هل تفسر آيات خلق السماوات والأرض بنظرية "الانفجار العظيم" ؟

الرد على مداخلة #32

الرد على مداخلة #32

أتابع الرد على مداخلة #32

5- المسألة هنا تتعلق باصطلاح: "التنظيرات الذَريَّة" الذي استنكره خصمي العزيز، حيث قلت أنه من الواجب تفكيك أي نظرية إلى "تنظيرات ذرية"، وفيها يكون كل "تنظير ذري" : [وِحْدَة دُنْيَا] لا تتفكك إلى ما دونها، ولا تحتمل إلا صواب أو خطأ، وباصطلاح الشرع: حق أو باطل. فإن لم يكن من دليل على التصويب والتخطئة، فليس أمامنا إلا التوقف. ولكن على مستوى التنظيرات الذرية أولاً، ثم التصعَّد منها إلى مركباتها؛ أي ما يتركب منها، ووصولاً إلى النظرية الكبرى التي تجمع شتات تنظيراتها الذرية.
وجاء سياق المسألة كالآتي:

قلت أنا (في مداخلة # 18)
الصنعة العلمية discipline نظامٌ معقد من تنظيرات ذرية. والحكم الواحد المجمل على صناعة علميةٍ ما، يجب أن يمر أولاً على دقائقها التنظيرية الذرية (أقصد مقولاتها) لا أن يتجاوزها ليصدر حكماً مُجملاً يطيح بالحق في دقائقها، إذا أراد نسف الصنعة، أو يثبت الباطل إذا أراد نصرة الصنعة.
...
التنظيرات الذرية (أقصد التي لا تتفكك لما دونها من تنظيرات) لا تحتمل إلا حق أو باطل، ولا تداخل فيها بينهما.

فقال خصمي العزيز (في مداخلة #32):
من المقبول إجمالا أن تخترع مصطلحاتك الخاصة عند الجدال، ولا إشكال عندي في ذلك، ولكن بشرط أن يوافقك خصمك على المقصود منها دون التباس، وإلا كانت المناظرة ضربا من العبث! فأولا ما معنى تعبير "التنظيرات الذرية" هذا؟ وما معنى "لا تتفكك لما دونها من تنظيرات"؟ ما هي وحدة التكرار التي جمعها "تنظيرات" هذه وما نوعها وما حقيقتها، وكيف لا تدرك جريان التنظير الطبيعي على أصول (نماذج كلية) وفروع جزئية تخدم تلك النماذج، وما حكمك على ما تسميه "بالذرات التنظيرية" إن حكمنا بسقوط النموذج النظري الذي تتفرع عنه، أو الأصل الفلسفي الكلي الذي تقوم عليه (معرفيا)؟

أقول: هنا عدد من المؤآخذات، والتوضيحات تكشف عن إشكالات:

1- واضح من تعقيب خصمي بقوله:
من المقبول إجمالا أن تخترع مصطلحاتك الخاصة عند الجدال، .. ما معنى تعبير "التنظيرات الذرية" هذا؟

أنه ظن أني اخترعت اصطلاح "تنظيرات ذرية" من عند نفسي! ..... وهذا غير صحيح..... !!!
وواضح أيضاَ أن المعنى قد استغلق عليه، أو أنه غير موافق على الاتفاق بين اصطلاح "تنظيرات ذرية" كـ (دال)، والمعنى المراد منه؛ أي (المدلول)، وذلك حين قال:
لكن بشرط أن يوافقك خصمك على المقصود منها دون التباس

وإذا انتبه خصمي العزيز، وأي قارئ،.. إلى قولي أعلى في سياق الكلام:
الصنعة العلمية discipline نظامٌ معقد من تنظيرات ذرية. والحكم الواحد المجمل على صناعة علميةٍ ما، يجب أن يمر أولاً على دقائقها التنظيرية الذرية (أقصد مقولاتها)

أقصد: لينتبه أني ذكرت الاصطلاح " تنظيرات ذرية " ثم أعدت ذكره بـ " دقائق تنظيرية ذرية " ثم زدت الأمر وضوحاً، وقلت: (أقصد مقولاتها)، وقلت أيضاً:
" التنظيرات الذرية (أقصد التي لا تتفكك لما دونها من تنظيرات) "
،
أي أن "التنظيرات الذرية" هي "مقولات"، وهي "دقائق"، وأنها "لا تتفكك لما دونها".

ولا يُخطئ أي قارئ في الفلسفة العلمية، بل في "الثقافة العلمية الجادة" المعنى المقصود بعد كل هذا الشرح. وأستغرب من استغلاق المعنى عند خصمي العزيز، خاصة وأن الاصطلاح شائع في كتب فلسفة العلوم واللغة، ويرجع تأسيس هذا الاصطلاح إلى برتراند رسل Berrand Russel في Analytic Realism (1911)، وذلك مع تأسيسه للفلسفة التحليلية analytic philosophy، والاصطلاح هو: الذرية المنطقية أو المنطقيات الذرية Logical Atomism،. ولقى مفهوم هذا الاصطلاح تأسيساً أيضاً من فيتجنشتاين Ludwig Wittgenstein، في كتابه Tractatus Logico-Philosophicus سنة 1921.

وخلاصة المعنى الذي اقتبست له هذا الاصطلاح – دون مضامينه الفلسفية عند واضعيه - أنه أي (مقولة/نظرية) تؤول إلى .. أو يمكن تحليلها إلى .. أو تُرد إلى .. (مقولات ذرية) دُنيا، واحدة أو أكثر، ترتبط فيما بينها بعلاقات. وأن كل (مقولة ذرية) منها، تشير إلى معنى مفرد مفيد، ولا يمكن أن تشير إلى معنى مركب، وإن حصل، فلا بد من تفكيكها إلى مفرداتها الذرية، لتُشير كل مقولة مفردة إلى معنى فريد.

ومعنى ذلك أن الجملة اللغوية الواحدة المفيدة لمعنى واحد، والتي حدها الأدنى (مسند ومسند إليه) تمثل وحدة ذرية، أو تنظير ذري، إذا كانت كل من المسند والمسند إليه خالص المعنى، وليس قائم على أو مستنبط من جمل أخرى ذرية، أو أن تركيبه من هذه الوحدات الأدنى قد تم الفراغ منها، وأصبحت المقولة المركبة منهما في نفسها بسيطة لدى المنظرين حولها.

أما لماذا استحضرت هذا التحليل لما نحن بصدده في التنظير والنظرية، فهو أن معرفة الحق والباطل في الإسلام محظور أن يأتي على نحو مُجمل. ويجب التفصيل. بمعنى أنه يجب الانتقال من إجمال الكلام إلى تفصيله. أي تفكيكه، ليؤول القول المجمل (أي المركب أو المحتمل لعدد من المعاني) إلى الحد الأقصى من المقولات، التي تنفرد كل مقولة بمعنى مُفرد، قد لا يرتبط بالضرورة بصويحباتها. ثم تُختبر كل مقوله بانفرادها، فإما تصح وإما تبطل.

فإذا كان الإجمال - الذي هو صناعة بشرية - مضلل في الأسلام سواء في التحليل أو التحريم، أي في الإحقاق أو الإبطال، وأنه يجب إفراد الإبطال بباطل ظاهر البطلان، وإحقاق الحق بحق ظاهر الحق، وفك الارتباط بين المختلفات على نحوٍ صريح، وجب عليّ أن أفكك المجمل في التنظيرات إلى مفرداته. وإلى الحد الذي لا تكون معه هذه المفردات نفسها مجملة الحكم، ومركبة مما هو أدنى منها؛ البسيط في أحكامه، وأن تكون قابلة لمزيد من التفكيك، إن تبين أنها ما زالت مُركبة، أو طالب ذلك من لا يتفق مع صاحبها على بساطتها.

وهنا كان هذا التصور (المقولات الذرية) أو (التنظيرات الذرية) لغة منطقية مناسبة للغاية لهذا الغرض. وليس في ذلك إلا اقتباس الأسماء لتوضيح الصورة، بعد أن أصبح مصطلح (ذرة) في العلوم الطبيعية (الفيزياء والكيمياء)، معلومة للمثقف والدارس بأنها تلك المفردة الموجودة من أي مادة، والتي لا تنفك إلى ما دونها، وإلا يسقط عنها صفات مادتها، .. وإذا نُقل هذا التصور إلى ما نحن بصدده، تصبح تلك الإفادة المعنوية (أي في فضاء المعنى) والمفردة إلى أدنى حد، هي الذرة التنظيرية الواحدة. والتي إذا حكمنا عليها بحق أو باطل، نكون في مأمن من أننا لم نقع في إجمال مضلل.

وفي هذا الإطار أكون قد أجبت عن الجزء التالي من عبارة خصمي العزيز، حين تساءل مستنكراً، لا مستعلماً، وقال:
2-
أولا ما معنى تعبير "التنظيرات الذرية" هذا؟ وما معنى "لا تتفكك لما دونها من تنظيرات"؟ ما هي وحدة التكرار التي جمعها "تنظيرات" هذه وما نوعها وما حقيقتها؟

وأزيد فأقول:
بناءاً على الشرح السابق، ءآتي بمثال مُجْمَل، ثم أُظهر له أن الحكم الإجمالي عليه (أنه حق أو أنه باطل) حكم مضلل، ثم أفكك الإجمال، إلى مفرداته، أي إلى تنظيرات الذرية، وأعالج كل مفردة برأسها، بين الصدق وعدمه (أو التوقف) وأحكم في النهاية على صدق القول أي النظرية المجملة، باشتراط صدق كل مفرداتها الذرية، أو أنها باطلة لبطلان شيء من مفرداتها، مع احتفاظ بعض تلك المفردات بالصدق في ذاتها.

المثال:
النظرية المجملة : النسبية الخاصة لأينشتاين
مفرداته، أي التنظيرات الذرية:
1- استقلال صورة القانون عن إطار الإحداثي القصوري.
2- ثبات سرعة الضوء لأي راصد.
3- سرعة الضوء سرعة حدية لا يمكن تجاوزها لأي متحرك مادي.
4- زيادة الكتلة مع السرعة.
5- زيادة الطول مع السرعة.
6- تباطوء الزمن مع السرعة.
ويمثل هذا التحليل، مجرد محاولة تحليلية لباحث ما، قد يأتي باحث آخر بما يفارقها من حيث عدد التنظيرات الذرية، أو بقدرته على مزيد من التفكيك.

والآن: للإجابة في هذا المثال، على سؤال:
ما معنى "لا تتفكك لما دونها من تنظيرات"؟

أجيب: أن التنظير الذري (زيادة الكتلة مع السرعة – رقم 4 أعلى) لا يمكن تفكيك صياغته إلى صيغتين، بحيث ينفرد لكل صيغة حكم معلوم. ومن ثم فهو غير قابل للتفكيك الدلالي.
وإذا قال قائل: ولكن (زيادة الكتلة مع السرعة) تتفكك إلى (الكتلة صفة طبيعية ربما تكون متغيرة)، و(السرعة عامل محدد لصفات المادة المتغيرة)، .. أقول: نعم، من حيث اللغة، ولكن أي من تلك الصيغتين، ليست منفردة في قابليتها للاختبار بحق أو باطل. بل إنهما يعتمدان على أو يُستنبطان من (زيادة الكتلة مع السرعة) التي أصبحت مصدر الإفادة الجديدة، ومن ثمَ، أصبحت مستقلة بالوفاء بالمعنى الجديد بالاختبار التجريبي. فالمعلوم قبل هذه الصيغة أن الكتلة كمية محفوظة conserved بانفرادها، لذلك، كان تغيرها غير معلوم، أي غير مشهود. وكذلك، لم يكن معلوماً أن سرعة حركة المادة تؤثر على شيء من صفاتها المحفوظة مثل كتلتها أو شحنتها مثلاً.

ولكن التنظير الذري (استقلال صورة القانون عن إطار الإحداثي القصوري – رقم 1 أعلى) قد يقع لأحد الباحثين أنه غير قابل للتفكيك، ويبقيه على هذا الحال. وقد يقع لباحث آخر أن يفككه إلى تنظيرين أكثر ذرية كالآتي: (1-1 - استقلال صورة القانون عن الإطار الإحداثي العام سواء كان قصورياً أو غير قصوري، 1-2- نسبة الإطار القصوري إلى الإطار العام كنسبة هندسة إقليدس إلى هندسة ريمان.)

وإذا اكتفى الباحث بهذا "التنظير الذري" قبل التفكيك، فهي النظرية النسبية الخاصة، وإذا فكَّكه، فهي النظرية النسبية العامة. .. ولن أستطيع الخوض أعمق من ذلك لصعوبة الأمر على القارئ.

إلا أن هذا المثال يُظهر معنى الذرية في التنظيرات، ومعنى التفكيك، ومعنى حد التفكيك .. .

- كما يظهر المثال أيضاً إجابة سؤال خصمي العزيز:
ما هي وحدة التكرار التي جمعها "تنظيرات" هذه وما نوعها وما حقيقتها؟
في كون وحدة التكرار، أي [التنظير الذري المفرد] هو: المقولة (المفهوم concept) منه، التي لا يستطيع الباحث أن يحولها إلى مقولتين (مفهومين) قابلين للاختبار، كلاً على حدى، وإن فعل، فإنه ينتقل إلى مستوى أعمق من البحث قد يتيسر له الأدوات التحليلية والمفهومية، وقد لا يتيسر الخوض فيه والوصول فيه إلى شيء ذي قيمة!

3- ثم تساءل خصمي العزيز على سبيل التوبيخ، وقال:
كيف لا تدرك جريان التنظير الطبيعي على أصول (نماذج كلية) وفروع جزئية تخدم تلك النماذج؟
وذلك بعد ظنه فساد تحليل "التنظيرات الذرية" .. كما يرى هو!

وإجابتي على ذلك كالآتي: أنه طبقاً لما ذكرته من شرح أعلى، للمثال المذكور (النظرية النسبية الخاصة)، ولما جاء في المداخلة السابقة (# 50) على وجه الخصوص، فإن الزعم بوجود (نموذج كلي) للنظرية النسبية مثلا، ووجود (فروع جزئية) تخدم ذلك النموذج، بالانبثاق منه، والتدليل بصدقها على صدقه، ليس إلا زعماً تحليليا بعدياً posteriori، أي زعماً يخدم العرض المسرحي للنظرية، كالذي تُعرض به النظرية على المجتمع العلمي منذ صدورها في بحث أينشتاين سنة 1905، وإلى الوقت الحاضر. والذي لو تعدل هذا العرض المسرحي بعرض مسرحي آخر، لتغير ذلك (النموذج الكلي) وما يلحق به من (نماذج فرعية). ولو رجع صاحب السؤال إلى تاريخية الأحداث، لوجد أن (عرض أينشتاين المسرحي) لم يكن إلا عرض منافس لعرض آخر هو (عرض لورنس المسرحي) أيضاً، وقد فاز عليه ولقى القبول من المجتمع العلمي لما أتى به من اتساق لـ (التنظريات الذرية) سابقة الذكر، لم يستطع أن يأتي به (عرض لورنس) .. هذا بخلاف عروض مسرحية أخرى (مثل ذلك الذي عرضه بوانكاريه، ويكاد يماثل عرض أينشتاين إلى حدٍّ كبير، ومن ثم كان النزاع حول نسبة النظرية لأي منهما؛ أينشتاين أم بوانكاريه).

والعبرة من كل ذلك، أن العرض المسرحي لأي نظرية، والذي يتكون من (نموذج أصلي كلي، ونماذج فرعية)، لا يعبر عن شجرة وجودية أنطولوجية حقيقية بالضرورة، بل عن شجرة معرفية يُنظم بها الباحثون تصورهم عن جملة التنظيرات الذرية التي تندرج أو تُشحن في سلة النظرية الأم.

وعليه يكون القول بـ
جريان التنظير الطبيعي على أصول (نماذج كلية) وفروع جزئية تخدم تلك النماذج
لا ينبغي أن يؤدي بنا إلى قتل الفروع الجزئية، إذا قُتل النموذج الكلي، لأن العرض مسرحي، وقد تتبدل الأدوار في عرض مسرحي آخر، ويتفكك (النموذج الكلي) لعدد من التنظيرات الذرية من تلك الفروع الجزئية، وقد يتقدم أحدها، أو يُضاف تنظيرٌ جديد، ويتقدم المشهد ويصبح هو النموذج الكلي، وتصبح باقي مُفردات النموذج الكلي الأقدم متبوعة لغيره. (آمل العودة إلى المداخلة # 50 للترابط بين المداخلتين في معنى العرض المسرحي).

وبناءاً على ذلك، فأنا [أدرك جريان التنظير الطبيعي على أصول (نماذج كلية) وفروع جزئية تخدم تلك النماذج] .. ولكن فقط إذا كنت طالباً student أدرس النموذج الكلي وفروعه، ويطلب مني علاج مسائل فرعية وآلية استنباطها من أصل النموذج الكلي استنباطاً مدرسياً pedagogical، ... ولكني أنفي – بصفتي باحث researcher- ضرورة هذه البنية المنطقية باعتبارها البنية الفريدة والوحيدة والطبيعية للعلاقة بين ما توهمه البعض من أصل وفرع، وأن العلاقة بينهما – حسبما ظنوا - فريدة على هذا النحو، وبما يمنع خروج تلك الفروع من غير ما توهمه البعض أنها أصول لها.

4- هذا وقد تصوّر خصمي العزيز أنه أقام الحجة على فساد قيمة اصطلاح "تنظيرات ذرية"، فقال:
وما حكمك على ما تسميه "بالذرات التنظيرية" إن حكمنا بسقوط النموذج النظري الذي تتفرع عنه، أو الأصل الفلسفي الكلي الذي تقوم عليه (معرفيا)؟

وإجابتي عنه الآتي انه:
بناءاً على ما ذكرته لتوِّي، وبصفتي البحثية research attitude، أُنكر ضرورة هدم الفرع إذا انهدم الأصل، لأن الفروع في تفردها لا ينبغي أن تكون إلا وقائع، قد تثبت وجودياً باستقلال عن وجود الأصل المسرحي الذي تم شبكها به، وتفريعها منه، في الطريق إلى البناء المعرفي المسرحي الذي تم استخدامه في ربطهما، إلا إذا كانت أوهاماً أو لواحق نظرية تمثل بعض من كلٍّ النموذج الكلي، فتسقط بسقوطه، لا بسبب تفرعها، بل بسبب ارتباطها العضوي به.

___​
تابع المداخلة التالية ....
 
الرد على مداخلة #32

الرد على مداخلة #32

أتابع الرد على مداخلة #32

6- المسألة هنا حول غرابة احتجاج خصمي العزيز بشأن [دوران الأرض]!
قال:
أما كلامك عن مسألة دوران الأرض فسأعقب عليه بإيجاز لأني لو خضت معك فيه هنا لانفرط عقد الجدال (فوق انفراطه) إلى محض الشتات ولن نصل إلى شيء!
ومهما تهكمت أنت أو استهزأت فأنا متمسك بأنه لا وجه في العقل المجرد (وأكرر العقل، وليس نموذج النسبية الرياضي مثلا، الذي جعل من سرعة الضوء حدا أقصى) للمنع من القول بأن جميع ما يرصده الراصدون حول الأرض هو الذي يدور في الحقيقة بالنسبة إلى حدود الكون مع ثبات الأرض، وليس العكس! فبعيدا عن النماذج الرياضية المعتمدة حاليا في توصيف الكون وحركة أجرامه، فما يمنعه النموذج الرياضي لا يلزم أن يكون ممتنعا في العقل، وما يجيزه لا يلزم أن يكون جائزا في العقل، وهي قضية تعرف عند الفلاسفة بالإجمال الرياضي Mathematical Ambiguity وأنصحك بالقراءة فيها! فالفرق بين النموذجين الهليوسنتريك والجيوسنتريك إنما هو قرار رياضي حر Arbitrary mathematical decision في اختيار مركز الحركة النسبية الذي يعامل معاملة الثبات، وقد ثبت أنه الأسهل في النمذجة والتنظير، ولكن لا دليل في مجرد ذلك لإثبات أو نفي الحركة الحقيقة أو الثبات الحقيقي بالنسبة إلى حدود الكون لا لجرم الأرض ولا للشمس ولا لغيرهما من الأجرام المنظورة! والمسألة أدق – فلسفيا – وأطول ذيلا من أن أطالب بالخوض فيها ها هنا! فدعنا من هذا رجاءً حتى لا يغرق النقاش في بحر لا ساحل له!

ورغم امتناع خصمي العزيز عن الخوض في هذه المسألة، إلا أنه احتج لها، ولأن احتجاجه فاسد، بما يمكنني التدليل عليه، وجب عليّ الرد لأظهر فداحة هذا الفساد، وأنه لا ينبغي أن يُلتفت إليه على أنه ذو قيمة علمية!

- أولاً: حول القول بالعقل المجرد، وسلطاته وتحكيمه ...
يقول:
لا وجه في العقل المجرد .. للمنع من القول بأن جميع ما يرصده الراصدون حول الأرض هو الذي يدور في الحقيقة بالنسبة إلى حدود الكون مع ثبات الأرض، وليس العكس! .. فما يمنعه النموذج الرياضي لا يلزم أن يكون ممتنعا في العقل، وما يجيزه لا يلزم أن يكون جائزا في العقل.

أقول: لطالما زعم العقل المجرد أنه مصدر للمعرفة !!! .. ولكن .. أي معرفة تلك التي تجرأ على الخوض فيها؟! .. إنها المعرفة الميتافيزيقية، أي الماورائية ... أي ما وراء الحواس، .. أي مما لا قبل بالحواس بإدراكها .. .. وباختصار .. بالغيب المطلق. .. ولهذا .. كان ضلال الناس بما أملاه العقل المجرد في هذه الأشياء من أوهام. فأنزل الله تعالى وحياً يبطل هذا العبث العقلي، ويقطع في هذه الأمور بالخبر عن الله تعالى وحده، أو من يتكلم بما أوحاه الله تعالى إليه من نبي أو رسول.

وعندما خاض (العقل المجرد) في التجريبيات، وإن كان له عذر في خروجها عن وسعه وطاقته وقتئذ، كانت الفلسفات في الطبيعيات والموجودات، والتي نعهد تخبطاتها فيها طيلة القرون، وسقطاتها المروّعة، وإن كان من مقولة لها عاشت، فليس ذلك إلا لأحد أمرين: أما أنها استقوت لها بطرف من التجربة، أو أنها صادفت الحق فيها محض مصادفة، لا عن تحقيق وعلم.

ولكن، ما لم نسمع به، أن يأتي (العقل المجرد) ليتكلم في ما يمكن حسمه بالحواس، أي بالتجريبيات، في زمن امتلاك أدواتها، وقدرتها على القول الفصل، مُسخّفاً بموجباتها، ناكراً لممنوعاتها ..!!!.. فهذا ما لم يجرؤ عليه متفلسف في الفلسفة ناهيك عن العلم، لأنه بفعله هذا يزدري (العقل التحليلي) ويسخر منه، بل يسخر من الحواس نفسها، ويتهمها بالكذب... وإن فعل (العقل المجرد) ذلك .. فليس فعله هذا بشيء غير (الرأي المذموم) ... لأنه صدر عن لا خبرة، ولا خبر، ومن ثم، عن (لا علم). أي أنه يدخل بلا جدال في قول الله تعالى " وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا".
وقد يصدر الرأي بلا سند، فيقال فيه ما قلنا، .. ولكن أن يصدر ليعاند ما كان له من كل برهان سند، وفي كل معمل دليل، وما لا يبليه الزمان، ولا يتعلق بإنسان! .. فهذا هو العناد .. بل هو ما لم يكن لنا به عهد من قبل .. من كفران العلم، .. وبماذا ! ... بلا شاهد ولا برهان.

ويحق لنا أن نطرح الآن الأسئلة الآتية:
هل لنا في الإسلام شيء إسمه (العقل المجرد)؟!
هل استقوى العلم المحقق بشيء من قبيل (العقل المجرد)؟!
ألم يكن هذا العقل العابث عينه هو منبت الجدل والنكبات الشاطحات لقرون متطاولات في حرب النقل والعقل؟!

- ولكن، لننتبه: (العقل المجرد) ليس هو (العقل المحلل). فهذا الأخير محل الثقة والراعي الأمين، الذي جعله الله للإنسان، يربط به الشارد، ويدرأ به العادي. .. وهو الذي به نعِي، ونزن، وهو الذي به نؤمن بالحق، ونكفر بالباطل، وهو الذي به نميز بين المختلفات، ونقرن بين المتشابهات، ولولا أن جعله الله لنا، لكنا مثل العجماوات. .. ولأن (العقل التحليلي) كذلك، فهو لا ينطق إلا بما يلزم عن مُحقَّقات، على خلاف ذلك (العقل المجرد)، الذي ينطق على الشيوع، وكل شيء عنده جائز، ولا يربطه رابط .. !!! .. أي أنه عقل – بزعمه – يحتاج إلى عقل ليعقل به. ... فهو إذاً ليس بعقل. .. سمى نفسه هكذا لإحكام الخداع، .. وتلبيس المعاني .. وإنكار الحقائق.

- ثانياً: حول العلاقة بين العقل المجرد والإجمال الرياضي، . يقول صديقي العزيز:
(حرية العقل المجرد) قضية تعرف عند الفلاسفة بالإجمال الرياضي Mathematical Ambiguity وأنصحك بالقراءة فيها!

ولبيان مقصوده من الإجمال الرياضي، وصحة استخدامه هنا؛ أي الاحتجاج به في مسألتنا، نمهد لذلك بالآتي:

- الرياضيات (أي: الحساب بالاصطلاح اللغوي والشرعي) لها مقام من توصيف الواقع، يشبه إلى حدٍّ بالغ مقام اللغة الكلامية من وصفها للواقع. والفرق بينهما أن الرياضيات تُعني بالكم العددي لمتغيرات الواقع، وليس بالوصف التصوري لعموم معانيه، والذي هو شأن اللغة الكلامية.
- وتشترك الرياضيات مع اللغة في تبعيتها للواقع. وأنهما لا يسبقانه بالوصف، وإلاّ كان وصفهما لا عن دليل، ولا برهان، وكان عبثاً، وكانت أسماء ما أنزل الله بها من سلطان ... وهذا ما رأيناه أعلى من عبثيات (العقل الجرد).
- وطالما أن الواقع أسبق في ذهن المتكلم (باللغة أو بالرياضيات) من صياغته لأيهما، فلا بد أننا إن وجدنا غموضاً بالوصف (الكلامي أو الرياضي) أن يكون مرده إلى علم المتكلم بالواقع نفسه، إذا افترضنا الوفاء بدقة الصياغة. أي أن غموض علمه بالواقع سينتقل إلى اللغة أو الرياضيات، مثلما أن إحكام علمه بالواقع سينتقل أيضاً إلى كلام محكم أو رياضيات محكمة ... وكل هذا بافتراض عدم وقوعه في الخطأ الصياغي.

أي أن قصور المتكلم عن الواقع (كلاماً أو الرياضيات) يعود لسببين: الأول: عدم اكتمال علمه بما يتكلم عنه، ومن ثم يكون حتماً نكوص عن صدق وصفه له ، والثاني: قصور وصفه عن التعبير عما عَلِمَه منه.
وإذا كان الأول، فلا بد حتماً أن يكون الغموض الرياضي مرده إلى غموض معرفي. إذ لا ينشأ داخل اللغة أو الرياضيات من غموض صياغي لأن كليهما صناعة عُرفية مواضعاتية، لا ضرورة ذاتية فيها وراء، أو أعلى من، إرادة من تواضعوا عليها (ويشمل ذلك في الرياضيات الوصف الكينماتيكي kinematics المعنِي بالمواضع والسرعات النسبية فقط، دون الوصف الديناميكي Dynamics المعنِي بالقوى وتأثيراتها الحقيقية).

وإذا كان ذلك كذلك، فلا بد وأن ما يتحدث خصمي العزيز عنه من غموض رياضي، عندما قال:
وهي قضية تعرف عند الفلاسفة بالإجمال الرياضي Mathematical Ambiguity وأنصحك بالقراءة فيها! فالفرق بين النموذجين الهليوسنتريك والجيوسنتريك إنما هو قرار رياضي حر Arbitrary mathematical decision في اختيار مركز الحركة النسبية الذي يعامل معاملة الثبات

ليس غموضاً ذاتياً ضرورياً. .. وإنما هو غموض معرفي في أحسن أحواله .. أي: لو كان أبرع ما يكون في صياغته.
ولكن خصمي العزيز ليس هو المتكلم عن الواقع الفيزيائي، لا كلاماً ولا رياضةً، بل هو حاكي عن أصحاب هذا الشأن، أي أنه من المفترض أنه يتكلم نقلاً عن غيره لواقع على ما هو عليه. ... وإذا تحققنا من نقله، أو حكايته لوجدناه نقلاً غير صحيح. !!.. بمعنى أن ما سمّاه (غموضاً رياضياً)، إنما هو في الحقيقة غموضاً فقط في الحركة الانتقالية (على مسار خط مستقيم) في الإطارات المرجعية القصورية inertial frames of reference.

بمعنى أن هناك بالفعل غموضاً معرفياً بالفعل بين المتحركين على خط مستقيم بسرعة منتظمة، وكان بينهما افتراق في قيمة السرعة، ومرد الغموض إلى أن أي من المتحركَين يمكن أن يكون المرجع الساكن، والآخر هو المتحرك. لأنه الفيزياء الراهنة لا تستطيع التمييز بين الحركتين، ولا تقدم واحدة عن الأخرى تمييزاً لها، ولا يمكنها أن تعرف إن كان أحدهما ساكن أو متحرك من مجرد رصده يتحرك في خط مستقيم. وهذا الواقع الغامض يُسّمّى بتكافؤ الإطارات القصورية equivalence of inertial frames.

ولكن..
ولكن هذا الغموض محصور فقط في الحركة الخطية المستقيمة، ...

أما الحركة الدورانية، فلا ينطبق عليها هذا الغموض ... إذ لا غموض فيها على الإطلاق. .. بل هي بيّنة أشد البيان. .. والسبب أن الجسم الدوار يمكن معرفة كونه يدور أو أنه ساكناً عن الدوران، سكوناً مطلقا (بالنسبة للفضاء المحيط به إلى أمد بعيد، وليس بالنسبة لأركان موهومة للكون).

والسبب أن الدوران ينشأ عنه قُوَى مؤثرة تتناسب مع سرعة الدوران. .. ويمكن إجراء التجارب في غرف مغلقة، ومحمولة على جسم قابل للدوران. وبواسطتها يمكن معرفة إذا كان الغرفة والجسم الذي يحملها ساكناً أو يدور، وبأي سرعة يدور! (ومنها تجربة بندول فوكو Foucoult Pendulum) والذي يثبت دوران الأرض، بإجراء التجربة في غرفة مغلقة لا يرى صاحب التجربة شيئاً خارجها. وتستطيع تجربته أن تستشعر قدر الدوران، مثلما يستشعر أحدنا دوران أرجوحة مغلقة في ملاهي الألعاب وهو داخلها، بسبب التطوُّح الناتج عن الدوران. ويصبح الاحتجاج بعدم رؤية حدود الكون للتأكد من حقيقة الدوران، عندما قال صديقي:
لا دليل في مجرد ذلك لإثبات أو نفي الحركة الحقيقة أو الثبات الحقيقي بالنسبة إلى حدود الكون لا لجرم الأرض ولا للشمس ولا لغيرهما من الأجرام المنظورة!
احتجاج لا لزوم له، فضلاً عن أن قوى الدوران (الطرد المركزي، كوريولس، أويلر) تُغني عنه.

ما معنى ذلك؟!
معناه أن الاستشهاد بالغموض الرياضي على تكافؤ القول بـ (دوران الأرض وثبات السماء النجمية، والقول بسكون الأرض ودوران السماء النجمية في 24 ساعة دورة كاملة) يعتبر استشهاد باطل.

- وإذا استشهد صديقي على وجود غموض في الدورانات من قبيل:
Rotation matrix - Wikipedia, the free encyclopedia
فهمو غموض في قابلية المواضعة على أي الاتجاهين أولى؛ مع عقارب الساعة أو ضدها، وليس غموضاً في وقوع الدوران أو عدم وقوعه! .... ومن لم يُميِّز الفرق بين الغموض المعرفي والغموض المواضعي في الفيزياء وسُننها، استعصت عليه قيادة المسائل، وانفلت من يده زمامها.

- ثالثا: هل من علاقة بين العقل المجرد والغموض الرياضي؟
قال خصمي العزيز:
ما يمنعه النموذج الرياضي (نموذج النسبية الرياضي مثلا، الذي جعل من سرعة الضوء حدا أقصى) لا يلزم أن يكون ممتنعا في العقل، وما يجيزه لا يلزم أن يكون جائزا في العقل، وهي قضية تعرف عند الفلاسفة بالإجمال الرياضي Mathematical Ambiguity

وقد جمعت هذه العبارة بين ثلاثة مفاهيم:
1- العقل المجرد. (وقد سبق الحديث عن كونه ليس مصدراً معرفياً صادقا، إذا استقل بنفسه)
2- نموذج رياضي لظاهرة فيزيائية، (نظرية النسبية الخاصة، متمثلاً في حدّية سرعة الضوء)
3- الغموض الرياضي. (وقد سبق شرحه أعلى)

ويجدر بنا أولاً تقييم رقم (2)، وهل بالفعل أن حدّية سرعة الضوء قد نتج عن نموذج رياضي!

وبإيجاز شديد، يمكنني القول أن هذا الكلام غير صحيح، .. والصحيح أن حدية سرعة الضوء نتيجة تجريبية سبقت ظهور النظرية النسبية سنة 1905، وخلاصتها أنه تم رصد سرعات الإلكترون وحساب كتلته، (فليراجع من شاء في ذلك تجارب Walter Kaufmann والتي أجراها في الفترة 1901-1906) فكانت النتيجة أن كتلته تزيد مع زيادة السرعة، وأنه باقتراب سرعة الإلكترون (مثلاً) من سرعة الضوء تقترب كتلته من اللانهاية Asymptotically. هذا بخلاف الفشل الذريع من محاولات رصد سرعة للضوء أعلى من سرعته المعروفة في الفرغ، بجعل الراصد يقترب من مصدر الضوء بسرعة كبيرة، والتي لو لم تكن سرعة حدية، لكان من المفترض أن تُرصد عندئذ بأعلى من قيمتها.

وما كان من أينشتاين إلا أن صاغ نموذجه الرياضي ليوافق ما كان معلوماً مسبقاً بالتجربة من كون سرعة الضوء حداً أعلى للسرعات، .. ولم يكن الأمر أبداً محض تنبؤ من نموجه الرياضي (المُسمَّى بالنظية النسبية الخاصة)، كما يُفهم من كلام خصمي العزيز!!!

- رابعاً: أمامنا الآن سؤال مركب، اضطرنا إليه صديقي العزيز، هو:

ما علاقة [العقل المجرد]، بـ [حدِّية سرعة الضوء كنموج رياضي]، بـ [الغموض الرياضي]؟؟
وذلك عندما قال:
ما يمنعه النموذج الرياضي .. لا يلزم أن يكون ممتنعا في العقل، ..، وهي قضية تعرف عند الفلاسفة بالإجمال الرياضي
وهو يحاول إجهاض دوران الأرض حول محورها في 24 ساعة! ..؟؟

أقول: سعياً لحمل كلام خصمي العزيز على أرشد المعانى!! فأراه يقصد:
أننا لو مثَّلنا الأرض والكون رياضياً بدائرتين؛ صغيرة جداً وكبيرة جداً، ويتمركزان تماماً. .. ولو حدث وظهر لنا أن إحدى الدائرتين تدور، .. فلن يمكن القطع بأنها هي التي تدور، لأن العقل (المجرد) يسمح بأنها ساكنة، وأن الأخرى هي التي تدور في الاتجاه المعاكس بسبب الغموض الرياضي، الذي سيلزم عنه أن أي نقطة على محيط الدائرة الكبرى ستجري بسرعة أكبر من سرعة الضوء إذا زاد نصف قطرها بما يكفي لذلك.
(لاحظ ما تحته خط)

أقول: رغم أن العبارة جائزة في التصور الهندسي الذي لا يمنعه الوهم. إلا أنها لن تجد واقع فيزيائي يحتملها! – أي: لن تجد واقع تَصِح فيه!!

والسبب أن خصمي العزيز يؤمن بالفلسفة المثالية أو العقلية أو مزيجاً منهما، وبما يحتكم به إلى عقل مجرد متعالي!، ويرسم عالماً فيزيائياً خيالياً وهمياً، ويجوز فيه كل معاني الرياضيات. ولكن الرياضيات المثالية القابلة للاختراع لا نهاية لعددها، فهل معنى ذلك أن العوالم التي تتحقق فيها كل هذه الرياضيات جائزة؟! .. سفسطة لا يمكن أن يقبلها أهل النقل قبل أهل العلوم الحديثة.

ولأننا يجب أن نحتكم إلى الواقع الذي خلقه الله تعالى، والذي هو العالَم الذي أراده الله وشاء أن يكون، ... وإن فعلنا .. – وليس لنا ألا نفعل، وليس لنا أن نفعل خلافه -.. وعندئذ فلن يكون للكلام السابق من معنى .... في زعمه جواز دوران الكون حول الأرض في يوم وليلة، أفضل من القول بأن الماء المرئي في السراب جائز أن يكون ماءا ... بإنكار التجربة التي تنفي وجوده بالذهاب لموقع ذلك الماء المزعوم.

وباختصار، لأنه لو صدق! ... لأمكن وصف أي أرجوحة دوارة أنها ساكنة عن الدوران، وأن الكون بأكمله يدور حولها، وأنه وصف جائز لا غبار عليه. .. ولو قال واحد من الناس ذلك، .. فلا يشك شاك بماذا سيتهمه سامعوه ...!!!

- خامساً: الاحتجاج باليسر الحسابي (الرياضي)، ..
يقول صديقي العزيز عن أن علة القول بدوران الأرض:
الأسهل في النمذجة والتنظير

وهذا تعليل بغير العلة الحقيقية.
بمعنى أن القول الصحيح هو القول بأن دوران الأرض يعود لكونه دوراناً حقيقاً، وليس لكونه أسهل في النمذجة والتنظير، لأن التعليل بالسهولة دون الحقيقة يشبه التعليل بنفعية الإسلام دون كونه الحق.

أي أن الإنسان الذي يمدح شريعة الإسلام في تحقيقها أعلى نفعية للإنسان في الدنيا، دون حقيقة كونها منزّلة من الخالق جل وعلا، يعتبر متلاعباً بالعلل، ينكر الأصل ويؤمن بالفرع لنفعيته، بدلاً من الاعتبار بالفرع على صدق الأصل.
ولو لم يكن دوران الأرض حقاً، لما كانت النمذجة والتنظير به أسهل. فكيف يُستغنى بالفرع عن الأصل، بل بإنكار الأصل؟!

- سادساَ: هل هناك سبب وراء الدفاع المستميت لإيقاف الأرض؟!
يبدو لنا أن القول بمركزية الأرض من الكون، وسكونها في وسطه، يعود لسبب نفسي؛ يكمن في الأهمية البالغة لهذا التصور، وبما ينسجم مع كون الإنسان خليفة الله تعالى، الذي سخّر له ما في السموات والأرض! ... فكيف به لا يكون في أشرف مواقع الكون، وأن أشرف المواقع – في التصور القديم - هو المركز!!!

ولا نرى هذا التصور يختلف عن تصور الإعجازيين الباحثين عن مركزية لمكة المكرمة من يابسة الأرض، ظناً منهم بأن هذا الموضع هو أشرف المواقع على الأرض!!، وأن هذا الموضع يتميز بانتظام المجال المغناطيسي (عدم انحرافه عن الشمال الجغرافي) عن غيره على الأرض!! .. وقد فنّدنا هاتين المسألتين علمياً في أول مقالتين نشرناهما في هذا الصدد، وكانتا الباعث الأول على الكتابة في هذه الموضوعات، لشدة ما استثارتنا واستفزتنا علمياً!! ... أقصد الانتصار بباطل، لنصرة الحق!!
___​
ولهذه المداخلة – في مسألة مركزية الأرض وسكونها- استطراد، نرد به على الاستشهاد بأقول أربعة من العلماء هم كبار الفيزيائيين: (أينشتاين، وماكس بورن، وفرد هويل، وجورج إيليس)
وقد أرسل إليّ أحد المعارضين الملف التالي بنصوص أقوالهم، يستنصر بها على جواز القول بمركزية الأرض للكون:
Geocentrism
ولكنه للأسف لم يفهم كلامهم !!!

وبيان ذلك سيكون في المداخلة التالية إن شاء الله تعالى:
 
بمتابعة المداخلة السابقة # 52، أقول:

استحضاراً لأقوال عدد من كبار الفيزيائيين، على هذا الرابط (Geocentrism)، عن جواز القول بمركزية الأرض من الكون – كما توهمه من نقل عنهم:

يقول أينشتاين (راجع المصدر):
The struggle, so violent in the early days of science, between the views of Ptolemy and Copernicus would then be quite meaningless. Either CS (Coordinate System) could be used with equal justification. The two sentences: (the sun is at rest and the earth moves) or (the sun moves and the earth is at rest) would simply mean two different conventions concerning two different CS.​

وبترجمته، يقول أينشتاين:
[صاحب الأيام الأولى لنشأة العلم الحديث نزاع محتدم بعنف، بين نظام بطليموس القائل بمركزية الأرض من الكون، ونظام كوبرنيكوس الجديد القائل بمركزية الشمس. غير أن هذا النزاع عندئذ لم يكن ذي معنى، لأن أي من النظامين يمكن استخدامه بنفس القيمة الاحتجاجية (أو نفس الفعالية العملية)، لأن العبارتين (الشمس ساكنة والأرض تدور)، و(الشمس تدور والأرض ساكنة) تعنيان ببساطة نظامي مواضعة مختلفين مرتبطين بإطاري إحداثيات مختلفة.]
..
ولكن هذه العبارة، وفي إطار هذا النص المقتبس، منتزعة من سياقها، وبها إشارة إلى غائب، ولا يلحظ غير الخبير بالفيزياء واللغة تلك الإشارة، لتداخلها مع حاضر بالعبارة يمكن أن يحتمل تلك الإشارة، لو استقلت العبارة بنفسها. ولكن عند وضعها في سياقها الأصلي، وكيف انتُزعت منه، يتبين الأمر.

وبيان ذلك كالآتي:

أعيد هنا الترجمة، وأشير إلى الغائب بين الأقواس:
[صاحب الأيام الأولى لنشأة العلم الحديث نزاع محتدم بعنف، بين نظام بطليموس القائل بمركزية الأرض من الكون، ونظام كوبرنيكوس الجديد القائل بمركزية الشمس. غير أن هذا النزاع عندئذ (أي: في هذه الحالة) لم يكن ذي معنى، لأن أي من النظامين يمكن استخدامه بنفس القيمة الاحتجاجية (أو نفس الفعالية العملية)، لأن العبارتين (الشمس ساكنة والأرض تدور)، و(الشمس تدور والأرض ساكنة) تعنيان ببساطة نظامي مواضعة مختلفين مرتبطين بإطاري إحداثيات مختلفة.]

والسؤال هو: إلى ماذا تشير (عندئذ) بالعربية، أو (then) بالإنجليزية كما جاءت بعبارة أينشتاين؟!
يقول لسان حال المستشهد:
تشير (عندئذ) إلى ما كان حاضراً بالعبارة وهو (الأيام الأولى لنشأة العلم)
أو بالإنجليزية (in the early days of science).

وهذه الإجابة خطأ:
ولبيان خطئها: سأورد قول الله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ "
وأعيد صياغتها في عبارتين (عند أحد المتلاعبين بالنصوص كالآتي):
"السُّكارى لا يعلمون ما يقولون"
"إذا قمتم وأنتم لا تعلمون ما تقولون ، فعندئذ لا تقربوا الصلاة"

وأتساءل: إلى ماذا تعود (عندذ) في العبارة الثانية؟! ... هل تعود (إلى القيام على أي حال من عدم العلم) أم إلى (كونهم سكارى).
الإجابة بالطبع، إلى كونهم سُكارى خصيصاً، والذي نتج عنه عدم العلم بما يُتلفظ به.

وإذا أراد الـمُدلس إخفاء الإشارة إلى علة الحكم، وجاء بالشق الثاني فقط من العبارتين الشارحتين للآية، دون الأولى، وقال: ها هو القرآن يقول ما معناه:
"إذا قمتم وأنتم لا تعلمون ما تقولون ، فعندئذ لا تقربوا الصلاة"
فعلى السامع الفطن لتدليسه، أن يقول له، أنت أخفيت علة الحكم المنصوص عليها، وأتيت بإشارة لغيرها، أقصد (عندئذ) ... لأن عبارتك أصبحت تشير إلى محض القيام على هذه الهيئة، دون ما كان مقصوداً صراحةً منها، والذي اختفى بطمس الشق الأول، والتي هي "السُّكارى لا يعلمون ما يقولون"!

ونعود الآن إلى عبارة أينشتاين، ولنبحث في عبارته عمّا أشار إليه بقوله: (عندئذ ...)
وبالبحث جيداً لن نجد المُشار إليه!!، لأن عبارته مبتورة، أي تم اقتطاعها من سياقها، وما بقى فيها من إشارة تم إحالته بالضرورة إلى غيره من المعاني الحاضرة، .. وذلك وفاءاً بمعنى ممكن الفهم، وقد هيأه صاحب الاقتباس على هذا النحو غافلاً أو عامداَ.
...
ولكن إذا عدنا إلى النص الأصلي لأينشتاين من مصدره، سيتبين الأمر، ويتضح التدليس أو عدم الفهم ...

وإذا فعلنا ذلك وأتينا بالنص المُقتطع من مصدره الأصلي، الذي يتضح به المشار إليه، والذي انطمس بالاقتطاع، ... سنجد أينشتاين يقول (متسائلاً ومجيباً):
[Can we formulate physical laws so that they are valid for all C.S. (Coordinate Systems), not only those moving uniformly, but also those moving quite arbitrarily, relative to each other? If this can be done, our difficulties will be over. We shall then be able to apply the laws of nature to any c.s.] The struggle, so violent in the early days of science, between the views of Ptolemy and Copernicus would then be quite meaningless. Either c.s. could be used with equal justification. The two sentences, "the sun is at rest and the earth moves", or "the sun moves and the earth is at rest", would simply mean two different conventions concerning two different c.s.​

وتمثل العبارة التي تحتها خط، وبين الأقواس المربعة، ما تم طمسه من السياق الأصلى (أي عدم الإتيان به) والمظلل منه هو ما كنا نبحث عنه في الإشارة بـ(عندئذ)، واقتصر المقتبس على الباقي من النص، البادئ بكلمة The Struggle.

وبترجمة كامل العبارة السابقة (الأحمر هو المطموس) نحصل على الآتي:

يتساءل أينشتاين ثم يجيب:
[هل يمكن صياغة القوانين الفيزيائية بحيث تكون صحيحة في كل الإطارات الإحداثية، وليس فقط لتلك التي تتحرك بسرعة منتظمة، ولكن أيضاً لتلك الإطارات التي تتحرك حركة عفوية غير متتظمة بالنسبة إلى بعضها بعضا؟! – إذا كان ذلك ممكناً، فسوف تزول كل مصاعبنا، وعندئذ سنكون قادرين على تطبيق قوانين الطبيعة في أي إطار إحداثيات. (وإذا تذكرنا كم)] صاحب الأيام الأولى لنشأة العلم الحديث نزاع محتدم بعنف، بين نظام بطليموس القائل بمركزية الأرض من الكون، ونظام كوبرنيكوس الجديد القائل بمركزية الشمس. غير أن هذا النزاع عندئذ (أي: في هذه الحالة التي سنستطيع فيها تطبيق قوانين الطبيعة في الإطارات الإحداثية العفوية) لن يكون ذي معنى، لأن أي من النظامين يمكن استخدامه بنفس القيمة الاحتجاجية (أو نفس الفعالية العملية)، لأن العبارتين (الشمس ساكنة والأرض تدور)، و(الشمس تدور والأرض ساكنة) ستعنيان ببساطة نظامي مواضعة مختلفين مرتبطين بإطاري إحداثيات مختلفة.]

وإذا وصلنا إلى مقصد أينشتاين بوضوح على ما بينّا، وفساد الاقتباس المبتسر الذي رأيناه لمن يستشهد بكلامه على إمكانية اعتبار الأرض مركز الكون، مثلها مثل الشمس، ولا فرق. فنتساءل: وماذا في هذا الكلام لأيشنتاين مما يُستشهد به؟! ... إن الرجل يقول أن أي جسم متحرك وبأي حركة كانت؛ منتظمة، أو غير منتظمة، كما هو حال الأرض، يمكن اعتباره مركز إحداثيات عام. ... هذا الذي يقوله أينشتاين!! .. فهل في ذلك حجة على أن الأرض ساكنة سكوناً مطلقاً في مركز الكون؟!
وإذا قال أن العبارتين: (الشمس ساكنة والأرض تدور)، و(الشمس تدور والأرض ساكنة) متكافئتين، فهو لا يقصد من لفظ (السكون) هنا السكون عن الحركة، بل السكون في نظام الإحداثيات. أي أن إحداثيات الأرض دائماً صفرية في نظام الإحداثيات المحمول عليها. ويقصد أيضاً من لفظ (الحركة) الحركة بالنسبة لإطار الإحداثيات، وليس أي حركة مطلقة، كالتي قال الله تعالى فيها "وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا". ... هذه هي معاني السكون والحركة عند الفيزيائيين، ولا يشيرون إلى سكون مطلق ولا إلى حركة مطلقة، إلا إذا وَسَمُوها صراحةً بالإطلاق، وإن فعلوا، فإنهم سرعان ما ينفوا الاستدلال عليها اعتباراً من بدايات القرن العشرين لغياب المرجع الإحداثي المطلق الذي يمكن الاستدلال منه على أي تقدير للحركة المطلقة.

نقول – لمزيد من التفهيم – إذا كان هناك سفينتان حربيتان تتنازعان السيادة على أعلي البحار، وتتناوران، فتدور هذه حول هذه، وهذه حول هذه، كل منهما يظهر براعته في المناورة والقدرة الالتفافية، .. هل إذا كان نظام الملاحة في كل منهما يقيس مواضع نجوم السماء وعلامات البحار وموانيها بالنسبة إلى موضع السفينة باعتبارها ساكنة - حتى لا تضل طريقها، رغم أنها متحركة، هل يعني ذلك أن تلك السفينة أصبحت في مركز الكون؟! .. بالطبع لا، ... وكذلك أينشتاين، يقول أنه لا فرق بين الأرض والشمس بهذا المعنى إذا اعتبرنا الأرض في مركز الإحداثيات، أو اعتبرنا أن الشمس هي التي في مركز الإحداثيات . .. وليس في كلامه أي إشارة إلى سكون أيهما، بل إن كلامه صريح في أنه يسعى إلى الوصول إلى صياغة واحدة للقوانين الفيزيائية في الإطارات الإحداثية المتحركة بحركة عفوية غير منتظمة، ثم جاء بالأرض والشمس وساوى بينهما بهذا المبدأ، وهذا دليل على أنه جاء بمتحركات تحقق مقصودة، أي أنهما تتحركان – بدلالة استشهاد أينشتاين نفسه بهما- حركة عفوية غير منتظمة، ومن يفهم من كلام أينشتاين جواز القول بأن الأرض ساكنة سكوناً مطلقاً، فهو مسكين، يجدر به أن يتعلم كل من الإنجليزية والفيزياء مرة ثانية، هذا إن سبق له تعلمهما.

والخلاصة:
الاقتباس المشار إليه خضع إما لتدليس، أو لعدم فهم ممن اقتبسه، أو ممن اجتمعت فيه الصفتان. .. وليس هناك من قيمة لهذا الاستشهاد على جواز اعتبار الأرض ساكنة سكوناً مطلقاً، وعدم حركتها. بل إن العبارة واضحة في أن أينشتاين قصد الإتيان بمتحرك يجعله مركز إحداثيات، ليدلل على براعة النظرية النسبية العامة، التي ستحقق هذا الإنجاز الرياضياتي القادر على صياغة واحدة للقوانين مهما كانت حركة المرجع الإحداثي. ولو لم تكن الأرض والشمس تتحركان، وأنهما يتكافآن في التدليل على مراده من إثبات صحة نظريته الرياضية في النسبة إلى متحرك، مع بقاء صياغة القوانين واحدة، لما كان لاستشهاده أي معنى.
___​

ونستكمل في المداخلة التالية نفس ملف الاستشهادات الباطلة على جواز اعتبار الأرض في مركز الكون.
 
بمتابعة المداخلة قبل السابقة # 52، التي أثرنا فيها استشهاد أصحاب مركزية الأرض من الكون بأقوال أربعة من كبار الفيزيائيين، على هذا الرابط (Geocentrism)، وذلك عن جواز القول بمركزية الأرض من الكون – كما توهمه الناقلون، أو تمنَّوه:

وقد رددنا على مقولة أولهم (أينشتاين) في المداخلة السابق # 53،
وكان من المفترض أن نكتب ردنا على ثانيهما (ماكس بورن) هنا في مداخلة تابعة،
إلا أننا رأينا جمع الردود على رابط واحد، وفي مقالة مخصصة لهم جميعاً، يجدها القارئ هنا:

أصحاب مركزية الأرض من الكون، وخطأ استنصارهم بـ أينشتاين والنظرية النسبية

وتشمل هذه المقالة الآن شرح مقولات كل من أينشتاين، وماكس بورن، وكيف أن من استنصر بها من أصحاب مركزية الأرض من الكون قد ذهب بعيداً عما تمليه معانيها وسياقاتها. وسنلحق بهما إن شاء الله ما تبقى من مقولات لكل من (فِرِد هويل، وجورج إليس)
 
سأتابع ردودي على ما تبقى من مسائل - في المداخلتين: # 32، و#35 - على الرابط الآتي:

الفصل (ب5) – أبو الفداء بن مسعود - كتاب: براءة التفسير والإعجاز العلمي في القرآن من الشكوك عليه

وبترقيم يبدأ بـ # 55 (رقم هذه المداخلة)

هذا وقد جمعت أيضاً على هذا الرابط كل ما مضى من حوار، ليكون موضوعاً متكاملاً يمثل أحد فصول الكتاب المذكور. وذلك للمناسبة الشديدة بين الموضوعين.
 
يبقى الأمل في الأمة ما دام بها أمثال أبي الفداء و د/العليوي من المنافحين عن التصور الإسلامي السلفي للكون (السماوات + الأرض + ما بينهما) أمام تيارات التنظير الغربية الزاعمة الحيادية "الإمبريقية" التجريبية.

في نفس الشأن كتبت في الماضي:
سلامة المصري - Salama: الكون لا يتمدد
سلامة المصري - Salama: ثبات السماء والأرض
سلامة المصري - Salama: من تخاريف وتحاريف أتباع الإعجاز العلمي - مرور الجبال وحركة الأرض
 
دعتني المداخلة السابقة - وما بها من روابط - لأصرح للقراء بكل وضوح بالآتي:

[لئن استمر حال المدرسة السلفية المعاصرة في الإعراض عن سنن الله تعالى في الخلق، والعزوف عن أدلتها التفصيلة، وتركها جملة وتفصيلاً للغربيين (وهو شكل من أشكال الشرك الخفي)، فلن تكون النتيجة إلا تهديد لمصداقية التفكير الإسلامي السلفي نفسه، وما يحمل من حق في العقائد والعبادات وتفسير القرآن والسنة في غير الطبيعيات. والنتيجة هي تضييع أغلب الحق وصد الناس عنه بسبب الإصرار على قليل من الباطل، ويرجع هذا الأخير إلى الحكم على مسائله بغير تأهل ضروري، رغم أن الخائضين في ذلك يعرفون تماماً قول الله تعالى " قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ... أَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهٍ مَا لَا تَعْلَمُونَ ". وإذا كان الأقدمون قد قالوا فيه بما يعلمون مما أتاحته لهم ثقافتهم، فتكرار أقوالهم على حالها كما هي في زمنهم، والإعراض عن فيض الأدلة التي لم يكونوا يعلمونها، تُدخل المكرر لأقوالهم في هذا التحريم الإلهي الصريح؛ لعدم إحاطته بما تكشف من أدلة - رغم أن العلم بها ميسورٌ للجادين في طلب العلم - وقد أصبح لزاماً عليه أن يأخذ بها نفياً وإثباتا بطرق الاستدلال العلمي المعتبرة، وألا يجعل عدته محض الانتصار الكلامي البعيد عن عين الأدلة، وألا يُسّخف بها فيُسمّي الوقائع العيانية ("وضعية" أو "تنظير غربي" أو "إمبريقية" ... أو أي من الأوصاف التنفيرية) فيكون واصفاً الحق بالباطل ليُعرض الناس عنه، فيأثم إثماً مبينا من حيث أنه يظن أنه يُحسن العمل!]

أللهم قد بلغت .. أللهم فأشهد،
 
لا خوف على الناس بإذن الله من هذا يا دكتور عز، فمن متابعة الناس رأيتهم مستعدين لقبول ما يخالف النظريات الغربية إن سمعوا أنها تخالف نصا شرعيا.
بل ووصل ببعضهم التطرف (وهو ما عانيته من نقاشي معهم) أن يسارع لنفي حقائق تاريخية كصعود الأمريكان للقمر 6 مرات، بل وكروية الأرض نفسها المعروفة من أيام الإغريق من آلاف السنين، لمجرد أنها أشياء تخالف ما يظنونه ممكنا وشرعا!!
فلا خوف عليهم من ترك الشرع لمجرد مصادمات بين نظريات الغربيين ونصوص الشرع. ففطرتهم تعلم أن التنظير البشري القائم على الحواس والاستنتاج قد يخطئ، بل ويأتي الجديد فيهدم التنظير القديم وهكذا..
أما ما تخشاه من تشكيك فنراه في شريحة صغيرة "نخبوية" تشربت النظريات في قلوبها فألزموا أنفسهم - لترتاح نفوسهم من الشك - بالتلفيق التعسفي بين نصوص ونظريات!
مثال: ما هي المصابيح التي هي رجوم للشياطين؟ النجوم أم كويكبات سحابة أورت وكايبر؟
أين موضع العقل، تشريحيا، في الجسد الإنساني؟ الصدر أم المخ؟
ما البعد الذي يعيش فيه الجن على الأرض بحيواناتهم وبيوتهم؟ وما "تردده الوجودي"؟

هل العلم البشري حاليا اكتمل ولا مجال فيه لتصحيح لدرجة أن يكون حاكما على القرآن والسنة؟
وهل العلم يزيد أم يقل إلى قيام الساعة؟
وهل الإنسان يتدهور حاله أم يتطور؟

هل ما يتم تدريسه في 1437 في الجامعات والمدارس كحقائق هو "الحق"؟ جامعات 1300 كانت تظن نفس الشيء! وجامعات 1500 قد تظن نفس الشيء!
هل تجزم أنهم لم يختلفوا في شيء إطلاقا؟!.. مستحيل.
إذن هل تفسيرهم للآيات القرآنية وللأحاديث النبوية يصبح "حقائق علمية" كما يدعي الإعجازيون، ويتم استخدامه في الدعوة للإسلام في الغرب والشرق بدعوى عجز البشر عن أن يأتوا بمثله؟؟
 
(قبل بدء الخليقة)
كيف بدأت الخليقة من الماء؟ ونمهد لذلك بحديث رسول الله،ثم والله لم اطلع على هذا الحديث الا بعد ان اتممت موضوع(قبل بدء الخليقة)فجاء رآي مجاهد تصديقا لماكتبت،لكن مجاهد لم يشر الى مرحلة تحول الماء الى دخان ثم الى كون0
عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: "دخلت على النّبي – صلّى الله عليه وسلم وعقلت ناقتي بالباب. فأتاه ناسٌ من بني تميم فقال: اقبلوا البشرى يا بني تميم. قالوا: قد بشرتنا فأعطنا ( مرّتين ). ثم دخل عليه ناس من أهل اليمن فقال: اقبلوا البشرى يا أهل اليمن أنْ لم يقبلها بنو تميم. قالوا: قد قبلنا يا رسول الله. قالوا: جئنا نسألك عن هذا الأمر. قال كان الله ولم يكن شيء غيره. وكان عرشه على الماء. وكتب في الذِّكر كلّ شيءٍ. وخلق السماوات والأرض. فنادى منادٍ: ذهبت ناقتك يا ابن الحصين. فانطلقت فإذا هي يقطع دونها السراب. فوالله لوددت أني كنت تركتها" (1).جاء في الحديث الصحيح، عن عبدالله بن عمرو بن العاص مرفوعا: (كتب الله مقادير الخلائق - إن الله قدّر مقادير الخلق- قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة قال وعرشه - وكان عرشه - على الماء) (2).قال مجاهد: (وكان عرشه على الماء) قبل أن يخلق شيئاً، وقال "بدء الخلق العرش والماء والهواء، وخلقت الأرض من الماء" ( 3-6). وقال قتادة: (وكان عرشه على الماء) ينبّئكم كيف كان بدءُ خلقه قبل أن يخلق السّماوات والأرض (6). وقال الطّيّبي: أشار بقوله (وكان عرشه على الماء) إلى أنّ الماء والعرش كانا مبدأ هذا العالم لكونهما خلقا قبل خلق السّماوات والأرض (7)، ولم يكن تحت العرش إذ ذاك إلاّ الماء (8، 9). وقال ابن عبّاس إنّما سمّي العرش عرشاً لارتفاعه (6).
إذا كان كان عرش الرحمن على الماء فكيف بدأت الخليقة ؟ كيف بدأت الخليقة من(الماء)H2oحيث كان عرش الرحمن على الماء قبل بدء الخليقة،وقبل خلق السموات والأرض،"ونسف قول العلماء الضالين بان تكوًن هذا الكون جاء نتيجة انفجارعظيم big baing))فعمر الإنفجار لايولد نظاما دقيقا في الكون،كيف يمكن ان يتولد من انفجار عشوائي قمرا حسبانا؟وليلا ونهارا؟وأغلفة جوية ذات سماكة معينة،وجاذبية مختلفة لكل نجم وكوكب ،وبحار لاتطغى على القارات فهل عندهم الغيب فهم يكتبون،ام ما اخبرنا به الله بان عرشه كان على الماء قبل خلق السموات والأرض،بمعنى ان الماء كان يشغل الحيز الفضائي كله،فانظر في هذا الإجابة المؤلة لكلام الله كيف تكوًن الدخان الذي فتق الله منه السموات والأرض من الماء؟وكيف اصبح الماء دخان يملأهذا الفضاء(الكرسي)وكيف خلق الله السموات والأرض وجميع الأجرام من الدخان وشكل احجامها وهي دخان قبل ان يصلد الدخان ويكون جماد؟فالماء جاد بالدخان والدخان جاد بالسموات والأرض،والا اين ذهب الماء الهائل الذي كان يشغل الحيز الفضائي كله ويتبوأعرش الرحمن عليه؟قبل خلق السموات والأرض التي حلت محل الماء؟ هل تضن ان الله كان عرشه على المحيط الهادي؟تعالى الله فمياه الأرض هي ما ابقاه الله من الماء الهائل الذي حمل عرشه قبل ان يحوله الى دخان ثم الى سموات وارض ونجوم وكواكب، ان مياه الأرض لاتمثل قطرة من ماحوله الله من الماء الى دخان،فالسموات والأرض كانتا دخان،فتقهما منه وشكلهما منه قبل ان يصلد،فالبلكة تشكل ويختار حجمها قبل ان تصلد والدخان كان ماءقال تعالىوَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)كان عرش الرحمن على الماء "O H[SUB]2[/SUB] " فابقى منه ماء البحار والمحيطات وما دخل فى تكوين آدم ،ثم قال للباقى كن دخان فكان دخان يملأ هذا الفضاء " كرسى الرحمن " وابقى منه الأكسجين الذي يحيطه الغلاف الجوى والهيدروجين ثم فطر السموات والأرض من الدخان قال تعالى ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) وأبقى من الدخان " طبقة الأوزون وهو الدخان الذي ستأتي به السماء بين يدي الساعة وكان مستقر الماء الفضاء بأكمله(الكرسي) ثم خلق آدم من حمأمسنون تراب + ماء " فأبقى من التراب الذي خلق منه آدم " الأرض " وأبقى من الماء الذي مزج تربة آدم " مياه البحار والمحيطات ففي هذا بيان لكيفية بدء الخليقة من(الماء)H2oحيث كان عرش الرحمن على الماء قبل بدء الخليقة،وقبل خلق السموات والأرض،"ونسف قول العلماء الضالين بان تكوًن هذا الكون جاء نتيجة انفجارعظيمbig baing))وذهبوا الى ابعد من هذا في تحديد عمر الكون بثلاثة عشر مليار سنة وقالوا ان الكون كان اصغر من رأس دبوس انفجر في جزء من مليار من مليار جزء من الثانية وصار يتمدد حتى تكون ان هذه النظرية الساذجة كنظرية عيسى بن الله فعمر الإنفجار لايولد نظاما دقيقا في الكون وغلاف جوي لكل الكواكب مختلفة السماكة وجاذبية مختلفة لكل كوكب ونجم وبحار لاتطغي على القارات ثم ان الله قال تعالى وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3) فإنتثار الكواكب في احداث الساعة وانهدام الكون دليل على أنه كان مبني بنظام فهل عندهم الغيب فهم يكتبون؟ام ما اخبرنا به الله بأن عرشه كان على الماء قبل خلق السموات والأرض،بمعنى ان الماء كان يشغل الحيز الفضائي كله،فانظر في هذا الكتاب المؤل لكلام الله كيف تكوًن الدخان الذي فتق الله منه السموات والأرض من الماء؟ثم يوم القيامة يعيد الخلق كما بدأه اول مرة،كأن يحول السماء الى دخان والأرض والجبال وكل جرم صلب الى سراب فيتكون الدخان ويعيد الدخان الى ماء فيعود العرش على الماء كما بدأه،ان الحيز الفضائي والذي تشغل السموات والأرض ومابينهما جزء منه وحواها كلها ولاتثقله اوزانها بل هي فيه كسبعة قروش في ترس(صحن)هذا الفضاء العظيم الذي وسع السموات والأرض وحفظها رغم أوزانها العظيمة هو(الكرسي)وقد كان هذا الكرسي (أي الفضاء) قبل بدء الخليقة يشغله الماء الذي كان يستقر عليه العرش،ثم ان السموات والأرض ومابينهما تحول الى سراب وكالمهل الا الكرسي(الذي نسميه بالفضاء)لايزول وكذلك تراب ورفات الأحياء من بشر وغيره لاتذوب في الكرسي ولا تتحول الى سراب قال تعالى اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)فالكرسي:هو الوسط الفضائي الذي تمور فيه السموات وتعوم فيه الكواكب والنجوم والمجرات،الذي حواها ووسعها كلها،ولا تثقله اوزانهاففي(وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا) الضميرفي( يَئُودُه )عائد على الكرسي(الفضاء)أي لاتثقله،أما(وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)فتابعة لـ(اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ)ومعطوفة عليها والعلم عندالله،وشبهه الله بالماء في قوله تعالى لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)اما القول بان الكرسي موضع قدم الرب لا يصح ففي هذا تحجيم لله والله اكبر وما نسبة السموات والارض للكرسي الا كخمسة قروش في ترس(صحن)ونسبة الكرسي الى العرش كحلقة في فلاة فاقدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيامة والعرش يختلف عن الكرسي(الفضاء)كاختلاف الارض عن الكرسي فالسموات والارض ومابينهما في جوف الكرسي(الفضاء)
 
المعلوي.. أخطاء كثيرة وظنون نظرية وردت في كلامك السابق، تصحيحها هو:
الكرسي ليس فضاء، بل هو جسم مادي عظيم، وسع السماوات السبع والأرضين. والسماوات السبع والأرضين هي كحلقة في فلاة بالنسبة له.
السماوات ليست الهواء بل بناء عظيم مادي يحيط بكل النجوم والكواكب والأرض والشمس والقمر.
الكون = السماوات + الأرض + ما بينهما من أجرام.
العرش هو الآن على الماء أيضا، كما ورد في الحديث الصحيح
"حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن همام، حدثنا أبو هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:
«إن يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض، فإنه لم ينقص ما في يمينه، وعرشه على الماء، وبيده الأخرى الفيض - أو القبض - يرفع ويخفض»"
(صحيح البخاري) (9/ 124)

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

"وَقَعَ فِي رِوَايَة إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ : (وَالْعَرْش عَلَى الْمَاء) وَظَاهِره : أَنَّهُ كَذَلِكَ حِين التَّحْدِيث بِذَلِكَ ؛ وَظَاهِر الْحَدِيث الَّذِي قَبْله أَنَّ الْعَرْش كَانَ عَلَى الْمَاء قَبْل خَلْق السَّمَاوَات وَالْأَرْض ، وَيُجْمَع بِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ عَلَى الْمَاء "
"فتح الباري" (20 / 496)

ومعك حق في أن الكون لم يبدأ بانفجار وبعثرة.
لكن أخطأت في فهم آيات إعادة الخلق. فهي ليست عن إعادة الكون لمادة أولية، بل عن بعث المخلوقات، خلق جديد بعد الموت. وهذا واضح في أقوال المفسرين المعتبرين، وسياق الآيات. أما السماوات فستكون مطويات بيمينه.

أما زعمك [القول بان الكرسي موضع قدم الرب لا يصح ففي هذا تحجيم لله] فدليل على عدم دراية بالعقيدة الصحيحة.
 
بسم1
بارك الله في أخينا المبدع
[FONT=&quot]عزالدين كزابر[/FONT]​
 
عودة
أعلى