وماذا عن سرقة كيس أو كيسين من الحبوب؟
المراد بالعبارة التي ذكرتها الأخت هو أنه حتى السرقة لو كانت لحبة فهي خسة فما فوقها أخس..
وما تفضلت بقوله عن صغائر الأنبياء لم يقل به واحد من الصحابة أو التابعين أو أتباعهم الذين فسروا تلك الآيات..
وأتركك تتأمل سياقاً تفسيرياً نفيساً؛ لتنظر كيف كان قول السلف بعدم العصمة عاملاً مؤثراً :
في تفسير الطبري عند قوله تعالى: {يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11) }.
فهم السلف كلهم أن ظاهر الآية إثبات وقوع الذنوب والظلم من الأنبياء، ولم يقل عاقل منهم إن هذا ظلم غير متضمن لإثم أو هو ظلم لكنه وقع سهواً، وإنما أثبت السلف الآية على ظاهرها ، وفزع بعض اللغويين لتأويل الاستثناء، أما العبث بدلالة لفظة الظلم عبثاً قرمطياً فلم يخطر ببال أحد لا من السلف ولا من اللغويين..
والآن لنتأمل معاً في الآية وتفسير السلف لها وتأويلات المعربين وكلام الطبري تطبيقاً على ما تقدم:
قال الحسن البصري: (( كانت الأنبياء تذنب فتعاقب)).
قال ابن جريج: (( لا يخيف الله الأنبياء إلا بذنب يصيبه أحدهم،فإن أصابه،أخافه الله، حتى يأخذه منه)).
ثم ذكر الطبري بعض تأويلات النحاة هنا وهي ثلاثة:
1- أن يكون الاستثناء منقطعاً.
2-أن يكون المستثنى منه محذوفاً وليس هو الأنبياء.
3-أن تكون إلا بمعنى الواو.
ثم قال الطبري -وهو محل الشاهد- : ((قال أبو جعفر: والصواب من القول في قوله(إِلا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ ) عندي غير ما قاله هؤلاء الذين حكينا قولهم من أهل العربية، بل هو القول الذي قاله الحسن البصري وابن جُرَيج ومن قال قولهما، وهو أن قوله:(إِلا مَنْ ظُلِمَ ) استثناء صحيح من قوله( لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إِلا مَنْ ظَلَمَ ) منهم فأتى ذنبا، فإنه خائف لديه من عقوبته، وقد بين الحسن رحمه الله معنى قيل الله لموسى ذلك، وهو قوله قال: إني إنما أخفتك لقتلك النفس.... وأما الذين ذكرنا قولهم من أهل العربية، فقد قالوا على مذهب العربية، غير أنهم أغفلوا معنى الكلمة وحملوها على غير وجهها من التأويل. وإنما ينبغي أن يحمل الكلام على وجهه من التأويل، ويلتمس له على ذلك الوجه للإعراب في الصحة مخرج لا على إحالة الكلمة عن معناها ووجهها الصحيح من التأويل)).