هل المعنى ولو عجبت أم وإن راقك في قوله تعالى:(ولو أعجبك كثرة الخبيث)؟

إنضم
18/05/2011
المشاركات
1,237
مستوى التفاعل
1
النقاط
38

قال الله تعالى:
{
قُل لاَّ يَسْتَوِي ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ ٱلْخَبِيثِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

قال الطبري رحمه الله:
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: قل يا مـحمد لا يعتدل الردىء والـجيد، والصالـح والطالـح، والـمطيع والعاصي. { وَلَوْ أعْجَبَكَ كَثْرَةُ الـخَبِـيثِ } يقول: لا يعتدل العاصي والـمطيع لله عند الله ولو كثر أهل الـمعاصي فعجبت من كثرتهم، لأن أهل طاعة الله هم الـمفلـحون الفـائزون بثواب الله يوم القـيامة وإن قلوا دون أهل معصيته، وإنّ أهل معاصيه هم الأخسرون الـخائبون وإن كثروا. يقول تعالـى ذكره لنبـيه صلى الله عليه وسلم: فلا تعجبنّ من كثرة من يعصى الله فـيـمهله ولا يعاجله بـالعقوبة فإن العقبى الصالـحة لأهل طاعة الله عنده دونهم. كما:

حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ: { لا يَسْتَوِي الـخَبِـيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أعْجَبَكَ كَثْرَةُ الـخَبِـيثِ } قال: الـخبـيث: هم الـمشركون والطيِّب: هم الـمؤمنون.

وهذا الكلام وإن كان مخرجه مخرج الـخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فـالـمراد به بعض أتبـاعه، يدلّ علـى ذلك قوله: { فـاتَّقُوا اللّهَ يا أُولـي الألْبـابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِـحُونَ }.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { فـاتَّقُوا اللّهَ يا أُولـي الألْبـابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِـحُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: واتقوا الله بطاعته فـيـما أمركم ونهاكم، واحذروا أن يستـحوذ علـيكم الشيطان بإعجابكم كثرة الـخبـيث، فتصيروا منهم. { يا أولـي الألْبـابِ } يعنـي بذلك: أهل العقول والـحجا، الذين عقلوا عن الله آياته، وعرفوا مواقع حججه. { لَعَلَّكُمْ تُفْلِـحُونَ } يقول: اتقوا الله لتفلـحوا: أي كي تنـجحوا فـي طلبتكم ما عنده.
 
بسم1
الحمدلله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
إن من المهم لنا جميعاً أن ندرك حقيقة وهي أن وظيفة المفردات القرآنية تختلف عن استعمالاتنا اليومية ، والتي تحورت وتغيرت عن حالتها الأولى حين توارد التنزيل الحكيم وحياً إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وإحدى صور الاختلاف هذه المفردة:
فالتعجب والعجب يحمل دلالتين مختلفتين تبعاً للسياق ، الأولى بمعنى "الانبهار والدهشة مع شدة الاستحسان والاقرار " كقوله تعالى : { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } [المنافقون:4] ، أي تستحسن أجسامهم وتستمع لجميل قولهم ، فدل السياق على هذا المعنى .

ومثل ذلك في قوله جل جلاله : { لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا } [الأحزاب:52] ، أي حتى لو استحسنت ما هنَّ عليه من جمال و حسن بما يفوق المعتاد.
أما في المواضع الأخرى فلا يلزم حصول الاستحسان بل يدل السياق على غير ذلك وهو الدهشة مع الانكار ، كالموضع الذي أشرتم إليه أخي محمد فيقول تعالى:


{ قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [المائدة:100]
وهنا العجب ليس الاستحسان بل الدهشة من تكاثر الخبيث ، أي لا يدهشك ويذهلك كثرة الخبيث على أن الأولى - في ظنك-انحساره وتباعد الفطرة السليمة عنه ومع ذلك فقد تراه يزداد وهذه الكثرة والزيادة مقارنة بالطيب ليست دليلاً على رجوح في كفته ولو كان كثيراً ، لذلك فإن المؤمنين أمام هذه المعادلة والموازنة يجب عليهم اتباع شرائع الله وأمره لسلوك سبل الفلاح.
فالعجب قطعاً لا يدل على أنه قد راق للمخاطب ، ثم ان الله في هذه الآية يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقول هذا القول ولا يلزم ان الضمير في "أعجبك" يراد به النبي صلى الله عليه وسلم بل المخاطب في قوله (قل) وحتى لو صرفنا الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم فإنه يبقى الخطاب لا يعني الاستحسان.


{ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ } [التوبة:55]
وهنا موضع دهشة وإنكار وليس استحسان ، أي لا تصيبنك الدهشة والعجب من تزايد أموالهم وتكاثر أولادهم برغم كفرهم ، فيقع في نفسك أن كفرهم يقتضي فقرهم وتردي حالهم ، فإن تكاثر الرزق والذرية لا يحمل دلالة صلاح وحق ، كما أن الفقر والحرمان من الذرية لا يحمل دلالة سوء وذنب فإن هذه الثروة والجاه والذرية إنما هي باب لزيادة عذابهم بها فكلما زادت كان حسابهم يوم القيامة أشد وأنكى، وفي ذلك تربية للمؤمنين حتى يستقر لديهم بأن المال والثروة ليست دليل خير وصلاح ورضىً من الله بل قد تكون العكس وكذلك الفقر والفاقة لا تدل على السوء والسخط من الله على العبد.


وهناك من المواضع مثل ذلك ، والله اعلم

 
عودة
أعلى