وما عليك ألا يزَّكى

إنضم
06/09/2005
المشاركات
960
مستوى التفاعل
18
النقاط
18
الإقامة
القصيم، بريدة.
[align=center]وما عليك ألا يزَّكى [/align]ما أعظم القرآن، وما أجمل آياته وأعذب ألفاظه وأبلغ عظاته! تأملت في هذه الآية الكريمة فلَكَأنني أسمعها لأول مرة، تأملتها ولسان حال بعض إخواننا الدعاة يقول: لا بد أن يتزكى!
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - مشغولاً بدعوة رجل من كبراء قريش، فجاءه عبد الله بن أم مكتوم الأعمى - رضي الله عنه - فجعل يقول: يا رسول الله! علِّمني ممّا علَّمك الله! فأعرض عنه - صلى الله عليه وسلم - وأقبل على ذلك السيد الكافر رجاءَ إسلامه، فنزل العتاب الربَّانيّ الشديد من فوق سبع سماوات: {عَبَسَ وَتَولَّى * أَن جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى* فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى * كَلاَّ إنَّهَا تَذْكِرَةٌ} [عبس: ١ - ١١].
سبحان الله! ماذا فعل الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - ؟ لقد رام مصلحةً كبيرةً للإسلام والمسلمين وقدَّمها على مصلحة صغرى، لقد حرص على هداية ذلك العظيم من عظماء قريش؛ لأن في هدايته نفعاً عظيماً للمسلمين، وتقوية لهم، ودفعاً للأذى عنهم في زمن اشتدت فيه كربتهم وضاقت حيلتهم.
وأمّا هذا الرجل الأعمى الضعيف فلا يضيره ولا يضر الإسلام قليلاً حتى يتفرغ النبي - صلى الله عليه وسلم - لتعليمه؛ فهو رجل مسلم مؤمن، ولا ضرر في الإعراض عنه لذلك الهدف النبيل... هكذا يبدو للناظر، ولكن ليس الأمر كذلك في ميزان السماء.
إنّ الحرص على هداية الناس ولا سيّما الأكابر ومَنْ يُرجى بإسلامه أو هدايته نفع كبير للإسلام والمسلمين، من أعظم واجبات الدين ومهماته. وتقديمُ المصالح الكبرى العامة على المصالح الصغرى الخاصة أمرٌ جاءت الشريعة بتقريره وتأكيده، ولكن يُشترط ألا يترتب على ذلك الإخلالُ بفريضة من فرائض الدين، أو انتهاك شيء من حدوده، فإن الشريعة كلها مبنية على تحقيق المصالح ودرء المفاسد.
ما أحوجنا إلى تدبُّر هذه الآيات الكريمة في مقدمة سورة (عبس) في هذا الوقت الذي انتشر فيه ما يسمّى بفقه التيسير؛ الذي يتضمن في كثير من الأحيان تقديمَ المصلحة على النصّ، والبحثَ عن الرُّخَص والأقوال الضعيفة التي تتوافق مع ظروف الناس اليومَ وترغِّبهم في الدين (زعموا!)، ونحن نحسن الظنّ بكثير من أصحاب هذه الدعاوى، ولكنّ الغاية لا تبرر الوسيلة.
لقد كان لهذا المنهج الفقهي آثار سلبية تمثلت في مظاهر منها: الاستخفاف بكثير من المحرمات، والتقصير في الواجبات، وعدم إنكار بعض المنكرات، ولا سيّما إذا وافقت هوى في النفس وضعفاً في الدين والورع، وأخطر من ذلك أنها ربما مهّدت لتقبّل الفكر الإرجائي الذي انبعث من جديد.
وهنا أؤكد على بعض المعالم المهمة التي لا تخفى على القارئ الكريم، وهي:
1 - أن هذه الشريعة المحمّدية مبنية على اليُسر والسماحة: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٨٧]، فليست بحاجة ألبتّة إلى من يزيدها يسراً وسهولةً.
2 - ينبغي أن يُعرَض دينُ الله كما نُزِّل من عند الله: {وَقُلِ الْـحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِـمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْـمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف: ٩٢] ، مع مراعاة التدرّج في الدعوة.
3 - كل مصلحة تعارض نصاً من الكتاب أو السنة أو الإجماع فهي مصلحة ملغاة لا اعتبار لها، وكل مصلحة متحققة لا تُترَك لأجل مصلحة متوهَّمة، والشرع أدرى بمصالح العباد من العقل.
4 - أنّ هذه الشرعية السَّمحة صالحة لكل زمــان ومكــان، لا حرجَ فيها ولا عَنَتَ، يستطيع المسلمون في هذا الزمن الالتزام بحدودها وإظهار شعائرها في أغلب البلدان.
5 - من قواعد الشريعة الـمُجمَع عليها أن الضرورات تبيح المحظورات؛ فإذا اضطر الإنسان لترك واجب أو فعل محرم جاز له ذلك، ولكنَّ الضرورة تُقدَّر بقدْرِها وزمانها ومكانهــا، ولا يترخَّص بها جميع الناس.
6- لم نرَ لهذا التساهل والتَّرخُّص أثراً واضحاً في دعوة غير المسلمين، أو توبة بعض المذنبين، بل ثبت أن الكفّار وأهل الكبائر من المسلمين يزدرون من يداهن في دينه.
هذه وقفة سريعة حول هذه الآية الكريمة.
وأخيراً أوصي من تصدَّر للفتوى من أهل العلم أن يتقي الله - تعالى - في فتواه، وأن يعلم أنه موقِّع عنه - جلّ في علاه - قائم بين يديه، وليحذر كل الحذر أن يجرِّئ الناس على حدود الله.
نسأل الله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.
 
جزاك الله خيراً شيخنا
ولعل في انتشار الإسلام بين الضعفة ومن شابههم سرٌّ يحتاج لتأمل فالغالب على هؤلاء الوضوح والصراحة، بينما يتصف كثير من العلية في الغالب بشيء من الغموض والتلاعب والإسلام جاء واضحاً مخاطباً للنفس البشرية بكل شفافية.. ولذلك ينتشر بسرعة مذهلة بين البسطاء من الناس ثم يتبعهم الصادقون من الكبار وهكذا..
والله أعلم
 
جزاكم الله خيرا ..
ووددت لو أضاف الدكتور إبراهيم ذكر مصدر هذا المقال.
وقد قرأته في مجلة البيان في عددها الأخير للدكتور إبراهيم الدحيم -رحمه الله-.
 
بارك الله فيكم ، وقد وقع خطأ للإخوة المحررين في مجلة البيان فنسبوا المقال للشيخ إبراهيم الدحيم - رحمه الله - ، على أن الشيخ لم يكن من منسوبي الجامعة .
وقد عرفت لأول وهلة من قراءة المقال أنه ليس له ؛ لمتابعتي الدقيقة لمقالاته رحمه الله .

بارك الله فيكم دكتور إبراهيم ، ورفع درجتكم في عليين .
 
وقد اعتذر الإخوة الكرام في مجلة البيان عن الخطأ في نسبة المقال في العدد الجديد من المجلة ( عدد شهر محرم) ص 20 ، والمقصود وصول الفكرة بغض النظر عن الكاتب، غفر الله لأخينا الشيخ إبراهيم الدحيم وأسكنه فسيح جناته. وشكر الله لك يا أبا الوليد وتقبل دعاءك ورفع قدرك.
 
وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ

وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ

[align=justify]أشكر أخي الشيخ إبراهيم على هذا الموضوع المهم والخطير، والذي يعالج مشكلة كثير من الذين لم يوفقوا للفهم الصحيحلمهمة الدعاة إلى الله تعالى.

وقد وجدت تنبيهاً مهما حول نفس فكرة هذا الموضوع للشيخ الفاضل: جعفر شيخ إدريس، وكان جزءا من كلمة ألقاها بحضور العلامة عبدالعزيز بن باز رحمه الله، وهو تعليق على قول الله تعالى: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}، وهذا نص ما أردت نقله هنا لأهميته:

( أعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا وبعد : فإن الله تعالى قد حصر مهمة الرسول في البلاغ فقال تعالى: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) [النور:54] . وكرر الله هذا المعنى في آيات كثيرة وكما أنه سبحانه وتعالى بين للرسول صلى الله عليه وسلم مهمته فقد بيَّن له أيضاً نتائج هذه المهمة وما لا يتصل بهذه المهمة كي لا يشغل نفسه بها ، وأريد أن أتكلـم لكم في كلمات موجـزة عن بعض هذه المهام التي لا تتصل بمهمة البلاغ كما ذكرها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم .

فأولاً: ما دامت مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم وبالتالي مهمة كل داعية يتتبع خطي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ما دامت هذه المهمة محصورة في البلاغ فينبغي على الداعية أن يبلغ الرسالة كما هي وألا يزيد فيها ولا ينقص منها وأن يستمسك بها كما أنزلها الله سبحانه وتعالى وينبغي عليه



ثانياً: أن لا يظن أن مهمته أن يُدخل الإيمان في قلوب الناس فلذلك أمر قد تكفل الله سبحانه وتعالى به ولم يتركه لنبي أو لداعية أو لأحد من البشر ، ولكن هذا مما يصعُب على الإنسان جدا ، فالإنسان عجـول يريد أن يرى نتائج عمله ، والناس كما قيل كأســراب القطـا مجبولون على حـب التقليد والموافقة ، فالإنسان يحـب إذا قـال للناس كلاما أن يقبلوا منه هذا الكـلام وأن يعيدوه لكي يكـونوا مثله فإذا لم يفعلـوا هذا غـره شـياطـين الإنس والجـن على أن يغير هو في دعـوته كي تناسـب ما عندهـم ولذلـك فـإن الله سبحانه وتعالـى حــذر رســوله صلى الله عليه وسلم من أمثال هـؤلاء فقال : (وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً. وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا . إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا) [الإسـراء : 73 - 75]

فقـوله سبحانه وتعالى: (وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً) هذا كلام في غاية الأهمية وذلك لأن دعاة الباطل والكفار ليغرون الداعية بأنه إذا غير هنا أو غير هناك أو أوّل الدين أو فسره بما يناسب أهواءهم فإنهم يحبونه ويعظمونه ، وهذا ما يحدث الآن في واقعنا ، فإن المستشرقين وأمثالهـم من الشيوعيين وغيرهم كثيرا ما يمدحون الدعاة أو المنتسبين إلى الإسلام الذين يعمدون إلى مثل هذا التغيير فيصفونهم بسعة الأفق وفهمهم العصر ويصفونهم بأنهم يجعلون الدين للناس يسرا ويصفونهم بأنهم أذكياء وبأنهم متحررون وبأنهم كذا وكذا وكذا ، وهذا يغر الإنسان فيتمادى في التحريف ، وهم لا يريدون لهذا التحريف أن يقف عند حد ، فكل ما وجدوا إنسانا أكثر تحريفا عظموه عمن هو أقل منه تحريفا لأنهم لم يرضوا عنه: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة:120] . هذه الغاية التي يريدون للإنسان الداعية أن يصل إليها.
وإذا كان هذا قد حدث في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه موجـود عندنا الآن . إن المجتمـع وإن المنحـرفين فيه كثيرا ما يضغطـون على الدعـاة بأن يفسروا الـدين وأن يؤولـوه بما يناسـب أهـواءهـم ، والداعــية المخـلــص يظـن أنه إذا استجـاب لكلامـهـم فإن هذا مما يدعـوهـم لأن يقبلــوا كلام الله سبحانه وتعالى ويقبلـوا دعـوته ولكن الله سبحانه وتعالى يحـذر الرسول صلى الله عليه وسلم ويبين له أن الإنسان الصالح الذي يريد الـهـدى يكـفيه هذا الذي أنـزلنـاه إليه ، وأما الذي يقـترح عليه بأن نغير هنا أو نبـدل هناك لكي نستجـيب لدعـوتك فإنه لن يستـجيب أبدا ، ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى للرسول صلى الله عليه وسلم: (وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ) [الأنعام:35]

ولذلك كما قلت، في عصرنا هذا رأينا كثيرا من الناس يضيقون صبراً بكثير من أحكام الإسلام التي لا تتمشى مع أهواء العصر ، فهم يضيقون بتعدد الزوجات وبرجم الزاني المحصن لأن الغربيين يرون أن هذا من القسوة ، بل أن كل الحدود يرون أنها من القسوة ويضيقون صدرا بالربا ، لأن البنوك كلها تتعامل به ويظنون أن الحياة لا يمكن أن تسير إلا به ويضيقون صدرا بقتل المرتد لأن هذا لا يتناسب مع التسامح الديني كما هو مفهوم في الغرب ، بل إن هذا الضيق قد يصل إلى بعض العقائد ، فإن كثيرا من المنتسبين إلى الإسلام أصبحوا يضيقون صدرا بالمعجزات لما فيها من خوارق العادات . وقد قرأت قريبا في كتاب ترجمة لمعاني القرآن باللغة الإنجليزية، وتعليقا عليها لم يكد الكاتب يترك معجزة من المعجزات التي وردت في القرآن الكريم إلا أؤلها تأويلا يصرفها عن معناها ، فقال مثلا في معنى قوله تعالى: (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ) [الأعراف:171] ، إن هذا كان زلزالا ، قال في قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ) [الفيل:1] إن هذا كان وباء وهكذا. وكما قلت قد يصل الأمر إلى بعض العقائد فيضيق الداعية صدراً بكل ما يجد في القرآن مما لا يتناسب مع أهواء العصر بل إن هذا قد يقع فيه بعض الموحدين فيبالغون في التنزيه وفي البعد عن الخرافات حتى إنهم ليضيقون بكل ما ليس مناسبا كما قلت مع أهواء العصر مثل تقبيل الحجر الأسود ومثل رمي الجمرات وهكذا فعلينا أيها الأخوة الكرام ونحن نترسم خطى الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه أن نحذر من كل هذا وأن نستمسك استمساكا شديدا بما أنزل الله سبحانه وتعالى وأن لا نلتفت إلى أهواء العصر .) [/align]


وهذا رابط الموضوع: مهمة الرسل ومهمة الداعية
 
[align=center]يا فقهاء التيسير اقرؤا إن شئتم:

(( وأن هذا صراطي مستقيما فا تبعوه ولا تتبعوا السبل فترق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون))[/align]
 
الحمد لله وحده والصلاة على من لا نبي بعده

وبعد،،،

المتأمل لقوله تعالى (وما عليك ألا يزكي) في سورة عبس يلحظ أمورا عظاما منها:-

1- مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم تبليغ الرسالة ولا يطالب بضمان الأثر الإيجابي بقبول الناس لرسالته (إن عليك إلا البلاغ) الشورى:48، وهذا الحكم ينطبق على ورثة الرسول صلى الله عليه وسلم من الدعاة والعلماء والفقهاء.

2- قد يأتي الخير من حيث لا يحتسب المرأ، والمتابع لحال الرسول صلى الله عليه وسلم مع ابن أم مكتوم رضي الله عنه يرى ذلك جليا، فقد استخلفه المصطفى صلى الله عليه وسلم على المدينة مرتين يؤم الناس في الصلاة. فقد ظهر الخير جليا في ابن أم مكتوم في علمه وحصافة عقله وقوة إيمانه ورجاحة قراره حتى استخلفه الرسول صلى الله عليه وسلم على المدينة مرتين.

3- ليس لأموال الناس أو لأنسابهم أو لأحسابهم أو لأقدارهم قيمة أمام شرع الله، فكل سبب ونسب مقطوع إلا سبب ونسب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الإسلام، وبئس لم بطأ به عمله ولم يسرع به نسبه.

4- شرع الله هو الإسلام، وليس في الإسلام ما يتداول الآن بين الغرب وللأسف بين بعض علمائنا من مصطلحات "الأمة المحمدية" أو الشريعة المحمدية"، إنما هي مصطلحات أنشأها الغرب مقابلة لمفهوم المسيحية شريعة وأمة نسبة إلى المسيح وهو منهم براء، فلنحذر هذه التعبيرات البراقة القاتلة.

5- لا مساومة ولا محاباة ولا مباهاة في تطبيق شرع الله تعالى، أُمرنا بالتيسير لا بالفساد والانحلال. ديننا دين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، ولكن لا مجال للانحلال في شرع، وأصل هذا الاتجاه نصراني أيضا ابتدعه بولس الرسول أول الأمر بإسقاط فريضة الختان عن غير اليهود ممن يعتنقون النصرانية، وانتهى به الأمر إلى أن وصم التوراة والناموس بأنهما لعنة وضعها الرب على عاتق العباد وللتخلص منها يكفي الإيمان بدم المسيح المخلص. وللأسف بدأ هذا الاتجاه الخطير يتدسس بدهاء إلى بعض طبقات علمائنا بلا وعي أو دراية أو بحسن النوايا على أقل تقدير، فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم.

والله الهادي إلى سبيل الرشاد
 
تأملوا ـ بارك الله فيكم ـ ما كتبه صاحب الظلال رحمه الله حول نفس الموضوع !

تأملوا ـ بارك الله فيكم ـ ما كتبه صاحب الظلال رحمه الله حول نفس الموضوع !

(عبس وتولى . أن جاءه الأعمى . وما يدريك لعله يزكى ؟ أو يذكر فتنفعه الذكرى ؟ أما من استغنى فأنت له تصدى ؟ وما عليك ألا يزكى ؟ وأما من جاءك يسعى وهو يخشى , فأنت عنه تلهى ؟! كلا ! إنها تذكرة . فمن شاء ذكره , في صحف مكرمة , مرفوعة مطهرة , بأيدي سفرة , كرام بررة). .

إن هذا التوجيه الذي نزل بشأن هذا الحادث هو أمر عظيم جدا . أعظم بكثير مما يبدو لأول وهلة .
إنه معجزة , هو والحقيقة التي أراد إقرارها في الأرض , والآثار التي ترتبت على إقرارها بالفعل في حياة البشرية .

ولعلها هي معجزة الإسلام الأولى , ومعجزته الكبرى كذلك .
ولكن هذا التوجيه يرد هكذا - تعقيبا على حادث فردي - على طريقة القرآن الإلهية في اتخاذ الحادث المفرد والمناسبة المحدودة فرصة لتقرير الحقيقة المطلقة والمنهج المطرد .

وإلا فإن الحقيقة التي استهدف هذا التوجيه تقريرها هنا والآثار الواقعية التي ترتبت بالفعل على تقريرها في حياة الأمة المسلمة , هي الإسلام في صميمه . وهي الحقيقة التي أراد الإسلام - وكل رسالة سماوية قبله - غرسها في الأرض .

هذه الحقيقة ليست هي مجرد:
كيف يعامل فرد من الناس ؟ أو كيف يعامل صنف من الناس ؟ كما هو المعنى القريب للحادث وللتعقيب .
إنما هي أبعد من هذا جدا , وأعظم من هذا جدا .

إنها:كيف يزن الناس كل أمور الحياة ؟
ومن أين يستمدون القيم التي يزنون بها ويقدرون ؟


والحقيقة التي استهدف هذا التوجيه إقرارها هي:
أن يستمد الناس في الأرض قيمهم وموازينهم من اعتبارات سماوية إلهية بحتة , آتية لهم من السماء , غير مقيدة بملابسات أرضهم , ولا بمواضعات حياتهم , ولا نابعة من تصوراتهم المقيدة بهذه المواضعات وتلك الملابسات .

وهو أمر عظيم جدا , كما أنه أمر عسير جدا .
عسير أن يعيش الناس في الأرض بقيم وموازين آتية من السماء . مطلقة من اعتبارات الأرض . متحررة من ضغط هذه الاعتبارات .

ندرك عظمة هذا الأمر وعسره حين ندرك ضخامة الواقع البشري , وثقله على المشاعر , وضغطه على النفوس , وصعوبة التخلي عن الملابسات والضغوط الناشئة من الحياة الواقعية للناس , المنبثقة من أحوال معاشهم , وارتباطات حياتهم , وموروثات بيئتهم , ورواسب تاريخهم , وسائر الظروف الأخرى التي تشدهم إلى الأرض شدا , وتزيد من ضغط موازينها وقيمها وتصوراتها على النفوس .


كذلك ندرك عظمة هذا الأمر وعسره حين ندرك أن نفس محمد بن عبد الله [ صلى الله عليه وسلم ] قد احتاجت - كي تبلغه - إلى هذا التوجيه من ربه ; بل إلى هذا العتاب الشديد , الذي يبلغ حد التعجيب من تصرفه !

وإنه ليكفي لتصوير عظمة أي أمر في هذا الوجود أن يقال فيه:إن نفس محمد بن عبد الله [ صلى الله عليه وسلم ] قد احتاجت - كي تبلغه - إلي تنبيه وتوجيه !

نعم يكفي هذا .
فإن عظمة هذه النفس وسموها ورفعتها , تجعل الأمر الذي يحتاج منها - كي تبلغه - إلى تنبيه وتوجيه أمرا أكبر من العظمة , وأرفع من الرفعة !
وهذه هي حقيقة هذا الأمر , الذي استهدف التوجيه الإلهي إقراره في الأرض , بمناسبة هذا الحادث المفرد . . أن يستمد الناس قيمهم وموازينهم من السماء , طلقاء من قيم الأرض وموازينها المنبثقة من واقعهم كله . . وهذا هو الأمر العظيم
. .

إن الميزان الذي أنزله الله للناس مع الرسل , ليقوموا به القيم كلها , هو: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم). . هذه هي القيمة الوحيدة التي يرجح بها وزن الناس أو يشيل ! وهي قيمة سماوية بحتة , لا علاقة لها بمواضعات الأرض وملابساتها إطلاقا . .

ولكن الناس يعيشون في الأرض , ويرتبطون فيما بينهم بارتباطات شتى ; كلها ذات وزن وذات ثقل وذات جاذبية في حياتهم . وهم يتعاملون بقيم أخرى . . فيها النسب , وفيها القوة , وفيها المال . وفيها ما ينشأ عن توزيع هذه القيم من ارتباطات عملية . . اقتصادية وغير اقتصادية . . تتفاوت فيها أوضاع الناس بعضهم بالنسبة لبعض . فيصبح بعضهم أرجح من بعض في موازين الأرض . .

ثم يجيء الإسلام ليقول: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم). . فيضرب صفحا عن كل تلك القيم الثقيلة الوزن في حياة الناس , العنيفة الضغط على مشاعرهم , الشديدة الجاذبية إلى الأرض . ويبدل من هذا كلهتلك القيمة الجديدة المستمدة مباشرة من السماء , المعترف بها وحدها في ميزان السماء !

ثم يجيء هذا الحادث لتقرير هذه القيمة في مناسبة واقعية محددة .
وليقرر معها المبدأ الأساسي:
وهو أن الميزان ميزان السماء , والقيمة قيمة السماء . وأن على الأمة المسلمة أن تدع كل ما تعارف عليه الناس , وكل ما ينبثق من علاقات الأرض من قيم وتصورات وموازين واعتبارات , لتستمد القيم من السماء وحدها وتزنها بميزان السماء وحده !


ويجيء الرجل الأعمى الفقير . . ابن أم مكتوم . . إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وهو مشغول بأمر النفر من سادة قريش . عتبة وشيبة ابني ربيعة , وأبي جهل عمرو بن هشام , وأمية بن خلف , والوليد بن المغيرة , ومعهم العباس بن عبد المطلب . . والرسول [ صلى الله عليه وسلم ] يدعوهم إلى الإسلام ; ويرجو بإسلامهم خيرا للإسلام في عسرته وشدته التي كان فيها بمكة ; وهؤلاء النفر يقفون في طريقه بمالهم وجاههم وقوتهم ; ويصدون الناس عنه , ويكيدون له كيدا شديدا حتى ليجمدوه في مكة تجميدا ظاهرا . بينما يقف الآخرون خارج مكة , لا يقبلون على الدعوة التي يقف لها أقرب الناس إلى صاحبها , وأشدهم عصبية له , في بيئة جاهلية قبلية , تجعل لموقف القبيلة كل قيمة وكل اعتبار .

يجيء هذا الرجل الأعمى الفقير إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وهو مشغول بأمر هؤلاء النفر . لا لنفسه ولا لمصلحته , ولكن للإسلام ولمصلحة الإسلام . فلو أسلم هؤلاء لانزاحت العقبات العنيفة والأشواك الحادة من طريق الدعوة في مكة ; ولانساح بعد ذلك الإسلام فيما حولها , بعد إسلام هؤلاء الصناديد الكبار . .

يجيء هذا الرجل , فيقول لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ]:يا رسول الله أقرئني وعلمني مما علمك الله . . ويكرر هذا وهو يعلم تشاغل الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] بما هو فيه من الأمر . فيكره الرسول قطعه لكلامه واهتمامه . وتظهر الكراهية في وجهه - الذي لا يراه الرجل - فيعبس ويعرض . يعرض عن الرجل المفرد الفقير الذي يعطله عن الأمر الخطير . الأمر الذي يرجو من ورائه لدعوته ولدينه الشيء الكثير ; والذي تدفعه إليه رغبته في نصرة دينه , وإخلاصه لأمر دعوته , وحبه لمصلحة الإسلام , وحرصه على انتشاره !

وهنا تتدخل السماء . تتدخل لتقول كلمة الفصل في هذا الأمر ; ولتضع معالم الطريق كله , ولتقرر الميزان الذي توزن فيه القيم - بغض النظر عن جميع الملابسات والاعتبارات . بما في ذلك اعتبار مصلحة الدعوة كما يراها البشر . بل كما يراها سيد البشر [ صلى الله عليه وسلم ] .



وهنا يجيء العتاب من الله العلي الأعلى لنبيه الكريم , صاحب الخلق العظيم , في أسلوب عنيف شديد .

وللمرة الوحيدة في القرآن كله يقال للرسول الحبيب القريب: (كلا !)وهي كلمة ردع وزجر في الخطاب ! ذلك أنه الأمر العظيم الذي يقوم عليه هذا الدين !


والأسلوب الذي تولى به القرآن هذا العتاب الإلهي أسلوب فريد , لا تمكن ترجمته في لغة الكتابة البشرية .
فلغة الكتابة لها قيود وأوضاع وتقاليد , تغض من حرارة هذه الموحيات في صورتها الحية المباشرة . وينفرد الأسلوب القرآني بالقدرة على عرضها في هذه الصورة في لمسات سريعة . وفي عبارات متقطعة . وفي تعبيرات كأنها انفعالات , ونبرات وسمات ولمحات حية !

(عبس وتولى . أن جاءه الأعمى). .
بصيغة الحكاية عن أحد آخر غائب غير المخاطب ! وفي هذا الأسلوب إيحاء بأن الأمر موضوع الحديث من الكراهة عند الله بحيث لا يحب - سبحانه - أن يواجه به نبيه وحبيبه . عطفا عليه , ورحمة به , وإكراما له عن المواجهة بهذا الأمر الكريه !

ثم يستدير التعبير - بعد مواراة الفعل الذي نشأ عنه العتاب - يستدير إلى العتاب في صيغة الخطاب .

فيبدأ هادئا شيئا ما:
(وما يدريك لعله يزكى ؟ أو يذكر فتنفعه الذكرى ؟)
ما يدريك أن يتحقق هذا الخير الكبير . أن يتطهر هذا الرجل الأعمى الفقير - الذي جاءك راغبا فيما عندك من الخير - وأن يتيقظ قلبه فيتذكر فتنفعه الذكرى . وما يدريك أن يشرق هذا القلب بقبس من نور الله , فيستحيل منارة في الأرض تستقبل نور السماء ؟ الأمر الذي يتحقق كلما تفتح قلب للهدى وتمت حقيقة الإيمان فيه . وهو الأمر العظيم الثقيل في ميزان الله . .


ثم تعلو نبرة العتاب وتشتد لهجته ; وينتقل إلى التعجيب من ذلك الفعل محل العتاب:
(أما من استغنى , فأنت له تصدى وما عليك ألا يزكى ؟! وأما من جاءك يسعى وهو يخشى , فأنت عنه تلهى ؟! )
أما من أظهر الاستغناء عنك وعن دينك وعما عندك من الهدى والخير والنور والطهارة . . أما هذا فأنت تتصدى له وتحفل أمره , وتجهد لهدايته , وتتعرض له وهو عنك معرض !

(وما عليك ألا يزكى ؟). . وما يضيرك أن يظل في رجسه ودنسه ؟ وأنت لا تسأل عن ذنبه . وأنت لا تنصر به . وأنت لا تقوم بأمره . .(وأما من جاءك يسعى)طائعا مختارا ,(وهو يخشى)ويتوقى(فأنت عنه تلهى !). . ويسمى الإنشغال عن الرجل المؤمن الراغب في الخير التقي تلهيا . . وهو وصف شديد . .


ثم ترتفع نبرة العتاب حتى لتبلغ حد الردع والزجر: (كلا !). .
لا يكن ذلك أبدا . . وهو خطاب يسترعي النظر في هذا المقام .

ثم يبين حقيقة هذه الدعوة وكرامتها وعظمتها ورفعتها , واستغناءها عن كل أحد . وعن كل سند وعنايتها فقط بمن يريدها لذاتها , كائنا ما كان وضعه ووزنه في موازين الدنيا: (إنها تذكرة . فمن شاء ذكره . في صحف مكرمة . مرفوعة مطهرة . بأيدي سفرة . كرام بررة .). . فهي كريمة في كل اعتبار . كريمة في صحفها , المرفوعة المطهرة الموكل بها السفراء من الملأ الأعلى ينقلونها إلى المختارين في الأرض ليبلغوها . وهم كذلك كرام بررة . . فهي كريمة طاهرة في كل ما يتعلق بها , وما يمسها من قريب أو من بعيد . وهي عزيزة لا يتصدى بها للمعرضين الذين يظهرون الاستغناء عنها ; فهي فقط لمن يعرف كرامتها ويطلب التطهر بها . .


هذا هو الميزان . ميزان الله . الميزان الذي توزن به القيم والإعتبارات , ويقدر به الناس والأوضاع . . وهذه هي الكلمة . كلمة الله . الكلمة التي ينتهي إليها كل قول , وكل حكم , وكل فصل .

وأين هذا ؟ ومتى ؟
في مكة , والدعوة مطاردة , والمسلمون قلة . والتصدي للكبراء لا ينبعث من مصلحة ذاتية ; والانشغال عن الأعمى الفقير لا ينبعث من اعتبار شخصي . إنما هي الدعوة أولا وأخيرا . ولكن الدعوة إنما هي هذا الميزان , وإنما هي هذه القيم , وقد جاءت لتقرر هذا الميزان وهذه القيم في حياة البشر . فهي لا تعز ولا تقوى ولا تنصر إلا بإقرار هذا الميزان وهذه القيم . .


ثم إن الأمر - كما تقدم - أعظم وأشمل من هذا الحادث المفرد , ومن موضوعه المباشر .
إنما هو أن يتلقى الناس الموازين والقيم من السماء لا من الأرض , ومن الاعتبارات السماوية لا من الاعتبارات الأرضية . .
(إن أكرمكم عند الله أتقاكم). .
والأكرم عند الله هو الذي يستحق الرعاية والاهتمام والاحتفال , ولو تجرد من كل المقومات والاعتبارات الأخرى , التي يتعارف عليها الناس تحت ضغط واقعهم الأرضي ومواضعاتهم الأرضية . النسب والقوة والمال . . وسائر القيم الأخرى , لا وزن لها حين تتعرى عن الإيمان والتقوى . والحالة الوحيدة التي يصح لها فيها وزن واعتبار هي حالة ما إذا أنفقت لحساب الإيمان والتقوى .

هذه هي الحقيقة الكبيرة التي استهدف التوجيه الإلهي إقرارها في هذه المناسبة , على طريقة القرآن في اتخاذ الحادث المفرد والمناسبة المحدودة , وسيلة لإقرار الحقيقة المطلقة والمنهج المطرد .



ولقد انفعلت نفس الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] لهذا التوجيه , ولذلك العتاب . انفعلت بقوة وحرارة , واندفعت إلى إقرار هذه الحقيقة في حياته كلها , وفي حياة الجماعة المسلمة . بوصفها هي حقيقة الإسلام الأولى .

[mark=FFFF00]وكانت الحركة الأولى له [ صلى الله عليه وسلم ] هي إعلان ما نزل له من التوجيه والعتاب في الحادث . وهذا الإعلان أمر عظيم رائع حقا . أمر لا يقوى عليه إلا رسول , من أي جانب نظرنا إليه في حينه .

نعم لا يقوى إلا رسول على أن يعلن للناس أنه عوتب هذا العتاب الشديد , بهذه الصورة الفريدة في خطأ أتاه ! وكان يكفي لأي عظيم - غير الرسول - أن يعرف هذا الخطأ وأن يتلافاه في المستقبل . ولكنها النبوة . أمر آخر . وآفاق أخرى !

لا يقوى إلا رسول على أن يقذف بهذا الأمر هكذا في وجوه كبراء قريش في مثل تلك الظروف التي كانت فيها الدعوة , مع أمثال هؤلاء المستعزين بنسبهم وجاههم ومالهم وقوتهم , في بيئة لا مكان فيها لغير هذه الاعتبارات , إلى حد أن يقال فيها عن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم: (لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم !). . وهذا نسبه فيهم , لمجرد أنه هو شخصيا لم تكن له رياسة فيهم قبل الرسالة ! [/mark]
[mark=FFFF00]ثم إنه لا يكون مثل هذا الأمر في مثل هذه البيئة إلا من وحي السماء . فما يمكن أن ينبثق هذا من الأرض . . ومن هذه الأرض بذاتها في ذلك الزمان !! [/mark]

وهي قوة السماء التي دفعت مثل هذا الأمر في طريقه ; فإذا هو ينفذ من خلال نفس النبي [ صلى الله عليه وسلم ] إلى البيئة من حوله ; فيتقرر فيها بعمق وقوة واندفاع , يطرد به أزمانا طويلة في حياة الأمة المسلمة .


لقد كان ميلادا جديدا للبشرية كميلاد الإنسان في طبيعته .
وأعظم منه خطرا في قيمته . . أن ينطلق الإنسان حقيقة - شعورا وواقعا - من كل القيم المتعارف عليها في الأرض , إلى قيم أخرى تتنزل له من السماء منفصلة منعزلة عن كل ما في الأرض من قيم وموازين وتصورات واعتبارات وملابسات عملية , وارتباطات واقعية ذات ضغط وثقل , ووشائج متلبسة باللحم والدم والأعصاب والمشاعر .
ثم أن تصبح القيم الجديدة مفهومة من الجميع , مسلما بها من الجميع . وأن يستحيل الأمر العظيم الذي احتاجت نفس محمد [ صلى الله عليه وسلم ] كي تبلغه إلى التنبيه والتوجيه , أن يستحيل هذا الأمر العظيم بديهية الضمير المسلم , وشريعة المجتمع المسلم , وحقيقة الحياة الأولى في المجتمع الإسلامي لآماد طويلة في حياة المسلمين .


إننا لا نكاد ندرك حقيقة ذلك الميلاد الجديد . لأننا لا نتمثل في ضمائرنا حقيقة هذا الانطلاق من كل ما تنشئه أوضاع الأرض وارتباطاتها من قيم وموازين واعتبارات ساحقة الثقل إلى الحد الذي يخيل لبعض أصحاب المذاهب "التقدمية ! " أن جانبا واحدا منها - هو الأوضاع الاقتصادية - هو الذي يقرر مصائر الناس وعقائدهم وفنونهم وآدابهم وقوانينهم وعرفهم وتصورهم للحياة ! كما يقول أصحاب مذهب التفسير المادي للتاريخ في ضيق أفق , وفي جهالة طاغية بحقائق النفس وحقائق الحياة !


إنها المعجزة .
معجزة الميلاد الجديد للإنسان على يد الإسلام في ذلك الزمان . .

ومنذ ذلك الميلاد سادت القيم التي صاحبت ذلك الحادث الكوني العظيم . . ولكن المسألة لم تكن هينة ولا يسيرة في البيئة العربية , ولا في المسلمين أنفسهم . . غير أن الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] قد استطاع - بإرادة الله , وبتصرفاته هو وتوجيهاته المنبعثة من حرارة انفعاله بالتوجيه القرآني الثابت - أن يزرع هذه الحقيقة في الضمائر وفي الحياة ; وأن يحرسها ويرعاها , حتى تتأصل جذورها , وتمتد فروعها , وتظلل حياة الجماعة المسلمة قرونا طويلة . . على الرغم من جميع عوامل الانتكاس الأخرى . .


كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بعد هذا الحادث يهش لابن أم مكتوم ويرعاه ; ويقول له كلما لقيه:" أهلا بمن عاتبني فيه ربي " وقد استخلفه مرتين بعد الهجرة على المدينة . .

ولكي يحطم موازين البيئة وقيمها المنبثقة من اعتبار الأرض ومواضعاتها , زوج بنت خالته زينب بنت جحش الأسدية , لمولاه زيد بن حارثة . ومسألة الزواج والمصاهرة مسألة حساسة شديدة الحساسية . وفي البيئة العربية بصفة خاصة .

وقبل ذلك حينما آخى بين المسلمين في أول الهجرة , جعل عمه حمزة ومولاه زيدا أخوين . وجعل خالد بن رويحة الخثعمي وبلال بن رباح أخوين !

وبعث زيدا أميرا في غزوة مؤتة , وجعله الأمير الأول , يليه جعفر بن أبي طالب , ثم عبد الله بن رواحة الأنصاري , على ثلاثة آلاف من المهاجرين والأنصار , فيهم خالد بن الوليد .

وخرج رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بنفسه يشيعهم . . وهي الغزوة التي استشهد فيها الثلاثة رضي الله عنهم .

وكان آخر عمل من أعماله [ صلى الله عليه وسلم ] أن أمر أسامة بن زيد على جيش لغزو الروم , يضم كثرة من المهاجرين والأنصار , فيهم أبو بكر وعمر وزيراه , وصاحباه , والخليفتان بعده بإجماع المسلمين . وفيهم سعد بن أبي وقاص قريبه [ صلى الله عليه وسلم ] ومن أسبق قريش إلى الإسلام .

وقد تململ بعض الناس من إمارة أسامة وهو حدث . وفي ذلك قال ابن عمر رضي الله عنهما -:بعث رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بعثا أمر عليهم أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - فطعن بعض الناس في إمارته , فقال النبي [ صلى الله عليه وسلم ] إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل . وأيم الله إن كان لخليقا للإمارة , وإن كان لمن أحب الناس إلي . وإن هذا لمن أحب الناس إلي . .

ولما لغطت ألسنة بشأن سلمان الفارسي , وتحدثوا عن الفارسية والعربية , بحكم إيحاءات القومية الضيقة , ضرب رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ضربته الحاسمة في هذا الأمر فقال:" سلمان منا أهل البيت " فتجاوز به - بقيم السماء وميزانها - كل آفاق النسب الذي يستعزون به , وكل حدود القومية الضيقة التي يتحمسون لها . . وجعله من أهل البيت رأسا !

ولما وقع بين أبي ذر الغفاري وبلال بن رباح - رضي الله عنهما - ما أفلت معه لسان أبي ذر بكلمة "يا بن السوداء" . . غضب لها رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] غضبا شديدا ; وألقاها في وجه أبي ذر عنيفة مخيفة: يا أبا ذر طف الصاع ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل . . ففرق في الأمر إلى جذوره البعيدة . . إما إسلام فهي قيم السماء وموازين السماء . وإما جاهلية فهي قيم الأرض وموازين الأرض !

ووصلت الكلمة النبوية بحرارتها إلى قلب أبي ذر الحساس ; فانفعل لها أشد الانفعال , ووضع جبهته على الأرض يقسم ألا يرفعها حتى يطأها بلال . تكفيرا عن قولته الكبيرة !

وكان الميزان الذي ارتفع به بلال هو ميزان السماء . . عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال:قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ]:" يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام منفعة عندك . فإني سمعت الليلة خشف نعليك بين يدي في الجنة " . فقال:ما عملت في الإسلم عملا أرجى عندي منفعة من أني لا أتطهر طهورا تاما في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي .

وكان رسول الله [صلى الله عليه وسلم ] يقول عن عمار بن ياسر وقد استأذن عليه:" ائذنوا له مرحبا بالطيب المطيب " . . وقال عنه:" ملئ عمار - رضي الله عنه - إيمانا إلى مشاشه " . . وعن حذيفة - رضي الله عنه قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ]:" إني لا أدري ما بقائي فيكم فاقتدوا باللذين من بعدي - وأشار إلى أبي بكر وعمر رضي الله عنهما - واهتدوا بهدي عمار . وما حدثكم ابن مسعود فصدقوه " .

وكان ابن مسعود يحسبه الغريب عن المدينة من أهل بيت رسول الله . . عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال:قدمت أنا وأخي من اليمن , فمكثنا حينا وما نرى ابن مسعود وأمه إلا من أهل بيت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم] من كثرة دخولهم على رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ولزومهم له" .

وجليبيب - وهو رجل من الموالي - كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يخطب له بنفسه ليزوجه امرأة من الأنصار . فلما تأبى أبواها قالت هي:أتريدون أن تردوا على رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أمره ? إن كان قد رضيه لكم فأنكحوه . فرضيا وزوجاها .

وقد افتقده رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في الوقعة التي استشهد فيها بعد فترة قصيرة من زواجه . . عن أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه - قال:كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في مغزى له , فأفاء الله عليه . فقال لأصحابه:" هل تفقدون من أحد ? " قالوا:نعم فلانا وفلانا وفلانا . ثم قال:" هل تفقدون من أحد ? " قالوا:نعم فلانا وفلانا وفلانا . ثم قال:" هل تفقدون من أحد ? " فقالوا:لا . قال:" لكني أفقد جليبيبا " فطلبوه , فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه . فأتى النبي [ صلى الله عليه وسلم ] فوقف عليه , ثم قال:" قتل سبعة ثم قتلوه . هذا مني وأنا منه . هذا مني وأنا منه " . ثم وضعه على ساعديه , ليس له سريرا إلا ساعدا النبي [ صلى الله عليه وسلم ] قال:فحفر له , ووضع في قبره ولم يذكر غسلا .


بذلك التوجيه الإلهي وبهذا الهدي النبوي كان الميلاد للبشرية على هذا النحو الفريد . ونشأ المجتمع الرباني الذي يتلقى قيمه وموازينه من السماء , طليقا من قيود الأرض , بينما هو يعيش على الأرض . . وكانت هذه هي المعجزة الكبرى للإسلام . المعجزة التي لا تتحقق إلا بإرادة إله , وبعمل رسول . والتي تدل بذاتها على أن هذا الدين من عند الله , وأن الذي جاء به للناس رسول !

وكان من تدبير الله لهذا الأمر أن يليه بعد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم] صاحبه الأول أبو بكر , وصاحبه الثاني عمر . . أقرب اثنين لإدراك طبيعة هذا الأمر , وأشد اثنين انطباعا بهدى رسول الله , وأعمق اثنين حبا لرسول الله , وحرصا على تتبع مواضع حبه ومواقع خطاه .

حفظ أبو بكر - رضي الله عنه - عن صاحبه [ صلى الله عليه وسلم ] ما أراده في أمر أسامة . فكان أول عمل له بعد توليه الخلافة هو إنفاذه بعث أسامة , على رأس الجيش الذي أعده رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وسار يودعه بنفسه إلى ظاهر المدينة . أسامة راكب وأبو بكر الخليفة راجل . فيستحيي أسامة الفتى الحدث أن يركب والخليفة الشيخ يمشي . فيقول:" يا خليفة رسول الله لتركبن أو لأنزلن " . . فيقسم الخليفة:" والله لا تنزل . ووالله لا أركب . وما علي أن أغبر قدمي في سبيل الله ساعة ? " . .

ثم يرى أبو بكر أنه في حاجة إلى عمر . وقد حمل عبء الخلافة الثقيل . ولكن عمر إنما هو جندي في جيش أسامة . وأسامة هو الأمير . فلا بد من استئذانه فيه . فإذا الخليفة يقول:" إن رأيت أن تعينني بعمر فافعل " . . يالله ! إن رأيت أن تعينني فافعل . . إنها آفاق عوال , لا يرقى إليها الناس إلا بإرادة الله , على يدي رسول من عند الله !

ثم تمضي عجلة الزمن فنرى عمر بن الخطاب خليفة يولي عمار بن ياسر على الكوفة .

ويقف بباب عمر سهيل بن عمرو بن الحارث بن هشام , وأبو سفيان بن حرب , وجماعة من كبراء قريش من الطلقاء ! فيأذن قبلهم لصهيب وبلال . لأنهما كانا من السابقين إلى الإسلام ومن أهل بدر . فتورم أنف أبي سفيان , ويقول بانفعال الجاهلية:"لم أر كاليوم قط . يأذن لهؤلاء العبيد ويتركنا على بابه ! " . . فيقول له صاحبه - وقد استقرت في حسه حقيقة الإسلام:"أيها القوم . إني والله أرى الذي في وجوهكم . إن كنتم غضابا فاغضبوا على أنفسكم . دعي القوم إلى الإسلام ودعيتم . فأسرعوا وأبطأتم . فكيف بكم إذا دعوا يوم القيامة وتركتم ? " .

ويفرض عمر لأسامة بن زيد أكبر مما يفرض لعبد الله بن عمر . حتى إذا سأله عبد الله عن سر ذلك قال له:"يا بني . كان زيد - رضي الله عنه - أحب إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] من أبيك ! وكان أسامة - رضي الله عنه - أحب إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] منك ! فآثرت حب رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] على حبي" . . يقولها عمر وهو يعلم أن حب رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إنما كان مقوما بميزان السماء !

ويرسل عمر عمارا ليحاسب خالد بن الوليد - القائد المظفر صاحب النسب العريق - فيلببه بردائه . . ويروى أنه أوثقه بشال عمامته حتى ينتهي من حسابه فتظهر براءته فيفك وثاقه ويعممه بيده . . وخالد لا يرى في هذاكله بأسا . فإنما هو عمار صاحب رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] السابق إلى الإسلام الذي قال عنه رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ما قال !

وعمر هو الذي يقول عن أبي بكر - رضي الله عنهما - هو سيدنا وأعتق سيدنا . يعني بلالا . الذي كان مملوكا لأمية بن خلف . وكان يعذبه عذابا شديدا . حتى اشتراه منه أبو بكر وأعتقه . . وعنه يقول عمر بن الخطاب . . عن بلال . . سيدنا !

وعمر هو الذي قال:"ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا لاستخلفته" يقول هذا , وهو لم يستخلف عثمان ولا عليا , ولا طلحة ولا الزبير . . إنما جعل الشورى في الستة بعده ولم يستخلف أحدا بذاته !

وعلي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - يرسل عمارا والحسن بن علي - رضي الله عنهما - إلى أهل الكوفة يستنفرهم في الأمر الذي كان بينه وبين عائشة - رضي الله عنها - فيقول:"إني لأعلم أنها زوجة نبيكم [ صلى الله عليه وسلم ] في الدنيا والآخرة , ولكن الله ابتلاكم لتتبعوه أو تتبعوها" . . فيسمع له الناس في شأن عائشة أم المؤمنين , وبنت الصديق أبي بكر - رضي الله عنهم جميعا .

وبلال بن رباح يرجوه أخوه في الإسلام أبو رويحة الخثعمي أن يتوسط له في الزواج من قوم من أهل اليمن . فيقول لهم:"أنا بلال بن رباح , وهذا أخي أبو رويحة , وهو امرؤ سوء في الخلق والدين . فإن شئتم أن تزوجوه فزوجوه , وإن شئتم أن تدعوا فدعوا " . . فلا يدلس عليهم , ولا يخفي من أمر أخيه شيئا , ولا يذكر أنه وسيط وينسى أنه مسؤول أمام الله فيما يقول . . فيطمئن القوم إلى هذا الصدق . . ويزوجون أخاه , وحسبهم - وهو العربي ذو النسب - أن يكون بلال المولى الحبشي وسيطه !

واستقرت تلك الحقيقة في المجتمع الإسلامي , وظلت مستقرة بعد ذلك آمادا طويلة على الرغم من عوامل الانتكاس الكثيرة . "وقد كان عبد الله بن عباس يذكر ويذكر معه مولاه عكرمة . وكان عبد الله ابن عمر يذكر ويذكر معه مولاه نافع . وأنس بن مالك ومعه مولاه ابن سيرين . وأبو هريرة ومعه مولاه عبد الرحمن بن هرمز . وفي البصرة كان الحسن البصري . وفي مكة كان مجاهد بن جبر , وعطاء بن رباح , وطاووس بن كيسان هم الفقهاء . وفي مصر تولى الفتيا يزيد بن أبي حبيب في أيام عمر بن عبد العزيز وهو مولى أسود من دنقلة " . .

وظل ميزان السماء يرجح بأهل التقوى ولو تجردوا من قيم الأرض كلها . . وفي اعتبار أنفسهم وفي اعتبار الناس من حولهم . ولم يرفع هذا الميزان من الأرض إلا قريبا جدا بعد أن طغت الجاهلية طغيانا شاملا في أنحاء الأرض جميعا . وأصبح الرجل يقوم برصيده من الدولارات في أمريكا زعيمة الدول الغربية . وأصبح الإنسان كله لا يساوي الآلة في المذهب المادي المسيطر في روسيا زعيمة الدول الشرقية . أما أرض المسلمين فقد سادت فيها الجاهلية الأولى , التي جاء الإسلام ليرفعها من وهدتها ; وانطلقت فيها نعرات كان الإسلام قد قضى عليها . وحطمت ذلك الميزان الإلهي وارتدت إلى قيم جاهلية زهيدة لا تمت بصلة إلى الإيمان والتقوى . .

ولم يعد هنالك إلا أمل يناط بالدعوة الإسلامية أن تنقذ البشرية كلها مرة أخرى من الجاهلية ; وأن يتحققعلى يديها ميلاد جديد للإنسان كالميلاد الذي شهدته أول مرة , والذي جاء ذلك الحادث الذي حكاه مطلع هذه السورة ليعلنه في تلك الآيات القليلة الحاسمة العظيمة . .
 
شكر الله لكم وللشيخ إبراهيم
هذه الآية تسلية لكل داعية
ولو أطاع الناس كل من دعاهم مابقي على الأرض فاسق ولا كافر...
إذن إين سنة المدافعة هذه تالله الجنة..!!
 
السلام عليكم

هذه الآيات من سورة عبس قالت " ومايدريك لعله يزكى " إذن فمن مهام الرسول أن يُزكى الناس ؛ وليس أن البلاغ هو مهمته الوحيدة.
فهل هذا يُزكى والآخر لا يُزكى ؛ ولماذا ؟
 
السلام عليكم

هذه الآيات من سورة عبس قالت " ومايدريك لعله يزكى " إذن فمن مهام الرسول أن يُزكى الناس ؛ وليس أن البلاغ هو مهمته الوحيدة.
فهل هذا يُزكى والآخر لا يُزكى ؛ ولماذا ؟

نعم إن من مهام النبي صلى الله عليه وسلم أن يزكي الناس، قال تعالى:

(كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ) سورة البقرة(151)

(لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) سورة آل عمران (164)

(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ) سورة الجمعة(2)

فالرسول صلى الله عليه وسلم يزكي من كان قابلا للتزكية وهم المؤمنون .

أما المستكبر المستغني بما عنده من الباطل فهذا لا يقدر أن يزكيه النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن في مقدوره أن يدعوه فإن قبل الحق كان إذن قابلا للتزكية ، وأما إن أعرض واستكبر فلا على النبي صلى الله عليه وسلم من إعراضه وكفره من تبعه.

وهذا هو معنى الآيات من أول سورة " عبس".

هذا والله أعلم
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.
 
السلام عليكم
نعم
من جاء يسعى لابد وأنه آمن ويريد التزكية ؛
ولكن الآخر هل به أو فى فعله مايدل على كونه غير قابل للتزكية ،
 
السلام عليكم
نعم
من جاء يسعى لابد وأنه آمن ويريد التزكية ؛
ولكن الآخر هل به أو فى فعله مايدل على كونه غير قابل للتزكية ،

نعم يا أخانا مصطفى ، تأمل قول الله تعالى عن المؤمن:

(وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) ) فمجيئه إلى النبي وخشيته تدل على إرادته للهداية والتزكية.

وأما الآخر فقال عنه:
"أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى " فهذه مقابل قوله "وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى" ، والمعنى أنه لم يسع إليك بل استغنى عنك وهذا من باب الاستكبار.
ولا شك أن الكبر مانع من قبول التزكية.
فكيف تريد أن تزكي من لا يريد التزكية؟
فالكلام واضح ولله الحمد.
 
عودة
أعلى