العليمى المصرى
New member
أخى الحبيب عصامالإعجاز القرآني له وصف مخصوص لعدد من الآيات معروف مفارق للمألوف مقرون بالتحدي .. يكون في حده الأدنى سورة ، وأقل سورة ثلاث آيات ، فمهما جئت بثلاث آيات ، من أي مكان من المصحف ، مهما كانت السورة ، ومهما كان الموضوع ، فقد رأيت ما يبهر ويعجز ، وهو الذي تُحُدّيت العرب وغيرها في عقر دارها ، وفي أقوى قواها ، أن تأيي بمثله ، ولم يستطع أحد من الإنس والجن ، من قبل ومن بعد ، أن يفعل ذلك ، هذا هو العجز حقاً .
أما الحكمة التشريعية والحكمة العلمية ، ولا أقول إعجازاً تشريعاً ولا علمياً إلا تجوزًا، فقد تأتي السورة وليس فيها تشريع كشأن أغلب السور المكية ، التي كانت فاتحة الإعجاز للعرب ، وتأتي الآيات الطويلة ذوات العدد المجاوز للثلاث وليس فيها علوم كونية ولا نفسية . هذا النوع تابع للبياني ضمناً .
فكيف يسمى إعجازاً وقد تخلف عنه أهم شرائط الإعجاز ؟ وهو قدر السورة المتحدى بأن يؤتى بمثلها ؟
.
أعتقد أنه قد جانبك الصواب فى هذا التحليل لمسألة الإعجاز وفى تقديرك للحد الأدنى منه
فليس معنى أن أقصر سورة فى القرآن تتكون من ثلاث آيات أن يكون القدر المتحَدى به هو أى ثلاث آيات من أى مكان من المصحف كما تقول ، بل يجب أن تُشكّل تلك الآيات الثلاثة سورة مستقلة حتى يصح التحدى بها ، ففى كلامك قياس يُسميه المناطقة قياس فاسد منطقيا ، لأن وجه التحدى المنصوص عليه هو ( سورة كاملة ) بصرف النظر عن عدد آياتها
ثانياً : قصرك للإعجاز القرآنى على الوجه البيانى وحده بلا منازع أراه غير صحيح كذلك ، وذلك لقوله تعالى :
"قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا "
ففى هذه الآية الكريمة نجد أن التحدى موجه للانس جميعا وعلى اختلاف ألسنتهم ، أى أنه يعم العرب والعجم جميعا ، فضلا عن كونه يعم الجن كذلك ، مما يقطع بأن اعجاز القرآن العظيم يتحقق بأى وجه دون تخصيصه أو حصره فى وجه بعينه
ومن اللافت للنظر فى تلك الآية الكريمة أن الله عز وجل لما وسّع دائرة من تحداهم ( الانس والجن مجتمعين ومتظاهرين ) فانه قد وسّع بالمثل دائرة المتحدى به ( القرآن كله ، وليس سورة واحدة منه )
وبناءً على سعة تلك الدائرة الأخيرة ( القرآن ككل ) فإنه يصح أن توجد وجوه عديدة يقع بها الإعجاز ولا يقتصر وجودها على سورة واحدة ، بل تشيع فى ثنايا القرآن كله
ومن ذلك مثلا وجوه الإعجاز : العلمى ، والإحصائى ، والتشريعى
كما أنه بناءً على سعة الدائرة الأولى ( الموجه إليهم التحدى ) يكون وجه التحدى هنا غير قاصر على البيان فحسب ، لأن التحدى هنا ليس موجها الى العرب وحدهم ، وانما الى الأعجمين كذلك ، أى الى من لا يحسنون العربية ، بل ولا يفقهون منها شيئا بالمرة، بما يعنى أن وجه التحدى هنا فيه اطلاق و تعميم ليناسب أحوال المتحدين جميعا على اختلاف فنونهم ومعارفهم
هذا والا لو كان المراد بالتحدى هنا هو البيان العربى فحسب فكيف يصح تحدى الأعجمين به وهو خارج نطاق قدرتهم أصلا؟
هذا ، والله عز وجل هو أحكم وأعلم