وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعَقلَ ...... وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ

قال في إغاثة اللهفان :
كان عمر رضى الله تعالى عنه يهم بالأمر ويعزم عليه، فإذا قيل له: لم يفعله رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم انتهى.
 
قوله تعالى :{ وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68) وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (69)}
قال في فتح القدير :
أَمَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ أَهْلِ الْمَجَالِسِ الَّتِي يُسْتَهَانُ فِيهَا بِآيَاتِ اللَّهِ إِلَى غَايَةٍ هِيَ الْخَوْضُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ.
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ مَوْعِظَةٌ عَظِيمَةٌ لِمَنْ يَتَسَمَّحُ بِمُجَالَسَةِ الْمُبْتَدِعَةِ الَّذِينَ يُحَرِّفُونَ كَلَامَ اللَّهِ وَيَتَلَاعَبُونَ بِكِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، وَيَرُدُّونَ ذَلِكَ إِلَى أَهْوَائِهِمُ الْمُضِلَّةِ وَبِدَعِهِمُ الْفَاسِدَةِ، فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ وَيُغَيِّرْ مَا هُمْ فِيهِ فَأَقَلُّ الْأَحْوَالِ أَنْ يَتْرُكَ مُجَالَسَتَهُمْ، وَذَلِكَ يَسِيرٌ عَلَيْهِ غَيْرُ عَسِيرٍ. وَقَدْ يَجْعَلُونَ حُضُورَهُ مَعَهُمْ مَعَ تَنَزُّهِهِ عَمَّا يَتَلَبَّسُونَ بِهِ شُبْهَةً يُشَبِّهُونَ بِهَا عَلَى الْعَامَّةِ، فَيَكُونُ فِي حُضُورِهِ مَفْسَدَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى مُجَرَّدِ سَمَاعِ الْمُنْكَرِ.
وَقَدْ شَاهَدْنَا مِنْ هَذِهِ الْمَجَالِسِ الْمَلْعُونَةِ مَا لَا يَأْتِي عَلَيْهِ الْحَصْرُ، وَقُمْنَا فِي نُصْرَةِ الْحَقِّ وَدَفْعِ الْبَاطِلِ بِمَا قَدَرْنَا عَلَيْهِ، وَبَلَغَتْ إِلَيْهِ طَاقَتُنَا، وَمَنْ عَرَفَ هَذِهِ الشَّرِيعَةَ الْمُطَهَّرَةَ حَقَّ مَعْرِفَتِهَا عَلِمَ أَنْ مُجَالَسَةَ أَهْلِ الْبِدَعِ الْمُضِلَّةِ فِيهَا مِنَ الْمَفْسَدَةِ أَضْعَافُ أَضْعَافِ مَا فِي مُجَالَسَةِ مَنْ يَعْصِي اللَّهَ بِفِعْلِ شَيْءٍ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ، وَلَا سِيَّمَا لِمَنْ كَانَ غَيْرَ رَاسِخِ الْقَدَمِ فِي عِلْمِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. فَإِنَّهُ رُبَّمَا يَتَّفِقُ عَلَيْهِ مِنْ كَذِبَاتِهِمْ وَهَذَيَانِهِمْ مَا هُوَ مِنَ الْبُطْلَانِ بِأَوْضَحِ مَكَانٍ، فَيَنْقَدِحُ فِي قَلْبِهِ، مَا يَصْعُبُ عِلَاجُهُ وَيَعْسُرُ دَفْعُهُ فَيَعْمَلُ بِذَلِكَ مُدَّةَ عُمْرِهِ وَيَلْقَى اللَّهَ بِهِ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ من الحق وهو الْبَاطِلِ وَأَنْكَرِ الْمُنْكَرِ.
 
قال شيخ الإسلام رحمه الله في درء تعارض العقل والنقل:
وأما أهل البدع المخالفة للكتاب والسنة فهم: إما في الجهل البسيط، وإما في الجهل المركب، كالكفار، فالأولون: { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ } .
والآخرون: { كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) } .
فأهل الجهل والكفر البسيط لا يعرفون الحق ولا ينصرونه، وأهل الجهل والكفر المركب يعتقدون أنهم عرفوا وعلموا، والذي معهم ليس لعلم بل جهل.
 
قال شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى :
وَكُلُّ مَنْ خَالَفَ الرَّسُولَ لَا يَخْرُجُ عَنْ الظَّنِّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ مَا قَالَهُ وَلَهُ فِيهِ حُجَّةٌ يَسْتَدِلُّ بِهَا كَانَ غَايَتَهُ الظَّنَّ الَّذِي لَا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا كَاحْتِجَاجِهِمْ بِقِيَاسِ فَاسِدٍ أَوْ نَقْلٍ كَاذِبٍ أَوْ خِطَابٍ أُلْقِيَ إلَيْهِمْ اعْتَقَدُوا أَنَّهُ مِنْ اللَّهِ وَكَانَ مِنْ إلْقَاءِ الشَّيْطَانِ . وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ هِيَ عُمْدَةُ مَنْ يُخَالِفُ السُّنَّةَ بِمَا يَرَاهُ حُجَّةً وَدَلِيلًا أَمَّا أَنْ يَحْتَجَّ بِأَدِلَّةِ عَقْلِيَّةٍ وَيَظُنَّهَا بُرْهَانًا وَأَدِلَّةً قَطْعِيَّةً وَتَكُونَ شُبُهَاتٍ فَاسِدَةً مُرَكَّبَةً مِنْ أَلْفَاظٍ مُجْمَلَةٍ وَمَعَانٍ مُتَشَابِهَةٍ لَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ حَقِّهَا وَبَاطِلِهَا كَمَا يُوجَدُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ مَا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ إنَّمَا يُرَكِّبُ حُجَجَهُ مِنْ أَلْفَاظٍ مُتَشَابِهَةٍ فَإِذَا وَقَعَ الِاسْتِفْسَارُ وَالتَّفْصِيلُ تَبَيَّنَ الْحَقُّ مِنْ الْبَاطِلِ وَهَذِهِ هِيَ الْحُجَجُ الْعَقْلِيَّةُ وَإِنْ تَمَسَّكَ الْمُبْطِلُ بِحُجَجِ سَمْعِيَّةٍ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ كَذِبًا عَلَى الرَّسُولِ أَوْ تَكُونَ غَيْرَ دَالَّةٍ عَلَى مَا احْتَجَّ بِهَا أَهْلُ الْبُطُولِ فَالْمَنْعُ إمَّا فِي الْإِسْنَادِ وَأَمَّا فِي الْمَتْنِ وَدَلَالَتِهِ عَلَى مَا ذَكَرَ وَهَذِهِ الْحُجَّةُ السَّمْعِيَّةُ هَذِهِ حُجَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ الظَّاهِرِ .
 
قوله تعالى :{ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23)}
قال في التحرير والتنوير :
وَهَذِهِ الْآيَةُ أَصْلٌ فِي التَّحْذِيرِ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْهَوَى الْبَاعِثَ لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَعْمَالِهِمْ وَيَتْرُكُوا اتِّبَاعَ أَدِلَّةِ الْحَقِّ، فَإِذَا كَانَ الْحَقُّ مَحْبُوبًا لِأَحَدٍ فَذَلِكَ مِنَ التَّخَلُّقِ بِمَحَبَّةِ الْحَقِّ تَبَعًا لِلدَّلِيلِ مِثْلَ مَا يَهْوَى الْمُؤْمِنُ الصَّلَاةَ وَالْجَمَاعَةَ وَقِيَامَ رَمَضَانَ وَتِلَاوَةَ الْقُرْآنِ . وَفِي الْحَدِيثِ «أَرِحْنَا بِهَا يَا بِلَالُ»يَعْنِي الْإِقَامَةَ لِلصَّلَاةِ.
وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ «إِذَا أَصْبَحَ الرَّجُلُ اجْتَمَعَ هَوَاهُ وَعَمَلُهُ وَعِلْمُهُ فَإِنْ كَانَ عَمَلُهُ تَبَعًا لِهَوَاهُ فَيَوْمُهُ يَوْمُ سُوءٍ وَإِنْ كَانَ عَمَلُهُ تَبَعًا لِعِلْمِهِ فَيَوْمُهُ يَوْمٌ صَالِحٌ» .
وَأَمَّا اتِّبَاعُ الْأَمْرِ الْمَحْبُوبِ لِإِرْضَاءِ النَّفْسِ دُونَ نَظَرٍ فِي صَلَاحِهِ أَوْ فَسَادِهِ فَذَلِكَ سَبَبُ الضَّلَالِ وَسُوءِ السِّيرَةِ.
 
قال ابن القيم رحمه الله في إعلام المُوقعين:
قَالَ اللَّهُ: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص: 50]
فَقَسَّمَ الْأَمْرَ إلَى أَمْرَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا، إمَّا الِاسْتِجَابَةُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ وَمَا جَاءَ بِهِ، وَإِمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى، فَكُلُّ مَا لَمْ يَأْتِ بِهِ الرَّسُولُ فَهُوَ مِنْ الْهَوَى.

وَقَالَ تَعَالَى: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: 26]
فَقَسَّمَ سُبْحَانَهُ طَرِيقَ الْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ إلَى الْحَقِّ وَهُوَ الْوَحْيُ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ، وَإِلَى الْهَوَى وَهُوَ مَا خَالَفَهُ.

وَقَالَ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الجاثية: 18] {إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} [الجاثية: 19] فَقَسَّمَ الْأَمْرَ بَيْنَ الشَّرِيعَةِ الَّتِي جَعَلَهُ هُوَ سُبْحَانَهُ عَلَيْهَا وَأَوْحَى إلَيْهِ الْعَمَلَ بِهَا وَأَمَرَ الْأُمَّةَ بِهَا وَبَيَّنَ اتِّبَاعَ أَهْوَاءِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ؛ فَأَمَرَ بِالْأَوَّلِ، وَنَهَى عَنْ الثَّانِي.
وَقَالَ تَعَالَى {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 3]
فَأَمَرَ بِاتِّبَاعِ الْمُنَزَّلِ مِنْهُ خَاصَّةً: وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ اتَّبَعَ غَيْرَهُ فَقَدْ اتَّبَعَ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ.
 
إمَّا الِاسْتِجَابَةُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ وَمَا جَاءَ بِهِ، وَإِمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى، فَكُلُّ مَا لَمْ يَأْتِ بِهِ الرَّسُولُ فَهُوَ مِنْ الْهَوَى.

والرسول صلى الله عليه وسلم لم يبطل 300 آية وحكم من أحكام الله ومصداقا لهذا القول فابطال أحكام الله باسم النسخ هو الهوى ومشاقّة رسول الله فيما أوحي إليه.

فَأَمَرَ بِاتِّبَاعِ الْمُنَزَّلِ مِنْهُ خَاصَّةً: وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ اتَّبَعَ غَيْرَهُ فَقَدْ اتَّبَعَ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ.

فمن اتبع احاديث ومرويات ضعيفة لا تتصل بالمعصوم اتباع لغير المنزل ، بل وابطال لليقيني المنزل بالظني المضطرب واتخاذ لمبطلي أحكام الله أولياء من دون الله وهو صاحب الأمر.
 
قال شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى :
وَكُلُّ مَنْ خَالَفَ الرَّسُولَ لَا يَخْرُجُ عَنْ الظَّنِّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ مَا قَالَهُ وَلَهُ فِيهِ حُجَّةٌ يَسْتَدِلُّ بِهَا كَانَ غَايَتَهُ الظَّنَّ الَّذِي لَا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا كَاحْتِجَاجِهِمْ بِقِيَاسِ فَاسِدٍ أَوْ نَقْلٍ كَاذِبٍ أَوْ خِطَابٍ أُلْقِيَ إلَيْهِمْ اعْتَقَدُوا أَنَّهُ مِنْ اللَّهِ وَكَانَ مِنْ إلْقَاءِ الشَّيْطَانِ .

صدق شيخ الإسلام رحمه الله فيما قال ، وإبطال أحكام الله "ظن" لا يغني عن الحق شيئاً ، وطبقاً لقول ابن تيمية رحمه الله فنستطيع تطبيق قوله بحذافيره حرفياً على إبطال أحكام الله بادعاء نسخ الرسم وابطاله وقد اقر ثلاثة شهود عدول بأن ذلك من باب الظن وليس من اليقين في شيء :
يقول الزركشي رحمه الله في البرهان ناقلاً عن ابن عقيل في كتاب الفنون بشأن الحكمة من نسخ التلاوة وبقاء الحكم : "إنما كان كذلك ليظهر به مقدار طاعة هذه الأمة في المسارعة إلى بذل النفوس بطريق الظن من غير استفصال لطلب طريق مقطوع به، فيسرعون بأيسر شيء، كما سارع الخليل إلى ذبح ولده بمنام، والمنام أدنى طرق الوحي).انتهى كلامه ،وقد نقله عنه أيضاً السيوطي رحمه الله.

ولعمري إن هذا إلقاء الشيطان إذ يدعى أن الله أنزل رسماً ثم رفعه وأبقى حكمه وعندما تعود إليه تجد أحدث العجم تعلماً للعربية ينظم أحسن مما في دعوى الشيخ والشيخة والتي تضاربت واختلفت الى 13 صيغة مختلفة متنافرة ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً.
{ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ } [الأنبياء:18]


شكراً أخي للاستدلالات الرائعة التي لو التفتَّ إليها لوجدتها ترد عليك وعلى من سلك سبيلك.
 
وقال ابن القيم رحمه الله :
الْمُتَعَصِّبُونَ عَكَسُوا الْقَضِيَّةَ :
وَأَمَّا الْمُتَعَصِّبُونَ فَإِنَّهُمْ عَكَسُوا الْقَضِيَّةَ، وَنَظَرُوا فِي السُّنَّةِ فَمَا وَافَقَ أَقْوَالَهُمْ مِنْهَا قَبِلُوهُ، وَمَا خَالَفَهَا تَحَيَّلُوا فِي رَدِّهِ أَوْ رَدِّ دَلَالَتِهِ، وَإِذَا جَاءَ نَظِيرُ ذَلِكَ أَوْ أَضْعَفُ مِنْهُ سَنَدًا وَدَلَالَةً وَكَانَ يُوَافِقُ قَوْلَهُمْ قَبِلُوهُ، وَلَمْ يَسْتَجِيزُوا رَدَّهُ، وَاعْتَرَضُوا بِهِ عَلَى مُنَازِعِيهِمْ، وَأَشَاحُوا وَقَرَّرُوا الِاحْتِجَاجَ بِذَلِكَ السَّنَدِ وَدَلَالَتِهِ، فَإِذَا جَاءَ ذَلِكَ السَّنَدُ بِعَيْنِهِ أَوْ أَقْوَى مِنْهُ، وَدَلَالَتُهُ كَدَلَالَةِ ذَلِكَ أَوْ أَقْوَى مِنْهُ فِي خِلَافِ قَوْلِهِمْ؛ دَفَعُوهُ وَلَمْ يَقْبَلُوهُ، .
وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ وَاصِلٍ أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حِينَ تَشَعَّبَتْ بِهِمْ السُّبُلُ، وَحَادُوا عَنْ الطَّرِيقِ، وَتَرَكُوا الْآثَارَ، وَقَالُوا فِي الدِّينِ بِرَأْيِهِمْ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا.
وَذَكَرَ ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي بَكْرُ بْنُ نَصْرٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ وَهُوَ يَذْكُرُ مَا وَقَعَ فِيهِ النَّاسُ مِنْ هَذَا الرَّأْيِ وَتَرْكِهِمْ السُّنَنَ، فَقَالَ: إنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى إنَّمَا انْسَلَخُوا مِنْ الْعِلْمِ الَّذِي كَانَ بِأَيْدِيهِمْ حِينَ اشْتَقُّوا الرَّأْيَ وَأَخَذُوا فِيهِ.
وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي كِتَابِ " تَهْذِيبِ الْآثَارِ " لَهُ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ تَمَّ هَذَا الْأَمْرُ وَاسْتُكْمِلَ؛ فَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ تَتَّبِعَ آثَارَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا تَتَّبِعَ الرَّأْيَ؛ فَإِنَّهُ مَنْ اتَّبَعَ الرَّأْيَ جَاءَ رَجُلٌ آخَرُ أَقْوَى مِنْهُ فِي الرَّأْيِ فَاتَّبَعَهُ، فَأَنْتَ كُلَّمَا جَاءَ رَجُلٌ غَلَبَك اتَّبَعَتْهُ.
 
قال ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين :
قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات: 1] أَيْ لَا تَقُولُوا حَتَّى يَقُولَ، وَلَا تَأْمُرُوا حَتَّى يَأْمُرَ، وَلَا تُفْتُوا حَتَّى يُفْتِيَ، وَلَا تَقْطَعُوا أَمْرًا حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَحْكُمُ فِيهِ وَيَمْضِيهِ، رَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: لَا تَقُولُوا خِلَافَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَرَوَى الْعَوْفِيُّ عَنْهُ قَالَ: نُهُوا أَنْ يَتَكَلَّمُوا بَيْنَ يَدَيْ كَلَامِهِ.
وَالْقَوْلُ الْجَامِعُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ لَا تَعْجَلُوا بِقَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ يَفْعَلَ وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: 2] فَإِذَا كَانَ رَفْعُ أَصْوَاتِهِمْ فَوْقَ صَوْتِهِ سَبَبًا لِحُبُوطِ أَعْمَالِهِمْ فَكَيْف تَقْدِيمُ آرَائِهِمْ وَعُقُولِهِمْ وَأَذْوَاقِهِمْ وَسِيَاسَاتِهِمْ وَمَعَارِفِهِمْ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ وَرَفْعُهَا عَلَيْهِ؟ أَلَيْسَ هَذَا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مُحْبِطًا لِأَعْمَالِهِمْ.
 
جاء في الآداب الشرعية :
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إذَا أَرَدْت أَنْ تَعْلَمَ مَحَلَّ الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الزَّمَانِ فَلَا تَنْظُرْ إلَى زِحَامِهِمْ فِي أَبْوَابِ الْجَوَامِعِ ، وَلَا ضَجِيجِهِمْ فِي الْمَوْقِفِ بِلَبَّيْكَ ، وَإِنَّمَا اُنْظُرْ إلَى مُوَاطَأَتِهِمْ أَعْدَاءَ الشَّرِيعَةِ ، عَاشَ ابْنُ الرَّاوَنْدِيِّ وَالْمَعَرِّيُّ عَلَيْهِمَا لَعَائِنُ اللَّهِ يَنْظِمُونَ وَيَنْثِرُونَ ..وَعَاشُوا سِنِينَ وَعُظِّمَتْ قُبُورُهُمْ وَاشْتُرِيَتْ تَصَانِيفُهُمْ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى بُرُودَةِ الدِّينِ فِي الْقَلْبِ . وَهَذَا الْمَعْنَى قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ الْخَلَّالُ : حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ النَّيْسَابُورِيُّ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ لَهُ جَارٌ رَافِضِيُّ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ . قَالَ : لَا وَإِذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ .
 
قال في التحرير والتنوير :
وَجَمِيعُ أَخْطَاءِ أَهْلِ الضَّلَالَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْأَدْيَانِ الْمَاضِيَةِ تَسْرِي إِلَى عُقُولِهِمْ مِنَ النَّظَرِ السَّقِيمِ، وَالْأَقْيِسَةِ الْفَاسِدَةِ، وَتَقْدِيرِ الْحَقَائِقِ الْعَالِيَةِ بِمَقَادِيرَ مُتَعَارَفِهِمْ وَعَوَائِدِهِمْ، وَقِيَاسُ الْغَائِب على الشَّاهِد. وَقَدْ ضَلَّ كَثِيرٌ مِنْ فَرْقِ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذِهِ الْمَسَالِكِ لَوْلَا أَنَّهُمْ يَنْتَهُونَ إِلَى مَعْلُومَاتٍ ضَرُورِيَّةٍ مِنَ الدِّينِ تَعْصِمُهُمْ عِنْدَ الْغَايَةِ عَنِ الْخُرُوجِ عَنْ دَائِرَةِ الْإِسْلَامِ وَقَدْ جَاءَ بَعْضُهُمْ وَأَوْشَكَ أَنْ يَقَعَ.
 
وفيكم بارك وزادنا وإياكم والمسلمين أمواتا وأحياء بركة وتوفيقا .
 
جاء في كتاب: الانتصار لأصحاب الحديث لأبي المظفر السمعاني الحنفي ثم الشافعي (المتوفى: 489هـ) :
قد قَالَ بعض أهل الْمعرفَة إِنَّمَا أعطينا الْعقل لإِقَامَة الْعُبُودِيَّة لَا لإدراك الربوبية فَمن شغل مَا أعطي لإِقَامَة الْعُبُودِيَّة بِإِدْرَاك الربوبية فَاتَتْهُ الْعُبُودِيَّة وَلم يدْرك الربوبية وَمعنى قَوْلنَا إِنَّمَا أعطينا الْعقل لإِقَامَة الْعُبُودِيَّة هُوَ أَنه آلَة التَّمْيِيز بَين الْقَبِيح وَالْحسن وَالسّنة والبدعة والرياء وَالْإِخْلَاص ولولاه لم يكن تَكْلِيف وَلَا توجه أَمر وَلَا نهي .
وَإِنَّمَا علينا أَن نقبل مَا عَقَلْنَاهُ إِيمَانًا وَتَصْدِيقًا وَمَا لم نعقله قبلناه وتسليما واستسلاما
وَهَذَا معنى قَول الْقَائِل من أهل السّنة إِن الْإِسْلَام قنطرة لَا تعبر إِلَّا بِالتَّسْلِيمِ.
 
جاء في كتاب: الانتصار لأصحاب الحديث لأبي المظفر السمعاني الحنفي ثم الشافعي (المتوفى: 489هـ) :
قد قَالَ بعض أهل الْمعرفَة إِنَّمَا أعطينا الْعقل لإِقَامَة الْعُبُودِيَّة لَا لإدراك الربوبية فَمن شغل مَا أعطي لإِقَامَة الْعُبُودِيَّة بِإِدْرَاك الربوبية فَاتَتْهُ الْعُبُودِيَّة وَلم يدْرك الربوبية وَمعنى قَوْلنَا إِنَّمَا أعطينا الْعقل لإِقَامَة الْعُبُودِيَّة هُوَ أَنه آلَة التَّمْيِيز بَين الْقَبِيح وَالْحسن وَالسّنة والبدعة والرياء وَالْإِخْلَاص ولولاه لم يكن تَكْلِيف وَلَا توجه أَمر وَلَا نهي .
وَإِنَّمَا علينا أَن نقبل مَا عَقَلْنَاهُ إِيمَانًا وَتَصْدِيقًا وَمَا لم نعقله قبلناه وتسليما واستسلاما
وَهَذَا معنى قَول الْقَائِل من أهل السّنة إِن الْإِسْلَام قنطرة لَا تعبر إِلَّا بِالتَّسْلِيمِ.
أخي بشير بشرنا الله وإياك في الحياة الدنيا والآخرة بكل خير.
هلا تفضلتَ بشرح قول أبي مظفر السمعانيِّ، مع إعطاء أمثلة بارك الله فيك، وأكون لك شاكرًا ممتنّا.
 
الأخ الكريم / محمد يزيد ..........
لم يكن لدي نية ولا رغبة في الرد بسبب رؤية مكروه عقب مشاركتكم !
ولكن من الأدب تبادل الرد :
أولا : المشاركة نفسها فيها توضيح لقول السمعاني .
ثانيا : الكتاب له شرح مطبوع .
ثالثا : إن يسر اللهُ تعالى وأعان ...سأنقل أمثلة لما تفضلتم بذكره .. والله المستعان في كل أمر .
 
الأخ الكريم / محمد يزيد ..........
لم يكن لدي نية ولا رغبة في الرد بسبب رؤية مكروه عقب مشاركتكم !
ولكن من الأدب تبادل الرد :
أولا : المشاركة نفسها فيها توضيح لقول السمعاني .
ثانيا : الكتاب له شرح مطبوع .
ثالثا : إن يسر اللهُ تعالى وأعان ...سأنقل أمثلة لما تفضلتم بذكره .. والله المستعان في كل أمر .
اعلمْ أننا نحبك في الله يا بشير.
وأنت مؤمنٌ وعدنان مؤمن.
{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ۖ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (الأنفال 1).
ومن استماتَ لأجل الدفاعِ عن رأيه في مسألةٍ من مسائل الشرعِ أثيبَ وحمِد ما استقامَ واتبع سبيل المؤمنين.
وتبقى الأُلفة والودُّ بين المؤمنينَ من أوجبِ الفرائض في دِين الحقِّ سبحانه وتعالى، لما يتحققُ بها منْ عزتهِ والتمكينِ له وإلزامِ الحجةِ على مخالفيه.
وأشكرك على الردِّ والتوجيهِ إلى الكتابِ المطبوعِ وعلى ما تفضلت بهِ من استعدادك لنقل الأمثلة.

والله أعلى وأعلم.
 
عودة
أعلى