هل في تفسير ابن عطية اعتزاليات ؟

إنضم
20/04/2006
المشاركات
81
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وصحبه والتابعين .
وبعد،
جاء في الفتاوي الحديثية لابن حجر الهيتمي ( صـ 242 )
وسئل نفع الله به : هل في تفسير ابن عطية اعتزال ؟
فأجاب بقوله : نعم فيه شيء كثير حتى قال الإمام المحقق ابن عرفة المالكي : يخشى على المبتديء منه أكثر ما يخاف عليه من كشاف الزمخشري لأن الزمخشري لما علمت الناس منه أنه مبتدع تخوفوا منه واشتهر أمره بين الناس مما فيه من الاعتزال ومخالفة الصواب وأكثروا من تبديعه وتضليله وتقبيحه وتجهيله ، وابن عطية سني لكن لا يزال يدخل من كلام بعض المعتزلة ما هو من اعتزاله في التفسير ثم يقره ولا ينبه عليه ويعتقد أنه من أهل السنة وأن ما ذكره من مذهبهم الجاري على أصولهم. وليس الأمر كذلك فكان ضرر تفسير ابن عطية أشد وأعظم على الناس من ضرر الكشاف . أهـ

وقد قرر نحو ذلك ابن تيمية رحمه الله فقال : ( 361/13 )
وتفسير ابن عطية وأمثاله أتبع للسنة والجماعة وأسلم من البدعة من تفسير الزمخشري ولو ذكر كلام السلف الموجود في التفاسير المأثورة عنهم على وجهه لكان أحسن وأجمل فإنه كثيرا ما ينقل من تفسير محمد بن جرير الطبري ـ وهو من أجل التفاسير وأعظمها قدرا ـ ثم إنه يدع ما نقله ابن جرير عن السلف لا يحكيه بحال ويذكر ما يزعم أنه قول المحققين وإنما يعني بهم طائفة من أهل الكلام الذين قرروا أصولهم بطرق من جنس ما قررت المعتزلة به أصولهم وإن كانوا أقرب إلى السنة من المعتزلة لكن ينبغي أن يعطى كل ذي حق حقه ويعرف أن هذا من جملة التفسير على المذهب ........ أهـ

وقال في موضع آخر : ( 388 / 13 )
وتفسير ابن عطية خير من تفسير الزمخشري وأصح نقلا وبحثا وأبعد عن البدع وإن اشتمل على بعضها بل هو خير منه بكثير بل لعله أرجح هذه التفاسير لكن تفسير ابن جرير أصح من هذه كلها ....... أهـ
ــــــــــــ
سؤال للسادة الأعضاء :
هل تناول هذه المسألة أحد من الباحثين بتفصيل ؟ـ إثباتاً أو نفياً ـ .
برجاء التفصيل .
 
لعل أحداً من الأعضاء يدلنا على دراسات حديثة عن ابن عطية وتفسيره تكون متوفرة على الشبكة ، وجزاكم الله خيراً
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد ،،،
أشار الدكتور / الذهبي - رحمه الله تعالى - في كتابه " التفسير والمفسرون " إشارة سريعة إلى هذه المسألة ...فليراجع
كلامه.
ولعلكم تجدون بغيتكم في كتاب الدكتور / عبد الوهاب فايد
والمسمّى بـــ " منهج ابن عطية في التفسير ".

وفقكم الله ،،،
 
السلام عليكم

لا نوافق على ذلك---ومن قرر عليه أن يأتينا بالدليل من تفسيره----

والآية المفصليّة عندهم هي " بلى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة : 81]

قال فيها إبن عطيّة

"وقالت طائفة: السيئة الشرك كقوله تعالى
{ ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار }
[النمل: 90]، والخطيئات كبائر الذنوب، وقال قوم: " خطيئته " بالإفراد، وقال قوم: السيئةُ هنا الكبائر، وأفردها وهي بمعنى الجمع لما كانت تدل على الجنس، كقوله تعالى
{ وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها }
[إبراهيم: 34]، والخطيئة الكفر، ولفظة الإحاطة تقوي هذا القول وهي مأخوذة من الحائط المحدق بالشيء، وقال الربيع بن خيثم والأعمش والسدي وغيرهم: معنى الآية مات بذنوب لم يتب منها، وقال الربيع أيضاً: المعنى مات على كفره، وقال الحسن بن أبي الحسن والسدي: المعنى كل ما توعد الله عليه بالنار فهي الخطيئة المحيطة، والخلود في هذه الآية على الإطلاق والتأبيد في المشركين، ومستعار بمعنى الطول والدوام في العصاة وإن علم انقطاعه، كما يقال ملك خالد ويدعى للملك بالخلد.

وقوله تعالى: { والذين آمنوا } الآية. يدل هذا التقسيم على أن قوله { من كسب سيئة } الآية في الكفار لا في العصاة، ويدل على ذلك أيضاً قوله: { أحاطت } لأن العاصي مؤمن فلم تحط به خطيئته، ويدل على ذلك أيضاً أن الرد كان على كفار ادعوا أن النار لا تمسهم إلا أياماً معدودة فهم المراد بالخلود، والله أعلم.)


وهو كلام دال على موقفه السنّي--وإن حصل توافق بين علم من أهل السنّة وعلم من المعتزلة في قضيّة فرعية فهذا مما يسمح به المذهب كقضيّة السحر التي أنكر فيها بعض أهل السنّة أن يكون له حقيقة---

ومع ذلك فإبن عطيّة أقرّ بحقيقة السحر إذ قال في تفسير الفلق

(و { النفاثات في العقد } السواحر، ويقال إن الإشارة أولاً إلى بنات لبيد بن الأعصم اليهودي كن ساحرات وهن اللواتي سحرن مع أبيهم النبي صلى الله عليه وسلم وعقدن له إحدى عشرة عقدة، فأنزل الله تعالى إحدى عشرة آية بعد العقد، هي المعوذتان، فشفى الله النبي صلى الله عليه وسلم، والنفث شبه النفخ دون تفل ريق، وهذا النفث هو على عقد تعقد في خيوط ونحوها على اسم المسحور فيؤذى بذلك، وهذا الشأن في زمننا موجود شائع في صحراء المغرب، وحدثني ثقة أنه رأى عند بعضهم خيطاً أحمر قد عقد فيه عقد على فصلان فمنعت بذلك رضاع أمهاتها، )

وإن توفر وقت قد نتتبع باقي الآيات التي يحتج بها المعتزلة على مذهبهم مثبتين تباين موقفه عن موقفهم--

ودمتم
 
للأستاذ الدكتور مصطفى المشني كتاب بعنوان: (مدرسة التفسير في الأندلس)، تحدث فيه عن المفسرين الأندلسيين، واتجاهاتهم، واعتقاداتهم، ...إلخ.
وأفرد فصلاً للحديث عن الاتجاه الاعتزالي، افتتحه ببيان أصول المعتزلة الخمسة، وشرحها، ثم عرض من أقوال المفسرين ما يتعلق بهذه الأصول، كلّ على حدة، وعلى رأسهم القاضي ابن عطية. [وهذه المشاركة تلخيص لأهم ما ورد في كتاب الدكتور مما يتعلق بالقاضي ابن عطية].


فيما يتعلق بالأصل الأول من أصول المعتزلة، وهو التوحيد، والذي ينكرون في ضوئه أزليّة صفات الله تعالى، لما يلزم منها ـ حسب قولهم ـ المشابهة للحوداث، فقد أثبت ابن عطية أزلية الصفات خلافاً للمعتزلة الذين نفوا القدم عنها بموجب الأصل الأول عندهم، وهو التوحيد.

يقول ابن عطية في تفسيره لقوله تعالى: {وَلَوْ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِذْ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ أَنَّ ٱلْقُوَّةَ للَّهِ جَمِيعاً}: "وثبتت بنص هذه الآية القوة لله بخلاف المعتزلة في نفيهم معاني الصفات القديمة".

وقد ذهبت المعتزلة إلى استحالة رؤية الله في الدنيا والآخرة، وأما أهل السنة فيقولون بالمنع في الدنيا، والجواز في الآخرة، ونرى ابن عطية يقول عند تفسيره لقوله تعالى: { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَارَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } [الأنعام: 103]: "أجمع أهل السنة على أن الله تعالى يرى يوم القيامة، يراه المؤمنون وقاله ابن وهب عن مالك بن أنس، والوجه أن يبين جواز ذلك عقلاً ثم يستند إلى ورود السمع بوقوع ذلك الجائز، واختصار تبيين ذلك يعتبر بعلمنا بالله عز وجل، فمن حيث جاز أن نعلمه لا في مكان ولا متحيز ولا مقابل ولم يتعلق علمنا بأكثر من الوجود، جاز أن نراه غير مقابل ولا محاذى ولا مكيفاً ولا محدوداً، وكان الإمام أبو عبد الله النحوي يقول: مسألة العلم حلقت لحى المعتزلة ثم ورد الشرع بذلك وهو قوله عز وجل:
{ وجوه يؤمئذ ناضرة إلى ربها ناظرة } [القيامة:22] وتعدية النظر يأتي إنما هو في كلام العرب لمعنى الرؤية لا لمعنى الانتظار على ما ذهبت إليه المعتزلة، وذكر هذا المذهب لمالك فقال: فأين هم عن قوله تعالى: { كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون } [المطفّفين:15].

قال القاضي أبو محمد: فقال بدليل الخطاب ذكره النقاش، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم، فيما صح عنه وتواتر وكثر نقله: إنكم ترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر ونحوه من الأحاديث على اختلاف ترتيب ألفاظها، وذهبت المعتزلة إلى المنع من جواز رؤية الله تعالى يوم القيامة، واستحال ذلك بآراء مجردة، وتمسكوا بقوله تعالى: { لا تدركه الأبصار }، وانفصل أهل السنة عن تمسكهم بأن الآية مخصوصة في الدنيا، ورؤية الآخرة ثابتة بأخبارها، وانفصال آخر، وهو أن يفرق بين معنى الإدراك ومعنى الرؤية، ونقول إنه عز وجل تراه الأبصار ولا تدركه، وذلك الإدراك يتضمن الإحاطة بالشيء والوصول إلى أعماقه وحوزه من جميع جهاته، وذلك كله محال في أوصاف الله عز وجل، والرؤية لا تفتقر إلى أن يحيط الرائي بالمرئي ويبلغ غايته، وعلى هذا التأويل يترتب العكس في قوله { وهو يدرك الأبصار } ويحسن معناه، ونحو هذا روي عن ابن عباس وقتادة وعطية العوفي، فرقوا بين الرؤية والإدراك، وأما الطبري رحمه الله ففرق بين الرؤية والإدراك واحتج بقول بني إسرائيل إنَّا لمدركون فقال إنهم رأوهم ولم يدركوهم.

قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وهذا كله خطأ؛ لأن هذا الإدراك ليس بإدراك البصر، بل هو مستعار منه أو باشتراك، وقال بعضهم إن المؤمنين يرون الله تعالى بحاسة سادسة تخلق يوم القيامة، وتبقى هذه الآية في منع الإدراك بالأبصار عامة سليمة، قال: وقال بعضهم: إن هذه الآية مخصوصة في الكافرين، أي إنه لا تدركه أبصارهم لأنهم محجوبون عنه".


[align=center]******************************[/align]

أما فيما يتعلق بالأصل الثاني، وهو العدل، الذي يعني عند المعتزلة أن أفعال الله كلها حسنة، وأنه لا يفعل القبيح، ولا يخلّ بما هو واجب، يلزم من هذا أن الله لا يرزق الحرام، بل الحلال فقط، ولا تتعلق إرادته بالقبيح والشر، كما أنه لا يخلق أفعال العباد، بل هم يخلقون أفعالهم بقدرة أودعها فيهم.

ردّ الإمام ابن عطية هذا الأصل، حيث قال عند قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلاةَ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة:3]: "والرزق عند أهل السنة. ما صح الانتفاع به حلالاً كان أو حراماً، بخلاف قول المعتزلة إن الحرام ليس برزق".
وقال حين فسر قوله تعالى: {وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 22]: "وانطلق اسم الرزق على ما يخرج من الثمرات قبل التملك، أي هي معدة أن يصح الانتفاع بها فهي رزق، ورد بهذه الآية بعض الناس قول المعتزلة إن الرزق ما يصح تملكه، وليس الحرام برزق".

وردّ في قضية خلق الأفعال، وقرّر عقيدة أهل السنة، وهي أن الله تعالى خالق أفعال العباد، وليس للعباد إلا الكسب، وبه يكون التكليف، وعليه يكون الثواب والعقاب.
عند قوله تعالى: {قُلْنَا ٱهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:]، قال: "وفي قوله تعالى: {مني} إشارة إلى أن أفعال العباد خلق لله تعالى".

وقال: "وفي قوله تعالى: {والله يهدي من يشاء} [البقرة: 213] رد على المعتزلة في قولهم إن العبد يستبد بهداية نفسه".

أما قول المعتزلة إن الحسن ما حسّنه العقل، والقبيح ما قبّحه العقل، فقد ردّه ابن عطية بشكل صريح في تفسيره لقوله تعالى: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِٱلسُّوۤءِ وَٱلْفَحْشَآءِ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 169]، قال: "ثم استعملت اللفظة فيما يستقبح من المعاني، والشرع هو الذي يحسن ويقبح، فكل ما نهت عنه الشريعة فهو من الفحشاء".

يتبع...
 
الأصل الثالث: الوعد والوعيد، الذي يقتضي وجوب الثواب والعقاب على الله تعالى، وإلا لزم الخُلف في وعده ووعيده، فمرتكب الكبيرة إذا مات ولم يتب، فهو مخلّد في النار، لأن وعد الله له كذلك، ويترتب على هذا ـ عندهم ـ نفي الخروج من النار بالشفاعة، ولا بغيرها.

قال الدكتور مصطفى المشني: وفي هذا يتجلى اتجاه المفسرين الأندلسيين، وفي مقدمتهم ابن عطية، في الرد على المرجئة والمعتزلة والخوارج، وذلك بذكر أقوالهم في مرتكب الكبيرة، ثم ذكر عقيدة أهل السنة والانتصار لها، على أنها عقيدة أهل الحق والصواب.

يقول ابن عطية عند تفسيره لقوله تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفْتَرَىٰ إِثْماً عَظِيماً} [النساء: 48]: "هذه مسألة الوعد والوعيد، وتلخيص الكلام فيها أن يقال: الناس أربعة أصناف، كافر مات على كفره، فهذا مخلد في النار بإجماع، ومؤمن محسن لم يذنب قطّ ومات على ذلك، فهذا في الجنة محتوم عليه حسب الخبر من الله تعالى بإجماع، وتائب مات على توبته فهو عند أهل السنة وجمهور فقهاء الأمة لاحق بالمؤمن المحسن إلا أن قانون المتكلمين أنه في المشيئة، ومذنب مات قبل توبته، فهذا موضع الخلاف.

فقالت المرجئة: هو في الجنة بإيمانه ولا تضره سيئاته، وبنوا هذه المقالة على أن جعلوا آيات الوعيد كلها مخصصة في الكفار، وآيات الوعد عامة في المؤمنين، تقيّهم وعاصيهم.

وقالت المعتزلة: إذا كان صاحب كبيرة فهو في النار ولا بد.

وقالت الخوارج: إذا كان صاحب كبيرة أو صغيرة فهو في النار مخلد ولا إيمان له، لأنهم يرون كل الذنوب كبائر، وبنوا هذه المقالة على أن جعلوا آيات الوعد كلها مخصصة في المؤمن المحسن الذي لم يعص قط، والمؤمن التائب، وجعلوا آيات الوعيد عامة في العصاة كفاراً أو مؤمنين.

وقال أهل السنة والحق: آيات الوعد ظاهرة العموم، وآيات الوعيد ظاهرة العموم، ولا يصح نفوذ كلها لوجهه بسبب تعارضها، كقوله تعالى: { لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى } [الليل 15-16] وهذه الآية هي الحاكمة ببيان ما تعارض من آيات الوعد والوعيد وقوله: { ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم } [الجن:23].

فلا بد أن نقول: إن آيات الوعد لفظها لفظ عموم، والمراد بها الخصوص في المؤمن المحسن، وفي التائب، وفيمن سبق في علمه تعالى العفو عنه دون تعذيب من العصاة، وأن آيات الوعيد لفظها عموم، والمراد بها الخصوص في الكفرة وفيمن سبق في علمه تعالى أنه يعذبه من العصاة، وتحكم بقولنا: هذه الآية النص في موضع النزاع، وهي قوله تعالى: { إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } فإنها جلت الشك وردت على الطائفتين، المرجئة والمعتزلة، وذلك أن قوله تعالى { إن الله لا يغفر أن يشرك به } فصل مجمع عليه، وقوله: { ويغفر ما دون ذلك } فصل قاطع بالمعتزلة راد على قولهم رداً لا محيد عنه، ولو وقفنا في هذا الموضع من الكلام لصح قول المرجئة، فجاء قوله { لمن يشاء } راداً عليهم، موجباً أن غفران ما دون الشرك إنما هو لقوم دون قوم، بخلاف ما زعموه من أنه مغفور لكل مؤمن.

قال القاضي ابو محمد: ورامت المعتزلة أن ترد هذه الآية إلى قولها، بأن قالوا: " من يشاء " هو التائب، وما أرادوه فاسد، لأن فائدة التقسيم في الآية كانت تبطل، إذ التائب من الشرك يغفر له.

قال القاضي أبو محمد: ورامت المرجئة أن ترد الآية إلى قولها، بأن قالوا: { لمن يشاء } معناه: يشاء أن يؤمن، لا يشاء أن يغفر له، فالمشيئة معلقة بالإيمان ممن يؤمن، لا بغفران الله لمن يغفر له، ويرد ذلك بأن الآية تقتضي على هذا التأويل أن قوله: { ويغفر ما دون ذلك } عام في كافر ومؤمن، فإذا خصص المؤمنون بقوله { لمن يشاء } وجب أن الكافرين لا يغفر لهم ما دون ذلك، ويجازون به.

قال القاضي أبو محمد: وذلك وإن كان مما قد قيل - فهو مما لم يقصد بالآية على تأويل أحد من العلماء، ويرد على هذا المنزع بطول التقسيم، لأن الشرك مغفور أيضاً لمن شاء الله أن يؤمن".

والحديث عن الأصل الثالث، تضمن بيان رأيه في الأصل الرابع عند المعتزلة، وهو أن مرتكب الكبيرة في منزلة بين المنزلتين.
أما الأصل الخامس للمعتزلة، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلم تثر حوله خلافات مذهبية بين أهل السنة والمعتزلة، فهما متفقان عليه من حيث المعنى والحكم الذي هو الوجوب.

ثم ختم الدكتور مصطفى هذا المبحث، بقوله:
اتضح من خلال البحث أن المفسرين الأندلسيين كانوا على النقيض من تلك الأصول، كما أثبتوا من خلال عرضِهم لها، ومناقشتِهم وردِّهم اتجاهَهم السليمَ البعيدَ عن البدع والضلالات، المتمثل في عقيدة أهل السنة، وهي عقيدة الحق والصواب. أ.هـ.

[align=center]**********************************[/align]

وهذه النصوص المنقولة من تفسير (المحرر الوجيز) للإمام ابن عطية، لا تترك مجالاً للشك، في أنه لا يعتقد عقيدة المعتزلة، ولا يدين بها، فبغير الاعتقاد بهذه الأصول الخمسة لا يكون الإنسان معتزلياً، وهو قد ردَّها جميعها، فكيف يقال: إن في تفسيره اعتزاليات.
 
الأخ الفاضل أبا فاطمة
لقد أثرت سؤالاً مشكلاً بلا ريب ، والأمر يحتاج إلى نظر علمي بلا عاطفة أو تحيُّز مذهبي ، وأحب أن أذكر الموضوع في نقاط :
أولاً : إن ابن عرفة الورغمي الماكي وابن حجر الهيتمي أشعريان ، وقد اشتد نكيرهما على ابن عطية ، وهو أشعري كذلك ـ رحم الله الجميع ـ فصار الكلام منصبَّا في هذه المدرسة ، وكلامهما ـ كما تراه ـ عنيف وقوي على مفسر هذا التفسير ، فهما يتهمانه صراحة بالاعتزال ، ويحذران منه أشد من تحذيرهما من كشاف الزمخشري .
ثانيًا : إن كلام ابن تيمية ، وهو من رفع لواء الانتصار لمذهب السلف ـ أدق من كلام ابن عرفة وابن حجر ؛ لأنه يصفه بأنه اتبع من قرر أصوله من جنس ما قررت المعتزلة به أصولهم ، والذي ظهر لي من خلال قراءة هذا التفسير أن مراد ابن تيمية مسألة تقديم العقل على النقل ، وتفصيل هذا الموضوع ليس هذا محله ، ومن أراد الاستزادة في هذا فلا مانع أ، يراسلني على الخاص لأوقفه على شيء من هذه المسائل ؛ لكيلا يخرج النقاش عما طرحه الأخ الفاضل أبو فاطمة .
ثالثًا : إن ابن عطية لم يكن معتزليًا البتة ، بل هو يقرر المعتقد على مذهب الأشاعرة ، وقد تأصل بكتب أبي المعالي الجويني ، وأبي الطيب الباقلاني ، وغيرهما من متكلمي الأشاعرة ، كما ذكر ذلك في كتابه المعنون بـ ( فهرست ابن عطية ) .
والدليل على ذلك أني وقفت على اكثر من أربعين موطنًا يرد فيها على المعتزلة صراحة ، وكان رده عليهم متنوعًا في مجموعة من عقائدهم ، ومن أمثلة ردِّه ما يأتي :
1 ـ في وقوله تعالى : { ومما رزقناهم ينفقون } قال : ( والرزق عند أهل السنة . ما صح الانتفاع به حلالاً كان أو حراماً ، بخلاف قول المعتزلة إن الحرام ليس برزق ) .
2 ـ قال واختلف المتأولون في قوله تعالى : { يضل به كثير ويهدي به كثيراً } فقيل هو من قول الكافرين ، أي ما مراد الله بهذا المثل الذي يفرق به الناس إلى ضلالة وإلى هدى؟ وقيل بل هو خبر من الله تعالى أنه يضل بالمثل الكفار الذين يعمون به ، ويهدي به المؤمنين الذين يعلمون أنه الحق . وفي هذا رد على المعتزلة في قولهم : « إن الله لا يخلق الضلال » ولا خلاف أن قوله تعالى : { وما يضل به إلا الفاسقين } من قوله الله تعالى .
3 ـ قال في قوله تعالى : ( ما ننسخ من آية أو ننسها ) : والمنسوخ عند أئمتنا : الحكم الثابت نفسه : لا ما ذهبت إليه المعتزلة ، من أنه مثل الحكم الثابت فيما يستقبل ، والذي قادهم إلى ذلك مذهبهم في أن الأوامر مرادة ، وأن الحسن صفة نفسية للحسن ، ومراد الله تعالى حسن ، وقد قامت الأدلة على أن الأوامر لا ترتبط بالإرادة ، وعلى أن الحسن القبح في الأحكام إنما هو من جهة الشرع لا بصفة نفسية .
4 ـ قال في قوله تعالى : وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) : ( وثبتت بنص هذه الآية القوة لله بخلاف المعتزلة في نفيهم معاني الصفات القديمة ) .
5 ـ في تفسير قوله تعالى : ( الحي القيوم ) ، قال : (و { الحي } صفة من صفات الله تعالى ذاتية ، وذكر الطبري ، عن قوم أنهم قالوا : الله تعالى حي لا بحياة . وهذا قول المعتزلة وهو قول مرغوب عنه ، وحكي عن قوم أنه حي بحياة هي صفة له ، وحكي عن قوم أنه يقال حي كما وصف نفسه ، ويسلم ذلك دون أن ينظر فيه ، و { القيوم } فيعول من القيام أصله قيووم اجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون فأدغمت الأولى في الثانية بعد قلب الواو ياء ، وقيوم بناء مبالغة أي : هو القائم على كل أمر بما يجب له ، وبهذا المعنى فسره مجاهد والربيع والضحاك ) .
وهناك غير هذه الأمثلة في الرد الصريح ، ، لذا لا زلت أستغرب كلام هذين العالمين ـ ابن عرفة وابن حجر الهيتمي ـ لأنهما لا يمكن أن يصدرا مثل هذا القول عن جهل وعدم تحقيق ، خصوصًا إذاعلمت أن ابن عرفة المالكي قد اعتمد كتاب ابن عطية مصدرًا من مصادره في مجالس التفسير التي كان يعقدها ، وقد قرأه ـ فيما يظهرـ قراءة فاحصة ، ولم أقف ـ فيما طُبع من تفسير ابن عرفة ـ على انتقاده لابن عطية من هذا الجانب .
ومن الأمور المهمة لمن أراد أن يتصدى لبيان ما وقع فيه ابن عطية من موافقة للمعتزلة ـ إن كان وقع ـ أن يكون عارفًا بدقائق المذهب الاعتزالي ؛ ليظهر له بالموازنة موافقات ابن عطية لهم .
رابعًا : هناك فائدة زائدة على السؤال ، وهي أن تفسير ابن عطية على اسمه ( تفسير محرر ) ، وهو من أصول كتب التفسير المهمة التي يحسن بطالب العلم اقتناؤها والاستفادة منها ، وأن لا يدعوه ما يُحكى من مثل هذا الكلام عن ابن عطية أن لا يستفيد منه ، بل إن فيه من حسن التعليق على كلام السلف ، وتوجيه أقوالهم ما لا تجده في غيره ، ولقد ظهر لي أن هذه السمة من السمات البازوة في تفسير ابن عطية رحمه الله .
تنبه : أرجو أن لا يخرج الموضوع عن حد السؤال ، والله الموفق للصواب .
 
كنت اول ما وقفت على نسب ابن عطية للمعتزلة في شرحين :
الأول : تحفة الأحوذي ، وقد جاء فيه :
( قَوْلُهُ : ( مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ )
أَيْ بِغَيْرِ دَلِيلٍ يَقِينِيٍّ أَوْ ظَنِّيٍّ نَقْلِيٍّ أَوْ عَقْلِيٍّ مُطَابِقٍ لِلشَّرْعِيِّ ، قَالَهُ الْقَارِي . وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ قَوْلًا يَعْلَمُ أَنَّ الْحَقَّ غَيْرُهُ وَقَالَ فِي مُشْكِلِهِ بِمَا لَا يَعْرِفُ
( فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ )
أَيْ لِيُهَيِّئْ مَكَانَهُ مِنْ النَّارِ قِيلَ الْأَمْرُ لِلتَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ ، وَقِيلَ الْأَمْرُ بِمَعْنَى الْخَبَرِ . قَالَ اِبْنُ حَجَرٍ : وَأَحَقُّ النَّاسِ بِمَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ ، قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ سَلَبُوا لَفْظَ الْقُرْآنِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ وَأُرِيدَ بِهِ أَوْ حَمَلُوهُ عَلَى مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَرِدْ بِهِ فِي كِلَا الْأَمْرَيْنِ مِمَّا قَصَدُوا نَفْيَهُ أَوْ إِثْبَاتَهُ مِنْ الْمَعْنَى فَهُمْ مُخْطِئُونَ فِي الدَّلِيلِ وَالْمَدْلُولِ مِثْلُ تَفْسِيرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَيْسَانَ الْأَصَمِّ وَالْجُبَّائِيِّ وَعَبْدِ الْجَبَّارِ وَالْهَانِيِّ وَالزَّمَخْشَرِيِّ وَأَمْثَالِهِمْ . وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَدُسُّ الْبِدَعَ وَالتَّفَاسِيرَ الْبَاطِلَةَ فِي كَلَامِهِمْ الْجَذِلِ فَيَرُوجُ عَلَى أَكْثَرِ أَهْلِ السُّنَّةِ كَصَاحِبِ الْكَشَّافِ ، وَيَقْرُبُ مِنْ هَؤُلَاءِ تَفْسِيرُ اِبْنِ عَطِيَّةَ ، بَلْ كَانَ الْإِمَامُ اِبْنُ عَرَفَةَ الْمَالِكِيُّ يُبَالِغُ فِي الْحَطِّ عَلَيْهِ وَيَقُولُ إِنَّهُ أَقْبَحُ مِنْ صَاحِبِ الْكَشَّافِ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ اِعْتِزَالَ ذَلِكَ فَيَجْتَنِبُهُ ، بِخِلَافِ هَذَا فَإِنَّهُ يُوهِمُ النَّاسَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ ) .
الثاني مرقاة المفاتيح لملا علي قاري ، قال :
( قال ابن حجر وأحق الناس بما فيه من الوعيد قوم من أهل البدع سلبوا لفظ القرآن ما دل عليه وأريد به أو حملوه على ما لم يدل عليه ولم يرد به في كلا الأمرين مما قصدوا نفيه أو إثباته من المعنى فهم مخطئون في الدليل والمدلول مثل تفسير عبد الرحمن بن كيسان الأصم والجبائي وعبد الجبار والرماني والزمخشري وأمثالهم ومن هؤلاء من يدس البدع والتفاسير الباطلة في كلامهم الجزل فيروج على أكثر أهل السنة كصاحب الكشاف ويقرب من هؤلاء تفسير ابن عطية بل كان الإمام ابن عرفة المالكي يبالغ في
الحط عليه ويقول إنه أقبح من صاحب الكشاف لأن كل أحد يعلم اعتزال ذلك فيجتنبه بخلاف هذا فإنه يوهم الناس أنه من أهل السنة ) ، ولم أجد هذا الكلام عند ابن حجر ـ إن كان الهيتمي ـ إلا ما كان في الفتاوى الحديثية ، لكن لا يوجد في الفتواى كل هذه التفاصيل ، فلعلها من كتاب آخر ، والله أعلم .
 
أشكر الأخ الفاضل جمال والأخت الفاضلة روضة ، ولم أطلع على تعليقك ، إلا بعد تسجيلي تعليقاتي ، فيبدو أنك كتبتيها وأنا أعدُّ التعليق ، ولقد ظهر ـ والحمد لله ـ الاتفاق على نفي الاعتزال عن ابن عطية ، ولله الحمد .
 
الشيخ الفاضل / د.مساعد الطيّار – حفظه الله تعالى- :
قلتم : " ...والدليل على ذلك أني وقفت على اكثر من أربعين موطنًا يرد فيها على المعتزلة صراحة ، وكان رده عليهم متنوعًا في مجموعة من عقائدهم "
شيخنا الفاضل... هل وقفتم على كلام ابن عطية – رحمه الله – عند تفسير قوله تعالى :
" للذين أحسنوا الحسنى وزيادة " يونس :26
فكما لا يخفى عليكم يا شيخنا الكريم أنّ من عقائد المعتزلة – وإن كان ليس من أصولهم – نفي رؤية الله سبحانه وتعالى سواء في الدنيا أم في الآخرة.
وهذا نص كلام المصنف – رحمه الله تعالى – في تفسير الآية الكريمة:
" وقوله تعالى: { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } الآية، قالت فرقة وهي الجمهور: { الحسنى } الجنة و " الزيادة " النظر إلى وجه الله عز وجل، وروي في نحو ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه صهيب، وروي هذا القول عن أبي بكر الصديق وحذيفة وأبي موسى الأشعري وعامر بن سعد وعبد الرحمن ابن أبي ليلى، وروي عن علي بن أبي طالب أنه قال: " الزيادة " غرفة من لؤلؤة واحدة، وقالت فرقة { الحسنى } هي الحسنة، و " الزيادة " هي تضعيف الحسنات إلى سبعمائة فدونها حسبما روي في نص الحديث، وتفسير قوله تعالى:
{ والله يضاعف لمن يشاء }
[البقرة: 261]، وهذا قول يعضده النظر ولولا عظم القائلين بالقول الأول لترجح هذا القول " اهـ
ولعلكم يا شيخنا الكريم تتبعون كلام ابن عطية – رحمه الله – في تفسيره لمعنى الاستواء...فالذي يظهر أنه ليس أشعريا جلدا!
والله أعلم.
 
رجعتُ إلى كتاب " المفسّرون بين التأويل والإثبات في آيات الصفات " للشيخ المغرواي..فوجدته يصرح بقوله "
أما أبو محمد بن عطية فيمزج بين الأشعرية والاعتزال ، ويميل أحيانا إلى الاعتزال..." اهـ

فما رأي الشيخ الطيار – حفظه الله تعالى - ؟
 
اما المغراوي فلا يصلح كلامه للنظر بسبب تعصبه ودخوله في كتابه بوجهة نظر مسبقة طغت على الكتاب مما تعد احكامه في كثير من جوانبها في غاية العنف
ماما شيخنا الطيار فقد طار بالبحث كل مطار وحلق غاية التحليق فاجاد وافاد وابلغ واوجز جزاه الله خيرا
اما تفسير من لم يفسر الزيادة بالنظر الى وجه الله الكريم فليست مخرجة اياه عن المعتقد الصحيح وانما الاية تحتمل هذا وغيرة والعبرة بالنصوص القاطعة لا فيما يحتمله التاويل والله اعلم
 
قول الإمام ابن عطية: " وقوله تعالى: { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } الآية، قالت فرقة وهي الجمهور: { الحسنى } الجنة و " الزيادة " النظر إلى وجه الله عز وجل، وروي في نحو ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه صهيب، وروي هذا القول عن أبي بكر الصديق وحذيفة وأبي موسى الأشعري وعامر بن سعد وعبد الرحمن ابن أبي ليلى، وروي عن علي بن أبي طالب أنه قال: " الزيادة " غرفة من لؤلؤة واحدة، وقالت فرقة { الحسنى } هي الحسنة، و " الزيادة " هي تضعيف الحسنات إلى سبعمائة فدونها حسبما روي في نص الحديث، وتفسير قوله تعالى: { والله يضاعف لمن يشاء } [البقرة: 261]، وهذا قول يعضده النظر ولولا عظم القائلين بالقول الأول لترجح هذا القول " اهـ.

لا يخفى على المنصف أن هذا النص ليس فيه نفي رؤية الله تبارك وتعالى، فأقصى ما في الأمر أنه أورد الاختلاف في معنى الزيادة، ثم رجّح أن الزيادة هي الرؤية، حيث قال بعد أن ذكر رأي فرقة بأن الزيادة هي تضعيف الحسنات: (( .... وهذا قول يعضده النظر ولولا عظم القائلين بالقول الأول لترجح هذا القول))، و(لولا) كما هو معروف أداة امتناع لوجود، فوجود قول عن عظماء بأن الزيادة هي الرؤية، منعه من ترجيح القول بأن الزيادة هي تضعيف الحسنات.

ومن أراد معرفة مذهب أحد المفسرين في مسألة الرؤية من الطبيعي أن يرى ما قاله في تفسير قوله تعالى: { وجوه يؤمئذ ناضرة إلى ربها ناظرة } [القيامة:22]، أو قوله تعالى: { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَارَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } [الأنعام: 103].
وقد نقلتُ ما قاله في هاتين الآيتين، واتضح بما لا مجال فيه للشك بأنه يثبت الرؤية على ما هو مذهب أهل السنة والجماعة.


فلينظر القارئ في نصوص العلماء بعين المنصِف، فلا يقوّلهم حسب أهوائه، ولا يتهمهم بما لم يرد عنهم بسبب سوء فهمه لنصوصهم، أو بسبب اصطحابه حكماً مسبقاً.
 
اخي الكريم عمار الحديث فيما أورد فيه أمور :
الأول : أن تفسير ابن عطية للزيادة لا غبار عليه البتة ، بل هو متبع لقول السلف لم يحد عنهم ، وإنما زادك فائدة في طريقة الترجيح عند تعارضها ، وتلك فائدة ثمينة جدًا .
الثاني : أنه لا يؤخذ من هذا النص الواحد رأيه في الرؤية ، وله في إثبات الرؤية نصوص متعددة ، وهي مجموعة عندي كلها ، ومنها :
1 ـ عند قوله تعالى : ( لن تراني ) قال : (ورؤية الله عز وجل عند الأشعرية وأهل السنة جائزة عقلاً ، لأنه من حيث هو موجود تصح رؤيته ، قالوا لأن الرؤية للشيء لا تتعلق بصفة من صفاته أكثر من الوجود ، إلا أن الشريعة قررت رؤية الله تعالى في الآخرة نصاً ومنعت من ذلك في الدنيا بظواهر من الشرع ) .
2 ـ عند قوله تعالى : ( لا تدركه الأبصار ) قال : (أجمع أهل السنة على أن الله تعالى يرى يوم القيامة ، يراه المؤمنون وقاله ابن وهب عن مالك بن أنس ، والوجه أن يبين جواز ذلك عقلاً ثم يستند إلى ورود السمع بوقوع ذلك الجائز ، واختصار تبيين ذلك يعتبر بعلمنا بالله عز وجل ، فمن حيث جاز أن نعلمه لا في مكان ولا متحيز ولا مقابل ولم يتعلق علمنا بأكثر من الوجود ، جاز أن نراه غير مقابل ولا محاذى ولا مكيفاً ولا محدوداً ، وكان الإمام أبو عبد الله النحوي يقول : مسألة العلم حلقت لحى المعتزلة ثم ورد الشرع بذلك وهو قوله عز وجل : { وجوه يؤمئذ ناضرة إلى ربها ناظرة } [ القيامة : 22 ] وتعدية النظر يأتي إنما هو في كلام العرب لمعنى الرؤية لا لمعنى الانتظار على ما ذهبت إليه المعتزلة ، وذكر هذا المذهب لمالك فقال : فأين هم عن قوله تعالى : { كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون } [ المطفّفين : 15 ] .
قال القاضي أبو محمد : فقال بدليل الخطاب ذكره النقاش ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم ، فيما صح عنه وتواتر وكثر نقله : إنكم ترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر ونحوه من الأحاديث على اختلاف ترتيب ألفاظها ، وذهبت المعتزلة إلى المنع من جواز رؤية الله تعالى يوم القيامة واستحال ذلك بآراء مجردة ، وتمسكوا بقوله تعالى : { لا تدركه الأبصار } وانفصل أهل السنة عن تمسكهم بأن الآية مخصوصة في الدنيا ، ورؤية الآخرة ثابتة بأخبارها ، وانفصال آخر ، وهو أن يفرق بين معنى الإدراك ومعنى الرؤية ، ونقول إنه عز وجل تراه الأبصار ولا تدركه ، وذلك الإدراك يتضمن الإحاطة بالشيء والوصول إلى أعماقه وحوزه من جميع جهاته ، وذلك كله محال في أوصاف الله عز وجل ، والرؤية لا تفتقر إلى أن يحيط الرائي بالمرئي ويبلغ غايته ، وعلى هذا التأويل يترتب العكس في قوله { وهو يدرك الأبصار } ويحسن معناه ، ونحو هذا روي عن ابن عباس وقتادة وعطية العوفي ، فرقوا بين الرؤية والإدراك ، وأما الطبري رحمه الله ففرق بين الرؤية والإدراك واحتج بقول بني إسرائيل إنَّا لمدركون فقال إنهم رأوهم ولم يدركوهم .
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه : وهذا كله خطأ لأن هذا الإدراك ليس بإدراك البصر بل هو مستعار منه أو بإشتراك ، وقال بعضهم إن المؤمنين يرون الله تعالى بحاسة سادسة تخلق يوم القيامة ، وتبقى هذه الآية في منع الإدراك بالأبصار عامة سليمة ، قال : وقال بعضهم : إن هذه الآية مخصوصة في الكافرين ، أي إنه لا تدركه أبصارهم لأنهم محجوبون عنه .
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه : وهذه الأقوال كلها ضعيفة ودعاو لا تستند إلى قرآن ولا حديث ) .
الثالث : يترتب من هذا قضية مهمة ، وهي أنه إذا وُجِد لمسألة ما أكثر من دليل ، وتوقف عالم من العلماء في صحة أحد هذه الادلة ؛ إما من جهة الثبوت ـ إن كان في الاخبار ـ في الإسناد ، وإما من جهة الدلالة ، فإن هذا لا يعني أنه ينكر المسألة في أصلها ، وإنما هو لا يرى دلالة هذا الدليل على هذه المسألة ، وهذه قضية مهمة ودقيقة قد يغفل عنها بعض القراء ، فيحسن جمع موارد كلام العالم في المسألة ليتبن مراده الذي يذهب إليه .
والحال هنا أن أبن عطية لو ذهب إلى عدم دلالة آية ( وزيادة ) على الرؤية لأحد العوارض التي تعرض له ولغيره من العلماء ، فإنه لا يُعدُّ منكرًا للرؤية ، وإنما هو يعترض على دلالة هذه الآية عليها لسبب عنده .
هذا ، مع أن ابن عطية يذهب بالآية إلى تفسيرها بالرؤية ، وإنما حكيت لك الامر افتراضًا لتتبين المسألة ، وفي ذلك أمثلة غير هذا في تطبيقات العلماء العلمية .
الرابع : أن الأمر في هذه المسألة يتعلق بنسبة عالم إلى معتقد لا يظهر أنه يعتقده ، فمن قال بأنه معتزلي أو يميل إلى الاعتزال ، فعليه الدليل ، وذلك أصل علمي لا يحيد عنه أحد ، وإلا فالدعاوى قد تظهر على كثير من العلماء ، وعند التحقيق لا ترى منها ما يثبت .
الخامس : كلامنا ـ نحن البشر ـ يُحتجُّ له ولا يُحتجُّ به ، وما ذكرته عن الشيخ المغراوي حفظه الله من قوله : (أما أبو محمد بن عطية فيمزج بين الأشعرية والاعتزال ، ويميل أحيانا إلى الاعتزال... ) يندرج تحت الفقرة الرابعة التي أوردتها لك ، فهل ذكر المغراوي مثالاً على ميله للاعتزال ؟!
السادس : فائدة زائدة :
أحب ان تعلم أن إتيان بعض المسائل العقدية في كتب التفسير من زاوية واحدة ، أو من خلال فهم لجزء من عقيدة المؤلف أو كذا عقيدة الباحث = يورث القصور في الحصول على النتائج ، والعدل أن يكون مقام النقد مبينًا عما للمفسر وما عليه ، حتى لو كنت تخالفه في المعتقد ؛ لأن إظهار جانب معين والتركيز عليه سيورث زُهد طلاب العلم بذلك المفسر وكتابه .
وانظر ما يحصل لك لو أردت أن تقرأ الكشاف ، مع أنه من أكثر كتب التفسير نقدًا ، فقل عالم إلا انتقده ، وكره ما فيه من اعتزاليات ، لكن لم يمنعهم هذا من الاستفادة من الجوانب الاخرى التي تميز بها ، بل كان سببًا في بروز بحوث كثيرة للعلماء في مجال بلاغة القرآن الكريم ، ولا يتغافل عن هذا إلا من لا يحب الإنصاف .
 
جزاكم الله خيرا يا شيخ وبارك الله فيكم. أحب أن أوضح بعض النقاط لكم وللقراء :
أولا : استشهادي بكلام الشيخ المغرواي – حفظه الله – لا يعني أنني أوردته كدليل يجب التسليم له! بل كان غرضي هو مناقشة الشيخ والتدقيق في كلامه لنرى ما إذا كان كلامه يستند إلى أدلة علمية تعضد رأيه أم لا.
ثانيا : أستغفر الله مما قلتُ في تعقيبي الأول...ولقد خطر لي قبل قراءة تعليق الشيخ مساعد – حفظه الله – أن أتتبّع كلام الإمام ابن عطية – رحمه الله – في مواطن أخرى متعلقة بمسألة الرؤية...وكانتْ المفاجأة أن تبيّن لذهني الضعيف ما ذكره الشيخ مساعد - حفظه الله – في تعقيبه السابق.
ثالثا : نظرتُ في بعض كتب التراجم كطبقات المفسرين للسيوطي وتاريخ الإسلام للذهبي وغيرها..فلم أجد عند من ترجم لهذا الإمام إلا خيرا ، لكن لا يزال الأمر مشكلا ونحن نقف أمام نصين من عالمَيْنِ محققين..وكما قال الشيخ مساعد : " لأنهما لا يمكن أن يصدرا مثل هذا القول عن جهل وعدم تحقيق " اهـ
فكيف يمكن توجيه حكمهما؟! رحم الله الجميع وغفر لنا ولهم.
رابعا : جزاكم الله خيرا يا شيخ مساعد على فوائدكم وجعل ذلك في ميزان حسناتكم.
 
جزاكم الله جميعاً خيراً كثيرا ً ، فلقد استفدت من مشاركاتكم خاصة ما تفضل به الدكتور مساعد وفقه الله للخير .
ولكني أريد أن أنبه إلى أمر وهو أن سؤالي لا يعني أن ابن عطية يميل إلى المعتزلة أو يقول بكل أقوالهم أو بكل أصولهم ، حتى يقال : إن رده لأصولهم دليل على أنه ليس في كتابه شيء من أقوالهم ؛ إذ حكاية أقوالهم وتقريرها ـ بدون معرفة كما يفهم من كلام ابن تيمية ـ لا ينفي أن فيه اعتزاليات . ولعل الفرق واضح بين قولنا : في كلامه اعتزاليات . وبين قولنا : هو يميل إلى المعتزلة .

وأستطيع أن أقيد ما استفدته من هذه المشاركات الطيبة في عدة نقاط :
ـــ أن ابن عطية قد رد على المعتزلة في مواضع عدة من تفسيره .
ـــ أنه قد اتفق معهم في أصل عام وهو تقديم العقل على النص .
ــ أن كلام ابن حجر وابن عرفة يظهر فيه المبالغة وأن كلام ابن تيمية كان أدق .
ـــ أن هناك من الباحثين المعاصرين من وافق ابن حجر وابن عرفة في قولهما .
ــ أن هذه المسألة ما زالت بحاجة إلى بحث ، وخاصة من أهل الاختصاص ـ دارسي العقيدة ـ وذلك لمعرفة ابن عرفة بهذا الكتاب ودرايته بما فيه ، وأيضاً لتتبع أقوال ابن عطية هل فيها ما يوافق أقوالهم بالفعل أم لا ؟
ولا يزال الكلام في هذه المسألة غير قاطع . فلعل الله ييسر .
 
الذي ندين الله عليه أن ابن عطية ليس من المعتزلة ، وشيخ الاعتزال من المفسرين الزمخشري فيما دون هذه النقطه له

فضل على المفسرين جميعاً والله ذو فضل على العالمين.
 
جزاكم الله خيرا ونفع بكم


ذكرتم - نفع الله بكم -
( ولم أجد هذا الكلام عند ابن حجر ـ إن كان الهيتمي ـ إلا ما كان في الفتاوى الحديثية ، لكن لا يوجد في الفتواى كل هذه التفاصيل ، فلعلها من كتاب آخر ، والله أعلم .)

انتهى

فائدة


أولا :

مصدر المباركفوري صاحب التحفة = شرح المشكاة لملا علي القاري
والنص في شرحه كما في نقلكم - حفظكم الله ونفع بكم -

ثانيا :

][®][^][®][مصدر ملا علي القاري = كتاب شرح المشكاة لابن حجر المكي][®][^][®][

وكتاب شرح المشكاة لابن حجر المكي مفقود - والله أعلم -

وهو من أهم مصادر ملا علي القاري في شرحه على المشكاة

بل إنك لو وجدت ذكر ابن حجر في شرح المشكاة لملا علي القاري فالمقصود به ابن حجر المكي
هذا هو الأصل
إلا إذا جاء مقيدا بمثل ابن حجر العسقلاني
أو ابن حجر في شرح البخاري
أو ابن حجر مع قرينة أخرى

والقرائن مثل أن يكون شرح لحديث في البخاري أو تعقب على النووي وغير ذلك مما يعرف منه أسلوب ابن حجر العسقلاني

وإلا فالأصل كما وضحت


والله أعلم بالصواب

فائدة :
وبهذا التوضيح يتضح الإشكال الذي يقع أحيانا في تحديد ابن حجر -حين النقل من الكتب المتأخرة-

وكمثال
في تحفة الأحوذي

(قوله: (إذا دخل الخلاء) أي أراد دخوله قوله: (نزع) أي أخرج من أصبعه (خاتمه) قال القاري في المرقاة لأن نقشه محمد رسول الله، وفيه دليل على تنحية المستنجي اسم الله واسم رسوله والقرآن، كذا قاله الطيبي قال الأبهري: ويعم الرسل. وقال ابن حجر: استفيد منه أنه يندب لمريد التبرز أن ينحي كل ما عليه معظم من اسم الله تعالى أو نبي أو مالك، فإن خالف كره انتهى. وهذا هو الموافق لمذهبنا انتهى كلام القاري. )
انتهى من شرح الترمذي للمباركفوري

فابن حجر هنا هو ابن حجر المكي لا العسقلاني

وهكذا


والله أعلم بالصواب
 
الذي ندين الله عليه أن ابن عطية ليس من المعتزلة ، وشيخ الاعتزال من المفسرين الزمخشري فيما دون هذه النقطه له

فضل على المفسرين جميعاً والله ذو فضل على العالمين.

أولاً: ما قال أحد من المشاركين إن ابن عطية من المعتزلة فلا أرى وجهاً لنفي كونه من المعتزلة هنا ، فبرجاء مراجعة المشاركات .
ثانياً : الزمخشري في تفسيره لم تكن مخالفته في التحريف ـ أو ما يسمى تأويلاً ـ فقط وإنما له غير ذلك مما بينه العلماء وأنكروه عليه فينبغي مراجعة ذلك . وإن كان تفسيره لا يخلو من فائدة .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
 
ولعل من المناسب الرجوع إلى نص كلام ابن عرفة
وذلك بالرجوع إلى تفسيره

وفي الأعلام
(. البسيلي ( 000 - 830 ه = 000 - 1427 م ) أحمد بن محمد بن أحمد البسيلي :
مفسر من أهل تونس . كان من تلاميذ ابن عرفة . حضر دروسه وجمع كتابا مما كان يمليه في ( التفسير - خ ) النصف الثاني منه ، في خزانة تمكروت بسوس ( المغرب ) الرقم 2862 وأضاف إليه زيادات
)

ولعلنا لو وقفنا على نص عبارة ابن عرفة نعرف سبب هذه العبارة

ولعل كلامه في الجزء المفقود

والله أعلم بالصواب وصلى على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وسلم
 
أحسنت يا ابن وهب على هذا الملحظ ، وهناك رواية أخرى أجود من رواية البسيلي ، وهي رواية تلميذه الأبي ، وقد طُبع منها جزء صغير ، ومحققه الدكتور حسن المناعي يدرس الآن في كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود ، ولعلي أتواصل معه من أجل هذا الموضوع ، وأفيدكم بما لديه إن كان قد اطلع على هذه العبارة .
 
يخشى على المبتديء منه أكثر ما يخاف عليه من كشاف الزمخشري لأن الزمخشري لما علمت الناس منه أنه مبتدع تخوفوا منه واشتهر أمره بين الناس مما فيه من الاعتزال ومخالفة الصواب وأكثروا من تبديعه وتضليله وتقبيحه وتجهيله ، وابن عطية سني لكن لا يزال يدخل من كلام بعض المعتزلة ما هو من اعتزاله في التفسير ثم يقره ولا ينبه عليه ويعتقد أنه من أهل السنة وأن ما ذكره من مذهبهم الجاري على أصولهم. وليس الأمر كذلك فكان ضرر تفسير ابن عطية أشد وأعظم على الناس من ضرر الكشاف . أهـ

.

الحمد لله.

وفق الله المشايخ الكرام لكل خير.

في فتاوى البرزلي - وهو من أجل تلاميذ ابن عرفة رحمهما الله - جـ6 /418 : ( وسمعت شيخنا الإمام - رحمه الله - يقول في تفسير ابن عطية وا في تفسير ابن عطية والزمخشري قال: نخاف على المبتدئ من تفسير ابن عطية أشد من الزمخشري، لأن الزمخشري لما عُلم أنه مبتدع تحرز منه الناس، وذكروا ما خالف فيه واشتهر، وابن عطية سني لا يزال يُدخل من كلام الرماني ما هو من مذهبه من الاعتزال في التفسير، ولا ينبه عليه فتعتقد أنه من أهل السنة، وأن الكلام جار على أصولهم وليس الأمر كذلك ).
 
ذكر الذهبي رحمه الله في كتابه ج1، ص209 - 210، ما هو نصه بعد أن تكلم ابن عطية في رؤية الله تعالى من قوله عز وجل : " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة "، فيذكر رأي أهل السنة والجماعة، ثم رأي المعتزلة ويرجحه بقوله : وهذا قول يعضده النظر، ويقول الذهبي : وهذا يدلنا على أنه يميل إلى ما تميل إليه المعتزلة، أو على الأصح يقدر ما ذهبت إليه المعتزلة في مسألة الرؤية، وإن كان يحترم مع ذلك رأي الجمهور، ولعل مثل هذا التصرف من ابن عطية هو الذي جعل ابن تيمية - رحمه الله - يحكم عليه ...
 
قول ابن عطية في آية "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة " (( وهذا قول يعضده النظر )) ليس تقريرا منه لمذهب المعتزلة في إنكار الرؤية ، وإنما هو إنصاف منه ببيان كون تفسير الزيادة بتضعيف الحسنات في الآية محتمل ، وفارق كبير بين قول المفسر بقول واعتباره له وبين بيانه لكونه محتملا ، ومسألة : احتمالية القول والفرق بينها وبين تقرير المفسر للقول من المسائل الجديرة بالعناية والتي يقع بعض الباحثين بسبب عدم التنبه لها في تخطئة بعض المفسرين . والله أعلم
 
أنا لم أقل فكره إعتزاليا وإنما بسبب هذه الآراء، ولعل مثل هذا التصرف منه هو الذي جعل ابن تيمية - رحمه الله - يحكم عليه، والله أعلم ..
 
لقد اتفق ابن عطية والزمخشري في المعاصرة، وتشابها في تأسس ثقافتهما العامة على أساس الأدب واللغة، ولكنهما يختلفان في أوجه عدة ينبغي الالتفات إليها حتى نفرق بينهما، فكما اختلفا في أن تفسير ابن عطية من آثار الشباب وتفسير الزمخشري من آثار الشيخوخة، وكذلك اختلفا اختلافا واضحا يرجع الى :
1- أن ابن عطية مغربي والزمخشري مشرقي .
2- ابن عطية سني والزمخشري معتزلي .
3- ابن عطية مالكي والزمخشري حنفي .
 
فهومع ذاك لا يخرج من هذه جزئية من الكل. ولايغيب عنكم على أن الاشاعرة هم كذلك مدرسة كلامية وكانت هي من تصدت للمعتزلة ولما كان ابن عطية رحمه الله من الاشاعرة لا يستغرب أن يثير نقاش المعتزلة ولاربما يتهم من هذة الحيثية في مجارتهم في كلامهم والله أعلم
 
في مشاركة سابقة كانت حول هذا الموضوع ، وكان طرحها الأخ الفاضل أبو صفوت ، ذكرت ما قلته في مقدمة كتابي ( فتح العزيز في تقريب المحرر الوجيز ) فليرجع إليها من شاء .
وهاهنا لابد من التفريق – كما أشار بعض المشاركين – بين الرمي بالاعتزال ، وهذا منفي عن ابن عطية رحمه الله ، ولم يقل به لا ابن تيمية ولا ابن عرفة .
وبين أن تفسيره فيه من الاعتزال ما لم يردَّ عليه فيوهم القارئ ، وإن كان ردَّ على كثير من الاعتزاليات ، كما ذكر د. مساعد حفظه الله .
فمن المعلوم أن العالم قد يميل إلى قول ما ، فإذا طرحه وذكر غيره من الأقوال ولم يردَّ عليه ، أو أتى بما يؤيده نقلا وعقلا - وإن خالف مذهبه – كان في ذلك إشارة إلى الميل لهذا القول ؛ وقد يقول قائل : إن من الإنصاف أن يذكر ما لقول المخالف من دليل كما يذكر دليل غيره ، ثم يكون الترجيح ؛ وهذا مسلَّم ؛ أما أن يذكر أدلة المخالف ثم لا يلوي عليها تفنيدًا ، ولا يرجح قول أهل السنة في المقام الذي يتحدث فيه ، فهذا لا يُردُّ عليه بالقول بأنه قال في مقام آخر غير ذلك ، إذ المقام الآخر لم يكن مقام تحقيق المسألة ، فلما توقف في مقام تحقيق المسألة عن الرد على المخالف وعدم ترجيح قول أهل السنة ؛ فهنا يكون ما ذكرته من أنه قد يميل إلى القول الذي ذكره .
وكلام المشاركين – خاصة فضيلة الدكتور مساعد نفع الله به – يُشكر لهم في الدفاع عن علمائنا ، وليس هناك خلاف في ذلك ما كان إليه سبيل .
ويبقى أن هذا ليس شأن الطالب المبتدئ ، فإذا حذَّر العلماء من كتاب ما على الطالب المبتدئ وإن كان من الكتب التي يرجع إليها العلماء ، فلابد من معرفة أن السبب هو ألا يغتر بما في هذا الكتاب من مسائل في مواضع بعينها ، فيلتبس عليه الحق فيها ؛ فهو لم يقف على كلامه في المواطن الأخرى حتى يكون دفاعه عنه عندما يقرأ له في هذا الموضع ؛ وقد يكون القارئ على علم بأنه يعتقد مذهبا يخالف القول ، لكن يعتقد أنه بدا له خلافه عند الحديث عنه في هذا الموطن ؛ خاصة إن كان القول متأخرا عن القول الأول ؛ ولا يحمَّل كلام أهل العلم غير ما أرادوه ، والعلم عند الله تعالى .
هذا وجزى الله تعالى من شارك في هذه المسالة خيرًا ، وتجاوز عنا وعنهم ، وغفر لنا ولهم .... آمين .
 
عودة
أعلى