د محمد الجبالي
Well-known member
{ اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ}
حرفا [السين والتاء] أول الفعل الأصل فيهما أنهما للطلب،
فهل طلب الرسل اليأس؟!
قال الله عز وجل: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف: 110].لقد حيرني ما ذهب إليه علماء التفسير من تأويل {استيأس الرسل} إذ أولوها باليأس من إيمان قومهم، أو اليأس من انتصار الله لهم؛ فإن قلبي لم يركن إلى هذا التأويل، ولم يطمئن إليه.
فلو تساءلنا: هل يمكن أن ييأس الرسل؟
قلت: لا، لو كان ذلك ممكنا ما بقي نوح عليه السلام يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، فضلا عن ذلك أنه لم يأت في كتاب الله ولا في حديث رسول الله عن نبي من الأنبياء أنه يئس من قومه قط، فقد كانوا صلوات الله عليهم يدعون أقوامهم دون كلل أو يأس، فإما أن يؤمن القوم، وإما أن ينزل بهم العذاب، وإما أن يقتل القوم نبيهم.
فإن قلتم: إن يونس عليه السلام قد يئس، وترك قومه وخرج.
قلت : غير صحيح، إن يونس لم ييأس، إنما يئس حين علم أن عذاب الله نازل بالقوم فخرج من بينهم، وكان خطؤه أنه خرج قبل أن يأذن له الله عز وجل..
وإني أرى رأيا آخر غير الذي ذهب إليه علماؤنا الأفاضل:
وكما قلنا سلفا: إن [السين والتاء] في الفعل {استيأس} الأصل فيهما أنهما للطلب، وليس المقصود هنا الطلب، وإنما المقصود استنفاد الطاقة في الدعوة واستنفاد كل السبل والحيل في دعوة الناس للإيمان،
فالغرض من [السين والتاء] هنا المبالغة في بذل الطاقة والجهد.
ولسيد قطب كلام بديع في تأويل الفعل [استيأس] قال رحمه الله : "تلك سنة الله في الدعوات، لا بد من الشدائد، ولا بد من الكروب، حتى لا تبقى بقية من جهد ولا بقية من طاقة ثم يجيء النصر بعد اليأس من كل أسبابه الظاهرة التي يتعلق بها الناس، يجيء النصر من عند الله، فينجو الذين يستحقون النجاة، ينجون من الهلاك الذي يأخذ المكذبين، وينجون من البطش والعسف الذي يسلطه عليهم المتجبرون، ويحل بأس الله بالمجرمين، مدمراً ماحقاً .. ذلك كي لا يكون النصر رخيصاً فتكون الدعوات هزلاً"
وقد ورد الفعل {استيأس} في آية أخرى تحمل نفس الدلالة وهي قول الله عز وجل في سورة يوسف: {فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا} [يوسف: 80]،
إن الفعل {استيأسوا} هنا بمعنى يئسوا، فما قيمة السين والتاء؟
إنهما للمبالغة في بيان أنهم حاولوا مرارا مع يوسف، وأَلَحُّوا عليه إلحاحا شديدا ليأخذ أحدهم بدلا من أخيهم حتى فقدوا الأمل ويئسوا.
والله أعلم
د. محمد الجبالي
هذه الوقفة مع الفعل [استيأس] بعض فكرة في مشروع كتاب جديد، أرجو الله أن ييسر له الخروج قريبا.
حرفا [السين والتاء] أول الفعل الأصل فيهما أنهما للطلب،
فهل طلب الرسل اليأس؟!
قال الله عز وجل: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف: 110].لقد حيرني ما ذهب إليه علماء التفسير من تأويل {استيأس الرسل} إذ أولوها باليأس من إيمان قومهم، أو اليأس من انتصار الله لهم؛ فإن قلبي لم يركن إلى هذا التأويل، ولم يطمئن إليه.
فلو تساءلنا: هل يمكن أن ييأس الرسل؟
قلت: لا، لو كان ذلك ممكنا ما بقي نوح عليه السلام يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، فضلا عن ذلك أنه لم يأت في كتاب الله ولا في حديث رسول الله عن نبي من الأنبياء أنه يئس من قومه قط، فقد كانوا صلوات الله عليهم يدعون أقوامهم دون كلل أو يأس، فإما أن يؤمن القوم، وإما أن ينزل بهم العذاب، وإما أن يقتل القوم نبيهم.
فإن قلتم: إن يونس عليه السلام قد يئس، وترك قومه وخرج.
قلت : غير صحيح، إن يونس لم ييأس، إنما يئس حين علم أن عذاب الله نازل بالقوم فخرج من بينهم، وكان خطؤه أنه خرج قبل أن يأذن له الله عز وجل..
وإني أرى رأيا آخر غير الذي ذهب إليه علماؤنا الأفاضل:
وكما قلنا سلفا: إن [السين والتاء] في الفعل {استيأس} الأصل فيهما أنهما للطلب، وليس المقصود هنا الطلب، وإنما المقصود استنفاد الطاقة في الدعوة واستنفاد كل السبل والحيل في دعوة الناس للإيمان،
فالغرض من [السين والتاء] هنا المبالغة في بذل الطاقة والجهد.
ولسيد قطب كلام بديع في تأويل الفعل [استيأس] قال رحمه الله : "تلك سنة الله في الدعوات، لا بد من الشدائد، ولا بد من الكروب، حتى لا تبقى بقية من جهد ولا بقية من طاقة ثم يجيء النصر بعد اليأس من كل أسبابه الظاهرة التي يتعلق بها الناس، يجيء النصر من عند الله، فينجو الذين يستحقون النجاة، ينجون من الهلاك الذي يأخذ المكذبين، وينجون من البطش والعسف الذي يسلطه عليهم المتجبرون، ويحل بأس الله بالمجرمين، مدمراً ماحقاً .. ذلك كي لا يكون النصر رخيصاً فتكون الدعوات هزلاً"
وقد ورد الفعل {استيأس} في آية أخرى تحمل نفس الدلالة وهي قول الله عز وجل في سورة يوسف: {فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا} [يوسف: 80]،
إن الفعل {استيأسوا} هنا بمعنى يئسوا، فما قيمة السين والتاء؟
إنهما للمبالغة في بيان أنهم حاولوا مرارا مع يوسف، وأَلَحُّوا عليه إلحاحا شديدا ليأخذ أحدهم بدلا من أخيهم حتى فقدوا الأمل ويئسوا.
والله أعلم
د. محمد الجبالي
هذه الوقفة مع الفعل [استيأس] بعض فكرة في مشروع كتاب جديد، أرجو الله أن ييسر له الخروج قريبا.