هل يصح هذا الإجماع ... ( في نزول الكتب السماوية ) ...

إنضم
24 أبريل 2003
المشاركات
1,398
مستوى التفاعل
5
النقاط
38
الإقامة
المدينة المنورة
بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر الشيخ الزرقاني رحمه الله في تنزلات القرآن ودليل تنجيم نزول القرآن قوله تعالى ( وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة .... )
ثم قال :
"وهذا الرد يدل على أمرين :
أحدهما: أن القرآن نزل مفرقاً على النبي صلى الله عليه وسلم .
والثاني: أن الكتب السماوية من قبله نزلت جملة كما اشتهر ذلك بين جمهور العلماء حتى كاد يكون أجماعاً."
ثم قال :
" ووجه الدلالة على هذين الأمرين أن الله تعالى لم يكذبهم فيما ادعوه من نزول الكتب السماوية جملة ، بل أجابهم ببيان الحكمة في نزول القرآن مفرقاً ، ولو كان نزول الكتب السماوية مفرقاً كالقرآن لرد عليهم بالتكذيب وبإعلان أن التنجيم هو سنة الله فيما أنزل على الأنبياء من قبل ... ". (1 / 56 ) .

وهنا أسئلة أرجو من الإخوة تحريرها والإفادة فيها :


1- هل يصح الإجماع بأن الكتب السماوية قبل القرآن نزلت جملة واحدة .
2- هل في الآية دليل على نزول الكتب السماوية جملة واحدة .
3- إذا ثبت أن الكتب السماوية نزلت جملة واحدة فهل يتفق ذلك مع ما ذكره الشيخ في الحكم والأسرار في تنجيم القرآن بقوله :
"الحكمة الثالثة : مسايرة الحوادث والطوارئ في تجددها وتفرقها فكلما جد منهم جديد ، نزل من القرآن ما يناسبه وفصّل الله لهم من أحكامه ما يوافقه ". ( 1 / 60 ) .
فإذا صحت هذه الحكمة في نزول القرآن فكيف يقال عما كان يَجِدُّ في الأمم السابقة هل يكون جوابه بأقوال أنبيائهم وإذا صح هذا فلم اختص الجواب في هذه الأمة بكونه من القرآن مع علمنا بأنه ليس كل ما جد لهم كان جوابه من القرآن .

أرجو أن يكون وجه الإشكال واضحاً ..
ولعل الإخوة الأفاضل يفيدوننا في ذلك ..
 
جاء في كتاب إتقان البرهان في علوم القرآن للدكتور فضل حسن عباس 1/156-158 مناقشة لمسألة نزول الكتب المتقدمة ، وشكك في القول بأنها نزلت دفعة واحدة ، ثم قال في نهاية بحثه لها : ( وخلاصة القول أننا لا نملك الدليل القاطع على ما اشتهر من أن الكتب المتقدمة نزلت جملة واحدة ، وهي قضية لا تعنينا كثيراً أو قليلاً ، والله أعلم بالصواب .)
 
حياكم الله جميعا :
لي مع ما تقدم الوقفات التالية :
1 - لم يصرح الزرقاني بالإجماع في هذه المسألة وإنما نسبه إلى الجمهور كما يتضح هذا من عبارته .
2 - هل اية الفرقان تدل على أن الكتتب السابقة نزلت جملة :
فيه خلاف بين المفسرين منشأه : الوقف والوصل في كلمة " كذلك " : فمن وقف عليها وجعلها جواباً لسؤال من سأل كما يذكر في سبب النزول ففيها دلالة إن ثبت سبب النزول بالصيغة التي يذكرها المفسرون وهو الإشارة إلى الكتب المتقدمة أو التوراة والأنجيل .
ومن جعل " كذلك " جملة مستأنفة فلا دلالة على ذلك وكونها مستأنفة هو رأي ابن عطية في تفسيره وقال هو أولى .
ولذا فنحتاج لإثبات هذا الأمر إلى دليل آخر ولا دليل فيما أعلم , والله تعالى أعلم .
 
تعرض عدد من العلماء المتقدمين والمتأخرين لهذه المسألة ، وذكرها السيوطي في الإتقان ، وكلام الزرقاني الذي أشرتم إليه أعلاه مختصر من كلام السيوطي ، غير أن السيوطي أورد أدلة رآها صريحةً ومؤكدةً لِنُزُولِ الكتب السماوية السابقة جُملةً واحدة ، ولم يذكر الأدلة التي اعترض بها المخالف ، وقد ذكر الدكتور فضل حسن عباس في الموضع الذي أشار إليه أخي الدكتور أبو مجاهد العبيدي ما يمكن الاعتراض به على تلك الأدلة التي ذكرها السيوطي . وإليك بيان كلام السيوطي وهو يؤيد القول بنزولها جملة واحدة . وأتبعه بكلام البقاعي الذي يخالف هذا القول ، وهما من أبرز من ناقش هذه المسألة من المتقدمين ، كما إن الدكتور فضل عباس من أبرز من ناقشها من المعاصرين.

ذكر السيوطيُّ (ت911هـ) القولين في المسألة في معرض حديثه عن الحِكْمةِ من نزول القرآن منجماً مفرقاً في آخر الحديث عن النوع السادس عشر : في كيفية إنزاله ، فقال :
(قال ابن فورك : قيل : أنزلت التوراةُ جُملةً ؛ لأنََّها نزلت على نَبِيٍّ يكتبُ ويقرأُ ، وهو موسى [صلى الله عليه وسلم] ، وأنزل اللهُ القرآن مفرقاً لأنَّهُ أنزلَ غَيْرَ مكتوبٍ على نَبيٍّ أُمِّيٍّ.
وقال غيرهُ : إنما لم يَنْزل جُملةً واحدةً لأَنَّ منه الناسخ والمنسوخ ، ولا يتأتى ذلك إلا فيما أُنزلَ مفرقاً ، ومنه ما هو جوابٌ لسؤالٍ ، وما هو إنكارٌ على قولٍ قيلَ ، أو فعلٍ فُعِلَ)
ثم قال السيوطيُّ تعقيباً على هذا تحت عنوانٍ جانبيٍ يصنعه كثيراً في كتابه الإتقان :
(تذنيب) : (ما تقدم في كلام هؤلاء من أن سائر الكتب أنزلت جملة هو مشهور في كلام العلماءِ ، وعلى ألسنتهم حتى كادَ يكونُ إجماعاً ، وقد رأيتُ بعضَ فضلاءِ العَصْرِ – وهو البقاعي - أَنكرَ ذلك ، وقالَ :(إِنَّهُ لا دليلَ عليهِ ، بل الصوابُ أَنَّها نزلتْ مفرَّقةً كالقرآن).
وأقولُ : – أي السيوطي - الصوابُ الأولُ ، ومن الأدلة على ذلك :
1- آية الفرقان السابقة [وهي قوله تعالى :{وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة}].

2- أخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قالت اليهود يا أبا القاسم ! لولا أنزل هذا القرآن جملةً واحدةً كما أنزلت التوراة على موسى ؟ فنَزَلتْ.
وأخرجه من وجه آخر عنه بلفظ : قال المشركون. وأخرج نحوه عن قتادة والسدي.
فإنْ قلتَ : ليس في القرآن التصريحُ بذلك ، وإنما هو على تقدير ثبوتهِ قولُ الكُفَّارِ ؟
قلتُ : سكوته تعالى عن الرد عليهم في ذلك ، وعدوله إلى بيان حكمتهِ دليلٌ على صحته. ولو كانت الكتبُ كلها نزلت مفرقةً لكان يكفي في الرد عليهم أَن يقولَ : إن ذلك سُنَّةُ الله في الكتب التي أنزلها على الرسل السابقة ، كما أجاب بِمثل ذلك قولهَم :(وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق)؟ فقال:( وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق. وقولهم:(أبعث الله بشراً رسولا) ؟ فقال:(وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً نُوحي إليهم). وقولهم: كيف يكونُ رسولاً ولا هَمَّ لَهُ إلا النساء ؟ فقال:( ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذريةً). إلى غير ذلك.

3- ومن الأدلة على ذلك أيضاً قوله تعالى في إنزال التوراة على موسى يوم الصَّعقةِ:( فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين * وكتبنا له في الألواحِ من كل شيء موعظةً وتفصيلاً لكل شيءٍ فخذها بقوةٍ ) (وألقى الألواح) (ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة) ، (وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة). فهذه الآيات كلها دالةٌ على إتيانهِ- أي موسى- التوراةَ جُملةً.

4- وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباسٍ قال: أعطي موسى التوراة في سبعة ألواحٍ من زبرجد فيها تبيان لكل شيء وموعظة ، فلما جاء بها فرأى بني إسرائيل عكوفاً على عبادة العجلِ رمى بالتوراةِ من يده فتحطمت ، فرفع الله منها ستة أسباعٍ وبقي منها سبعٌ.

5- وأخرج من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جده رفعَهُ قال :(الألواحُ التي أنزلت على موسى كانت من سدرِ الجنةِ ، كان طول اللوحِ اثني عشر ذراعاً) .

6- وأخرج النسائيُّ وغيرهُ عن ابن عباسٍ في حديث الفتونِ قال : أخذ موسى الألواحَ بعدما سكتَ عنه الغَضَبُ ، فأمرهم بالذي أَمر اللهُ أن يبلغهم من الوظائف فثقلت عليهم وأبوا أن يقروا بها حتى نَتَقَ اللهُ عليهم الجبلَ كأنه ظُلَّةٌ ، ودنا منهم حتى خافوا أن يقع عليهم فأقروا بها).

7- وأخرج ابن أبي حاتم عن ثابت بن الحجاج قال : جاءتهمُ التوراةُ جُملةً واحدةً فكبُرَ عليهم ، فأبوا أن يأخذوها حتى ظَلَّلَ الله عليهم الجبلَ فأخذوها عند ذلك.
فهذه آثارٌ صحيحةٌ صريحةٌ في إنزالِ التوراةِ جُملةً). [انظر : الإتقان للسيوطي 1/134-136 طبعة مصطفى ديب البغا – دار ابن كثير ]

وأما إبراهيم البقاعي (ت885هـ) الذي يرى أن الكتب السماوية السابقة كالتوراة وغيرها نزلت مفرقة كالقرآن الكريم فتجد كلامه في ذلك عند تفسير قوله تعالى في سورة النساء :(يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السَّمَآءِ) حيث قال :( ولَمَّا أخبر تعالى بما على المُفَرِّقين بين الله ورسله وما لأضدادهم أتبعه بعض ما أرادوا به الفرقة ، وذلك أن كعب بن الأشرف وفنحاص بن عازورا من اليهود قالا كذباً : إن كنت نبياً فأتنا بكتابٍ جُملةً من السماءِ نعاينه حين يَنْزِلُ - كما أتى موسى عليه الصلاة والسلام بكتابه كذلك ، فأنزل الله تعالى موبخاً لهم على هذا الكذب مشيراً إلى كذبهم فيه موهياً لسؤالهم محذراً من غوائله مبيناً لكفرهم بالله ورسله:{يسألك}. ولما كانت هذه من أعظم شبههم التي أضلوا بها من أراد الله، وذلك أنهم رأوا أن هذا الكتاب المبين أعظم المعجزات، وأن العرب لم يمكنهم الطعن فيه على وجه يمكن قبوله، فوجهوا مكايدهم نحوه بهذه الشبهة ونحوها، زيفها سبحانه وتعالى أتم تزييف ، وفضحهم بسببها غاية الفضيحة).
ثم قال :(وما أوهموا به في قولهم هذا من أن موسى عليه الصلاة والسلام أتى بالتوراة جُملةً كِذبةٌ تلقَّفها منهم مَنْ أراد الله تعالى مِنْ أهل الإسلام ؛ ظناً منهم أن الله تبارك وتعالى أَقَرَّهُم عليها ، وليس كذلك - كما يُفهمهُ السياقُ كُلُّهُ ، ويأتي ما هو كالصريح فيه في قوله: {إنا أوحينا إليك} - الآية كما سيأتي بيانه ، واليهود الآنَ مُعترفونَ بِأَنَّها لم تَنْزِلْ جُملةً. وقال الكلبيُّ في قصة البقرةِ التي ذبحوها لأجلِ القتيلِ الذي تداروا فيه : وذلك قبل نزول القَسَامَةِ في التوراة.)
ثم قال البقاعي في تفسيره لآية الفرقان :( وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة...الآية) :( وليست الإشارة – أي في قوله كذلك -محتملة لأن تكون للكتب الماضية، لأن نزولها إنما كان منجماً كما بينته في سورة النساء عن نص التوراة المشير إليه نص كتابنا، لا كما يتوهمه كثير من الناس، ولا أصل له إلا كذبة من بعض اليهود شبهوا بها على أهل الإسلام فمشت على أكثرهم وشرعوا يتكلفون لها أجوبة، واليهود الآن معترفون بأن التوراة نزلت في نحو عشرين سنة والله الموفق)
[انظر : نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي 5/507-512 ، 13/380 ]

وما ذكره السيوطي والزرقاني ، نقله أبو شهبة في كتابه (المدخل إلى دراسة القرآن الكريم ص 57 فقال:(أما الكتب السماوية السابقة فالمشهور بين العلماء أن ذلك كان جملة واحدة حتى كاد يكون هذا الرأي إجماعاً كما قال السيوطي) ثم ذكر أدلة السيوطي.
والأدلة التي ذكرها السيوطي كلها تتعلق بالتوراة ، وليس فيها دلالة على نزول غيرها من الكتب السابقة جملة ، وقد ألحقها بها الشيخ محمد أبو شهبة فقال:(وإذا كانت التوراة وهي أعظم الكتب السماوية السابقة ، وأكثرها أحكاماً وهداية ، وقد ثبت نزولها جملة واحدة ، فأحر بغيرها من الكتب السماوية – كالإنجيل والزبور وصحف إبراهيم – أن تكون قد نزلت جملة واحدة ، وآية الفرقان كما ذكرنا تدل على هذا التعميم وتؤيده)[المدخل ص 58].

وهذه المسألة ليست من المسائل الكبار التي يترتب عليها عمل ، ونزول الكتب المتقدمة جملة واحدة أو مفرقة ، ليس بذي أهمية ، ولذلك لم يتوقف عندها العلماء كثيراً ، ومعظم من تعرض لها ذكر القول الذي رجحه السيوطي ، ولعل هذا سبب اعتبار السيوطي هذا يشبه الإجماع منهم. فقد ذكر هذا القول عدد من العلماء منهم ممن تقدم السيوطي :
- الطبري (ت310هـ) عند تفسيره لآية الفرقان (17/445 طبعة دار هجر).
- محمد بن عبدالله بن أبي زمنين (ت399هـ ) في تفسيره 3/259
- أبو الليث السمرقندي في تفسيره 2/537
- الثعلبي (ت427هـ) في الكشف والبيان 7/132
- أبو المظفر السمعاني(ت489هـ ) 1/497 عند تفسير قوله تعالى: (يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء).
- البغوي (ت510هـ) في تفسير آية الفرقان (3/368)
- الرازي (ت604هـ) في تفسيره 24/69
- القرطبي (ت671هـ) في تفسيره 13/28
- العيني (ت855هـ) في عمدة القارئ 20/53 . وغير هؤلاء كثير
غير أن الأدلة الصريحة بالقول بنزولها جُملةً ليست مؤكدة الصحة من حيث الإسناد فيما يظهر لي مع البحث العاجل ، وهي في حاجة إلى دراسة حديثية ، والأدلة الصحيحة من حيث الإسناد وهي الآيات القرآنية ليست صريحةً من حيث الدلالة على نزول الكتب السماوية جملةً واحدة . ولذلك لم أعثر على بحث مستفيض لهذه المسألة عند المفسرين أو غيرهم من المتقدمين ولعل السيوطي والبقاعي من أوسع من تعرض لبحثها ، وربما يكون ذلك لعدم وجود ثمرة عملية لهذه المسألة. ولذلك قال الدكتور فضل حسن عباس في كتابه إتقان البرهان 1/156 :(أما الكتب السماوية فقد اشتهر أنها نزلت جملة واحدة ، وليس لدينا دليل صحيح قطعي نركن إليه في هذه القضية ، بل هي أدلة احتمالية ، منها أدلة استنبطها بعض العلماء من القرآن الكريم نفسه ، ومنها آثار لا يمكننا التعويل عليها أو الركون إليها).
وليُعلم أنه لا يلزم لإثبات كمال القرآن والشريعة الإسلامية التقليل من شأن الشرائع السابقة ، كالقول بأن نزول الكتب السماوية السابقة جُملةً واحدةً من مظاهر نقص تلك الشرائع ، بل الاحتمالُ لا زال وارداً أن الكتب السماويةَ السابقة للقرآن نزلت مفرقة كذلك ، لتلبية حاجات العباد ، غير أن الإسلام جاء مهيمناً على تلك الأديان ، وجاء القرآن مهيمناً على تلك الكتب ، وكلها من عند الله سبحانه وتعالى. والله أعلم بالصواب ، ولا يزال باب النقاش العلمي حول هذه المسألة مفتوحاً.
 
[align=justify]جاء في محاسن التأويل للقاسمي:
( تنبيه :
يذكر المفسرون هاهنا أن الآية رد على الكفرة في طلبهم نزول القرآن جملة ، كنزول بقية الكتب جملة . ويرون أن القول بنزول بقية الكتب دفعة ، صحيح . فيأخذون لأجله في سر مفارقة التنزيل له . والحال أن القول بنزولها دفعة واحدة لا أصل له ، وليس عليه أثارة من علم ، ولا يصححه عقل . فإن تفريق الوحي وتمديد مدته بديهي الثبوت . لمقدار مكث النبي . إذ ما دام بين ظهراني قومه ، فالوحي يتوارد تنزله ضرورة . ومن راجع التوراة والإنجيل الموجودين ، يتجلى له ذلك واضحا لا مرية فيه . وعذر القائل به ظنه أن الآية تعريض بنزول غيره كذلك . وما كل كلام معرض به . وإنما الآية حكاية لاقتراح خاص ، وتعنت متفنن فيه . والله أعلم .)
[/align]
 
الحمد لله ، وبعد ..

وكذلك ممن ردَّ القول بأن الكتب السابقة نزلت جملة واحدة ، ما ذكره الشيخ ابن عاشور رحمه الله ، في معرض بيانه حول مفردتي ( أنزل ) و ( نزَّل ) الذي تتابع النقلة عليها دون تحرير فقال :
( والتضعيفُ في ( نَزَّلَ ) للتعدية ، فهو يساوي الهمز في أنزل ، وإنما التضعيف يُؤذِن بقوة الفعل في كيفيته أو كميته ، في الفعل المتعدي بغير التضعيف، من أجل أنهم قد أتوا ببعض الأفعال المتعدية، للدَّلالة على ذلك ؛ كقولهم : فسر وفسر، وفرق وفرق، وكسر وكسر، كما أتوا بأفعال قاصرة بصيغة المضاعفة، دون تعدية ؛ للدلالة على قوة الفعل.
كما قالوا: مات وموت وصاح وصيح. فإما إذا صار التضعيف للتعدية فلا أوقن بأنه يدل على تقوية الفعل، إلا أن يقال: إن العدول عن التعدية بالهمز، إلى التعدية بالتضعيف، بقصد ما عهد في التضعيف من تقوية معنى الفعل.
فيكون قوله : ( نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ ) أهم من قوله (وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ) على عظم شأن نزول القرآن، وقد بينت ذلك مستوفى في المقدمة الأولى من هذا التفسير، ووقع في "الكشاف" ، هنا وفي مواضع متعددة، أن قال: إن نزَّل يد على التنجيم وإن أنزل يدل على أن الكتابين أنزلا جملة واحدة وهذا لا علاقة له بمعنى التقوية المدعى للفعل المضاعف، إلا أن يعني أن نزل مستعمل في لازم التكثير، وهو التوزيع ورده أبو حيان بقول تعالى : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ) نزل عليك القرءان جملة واحدة فجمع بين التضعيف وقوله : ( جُمْلَةً وَاحِدَةً ) . وأزيد أن التوراة والإنجيل نزلا مفرقين كشأن كل ما ينزل على الرسل في مدة الرسالة، وهو الحق؛ إذ لا يعرف أن كتابا نزل على رسوله دفعة واحدة. والكتاب: القرآن. والباء في قوله (بِالْحَقِّ) للملابسة، ومعنى ملابسته للحق اشتماله عليه في جميع ما يشتمل عليه من المعاني قال تعالى {وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ} )
 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
قول القاسمي رحمه الله :
"والحال أن القول بنزولها دفعة واحدة لا أصل له ، وليس عليه أثارة من علم"

هذا القول مجازفة لوجود الأدلة التي استدل بها المخالف وإن كانت ليست صريحة في ذلك.

وقوله:
"ولا يصححه عقل . فإن تفريق الوحي وتمديد مدته بديهي الثبوت . لمقدار مكث النبي . إذ ما دام بين ظهراني قومه ، فالوحي يتوارد تنزله ضرورة ".

وهذا القول غير صحيح في نظري ، لأنه يصح عقلاً أن يعطى النبيُ الكتاب جملة واحدة ولا يمنع ذلك من نزول الوحي عليه ويعبر عنه النبي بلفظه كما هي سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

وأما قوله:
" ومن راجع التوراة والإنجيل الموجودين ، يتجلى له ذلك واضحا لا مرية فيه".
فأقول:
لا يصح الاستشهاد بهما ، وكيف يصح الاستشهاد بهما وهي نسخ قد دخلها التحريف والتبديل ، بل هي ترجمات لأصول مفقوده؟

وأما قول بن عاشور رحمه الله تعالى:
"وأزيد أن التوراة والإنجيل نزلا مفرقين كشأن كل ما ينزل على الرسل في مدة الرسالة، وهو الحق."

أقول :
لو كان هذا الشأن معلوما ومتقررا لما وقع الخلاف.

وأما قوله:
"إذ لا يعرف أن كتابا نزل على رسوله دفعة واحدة."

فأقول:
بدليل صريح نعم أما على الإطلاق فلا.
روى البخاري في صحيحة حديث قصة موسى والخضر وفيه:

"أَمَا يَكْفِيكَ أَنَّ التَّوْرَاةَ بِيَدَيْكَ وَأَنَّ الْوَحْيَ يَأْتِيكَ يَا مُوسَى"

وفي الصحيح أن الله كتب التوراة لموسى عليه السلام بيده.
 
للوصول إلى نتيجة علمية في هذه المسألة لا بد من جمع أدلة الفريقين ؛ والنظر في الجمع بينهما إن أمكن ، وإلا فترجيح ما يتبين رجحانه بمرجح واضح ..
فمن أقوى أدلة القائلين بأن الكتب - غير القرآن الكريم - نزلت جملة واحدة ما يلي :
1 - قوله تعالى : {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [الفرقان : 32]
2 - الأحاديث الخمسة التي ذكر الشيخ عبد الرحمن الشهري في مداخلته.
ومن أقوى أدلة مخالفيهم :
1 - {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [النساء : 163]
2 - قول الكلبيُّ في قصة البقرةِ : وذلك قبل نزول القَسَامَةِ في التوراة.
وبالنظر في الآيتين الكريمتين نجد أن الأولى يدل ظاهرها - مقرونا بسبب النزول - على التنزيل جملة.
والآية الثانية : تدل على تشبيه الوحي عليه صلى الله عليه وسلم بالوحي على الأنبياء .
ولا تعارض بين الآيتين ؛ إذ يمكن حمل الأولى على التنزيل جملة على الأنبياء السابقين ، وحمل الثانية على المساواة بينهم وبينه صلى الله عليه وسلم في الوحي الذي لا يختص بالكتب .
وأرجح القولين - إلى الآن - القول بالتنزيل جملة .
والله تعالى أعلم.
 
خلاصات بحوث:


عنوان البحث: انفراد القرآن الكريم بالتنزيل المنجم: دراسة وتحقيق.


الباحثان: عايش علي محمد لبابنة و يحيى ضاحي شطناوي


المجلة: المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية - ١٤٢٨ هـ


خلاصة البحث:
درس هذا البحث مسألة تنجيم القرآن مقارنة بالكتب السماوية السابقة، وناقش القول المشهور عند أغلب المفسرين والباحثين في علوم القرآن، وهو انفراد القرآن بصفة التنجيم عن سائر الكتب السماوية السابقة.
وباستخدام منهج التحليل ومناقشة أدلة الفريقين تبيّن للباحثين عدم صحة ما اشتهر من انفراد القرآن بالتنزيل المنجم، وضعف أدلة هذا الرأي.
وخلص البحث إلى أن الكتب السماوية السابقة قد نزلت منجمة كالقرآن الكريم، وأن منهج التنجيم هو المنهج العام في تنزيل الكتب السماوية لحكم كثيرة مشتركة بين جميع الرسالات والرسل.
 
خلاصات بحوث:
عنوان البحث: انفراد القرآن الكريم بالتنزيل المنجم: دراسة وتحقيق.
الباحثان: عايش علي محمد لبابنة و يحيى ضاحي شطناوي
المجلة: المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية - 1428 هـ
خلاصة البحث:
درس هذا البحث مسألة تنجيم القرآن مقارنة بالكتب السماوية السابقة، وناقش القول المشهور عند أغلب المفسرين والباحثين في علوم القرآن، وهو انفراد القرآن بصفة التنجيم عن سائر الكتب السماوية السابقة.
وباستخدام منهج التحليل ومناقشة أدلة الفريقين تبيّن للباحثين عدم صحة ما اشتهر من انفراد القرآن بالتنزيل المنجم، وضعف أدلة هذا الرأي.
وخلص البحث إلى أن الكتب السماوية السابقة قد نزلت منجمة كالقرآن الكريم، وأن منهج التنجيم هو المنهج العام في تنزيل الكتب السماوية لحكم كثيرة مشتركة بين جميع الرسالات والرسل.

بارك الله فيكم يا أبا مجاهد على هذا النقل ، وليتنا نطلع على أدلة الباحثين في البحث كاملة . فهل يوجد البحث كاملاً يا ترى لدى أحد منكم أيها الأصحاب ؟
 
عودة
أعلى