وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعَقلَ ...... وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ

إنضم
21/12/2015
المشاركات
1,712
مستوى التفاعل
13
النقاط
38
الإقامة
مصر
وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعَقلَ ...... وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ
بسم الله الرحمن الرحيم ....... الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ..وبعد:
فهذا موضوعٌ مُتجدد , نستعينُ بالله على مُعالجته بالحق ...وعنوانه مُستمدٌ من آية كانت لها دلالتها على قومٍ انتكست عقولُهم وأتوا بالعجب فتشربت قلوبُهم حُبَ عِجل مَصنوع لا وجهَ فيه للإغراء أو النظر أو التفضيل .. بل هو عَبثٌ مَحض وتنازل مُخجل واستبدال مُحير .
وإقحامُ العقلِ في الوحيينِ الكريمينِ بلا بينة ولا برهان لهو نوع من الشطط البغيض والضلال البعيد القريب شبها من تلكم الفائتة الباهتة .
مع أن الله تعالى قال : { نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (143)} ..{ بعلم }
وهؤلاء كما يقول القرآن :{ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30)}
تعرفهم في موضوعاتهم ومقترحاتهم .... وتشم رائحة الغرض حتى من العنوان .
إن قوما يعجزونَ عن مُعالجة قضية داخل بيوتهم أو في مَحل عملِهم أو حتى في أنفسهم. يُقحمون أنفسَهم في التحليق حول نُصوصٍ مُستمدة من خالق الكون ومنزل الكتاب !!!!
ترى الحيرة والاضطراب يستحوذان عليهم في مراحل حياتهم وقلما يقعون على الصواب ثم هم يتأولون ما لا سبيل لهم ولا طاقة لهم بحمله .. ويطلبون من غيرهم المسالمة والمسايرة لما يتوهمونه ....قل سبحان ربي ......
وإنما هي ريبة بنوها في قلوبهم :{ لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ }
أهذه القرون التي خلت والتي حوت خيار الناس ...أغاب عنهم هذا حتى يظهرَ لنا ما أخفقوا فيه ... هل الأمورُ تتنكس وتمضي للوراء حتى نقولَ بهذا ...أليس زمانهم خيرا من زماننا ؟ وهذا بالدليل وبالتجربة ....
لقد قام رجلٌ أسلم لربه ووضعَ بين أيدينا كتابه { ربحتُ مُحمدا ولم أخسر عيسى عليه السلام }
وقام غيرُه من الشيعة تاركا هذا الخيرَ في كتابه :{ ربحتُ الصحابةَ ولم أخسر آل البيتِ }
أليست هذه نماذج أولى بالاستدعاء والطرح ليعودَ التائهون إلى طريقهم ...
وَلِهَذَا كَانَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: لَوْ أُعْطِيَ الْعَبْدُ بِكُلِّ حَرْفٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَلْفَ فَهْمٍ لَمْ يَبْلُغْ نِهَايَةَ مَا أَوْدَعَهُ اللَّهُ فِي آيَةٍ مِنْ كِتَابِهِ لِأَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ وَكَلَامُهُ صِفَتُهُ وَكَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ نِهَايَةٌ فَكَذَلِكَ لَا نِهَايَةَ لِفَهْمِ كَلَامِهِ وإنما يفهم كل بمقدار مَا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَكَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَلَا تَبْلُغُ إِلَى نِهَايَةِ فَهْمِهِ فُهُومٌ مُحْدَثَةٌ مَخْلُوقَةٌ.{ البرهان في علوم القرآن للزركشي (المتوفى: 794هـ)}
يقول ابن القيم رحمه الله في الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة :
إنَّ عَقْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْمَلُ عُقُولِ أَهْلِ الْأَرْضِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَلَوْ وُزِنَ عَقْلُهُ بِعُقُولِهِمْ لَرَجَحَهَا، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ قَبْلَ الْوَحْيِ لَمْ يَكُنْ يَدْرِي مَا الْإِيمَانُ، كَمَا لَمْ يَكُنْ يَدْرِي مَا الْكِتَابُ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52] وَقَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى - وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى - وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} [الضحى: 6 - 8] وَتَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ بِالْآيَةِ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ الشُّورَى، فَإِذَا كَانَ أَعْقَلُ الْخَلْقِ عَلَى الْإِطْلَاقِ إِنَّمَا حَصَلَ لَهُ الْهُدَى بِالْوَحْيِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ} [سبأ: 50] فَكَيْفَ يَحْصُلُ لِسُفَهَاءِ الْعُقُولِ وَأَخِفَّاءِ الْأَحْلَامِ الِاهْتِدَاءُ إِلَى حَقَائِقِ الْإِيمَانِ بِمُجَرَّدِ عُقُولِهِمْ دُونَ نُصُوصِ الْوَحْيِ، حَتَّى اهْتَدَوْا بِتِلْكَ الْهِدَايَةِ إِلَى الْمُعَارَضَةِ بَيْنَ الْعَقْلِ وَنُصُوصِ الْأَنْبِيَاءِ {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا - تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} [مريم: 89 - 90] .
 
ما شاء الله لا قوة إلا بالله
جزاك الله خيراً فإن النفس لتتعطش لكلام الله , و بارك الله بك إذ تنفعنا فالذكرى تنفع المؤمنين.
 
قال في مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين :
وَمَنْ أَحَالَكَ عَلَى غَيْرِ أَخْبَرَنَا وَحَدَّثَنَا فَقَدْ أَحَالَكَ: إِمَّا عَلَى خَيَالِ صُوفِيٍّ، أَوْ قِيَاسِ فَلْسَفِيٍّ. أَوْ رَأْيِ نَفْسِيٍّ. فَلَيْسَ بَعْدَ الْقُرْآنِ وَأَخْبَرَنَا وَحَدَّثَنَا إِلَّا شُبَهَاتُ الْمُتَكَلِّمِينَ. وَآرَاءُ الْمُنْحَرِفِينَ، وَخَيَالَاتُ الْمُتَصَوِّفِينَ، وَقِيَاسُ الْمُتَفَلْسِفِينَ. وَمَنْ فَارَقَ الدَّلِيلَ، ضَلَّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ. وَلَا دَلِيلَ إِلَى اللَّهِ وَالْجَنَّةِ، سِوَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَكُلُّ طَرِيقٍ لَمْ يَصْحَبْهَا دَلِيلُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فَهِيَ مِنْ طُرُقِ الْجَحِيمِ، وَالشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ.
وَالْعِلْمُ مَا قَامَ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ. وَالنَّافِعُ مِنْهُ: مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ. وَالْعِلْمُ خَيْرٌ مِنَ الْحَالِ: الْعِلْمُ حَاكِمٌ. وَالْحَالُ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ. وَالْعِلْمُ هَادٍ. وَالْحَالُ تَابِعٌ. وَالْعِلْمُ آمِرٌ نَاهٍ. وَالْحَالُ مَنْفَذٌ قَابِلٌ، وَالْحَالُ سَيْفٌ، إِنْ لَمْ يَصْحَبْهُ الْعِلْمُ فَهُوَ مِخْرَاقٌ فِي يَدِ لَاعِبٍ. الْحَالُ مَرْكِبٌ لَا يُجَارَى. فَإِنْ لَمْ يَصْحَبْهُ عِلْمٌ أَلْقَى صَاحِبَهُ فِي الْمَهَالِكِ وَالْمَتَالِفِ. وَالْحَالُ كَالْمَالِ يُؤْتَاهُ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ. فَإِنْ لَمْ يَصْحَبْهُ نُورُ الْعِلْمِ كَانَ وَبَالًا عَلَى صَاحِبِهِ.
وَهُوَ الْحَاكِمُ الْمُفَرِّقُ بَيْنَ الشَّكِّ وَالْيَقِينِ، وَالْغَيِّ وَالرَّشَادِ، وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ.
بِهِ يُعْرَفُ اللَّهُ وَيُعْبَدُ، وَيُذْكَرُ وَيُوَحَّدُ، وَيُحْمَدُ وَيُمَجَّدُ. وَبِهِ اهْتَدَى إِلَيْهِ السَّالِكُونَ. وَمِنْ طَرِيقِهِ وَصَلَ إِلَيْهِ الْوَاصِلُونَ. وَمِنْ بَابِهِ دَخَلَ عَلَيْهِ الْقَاصِدُونَ .بِهِ تُعْرَفُ الشَّرَائِعُ وَالْأَحْكَامُ، وَيَتَمَيَّزُ الْحَلَالُ مِنَ الْحَرَامِ. وَبِهِ تُوصَلُ الْأَرْحَامُ وَبِهِ تُعْرَفُ مَرَاضِي الْحَبِيبِ، وَبِمَعْرِفَتِهَا وَمُتَابَعَتِهَا يُوصَلُ إِلَيْهِ مِنْ قَرِيبٍ.
وَهُوَ إِمَامٌ، وَالْعَمَلُ مَأْمُومٌ. وَهُوَ قَائِدٌ، وَالْعَمَلُ تَابِعٌ. وَهُوَ الصَّاحِبُ فِي الْغُرْبَةِ وَالْمُحَدِّثُ فِي الْخَلْوَةِ، وَالْأَنِيسُ فِي الْوَحْشَةِ. وَالْكَاشِفُ عَنِ الشُّبْهَةِ. وَالْغِنَى الَّذِي لَا فَقْرَ عَلَى مَنْ ظَفِرَ بِكَنْزِهِ. وَالْكَنَفُ الَّذِي لَا ضَيْعَةَ عَلَى مَنْ آوَى إِلَى حِرْزِهِ.
مُذَكَرَاتُهُ تَسْبِيحٌ. وَالْبَحْثُ عَنْهُ جِهَادٌ. وَطَلَبُهُ قُرْبَةٌ. وَبَذْلُهُ صَدَقَةٌ. وَمُدَارَسَتُهُ تَعْدِلُ بِالصِّيَامِ وَالْقِيَامِ. وَالْحَاجَةُ إِلَيْهِ أَعْظَمُ مِنْهَا إِلَى الشَّرَابِ وَالطَّعَامِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: النَّاسُ إِلَى الْعِلْمِ أَحْوَجُ مِنْهُمْ إِلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ. لِأَنَّ الرَّجُلَ يَحْتَاجُ إِلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فِي الْيَوْمِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ. وَحَاجَتُهُ إِلَى الْعِلْمِ بِعَدَدِ أَنْفَاسِهِ.
 
قال ابن عقيل في الفنون :
مَا لِلَّهِ طَائِفَةٌ أَجَلُّ مِنْ قَوْمٍ حَدَّثُوا عَنْهُ ، وَمَا أَحْدَثُوا وَعَوَّلُوا عَلَى مَا رَوَوْا لَا عَلَى مَا رَأَوْا .
قال أبو سليمان الداراني : ربما يقع في قلبي النكتةَ من نكتِ القوم أياما فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين الكتاب و السنة .{البداية والنهاية }
وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ رحمه الله في جامع البيان : وَأَئِمَّةُ الْقُرَّاءِ لَا تَعْمَلُ فِي شَيْءٍ مِنْ حُرُوفِ الْقُرْآنِ عَلَى الْأَفْشَى فِي اللُّغَةِ وَالْأَقْيَسِ فِي الْعَرَبِيَّةِ بَلْ عَلَى الْأَثْبَتِ فِي الْأَثَرِ وَالْأَصَحِّ فِي النَّقْلِ وَإِذَا ثَبَتَتِ الرِّوَايَةُ لَمْ يَرُدَّهَا قِيَاسُ عَرَبِيَّةٍ وَلَا فُشُوُّ لُغَةٍ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ يَلْزَمُ قَبُولُهَا وَالْمَصِيرُ إِلَيْهَا.
 
قال ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى :
فَمَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَقَدْ تَكَلَّفَ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ وَسَلَكَ غَيْرَ مَا أُمِرَ بِهِ فَلَوْ أَنَّهُ أَصَابَ الْمَعْنَى فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَكَانَ قَدْ أَخْطَأَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ الْأَمْرُ مِنْ بَابِهِ كَمَنْ حَكَمَ بَيْنَ النَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ وَإِنْ وَافَقَ حُكْمُهُ الصَّوَابَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ لَكِنْ يَكُونُ أَخَفَّ جُرْمًا مِمَّنْ أَخْطَأَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَكَذَا سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الْقَذَفَةَ كَاذِبِينَ فَقَالَ: {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} فَالْقَاذِفُ كَاذِبٌ وَلَوْ كَانَ قَدْ قَذَفَ مَنْ زَنَى فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِمَا لَا يَحِلُّ لَهُ الْإِخْبَارُ بِهِ وَتَكَلَّفَ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلِهَذَا تَحَرَّجَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ عَنْ تَفْسِيرِ مَا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ كَمَا رَوَى شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي وَأَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي إذَا قُلْت فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا لَمْ أَعْلَمْ؟
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ أَيْضًا حَدَّثَنَا يَزِيدُ عَنْ حميد عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَرَأَ عَلَى الْمِنْبَرِ: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} فَقَالَ هَذِهِ الْفَاكِهَةُ قَدْ عَرَفْنَاهَا فَمَا الْأَبُّ؟ ثُمَّ رَجَعَ إلَى نَفْسِهِ فَقَالَ: إنَّ هَذَا لَهُوَ التَّكَلُّفُ يَا عُمَرُ .
وَهَذَا كُلُّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إنَّمَا أَرَادَا اسْتِكْشَافَ عِلْمِ كَيْفِيَّةِ الْأَبِّ وَإِلَّا فَكَوْنُهُ نَبْتًا مِنْ الْأَرْضِ ظَاهِرٌ لَا يُجْهَلُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى تَعَالَى: {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا} {وَعِنَبًا وَقَضْبًا} {وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا} {وَحَدَائِقَ غُلْبًا} .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي أَحْمَد بْنُ عبدة الضبي حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: لَقَدْ أَدْرَكْت فُقَهَاءَ الْمَدِينَةِ وَإِنَّهُمْ لَيُعَظِّمُونَ الْقَوْلَ فِي التَّفْسِيرِ مِنْهُمْ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَنَافِعٌ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: مَا سَمِعْت أَبِي تَأَوَّلَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ قَطُّ .
فَهَذِهِ الْآثَارُ الصَّحِيحَةُ وَمَا شَاكَلَهَا عَنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ مَحْمُولَةٌ عَلَى تَحَرُّجِهِمْ عَنْ الْكَلَامِ فِي التَّفْسِيرِ بِمَا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ فَأَمَّا مَنْ تَكَلَّمَ بِمَا يَعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ لُغَةً وَشَرْعًا فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا رُوِيَ عَنْ هَؤُلَاءِ وَغَيْرِهِمْ أَقْوَالٌ فِي التَّفْسِيرِ وَلَا مُنَافَاةَ؛ لِأَنَّهُمْ تَكَلَّمُوا فِيمَا عَلِمُوهُ وَسَكَتُوا عَمَّا جَهِلُوهُ وَهَذَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فَإِنَّهُ كَمَا يَجِبُ السُّكُوتُ عَمَّا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ فَكَذَلِكَ يَجِبُ الْقَوْلُ فِيمَا سُئِلَ عَنْهُ مِمَّا يَعْلَمُهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} وَلِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ مِنْ طُرُقٍ: " {مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أُلْجِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامِ مِنْ نَارٍ} ". وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: التَّفْسِيرُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: وَجْهٌ تَعْرِفُهُ الْعَرَبُ مِنْ كَلَامِهَا وَتَفْسِيرٌ لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ بِجَهَالَتِهِ وَتَفْسِيرٌ يَعْلَمُهُ الْعُلَمَاءُ وَتَفْسِيرٌ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
و " فِي الْجُمْلَةِ " مَنْ عَدَلَ عَنْ مَذَاهِبِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَفْسِيرِهِمْ إلَى مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ كَانَ مُخْطِئًا فِي ذَلِكَ بَلْ مُبْتَدِعًا وَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا مَغْفُورًا لَهُ خَطَؤُهُ فَالْمَقْصُودُ بَيَانُ طُرُقِ الْعِلْمِ وَأَدِلَّتِهِ وَطُرُقِ الصَّوَابِ وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الْقُرْآنَ قَرَأَهُ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَتَابِعُوهُمْ وَأَنَّهُمْ كَانُوا أَعْلَمَ بِتَفْسِيرِهِ وَمَعَانِيهِ كَمَا أَنَّهُمْ أَعْلَمُ بِالْحَقِّ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ خَالَفَ قَوْلَهُمْ وَفَسَّرَ الْقُرْآنَ بِخِلَافِ تَفْسِيرِهِمْ فَقَدْ أَخْطَأَ فِي الدَّلِيلِ وَالْمَدْلُولِ جَمِيعًا وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ مَنْ خَالَفَ قَوْلَهُمْ لَهُ شُبْهَةٌ يَذْكُرُهَا إمَّا عَقْلِيَّةٌ وَإِمَّا سَمْعِيَّةٌ.
 
قال الشيخ العثيمين رحمه الله في تفسيره :
الواجب على المسلم في تفسير القرآن أن يُشِعَر نفسه حين يُفَسر القرآن بأنه مترجم عن الله تعالى، شاهد عليه بما أراد من كلامه فيكون مُعظِّماً لهذه الشهادة خائفاً من أن يقول على الله بلا علم، فيقع فيما حرم الله، فَيُخزَى بذلك يوم القيامة، قال الله تعالى:{ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} ، وقال تعالى:{ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ}
 
قال في مجموع الفتاوى :
وَالْعِلْمُ إمَّا نَقْلٌ مُصَدَّقٌ عَنْ مَعْصُومٍ وَإِمَّا قَوْلٌ عَلَيْهِ دَلِيلٌ مَعْلُومٌ ،وَمَا سِوَى هَذَا فَإِمَّا مُزَيَّفٌ مَرْدُودٌ وَإِمَّا مَوْقُوفٌ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ بَهْرَجٌ وَلَا مَنْقُودٌ .إذْ الْعِلْمُ إمَّا نَقْلٌ مُصَدَّقٌ وَإِمَّا اسْتِدْلَالٌ مُحَقَّقٌ .
فَدِينُ الْمُسْلِمِينَ مَبْنِيٌّ عَلَى اتِّبَاعِ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ وَمَا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ هِيَ أُصُولٌ مَعْصُومَةٌ وَمَا تَنَازَعَتْ فِيهِ الْأُمَّةُ رَدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ .
وقال في الرد على البكري : والعلم شيئان إما نقل مصدق وإما بحث محقق وما سوى ذلك فهذيان مسروق .
قال في مفتاح دار السعادة : وَكَانَ شيخ الاسلام ابْن تَيْمِية يَقُول من فَارق الدَّلِيل ضل السَّبِيل وَلَا دَلِيل إِلَّا بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول.
 
قال الشاطبي رحمه الله في الاعتصام :
لا ينبغي للعقل أن يتقدم بين يدي الشرع ، فإنه من التقدم بين يدي الله ورسوله ، بل يكون ملبياً من وراء وراء .ثم نقول : إن هذا هو المذهب للصحابة رضي الله عنهم وعليه دأبوا ، وإياه اتخذوا طريقاً إلى الجنة فوصلوا .
والرأي إذا عارض السنة فهو بدعة وضلالة .فالصحابة ومن بعدهم لم يعارضوا ما جاء في السنن بآرائهم ، علموا معناه أو جهلوه ، جرى لهم على معهودهم أو لا ، وهو المطلوب من نقله ، وليعتبر فيه من قدم الناقص ـ وهو العقل ـ على الكامل ـ وهو الشرع .
 
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ الشَّهْرَسْتَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ: اعْلَمْ أَنَّ أَوَّلَ شُبْهَةٍ وَقَعَتْ فِي الْخَلْقِ شُبْهَةُ إِبْلِيسَ، وَمَصْدَرُهَا اسْتِبْدَادُهُ بِالرَّأْيِ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ، وَاخْتِيَارُهُ الْهَوَى فِي مُعَارَضَةِ الرَّأْيِ، وَاسْتِكْبَارُهُ بِالْمَادَّةِ الَّتِي خُلِقَ مِنْهَا، وَهِيَ النَّارُ عَلَى مَادَّةِ آدَمَ، وَهِيَ الطِّينُ، وَتَشَعَّبَتْ عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ سَبْعُ شُبُهَاتٍ صَارَتْ هِيَ مَذَاهِبُ بِدْعَةٍ وَضَلَالَةٍ .
قال في شرح العقيدة الطحاوية :
فَالْوَاجِبُ كَمَالُ التَّسْلِيمِ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْانْقِيَادُ لِأَمْرِهِ، وَتَلَقِّي خَبَرِهِ بِالْقَبُولِ وَالتَّصْدِيقِ، دُونَ أَنْ يُعَارِضَهُ بِخَيَالٍ بَاطِلٍ يُسَمِّيهِ مَعْقُولًا، أَوْ نُحَمِّلَهُ شُبْهَةً أَوْ شَكًّا، أَوْ يُقَدِّمَ عَلَيْهِ آرَاءَ الرِّجَالِ وَزُبَالَةَ أَذْهَانِهِمْ، فَيُوَحِّدَهُ بِالتَّحْكِيمِ وَالتَّسْلِيمِ وَالْانْقِيَادِ وَالْإِذْعَانِ، كَمَا وَحَّدَ الْمُرْسِلَ بِالْعِبَادَةِ وَالْخُضُوعِ وَالذُّلِّ وَالْإِنَابَةِ وَالتَّوَكُّلِ.
فَهُمَا تَوْحِيدَانِ، لَا نَجَاةَ لِلْعَبْدِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ إِلَّا بِهِمَا: تَوْحِيدُ الْمُرْسِلِ، وَتَوْحِيدُ مُتَابَعَةِ الرَّسُولِ، فَلَا يُحَاكِمُ إِلَى غَيْرِهِ، وَلَا يَرْضَى بِحُكْمِ غَيْرِهِ.
 
قال ابن الجوزي رحمه الله في صيد الخاطر :
ولقد رأيت لابن الرومي اعتراضاً على من يقول بتخليد الكفار في النار. قال: إن ذلك التأبيد مزيد من الانتقام ينكره العقل، وينبغي كل ما يقوله العقل، ولا يرد بعضه إذ ليس رد بعضه بأولى من رد الكل، وتخليد الكفار لا غرض فيه للمعذب ولا للمعذب فلا يجوز أن يكون.فقلت العجب من هذا الذي يدعي وجود العقل ولا عقل عنده.
وأول ما أقول له: أصح عندك الخبر عن الخالق سبحانه أنه أخبر بخلود أهل النار أم لم يصح؟.
فإن كان ما صح عنه فالكلام إذن في إثبات النبوة وصحة القرآن، فما وجه ذكر الفرع مع جحد الأصل ؟.
وإن قال قد ثبت عندي فواجب عليه أن يتمحل لإقامة العذر، إلا أن يقف في وجه المعارضة.
وضل خلق كثير في صفاته كما ضل خلق كثير في ذاته. فظن أقوام أنه يتأثر حين سمعوا أنه يغضب ويرضى.ونسوا أن صفته تعالى قديمة لا يحدث منها شيء.
ثم من يرى ما جرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه من الجوع والقتل مع قدرة الناصر، ثم يسأل أمه فلا يجاب، ولو كان المسؤول بعضنا قلنا لم تمنع ما لا يضرك ؟.
غير أن الحق سبحانه لا تقاس أفعاله على أفعالنا ولا تعلل.
والذي يوجب علينا التسليم أن حكمته فوق العقل، فهي تقضي على العقول، والعقول لا تقضي عليها.
ومن قاس فعله على أفعالنا غلط الغلط الفاحش؛ وإنما هلكت المعتزلة من هذا الفن.
فإن قال قائل: فكيف يمكنني أن أقود عقلي إلى ما ينافيه. قلنا: لا منافاة، لأن العقل قد قطع بالدليل الجلي أنه حكيم، وأنه مالك، والحكيم لا يفعل شيئاً إلا الحكمة، غير أن الحكمة، لا يبلغها العقل.
ألا ترى أن الخضر خرق سفينة وقتل شخصاً، فأنكر عليه موسى عليهما السلام بحكم العلم ولم يطلع على حكمة فعله، فلما أظهر له الحكمة أذعن، ولله المثل الأعلى.
فإياك إياك أن تقيس شيئاً من أفعاله على أفعال الخلق، أو شيئاً من صفاته أو ذاته سبحانه وتعالى فإنك إن حفظت هذا سلمت من التشبيه الذي وقع فيه من رأى الاستواء اعتماداً، والنزول نقلة، ونجوت من الاعتراض الذي أخرج قوماً إلى الكفر حتى طعنوا في الحكمة.
 
قال ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية :
الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، تَكَلَّمَ بِهِ كَمَا شَاءَ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ وَتَنَزَّهَ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا، فالخلق كلهم عاجزون حقيقة وفي نَفْسِ الْأَمْرِ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ وَلَوْ تَعَاضَدُوا وتناصروا عَلَى ذَلِكَ، بَلْ لَا تَقْدِرُ الرُّسُلُ الَّذِينَ هم أفصح الخلق وأعظم الْخَلْقِ وَأَكْمَلُهُمْ، أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِمِثْلِ كَلَامِ اللَّهِ وَهَذَا الْقُرْآنُ الَّذِي يُبَلِّغُهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم عن الله، أسلوب كلامه لَا يُشْبِهُ أَسَالِيبَ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم، وأساليب كلامه عليه السلام الْمَحْفُوظَةُ عَنْهُ بِالسَّنَدِ الصَّحِيحِ إِلَيْهِ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا مَنْ بَعْدَهُمْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِمِثْلِ أَسَالِيبِهِ فِي فَصَاحَتِهِ وَبَلَاغَتِهِ، فِيمَا يرويه من المعاني بألفاظه الشريفة، بل وأسلوب كلام الصحابة أَعْلَى مِنْ أَسَالِيبِ كَلَامِ التَّابِعِينَ، وَهَلُمَّ جَرًّا إلى زماننا. و علماء السلف أفصح وأعلم، وأقل تكلفا، فيما يرونه مِنَ الْمَعَانِي بِأَلْفَاظِهِمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْخَلَفِ وَهَذَا يَشْهَدُهُ مَنْ لَهُ ذَوْقٌ بِكَلَامِ النَّاسِ كَمَا يُدْرَكُ تَفَاوُتُ مَا بَيْنَ أَشْعَارِ الْعَرَبِ فِي زَمَنِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَبَيْنَ أَشْعَارِ الْمُوَلَّدِينَ الَّذِينَ كَانُوا بَعْدَ ذَلِكَ، وَلِهَذَا جَاءَ الْحَدِيثُ الثَّابت فِي هَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ فِيمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ قَائِلًا: حدَّثنا حَجَّاجٌ، ثَنَا لَيْثٌ، حدَّثني سَعِيدُ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم قَالَ: مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا قَدْ أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحَيًّا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ.وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ بِهِ.
 
نصوص نافعة في التسليم لله وعدم الغلو في العقل الذي بدا في هذا العصر جليا
 
قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في الأم :
يَسْقُطُ كُلُّ شَيْءٍ خَالَفَ أَمْرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا يَقُومُ معه رَأْيٌ وَلَا قِيَاسٌ فإن اللَّهَ عز وجل قَطَعَ الْعُذْرَ بِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم .}
قَالَ ابن عقيل فِي الْفُنُونِ : مَا عَلَى الشَّرِيعَةِ أَضَرُّ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْمُتَصَوَّفِينَ ، فَهَؤُلَاءِ يُفْسِدُونَ الْعُقُولَ بِتَوَهُّمَاتِ شُبُهَاتِ الْعُقُولِ ، وَهَؤُلَاءِ يُفْسِدُونَ الْأَعْمَالَ وَيَهْدِمُونَ قَوَانِينَ الْأَدْيَانِ ، قَالَ وَقَدْ خَبَرْت طَرِيقَ الْفَرِيقَيْنِ غَايَةُ هَؤُلَاءِ الشَّكُّ ، وَغَايَةُ هَؤُلَاءِ الشَّطْحُ ، وَالْمُتَكَلِّمُونَ عِنْدِي خَيْرٌ مِنْ الصُّوفِيَّةِ ؛ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ قَدْ يَرُدُّونَ الشَّكَّ ، وَالصُّوفِيَّةُ يُوهِمُونَ التَّشْبِيهَ وَالْأَشْكَالَ ، وَالثِّقَةُ بِالْأَشْخَاصِ ضَلَالٌ ، مَا لِلَّهِ طَائِفَةٌ أَجَلُّ مِنْ قَوْمٍ حَدَّثُوا عَنْهُ ، وَمَا أَحْدَثُوا وَعَوَّلُوا عَلَى مَا رَوَوْا لَا عَلَى مَا رَأَوْا .
قال الأوزاعي: "العلم ما جاء عن أصحاب محمد، وما لم يجيء عن واحد منهم فليس بعلم"، وورد مثل هذا عن الإمام أحمد وغيره. انظر جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر.
 
قوله تعالى :{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59)
قال في فتح القدير :
هَذِهِ الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ مَا يَصُكُّ مَسَامِعَ الْمُتَصَدِّرِينَ لِلْإِفْتَاءِ لِعِبَادِ اللَّهِ فِي شَرِيعَتِهِ، بِالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ وَالْجَوَازِ وَعَدَمِهِ، مَعَ كَوْنِهِمْ مِنَ الْمُقَلِّدِينَ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ حُجَجَ اللَّهِ، وَلَا يُفْهَمُونَهَا، وَلَا يَدْرُونَ مَا هِيَ، وَمَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ الْحِكَايَةُ لِقَوْلِ قَائِلٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَدْ قَلَّدُوهُ فِي دِينِهِمْ، وَجَعَلُوهُ شَارِعًا مُسْتَقِلًّا، مَا عَمِلَ بِهِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ عِنْدَهُمْ، وَمَا لَمْ يَبْلُغْهُ أَوْ بَلَغَهُ وَلَمْ يَفْهَمْهُ حَقَّ فَهْمِهِ أَوْ فَهِمَهُ وَأَخْطَأَ الصَّوَابَ فِي اجْتِهَادِهِ وَتَرْجِيحِهِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَنْسُوخِ عِنْدَهُمُ الْمَرْفُوعِ حُكْمُهُ عَنِ الْعِبَادِ، مَعَ كَوْنِ مَنْ قَلَّدُوهُ مُتَعَبَّدًا بِهَذِهِ الشَّرِيعَةِ كَمَا هُمْ مُتَعَبَّدُونَ بِهَا وَمَحْكُومًا عَلَيْهِ بِأَحْكَامِهَا كَمَا هُوَ مَحْكُومٌ عَلَيْهِمْ بِهَا، وَقَدِ اجْتَهَدَ رَأْيَهُ وَأَدَّى مَا عَلَيْهِ، وَفَازَ بِأَجْرَيْنِ مَعَ الْإِصَابَةِ وَأَجْرٍ مَعَ الْخَطَأِ إِنَّمَا الشَّأْنُ فِي جَعْلِهِمْ لِرَأْيِهِ الَّذِي أَخْطَأَ فِيهِ شَرِيعَةً مُسْتَقِلَّةً، وَدَلِيلًا مَعْمُولًا بِهِ، وَقَدْ أَخْطَأوا فِي هَذَا خَطَأً بَيِّنًا، وَغَلَطُوا غَلَطًا فَاحِشًا، فَإِنَّ التَّرْخِيصَ لِلْمُجْتَهِدِ فِي اجْتِهَادِ رَأْيِهِ يَخُصُّهُ وَحْدَهُ، وَلَا قَائِلَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ الْمُعْتَدِّ بِأَقْوَالِهِمْ أَنَّهُ يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ تَقْلِيدًا لَهُ وَاقْتِدَاءً بِهِ. وَمَا جَاءَ بِهِ الْمُقَلِّدَةُ في تقوّل هَذَا الْبَاطِلِ، فَهُوَ مِنَ الْجَهْلِ الْعَاطِلِ، اللَّهُمَّ كما رزقتنا من العلم ما تميز بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، فَارْزُقْنَا مِنَ الْإِنْصَافِ مَا نَظْفَرُ عِنْدَهُ بِمَا هُوَ الْحَقُّ عِنْدَكَ يَا وَاهِبَ الْخَيْرِ.
 
قال في مجموع الفتاوى :
فِي قَوْلِهِ تعالى : { يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ } بَيَانٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَارِضَ كِتَابَ اللَّهِ بِغَيْرِ كِتَابِ اللَّهِ لَا بِفِعْلِ أَحَدٍ وَلَا أَمْرِهِ لَا دَوْلَةً وَلَا سِيَاسَةً فَإِنَّهُ حَالُ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ .
وَلَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ نَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ فَيُعَارِضُ مَنْسُوخِهِ بِنَاسِخِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا } وَكَمَا قَالَ تَعَالَى : { سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } وَنَظَائِرُهُ مُتَعَدِّدَةٌ .
 
بارك الله فيكم،

نأمل من الإدارة تصحيح عنوان الموضوع والآية في صدارة الموضوع،
قال تعالى: {وَأُشْرِبُوا۟ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ۚ }، وليس العقل
 
قال الحافظ في الفتح :
فَإِنَّ الدِّينَ كَمُلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى{ الْيَوْم اكملت لكم دينكُمْ } فَإِذَا كَانَ أَكْمَلَهُ وَأَتَمَّهُ وَتَلَقَّاهُ الصَّحَابَةُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاعْتَقَدَهُ مَنْ تَلَقَّى عَنْهُمْ وَاطْمَأَنَّتْ بِهِ نُفُوسُهُمْ فَأَيُّ حَاجَةٍ بِهِمْ إِلَى تَحْكِيمِ الْعُقُولِ وَالرُّجُوعِ إِلَى قَضَايَاهَا وَجَعْلِهَا أَصْلًا وَالنُّصُوصُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ تُعْرَضُ عَلَيْهَا فَتَارَةً يُعْمَلُ بِمَضْمُونِهَا وَتَارَةً تُحَرَّفُ عَنْ مَوَاضِعِهَا لِتُوَافِقُ الْعُقُولَ وَإِذَا كَانَ الدِّينُ قَدْ كَمُلَ فَلَا تَكُونُ الزِّيَادَةُ فِيهِ إِلَّا نُقْصَانًا فِي الْمَعْنَى مِثْلَ زِيَادَةِ أُصْبُعٍ فِي الْيَدِ فَإِنَّهَا تُنْقِصُ قِيمَةَ الْعَبْدِ الَّذِي يَقَعُ بِهِ ذَلِكَ .
 
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) الانفال

وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (100) يونس

وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (171) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176)

بل من يريد الحجر على الحجر يجب ان يحجر عليه

ولن ينفع احد ان يقول السلف او الخلف فانما كلفنا اذ عقلنا ورشدنا ولا تكلف نفس الا بما اوتيت فلا نقل الا ببرهان ولا برهان الا بعلم ولا علم الا بعقل ولا برهان مثل للقران فلا يقدم النقل على العقل الا من اطاع السادة والكبراء و اتخذهم اربابا من دون الله لكننا امة اقرا ولا كهنوت في ديننا ولم تتنزل في شرعنا اسماء كبراء فمن قدم النقل على العقل قدم الهوى على العلم ولا يحكم احد ما دام حكم في الكتاب



وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)



أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21) بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) ذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25)

كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93) فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95)

ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (143) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144) قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146)



وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (138) وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (139) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (140) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141) وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142)

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (6)

سورة النور
بسم الله الرحمن الرحيم
سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10)
إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (20) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21)




فمن الافك الذي افتري على كتاب الله هو نسخ التلاوة و نسخ الكتاب بغيره و لا مثل لكتاب الله ومن عنده مثله فليات به ان كان من الصادقين و من الافك ايضا تقديم النقل على العقل ومن الافك العظيم على الله ودين الله الرجم ويحاجج القائلين به بنسخ التلاوة او نسخ القران بالسنة والتخصيص

قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (150) قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)

تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14) وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا (16) إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19) وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (21) وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23) وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24) وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25) يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28)

وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117) وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119)
مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167) يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (171) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176)

مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (46) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (47) إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (49) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا (50) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (51)

فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)

وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28)

وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104) وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (107) قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ (109) حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)

قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (49) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)
 
قال الدارمي في الرد على الجهمية :
المعقولُ ليس لشيء واحد موصوف بحدود عند جميع الناس فيقتصر عليه , ولو كان كذلك كان راحة للناس , ولقلنا به ولم نعد ولم يكن الله تبارك وتعالى قال :{ كل حزب بما لديهم فرحون } فوجدنا المعقول عند كل حزب ما هم عليه والمجهول عندهم ما خالفهم.
 
قال ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين :
وَقَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ بِرَدِّ مَا تَنَازَعْنَا فِيهِ إلَيْهِ وَإِلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَلَمْ يُبِحْ لَنَا قَطُّ أَنْ نَرُدَّ ذَلِكَ إلَى رَأْيٍ وَلَا قِيَاسٍ وَلَا تَقْلِيدِ إمَامٍ وَلَا مَنَامٍ وَلَا كُشُوفٍ وَلَا إلْهَامٍ وَلَا حَدِيثِ قَلْبٍ وَلَا اسْتِحْسَانٍ وَلَا مَعْقُولٍ وَلَا شَرِيعَةِ الدِّيوَانِ وَلَا سِيَاسَةِ الْمُلُوكِ، وَلَا عَوَائِدِ النَّاسِ الَّتِي لَيْسَ عَلَى شَرَائِعِ الْمُسْلِمِينَ أَضَرُّ مِنْهَا، فَكُلُّ هَذِهِ طَوَاغِيتُ، مَنْ تَحَاكَمَ إلَيْهَا أَوْ دَعَا مُنَازِعَهُ إلَى التَّحَاكُمِ إلَيْهَا فَقَدْ حَاكَمَ إلَى الطَّاغُوتِ.
وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «سَمِعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْمًا يَتَمَارَوْنَ فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ: إنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِهَذَا، ضَرَبُوا كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، وَإِنَّمَا نَزَلَ كِتَابُ اللَّهِ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَلَا يُكَذِّبُ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَمَا عَلِمْتُمْ مِنْهُ فَقُولُوا، وَمَا جَهِلْتُمْ مِنْهُ فَكِلُوهُ إلَى عَالِمِهِ» أخرجه أحمد وصححه الألباني .
 
قال في تهذيب مدارج السالكين :
وَأَمَّا الْأَدَبُ مَعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَالْقُرْآنُ مَمْلُوءٌ بِهِ.
فَرَأَسُ الْأَدَبِ مَعَهُ: كَمَالُ التَّسْلِيمِ لَهُ، وَالِانْقِيَادُ لِأَمْرِهِ. وَتَلَقِّي خَبَرِهِ بِالْقَبُولِ وَالتَّصْدِيقِ، دُونَ أَنْ يُحَمِّلَهُ مُعَارَضَةَ خَيَالٍ بَاطِلٍ، يُسَمِّيهِ مَعْقُولًا. أَوْ يُحَمِّلَهُ شُبْهَةً أَوْ شَكًّا، أَوْ يُقَدِّمَ عَلَيْهِ آرَاءَ الرِّجَالِ، وَزُبَالَاتِ أَذْهَانِهِمْ، فَيُوَحِّدُهُ بِالتَّحْكِيمِ وَالتَّسْلِيمِ، وَالِانْقِيَادِ وَالْإِذْعَانِ. كَمَا وَحَّدَ الْمُرْسِلَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالْعِبَادَةِ وَالْخُضُوعِ وَالذُّلِّ، وَالْإِنَابَةِ وَالتَّوَكُّلِ.
فَهُمَا تَوْحِيدَانِ. لَا نَجَاةَ لِلْعَبْدِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ إِلَّا بِهِمَا: تَوْحِيدُ الْمُرْسِلِ. وَتَوْحِيدُ مُتَابَعَةِ الرَّسُولِ. فَلَا يُحَاكِمُ إِلَى غَيْرِهِ. وَلَا يَرْضَى بِحُكْمِ غَيْرِهِ. وَلَا يَقِفُ تَنْفِيذُ أَمْرِهِ. وَتَصْدِيقُ خَبَرِهِ. عَلَى عَرْضِهِ عَلَى قَوْلِ شَيْخِهِ وَإِمَامِهِ، وَذَوِي مَذْهَبِهِ وَطَائِفَتِهِ، وَمَنْ يُعَظِّمُهُ. فَإِنْ أَذِنُوا لَهُ نَفَّذَهُ وَقَبِلَ خَبَرَهُ، وَإِلَّا فَإِنْ طَلَبَ السَّلَامَةَ: أَعْرَضَ عَنْ أَمْرِهِ وَخَبَرِهِ وَفَوَّضَهُ إِلَيْهِمْ، وَإِلَّا حَرَّفَهُ عَنْ مَوَاضِعِهِ. وَسَمَّى تَحْرِيفَهُ: تَأْوِيلًا، وَحَمْلًا. فَقَالَ: نُؤَوِّلُهُ وَنَحْمِلُهُ.
فَلَأَنْ يَلْقَى الْعَبْدُ رَبَّهُ بِكُلِّ ذَنْبٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ - مَا خَلَا الشِّرْكَ بِاللَّهِ - خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَلْقَاهُ بِهَذِهِ الْحَالِ.
وَلَقَدْ خَاطَبْتُ يَوْمًا بَعْضَ أَكَابِرِ هَؤُلَاءِ. فَقُلْتُ لَهُ: سَأَلْتُكَ بِاللَّهِ. لَوْ قُدِّرَ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ بَيْنَ أَظْهُرِنَا. وَقَدْ وَاجَهَنَا بِكَلَامِهِ وَبِخِطَابِهِ. أَكَانَ فَرْضًا عَلَيْنَا أَنْ نَتْبَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ نَعْرِضَهُ عَلَى رَأْيِ غَيْرِهِ وَكَلَامِهِ وَمَذْهَبِهِ، أَمْ لَا نَتْبَعَهُ حَتَّى نَعْرِضَ مَا سَمِعْنَاهُ مِنْهُ عَلَى آرَاءِ النَّاسِ وَعُقُولِهِمْ؟
فَقَالَ: بَلْ كَانَ الْفَرْضُ الْمُبَادَرَةَ إِلَى الِامْتِثَالِ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إِلَى سِوَاهُ.
فَقُلْتُ: فَمَا الَّذِي نَسَخَ هَذَا الْفَرْضَ عَنَّا؟ وَبِأَيِّ شَيْءٍ نُسِخَ؟
فَوَضَعَ إِصْبَعَهُ عَلَى فِيهِ. وَبَقِيَ بَاهِتًا مُتَحَيِّرًا. وَمَا نَطَقَ بِكَلِمَةٍ.
 
وفي كتاب الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة :
وَقَول من قَالَ: تعرض السّنة عَلَى الْقُرْآن فَإِن وَافَقت ظَاهره وَإِلَّا استعلمنا ظَاهر الْقُرْآن وَتَركنَا الحَدِيث، فَهَذَا جهل لِأَن سنة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَعَ كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ تُقَام مقَام الْبَيَان عَن الله عَزَّ وَجَلَّ، وَلَيْسَ شَيْء من سنَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُخَالف كتاب الله لِأَن الله عَزَّ وَجَلَّ أعلم خلقه أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يهدي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم فَقَالَ: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم} وَلَيْسَ لنا مَعَ سنة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من الْأَمر شَيْء إِلَّا الِاتِّبَاع وَالتَّسْلِيم وَلَا يعرض عَلَى قِيَاس وَلَا غَيره، وكل مَا سواهَا من قَول الْآدَمِيّين تبع لَهَا، وَلَا عذرا لأحد يتَعَمَّد ترك السّنة، وَيذْهب إِلَى غَيرهَا، لِأَنَّهُ لَا حجَّة لقَوْل أحد مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا صَحَّ.
وفي كتاب الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم رحمه الله :
القرآنُ والحديثُ الصحيح متفقان , هما شيء واحد لا تعارض بينهما ولا اختلاف , يوفق الله تعالى لفهم ذلك من شاء من عباده , ويحرمه من شاء لا إله إلا هو .
 
قال ابن تيمية رحمه الله في محموع الفتاوى :
مِنْ الْأُصُولِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ قَطُّ أَنْ يُعَارِضَ الْقُرْآنَ لَا بِرَأْيِهِ وَلَا ذَوْقِهِ وَلَا مَعْقُولِهِ وَلَا قِيَاسِهِ وَلَا وَجْدِهِ فَإِنَّهُمْ ثَبَتَ عَنْهُمْ بِالْبَرَاهِينِ الْقَطْعِيَّاتِ وَالْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ أَنَّ الرَّسُولَ جَاءَ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ وَأَنَّ الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ: فِيهِ نَبَأُ مَنْ قَبْلَهُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَهُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَهُمْ هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ وَمَنْ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ هُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ وَهُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسُنُ فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُزِيغَهُ إلَى هَوَاهُ وَلَا يُحَرِّفَ بِهِ لِسَانَهُ وَلَا يَخْلَقَ عَنْ كَثْرَةِ التَّرْدَادِ فَإِذَا رُدِّدَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ لَمْ يَخْلَقْ وَلَمْ يُمَلَّ كَغَيْرِهِ مِنْ الْكَلَامِ وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ وَلَا تَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ وَمَنْ دَعَا إلَيْهِ هُدِيَ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. فَكَانَ الْقُرْآنُ هُوَ الْإِمَامَ الَّذِي يُقْتَدَى بِهِ؛ وَلِهَذَا لَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ
أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ أَنَّهُ عَارَضَ الْقُرْآنَ بِعَقْلِ وَرَأْيٍ وَقِيَاسٍ وَلَا بِذَوْقِ وَوَجْدٍ وَمُكَاشَفَةٍ وَلَا قَالَ قَطُّ قَدْ تَعَارَضَ فِي هَذَا الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَقُولَ: فَيَجِبُ تَقْدِيمُ الْعَقْلِ. وَالنَّقْلُ - يَعْنِي الْقُرْآنَ وَالْحَدِيثَ وَأَقْوَالَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - إمَّا أَنْ يُفَوَّضَ وَإِمَّا أَنْ يُؤَوَّلَ.
وقال رحمه الله : إنَّ كُلَّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فَإِنَّهُ مُوَافِقٍ لِصَرِيحِ الْمَعْقُولِ وَأَنَّ الْعَقْلَ الصَّرِيحَ لَا يُخَالِفُ النَّقْلَ الصَّحِيحَ.
 
قال الشاطبي رحمه الله في الاعتصام :
ومِنْ أَسْبَابِ الْخِلَافِ اتِّبَاعُ الْهَوَى :
وَلِذَلِكَ سُمِّيَ أَهْلُ الْبِدَعِ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ لِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ فَلَمْ يَأْخُذُوا الْأَدِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ مَأْخَذَ الِافْتِقَارِ إِلَيْهَا، وَالتَّعْوِيلِ عَلَيْهَا، حَتَّى يَصْدُرُوا عَنْهَا، بَلْ قَدَّمُوا أَهْوَاءَهُمْ، وَاعْتَمَدُوا عَلَى آرَائِهِمْ، ثُمَّ جَعَلُوا الْأَدِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ مَنْظُورًا فِيهَا مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ، وَأَكْثَرُ هَؤُلَاءِ هُمْ أَهْلُ التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ، وَمِنْ مَالَ إِلَى الْفَلَاسِفَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَيَدْخُلُ فِي غِمَارِهِمْ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ يَخْشَى السَّلَاطِينَ لِنَيْلِ مَا عِنْدَهُمْ، أَوْ طَلَبًا لِلرِّيَاسَةِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَمِيلَ مَعَ النَّاسِ بِهَوَاهُمْ، وَيَتَأَوَّلَ عَلَيْهِمْ فِيمَا أَرَادُوا، حَسْبَمَا ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ وَنَقَلَهُ مِنْ مُصَاحِبِي السَّلَاطِينُ.
وَمِنْ أَسْبَابِ الْخِلَافِ التَّصْمِيمُ عَلَى اتِّبَاعِ الْعَوَائِدِ وَإِنْ فَسَدَتْ أَوْ كَانَتْ مُخَالِفَةً لِلْحَقِّ :
وَهُوَ اتِّبَاعُ مَا كَانَ عَلَيْهِ الْآبَاءُ وَالْأَشْيَاخُ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ، وَهُوَ التَّقْلِيدُ الْمَذْمُومُ، فَإِنَّ اللَّهَ ذَمَّ بِذَلِكَ فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف: 22] الْآيَةَ. ثُمَّ قَالَ: {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [الزخرف: 24]
وَهَذِهِ الْأَسْبَابُ رَاجِعَةٌ فِي التَّحْصِيلِ إِلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ: وَهُوَ الْجَهْلُ بِمَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ وَالتَّخَرُّصِ عَلَى مَعَانِيهَا بِالظَّنِّ مِنْ غَيْرِ تَثَبُّتٍ، أَوِ الْأَخْذِ فِيهَا بِالنَّظَرِ الْأَوَّلِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ رَاسِخٍ فِي الْعِلْمِ.
 
جاء في كتاب جامع بيان العلم وفضله لابن عبدالبر رحمه الله :
قَالَ أَبُو عُمَرَ: مَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَقْلِ الثِّقَاتِ وَجَاءَ عَنِ الصَّحَابَةِ وَصَحَّ عَنْهُمْ فَهُوَ عِلْمٌ يُدَانُ بِهِ، وَمَا أُحْدِثَ بَعْدَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ فِيمَا جَاءَ عَنْهُمْ فَبِدْعَةٌ وَضَلَالَةٌ وَمَا جَاءَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ أَوْ صِفَاتِهِ عَنْهُمْ سَلِمَ لَهُ، وَلَمْ يُنَاظَرْ فِيهِ كَمَا لَمْ يُنَاظَرُوا. قَالَ أَبُو عُمَرَ: «رَوَاهَا السَّلَفُ وَسَكَتُوا عَنْهَا وَهُمْ كَانُوا أَعْمَقَ النَّاسِ عِلْمًا وَأَوْسَعَهُمْ فَهْمًا وَأَقَلَّهُمْ تَكَلُّفًا وَلَمْ يَكُنْ سُكُوتُهُمْ عَنْ عِيٍّ فَمَنْ لَمْ يَسَعْهُ مَا وَسِعَهُمْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ»
 
قوله تعالى :{ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (59)}
قال القرطبي رحمه الله :
قوله تعالى: (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا) ... " الَّذِينَ" فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ أَيْ فَبَدَّلَ الظَّالِمُونَ مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ. وَذَلِكَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُمْ: قُولُوا حِطَّةٌ فَقَالُوا حِنْطَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَزَادُوا حَرْفًا فِي الْكَلَامِ فَلَقُوا مِنَ الْبَلَاءِ مَا لَقُوا تَعْرِيفًا أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الدِّينِ وَالِابْتِدَاعِ فِي الشَّرِيعَةِ عَظِيمَةُ الْخَطَرِ شَدِيدَةُ الضَّرَرِ. هَذَا فِي تَغْيِيرِ كَلِمَةٍ هِيَ عِبَارَةٌ عَنِ التَّوْبَةِ أَوْجَبَتْ كُلَّ ذَلِكَ مِنَ الْعَذَابِ فَمَا ظَنُّكَ بِتَغْيِيرِ مَا هُوَ مِنْ صِفَاتِ الْمَعْبُودِ! هَذَا وَالْقَوْلُ أَنْقَصُ مِنَ الْعَمَلِ فَكَيْفَ بِالتَّبْدِيلِ وَالتَّغْيِيرِ فِي الْفِعْلِ.
 
قال ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين :
قَالَ سَعِيدُ بْنُ دَاوُد: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فَضْلٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ حَفْصَةَ عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: مَا عَلَّمَك اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فَاحْمَدْ اللَّهَ، وَمَا اسْتَأْثَرَ بِهِ عَلَيْك مِنْ عِلْمٍ فَكِلْهُ إلَى عَالِمِهِ، وَلَا تَتَكَلَّفُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ لِنَبِيِّهِ: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86] يُرْوَى هَذَا عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ.
وَقَالَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ: مَا اسْتَبَانَ لَك فَاعْمَلْ بِهِ، وَمَا اشْتَبَهَ عَلَيْك فَكِلْهُ إلَى عَالِمِهِ.
وقال الحُميديُّ في أُصُول السُنَّة: نقف على ما وقف عليه القرآن والسُنَّة .
 
قالَ صاحبُ تَفسيرِ المَنَارِ رَحِمَهُ اللَّهُ:
أَقُولُ: نَحْنُ لَا يُرَوِّعُنَا مَا يَرَاهُ الْمُفَسِّرُونَ مِنَ الصُّعُوبَةِ فِي إِعْرَابِ بَعْضِ الْآيَاتِ أَوْ فِي حُكْمِهَا; لِأَنَّ لَهُمْ مَذَاهِبَ فِي النَّحْوِ وَالْفِقْهِ يُزَيِّنُونَ بِهَا الْقُرْآنَ فَلَا يَفْهَمُونَهُ إِلَّا مِنْهَا. وَالْقُرْآنُ فَوْقَ النَّحْوِ وَالْفِقْهِ وَالْمَذَاهِبِ كُلِّهَا، فَهُوَ أَصْلُ الْأُصُولِ، فَمَا وَافَقَهُ فَهُوَ مَقْبُولٌ وَمَا خَالَفَهُ فَهُوَ مَرْدُودٌ مَرْذُولٌ، وَإِنَّمَا يُهِمُّنَا مَا يَقُولُهُ عُلَمَاءُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِيهِ فَهُوَ الْعَوْنُ الْأَكْبَرُ لَنَا عَلَى فَهْمِهِ.
 
جاء في كتاب الانتصار لأصحاب الحديث - لأبي المظفر منصور بن محمد السمعاني:
وَاعْلَم أَن فصل مَا بَيْننَا وَبَين المبتدعة هُوَ مَسْأَلَة الْعقل فَإِنَّهُم أسسوا دينهم على الْمَعْقُول وَجعلُوا الِاتِّبَاع والمأثور تبعا للمعقول وَأما أهل السّنة قَالُوا الأَصْل الِاتِّبَاع والعقول تبع وَلَو كَانَ أساس الدّين على الْمَعْقُول لاستغنى الْخلق عَن الْوَحْي وَعَن الْأَنْبِيَاء صلوَات الله عَلَيْهِم ولبطل معنى الْأَمر وَالنَّهْي ولقال من شَاءَ مَا شَاءَ .
وَلَو كَانَ الدّين بني على الْمَعْقُول وَجب أَلا يجوز للمؤمين أَن يقبلُوا شَيْئا حَتَّى يعقلوا .
وَنحن إِذا تدبرنا عَامَّة مَا جَاءَ فِي أَمر الدّين من ذكر صِفَات الله عز وَجل وَمَا تعبد النَّاس بِهِ من اعْتِقَاده وَكَذَلِكَ مَا ظهر بَين الْمُسلمين وتداولوه بَينهم ونقلوه عَن سلفهم إِلَى أَن أسندوه إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ذكر عَذَاب الْقَبْر وسؤال الْملكَيْنِ والحوض وَالْمِيزَان والصراط وصفات الْجنَّة وصفات النَّار وتخليد الْفَرِيقَيْنِ فيهمَا أُمُور لَا ندرك حقائقها بعقولنا وَإِنَّمَا ورد الْأَمر بقبولها وَالْإِيمَان بهَا .
فَإِذا سمعنَا شَيْئا من أُمُور الدّين وعقلناه وفهمناه فَللَّه الْحَمد فِي ذَلِك وَالشُّكْر وَمِنْه التَّوْفِيق وَمَا لم يمكنا إِدْرَاكه وفهمه وَلم تبلغه عقولنا آمنا بِهِ وصدقنا واعتقدنا أَن هَذَا من قبل ربوبيته وَقدرته واكتفينا فِي ذَلِك بِعِلْمِهِ ومشيئته وَقَالَ تَعَالَى فِي مثل هَذَا {ويسألونك عَن الرّوح قل الرّوح من أَمر رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم إِلَّا قَلِيلا} وَقَالَ الله تَعَالَى {وَلَا يحيطون بِشَيْء من علمه إِلَّا بِمَا شَاءَ}.
ثمَّ نقُول لهَذَا الْقَائِل الَّذِي يَقُول بني ديننَا على الْعقل وأمرنا باتباعه أخبرنَا إِذا أَتَاك أَمر من الله تَعَالَى يُخَالف عقلك فبأيهما تَأْخُذ بِالَّذِي تعقل أَو بِالَّذِي تُؤمر ...؟
فَإِن قَالَ بِالَّذِي أَعقل فقد أَخطَأ وَترك سَبِيل الْإِسْلَام وَإِن قَالَ إِنَّمَا آخذ بِالَّذِي جَاءَ من عِنْد الله فقد ترك قَوْله وَإِنَّمَا علينا أَن نقبل مَا عَقَلْنَاهُ إِيمَانًا وَتَصْدِيقًا وَمَا لم نعقله قبلناه وتسليما واستسلاما .....وَهَذَا معنى قَول الْقَائِل من أهل السّنة إِن الْإِسْلَام قنطرة لَا تعبر إِلَّا بِالتَّسْلِيمِ فنسأل الله التَّوْفِيق فِيهِ والثبات عَلَيْهِ وَأَن يتوفانا على مِلَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمنه وفضله .
 
قَالَ ابن عقيل فِي الْفُنُونِ : مَا عَلَى الشَّرِيعَةِ أَضَرُّ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْمُتَصَوَّفِينَ ، فَهَؤُلَاءِ يُفْسِدُونَ الْعُقُولَ بِتَوَهُّمَاتِ شُبُهَاتِ الْعُقُولِ ، وَهَؤُلَاءِ يُفْسِدُونَ الْأَعْمَالَ وَيَهْدِمُونَ قَوَانِينَ الْأَدْيَانِ ، قَالَ وَقَدْ خَبَرْت طَرِيقَ الْفَرِيقَيْنِ غَايَةُ هَؤُلَاءِ الشَّكُّ ، وَغَايَةُ هَؤُلَاءِ الشَّطْحُ ، وَالْمُتَكَلِّمُونَ عِنْدِي خَيْرٌ مِنْ الصُّوفِيَّةِ ؛ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ قَدْ يَرُدُّونَ الشَّكَّ ، وَالصُّوفِيَّةُ يُوهِمُونَ التَّشْبِيهَ وَالْأَشْكَالَ ، وَالثِّقَةُ بِالْأَشْخَاصِ ضَلَالٌ ، مَا لِلَّهِ طَائِفَةٌ أَجَلُّ مِنْ قَوْمٍ حَدَّثُوا عَنْهُ ، وَمَا أَحْدَثُوا وَعَوَّلُوا عَلَى مَا رَوَوْا لَا عَلَى مَا رَأَوْا .
قال الأوزاعي: "العلم ما جاء عن أصحاب محمد، وما لم يجيء عن واحد منهم فليس بعلم"، وورد مثل هذا عن الإمام أحمد وغيره. انظر جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر.
 
قال في مجموع الفتاوي :
فِي قَوْلِهِ : { يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ } بَيَانٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَارِضَ كِتَابَ اللَّهِ بِغَيْرِ كِتَابِ اللَّهِ لَا بِفِعْلِ أَحَدٍ وَلَا أَمْرِهِ لَا دَوْلَةً وَلَا سِيَاسَةً فَإِنَّهُ حَالُ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ . وَلَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ نَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ فَيُعَارِضُ مَنْسُوخِهِ بِنَاسِخِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا } وَكَمَا قَالَ تَعَالَى : { سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } وَنَظَائِرُهُ مُتَعَدِّدَةٌ .
 
قال أبوالمظفر رحمه الله في الانتصار :
ونشتغل الْآن بِذكر معنى الْعقل ومقامه من الدّين عِنْد أهل السّنة اعْلَم أَن مَذْهَب أهل السّنة أَن الْعقل لَا يُوجب شَيْئا على أحد وَلَا يرفع شَيْئا عَنهُ وَلَا حَظّ لَهُ فِي تَحْلِيل أَو تَحْرِيم وَلَا تَحْسِين وَلَا تقبيح وَلَو لم يرد السّمع مَا وَجب على أحد شَيْء وَلَا دخلُوا فِي ثَوَاب وَلَا عِقَاب وَاسْتَدَلُّوا على هَذَا بقوله تَعَالَى {وَمَا كُنَّا معذبين حَتَّى نبعث رَسُولا} وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {رسلًا مبشرين ومنذرين لِئَلَّا يكون للنَّاس على الله حجَّة بعد الرُّسُل} وَقَالَ تَعَالَى حاكيا عَن الْمَلَائِكَة فِيمَا خاطبوا بِهِ أهل النَّار {ألم يأتكم رسل مِنْكُم يَتلون عَلَيْكُم آيَات ربكُم وينذرونكم لِقَاء يومكم هَذَا قَالُوا بلَى}
فَأَقَامَ الْحجَّة عَلَيْهِم ببعثه الرُّسُل فَلَو كَانَت الْحجَّة لَازِمَة بِنَفس الْعقل لم يكن بَعثه للرسل شرطا لوُجُوب الْعقُوبَة .
 
وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله) فَدلَّ أَنه الدَّاعِي إِلَى الْإِيمَان وَعِنْدهم أَن الدَّاعِي إِلَى الْإِيمَان هُوَ الْعقل .
وَجَاء الْكتاب مؤيدا لهَذَا قَالَ الله تَعَالَى { قل يَا أَيهَا النَّاس إِنِّي رَسُول الله إِلَيْكُم جَمِيعًا الَّذِي لَهُ ملك السَّمَاوَات وَالْأَرْض } الْآيَة .
فَدلَّ على أَن الدعْوَة لَهُ وَأَن الْحجَّة تقوم بِهِ وأمثال هَذِه الْآيَات فِي الْقُرْآن كَثِيرَة .
وَقَالَ بَعضهم الْعقل حجَّة الله على جَمِيع الْخلق لِأَنَّهُ سَبَب التَّكْلِيف إِلَّا أَن صَاحبه لَا يَسْتَغْنِي عَن التَّوْفِيق فِي كل وَقت وَنَفس الْعقل بالتوفيق كَانَ والعاقل مُحْتَاج فِي كل وَقت إِلَى توفيق جَدِيد تفضلا من الله تَعَالَى .
لَو لم يكن كَذَلِك لَكَانَ الْعُقَلَاء مستغنين عَن الله بِالْعقلِ فيرتفع عَنْهُم الْخَوْف والرجاء ويصيرون آمِنين من الخذلان وَهَذَا تجَاوز عَن دَرَجَة الْعُبُودِيَّة وتعد عَنْهَا ومحال من الْأَمر إِذْ لَيْسَ من الْحِكْمَة أَن ينزل الله تَعَالَى أحدا غير مَنْزِلَته فَإِذا أغْنى عبيده عَن نَفسه فقد أنزلهم غير مَنْزِلَتهمْ وَجَاوَزَ بهم حدودهم .
وَلَو كَانَ هَذَا هَكَذَا لاستوى الْخلق والخالق فِي معنى من مَعَاني الربوبية وَالله تَعَالَى لَيْسَ كمثله شَيْء فِي جَمِيع الْمعَانِي .
 
قال تعالى :{وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11)}
 
بارك الله فيك ، ولكن لا يجوز الخلط بين العقل وبين ما يزعم الناس أنه العقل .فلا يعارض الشرع بالعقل ، ولكن يعترض بعض الناس بما عقله هو ، فيجعله العقل ،ولذا أشار الى ذلك ابن تيمية رحمه الله في كتاب درء التعارض بأن بعضهم بقول : العقل يقول كذا ، ثم يأتي آخر فيقول بحلافه ويزعم أن العقل يقول ذلك ، والعقل لا يقبل الضدين معا . هذا الكلام نقلته بالمعنى عنه .والصواب أن هذا الذي يسمونه عقلا زورا هو إما فهما خاطئا ، وإما هوى .
 
بارك الله فيك أخ مجدي ... ونسأل الله أن يصلح أعمالنا وأقوالنا ...لعلك تابعت الطريقة التي سلكتها وليس في ما نقلتُ ما ليس بمتفق مع ما تقول ..وشيخ الإسلام رحمه الله دائما يردد :{ صَحِيحُ الْمَنْقُولِ وَصَرِيحُ الْمَعْقُولِ }
وكل ما نتمناه من الله أن يرزقنا الصدق والقبول ...
 
قال رحمه الله في مجوع الفتاوى :
فَإِنَّ الْعَقْلَ الصَّرِيحَ لَا يُخَالِفُ النَّقْلَ الصَّحِيحَ كَمَا أَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ لَا يُخَالِفُ بَعْضُهُ بَعْضًا وَلَكِنْ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَظُنُّ تَنَاقُضَ ذَلِكَ وَهَؤُلَاءِ مِنْ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} وَنَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا.
 
قال شيخ الإسلام رحمه الله :
وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الْإِمَامِ أَحْمَد: ضَعِيفُ الْحَدِيثِ خَيْرٌ مِنْ الرَّأْيِ.
 
جاء في شرح العقيدة الطحاوية بتحقيق الشيخ أحمد شاكر رحمه الله:
وَقَوْلُهُ:"فَإِنَّهُ مَا سَلِمَ فِي دِينِهِ إِلَّا مَنْ سَلَّمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَدَّ عِلْمَ مَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ إِلَى عَالِمِهِ".
أَيْ: سَلَّمَ لِنُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَمْ يَعْتَرِضْ عَلَيْهَا بِالشُّكُوكِ وَالشُّبَهِ وَالتَّأْوِيلَاتِ الْفَاسِدَةِ، أَوْ بِقَوْلِهِ: الْعَقْلُ يَشْهَدُ بِضِدِّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ النَّقْلُ ! وَالْعَقْلُ أَصْلُ النَّقْلِ ! ! فَإِذَا عَارَضَهُ قَدَّمْنَا الْعَقْلَ ! ! وَهَذَا لَا يَكُونُ قَطُّ. لَكِنْ إِذَا جَاءَ مَا يُوهِمُ مِثْلَ ذَلِكَ: فَإِنْ كَانَ النَّقْلُ صَحِيحًا فَذَلِكَ الَّذِي يُدَّعَى أَنَّهُ مَعْقُولٌ إِنَّمَا هُوَ مَجْهُولٌ، وَلَوْ حَقَّقَ النَّظَرَ لَظَهَرَ ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ النَّقْلُ غَيْرَ صَحِيحٍ فَلَا يَصْلُحُ لِلْمُعَارَضَةِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَتَعَارَضَ عَقْلٌ صَرِيحٌ وَنَقْلٌ صَحِيحٌ أَبَدًا. وَيُعَارَضُ كَلَامُ مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ بِنَظِيرِهِ، فَيُقَالُ: إِذَا تَعَارَضَ الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ وَجَبَ تَقْدِيمُ النَّقْلِ، لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمَدْلُولَيْنِ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ، وَرَفَعُهُمَا رَفْعُ النَّقِيضَيْنِ، وَتَقْدِيمُ الْعَقْلِ مُمْتَنِعٌ، لِأَنَّ الْعَقْلَ قَدْ دَلَّ عَلَى صِحَّةِ السَّمْعِ وَوُجُوبِ قَبُولِ مَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَوْ أَبْطَلْنَا النَّقْلَ لَكُنَّا قَدْ أَبْطَلْنَا دَلَالَةَ الْعَقْلِ، وَلَوْ أَبْطَلْنَا دَلَالَةَ الْعَقْلِ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يَكُونَ مُعَارِضًا لِلنَّقْلِ، لِأَنَّ مَا لَيْسَ بِدَلِيلٍ لَا يَصْلُحُ لِمُعَارَضَةِ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ، فَكَانَ تَقْدِيمُ الْعَقْلِ مُوجِبًا عَدَمَ تَقْدِيمِهِ، فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ. وَهَذَا بَيِّنٌ وَاضِحٌ، فَإِنَّ الْعَقْلَ هُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَى صِدْقِ السَّمْعِ وَصِحَّتِهِ، وَأَنَّ خَبَرَهُ مُطَابِقٌ لِمُخْبِرِهِ، فَإِنْ جَازَ أَنْ تَكُونَ الدَّلَالَةُ بَاطِلَةً لِبُطْلَانِ النَّقْلِ لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ الْعَقْلُ دَلِيلًا صَحِيحًا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ دَلِيلًا صَحِيحًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُتَّبَعَ بِحَالٍ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يُقَدَّمَ، فَصَارَ تَقْدِيمُ الْعَقْلِ عَلَى النَّقْلِ قَدْحًا فِي الْعَقْلِ.
فَالْوَاجِبُ كَمَالُ التَّسْلِيمِ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْانْقِيَادُ لِأَمْرِهِ، وَتَلَقِّي خَبَرِهِ بِالْقَبُولِ وَالتَّصْدِيقِ، دُونَ أَنْ يُعَارِضَهُ بِخَيَالٍ بَاطِلٍ يُسَمِّيهِ مَعْقُولًا، أَوْ نُحَمِّلَهُ شُبْهَةً أَوْ شَكًّا، أَوْ يُقَدِّمَ عَلَيْهِ آرَاءَ الرِّجَالِ وَزُبَالَةَ أَذْهَانِهِمْ، فَيُوَحِّدَهُ بِالتَّحْكِيمِ وَالتَّسْلِيمِ وَالْانْقِيَادِ وَالْإِذْعَانِ، كَمَا وَحَّدَ الْمُرْسِلَ بِالْعِبَادَةِ وَالْخُضُوعِ وَالذُّلِّ وَالْإِنَابَةِ وَالتَّوَكُّلِ.
فَهُمَا تَوْحِيدَانِ، لَا نَجَاةَ لِلْعَبْدِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ إِلَّا بِهِمَا: تَوْحِيدُ الْمُرْسِلِ، وَتَوْحِيدُ مُتَابَعَةِ الرَّسُولِ، فَلَا يُحَاكِمُ إِلَى غَيْرِهِ، وَلَا يَرْضَى بِحُكْمِ غَيْرِهِ، وَلَا يَقِفُ تَنْفِيذَ أَمْرِهِ وَتَصْدِيقَ خَبَرِهِ عَلَى عَرْضِهِ عَلَى قَوْلِ شَيْخِهِ وَإِمَامِهِ وَذَوِي مَذْهَبِهِ وَطَائِفَتِهِ وَمَنْ يُعَظِّمُهُ، فَإِنْ أَذِنُوا لَهُ نَفَّذَهُ وَقَبِلَ خَبَرَهُ، وَإِلَّا فَإِنْ طَلَبَ السَّلَامَةَ فَوَّضَهُ إِلَيْهِمْ وَأَعْرَضَ عَنْ أَمْرِهِ وَخَبَرِهِ، وَإِلَّا حَرَّفَهُ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَسَمَّى تَحْرِيفَهُ تَأْوِيلًا وَحَمْلًا، فَقَالَ: نُؤَوِّلُهُ وَنَحْمِلُهُ. فَلَأَنْ يَلْقَى الْعَبْدُ رَبَّهُ بِكُلِّ ذَنْبٍ - مَا خَلَا الْإِشْرَاكَ بِاللَّهِ - خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَلْقَاهُ بِهَذِهِ الْحَالِ.
بَلْ إِذَا بَلَغَهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ يَعُدُّ نَفْسَهُ كَأَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهَلْ يَسُوغُ أَنْ يُؤَخِّرَ قَبُولَهُ وَالْعَمَلَ بِهِ حَتَّى يَعْرِضَهُ عَلَى رَأْيِ فُلَانٍ وَكَلَامِهِ وَمَذْهَبِهِ؟ ! بَلْ كَانَ الْفَرْضُ الْمُبَادَرَةَ إِلَى امْتِثَالِهِ، مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إِلَى سِوَاهُ، وَلَا يُسْتَشْكَلُ قَوْلُهُ لِمُخَالَفَتِهِ رَأْيَ فُلَانٍ، بَلْ تُسْتَشْكَلُ الْآرَاءُ لِقَوْلِهِ، وَلَا يُعَارَضُ نَصُّهُ بِقِيَاسٍ، بَلْ تُهْدَرُ الْأَقْيِسَةُ، وَتُلْغَى لِنُصُوصِهِ، وَلَا يُحَرَّفُ كَلَامُهُ عَنْ حَقِيقَتِهِ، لِخَيَالٍ يُسَمِّيهِ أَصْحَابُهُ مَعْقُولًا، نَعَمْ هُوَ مَجْهُولٌ، وَعَنِ الصَّوَابِ مَعْزُولٌ ! وَلَا يُوقَفُ قَبُولُ قَوْلِهِ عَلَى مُوَافَقَةِ فُلَانٍ دُونَ فُلَانٍ، كَائِنًا مَنْ كَانَ.
 
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «لَقَدْ جَلَسْتُ أَنَا وَأَخِي مَجْلِسًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهِ حُمْرَ النَّعَمِ، أَقْبَلْتُ أَنَا وَأَخِي، وَإِذَا مَشْيَخَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُلُوسٌ عِنْدَ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهِ، فَكَرِهْنَا أَنْ نُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ، فَجَلَسْنَا حَجْرَةً، إِذْ ذَكَرُوا آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ، فَتَمَارَوْا فِيهَا، حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُغْضَبًا، قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ، يَرْمِيهِمْ بِالتُّرَابِ، وَيَقُولُ: مَهْلًا يَا قَوْمِ ! بِهَذَا أُهْلِكَتِ الْأُمَمُ مِنْ قَبْلِكُمْ، بِاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، وَضَرْبِهِمُ الْكُتُبَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ، إِنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَنْزِلْ يُكَذِّبُ بَعْضُهُ بَعْضًا، بَلْ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَاعْمَلُوا بِهِ، وَمَا جَهِلْتُمْ مِنْهُ فَرُدُّوهُ إِلَى عَالِمِهِ»رواه أحمد ومسلم والبخاري في كتاب خلق أفعال العباد .{ وزارة الشؤون الإسلامية ، والأوقاف والدعوة والإرشاد بالسعودية }
 
قال في مجموع الفتاوى :
" وَأَضَلُّ الضَّلَالِ " اتِّبَاعُ الظَّنِّ وَالْهَوَى كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَقِّ مَنْ ذَمَّهُمْ: {إنْ يَتَّبِعُونَ إلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} وَقَالَ فِي حَقِّ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَالنَّجْمِ إذَا هَوَى} {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} {إنْ هُوَ إلَّا وَحْيٌ يُوحَى} فَنَزَّهَهُ عَنْ الضَّلَالِ وَالْغَوَايَةِ اللَّذَيْنِ هَمَّا الْجَهْلُ وَالظُّلْمُ فَالضَّالُّ هُوَ الَّذِي لَا يَعْلَمُ الْحَقَّ وَالْغَاوِي الَّذِي يَتَّبِعُ هَوَاهُ. وَأَخْبَرَ أَنَّهُ مَا يَنْطِقُ عَنْ هَوَى النَّفْسِ؛ بَلْ هُوَ وَحْيٌ أَوْحَاهُ اللَّهُ إلَيْهِ فَوَصَفَهُ بِالْعِلْمِ وَنَزَّهَهُ عَنْ الْهَوَى.
 
قوله تعالى :{ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)}
قال ابن كثير رحمه الله :
وَقَوْلُهُ: {فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}
يُقْسِمُ تَعَالَى بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ الْمُقَدَّسَةِ: أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ أَحَدٌ حَتَّى يُحَكم الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ، فَمَا حَكَمَ بِهِ فَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي يَجِبُ الِانْقِيَادُ لَهُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا؛ وَلِهَذَا قَالَ: {ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} أَيْ: إِذَا حَكَّمُوكَ يُطِيعُونَكَ فِي بَوَاطِنِهِمْ فَلَا يَجِدُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا حَكَمْتَ بِهِ، وَيَنْقَادُونَ لَهُ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ فَيُسَلِّمُونَ لِذَلِكَ تَسْلِيمًا كُلِّيًّا مِنْ غَيْرِ مُمَانِعَةٍ وَلَا مُدَافِعَةٍ وَلَا مُنَازِعَةٍ.
 
قال في تفسير المنار :
الدِّينُ فِي حَقِيقَتِهِ وَطَبِيعَتِهِ وَعُرْفِ جَمِيعِ الْمِلَلِ تَشْرِيعٌ إِلَهِيٌّ مَوْضُوعُهُ مَعْرِفَةُ اللهِ - تَعَالَى - وَعِبَادَتُهُ وَشُكْرُهُ ، وَتَزْكِيَةُ النَّفْسِ وَتَهْذِيبُهَا بِاجْتِنَابِ الشَّرِّ وَفِعْلِ الْخَيْرِ ، وَالتَّعَاوُنِ بَيْنَ النَّاسِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى إِلَخْ . وَمَصْدَرُهُ وَحْيُهُ - تَعَالَى - لِمَنِ اصْطَفَى مِنْ عِبَادِهِ لِرِسَالَتِهِ ، وَتَبْلِيغُهُمْ لِمَا ارْتَضَاهُ وَشَرَعَهُ لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ - تَعَالَى - أَنْ يُشَرِّعَ لَهُمْ عِبَادَةً وَلَا حُكْمًا دِينِيًّا مِنْ حَرَامٍ أَوْ حَلَالٍ ، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ مُفْتَرِيًا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ ، سَوَاءٌ أَسْنَدَهُ إِلَيْهِ - تَعَالَى - بِالْقَوْلِ أَمْ لَا ، لِأَنَّ كُلَّ مَا يُتَّخَذُ دِينًا مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ فَهُوَ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى نِسْبَتِهِ إِلَى اللهِ وَادِّعَاءِ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي شَرَعَهُ ، لِأَنَّ الدِّينَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْهُ وَلَهُ ، وَآيَاتُ الْقُرْآنِ صَرِيحَةٌ فِي هَذَا .
 
الأخ بشير: ما هذا؟ وما مبرر قص ولصق مهاترات أنتيكية منزوعة السياق تنتمى إلى حقبة ما قبل الثورة الكوبرنيكية التي أطاحت برأس تربّع على عرش المعرفية العلمية لأزيد من 1800 سنة (أرسطو آل طاليس)؟ إنك تعيش في القرن الحادي والعشرين، وقد تجاوزت المعرفة الحديثة في مختلف العلوم النظرية والاجتماعية والأدبية تلك التصورات الموجودة في تلك المنقولات بمراحل رهيبة. إن كان ولابد من العودة إلى مقولات تراثية، فأضعف الإيمان أن يكون العرض بصيغة تناسب العقلية الحديثة وهي عقلية قامت على أجهزة مفاهيمية تصوراتية ذهنيا وسيكولوجيا ومعرفيا ومنهجيا أحدثت قطيعة قطعية بـ 180° مع الجبر الخواريزمي. إرحمنا وارحم شباب الأمة، يرحمك الله.
 
بسم الله الرحمن الرحيم .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
فبقاء مثلك في هذا الملتقى السني أمر مُحير جدا .. ففي السنة { لا ضرر ولا ضرار }
وفي صحيح التفسير أنه تم هدم أو حرق مسجد الضرار ...فأقل أحوالك ما دمت باقيا على وهمك أن يتم حجبك عن الملتقى إلا إذا كانت هناك أمور لا نعلمها وراءك .....
أما بالنسبة لكلامي فبحمد الله لي في كل كلمة أصل ونسب ... فلست مقطوع الأصل والنسب !!!
ومقطوع النسب يجب حجبه حجب حرمان ......!!!
وإن كان الكلامُ الذي نقلتُه يصم أذنك وأذن المعتزلة الجدد ..فلا عجلة فالبقية أعجب وأمر { من المرارة }
ولن أطيل معك وسأدخر لك كلاما آخر لوقته لأنك ستعود ... فمهمتكم مدفوعة الأجر .
قال تعالى في سورة الأنبياء :{ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (110) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (111) قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (112)}
 
قال السيوطي رحمه الله في مِفْتَاح الْجنَّة فِي الإحتجاج بِالسنةِ:
اعلموا - يَرْحَمكُمْ الله - أَن من الْعلم كَهَيئَةِ الدَّوَاء. وَمن الآراء كَهَيئَةِ الْخَلَاء. لَا تذكر إِلَّا عِنْد دَاعِيَة الضَّرُورَة، وَأَن مِمَّا فاح رِيحه فِي هَذَا الزَّمَان وَكَانَ دارسا بِحَمْد الله تَعَالَى مُنْذُ أزمان، وَهُوَ أَن قَائِلا رَافِضِيًّا زنديقا أَكثر فِي كَلَامه أَن السّنة النَّبَوِيَّة وَالْأَحَادِيث المروية - زَادهَا الله علوا وشرفا - لَا يحْتَج بهَا، وَأَن الْحجَّة فِي الْقُرْآن خَاصَّة.
 
وقال رحمه الله :
فاعلموا رحمكم الله أَن من أنكر كَون حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قولا كَانَ أَو فعلا بِشَرْطِهِ الْمَعْرُوف فِي الْأُصُول حجَّة، كفر وَخرج عَن دَائِرَة الْإِسْلَام وَحشر مَعَ الْيَهُود وَالنَّصَارَى، أَو مَعَ من شَاءَ الله من فرق الْكَفَرَة.
روى الإِمَام الشَّافِعِي
رَضِي الله عَنهُ يَوْمًا حَدِيثا وَقَالَ إِنَّه صَحِيح فَقَالَ لَهُ قَائِل: أَتَقول بِهِ يَا أَبَا عبد الله؟، فاضطرب وَقَالَ: "يَا هَذَا أرأيتني نَصْرَانِيّا؟ أرأيتني خَارِجا من كَنِيسَة؟ أَرَأَيْت فِي وسطي زناراً؟ أروي حَدِيثا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا أَقُول بِهِ".
وأصل هَذَا الرَّأْي الْفَاسِد أَن الزَّنَادِقَة وَطَائِفَة من غلاة الرافضة ذَهَبُوا إِلَى إِنْكَار الِاحْتِجَاج بِالسنةِ والاقتصار على الْقُرْآن وهم فِي ذَلِك مختلفو الْمَقَاصِد.
 
قوله تعالى :{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3)}
قال صاحب " فتح البيان " : لا معنى للإكمال في الآية إلا وفاء النصوص بما يحتاج إليه الشرع . إمَّا بالنص على كل فرد ، أو باندراج ما يحتاج إليه تحت العمومات الشاملة . ومما يؤيد ذلك قوله تعالى : { مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ } [ الأنعام : 38 ] وقوله : { وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [ الأنعام : 59 ] وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : تركتكم على الواضحة ، ليلها كنهارها. وجاءت نصوص الكتاب العزيز بإكمال الدين . وبما يفيد هذا المعنى ، ويصحح دلالته ، ويؤيد برهانه ،
ويكفي في دفع الرأي ، وأنه ليس من الدين -قول الله تعالى { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا }. فإنه إذا كان الله قد أكمل دينه قبل أن يقبض إليه نبيَّه صلى الله عليه وسلم ، فما هذا الرأي الذي أحدثه أهله بعد أن أكمل الله دينه لأنه إن كان من الدين -في اعتقادهم -فهو لم يكمل عندهم إلا برأيهم ، وهذا فيه ردَّ للقرآن . وإن لم يكن من الدين ، فأيّ فائدة في الاشتغال بما ليس منه ؟ وما ليس منه فهو ردّ بنص السنة المطهرة . كما ثبت في " الصحيح " -وهذه حجة قاهرة ودليل باهر لا يمكن أهل الرأي أن يدفعوه بدافع أبداً . فاجعل هذه الآية الشريفة أول ما تصكّ به وجوه أهل الرأي ، وترغم به آنافهم ، وتدحض به حجتهم . فقد أخبرنا الله في محكم كتابه أنه أكمل دينه . ولم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد أن أخبرنا بهذا الخبر عن الله عز وجل . فمن جاء بشيء من عند نفسه وزعم أنه من ديننا قلنا له : إنّ الله أصدق منك : { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً } [ النساء : 122 ] . اذهب لا حاجة لنا في رأيك . وليت المقلدة فهموا هذه الآية حق الفهم حتى يستريحوا ويريحوا .
 
عودة
أعلى