عزالدين كزابر
New member
الرد على مداخلة #32
الرد على مداخلة #32
أتابع الرد على مداخلة #32
5- المسألة هنا تتعلق باصطلاح: "التنظيرات الذَريَّة" الذي استنكره خصمي العزيز، حيث قلت أنه من الواجب تفكيك أي نظرية إلى "تنظيرات ذرية"، وفيها يكون كل "تنظير ذري" : [وِحْدَة دُنْيَا] لا تتفكك إلى ما دونها، ولا تحتمل إلا صواب أو خطأ، وباصطلاح الشرع: حق أو باطل. فإن لم يكن من دليل على التصويب والتخطئة، فليس أمامنا إلا التوقف. ولكن على مستوى التنظيرات الذرية أولاً، ثم التصعَّد منها إلى مركباتها؛ أي ما يتركب منها، ووصولاً إلى النظرية الكبرى التي تجمع شتات تنظيراتها الذرية.
وجاء سياق المسألة كالآتي:
قلت أنا (في مداخلة # 18)
فقال خصمي العزيز (في مداخلة #32):
أقول: هنا عدد من المؤآخذات، والتوضيحات تكشف عن إشكالات:
1- واضح من تعقيب خصمي بقوله:
أنه ظن أني اخترعت اصطلاح "تنظيرات ذرية" من عند نفسي! ..... وهذا غير صحيح..... !!!
وواضح أيضاَ أن المعنى قد استغلق عليه، أو أنه غير موافق على الاتفاق بين اصطلاح "تنظيرات ذرية" كـ (دال)، والمعنى المراد منه؛ أي (المدلول)، وذلك حين قال:
وإذا انتبه خصمي العزيز، وأي قارئ،.. إلى قولي أعلى في سياق الكلام:
أقصد: لينتبه أني ذكرت الاصطلاح " تنظيرات ذرية " ثم أعدت ذكره بـ " دقائق تنظيرية ذرية " ثم زدت الأمر وضوحاً، وقلت: (أقصد مقولاتها)، وقلت أيضاً:
أي أن "التنظيرات الذرية" هي "مقولات"، وهي "دقائق"، وأنها "لا تتفكك لما دونها".
ولا يُخطئ أي قارئ في الفلسفة العلمية، بل في "الثقافة العلمية الجادة" المعنى المقصود بعد كل هذا الشرح. وأستغرب من استغلاق المعنى عند خصمي العزيز، خاصة وأن الاصطلاح شائع في كتب فلسفة العلوم واللغة، ويرجع تأسيس هذا الاصطلاح إلى برتراند رسل Berrand Russel في Analytic Realism (1911)، وذلك مع تأسيسه للفلسفة التحليلية analytic philosophy، والاصطلاح هو: الذرية المنطقية أو المنطقيات الذرية Logical Atomism،. ولقى مفهوم هذا الاصطلاح تأسيساً أيضاً من فيتجنشتاين Ludwig Wittgenstein، في كتابه Tractatus Logico-Philosophicus سنة 1921.
وخلاصة المعنى الذي اقتبست له هذا الاصطلاح – دون مضامينه الفلسفية عند واضعيه - أنه أي (مقولة/نظرية) تؤول إلى .. أو يمكن تحليلها إلى .. أو تُرد إلى .. (مقولات ذرية) دُنيا، واحدة أو أكثر، ترتبط فيما بينها بعلاقات. وأن كل (مقولة ذرية) منها، تشير إلى معنى مفرد مفيد، ولا يمكن أن تشير إلى معنى مركب، وإن حصل، فلا بد من تفكيكها إلى مفرداتها الذرية، لتُشير كل مقولة مفردة إلى معنى فريد.
ومعنى ذلك أن الجملة اللغوية الواحدة المفيدة لمعنى واحد، والتي حدها الأدنى (مسند ومسند إليه) تمثل وحدة ذرية، أو تنظير ذري، إذا كانت كل من المسند والمسند إليه خالص المعنى، وليس قائم على أو مستنبط من جمل أخرى ذرية، أو أن تركيبه من هذه الوحدات الأدنى قد تم الفراغ منها، وأصبحت المقولة المركبة منهما في نفسها بسيطة لدى المنظرين حولها.
أما لماذا استحضرت هذا التحليل لما نحن بصدده في التنظير والنظرية، فهو أن معرفة الحق والباطل في الإسلام محظور أن يأتي على نحو مُجمل. ويجب التفصيل. بمعنى أنه يجب الانتقال من إجمال الكلام إلى تفصيله. أي تفكيكه، ليؤول القول المجمل (أي المركب أو المحتمل لعدد من المعاني) إلى الحد الأقصى من المقولات، التي تنفرد كل مقولة بمعنى مُفرد، قد لا يرتبط بالضرورة بصويحباتها. ثم تُختبر كل مقوله بانفرادها، فإما تصح وإما تبطل.
فإذا كان الإجمال - الذي هو صناعة بشرية - مضلل في الأسلام سواء في التحليل أو التحريم، أي في الإحقاق أو الإبطال، وأنه يجب إفراد الإبطال بباطل ظاهر البطلان، وإحقاق الحق بحق ظاهر الحق، وفك الارتباط بين المختلفات على نحوٍ صريح، وجب عليّ أن أفكك المجمل في التنظيرات إلى مفرداته. وإلى الحد الذي لا تكون معه هذه المفردات نفسها مجملة الحكم، ومركبة مما هو أدنى منها؛ البسيط في أحكامه، وأن تكون قابلة لمزيد من التفكيك، إن تبين أنها ما زالت مُركبة، أو طالب ذلك من لا يتفق مع صاحبها على بساطتها.
وهنا كان هذا التصور (المقولات الذرية) أو (التنظيرات الذرية) لغة منطقية مناسبة للغاية لهذا الغرض. وليس في ذلك إلا اقتباس الأسماء لتوضيح الصورة، بعد أن أصبح مصطلح (ذرة) في العلوم الطبيعية (الفيزياء والكيمياء)، معلومة للمثقف والدارس بأنها تلك المفردة الموجودة من أي مادة، والتي لا تنفك إلى ما دونها، وإلا يسقط عنها صفات مادتها، .. وإذا نُقل هذا التصور إلى ما نحن بصدده، تصبح تلك الإفادة المعنوية (أي في فضاء المعنى) والمفردة إلى أدنى حد، هي الذرة التنظيرية الواحدة. والتي إذا حكمنا عليها بحق أو باطل، نكون في مأمن من أننا لم نقع في إجمال مضلل.
وفي هذا الإطار أكون قد أجبت عن الجزء التالي من عبارة خصمي العزيز، حين تساءل مستنكراً، لا مستعلماً، وقال:
2-
وأزيد فأقول:
بناءاً على الشرح السابق، ءآتي بمثال مُجْمَل، ثم أُظهر له أن الحكم الإجمالي عليه (أنه حق أو أنه باطل) حكم مضلل، ثم أفكك الإجمال، إلى مفرداته، أي إلى تنظيرات الذرية، وأعالج كل مفردة برأسها، بين الصدق وعدمه (أو التوقف) وأحكم في النهاية على صدق القول أي النظرية المجملة، باشتراط صدق كل مفرداتها الذرية، أو أنها باطلة لبطلان شيء من مفرداتها، مع احتفاظ بعض تلك المفردات بالصدق في ذاتها.
المثال:
النظرية المجملة : النسبية الخاصة لأينشتاين
مفرداته، أي التنظيرات الذرية:
1- استقلال صورة القانون عن إطار الإحداثي القصوري.
2- ثبات سرعة الضوء لأي راصد.
3- سرعة الضوء سرعة حدية لا يمكن تجاوزها لأي متحرك مادي.
4- زيادة الكتلة مع السرعة.
5- زيادة الطول مع السرعة.
6- تباطوء الزمن مع السرعة.
ويمثل هذا التحليل، مجرد محاولة تحليلية لباحث ما، قد يأتي باحث آخر بما يفارقها من حيث عدد التنظيرات الذرية، أو بقدرته على مزيد من التفكيك.
والآن: للإجابة في هذا المثال، على سؤال:
أجيب: أن التنظير الذري (زيادة الكتلة مع السرعة – رقم 4 أعلى) لا يمكن تفكيك صياغته إلى صيغتين، بحيث ينفرد لكل صيغة حكم معلوم. ومن ثم فهو غير قابل للتفكيك الدلالي.
وإذا قال قائل: ولكن (زيادة الكتلة مع السرعة) تتفكك إلى (الكتلة صفة طبيعية ربما تكون متغيرة)، و(السرعة عامل محدد لصفات المادة المتغيرة)، .. أقول: نعم، من حيث اللغة، ولكن أي من تلك الصيغتين، ليست منفردة في قابليتها للاختبار بحق أو باطل. بل إنهما يعتمدان على أو يُستنبطان من (زيادة الكتلة مع السرعة) التي أصبحت مصدر الإفادة الجديدة، ومن ثمَ، أصبحت مستقلة بالوفاء بالمعنى الجديد بالاختبار التجريبي. فالمعلوم قبل هذه الصيغة أن الكتلة كمية محفوظة conserved بانفرادها، لذلك، كان تغيرها غير معلوم، أي غير مشهود. وكذلك، لم يكن معلوماً أن سرعة حركة المادة تؤثر على شيء من صفاتها المحفوظة مثل كتلتها أو شحنتها مثلاً.
ولكن التنظير الذري (استقلال صورة القانون عن إطار الإحداثي القصوري – رقم 1 أعلى) قد يقع لأحد الباحثين أنه غير قابل للتفكيك، ويبقيه على هذا الحال. وقد يقع لباحث آخر أن يفككه إلى تنظيرين أكثر ذرية كالآتي: (1-1 - استقلال صورة القانون عن الإطار الإحداثي العام سواء كان قصورياً أو غير قصوري، 1-2- نسبة الإطار القصوري إلى الإطار العام كنسبة هندسة إقليدس إلى هندسة ريمان.)
وإذا اكتفى الباحث بهذا "التنظير الذري" قبل التفكيك، فهي النظرية النسبية الخاصة، وإذا فكَّكه، فهي النظرية النسبية العامة. .. ولن أستطيع الخوض أعمق من ذلك لصعوبة الأمر على القارئ.
إلا أن هذا المثال يُظهر معنى الذرية في التنظيرات، ومعنى التفكيك، ومعنى حد التفكيك .. .
- كما يظهر المثال أيضاً إجابة سؤال خصمي العزيز:
3- ثم تساءل خصمي العزيز على سبيل التوبيخ، وقال:
وإجابتي على ذلك كالآتي: أنه طبقاً لما ذكرته من شرح أعلى، للمثال المذكور (النظرية النسبية الخاصة)، ولما جاء في المداخلة السابقة (# 50) على وجه الخصوص، فإن الزعم بوجود (نموذج كلي) للنظرية النسبية مثلا، ووجود (فروع جزئية) تخدم ذلك النموذج، بالانبثاق منه، والتدليل بصدقها على صدقه، ليس إلا زعماً تحليليا بعدياً posteriori، أي زعماً يخدم العرض المسرحي للنظرية، كالذي تُعرض به النظرية على المجتمع العلمي منذ صدورها في بحث أينشتاين سنة 1905، وإلى الوقت الحاضر. والذي لو تعدل هذا العرض المسرحي بعرض مسرحي آخر، لتغير ذلك (النموذج الكلي) وما يلحق به من (نماذج فرعية). ولو رجع صاحب السؤال إلى تاريخية الأحداث، لوجد أن (عرض أينشتاين المسرحي) لم يكن إلا عرض منافس لعرض آخر هو (عرض لورنس المسرحي) أيضاً، وقد فاز عليه ولقى القبول من المجتمع العلمي لما أتى به من اتساق لـ (التنظريات الذرية) سابقة الذكر، لم يستطع أن يأتي به (عرض لورنس) .. هذا بخلاف عروض مسرحية أخرى (مثل ذلك الذي عرضه بوانكاريه، ويكاد يماثل عرض أينشتاين إلى حدٍّ كبير، ومن ثم كان النزاع حول نسبة النظرية لأي منهما؛ أينشتاين أم بوانكاريه).
والعبرة من كل ذلك، أن العرض المسرحي لأي نظرية، والذي يتكون من (نموذج أصلي كلي، ونماذج فرعية)، لا يعبر عن شجرة وجودية أنطولوجية حقيقية بالضرورة، بل عن شجرة معرفية يُنظم بها الباحثون تصورهم عن جملة التنظيرات الذرية التي تندرج أو تُشحن في سلة النظرية الأم.
وعليه يكون القول بـ
وبناءاً على ذلك، فأنا [أدرك جريان التنظير الطبيعي على أصول (نماذج كلية) وفروع جزئية تخدم تلك النماذج] .. ولكن فقط إذا كنت طالباً student أدرس النموذج الكلي وفروعه، ويطلب مني علاج مسائل فرعية وآلية استنباطها من أصل النموذج الكلي استنباطاً مدرسياً pedagogical، ... ولكني أنفي – بصفتي باحث researcher- ضرورة هذه البنية المنطقية باعتبارها البنية الفريدة والوحيدة والطبيعية للعلاقة بين ما توهمه البعض من أصل وفرع، وأن العلاقة بينهما – حسبما ظنوا - فريدة على هذا النحو، وبما يمنع خروج تلك الفروع من غير ما توهمه البعض أنها أصول لها.
4- هذا وقد تصوّر خصمي العزيز أنه أقام الحجة على فساد قيمة اصطلاح "تنظيرات ذرية"، فقال:
وإجابتي عنه الآتي انه:
بناءاً على ما ذكرته لتوِّي، وبصفتي البحثية research attitude، أُنكر ضرورة هدم الفرع إذا انهدم الأصل، لأن الفروع في تفردها لا ينبغي أن تكون إلا وقائع، قد تثبت وجودياً باستقلال عن وجود الأصل المسرحي الذي تم شبكها به، وتفريعها منه، في الطريق إلى البناء المعرفي المسرحي الذي تم استخدامه في ربطهما، إلا إذا كانت أوهاماً أو لواحق نظرية تمثل بعض من كلٍّ النموذج الكلي، فتسقط بسقوطه، لا بسبب تفرعها، بل بسبب ارتباطها العضوي به.
الرد على مداخلة #32
أتابع الرد على مداخلة #32
5- المسألة هنا تتعلق باصطلاح: "التنظيرات الذَريَّة" الذي استنكره خصمي العزيز، حيث قلت أنه من الواجب تفكيك أي نظرية إلى "تنظيرات ذرية"، وفيها يكون كل "تنظير ذري" : [وِحْدَة دُنْيَا] لا تتفكك إلى ما دونها، ولا تحتمل إلا صواب أو خطأ، وباصطلاح الشرع: حق أو باطل. فإن لم يكن من دليل على التصويب والتخطئة، فليس أمامنا إلا التوقف. ولكن على مستوى التنظيرات الذرية أولاً، ثم التصعَّد منها إلى مركباتها؛ أي ما يتركب منها، ووصولاً إلى النظرية الكبرى التي تجمع شتات تنظيراتها الذرية.
وجاء سياق المسألة كالآتي:
قلت أنا (في مداخلة # 18)
الصنعة العلمية discipline نظامٌ معقد من تنظيرات ذرية. والحكم الواحد المجمل على صناعة علميةٍ ما، يجب أن يمر أولاً على دقائقها التنظيرية الذرية (أقصد مقولاتها) لا أن يتجاوزها ليصدر حكماً مُجملاً يطيح بالحق في دقائقها، إذا أراد نسف الصنعة، أو يثبت الباطل إذا أراد نصرة الصنعة.
...
التنظيرات الذرية (أقصد التي لا تتفكك لما دونها من تنظيرات) لا تحتمل إلا حق أو باطل، ولا تداخل فيها بينهما.
فقال خصمي العزيز (في مداخلة #32):
من المقبول إجمالا أن تخترع مصطلحاتك الخاصة عند الجدال، ولا إشكال عندي في ذلك، ولكن بشرط أن يوافقك خصمك على المقصود منها دون التباس، وإلا كانت المناظرة ضربا من العبث! فأولا ما معنى تعبير "التنظيرات الذرية" هذا؟ وما معنى "لا تتفكك لما دونها من تنظيرات"؟ ما هي وحدة التكرار التي جمعها "تنظيرات" هذه وما نوعها وما حقيقتها، وكيف لا تدرك جريان التنظير الطبيعي على أصول (نماذج كلية) وفروع جزئية تخدم تلك النماذج، وما حكمك على ما تسميه "بالذرات التنظيرية" إن حكمنا بسقوط النموذج النظري الذي تتفرع عنه، أو الأصل الفلسفي الكلي الذي تقوم عليه (معرفيا)؟
أقول: هنا عدد من المؤآخذات، والتوضيحات تكشف عن إشكالات:
1- واضح من تعقيب خصمي بقوله:
من المقبول إجمالا أن تخترع مصطلحاتك الخاصة عند الجدال، .. ما معنى تعبير "التنظيرات الذرية" هذا؟
أنه ظن أني اخترعت اصطلاح "تنظيرات ذرية" من عند نفسي! ..... وهذا غير صحيح..... !!!
وواضح أيضاَ أن المعنى قد استغلق عليه، أو أنه غير موافق على الاتفاق بين اصطلاح "تنظيرات ذرية" كـ (دال)، والمعنى المراد منه؛ أي (المدلول)، وذلك حين قال:
لكن بشرط أن يوافقك خصمك على المقصود منها دون التباس
وإذا انتبه خصمي العزيز، وأي قارئ،.. إلى قولي أعلى في سياق الكلام:
الصنعة العلمية discipline نظامٌ معقد من تنظيرات ذرية. والحكم الواحد المجمل على صناعة علميةٍ ما، يجب أن يمر أولاً على دقائقها التنظيرية الذرية (أقصد مقولاتها)
أقصد: لينتبه أني ذكرت الاصطلاح " تنظيرات ذرية " ثم أعدت ذكره بـ " دقائق تنظيرية ذرية " ثم زدت الأمر وضوحاً، وقلت: (أقصد مقولاتها)، وقلت أيضاً:
،" التنظيرات الذرية (أقصد التي لا تتفكك لما دونها من تنظيرات) "
أي أن "التنظيرات الذرية" هي "مقولات"، وهي "دقائق"، وأنها "لا تتفكك لما دونها".
ولا يُخطئ أي قارئ في الفلسفة العلمية، بل في "الثقافة العلمية الجادة" المعنى المقصود بعد كل هذا الشرح. وأستغرب من استغلاق المعنى عند خصمي العزيز، خاصة وأن الاصطلاح شائع في كتب فلسفة العلوم واللغة، ويرجع تأسيس هذا الاصطلاح إلى برتراند رسل Berrand Russel في Analytic Realism (1911)، وذلك مع تأسيسه للفلسفة التحليلية analytic philosophy، والاصطلاح هو: الذرية المنطقية أو المنطقيات الذرية Logical Atomism،. ولقى مفهوم هذا الاصطلاح تأسيساً أيضاً من فيتجنشتاين Ludwig Wittgenstein، في كتابه Tractatus Logico-Philosophicus سنة 1921.
وخلاصة المعنى الذي اقتبست له هذا الاصطلاح – دون مضامينه الفلسفية عند واضعيه - أنه أي (مقولة/نظرية) تؤول إلى .. أو يمكن تحليلها إلى .. أو تُرد إلى .. (مقولات ذرية) دُنيا، واحدة أو أكثر، ترتبط فيما بينها بعلاقات. وأن كل (مقولة ذرية) منها، تشير إلى معنى مفرد مفيد، ولا يمكن أن تشير إلى معنى مركب، وإن حصل، فلا بد من تفكيكها إلى مفرداتها الذرية، لتُشير كل مقولة مفردة إلى معنى فريد.
ومعنى ذلك أن الجملة اللغوية الواحدة المفيدة لمعنى واحد، والتي حدها الأدنى (مسند ومسند إليه) تمثل وحدة ذرية، أو تنظير ذري، إذا كانت كل من المسند والمسند إليه خالص المعنى، وليس قائم على أو مستنبط من جمل أخرى ذرية، أو أن تركيبه من هذه الوحدات الأدنى قد تم الفراغ منها، وأصبحت المقولة المركبة منهما في نفسها بسيطة لدى المنظرين حولها.
أما لماذا استحضرت هذا التحليل لما نحن بصدده في التنظير والنظرية، فهو أن معرفة الحق والباطل في الإسلام محظور أن يأتي على نحو مُجمل. ويجب التفصيل. بمعنى أنه يجب الانتقال من إجمال الكلام إلى تفصيله. أي تفكيكه، ليؤول القول المجمل (أي المركب أو المحتمل لعدد من المعاني) إلى الحد الأقصى من المقولات، التي تنفرد كل مقولة بمعنى مُفرد، قد لا يرتبط بالضرورة بصويحباتها. ثم تُختبر كل مقوله بانفرادها، فإما تصح وإما تبطل.
فإذا كان الإجمال - الذي هو صناعة بشرية - مضلل في الأسلام سواء في التحليل أو التحريم، أي في الإحقاق أو الإبطال، وأنه يجب إفراد الإبطال بباطل ظاهر البطلان، وإحقاق الحق بحق ظاهر الحق، وفك الارتباط بين المختلفات على نحوٍ صريح، وجب عليّ أن أفكك المجمل في التنظيرات إلى مفرداته. وإلى الحد الذي لا تكون معه هذه المفردات نفسها مجملة الحكم، ومركبة مما هو أدنى منها؛ البسيط في أحكامه، وأن تكون قابلة لمزيد من التفكيك، إن تبين أنها ما زالت مُركبة، أو طالب ذلك من لا يتفق مع صاحبها على بساطتها.
وهنا كان هذا التصور (المقولات الذرية) أو (التنظيرات الذرية) لغة منطقية مناسبة للغاية لهذا الغرض. وليس في ذلك إلا اقتباس الأسماء لتوضيح الصورة، بعد أن أصبح مصطلح (ذرة) في العلوم الطبيعية (الفيزياء والكيمياء)، معلومة للمثقف والدارس بأنها تلك المفردة الموجودة من أي مادة، والتي لا تنفك إلى ما دونها، وإلا يسقط عنها صفات مادتها، .. وإذا نُقل هذا التصور إلى ما نحن بصدده، تصبح تلك الإفادة المعنوية (أي في فضاء المعنى) والمفردة إلى أدنى حد، هي الذرة التنظيرية الواحدة. والتي إذا حكمنا عليها بحق أو باطل، نكون في مأمن من أننا لم نقع في إجمال مضلل.
وفي هذا الإطار أكون قد أجبت عن الجزء التالي من عبارة خصمي العزيز، حين تساءل مستنكراً، لا مستعلماً، وقال:
2-
أولا ما معنى تعبير "التنظيرات الذرية" هذا؟ وما معنى "لا تتفكك لما دونها من تنظيرات"؟ ما هي وحدة التكرار التي جمعها "تنظيرات" هذه وما نوعها وما حقيقتها؟
وأزيد فأقول:
بناءاً على الشرح السابق، ءآتي بمثال مُجْمَل، ثم أُظهر له أن الحكم الإجمالي عليه (أنه حق أو أنه باطل) حكم مضلل، ثم أفكك الإجمال، إلى مفرداته، أي إلى تنظيرات الذرية، وأعالج كل مفردة برأسها، بين الصدق وعدمه (أو التوقف) وأحكم في النهاية على صدق القول أي النظرية المجملة، باشتراط صدق كل مفرداتها الذرية، أو أنها باطلة لبطلان شيء من مفرداتها، مع احتفاظ بعض تلك المفردات بالصدق في ذاتها.
المثال:
النظرية المجملة : النسبية الخاصة لأينشتاين
مفرداته، أي التنظيرات الذرية:
1- استقلال صورة القانون عن إطار الإحداثي القصوري.
2- ثبات سرعة الضوء لأي راصد.
3- سرعة الضوء سرعة حدية لا يمكن تجاوزها لأي متحرك مادي.
4- زيادة الكتلة مع السرعة.
5- زيادة الطول مع السرعة.
6- تباطوء الزمن مع السرعة.
ويمثل هذا التحليل، مجرد محاولة تحليلية لباحث ما، قد يأتي باحث آخر بما يفارقها من حيث عدد التنظيرات الذرية، أو بقدرته على مزيد من التفكيك.
والآن: للإجابة في هذا المثال، على سؤال:
ما معنى "لا تتفكك لما دونها من تنظيرات"؟
أجيب: أن التنظير الذري (زيادة الكتلة مع السرعة – رقم 4 أعلى) لا يمكن تفكيك صياغته إلى صيغتين، بحيث ينفرد لكل صيغة حكم معلوم. ومن ثم فهو غير قابل للتفكيك الدلالي.
وإذا قال قائل: ولكن (زيادة الكتلة مع السرعة) تتفكك إلى (الكتلة صفة طبيعية ربما تكون متغيرة)، و(السرعة عامل محدد لصفات المادة المتغيرة)، .. أقول: نعم، من حيث اللغة، ولكن أي من تلك الصيغتين، ليست منفردة في قابليتها للاختبار بحق أو باطل. بل إنهما يعتمدان على أو يُستنبطان من (زيادة الكتلة مع السرعة) التي أصبحت مصدر الإفادة الجديدة، ومن ثمَ، أصبحت مستقلة بالوفاء بالمعنى الجديد بالاختبار التجريبي. فالمعلوم قبل هذه الصيغة أن الكتلة كمية محفوظة conserved بانفرادها، لذلك، كان تغيرها غير معلوم، أي غير مشهود. وكذلك، لم يكن معلوماً أن سرعة حركة المادة تؤثر على شيء من صفاتها المحفوظة مثل كتلتها أو شحنتها مثلاً.
ولكن التنظير الذري (استقلال صورة القانون عن إطار الإحداثي القصوري – رقم 1 أعلى) قد يقع لأحد الباحثين أنه غير قابل للتفكيك، ويبقيه على هذا الحال. وقد يقع لباحث آخر أن يفككه إلى تنظيرين أكثر ذرية كالآتي: (1-1 - استقلال صورة القانون عن الإطار الإحداثي العام سواء كان قصورياً أو غير قصوري، 1-2- نسبة الإطار القصوري إلى الإطار العام كنسبة هندسة إقليدس إلى هندسة ريمان.)
وإذا اكتفى الباحث بهذا "التنظير الذري" قبل التفكيك، فهي النظرية النسبية الخاصة، وإذا فكَّكه، فهي النظرية النسبية العامة. .. ولن أستطيع الخوض أعمق من ذلك لصعوبة الأمر على القارئ.
إلا أن هذا المثال يُظهر معنى الذرية في التنظيرات، ومعنى التفكيك، ومعنى حد التفكيك .. .
- كما يظهر المثال أيضاً إجابة سؤال خصمي العزيز:
في كون وحدة التكرار، أي [التنظير الذري المفرد] هو: المقولة (المفهوم concept) منه، التي لا يستطيع الباحث أن يحولها إلى مقولتين (مفهومين) قابلين للاختبار، كلاً على حدى، وإن فعل، فإنه ينتقل إلى مستوى أعمق من البحث قد يتيسر له الأدوات التحليلية والمفهومية، وقد لا يتيسر الخوض فيه والوصول فيه إلى شيء ذي قيمة!ما هي وحدة التكرار التي جمعها "تنظيرات" هذه وما نوعها وما حقيقتها؟
3- ثم تساءل خصمي العزيز على سبيل التوبيخ، وقال:
وذلك بعد ظنه فساد تحليل "التنظيرات الذرية" .. كما يرى هو!كيف لا تدرك جريان التنظير الطبيعي على أصول (نماذج كلية) وفروع جزئية تخدم تلك النماذج؟
وإجابتي على ذلك كالآتي: أنه طبقاً لما ذكرته من شرح أعلى، للمثال المذكور (النظرية النسبية الخاصة)، ولما جاء في المداخلة السابقة (# 50) على وجه الخصوص، فإن الزعم بوجود (نموذج كلي) للنظرية النسبية مثلا، ووجود (فروع جزئية) تخدم ذلك النموذج، بالانبثاق منه، والتدليل بصدقها على صدقه، ليس إلا زعماً تحليليا بعدياً posteriori، أي زعماً يخدم العرض المسرحي للنظرية، كالذي تُعرض به النظرية على المجتمع العلمي منذ صدورها في بحث أينشتاين سنة 1905، وإلى الوقت الحاضر. والذي لو تعدل هذا العرض المسرحي بعرض مسرحي آخر، لتغير ذلك (النموذج الكلي) وما يلحق به من (نماذج فرعية). ولو رجع صاحب السؤال إلى تاريخية الأحداث، لوجد أن (عرض أينشتاين المسرحي) لم يكن إلا عرض منافس لعرض آخر هو (عرض لورنس المسرحي) أيضاً، وقد فاز عليه ولقى القبول من المجتمع العلمي لما أتى به من اتساق لـ (التنظريات الذرية) سابقة الذكر، لم يستطع أن يأتي به (عرض لورنس) .. هذا بخلاف عروض مسرحية أخرى (مثل ذلك الذي عرضه بوانكاريه، ويكاد يماثل عرض أينشتاين إلى حدٍّ كبير، ومن ثم كان النزاع حول نسبة النظرية لأي منهما؛ أينشتاين أم بوانكاريه).
والعبرة من كل ذلك، أن العرض المسرحي لأي نظرية، والذي يتكون من (نموذج أصلي كلي، ونماذج فرعية)، لا يعبر عن شجرة وجودية أنطولوجية حقيقية بالضرورة، بل عن شجرة معرفية يُنظم بها الباحثون تصورهم عن جملة التنظيرات الذرية التي تندرج أو تُشحن في سلة النظرية الأم.
وعليه يكون القول بـ
لا ينبغي أن يؤدي بنا إلى قتل الفروع الجزئية، إذا قُتل النموذج الكلي، لأن العرض مسرحي، وقد تتبدل الأدوار في عرض مسرحي آخر، ويتفكك (النموذج الكلي) لعدد من التنظيرات الذرية من تلك الفروع الجزئية، وقد يتقدم أحدها، أو يُضاف تنظيرٌ جديد، ويتقدم المشهد ويصبح هو النموذج الكلي، وتصبح باقي مُفردات النموذج الكلي الأقدم متبوعة لغيره. (آمل العودة إلى المداخلة # 50 للترابط بين المداخلتين في معنى العرض المسرحي).جريان التنظير الطبيعي على أصول (نماذج كلية) وفروع جزئية تخدم تلك النماذج
وبناءاً على ذلك، فأنا [أدرك جريان التنظير الطبيعي على أصول (نماذج كلية) وفروع جزئية تخدم تلك النماذج] .. ولكن فقط إذا كنت طالباً student أدرس النموذج الكلي وفروعه، ويطلب مني علاج مسائل فرعية وآلية استنباطها من أصل النموذج الكلي استنباطاً مدرسياً pedagogical، ... ولكني أنفي – بصفتي باحث researcher- ضرورة هذه البنية المنطقية باعتبارها البنية الفريدة والوحيدة والطبيعية للعلاقة بين ما توهمه البعض من أصل وفرع، وأن العلاقة بينهما – حسبما ظنوا - فريدة على هذا النحو، وبما يمنع خروج تلك الفروع من غير ما توهمه البعض أنها أصول لها.
4- هذا وقد تصوّر خصمي العزيز أنه أقام الحجة على فساد قيمة اصطلاح "تنظيرات ذرية"، فقال:
وما حكمك على ما تسميه "بالذرات التنظيرية" إن حكمنا بسقوط النموذج النظري الذي تتفرع عنه، أو الأصل الفلسفي الكلي الذي تقوم عليه (معرفيا)؟
وإجابتي عنه الآتي انه:
بناءاً على ما ذكرته لتوِّي، وبصفتي البحثية research attitude، أُنكر ضرورة هدم الفرع إذا انهدم الأصل، لأن الفروع في تفردها لا ينبغي أن تكون إلا وقائع، قد تثبت وجودياً باستقلال عن وجود الأصل المسرحي الذي تم شبكها به، وتفريعها منه، في الطريق إلى البناء المعرفي المسرحي الذي تم استخدامه في ربطهما، إلا إذا كانت أوهاماً أو لواحق نظرية تمثل بعض من كلٍّ النموذج الكلي، فتسقط بسقوطه، لا بسبب تفرعها، بل بسبب ارتباطها العضوي به.
___
تابع المداخلة التالية ....