وهو الدعوة والبينة قال تعالى {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43)} فاستشهد على رسالته بشهادة الله له ولابد أن تُعلم هذه الشهادة وتقوم بها الحجة على المكذبين له قال تعالى{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (28) } فيظهره ظهورين :ظهور بالحجة والبيان والدلالة وظهوراً بالنظر والغلبة والتأييد إنتهى كلامه.
فأما ما يدل على الحجة والبينة فإنه تجلى في عجز كل من حاول أن يعارض هذا القرآن من إنس وجن إلى قيام الساعة ودل على ذلك قوله تعالى { فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14} وأما ما يدل على الغلبة والتأييد وبيان حال من ينصر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ويؤيده بشاهد منه أي من كتبه السابقة للقرآن الكريم وحال غيرهم ممن كفر بما هو بينة جلية واضحة قوله تعالى { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (17)} فالبينة من الله هي القرآن المعجز الذي برهن علي وحدانية الله ووصدق رسوله محمد صلي الله عليه وسلم وهي باختصار لا إله إلا الله محمد رسول الله والقرآن شاهد شهد لما قبله من كتب قال تعالي{نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) }ومشهود له من قبل التوراة والإنجيل ويدل عليه قوله تعالي{وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ }ونظيره قوله تعالي{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ }وعلي هذا يكون الإيمان {ويتلوه} علي معنيين يتبعه من التلو أو يقرأه من التلاوة والشاهد الإنجيل والضمير في منه عائد علي الله عز وجل {وَمِنْ قَبْلِهِ }أي من قبل الإنجيل التوراه شاهد آخر علي البينة وعلي هذا يتحقق الإيمان مرتين لأهل الكتاب الأولي من كتبهم والثانية من القرآن وعلي هذا يكون الأجر نتيجة للتأييد وحسن الاتباع قال تعالي{لَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (54) }وقال تعالي{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ }فالبينة يقرأها الإنجيل ومن قبل الإنجيل تقرأها التوراة هذا علي معني التلاوة والبينة يتلوها شاهد لها الإنجيل ومن قبل الإنجيل التوراة شاهد كذلك هذا علي معني التلو.هذا والله أعلم
 
وهذا ملخصُ اجتهادي في جمْعِ الأقوالِ، وقدْ أخذتُ أكثرَهُ منَ القرطبي [هنـا]:
___​
{ أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ } (هود 17).
___​
أَفَمَنْ كَانَ: المؤمنون بصدق نبوةِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم من الصحابةِ وغيرهِمْ ممّن قبل محمدٍ صلى الله عليه وسلم أو بعده.
عَلَى بَيِّنَةٍ:
القرآن.
مِنْ رَبِّهِ
: الله عز وجل.
وَيَتْلُوهُ: القرآن.
شَاهِدٌ:
جبريل عليه السلام.
مِنْهُ
: من ربِّهِ عز وجل.
وَمِنْ قَبْلِهِ: من قبل القرآن (الذي هو البينة).
كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً: التوراة.
أُولَئِكَ: إضافةً إلى كل منْ آمنَ، فيهِ إشارةٌ إلى بني إسْرائِيلَ.
يُؤْمِنُونَ بِهِ: أي يؤمنون بما في التوراة من البشارة بالنَّبِي صلى الله عليه وسلم.
وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ: بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو بالقرآن.
مِنَ الْأَحْزَابِ: من الملل كلِّها.
فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ.
فَلَا تَكُ:يا مُحَمَّدُ صلى الله عليه وسلم.
فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ:
من القُرْآنِ.
إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ: وقدْ تعود هاءُ {إِنَّـــهُ}على كلِّ ما سبقَ، مصداقهُ حديثُ البخاريِّ رحمه الله عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ: "اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الْحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ مَلِكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكَ الْحَمْدُ:
أَنْتَ الْحَقُّ
وَوَعْدُكَ الْحَقُّ
وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ
وَقَوْلُكَ حَقٌّ
وَالْجَنَّةُ حَقٌّ
وَالنَّارُ حَقٌّ
وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ
وَمُحَمَّدٌ
صلى الله عليه وسلم حَقٌّ
وَالسَّاعَةُ حَقٌّ
اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ وَبِكَ خَاصَمْتُ وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَوْ لَا إِلَهَ غَيْرُكَ"
.

___

فالآية فيها أركان الإيمانِ:
الله عز وجل، وأخَصُّ ملائكتِه (جبريل عليه السلام)، وأخصُّ كُتبهِ (القرآن والتوراة)، وأخصُّ رُسلِه (محمد وموسى عليهما السلام)، وأخصُّ الدّارينِ في الآخرة (النّار أعاذنا الله منها).

واستوفتْ هذه الآيَةُ ذكْرَ المؤمنينَ جميعًا، سواءً قبل البعثة المحمديّة، أم في هذه الأمَّة منْ أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم وسواءً كانوا كتابيين أم لا.
واستوفتْ أيضًا ذكْرَ الكفارِ في كلِّ المللِ، سواءً كانوا قبل البعثة المحمديّة أم بعدها.

بلْ فيها أيضا أَخَصُّ ما في كلِّ مذكورٍ:
- لر
فعة الشأنِ، كالشهادة لجبريلَ عليه السلام، والبيِّنة والبشارةِ للنبي صلى الله عليه وسلم وكتابهِ، والإمامةِ والرحمةِ لموسىعليه السلام وكتَابهِ، وإيمانِ أتباعِهما وكونهم قلةً صَفْوَة.
- أو لدنوِّ المنزلة: كالكفر والتحزُّبِ في الكفَّار، والنارِ لموعدهم، وقلّة الإيمانِ في أكثر الناسِ.
فتأمَّلْه.


___
والله أعلم.


 
بسم1
يقول صاحب المنار البينة هي للرسول في قوله تعالي{إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} وهي للناس في قوله تعالي{قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} فالأولي ما علم به هو أنه رسول من ربه بوحيه إليه وبإظهاره علي ماشاء من رؤية ملك الوحي وغيره من عالم الغيب والثانية ماآتاه من الحجة العقلية علي قومه كما في قوله تعالي {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} أو ماآتاه الله عز وجل من آية كونية تستخذي لها أنفسهم وتنقطع بها مكابرتهم انتهي كلامه.
والقول بأن جبريل عليه السلام شاهد هو قول بن عباس والنخعي ومجاهد والضحاك وابو صالح وعكرمة وقال الحسن بن علي هو محمد صلى الله عليه وسلم وهذا القول متضمن في البينة بموجب قوله تعالى {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} وإنزال القرآن كان وحياً عن طريق جبريل عليه السلام وبلغه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الى الأمة كما فعل مع باقي الرسل وهي بينة لسيدنا محمد صلي الله عليه وسلم والسياق أن يكون سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مشهود له لا شاهد لأن أهل الشرك كذبوه قال تعالي{لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} وقال تعالي{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا }والآية تبين شهادة من الله عز وجل لرسوله صلي الله عليه وسلم بأنه شاهد وشهد الله لرسوله صلي الله عليه وسلم أيضا بحسم التحدي في معارضة القرآن أمام أهل البلاغة والفصاحة بقوله تعالي{ولن تفعلوا} فكيف يفعله رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو أمي فقامت الحجة والبينة فمن كان عليها آمن وشهد بذلك من كتابه إن كان من أهل الكتاب وإن كان من الأميين إزداد يقينا بشهادة الشهود وهذا حال من كان من حزب الله وعلي فطرته وأما حال غيرهم ممن عرف البينة وكفر بها طلبا للدنيا فالنار موعده والمعنى على هذا يجعل دائرة المؤمنين تتسع يوما بعد يوم بأتباعهم من الملل الأخرى مؤيدين دين الاسلام من خلال كتبهم والآية تبشر بذلك من خلال المضارعة في يتلوه ويؤمنون وبهذا يستقيم المعنى على قول بن عاشور رحمه الله هذا والله أعلم
 
بسم1
وبالرغم من التدليل علي صحة ماذهب إليه ابن عاشور رحمه الله إلا أن هناك ما يمكن التدليل علي صحته في هذه المسألة أيضا نظرا لتعدد الضمائر وتنكير الشاهد فهو يسمح بتنوع الشهود فلا يتحدد الشاهد علي قول الفراء بأنه الإنجيل وبالتالي تتسع دائرة المؤمنين بالبينة فلا تقتصر علي أهل الكتاب وعلي قول علي ابن أبي طالب والحسن وقتاده ومجاهد والضحاك وابن عباس {أفمن} تدل عموم المؤمنين ورسول الله صلي الله عليه وسلم انتهي كلامهم.
فلو قلنا بعود الضمير في{من قبله} علي البينة فيكون الذي قبل البينة كتاب موسي حال كونه إماما ورحمة والذي بعدها هو جنس الشاهد فنري البينة يحيطها الشهود في هذه القضية الهامة فكتاب موسي يشهد بأن رسول الله صلي الله عليه وسلم ليس بدعا من الرسل ويبشر به ويلي البينة الشاهد من الله فقد يكون الإنجيل كما أسلفنا وقد يكون الإعجاز البياني للقرآن أوالفطرة وهو قول السعدي رحمه الله ويمكن الرجوع إلي ابن عطية رحمه الله فقد توسع في هذه المسأله .
وأود أن أضيف شاهد من الله علي البينة وهو مايسمي بالإعجاز العلمي للقرآن وذلك يكون بالنظر والبحث في كون الله الفسيح وفي أنفسنا فنجد آيات الله الكونية تصدق ماجاء به النبي الأمي في كتاب الله قال تعالي{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}ولهذا تم تنكير الشاهد ليكون شاهدا من الله في كل عصر ويشهد للبينة ماهو ثابت قبلها من كتب الله عز وجل وما هو متغير بعدها إلي قيام الساعة . هذا والله أعلم
 
بسم1
من تفسير الثعالبي رحمه الله قال :والراجحُ عندِي مِنَ الأقوال في هذه الآية : أَنْ يكون «أَفَمَن» للمؤمنين ، أوْ لهم وللنبيِّ صلى الله عليه وسلم معهم ، وال { بَيِّنَةً } : القرآن وما تضمَّن ، وال { شَاهِدٌ } : الإِنجيلُ ، يريد : أَو إِعجاز القرآن في قولٍ ، والضميرُ في «يتلوه» للبيِّنة ، وفي «منه» للربِّ ، والضميرُ في «قبله» للبينة أيضاً ، وغير هذا مما ذُكِرَ محتملٌ ، فإِن قيل : إِذا كان الضمير في «قَبْله» عائداً على القُرْآنِ ، فَلِمَ لَمْ يذْكَر الإِنجيل ، وهوَ قبله ، وبَيْنَه وبَيْن كتاب موسَى؟ ، فالجوابُ : أنه خَصَّ التوراة بالذكْرِ؛ لأنه مجمَعٌ عليه ، والإِنجيل ليس كذلك انتهى كلامه
ومن تفسير أبي السعود قال: ولما كان المرادُ بتلوّ الشاهدِ للبرهان إقامةَ الشهادة بصحته وكونِه من عند الله تابعاً له بحيث لا يفارقه في مشهد من المشاهد فإن القرآنَ بيِّنةٌ باقيةٌ على وجه الدهرِ مع شاهدها الذي يشهد بأمرها إلى يوم القيامةِ عند كلِّ مؤمنٍ وجاحدٍ عُطف كتابُ موسى في قوله عز قائلاً : { وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ موسى } على فاعله مع كونه مقدَّماً عليه في النزول فكأنه قيل : أفمن كان على بينةٍ من ربه ويشَهد به شاهدٌ منه وشاهدٌ آخرُ مِنْ قبله هو كتابُ موسى ، وإنما قُدّم في الذكر المؤخَّرِ في النزول لكونه وصفاً لازماً له غيرَ مفارِقٍ عنه ولعراقته في وصف التلوِّ ، والتنكيرُ في ( بينةٍ ) و ( شاهدٌ ) للتفخيم { إِمَاماً } أي مؤتماً به في الدين ومقتدىً ، وفي التعرض لهذا الوصفِ بصدد بيانِ تلوِّ الكتابِ ما لا يخفى من تفخيم شأنِ المَتْلوِّ { وَرَحْمَةً } أي نعمةً عظيمة على من أُنزل إليهم ومَنْ بعدهم إلى يوم القيامة باعتبار أحكامِه الباقيةِ المؤيَّدةِ بالقرآن العظيمِ وهما حالان من الكتاب .انتهى كلامه
قال تعالى{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ }وبالنظر في الآية نجد انحصار البينة وهي إثبات صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم في أنه مرسل من ربه بالقرآن بين شهادة الله عز وجل وبين من عنده علم الكتاب وجعل فيها الكفاية ويؤيد ذلك أيضا قوله تعالى{قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ }
قال الآلوسي رحمه الله : وَيَتْلُوهُ أي يتبعه شاهِدٌ عظيم يشهد بكونه من عند الله تعالى شأنه وهو- كما قال الحسين بن الفضل- الإعجاز في نظمه، ومعنى كون ذلك تابعا له أنه وصف له لا ينفك عنه حتى يرث الله تعالى الأرض ومن عليها وقال أيضا القرآن ليس كله شاهد انتهى كلامه.
ولما تحدد الشاهد إعجاز القرآن وجب أن يكون الشاهد الآخر من أهل الكتاب لأنهم أصحاب بينة أولى
من التوراة والإنجيل ويتمثل ذلك في قوله تعالى{وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً }وكتاب موسى عليه السلام تعلمه عيسى عليه السلام قال تعالى{وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ}والمضمون واحد من حيث التبشير بمحمد صلي الله عليه وسلم وعبادة إله واحد قال تعالى{إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} وعلى هذا يشهد للبينة من عنده علم الكتاب قبلها و أكبر شهادة بعدها من الله عز وجل وهي متمثله في إعجاز القرآن وهي شهادة متجددة إلى قيام الساعة وتدل المضارعة في{يتلوه} على ذلك يقول ابن القيم في كل وقت يحدث من الآيات مايدل علي صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم والتفسير على هذا النحو أشمل في المعنى فهو يتضمن ماذهب إليه ابن عاشور رحمه الله بأدلته ويفسح الطريق لحضور الشاهد من الله في كل وقت مؤيدا للبينة .هذا والله أعلم
 
بسم1
بقيت مسألة وهي كون كتاب موسي عليه السلام شاهد حال كونه إماما تجعلنا نسأل هل تغيرت هذه الحال؟ فلم يبقي كتاب موسي عليه السلام إماما فالإجابة نعم بعد التحريف وقتل الأنبياء فقد غابت الرحمة وضل العباد بعد ضياع المنهج والسؤال الثاني هل كان كتاب موسي عليه السلام مأموما؟فالإجابة نعم في عهد عيسي عليه السلام قال تعالي{ قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا}قال تعالي{وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ}فقد تعلم عيسي عليه السلام التوراة دون تحريف ولاشك كانت مشتملة علي الرحمة قال تعالي{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}قال تعالي{ وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ}فكانت الرحمة علي الرحمة قال تعالي{ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً}والعطف يؤكد علي التغاير في الحالين .فكتاب موسي عليه السلام شاهد حال كونه إماما يغاير كتاب موسي عليه السلام حال كونه رحمة فدلت الحال الأولي علي عهد موسي عليه السلام (التوراة)ودلت الحال الثانية علي عهد عيسي عليه السلام(الإنجيل) ودل العطف علي الترتيب
هذا والله أعلم
 
بسم1
وعلي هذا تكون الشهادة للبينة من التوراة ثم الإنجيل من قبلها ومن بعدها إعجاز القرآن الملازم له بكل صُوَرِهِ المتجددة مع الزمن هذا والله أعلم​
 
عودة
أعلى