محمد يزيد
Active member
بسم1
امتن الله على الناس باختلاف اللغات فجعلها آية، قال الله سبحانه وتعالى: { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ } (سورة الروم 22)، وأرسل الله إلى الأمم رسلا بألسنتهم تيسيرًا للبلاغ، وذلك قوله عز وجل: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } (سورة إِبراهيم 4)، ثم جعل الله آخر كتبه القرآن، وكان أن اجتبى له العربية لتكون وعاءه قبل أن يخلق الخلق: { الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } (سورة يوسف 1 - 2).
إذا علم أن القرآن كلام الله لفظا ومعنى، وهو قديم أزلي، فاللازم أن تكون لغته التي تعدل من حيث عدد جذورها ثلث اللغة العربية وقفية موضوعة من باريها، وليس للإنسان فيها من دخل. ويلزم من هذا أن القول بأعجمية بعض الكلمات وأصلها الفارسي أو الحبشي أو الآرامي كلام باطل، إذ كيف يقاس السابق وهو عربية القرآن على اللاحق وهو لغة فارس مثلا الناشئة مع أمة الفرس ليقال: الإستبرق فارسي معرب!!!!.
والباحث في اللسانيات وخصوصا اللغات السامية منها، يميز بوضوح قوة الفرضية القائلة أن اللغات السامية لها أصل واحد، وربما كانت اللغات كلها ذات لغةٍ أمٍّ واحدة تفرعت عنها، وهذا ما يسعى للكشف عنه علماء اللسانيات، ونسأل الله أن تسفر عنه الأيام قريباً، وينطق المنصفون منهم به، وعسى أن تكون اللغة العربية هي تلك الأم.
وإذا تدبرنا ما جاء في القرآن عن موضوع عربيته وجدنا أن عربيته تحوي معنى اكتمال اللسان واعوجاج ما دونه من اللغات حتى تسمت أعجمية: { قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } (سورة الزمر 28)، { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ } (سورة فصلت 44).
ومعلوم أن الأعجم كما في لسان العرب وغيره هو الذي لا يفصح، ولا يبين كلامه. أليس في تسمية اللغات التي هي خلاف اللغة العربية أعجمية دلالة واضحة على عمل الناس (وربما إبليس) في اللغة الأصل تبديلا وتحريفا حتى آلت إلى ما نعرف، وأليس الابتعاد عن الدين الحق مدعاة إلى التردي في مهاوي النقص في اللغة أيضا كما في العقيدة.
أيسهل أن نسلِّم أنَّ السماء هي اسم مؤنثٌ في القرآن وكان التأنيث فيها من غير قصد امتياز بعلة. وإن كان من وراء التأنيث والتذكير علل محكمة، فكيف يجتمع أن تكونَ السماء في لغة الفرنسيين مثلا مذكرًا وتكون متفقة مع تلك الأصول في وضع اللغة. ألا يوحي الأمرُ بفسادٍ لا يفطن له الناسُ أصابَ لغة البشر فما كان من الشارع الحكيم إلا أن يتعاهدها بالوحي باللغة الأم الكاملة لإرجاع الأمور إلى نصابها.
إن ما أخرجه ابن جرير بسند صحيح عن أبي ميسرة التابعي الجليل أنه قال: "في القرآن من كل لسان"، دلالة على أن لكل لسان أصلا في القرآن، أي أنه انحدر منه، وهذا تِبعًا لما أثبته القرآن من احتوائه كل شيء وتفصيل كل شيء، ولا يدل على ما يفهم بادئا أنَّ القرآن نزل بلغات العالم كلها.
___
كأني بقائل يقول: حسبك، فإن من الوحي ما كان بلغات الأعاجم، وجوابي أن هذا لا يقوم عليه دليلٌ، وحتى التوراة والإنجيل والزبور ما من دليل على كونها بغير اللغة العربية، اندثرت الأصول من تلك الكتب، وكتبت بعدها بأزمانٍ محفوظات بألسنة القوم على تحريفٍ وتبديل. والمسلم به أن الرسل أرسلوا بألسنة أقوامهم مفسرين، وليس لازما أن تكون الكتب كذلك. وهناك دراسات قوية تقول أن العبرية هي لهجة عربية قديمة لاشتراكها معها فيما يربو عن 900 صفحة من كلماتها قبل أن تنشأ العبرية الحديثة الآخذة من لغات شتى، ومع ذلك فإن أكثر من ألفي كلمة مازالت مشتركة بينهما.
ألسنا نقرأ: { وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ } (سورة البقرة 58)، وقد بدلوها حنطة، وفي: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا } (سورة البقرة 104)، والراعن الخطّاء كما عند الطبري قالوه استهزاء أو أن النهي لكونها مقولة عن سوء خلق غير لائقة لخطاب النبي صلى الله عليه وسلم، ألم يبين الله لنا علة قولهم ذاك فقال: { لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ } (سورة النساء 46)، إن ليَّ لسان الوحي خطيئة، وإن كانت العربية لسان الوحيِ كما تقدم فإنهم استهدفوا الطعن في الدين بليِّ الألسنة وتكوين لغات أخرى قصد صدِّ الناس عن ذكر الله وفهم مراده فيما أنزل، لكن الله رحيم بعباده، يخطئون ويرسل إليهم رسلا بألسنتهم لعدم تحمل الذرية جريرة الآباء والأسلاف.
ثم لنتأمل قوله جل وعلا: { وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ } (سورة الشعراء 192 - 199).
لقد أقر الله أنه في زبر الأولين مبثوث، وأردف بمعرفة علماء بني إسرائيل هذا، ثم ردَّ على من تخيل أنّ نزوله على الأعاجم مما يرتجى نفعه. ولعل ذلك لاختلاف اللسان، وربما مما كان في سالف الأزمان مع من لا نعرف من الرسل أنَّهم يفسرون لهم وحي الله المنزل باللغة العربية بألسنتهم تيسيرًا ورحمة.
والله تعالى أعلى وأعلم.
___
امتن الله على الناس باختلاف اللغات فجعلها آية، قال الله سبحانه وتعالى: { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ } (سورة الروم 22)، وأرسل الله إلى الأمم رسلا بألسنتهم تيسيرًا للبلاغ، وذلك قوله عز وجل: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } (سورة إِبراهيم 4)، ثم جعل الله آخر كتبه القرآن، وكان أن اجتبى له العربية لتكون وعاءه قبل أن يخلق الخلق: { الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } (سورة يوسف 1 - 2).
إذا علم أن القرآن كلام الله لفظا ومعنى، وهو قديم أزلي، فاللازم أن تكون لغته التي تعدل من حيث عدد جذورها ثلث اللغة العربية وقفية موضوعة من باريها، وليس للإنسان فيها من دخل. ويلزم من هذا أن القول بأعجمية بعض الكلمات وأصلها الفارسي أو الحبشي أو الآرامي كلام باطل، إذ كيف يقاس السابق وهو عربية القرآن على اللاحق وهو لغة فارس مثلا الناشئة مع أمة الفرس ليقال: الإستبرق فارسي معرب!!!!.
والباحث في اللسانيات وخصوصا اللغات السامية منها، يميز بوضوح قوة الفرضية القائلة أن اللغات السامية لها أصل واحد، وربما كانت اللغات كلها ذات لغةٍ أمٍّ واحدة تفرعت عنها، وهذا ما يسعى للكشف عنه علماء اللسانيات، ونسأل الله أن تسفر عنه الأيام قريباً، وينطق المنصفون منهم به، وعسى أن تكون اللغة العربية هي تلك الأم.
وإذا تدبرنا ما جاء في القرآن عن موضوع عربيته وجدنا أن عربيته تحوي معنى اكتمال اللسان واعوجاج ما دونه من اللغات حتى تسمت أعجمية: { قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } (سورة الزمر 28)، { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ } (سورة فصلت 44).
ومعلوم أن الأعجم كما في لسان العرب وغيره هو الذي لا يفصح، ولا يبين كلامه. أليس في تسمية اللغات التي هي خلاف اللغة العربية أعجمية دلالة واضحة على عمل الناس (وربما إبليس) في اللغة الأصل تبديلا وتحريفا حتى آلت إلى ما نعرف، وأليس الابتعاد عن الدين الحق مدعاة إلى التردي في مهاوي النقص في اللغة أيضا كما في العقيدة.
أيسهل أن نسلِّم أنَّ السماء هي اسم مؤنثٌ في القرآن وكان التأنيث فيها من غير قصد امتياز بعلة. وإن كان من وراء التأنيث والتذكير علل محكمة، فكيف يجتمع أن تكونَ السماء في لغة الفرنسيين مثلا مذكرًا وتكون متفقة مع تلك الأصول في وضع اللغة. ألا يوحي الأمرُ بفسادٍ لا يفطن له الناسُ أصابَ لغة البشر فما كان من الشارع الحكيم إلا أن يتعاهدها بالوحي باللغة الأم الكاملة لإرجاع الأمور إلى نصابها.
إن ما أخرجه ابن جرير بسند صحيح عن أبي ميسرة التابعي الجليل أنه قال: "في القرآن من كل لسان"، دلالة على أن لكل لسان أصلا في القرآن، أي أنه انحدر منه، وهذا تِبعًا لما أثبته القرآن من احتوائه كل شيء وتفصيل كل شيء، ولا يدل على ما يفهم بادئا أنَّ القرآن نزل بلغات العالم كلها.
___
كأني بقائل يقول: حسبك، فإن من الوحي ما كان بلغات الأعاجم، وجوابي أن هذا لا يقوم عليه دليلٌ، وحتى التوراة والإنجيل والزبور ما من دليل على كونها بغير اللغة العربية، اندثرت الأصول من تلك الكتب، وكتبت بعدها بأزمانٍ محفوظات بألسنة القوم على تحريفٍ وتبديل. والمسلم به أن الرسل أرسلوا بألسنة أقوامهم مفسرين، وليس لازما أن تكون الكتب كذلك. وهناك دراسات قوية تقول أن العبرية هي لهجة عربية قديمة لاشتراكها معها فيما يربو عن 900 صفحة من كلماتها قبل أن تنشأ العبرية الحديثة الآخذة من لغات شتى، ومع ذلك فإن أكثر من ألفي كلمة مازالت مشتركة بينهما.
ألسنا نقرأ: { وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ } (سورة البقرة 58)، وقد بدلوها حنطة، وفي: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا } (سورة البقرة 104)، والراعن الخطّاء كما عند الطبري قالوه استهزاء أو أن النهي لكونها مقولة عن سوء خلق غير لائقة لخطاب النبي صلى الله عليه وسلم، ألم يبين الله لنا علة قولهم ذاك فقال: { لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ } (سورة النساء 46)، إن ليَّ لسان الوحي خطيئة، وإن كانت العربية لسان الوحيِ كما تقدم فإنهم استهدفوا الطعن في الدين بليِّ الألسنة وتكوين لغات أخرى قصد صدِّ الناس عن ذكر الله وفهم مراده فيما أنزل، لكن الله رحيم بعباده، يخطئون ويرسل إليهم رسلا بألسنتهم لعدم تحمل الذرية جريرة الآباء والأسلاف.
ثم لنتأمل قوله جل وعلا: { وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ } (سورة الشعراء 192 - 199).
لقد أقر الله أنه في زبر الأولين مبثوث، وأردف بمعرفة علماء بني إسرائيل هذا، ثم ردَّ على من تخيل أنّ نزوله على الأعاجم مما يرتجى نفعه. ولعل ذلك لاختلاف اللسان، وربما مما كان في سالف الأزمان مع من لا نعرف من الرسل أنَّهم يفسرون لهم وحي الله المنزل باللغة العربية بألسنتهم تيسيرًا ورحمة.
والله تعالى أعلى وأعلم.
___