هل ثبت توبة الزمخشري عن عقيدة الاعتزال

إنضم
11/03/2009
المشاركات
1,240
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
الرياض- حضرموت
بسم الله الرَّحمن الرحيم
[align=justify]من المعلوم لدى طلبة العلم والباحثين أنَّ جار الله الزمخشري رحمه الله حشا تفسيره بعقيدة المعتزلة، وتفنن في عرضها، وكان يفتخر بانتسابه لهذا المعتقد، وكثر كلام العلماء حول الكتاب، عفى الله عنَّا وعنه.
وقد دار بيني وبين بعض الأحبة كلاماً حول توبة الزمخشري، حتى وقفتُ على عنوان رسالة "طلعة المشترى في ثبوت توبة الزمخشري" للعلامة محمد الصُّغَيِّر بن محمد بن عبد الله المراكشي، من علماء القرن الثاني عشر الهجري، ثم أطلعني أحدهم على بعض النقول لعلماء المغرب حول توبة الزمخشري ورجوعه، وخلاصتها: أنه وقف بالبلاد المشرقية على محضر ثبوتٍ محكومٌ فيه بتضميين توبة الزمخشري من الاعتزال، وقال بعضهم: بأنه تاب في آخر حياته و لم يَسعُه الوقت لتصحيح ما كَتب.

فإليكم يا أهل التفسير: هل وقف أحد من مشايخنا أو إخواننا على شيء يفيد في هذه المسألة
؟[/align]​
 
وهل كان الزمخشري يعتقد ان مذهبه خاطيء حتى يتوب منه؟
حفظكم الله شيخنا الفاضل؛؛؛ وهل كونه يعتقد صحة مذهبه - وهو كذلك -؛ ينفي رجوعه عنه إذا تبين له فساده ؟
وقد سمعتُ من أحد الباحثين مثل ما ذكر أخونا الكريم الحضرمي، واستدلَّ على ذلك بمقامات الزمخشري، لكن لما قرأتها وجدت فيها معاني بديعة حلوة المذاق محكمة الصنعة - وليس ذلك بغريب على الإمام الزمخشري-، غير أنه لم يتضح لي رجوعه عن مذهبه الاعتزالي من خلال هذه المقامات، فلعل أحداً يفيدنا بجواب ماذكره أخونا الكريم.
 
لا أظن بوجود ثمرة عند البحث حول هذه صحة الفرضية ــ ونظائرها ــ ..
لذا فمن الخير استغلال الوقت للبحث في أمور ذات ثمرة
والله أعلم
 
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
الذي يظهر و الله أعلم أن الزمخشري لم تثبت توبته من الاعتزال، لأنه لو كان حقا ما زعمه صاحب الكتاب الذي ذكرت، لاشتهر ذلك و ذاع، خاصة و أن أبا القاسم الزمخشري شهرته لا تخفى فهو من أئمة اللغة و الفصاحة و البيان، مع شهرة بمذهبه الذي كان أحد أئمته، فلو تاب لأظهر الله ذلك، و لتناقله العلماء المهتمون بنقل الأخبار و التراجم و السير، كالحافظ الذهبي و الحافظ ابن حجر و ابن خلكان و غيرهم.
يقول الإمام الذهبي في السير:" الزمخشري العلامة، كبير المعتزلة، أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد،الزمخشري الخوارزمي النحوي ، صاحب " الكشاف " و " المفصل " ...وكان رأسا في البلاغة والعربية والمعاني والبيان، وله نظم جيد...وكان داعية إلى الاعتزال، الله يسامحه." اهـ.
و قال عنه صاحب وفيات الأعيان:" أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد بن عمر الخوارزمي الزمخشري، الإمام الكبير في التفسير والحديث والنحو واللغة وعلم البيان؛ كان إمام عصره من غير ما دفع، تشد إليه الرحال في فنونه...وكان الزمخشري المذكور معتزلي الاعتقاد متظاهراً به، حتى نقل عنه أنه كان إذا قصد صاحباً له واستأذن عليه في الدخول يقول لمن يأخذ له الإذن: قل له أبو القاسم المعتزلي بالباب. وأول ما صنف كتاب " الكشاف " كتب استفتاح الخطبة " الحمد لله الذي خلق القرآن " فيقال إنه قيل له: متى تركته على هذه الهيئة هجره الناس ولا يرغب أحد فيه، فغيره بقوله " الحمد لله الذي جعل القرآن " وجعل عندهم بمعنى خلق.."اهـ.
و سئل شيخ الاسلام عن تفسيره فقال رحمه الله تعالى:" وأما " الزمخشري " فتفسيره محشو بالبدعة وعلى طريقة المعتزلة من إنكار الصفات والرؤية والقول بخلق القرآن وأنكر أن الله مريد للكائنات وخالق لأفعال العباد وغير ذلك من أصول المعتزلة ."اهـ.
و أكتفي بهذه النقولات، و أعود لأأكد أن الزمخشري لم تثبت توبته، و إلا لصرح بها أحد هؤلاء العلماء أو غيرهم ممن عرف بالتثبت في نقل الأخبار، كما نقلوا لنا توبة الإمام أبي حامد الغزالي و فخر الدين الرازي و أبي المعالي الجويني و غيرهم، و الله أعلم و أحكم.
 
أناأوافق الدكتور/عبد الرحيم في انعدام الجدوى كلياً من مثل هذه الأبحاث ، لأن المستفيد الوحيد منها هو الزمخشري رحمه الله فيما يربطه بالله تعالى من علاقة ، وهو قد أفضى لما قدم ولقي الله تعالى الذي لا يُسأل لم يغفرُ ولم يعذّب.!إلا إن كان الأحبَّـة يريدون بذلك التوصل لمسألة محدَثة (عجيبة) وهي الخلاف في جواز الترحم على الزمخشري فذاك أمر آخر.
 
ثم أطلعني أحدهم على بعض النقول لعلماء المغرب حول توبة الزمخشري ورجوعه، وخلاصتها: أنه وقف بالبلاد المشرقية على محضر ثبوتٍ محكومٌ فيه بتضميين توبة الزمخشري من الاعتزال، [/align]​
ربما أكون المقصود بأحدهم،
وما أشار إليه أخي أبو إسحاق هو ما جاء في كتاب "المستقل بالمفهومية في حل ألفاظ الجرومية" للإمام شمس الدين الراعي الغرناطي المتوفى سنة 853هـ من قوله:
"حكاية لطيفة: كان شيخنا أبو الحسن علي بن سمعت الغرناطي - رحمه الله - يقول: شيئان لا يصحان: إسلام إبراهيم بن سهل الإسرائلي، وتوبة الزمخشري من الاعتزال.
قلت: وهما من مروياتي:
أما إسلام إبراهيم بن سهل الإسرائيلي فيغلب على ظني صحته؛ لعلمي بروايته.
وأما توبة الزمخشري فحدثني الشيخ أبو الحسن علي بن سليمان بن ليلة، عن الشيخ أبي سعيد فرج بن أبي سعيد الخطيب بمدينة سلا - المغربيين، وكانا عالمين صالحين - نفع الله بهما وبعلومهما - أنه وقف بالبلاد المشرقية على محضر مثبت محكوم فيه يتضمن توبة الزمخشري من الاعتزال، وأنه مات على مذهب أهل السنة، ولله الحمد". المستقل بالمفهومية ص273، 274.

وقد دل على هذه المعلومة الشيخ الفاضل مولاي أحمد أبو عبيدة المراكشي، نقل دلالته إلي زميلي أسامة سليم.
 
وأما توبة الزمخشري فحدثني الشيخ أبو الحسن علي بن سليمان بن ليلة، عن الشيخ أبي سعيد فرج بن أبي سعيد الخطيب بمدينة سلا - المغربيين، وكانا عالمين صالحين - نفع الله بهما وبعلومهما - أنه وقف بالبلاد المشرقية على محضر مثبت محكوم فيه يتضمن توبة الزمخشري من الاعتزال، وأنه مات على مذهب أهل السنة، ولله الحمد". المستقل بالمفهومية ص273، 274.

وقد دل على هذه المعلومة الشيخ الفاضل مولاي أحمد أبو عبيدة المراكشي، نقل دلالته إلي زميلي أسامة سليم.
مذهب أهل السنة في هذا النص قد يُراد به الأشاعرة أو الماتُرِيديّة حسب المصطلح الشائع عند بعض أهل العلم، وعليه فقد يكون المراد تحوّل أبي القاسم الزمخشري -رحمه الله- من مذهب المعتزلة إلى مذهب الأشاعرة أو الماتُرِيديّة، والله أعلم.
 
أصل المسألة أننا نحن دارسي ودارسات أكاديمية تفسير ومنا الشيخ أبو إسحاق الحضرمي وفقه الله قد حضرنا محاضرة منهج الزمخشري في تفسيره للدكتور ناصر المنيع وفقه الله ، وذكر لنا مقالة تاج الدين السبكي عن تفسير الزمخشري ، وما كتبه والده تقي الدين السبكي حُسبة لله وحياء من مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكر ( سبب الانكفاف عن إقراء الكشاف ) ، وذكر أنه أساء لمقام النبوة في ثلاثة مواطن .
ثم ذكر دكتورنا الفاضل عقيدة الاعتزال لدى الزمخشري وَرَدُّهُ عددًا من الأحاديث الصحيحة ، وطعنه في رواة الصحيحين ، ورَدُّه بعض القراءات المتواترة ، واستشهاده بالأحاديث الموضوعة ، وطعنه ولمزه لأهل السنة ، حتى كاد يخرجهم من دائرة الإسلام في أحد المواطن من تفسيره في آل عمران ، وغير ذلك من المآخذ .
ثم انتقل الدكتور ناصر المنيع إلى بيان ما في الكشاف من المزايا ، فقال ما نّصُّهُ – بتصرف يسير مني - : (( كان الزمخشري إمامًا من أئمة اللغة بلا منازع ، وقد أضفى هذا النبوغ العلمي اللغوي والأدبي والبلاغي في تفسيره الكشاف ، وأعطاه حلة جميلة ، وحَبَّبَه للناس ولطلبة العلم ، واستخرجوا منه بعض اللطائف البلاغية والوقفات الجميلة التي لا ينكر جمالها إلا متعصب ، فهذا الجانب زَيَّنَ هذا التفسير وأعطاه صورة ناصعة من البياض ، لكنها صورة من جهة أو صورة من التقاط بعيد ، أما الصور الأخرى في الابتداع في الاعتزال فهي واضحة وظاهرة للعيان وللأسف . كان وحيدًا في هذا الجانب في بابه ، نَقَل عنه كل من أتى بعده في هذه الجوانب البلاغية ، نقل عنه المفسرون وأئمة اللغة وأئمة البلاغة، والذي يقرأ في المثل السائر لابن الأثير الجزري يجد أن فيه نُقول كثيرة عن الزمخشري في كتابه بالنص، دون أن يصرح باسمه ، وقد اعترف له خصومه بالبراعة والسيادة في هذا الفن .)) أ. هـ .
هذه المزايا جعلت الطلبة يتمنون أن الزمخشري تاب مما في كتابه الكشاف فأورد أحدهم هذا السؤال الذي طرحه الشيخ أبو إسحاق الحضرمي ، وأشار القسم العلمي في أكاديمية تفسير أثناء المحاضرة إلى وجود كتاب طلعة المشتري ، فطلب الدكتور تنزيل هذا الكتاب في ملتقى أهل التفسير إن وُجِدَ لأنه كما ذكر لا علم له به .
فأصل المسألة سؤال وأمنية ، تمنينا أن تعضدها الناحية العلمية ، هذا كل ما في الأمر .
وشكر الله لصاحب الموضوع وللمشايخ المداخِلين .
 
رأيت من اهتمام الإخوة الفضلاء بهذه المسألة ما حملني على ارتياد القول فيها بما لعله أن ينفع بعضهم في كثير من جنباتها ولعله أيضا أن يستدعي رد بعضهم عليّ وتصحيح رؤيتي التي وإن كونتها في سنين طويلة فما هي بمأمن من الزلل والخطل، وبعد فإن هذه المسألة تحتاج إلقاء الضوء عليها من أكثر من باب أولها معنى الاعتزال وعلى أي أنواعه كان الزمخشري وثانيها كيف نحكم على عقيدته بمعيار كبار علماء الإسلام وثالثها هو زمن الاعتزال الذي جاء فيه الزمخشريّ ومكانه ، وحين تبين هذه المسائل الثلاثة يصبح الحديث عن توبة الزمخشري أمرا أكثر وضوحا وهو عندي من المستحيل لأن الزمخشري راسخ في ما يعتقده ولم يلق من يبين نقصه المعرفي ليحرفه عما كان عليه لأن حواره مع الغزالي في الحرم لم يكن مما يؤثر في مثله إذ كان في الغزالي جانب عرفاني (غنوصي) تسرب إليه من الشرق على حين ان أبو القاسم بمأمن عن ذلك التسرب بسبب نشوئه في وسط معتزلي ورث تراثا عقلانيا لا يخترقه الغنوص.والمرء يتوب (يعلن أنه مخطئ) إذا تبين ضلاله المعرفي أو الأخلاقي في مسألة لذلك من المستحيل أن تجعل شخصا يتغير ويعلن أنه كان مخطئا إلا إذا كنت أقوى منه معرفة أو أخلاقا وقوة روح وهذا ا لم يتعرض له الزمخشري على ما قرأنا من سيرته وتاريخه، وعشى أن تتضح من خلال هذا المقال بعض الأمور تقلل في وعي بعض الإخوة حجم خطأ أبي القاسم وتجعله في إطاره المعقول لا بحكم تراكم الرفض من الخارج وإساءات الفهوم المتوارثة التي قلما ننجو منها.

ولنبدأ بأول تلك الأبواب وهو معنى الاعتزال وعلى أي أنواعه كان الزمخشري.
لم تتعرض مدرسة من مدارس (أصول الدين) التي نشأت في الأمة من الظلم وسوء الفهم لمثل ما تعرض له المعتزلة ونحن مستيقنون أن الاعتبار سوف يُرد لهذه المدرسة الكبيرة الأصيلة ذات يوم، لا بمعنى أن الناس سوف تتبنى أفكارها وطروحاتها لأنها قد انقرضت وأصبحت تاريخية فقط ولكن بمعنى أن الأمة سوف تتوقف عن تضليلها وإساءة فهمها لها وسوف تكتفي بتخطئة اجتهادات العلماء المنتمين إليها في بعض المسائل وسوف نرى بعد قليل أن الزمخشري كان من أقلّ المعتزلة أخطاءً.
كتب مؤرخ الفكر الإسلامي الكبير يوسف فان إس في كتابه عن تشكل الفكر الإسلامي وعلم أصول الدين الإسلامي في القرون الثلاثة الأولى كتب ستة مجلدات كان نصيب المعتزلة منها مجلدين لأنها في تلك الفترة كانت أكبر مدارس أصول الدين التي نشأت في الأمة لقيادتها تعبئة الناس للثورة العباسية ولتبني أمراء المؤمنين من خلفاء بني العباس لها حتى القرن الثالث أي ما سمي بـ"الانقلاب السني على المعتزلة" في أيام المتوكل. ومن الصعب أو المستحيل أو على الأقل من الإسفاف العلمي أن تُرفض أكبر مدرسة في أصول الدين بسطر أو سطرين أو صفحة أو صفحتين أو أن تُرفض من الخارج بل يستحق كبار علمائها أن تصنف فيهم كتب مفردة تشرح أفكارهم والمسائل التي شغلتهم.
ويمكن القول في هذه العجالة أن المعتزلة هم مجموعة من المثقفين المسلمين تطورت أصول مدرستهم حتى ثبتت على خمسة أصول يضاف إليها الموقف الذي امتص طاقات الأمة لألف سنة مما تعدون وهو "مشكل خلق القرآن" ومسألة "إنكار الرؤية" التي سيمر بنا أنها قد حلها ابن حزم كما بينت ذلك في هذا الملتقى قبل نحو خمس سنين.
وسوف يتبين من طريقة العرض أننا اليوم لا نخَطّئ المعتزلة إلا في مسألة واحدة هي مسألة الصفات وحتى في هذه المسألة سوف ننفي عنهم التعطيل ولكنا نبدعهم فيها. أما المسائل الأخرى فمنها ما نتفق معهم فيها ومنها ما نعتقد أنه لو بُيِّن لهم الصواب لعادوا إليه إذ لا نعتقد في مثقفين كبار وعلماء أجلاء مكابرة بحجم ما يتخيله خصومهم.
-المسألة الأولى: العدل
ويعنون به أن الإنسان مخير لا مسير
وأول من جاهر بالقول به من المتكلمين الحسن البصري ردا على ما أشاعه بعض الخلفاء من بني أمية من فكرة الجبر ليدفعوا عن أسرتهم تهمة الإدانة بقتل آل محمد في الطف من كربلاء.
وفي هذه المسألة قام بعض المعتزلة بالانزلاق إلى فكرة أن الله تعالى ليس فقط لم يجبر أحدا على فعل أي معصية وأن الإنسان مخير تخييرا مطلقا فهذا صواب لا غبار عليه ولكن أضاف هذا البعض الذي لا أعرف منه من خلال الكتب أحدا بعينه بالقول (إنه تعالى لا يعلم أن العاصي سوف يعمل بالمعصية حتى يعملها) لأنه- زعم - لو علم لكان مجبرا له على فعلها.
وهذا الصنف من المعتزلة وحده مُدان في هذه المسألة بالمزج بين الاختيار وبين علم الله تعالى.
وأبو القاسم الزمخشري ليس من هذا الصنف ولذلك فهو "سني" في مسألة القدر. والحجة في عده سُنيًّا في هذه المسألة قول الشافعي الذي أورده عنه الحافظ ابن حجر في الجزء الأخير من "فتح الباري" قال قال الشافعي:"إذا سلَّم القدريّ العلم خُصم" أي إذا أقر بشمول علم الله تعالى لأفعال العباد ماضيها ومستقبلها، قال ابن حجر : "يعني أنه وافق مذهب أهل السنة".
وقد استقريت أنا العبد لله - عبدالرحمن- الكشاف من أوله إلى آخره فوجدت أبا القاسم يقر بالعلم وشموله فهو بحسب معيار قول الشافعي موافق لمذهب أهل السنة في القدر.
وأما رأي الفلسفة المعاصرة في مسألة "حرية الإرادة" فقد قال نيقولا هارتمان"إن اشتراط حرية الإرادة شرط في قيام الأخلاق".[الموسوعة الفلسفية - مادة "نيقولا هارتمان"].
- المسألة الثانية: التوحيد: وذلك أن المعتزلة قد ظنوا أن من المبالغة في التوحيد أن لا تعد الصفات زائدة عن الذات، بل إن الله تعالى سميع بسمع هو عين ذاته وأن الصفة ليست بزائدة عن الذات، وهم في هذه المسألة مخطئون وكذلك خصومهم مسيئون لفهمهم.
أما خصومهم فقد اتهمومهم بالتعطيل، والتعطيل في الحق هو إنكار الصفة لا القول بأنها عين الذات فإن المعتزلي يصبح معطلا إذا قال إن الله سميع لا يسمع أما إن قال إنه سميع بسمع هو عين ذاته فنحن نُبَدِّعه في التعبير عن الصفة [أي في الخوض فيها بكيف] ولكنا لا نتطرف فنظلمه بتهمة "التعطيل" كما فعل كثير من خصوم المعتزلة على التاريخ. فالتعطيل إنكار الصفة لا القول فيها بكيف فهذا بدعة فقط.
وأما خطأ المعتزلة فهو ظنهم أن المسائل العقدية كلها بإمكان اللغة الزمنية المتناهية أن تفصل القول فيها، ولو اكتفى خصومهم بالقول إنهم مبتدعون في ولوج هذا الباب لكانوا على الجادة ولكنهم ككثير من المسائل داسوا قشر الموز فوقعوا في بدع مقابلة.

المسألة الثالثة: الوعد والوعيد، وذلك أن الله تعالى قد أوعد على المعاصي وبعضها بالخلود بالنار ووعد على الطاعات وبعضها بتبديل السيئات حسنات ثم الخلود في الجنة، ولما كان علم أصول الدين الاعتزالي كان نشوءه طبيعيا في أمة الإسلام متأثرا بكل الذنوب الفعلية والفكرية التي يرتكبها المسلمون ويجيب عليها وكان من كبرى المسائل التي هزت العقل المسلم مشكلة القتال بين أوائل المسلمين الذين سماهم المحدثون بالصحابة ، وأطلقوا المصطلح على كل مسلم لقي النبي وأسلم ومات على الإسلام ثم وقعوا في "عيب الفهم بمفهوم متأخر" فظنوا أن ثناء النبي على أصحابه كقوله لخالد بن الوليد "لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ..." يشمل من شملوهم هم بالتعريف.
وإن المرء ليعجب من ضعف قدرات المتكلمين والمحدثين التحليلية في ذلك الزمان بحيث أنهم كانوا يحتربون في الكتب دون أن يتمكنوا من بيان الاتفاق والاختلاف في اصطلاحهم. [وبسبب أن التعليم في بلادنا ما زال بدائيا ولا سيما في الرياضيات والمنطق التحليلي فإن مثل هذا الكلام يُعد غريبا على كثير من الناس! حتى لكأن الفجوة بيننا وبين الشعوب التي تحولت من "ثقافة الأذن" إلى "ثقافة العين" أوسع مما نتخيل بكثير].
الزبدة أن المعتزلة قد قالوا وقرروا "أن الله تعالى صادق في وعده ووعيده" وأن مرتكب الكبيرة إن لم يتب منها فإنه مشمول بآيات أوعدته بالثبور.
ونسأل الله العافية والسلامة
المسألة الرابعة: المنزلة بين المنزلتين
هي في الحكم الدنيوي لا الإلاهي على مرتكب الكبيرة هل نطلق عليه صفة "المؤمن" وهي مدح أم نسلبها عنه وهو ينطق بالشهادتين؟ فقالوا الصواب أن نضعه في منطقة وسطى بمنزلة بين المنزلتين تبعد وتقترب من الإيمان وضده بحسب حجم الذنب.
وظن خصومهم أن القطع بأنه "فاسق" وهي مجرد منزلة بين المنزلتين أصوب من تركها عائمة
المسألة الخامسة: هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه المسألة عند المعتزلة تلزم المسلم بوجوب العمل والحركة والتحزب والعمل الشعبي والاجتماعي والسياسي وتعد الكسل ولزوم البيت والقعود وعدم الانخراط في مشاكل المسلمين والنأي عن العمل الشعبي والاجتماعي والسياسي ارتكابا لكبيرة.
والإدراك لهذا الأصل يفسر لنا حياة كبار المعتزلة الأوائل وأنهم في القرن الثاني الهجري كانوا مثقفين ومصلحين كبارا يسترعون انتباه مؤرخي الفكر الإسلامي من المتخصصين العالميين في القضية.
وهو يدللنا نحن القراء المستهلكين كيف حجبنا التاريخ عن أبناء الإسلام في تلك الفترة وكيف ورثنا تسطيحات عجيبة من خصومهم دون أن نتسلح بقدرات تحليلية تجعلنا بمستوى إدراك دوافعهم النبيلة وأفكارهم العميقة.

وبوصفي مسلما سنيا قد انحدرت من التراث السني وكنت أظن حتى قاربت العشرين من العمر أن المعتزلة مجرد فرقة ضالة، حتى إني سألت مدرس الإسلامية حين كنت في الصف التاسع "أستاذ: هل المعتزلة كفار؟" فقال "لا ولكنهم فرقة إسلامية لها خصوصيتها وانتقدها العلماء في مسائل". لكني اليوم لا أخالف المعتزلة مخالفة قطعية في هذه الأصول الخمسة إلا في مسألة الصفات ففي مسألة الصفات لا نخوض ولا نتفلسف ونعوذ بالله أن يشملنا قوله تعالى فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة. أما المسائل الأربعة الأخرى فهي بحسب الفهم الذي قدمته فيها لا أجد ما يخالف ما رُبِّينا عليه من عقيدة صحيحة على الإطلاق. وفي مسألة الوعد والوعيد نظل نرجو عفو الله تعالى وأنه يصيب برحمته من يشاء. هذا وقد كانت مواقف لعلماء فضلاء تتبنى مواقف وسطى من القضايا لكنها اندثرت وانحصرت في بطون الكتب كموقف العالم الجليل قاضي البصرة للمنصور عبيدالله بن الحسن العنبري وهو من رجال مسلم حين قيل له "المجبرة مصيبون أم القدرية"؟ فقال: "كلٌّ مصيب، هؤلاء عظموا الله وهؤلاء نزهوا الله" فلله دره. [كان هذا الرجل مثلا أعلى في الأخلاق فقد خطّأه رجل في مسألة علمية أمام الناس فقال: "أرجع عنها وأنا صاغر. لأن أكون ذَنباً في الحقّ خيرٌ من أن أكون رأساً في الباطل" وتغمده في الصالحين]
بقيت مسألة أخرى هي برغم أنها ليست من "الأصول الخمسة" ألا وهي مسألة "خلق القرآن" وهي مسألة أسيء فهمها وأسيء الخوض فيها من قبل المعتزلة وخصومهم على السواء والحق فيها كما قال منصور بن عمار أن أحد الفريقين تكلف ما ليس له وخاض الآخر فيما ليس عليه. ويشهد لها قول الكرابيسي عن الإمام أحمد:"قلنا مخلوق قال بدعة، قلنا غير مخلوق فقال بدعة!"
وسبحان الله فسوف نجد أن من بالغوا في الرد على المعتزلة قد وقعوا فيما هو أسوأ بلا مقارنة من بدعة المعتزلة، وهذا دليل على أننا "أمة وسطا" ليس علينا أن نغلو ولا أن نتطرف لأننا سوف نقع إن فعلنا فيما لا قبل لنا به.
الخلاصة أن العقيدة الحق في القرآن أنه "كلام الله تعالى وأنه محدَث[غير أزلي] وأنه لا يوصف بمخلوق" ولكن المعتزلة ابتدعوا بقصد تنزيه الله تعالى عن التغير فقالوا إنه خلق القرآن وهذا منهم بحسب قاعدتنا الذهبية معدودٌ "اتباعا لما تشابه منه" فكل مسائل الصفات ومنها الكلام لا نخوض بكيفٍ فيها، والزعم أن القرآن مخلوق تحديدٌ لكيفٍ ونحن لا نخوض في كيف ونُبّدِّعُ من خاض في كيف.
وأما من قال إنه "غير مخلوق" فقد كان يعني أنه "لا يوصف بمخلوق" ولكن خانه التعبير عن فكرة صحيحة.
وأسوأ الناس وأكثرهم ضلالا هو من ظن أن القرآن غير مخلوق بمعنى غير محدث وأنه أزلي وهذا الذي حمل بعض متكلمي الزيدية على اتهام من قال بذلك بالشرك بالله والقول بقديمين. ونحن إذ نعوذ بالله تعالى من الضلال نسأله المغفرة لجميع المسلمين الذين اجتهدوا وتحروا الحق وإن جانفوا الصواب في بعض ما ذهبوا إليه.

والمسألة الأخيرة التي لا يحسن إغفالها وقد فصلنا القول بعجالة في مسائل الاعتزال في ضوء وعينا الحديث المنبثق من ظاهر القرآن واللغة وما أجمع عليه الفقهاء هي قضية (إنكار الرؤية)
وفي هذه المسألة سيتبين لنا أنهم مخطئون بإنكار الرؤية لصحة الخبر ودلالة ظاهر القرآن عليه ولكن خصومهم أيضا أساءوا فهمهم في ذلك حتى جاء ابن حزم ت 456هـ. وكان ذا عقلية فذة فرأى أن حجة المعتزلة وكل من أنكر الرؤية لأن الرؤية البصرية لا تقع إلا على الألوان وما لا لون له لا يُرى وأن الرؤية تحتاج مسافة بين العين والمرئي فلا نرى ما خلفنا وهذا يقتضي تحديد المرئي بجهة، فقال "ونحن لا نقول إنا سنرى الله بهذه الرؤية لأنها لا تقع إلا على الألوان والله تعالى منزه عن اللونية بل برؤية يركبها فينا مصداقا لقول رسول الله سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته".
ونحن اليوم إذ ننطلق من إحسان الظن بكل مسلم نعتقد أن لو قلنا كلام ابن حزم للمعتزلة ومنكري الرؤية من المسلمين لأقروا وأذعنوا ولقالوا إنما أنكرنا الرؤية بهذه العيون على عاداتها.
ونحن لم نعد ملزمين ولا قادرين على تبني موقف علماء الإسلام المتعصبين ضد بعضهم بل نعتقد أن كثيرا من الخصوم قد أساءوا فهم بعضهم لا عن عمد ولكن لضعف القدرات التحليلية التي لم يوفرها لهم عصرهم.
خلاصة حكمنا على أهم مسائل المعتزلة أنهم مبتدعون في مسألتين هما (قضية الصفات) و(القول بخلق القرآن) وأنهم فيما سوى ذلك لا نجد ما ندينهم به في ضوء ظاهر القرآن واللغة وإجماع الفقهاء وهو منهجنا في الحكم على الأفكار في الثقافة الإسلامية. وأما المسائل الأخرى فيمكننا بكل رحابة صدر قبولها على وجه لا يضاد ظاهر القرآن الكريم ودلالة اللغة وما أجمع عليه الفقهاء.
وأما حكمنا على الزمخشري فيمكن تلخيصه في ضوء ما تقدم بما يلي:
أنه جاء في القرن الخامس وهو القرن الذي شهد الإعلان القادري القاسي جدا ضد المعتزلة بقوله "ومن قال بخلق القرآن فإنه حلال الدم" فقد توّج "الانقلاب السني على المعتزلة الذي حصل قبل قرنين في عصر المتوكل بالحكم بالموت في عهد القادر"، ومع ذلك فقد كان أهل خوارزم الذين نشأ فيهم الزمخشري معتزلة متبنين للجوانب المضيئة من الاعتزال التي ظل الناس يسيئون فهمها كما قدمنا إلىعصرنا حيث نشأت أنا العبد لله في وسط سني يظن أنهم يكادون يكونون كفاراً!!!
المسألة الأخرى أنه بسبب عقدة نفسية ضد إساءات الفهوم فإنه لم يُنفق في طلب الحديث وتتبع صحيح الأخبار ما يليق بمثله فكانت بضاعته في علم الحديث مزجاة لأنه كان يحكم الأيديولوجي (العقدي) في المعرفي. فكل ما لا يجد في آلياته التحليلية له مساغا فإنه يعده من مرويات المجبرة والحشوية وهي النعوت التي يرددها في كشافه عانيا بها أهل السنة.
ومن الأمور التي جلبت عليه سخط الناس وعبأت العلماء ضده هجاؤه الصريح لأهل السنة فقال في الكشاف:

[poem=]
وجماعة سمّوا هواهم سنةً = لجماعةٌ حمرٌ لعمري موكفة
قد شبهوه بخلقه وتخوفوا =شِنَع الورى فتستروا بالبلكفة
[/poem]
ويعني بالبلكفة أي بقولهم (بلا كيف).

ولكن أبا القاسم كان تقيا محبا لله ولرسوله وللمؤمنين، ونحن نحبه في الله تعالى ونسأله أن يجزيه عنا كل خير فيما فتق من علوم لغوية ونحوية وبلاغية وما كشف لنا في كشافه من وجوه إعجازه وما امتاز به من بيان العلاقات بين الجمل قافزا إلى وحدة دلالية أكبر من الجملة متجاوزا نحو عصره، وذهب ليجاور بمكة وقال قصيدته الرائية الشهيرة:

[poem=]
قامت لتمنعني المسيَر تماضرُ = أنى لها وقرارُ عزمي باترُ
شامت عقيقة عزمتي فحنينها = رعد وعيناها السحاب الماطر
حني رويدك لن يرق لظبية = وبغامها ليث العرين الزائر
أرخي قناعك يا تماضر وامسحي = عينيك صابرة فإني صابر
لو أشبهت عبرات عينك لجة = وتعرضت دوني فإني عابر
إني لذو وجد كما جربتني = صلب وبعض الناس رخو فاتر
إن عن لي أمر فلي عن رفضه = ناهٍ، وبالإقدام فيه آمر
فإذا عزمت علي تقارب نهضتي = أمضى العزيمة جدي المتناصر
والجد شيمة من له عرق إذا = عدت عروق ذوي المرائر طائر
ما فُضِّل المهري إلا أنه = بالجد في طيّ المراتب ماهر
سيري تماضر حيث شئت وحدثي = أني إلي بطحاء مكة سائر
حتي أنيخ وبين أطماري فتىً = للكعبة البيت الحرام مجاور
يشكو جرائر لا يكاثرها الحصا = لكنها مثلُ الجبال كبائر
والله أكبر رحمة والله أكبر نعـ = ـمة وهو الكريم القادر
وأحق ما يشكو ابن آدم ذنبُه= وأحقُّ من يُشكى إليه الغافر
فعسي المليك بفضله وبطوله = يكسو لباس البر من هو فاجر
يا من يسافر في البلاد منقبا = إني الى البلد الحرام مسافر
إن هاجر الانسان عن أوطانه = فاللهُ أولى من إليه يهاجر
تالله ما البيع الربيح سوي الذي= عقد التقيُّ وكلُّ بيعٍ خاسر
خرَّبت هذا العمر غير بقية= فلعلني لك يابقية عامر
وعهدتني في كل شر أولاً= فلعلني في بعض خير آخر
في طاعة الجبار أبذُل طاقتي= فلعلني فيها لكسري جابر
سأروح بين وفود مكة وافدا = حتي إذا صدروا فما أنا صادر
بفِناء بيت الله أضرب قبتي= حتي يحل بي الضريحَ القابر
ألقي العصا بين الحطيم وزمزم = لا يطَّبيني إخوة وعشائر
ضيفا لمولي لا يخل بضيفه = ويريه أقصى ما تمنى الزائر
حسبي جوار الله حسبي وحده = عن كل مفخرة يعد الفاخر
سأقيم ثم وثم تدفن أعظمي= ولسوف يبعثني هناك الحاشر
ياليت شعري والحوادث جمة= والغيب فيه للحكيم سرائر
هل في قضاء الله أنّي قادمٌ= أمَّ القرى وإلى البَنيّة ناظر
فمقبّل الحجرِ الممسّحِ مُلصِقا = خدّي به ، وعليه دمعي قاطر
فبذلك البيت المستّر طائفٌ= في ثوبي الإحرام أشعثُ حاسر
فمبادر للسعي مابين الصفا= والمروة العبد المجد مبادر
فمراقب نفر الحجيج إلي منىً= فإلي منىً قبل المعرف نافر
بهمُ يباهي الله في ملكوته= أهل السماوات العلا ويفاخر
حتي إذا دلكت بَراحِ فطارق= جمعا فمنه إلي المحصب باكر
فمجمر ، فمقصر ،أو حالق= نحر النهار ،وللنسيكة ناحر
ومتى تضم قتود رحلي ضامر= يهفو بها نحو المدينة ضامر
ماض علي الظلماء يخبطها إلى= بلد أضاء به السراج الزاهر
يهفو إلي قبر النبي محمد= خببا كما رف الظليمُ النافر
لله ميْتٌ بالمدينة قبره = قصر مشيد ،والقصور مقابر
لله ميتٌ كلُّ حيٍّ لم يكن= بهداه حيًّا فهو عظمٌ ناخرُ
إن لم أنله ولم يكن مني له = بسنان رمحي أو لساني ناصر
فان النصور لوحيه بدلائل= وجه اليقين بهن أبلج ناضر
ويهز من عطفي إذا جن الدجى= أملي كما هز الجناح الطائر
والله أكرم أن يري متجردا = من حلتي نعماه عبد شاكر
يارب إني استخيرك في الذي = نطت الرجاء به وأنت الخائر
وإليك أرغب في النهوض بهمة = حتي أفي بجميع ما أنا ناذر
[/poem]
 
لا أظن أن من المنهج العلمي تبسيط الخلاف بين أهل السنة والمعتزلة هكذا
وليس من الإنصاف اتهام كل من ناقش المعتزلة ونقض أصول مذهبهم وبيّن خطورتها بسوء الفهم
ابتداء من الإمام أحمد وأبي الحسن الأشعري إلى ابن تيمية وابن القيم مروراً بالباقلاني والذهبي
ولا يعقل أن استشهاد عدد من أهل السنة وسجنهم في محنة خلق القرآن بسبب التعلق بقضية (شكلية) غفل عنها أكابر أهل الكلام في ذلك الوقت.
وكأن كل عقلاء الناس قد ظلموا المعتزلة المساكين حتى جاء المستشرقون وتلاميذهم فأنصفوهم!!
إن اعتماد رأي المستشرقين والاستدلال بحججهم على ((مظلومية)) المعتزلة، ذكرني بحكاية طريفة:
أرسلت الكنيسة البروتستانتية الأمريكية في أواخر تسعينات القرن الماضي منصرين إلى لبنان، فلم يجدوا كثير ثمرة في تنصير المسلمين، مما جعلهم يرسلون تقارير سلبية عن أنشطتهم، فتم تهديدهم بسحب امتيازاتهم.
خطر ببالهم فكرة: وهي تنصير النصارى!!
فأخذوا ينشرون فكرهم بين الكاثوليك والأرثذوكس والموارنة والسريان.. الخ، فكانت الثمرة أفضل.
حينئذ نشر أحد الكتاب الموارنة مقالة طويلة مختصرها:
مَن هؤلاء الذين ساروا آلاف الكيلومترات؛ ليحدثوننا عن يسوع الذي ولد بيننا، ونحن نعرفه قبلهم، ونعرف دروسه وتعاليمه قبل أن يعرفوها... الخ
ونحن نقول: مَن الذين يعرفون المعتزلة وعقائدهم، آلذين عايشوهم وتعاملوا معهم وناظروهم.. أم البعيدون عنهم؟
وسبحان الله العظيم
 
تصحيح بيت

تصحيح بيت

ورد البيت الخامس قبل الأخير من رائية الزمخشري هكذا

فـــان الـنـصـور لـوحـيــه بــدلائــل وجــه اليقـيـن بـهــن أبـلــج نـاضــر

وصوابه:

فأنَا الـنَّـصُـورُ لـوحـيِــهِ بــدلائــل وجْــهُ اليقـيـنِ بـهــنَّ أبـلــجُ نـاضِــرُ
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد، ما أريد أن أقوله في هذا الموضوع هو أن الخط البياني للتفسير أثرت فيه عوامل ثقافية متنوعة . من بينها حركة الاعتزال ، حيث فُسر القرآن الكريم تفسيرا اعتزاليا من طرف مفسرين ، من بينهم الزمخشري . وهذا الأمر من هذا الجانب هو من البديهيات في تاريخ التفسير منذ الصحابة رضوان الله عليهم . فكلما ابتعدنا عن فترتهم الذهبية السائرة ضمن المدرسة النبوية ، إلا و نجد التفاسير المتعاقبة قد اصطبغت بكل الثقافات التي أنتجها المسلمون عبر التاريخ .
وما أريد أن أوضحه هنا هو أن هناك فرقا بين تفسير الزمخشري وعقيدة الزمخشري .
فتفسير الزمخشري هو نتاج حقبة زمنية كانت ثقافة الاعتزال سائدة فيها . وهو وثيقة علمية شاهدة على عصرها ، تبين لنا طريقة التفسير السائد آنذاك عند المتكلمين عامة وعند المعتزلة خاصة . لأن علم الكلام هو فلسفة التأويل عند المسلمين للرد على أعداء الدين ، لكنه اصطبغ بعقائد الفرق . كل فرقة تناولته حسب معتقدها .
أما عقيدة الزمخشري ، فالرجل ـــ كما سبقني الإخوة إلى ذلك ـــ قد قضى نحبه فأمره إلى الله . ولا سبيل للبحث عن توبته أم لا . لأن ذلك لا يفيدنا في شيء ، وقد علمنا القرآن الكريم في كثير من القضايا كيف يتغاضى عن الأشياء التي لا طائل من ورائها .

والله أعلم وأحكم
 
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
جزيت خيرا أخي عبد الكريم، و إن كنت لا أوافقك على قولك:" ما أريد أن أوضحه هنا هو أن هناك فرقا بين تفسير الزمخشري وعقيدة الزمخشري..."، آسف إن قلت أن هذا الكلام لا يصح، فما من مفسر صاحب عقيدة إلا و تفسيره يكون متأثرا إلى درجة كبيرة بعقيدته، بل لعلي لا أبالغ إن قلت أن تفسيره يكون في الدرجة الأولى ترجمة و صورة لعقيدته سواء بشكل ظاهر أو خفي كما هو حال الإمام أبي القاسم الزمخشري رحمه الله تعالى.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:" وهذا كالمعتزلة مثلا فإنهم من أعظم الناس كلاما وجدالا وقد صنفوا تفاسير على أصول مذهبهم ؛ مثل تفسير عبد الرحمن بن كيسان الأصم شيخ إبراهيم بن إسماعيل بن علية الذي كان يناظر الشافعي ومثل كتاب أبي علي الجبائي والتفسير الكبير للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمداني ولعلي بن عيسى الرماني والكشاف لأبي القاسم الزمخشري فهؤلاء وأمثالهم اعتقدوا مذاهب المعتزلة . وأصول المعتزلة " خمسة " يسمونها هم : التوحيد والعدل والمنزلة بين المنزلتين وإنفاذ الوعيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، و قال في موضع آخر:"وأما " الزمخشري " فتفسيره محشو بالبدعة وعلى طريقة المعتزلة من إنكار الصفات والرؤية والقول بخلق القرآن وأنكر أن الله مريد للكائنات وخالق لأفعال العباد وغير ذلك من أصول المعتزلة"
فلا ريب أن عقيدة المفسر يكون لها تأثير كبير في تفسيره، لذا نجد أئمة التفسير كالإمام ابن جرير و الحافظ ابن كثير و محمد جمال الدين القاسمي و الشيخ محمد رشيد رضا و الشيخ محمد أمين الشنقيطي و عبد الرحمن بن ناصر السعدي و غيرهم، كل هؤلاء لما كانوا ذوي عقيدة سلفية نقية، خرجت تفاسيرهم كذلك نقية لا اعتزال فيها و لا تجسيم و لا تعطيل و لا تأويل فاسد بأي وجه من الوجوه، بخلاف المفسرين الذين كانوا متأثرين بعقائد مخالفة لما كان عليه السلف خرجت تفاسيرهم متأثرة بعقائدهم، و من الأمثلة مفاتح الغيب للرازي و الكشاف للزمخشري و الجلالين و غيرها.
و الله أعلم و أحكم.
 
تمنيت أن نستطيع تجاوز العبارات التعميمية التي لا تصمد أمام التحليل العلمي الدقيق
فعبارة شيخ الإسلام رحمه الله التي نقلها مشكورا الأخ ناصر

و قال في موضع آخر:"وأما " الزمخشري " فتفسيره محشو بالبدعة وعلى طريقة المعتزلة من إنكار الصفات والرؤية والقول بخلق القرآن وأنكر أن الله مريد للكائنات وخالق لأفعال العباد وغير ذلك من أصول المعتزلة"

هذه العبارة بعيدة جدا عن الواقع فإنكار الصفات هو تعبير عن صياغة المعتزلة للتعبير عن علاقة الصفات بالذات وقد بينت أعلاه أنهم لم يكونوا معطلة لكنهم فقط مبتدعة في التعبير عن الصفة بخوضهم في كيف. وأن موقفهم من الرؤية قد حله ابن حزم رحمه الله بقوله ونحن لا نقول إنا سنرى الله تعالى بهذه الرؤية لأنها لا تقع إلا على الألوان وما لا لون له لا يُرى والله تعالى خالق الألوان، ولكن برؤية يركبها فينا مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته. وهذا التعبير عن الفكرة كما صاغه أبو محمد ابن حزم لو أعدناه على المعتزلة لما أنكروه ولقالوا إنما أنكرنا استحالة الرؤية على الطريقة الدنيوية التي لا تقع إلا على الألوان. فيجب أن نُحسن الظن بهم لا أن "نفترضهم" أغبياء ثم نشرع في تفنيدهم! وأن القول بخلق القرآن لم يعد ممكنا قبول قول الخصوم في بعضهم دون تحليل المصطلح وبيان موقفنا عقلا وشرعا منه. وأما عبارة (وأنكر أن الله مريد للكائنات وخالق لأفعال العباد)
فلا شك أن المتكلمين من أهل السنة قد انزلقوا إلى بدع مقابلة. ويكفينا في الحكم على عقيدة الزمخشري في القدر [ومعه موقف المعتزلة من أصلهم في العدل]قول الشافعي رحمه الله (إذا سلّم القدريُّ العلم خُصِم ) وفسرها ابن حجر بأنه يعني أنه قد وافق مذهب أهل السنة.
وعبارة الشافعي أكثر انفتاحا وعلمية وموضوعية من موقف أهل السنة بعد الشافعي الذين انجروا إلى عبارات عمومية لا تبالي بسوء الفهم ما دامت تدين الخصوم.
إن قضية إعادة الاعتبار للمعتزلة بوصفهم متكلمين (من الأمة) لم يستقلوا عنها كما استقل الروافض ستقود إلى تقوية الأمة في مواجهة الفرق التي استقلت عنها منذ ألف سنة كما قال مؤرخو الفكر الإسلامي (فؤاد سزكين أيد بروكلمان بقوله قد انفصل الشيعة نهائيا عن الأمة منذ القرن الثالث/الرابع).
وعلى الرغم من أن المعتزلة فرقة أو مدرسة منقرضة إلا أن إعادة الاعتبار لمشروعية اجتهادها والاكتفاء بتخطئتها فيما جانفت فيه الصواب أولى من تضليلها من الخارج وترداد متكلمين جاءوا من بعدها كانوا متأثرين بعصرهم. لأن إعادة الاعتبار لها سوف تجعل من أهل السنة لا مجرد فرقة ناجية أو طائفة محدودة بل هي الأمة نفسها. ولما كان الزيدية والإباضية لا يكادون يجاوزون العشرة الآلاف وكان أهل السنة أكثر من مليار كانت المطابقة بين (الأمة) وبين (أهل السنة ) مشروعة واقعا وتاريخا. وعلينا أن لا نتبنى وجهات نظر التيارات المتطرفة من أهل السنة في مثل هذه المسائل. والله أعلم
 
أحسن الله إليكم جميعا، و أحيي د. عبد الرحمن صالح على تلك النظرة التحليلية الرائعة التي نفتقدها عند جمهور " المستهلكين "..
 
وعبارة الشافعي أكثر انفتاحا وعلمية وموضوعية من موقف أهل السنة بعد الشافعي الذين انجروا إلى عبارات عمومية لا تبالي بسوء الفهم ما دامت تدين الخصوم.
جزاك الله خيرا أخي الدكتور عبدالرحمان، لكن مرة أراك تتكلم عن معتزلة كجماعة (من المثقفين) ومرة تتكلم عن المعتزلة كمجموعة، والفرق هو أن الجماعة تتكون من أفراد معدنية (= متنوعة) والمجموعة تتكون من وحدات شخصية (= متساوية) فهل عبارة الشافعي رحمه الله تخص الجماعة أم المجموعة. إذا كانت تخص الجماعة فإنه يعيّن وعندها لا قيمة لمقارنة عبارة الشافعي بموقف آخر يعمم بدل أن يعيّن، وإذا كانت تخص المجموعة فإن عبارته التي تخص الواحد ستنطبق على الجميع وهذا ما لا يمكن العمل به لسببين: أنه وضع شرطا لتعيين الواحد وأن هذا الواحد في ذاته مجموعة من الآراء عيّن وحدة شخصية فيها (القول في القدر مع القول في العلم)، وفي هذه الحالة أيضا لا سبيل إلى إمكانية المقارنة دون الإستقراء الكلي للوحدات في تلك الوحدة الشخصية إضافة إلى إسنتباط يقيني يمكن من خلاله إختزال الموقف العام (موقف من سميتهم السنة بعد الشافعي) في أفراد خاصة تمكن لها الإنتماء إلى المجموعة التي تنتمي إليها تلك الوحدة الشخصية. هذا ممكن نظريا لكن عمليا نجد التاريخ يحتم علينا وصف المعتزلة بالجماعة لأن الحركة الإعتزالية إنتقلت من المعارضة السياسية (تمركزية القول بالعدل) إلى الساحة الجدالية (تمركزية التنظير للتوحيد) ثم عودة إلى السياسة لكن هذه المرة بالترسيم المذهبي للإعتزال (تحول الحركة إلى مؤسسة). ثم أنت أيضا أشرت إلى الإختلاف والتنوع بين المثقفين المعتزليين في فهم الأصول الخمسة وتصويرها.

أما مذهب الأمة وإمامة المذهب فلاأرى ما يبرر الأخذ بالرأي القائل بالإستقلال لأن الذين وضعوا رابطا بين النبوة والإمامة بما يوحي إستمرارية الإتصال بالسماء هم من الإشراقيين الغارقين في الباطنيات ومنهم من كان على رأس فرق لم تُستقل ولم تستقل عن مذهب الأمة بل هي نفسها أعلنت أنها تقدمت بالإستقالة كالباب والبهاء ودروز وقاديان، أما الشيعة الإمامية فهم لغويون فقهيون يقفون عند النص كما وصل إليهم بالطريقة التي ارتضوها وقولهم في الإمامة تأويل بدعي لأصل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو تأويل صنعوا منه أصلا كما صنع غيرهم من "الصفات عين الذات" أصلا كما صنع غيرهم "توحيد الصفات" أصلا وكلما تشعب التفصيل في الأصل بالتمييز والإبانة يصبح الأصل الواحد أصولا، مع هذا هم -أي الاماميون- بلاشك أكثر بدعيّة من المعتزلة لأنهم أخذوا في الإلهيات الكثير عن المعتزلة وأضافوا من عندهم ما جعلهم يبتعدون خطوات أخرى عن المعتزلة وبالتالي عن السنة. نسأل الله الهداية للجميع وأن يعلمنا ما ينفعنا.

قلت ما أظن وأفهم فهو الأساس لا ما أنتقد وأعترض به فهو فرع عن الأساس قد يراه غيري لا أنا الذي يراه ولا حتى يرتضيه.
 
أحببت نقل رسالة الانكفاف عن إقراء الكشاف
بسم الله الرحمن الرحيم , الحمد لله الذي هدانا بنبيه محمد , و أحسن عاقبتنا به و أحمد , و شرفنا باتباعه و أسعد , و رفعنا فوق كثير من خلقه و أصعد , و وفقنا بسنته إلى أقوم مقصد , صلى الله عليه و على آله ما أتهم ركب و أنجد , و لاح قمري و غرد , و سلم تسليما كثيرا لا يبيد و لا ينفد , و بعد :

فإن كتاب الزمخشري كنت قرأت منه شيئا على الشيخ علم الدين عبد الكريم بن علي المشهور بالعراقي في سنة اثنتين و سبعمائة , و كنت أحضر قرائته عند قاضي القضاة شمس الدين أحمد السروجي , و كان له به عناية و معرفة , ثم لم أزل أسمع دروس الكشاف المذكور , و أبحث فيه , و لي فيه غرام لما إشتمل عليه من الفوائد و الفضائل التي لم يسبق إليها , و النكت البديعة و الدقائق التي بعد الحصول عليها , و أتجنب ما فيه من الإعتزال , و أتحرج الكدر , و أشرب الصفو الزلال , و فيه ما لا يعجبني مثل كلامه في قوله تعالى ( عفا الله عنك ) ( التوبة 43 ) .

و طلب مني مرة بعض أهل المدينة نسخة من الكشاف , فأشرت عليه بأن لا يفعل حياء من النبي صلى الله عليه و سلم أن يحمل إليه كتاب فيه ذلك الكلام .

ثم صار هذا الكتاب يقرأ علي و أنا أسفر عن فوائده و أعوم به حتى وصل إلى تفسير سورة التحريم , و قد تكلم في الزلة , فحصل لي بذلك الكلام مغص , ثم وصلت إلى كلامه في سورة التكوير في قوله تعالى ( إنه لقول رسول كريم ) ( التكوير 19 ) إلى آخر الآية : و الناس إختلفوا في هذا الرسول الكريم , من هو ؟ فقال الأكثرون : جبريل . و قال بعضهم : محمد صلى الله عليه و سلم , فاقتصر الزمخشري على القول الأول , ثم قال : و ناهيك بهذا دليلا على جلالة مكان جبريل و فضله على الملائكة و مبانة منزلته بمنزلة أفضل الألي محمد صلى الله عليه و سلم إذا وازنت بين الذكرين حتى قرن بينهما , و قايست بين قوله
( إنه لقول رسول كريم , ذي قوة عند ذي العرش مكين , مطاع ثم أمين )
( التكوير 19 - 21 ) إنتهى كلامه ...

فطرحت الكشاف من يدي , و أخرجته من خلدي , و نويت أن لا أ قرأه , و لا أنظر فيه إن شاء الله تعالى , و كان ذلك يوم البون من إقرائي لي يوم الثلاثاء رابع عشر جمادى الآخرة سنة أربع و خمسين و سبعمائة , و ذلك لأني أحب النبي صلى الله عليه و سلم و أجله بحسب ما أوصى الله من محبته و إجلاله , و إمتنعت من هذه الموازنة و المقايسة التي قالها الزمخشري , ذهب إلى أن الملائكة أفضل من البشر , كما تقول المعتزلة .

أما كان هذا الرجل يستحي من النبي صلى الله عليه و سلم أن يذكر هذه المقايسة بينه و بين جبريل بهذه العبارة ؟

و الذي أقوله أن كتاب الله المبين لا مراء فيه , و فيه :

( و إن تطيعوه تهتدوا ) ( النور 54 )
( إن كنتم تحبون الله فاتبعوني ) ( آل عمران 31 )
( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) ( الأحزاب 21 )
( قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم ) ( النساء 170 )

و غير ذلك مما القرآن طافح به و بتعظيمه .

و أنا واحد من الناس , كل ما أنا فيه من خير من أمور الدنيا و الآخرة من الله تعالى بواسطة النبي صلى الله عليه و سلم و أعلم أن الله تعبدني بذلك , و قام جبريل عليه السلام يعلمه أكثر منا , فما لنا و الله حول في هذا المكان الضيق , و لم يكلفنا الله بذلك , فحسب إمرئ إذا لم يعترف بفضل الملك على البشر , و لا البشر على الملك , أن يتأدب و يقف عند حده , و يعظم كلا منهما كما يجب له من التعظيم , و يكف لسانه و حلقه عن فضول لا يعنيه , و لم يكلف به , و لا بعلمه , و يقدر في نفسه أن هذين المخلوقين العظيمين حاضران و هو بين أيديهما ضئيل حقير , و الله تعالى رابعهم , و هو عالم بما تخفي الصدور , نسأل الله العصمة و السلامة بمنه و كرمه .

و جمهور أهل السنة على أن الإنسان أفضل من الملائكة , و على أن محمدا صلى الله عليه و سلم أفضل الخلق , و بذلك قال صاحب التنبيه , و صلى الله على سيدنا محمد خير خلقه .

و جمهور المعتزلة على أن الملائكة أفضل .

و هذه المسألة مما لم يكلف الله العباد معرفتها حتى لو أن إنسانا لم تخطر هذه المسألة بباله طول عمره و مات , لم يسأله الله عنها , فالسكوت عنها أسلم , و القول بأن محمد سيد الخلق ينشرح الصدر له , و هو الذي نعتقده بأدلة وفقنا الله لها , و لا نقول إنه يجب على كل أحد أن يعتقد ذلك , لأن علمه قد يقصر عنه , و إنما على أن يكف لسانه و قلبه عن خلافه , و كما لا يغنيه فضلا عما يجره إلى شئ آخر . نسأل الله العافية
 
هناك اناس يرجون توبة اﻻمام الزمخشري عن عقيدته..وهناك اناس يرجون توبة اﻻمام اﻻشعري عن عقيدته وهناك اناس يرجون توبة اﻻمام ابن تيمية عن عقيدته...والحق ان اطﻻق كلمة العقيدة على المسائل التي اختلفوا فيها والمذاهب التي ذهبوا اليها ليس اطﻻقا دقيقا...وانما كل ذلك نتاج فكري في ضوء الوحي والعقل يحتمل البحث والنقاش..فﻻ داعي لتكفير او تبديع او تضليل او تفسيق احد من هؤلاء اﻻعﻻم..والخطا والصواب محتمﻻن في كل ما اختلف فيه هؤﻻء اﻻعﻻم....وﻻ يكلف الله نفسا اﻻ وسعها...
 
تبديع شخص معين يا دكتور محيي الدين لايلزم منه ذَمُّه مطلقاً أو الحكم بعقوبته أو منعه من الاجتهاد، فقد يكون مجتهداً مخطئاً معفواً عنه بل مأجوراً على اجتهاده وهو في نفس الوقت مبتدع.
المهم هنا: العدل والأدب في بيان الحق والإنكار على المخالف.
يقول ابن تيمية -رحمه الله-: "وأئمة السنة والجماعة وأهل العلم والإيمان فيهم العلم والعدل والرحمة، فيعلمون الحق الذي يكونون به موافقين للسنة، سالمين من البدعة ويعْدِلون على من خرج منها ولو ظلمهم؛ كما قال تَعالَى: {كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} سورة المائدة(8) ويرحمون الخلق، فيريدون لهم الخير والهدى والعلم".
 
البلية في تطاول الأغمار الأغرار على أعلام الأمة وأحكامهم عليهم عن جهل وجرأة لا تخلو من وقاحة .
 
السؤال هو لماذا ﻻ نعد اﻻمام الزمخشري من ائمة السنة والجماعة واهل العلم واﻻيمان...
 
الزمخشري من علماء أمة الإسلام المخلصين والأمة تشمل أهل السنّة (حنابلة وأشعرية وماتريدية وعوام) والمعتزلة والشيعة الزيدية والإباضية، وما سوى هؤلاء فقد استقلّوا عن الأمة منذ المئة الثالثة.
ولا مانع من تسمية مذهب الأمة بأهل السنة لأن المعتزلة قد انقرضوا بوصفهم فرقة ولأن الزيدية والإباضية لا يكادون يجاوزون العشرة الملايين مجتمعين في حين يتجاوز أهل السنّة المليار مسلم،
والسبب في ضيق أفق الخطاب المعاصر هو استجلابه لصراع تيار أهل الحديث في المئة الثالثة وانخراطه ضد مخالفيهم دون وعي بحقائق الخلاف فنتج خطاب مستفزّ أدى إلى إضعاف الأمة في مواجهة الفرق المستقلة عنها وفي مواجهة أعدائها العتاة
شخصياً أضم صوتي إلى صوتك د. محيي الدين على حب الزمخشري وعده صدقا لا مجاملة من صالحي علماء الأمة نحسبه والله حسيبه
 
السؤال هو لماذا ﻻ نعد اﻻمام الزمخشري من ائمة السنة والجماعة واهل العلم واﻻيمان...

أمَّا كونه من أهل العلم والإيمان فنحسبه كذلك رحمه الله.
وأما كونه من أهل السنة والجماعة فلم يَقل بذلك أحدٌ له أدنى علم بأصول مذهب أهل السنة والجماعة أو مناهج الفِرق الإسلامية.
وكلّ قارئ لتفسيره -رحمه الله- يجد أنه قد حشاه بالرد على معتقد أهل السنة والجماعة بأساليب مختلفة.
وهذا لايلزم هجرُ كتبه وعدم الانتفاع بعلمه ولاسيما في البلاغة القرآنية، لكن الحديث هنا عن جانب المعتقد.
وكون بعضِ الناس أساء في وصفه أو الحكم عليه لايدعونا إلى أن نكون طرفَ نقيض له فننفي عنه الاعتزال أو نهوّن من مسلكه في تناول آيات الاعتقاد. عفا الله عنَّا وعنه.
 
نحن نعیش حالة التحزب العقيم. ...وكل حزب بما لديهم فرحون....وكل يدعي انه من اهل السنة والجماعة دون غيره...والحق ان كلهم من اهل السنة والجماعة...ولكن ضاقت القلوب...ودخل التعصب في العروق...
 
شيخنا الدكتور ابراهيم
أصبت وفقك الله
لكن شيخنا كيف يقبل منا أن نعقد لهذا العلم الإمام جلسة محاكمة وقد أفضى إلى ماقدم ؟!
ثم ماذا ينفعنا أو ينفعه إثبات أو نفي توبته رحمه الله ؟!

هذا صحيح وقد نبَّه على ذلك الشيخ ضيف الله الشمراني سابقاً، وكان تعليقي على بعض الردود، وليس حول توبته رحمه الله فليس لي عناية بهذه المسألة.
 
هناك فرق بين الإمام الزمخشري وبين من ذكرتم دكتور غازي فالأول معتزلي مجاهر بعقيدته والباقون هم من أئمة أهل السنة والجماعة
 
أخي الدكتور ابراهيم الحميضي
كيف قدرت على الدخول إلى مشاركتي وضم كلامك إلى مشاركتي ؟!
هل كل أحد يمكنه ذلك ؟
أم أن هذه سلطة بيدك تخولت بها لنفسك هذا التصرف ؟
فإن كان الأخير فاعلم أنه تصرف غير لائق !
وأن الذي يليق بك كتابة تعليقك في مشاركة مستقلة أو حذف مشاركتي بحكم سلطتك .
وفقك الله.
 
هل يكون ان يكون شخص معتزليا ومن اهل السنة والجماعة في نفس الوقت....الجواب عندي نعم...والعلة ان اﻻعتزال ليس عقيدة وانما منهج تفكير وآراء تحتمل الخطا والصواب...مثل منهج الحنابلة وآراؤهم ومنهج اﻷشاعرة وآراؤهم...الخطا اننا اسمينا اﻵراء الفكرية عقيدة...وتعمقنا في تحزب شديد
 
إن العاطفةَ نوعٌ من العاصفةِ -تعصفُ بالناس وتجعلهم يخلطونَ بين زهو العلمِ وبين زهرة وحقيقة الإيمان. فلقد ساند أبوطالبٍ -نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم -أعواما-وكان ما كان -ولقد شَقَّ على بعضِ الناسِ عدمُ إيمانه .{وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}-
كما ملأ الزمخشري الأوراق كلاما- منه ومنه .وهل يخفى على من سبقَ من أهل العلم أمرٌ كهذا - هذا من المحال شرعا وعقلا وتاريخا.
وإن موتَ أحدِنا على أُمَّيَّتِه أهونُ من موتِ أحدهم على موسوعيته في بدعته .
قال في إرشاد الفحول - عن إيمان العوام :
وَمَنْ أَمْعَنَ النَّظَرَ فِي أَحْوَالِ الْعَوَامِّ "وَجَدَ هَذَا صَحِيحًا، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ نَجِدُ الْإِيمَانَ فِي صَدْرِهِ كَالْجِبَالِ الرَّوَاسِيِّ، وَنَجِدُ بَعْضَ الْمُتَعَلِّقِينَ بِعِلْمِ الْكَلَامِ، الْمُشْتَغِلِينَ بِهِ، الْخَائِضِينَ فِي مَعْقُولَاتِهِ الَّتِي يَتَخَبَّطُ فِيهَا أَهْلُهَا لَا يَزَالُ يَنْقُصُ إِيمَانُهُ، وَتَنْتَقِضُ مِنْهُ عُرْوَةٌ عُرْوَةٌ، فَإِنْ أَدْرَكَتْهُ الْأَلْطَافُ الرَّبَّانِيَّةُ نَجَا، وَإِلَّا هَلَكَ، وَلِهَذَا تَمَنَّى كَثِيرٌ مِنَ الْخَائِضِينَ فِي هَذِهِ الْعُلُومِ، الْمُتَبَحِّرِينَ فِي أَنْوَاعِهَا، فِي آخِرِ أَمْرِهِ، أَنْ يَكُونَ عَلَى دِينِ الْعَجَائِزِ، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ مِنَ الْكَلِمَاتِ الْمَنْظُومَةِ وَالْمَنْثُورَةِ مَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ إِطْلَاعٌ عَلَى أَخْبَارِ النَّاسِ.
 
قوله صلى الله عليه وسلم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته. وهذا التعبير عن الفكرة كما صاغه أبو محمد ابن حزم لو أعدناه على المعتزلة لما أنكروه ولقالوا إنما أنكرنا استحالة الرؤية على الطريقة الدنيوية التي لا تقع إلا على الألوان. ..

لو نظرت إلى بقية أحاديث الرؤية لعلمت أن النبي صلى الله عليه وسلم شبه رؤية الله في الآخره برؤية أصحابه للقمر في الدنيا ففي الحديث :

عن جرير بن عبد الله-قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة ،يعني: البدر ، فقال: "إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر ، لا تضامون في رؤيته ، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس ، وقبل غروبها ، فافعلوا.." الحديث.


فشبه الرؤية في ذلك الموقف برؤيتهم للقمر في الدنيا ...

والعجب منك أن المعتزلة يتمسكون بظاهر قوله تعالى (( لن تراني )) لنفي الرؤية مطلقا ... وتصور الخلاف خلافا لفظيا ...وتزري بعقول أفواج من الراسخين ... ثم تأتي لتبرئ المعتزله من عقيدة هم متمسكون بها عاضون عليها بنواجذهم ...وليس هذا من الانصاف ولا من التحليل العلمي ...بل لعمر الله إنه هو التطرف الحقيقي : أن يستميت المرء في نفي مذهب ما عن شخص مع أن هذا الشخص مستميت في التمسك بمذهبه ، ولم يدع فرصة في كتابه إلا واهتبلها لذكر عقيدته تلك ونصرتها .
 
وعلينا أن لا نتبنى وجهات نظر التيارات المتطرفة من أهل السنة في مثل هذه المسائل. والله أعلم

وأحسب فضيلة الدكتور لا يخفى عليه وسطية المعنزلة وعدلهم مع الخصوم بامتحان الأئمه وإيداعهم في السجون وتعذيبهم لا لشيء إلا لأنهم أثبتوا لله ما وصف به نفسه ، ونزهوه عما نزه عنه نفسه ، وانتصروا لله إذ لم يجعلوه أصم جامدا لا يتلكم ولا يقول...هذا كل ما نقم المعتزلة على أولئك الأطهار الأبرار ...فكفرهم المعتزله واستباحوا دماءهم بالباطل وسجنوهم ...ألم تر التطرف الحق كيف فعل ؟


ولو سكت أولئك المعتزله من أول الأمر لسكت العلماء ولبقينا على الألفاظ النبويه التي تقول : سترون ربكم كما ترون القمر ...وانتهى الموضوع ...ولكنهم أبوا إلا الخوض فيما حسمته الشريعه وجروا على الأمة الويلات ....

وعلى فراش الموت : تجد المعتزلي والمتكلمين عموما كل منهم يشهد على نفسه بالجهل وعدم العلم ويود الموت على عقائد العجائز والصبيان... فهذه نهاية إقدام العقول عندهم ...الرازي ...الجويني ...الشهرستاني ...ابن ابي الحديد ...الخسروشاهي ...الغزالي ...وغيرهم ، قال ابن القيم رحمه الله في الصواعق :

ولهذا تجد قلوب أصحاب الأدلة السمعيه مطمئنو بالإيمان بالله وأسمائه وصفاته ....لا يضطربون في ذلك ....ولا يعرض لهم الشك عند الموت ولا يشهدون على أنفسهم ، ويشهدون على غيرهم بالحيرة والوقوف والشك .... فمتى رأيت أصحاب الأدلة السمعيه يقول أحدهم عند الموت : نهاية إقدام العقول عقال ؟ أو يقول : لعمري لقد طفت المعاهد كلها ؟ أو يقول فيك يا أعلوطة الفكر ؟

والله أعلم.
 
ثم مسألة أذكر نفسي والإخوان بها ، ألا وهي البطاقات الجاهزة من نوع :
- التحليل العلمي الدقيق
-عدم الوعي
-سوء الفهم
- التطرف ...وربما "الإرهاب الفكري لاحقا "

وأمثالها من البطاقات الجاهزة ...كل هذا لا يغير من حقائق الأمور شيئا ، ولا يصمد الباطل وإن تترس بها أمام نصوص الوحي ، فإن المعتزله عطلوا الذات الإلهية حقيقة عن صفاتها ...وهم معطله ...يزعمون أنهم ينفون التشبيه والتمثيل وإن جاءت نصوص الوحيين بهذه الصفات وأجمع الصحابة على هذا الفهم القويم .

فمن قال :
إن السمع هو عين الذات
والبصر هو عين الذات
والقوة هي عين الذات
وصفة الإحياء هي عين الذات
وصفة الاماته هي عين الذات
والانتقام هو عين الذات
والإكرام هو عين الذات

وهلم جرا ، فهذا إلحاد عظيم في ذات الله تعالى وأسمائه وصفاته ، فالشرع والعقل يبذل دلك ويرده أيما رد ...وأين العقل ممن يزعم ان الصفة ونقيضها هي عين الذات ؟...وهل إكرامه لأوليائه هو عين انتقامه من أعدائه ؟ وإحياؤه للموتى هو عين إماتته للأحياء ؟ أي شرع بل أي عقل يقبل ذلك ؟

بل القول بأن الصفة هي عين الذات هو تعطيل للصفه وإنكار لها ، إذ قد أقر المقر بالذات ...فما الصفات ؟وأين الصفات ؟

ثم إن كلمة " ذات " هي في الحقيقة مضاف حذف المضاف إليه ، فهي : ذات صفات ، كما تقول : ذو علم وذو مال وذات جمال ...وتصور ذات بلا صفات هو ما أوقع المعتزلة في هذا الخبل والضلال المبين ...وإلا فلو أمروا الصفات كما جاءت لما أضاعوا كثيرا من طاقات الأمة في الاشتغال بهم .
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

استغربت كثيرا من وجهات نظر بعض الإخوة المتدخلين في هذا الموضوع والذابين عن الإمام الزمخشري رحمه الله تعالى بل الداعين إلى جعله من أعلام الدين وأئمة أهل السنة والجماعة، بل المعتقدين أن كل الفرق هم من أهل السنة والجماعة ... وأخص بالذكر الأخ محي الدين غازي حيث يقول:" السؤال هو لماذا ﻻ نعد اﻻمام الزمخشري من ائمة السنةوالجماعة واهل العلم واﻻيمان..."، ويقول:" هل يمكن ان يكون شخص معتزليا ومن اهل السنة والجماعةفي نفس الوقت....الجواب عندي نعم...والعلة ان اﻻعتزال ليس عقيدة وانما منهج تفكيروآراء تحتمل الخطا والصواب...مثل منهج الحنابلة وآراؤهم ومنهج اﻷشاعرة وآراؤهم...الخطااننا اسمينا اﻵراء الفكرية عقيدة...وتعمقنا في تحزب شديد" ويقول:" نحن نعیش حالة التحزب العقيم. ...وكل حزب بما لديهمفرحون....وكل يدعي انه من اهل السنة والجماعة دون غيره...والحق ان كلهم من اهلالسنة والجماعة...ولكن ضاقت القلوب...ودخل التعصب في العروق..."اهـــ.

اعذرني أخي إن قلت لك أنك جانبت الصواب في الكثير من كلامك:

1- كيف يكون الإنسان سنيا ومعتزليا في نفس الوقت بحجة أن الاعتزال ليس عقيدة وإنما هو منهج فكري.
ارجع أخي إلى تاريخ الاعتزال وما جره من الويلات لأهل السنة والجماعة لتعرف أنك أخطأت في قولك ولم تصب في تأويلك.
هل الدعوة إلى القول بخلق القرآن والتأثير في ولاة الأمور لحمل الناس بقوة السيف لاعتقاد ذلك، وتعريض الأئمة الأعلام للضرب بل وللقتل في سبيل ذلك....أهذا كله ناتج عن منهج تفكير أم هو اعتقاد متجدر في قلوب القوم.

2- كيف يكون الإنسان سنيا ومعتزليا في نفس الوقت وأصول المعتزلة تناقض أصول أهل السنة والجماعة وتعارضها بما لا مجال لإنكاره أو إخفائه، إلا إذا كان الإنسان على رأيك يمكنه أن يعتقد الشيء وضده: يعتقد أن القرآن كلام الله غير مخلوق وأنه في نفس الوقت كلام مخلوق، ويعتقد أن صاحب الكبيرة تحت المشيئة وفي نفس الوقت يعتقد أنه في منزلة بين المنزلتين في هذه الدار وكافر مخلد في النار في دار القرار، ويعتقد أن الله تعالى لا نوجب عليه شيء، وفي نفس الوقت يعتقد أنه سبحانه يجب عليه فعل الأصلح لعباده، ويعتقد أن الله تعالى متصف بصفات الكمال وفي نفس الوقت يعطلها أو يؤولها بحجة التوحيد -نعم الاسم وبئس المسمى-.

3- ثم كيف تشبه منهج المعتزلة بمنهج الحنابلة، إن الحنابلة من أصح الناس عقيدة ويكفي أن إمامهم ارتضاه الله للذب عن كتابه والاستماتة دون تمكن تلك البدعة الشنيعة وتلك المقالة الكفرية ألا وهي "خلق القرآن" فكان حقا الصديق الذي نصر الله به الدين يوم الفتنة كما نصر الله دينه بأبي بكر رضي الله عنه يوم الردة.
يكفينا إطلالة على كتاب "أصول السنة" لنعلم أن الفرق بين الحنابلة والمعتزلة كالفرق بين السماء والأرض.

4- تقول وليتك لم تقل:"وكل يدعي انه من اهل السنة والجماعة دون غيره...والحق ان كلهم من اهل السنة والجماعة...ولكن ضاقت القلوب...ودخل التعصب في العروق..." اهــ:

كيف تعتقد أن كل الفرق هم أهل السنة الجماعة، ألم تسمع لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة" فلما سئل عن الفرقة الناجية قال صلى الله عليه وسلم:" ما أنا عليه اليوم وأصحابي"وفي رواية:"هي الجماعة". اعلم أخي أن قولك ذاك يرده هذا الحديث ردا ويبطله إبطالا، فقد أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بتفرق هذه الأمة فرقا وأحزابا، وهل كان قصده صلى الله عليه وسلم التفرق في الفروع ومسائل الفقه، لا شك أن أس الاختلاف إنما هو في العقائد والأصول، وإلا فلما استوجبت هذه الفرق ذاك الوعيد الشديد؟

كيف يكون الجهمي المعطل لصفات الله، زاعما أن الله تعالى لم يكلم موسى تكليما ولم يتخذ ابراهيم خليلا والذي ادعى أن الله في كل مكان وأنكر أن يكون مستويا على عرشه...كيف يكون هذا من أهل السنة والجماعة؟
كيف يكون القدري الذي يعتقد أن الأمر أنف وأن الله تعالى لا يعلم أفعال خلقه حتى تقع وأن لا مشيئة له على عباده...كيف يكون هذا من أهل السنة والجماعة؟
كيف يكون المرجئ الذي اعتقد أنه لا ينفع مع الكفر طاعة ولا يضر مع الإيمان معصية وأن العمل لا يدخل في مسمى الإيمان وأن الإيمان شيء واحد لا يتجزأ ولا يتفاضل فيه الناس...كيف يكون هذا من أهل السنة والجماعة؟
كيف يكون الخارجي الذي يكفر المسلمين بالذنب ويستحل دماءهم ويقتل أهل الإيمان ويدع أهل الأوثان...كيف يكون من أهل السنة والجماعة.
كيف يكون المعتزلي الذي اعتقد أصولا خمسة ما أنزل الله بها من سلطان وتأول كتاب الله تعالى في ضوءها: فللرؤية منكرا وللصفات معطلا وفي القدر طاعنا وللشفاعة ناكرا وللعصاة في النار مخلدا...كيف يكون هذا من أهل السنة والجماعة؟

وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.

[FONT=ge_m]
[/FONT]

[FONT=ge_m]
[/FONT]
 
في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم: " فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم ".
هل هنالك سؤال مهلِك ؟
إنه مجرد (سؤال)!
الجواب: نعم، هو السؤال عن علم لا ينفع = ليس له ثمرة.

محور هذا الموضوع هو السؤال الآتي: " هل تاب الزمخشري قبل أن يموت "؟
المنطق يحصر احتمالات الإجابة في احتمالين:
- الاحتمال الأول: نعم، تاب رحمه الله.
- الاحتمال الثاني: كلا، لم يتب غفر الله له.

والآن لننتقل إلى ثمرة السؤال حتى لا يكون سؤالنا مهلِكاً لنا، أي كي لا يكون سؤالنا بلا ثمرة.

الثمرة هي: بيان حكم قراءة العوام لكتب الزمخشري والاستشهاد بها في الأحكام واللغة..

- ثمرة ترجيح الاحتمال الأول: تجوز قراءة كتبه التي كتبها، بشرط تنقيتها من الاعتزاليات وتنبيه الناس منها.
ويجوز الاحتكام بها في اللغة والأحكام (بشرط أن لا تكون مسألة جدلية يستدل بها للاحتجاج لمسألة اعتزالية).

- ثمرة ترجيح الاحتمال الثاني: تجوز قراءة كتبه التي كتبها، بشرط تنقيتها من الاعتزاليات وتنبيه الناس منها.
ويجوز الاحتكام بها في اللغة والأحكام (بشرط أن لا تكون مسألة جدلية يستدل بها للاحتجاج لمسألة اعتزالية).

* بما أنه لا توجد أي ثمرة لترجيح أي الرأيين (في مسألة توبته من الاعتزال)؛ فالزمخشري غير موجود بيننا، ولن أحتاج للتعامل معه، ولن أصلي خلفه، ولن آكل من ذبيحته، ولن أزوجه من ابنتي، ولن أشاركه في تجارتي، ولن أقاتل تحت لوائه.. فلماذا أبحث في مسألة توبته، بما أنه ليس لذلك ثمرة؟!

فنعوذ بالله من علم لا ينفع.
 
بسم الله الرحمن الرحيم

إلى أخي الدكتور عبد الرحيم الشريف:

ربما الحق معك فيما تقول، فلا فائدة كبيرة ترجى من السؤال المطروح في بداية الموضوع.
لكن النقاش أسفر عن أفكار وأقوال لا يجوز السكوت عليها أو إمرارها هكذا دون بيان الحق، وأخص بالذكر ما طرحه الأخ محي الدين غازي من أفكار أراها في غاية الغرابة، من ذلك ادعاؤه أن كل الفرق هي من أهل السنة والجماعة، وأن الإنسان بالإمكان أن يكون سنيا ومعتزليا في نفس الوقت، وأن الاعتزال ليس عقيدة وإنما هو منهج فكري...وقد بينت ما أعتقده في ذلك، راجيا إثراء الموضوع أكثر.
أسأل الله الهداية لنا ولجميع المسلمين.
 
عودة
أعلى