نظرة في نشأة علوم القرآن الكريم

إنضم
15/04/2003
المشاركات
1,698
مستوى التفاعل
5
النقاط
38
نظرة في نشأة علوم القرآن الكريم
أثناء تعليقي على كتاب الاتقان للسيوطي ، جمعت مقدمة في تاريخ علوم القرآن ، فظهر لي في بحث النشأة معلومات جديدة من جهة تقسيم النشأة ، وطرائق العلماء في التدوين في علوم القرآن ، وما حدث لهذا المصطلح من تعدد في المرادات ، فأحببت أن تشاركوني فيها الرأي ؛ لأني سأعمد إلى تأليف كتاب مستقل في نشأة علوم القرآن الكريم ، وقد جمعت بعض الأفكار ، وسأطرح بعضها ملخصة لعلها تفيد كاتبها وقارئها ، فأقول :
إن مما يحسن تقريره أول الأمر أنني سأبحث عن مصطلح علوم القرآن كما نشأ تاريخيًّا ، وليس كما استقرَّ في أذهننا من خلال ما كتبه الزركشي ( ت : 794 ) أو السيوطي ( ت : 911 ) ؛ لأنه بسبب تصورنا عن علوم القرآن من خلال ما كتباه قد يَمُرُّ ما يعارضه فلا يُنتبه إليه ؛ لأن الأفكار المسبقة التي كوَّنَّها من خلال غلبة هذا علينا = قويةٌ ومؤثرةٌ بحيث صار العقل ينكر ما يتعارض مع هذه الأفكار أو يتجاهلها ، فإذا دخلتْ هذه الموضوعات إلى محل النقاش والجدل العلمي بان ما فيها من حاجة إلى تحرير وتنقيح .
وقد ظهر أثر استقرار المصطلح على ثلاثة أمور :
الأول : الغفلة عن تعدد إطلاقات هذا المصطلح عند العلماء ، حيث ظهر لي أنهم يطلقونه مرة على علم القراءات ، ومرة على التفسير ، ومرة على جملة علوم القرآن ، ودونك بعض الأمثلة من كتب التراجم :
1 ـ قال عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت : (( سمعت الشعبي ـ وقيل له : إن اسماعيل السدي قد أعطي حظا من علم القرآن ـ قال : إن اسماعيل قد أعطي حظا من جهل بالقرآن )) .
2 ـ عن الأصمعي قال : (( قال لي أبو عمرو : لو تهيأ لي أن أفرغ ما في صدري من العلم في صدرك لفعلت . لقد حفظت في علم القرآن أشياء لو كُتِبَتْ ما قدر الأعمش على حملها ، ولولا أن ليس لي أن أقرأ إلا بما قُرىء لقرأت كذا وكذا ، وذكر حروفًا )) معرفة القراء الكبار 1 : 103 .
3 ـ قال عمارة بن زيد المدني : (( كنت صديقا لمحمد بن الحسن ، فدخلت معه إلى الرشيد ، فسأله عن أحواله ، فقال : في خير يا أمير المؤمنين ، ثم تسارَّا ، فسمعت محمد بن الحسن يقول : إن محمد بن إدريس الشافعي يزعم أنه للخلافة أهل .
قال : فغضب الرشيد ، وقال : عليَّ به . فأُتِي به ، حتى وقف بين يدي الرشيد ، فَكَرِهَ الرشيد أن يعجل عليه من غير امتحان ، فقال له : هيه ؟ قال : وما هيه يا أمير المؤمنين ، أنت الداعي وأنا المدعو . وأنت السائل وأنا المجيب .
قال : فكيف علمك بكتاب الله ؟ فإنه أولى أن يُبتدأ به ؟ قال : جمعه الله في صدري وجعل جنبي دفتيه .
قال : فكيف علمك به ؟ قال : أي علم تريد يا أمير المؤمنين ؟ أعِلْم تأويله أم عِلْم تنزيله ؟ أم مَكِّيُّه أم مدنيُّه ؟ أم ليليه أم نهاريه ؟ أم سفريه أم حضريه ؟ أم هجريه أم عربيه .
فقال : له الرشيد : لقد ادعيت من علوم القرآن أمرا عظيما )) . تاريخ دمشق .( 51: 319 ـ 320 ) .
الثاني : عدم الاعتداد في أول مؤلَّف بما لا يحمل مصطلح ( علوم القرآن ) .
إذا كانت العبرة في مصطلح علوم القرآن بما كُتب لا بعنوان المكتوب ، فإن ( فهم القرآن ) للحارث المحاسبي ( ت : 243 ) هو أول ما دُوِّن في علوم القرآن ؛ لأنَّ موضوعاته كلها في علوم القرآن ، وهي ( فضائل القرآن ، فضائل القراء ، فقه القرآن ، المحكم والمتشابه ، النسخ ـ وهو أطولها ـ التقديم والتأخير ، الإضمار ، الحروف الزوائد ، المفصَّل والموصول ) .
أما إذا كنا نبحث عن كتاب معنون بعلوم القرآن أو أحد مرادفاته ، فإن ظهورأول مدون في علوم القرآن سيتأخر ، وفي ذلك التأخير نظر ؛ لأن الأصل مادة الكتاب وليس عنوانه فقط ، لذا عدَّ بعض الباحثين المعاصرين كتاب ( جمال القراء وكمال الإقراء ) للسخاوي ( ت : 643 ) من كتب علوم القرآن ـ وإن لم يرد في عنوانه هذا المصطلح ، لكنه يتضمن جملة من علوم القرآن المتعلقة بالإقراء ـ ، فلم لم يعدوا كتاب ( فهم القرآن ) من كتب علوم القرآن .
ومما يلاحظ على بعض الكتب التي ذكرت في عنوانها ( علوم القرآن ) أو احد مرادفاتها أنها كتب تفسير ؛ أي أنها سارت على طريقة تفسير الآيات تفسيرًا تحليليًا ، وهي لا تختلف في طريقتها عن كتب التفسير الأخرى ، ككتاب ( الجامع لعلم القرآن ) ، للرماني ( ت : 384 ) ، وكتاب (اللباب في علوم الكتاب) ، لابن عادل الحنبلي ( ت : 880 ) .
الثالث : عدم ذكر مؤلفات ـ كانت حلقة من حلقات الكتابة في علوم القرآن ـ سارت على تفسير الآيات وذكرت جملة من علوم القرآن ذكرًا مقصودًا ، وهي على نوعين :
النوع الأول : أن يكون المؤلف رتَّب كتابه ترتيبًا يُظهر بعض علوم القرآن ، كما فعل الحوفي ( ت : 430 ) ، والمهدوي ( ت : 440 ) ، وغيرهما .
وإليك مقدمة المهدوي ( ت 440 ) ، قال ـ في كتابه ( التحصيل لما في التفصيل الجامع لعلوم التنزيل ) ـ : (( وأنا مبتدئ إن شاء الله في نظم هذا المختصر الصغير ، مجتهد أن أجمع فيه جميع اغراض الجامع الكبير من الأحكام المجملة ، والآيات المنسوخة ، واحكامها المهملة ، والقراءات المعهودة المستعملة ، والتفسير والغريب والمشكل والإعراب والمواعظ والمثال والآداب ، وما تعلق بذلك من سائر علو م التنزيل المحتملة للتأويل ، ويكون المحذوف من الأصل ما أنا ذاكره في هذا الفصل فأحذفه من الحكام الذي هي أصول الحلال والحرام أكثر تفريع المسائل المنثورة مما ليس بمنصوص في السورة ، وأقتصر من ذكر الاختلاف على الأقوال المشهورة ، وأذكر الناسخ والمنسوخ بكماله وأورده مختصرًا على أتم أحواله ، وأذكر القراءات السبع في الروايات التي اقتصر عليها اهل الأمصار ، سوى من لم يبلغ مبلغهم من الاشتهار إلا ما اختلاف فيه بين السبعة القراء ، فإني أذكره منسوبًا إلى بعض من روى عنه القراء ليعرف من هذا الاختصار ما هو من القراءات المروية مما لم يُقرأ به قارئ ، وإن كان جائزًا في العربية ، وأذكر من مسائل الإعراب الخفية ما يحتاج إليه ، مما اختلف القراء فيه ، او كان جائزًا في المقاييس العقلية ، فإذا أكملت السورة من هذا المختصر جمعت في آخره أصول القراءات واختصار التعليل فيها ، وأصول مواقف القراءة ومبادئها ؛ ليجمع ـ بعون الله وتوفيقه ـ هذا الاختصار ما لم تجمعه الدواوين الكبرى ، ولتكون أغراض الجامع مضمنة فيه ، ومجملة في معانيه .
وأجعل ترتيب السور مفصلاً ، ليكون أقرب متناولاً ، فأقول : القول من أول سورة كذا إلى موضع كذا منها ، فأجمع من آيِهَا عشرين آية أو نحوها ، بقدر طول الآية وقصرها .
ثم أقول الأحكام والنسخ وأذكرهما .
ثم أقول التفسير فأذكره .
ثم اقول القراءات فأذكرها .
ثم أقول الإعراب فأذكره .
ثم أذكر الجزء الذي يليه حتى آتي على آخر الكتاب إن شاء الله على ما شرطته فيه ، وأذكر في آخر كل سورة موضع نزولها ، واختلاف اهل المصار في عددها ، وأستغني عن تسمية رؤوس آيها ، وأبلغ غاية الجهد في التقريب والقصد ... )) .
( التحصيل ، تحقيق الفاتحة والبقرة ، تحقيق علي بن محمود بن سعيد هرموش ، رسالة مرقومة على الآلة الكاتبة ص : 5 ـ 6 ) .
النوع الثاني : أن يذكر المؤلف من مقاصده الإلمام ببعض علوم القرآن ، لكنه يذكرها منثورةً خلال تفسيره للآيات ، وليس كسابقه الذي يرتب كل نوع على حده ، وإليك مثالٌ لمؤلف قصد هذا المقصد :
كتاب ( البستان في علوم القرآن ) ، لأبي القاسم هبة الله بن عبد الرحيم بن إبراهيم الجهيني الحموي ( ت : 738 )
قال الحموي : (( أما بعد : فهذا كتاب ( البستان في علوم القرآن ) ، قصدت فيه الاختصار مع البيان ، وجمع الفوائد مع الإتقان ، راجيًا به ـ لي ولمحصليه ـ الغفران ، والرحمة من الله والرضوان ، ويشتمل على أنواع من علوم الكتاب العزيز ؛ المسمى بالفرقان :
النوع الأول : معرفة تفسير غريب اللفظ والمعنى ، وأسباب النُّزول ، والقصص ، وما صحَّ من المنسوخ على ما ذهب إليه في ذلك كل من يُعتمد عليه .
النوع الثاني : معرفة المبهمات من الأسماء والأنساب ، وضمائر الغيبة والخطاب ، والعدد ، والمدد ، واختلاف الأقوال في ذلك ...
الثالث : معرفة قراءات الأئمة السبعة رحمة الله عليهم ، ولكل إمام منهم راويان ...
الرابع : معرفة الوقوف والموقوف عليه إن لم يتوقف فهمه على ما بعده وبالعكس ، فالوقف لازم إن اختلَّ المعنى بالوصل ، وتامٌّ إن لم يختل ، ولم يكن للثاني تعلق بالأول ...
الخامس : معرفة خط الإمام مصحف عثمان بن عفان ...
السادس : معرفة عدد آي كل سورة ( العدد الكوفي ) ، وكونها مكية أو مدنية أو مختلفًا فيها ، وذلك مذكور في أول كل سورة .
السابع : معرفة رؤوس الآيات وأخماسها وأعشارها ، والمختلف في كونه آية أو غير آية بين الكوفيين وغيرهم ...
الثامن : معرفة أجزائه الثلاثين وأخماسها وأنصافها وأنصاف أسداسها وأسباع القرآن وأرباع الأسباع ... )) ، ثم شرع في تفسير الاستعاذة والبسملة والفاتحة حتى ختم كتابه بتفسير سورة بالناس .
( البستان في علوم القرآن / مخطوط بمكتبة الحرم المكي ، لوحة 1 أ ـ ب ) .
ولا يعني أن هذه التفاسير تختلف في مادتها العلمية عن التفاسير السابقة ، لكن المقصود أن مؤلفيها قد رتبوها ترتيبًا متوافقًا مع أنواع علوم القرآن ، أو قصدوا ذكر جملة من علوم القرآن قصدًا مباشرًا ، وهذا مما لا يحسن إغفاله في نشأة علوم القرآن .
...............
ومن باب تتميم الفائدة في هذا الموضوع أذكر ما يأتي :
أولاً : إن هناك إضافات مرادفة لعلوم القرآن يحسن التنبه لها ، وهي ( علم القرآن ، علوم التنزيل ، علم التنزيل ، علوم الكتاب ، علم الكتاب ) إذ قد يرد في كتب التراجم أو في عناوين بعض الكتب أحد هذه الألفاظ .
ثانيًا : إن أضافة علوم للقرآن تحتمل أن يكون المراد به أي معلومة تنتسب للقرىن او تخرج منه ، ومن ثمَّ فإن علوم القرآن على هذا المعنى لا يمكن حصرها ، بل هي مما يتنامى مرة بعد مرة ، وهذا المعنى افضافي ليس هو المراد عند من كتب في علوم القرآن ، وإن كان بعضهم قد يشير إليه إشارة من باب التنبيه عليه فحسب .
ثالثًا : إنَّ علوم القرآن التي استقرَّت التسمية عليها الآن تشمل جملة العلوم :
ـ المنبثقة منه ، كعلم القراءات .
ـ أو المتعلقة به ويشترك معه فيها غيره ، إما لكونه نصَّا تشريعيًّا فتشترك معه السنة في بعض الموضوعات ؛ كالناسخ والمنسوخ والعام والخاص وغيرها من مسائل أصول الفقه .
وإما لكونه نصًّا عربيًا ، فتشترك معه علوم العربية والبلاغة ؛ كعلم غريب القرآن من جهة المعنى اللغوي ، وعلم إعجاز القرآن من جهة المعنى البلاغي .
وستلاحظ أن طرح هذه العلوم في كتب علوم القرآن قد اتخذ صورًا متعددة .
رابعًا : إن بعض الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن بعض أصحابه تشير إلى ( علوم القرآن ) ، وإن لم تبيِّن المراد به على وجه التحديد ، وإليك بعض هذه الأحاديث والآثار :
1 ـ دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لابن عمه عبد الله بن العباس رضي الله عنهما لما قال : (( اللهم فقه في الدين ، وعلمه الكتاب )) رواه البخاري وغيره .
وهذا الحديث يشير إلى أن للكتاب علومًا والرسول صلى الله عليه وسلم يدعو لابن عمه في أن يعلمه الله إياها ، ولقد تحقق ذلك له ، وصار ترجمان القرآن ، وأكثر الصحابة تفسيرًا له .
2 ـ قوله صلى الله عليه وسلم : (( خيركم من تعلَّم القرآن وعلَّمه )) رواه البخاري .
وهذا يشملُ جُملةَ علومِ القرآنِ من قراءته وحفظه وتفسيره وغيرِها ؛ لأنَّه خبر مطلقٌ غير محدَّدٍ بنوعِ من أنواع تعلُّمِ القرآنِ وتعليمه .
3 ـ من الآثار ما رواه ابن أبي شيبة بسنده عن أبي البختري عن علي قالوا : أخبِرْنا عن عبد الله .
قال : علم القرآن والسنة ، ثم انتهى ، وكفى بذلك علمًا « ( ).
وهذه الأضافات ( علم القرآن ، علوم القرآن ، علم الكتاب ، علوم الكتاب ، علم التنزيل ، علوم التنزيل ) أو ما يشير إليها في الأحاديث والآثار تحتاج إلى دراسة مستقلة ؛ لاستجلاء المراد بها .
........................
فائدة : قال ابن خير الإشبيلي ( ت : 575 ) في ( فهرسة ما رواه عن شيوخه ) : (( ذكر ما رويته عن شيوخي رحمهم الله من الدواوين المؤلفة في علوم القرآن )) ص : 23 .
وقد ذكر كثيرًا من كتب القراءت وما يتصل بها ، وكتب التفسير وغيرها ، ومما ذكر فيها ما يأتي : (( كتاب البرهان في علوم القرآن ، في مائة سفر ، لأبي الحسن الحوفي ... )) ص : 71 .
ونستفيد من هذا النقل فائدتان :
الأولى : النظر في أنواع علوم الكتب التي ضمنها ابن خير فهرسة ما رواه في علوم القرآن ، فيظهر لنا مراده بعلوم القرآن ، وهو على ما استقر عليه المصطلح عندنا .
الثاني : أن الاختلاف في تسمية كتاب الحوفي ( ت : 430 ) لازالت قائمة تحتاج إلى تحرير ، فابن خير يروي الكتاب بسنده إلى المؤلف ، ويسميه بهذا الاسم ، لا باسم ( البرهان في تفسير القرآن ) كما جاء في بعض المصادر ، وقد قال ابن خير في آخر روايته لهذا الكتاب : (( ... قال شريح بن محمد : وحدثني به أيضًا ـ إجازة ـ الفقيه أبو محمد عبد الله بن إسماعيل بن محمد بن خزرج اللخمي رحمه الله ، قال أجازني أبو الحسن علي بن إبراهيم بن علي الحوفي المقرئ النحوي جميع روايته وأوضاعه بخط يده على يدي أبي صاحب الوردة في ربيع الآخر سنة 421 )) ص 71 .
وهذ يفيد في معرفة زمن تأليف كتاب البرهان ، وانه متقدم على تاريخ هذه الإجازة .
تنبيه : ورد في مطبوعة فهرست ابن خير( الجوفي ) بالجيم ، وهو تصحيف ، والله أعلم .
 
جزاكم الله خيراً فقد أثرتم في نفسي أموراً كنت أقوم بمقارنتها قديما ،وهي تعريف علوم القرآن بين المصطلح الذي يذكره العلماء ممن ألف في (علوم القرآن) وبين الواقع العملي لمن استخدم هذا المصطلح ،وقد أحببت أن أكتب لكم ما كتبه الدكتور نور الدين عتر في كتابه الذي درسناه أثناء الكلية واسمه ( علوم القرآن الكريم )ففيه برأيي كلام نفيس لعله يفيد لمن دقق في قراءته، فقد ذكر في الفصل الأول عنوان : التعريف العام بعلوم القرآن، فقال صـ 7و8 : ( هذا التعبير "علوم القرآن" يدل لغةً على أنواع العلوم التي تتصل بالقرآن الكريم ، وهكذا كان يستعمل في عصور المتقدمين ، فيراد به علوم تؤخذ من القرآن من علوم الشرع كالعقيدة أوالفقه أو الأخلاق أو من المعارف العامة حول الإنسان والكون والطبيعة والنبات والسماء والأفلاك.
كما يراد بـ " علوم القرآن" لغة علوم تخدم معاني القرآن مباشرة، وتوصل إليها، أو تدور حوله، أو تستمد منه، فيدخل تحت هذا التعبير بهذا الاستعمال اللغوي الثاني علوم ضخمة: مثل علم التفسير، وعلم القرآت، وعلم الرسم العثماني، وعلم إعجاز القرآن، وعلم إعراب القرآن، وسائر علوم الدين واللغة والبلاغة،وغير ذلكمن علوم درس العلماء في تآليفهم فيها القرآن كله في ضوء كل علم دراسة تفصيلية.
ثم جعل العلماء هذه العبارة: "علوم القرآن" اسم علم، يراد به معنى خاص يدل على علم خاص غير ما سبق كله، لأن هذا المعنى الجديد يختص بأنه علم واحد يجمع ضوابط تلك العلوم المتصلة بالقرآن من ناحية كلية عامة، وأما علوم القرآن بالمعنى اللغوي فإن كل علم منها يدرس القرآن كله من زاوية اختصاصه آية آية دراسة تفصيلية.
وبناء على ذلك يمكن أن نعرف " علوم القرآن" باعتباره اسماً لعلم واحد فنقول : " علوم القرآن في الاصطلاح: هو المباحث الكلية التي تتعلق بالقرآن الكريم من ناحية نزوله وترتيبه وجمعه وكتابته وتفسيره وإعجازه وناسخه ومنسوخه وغير ذلك" .) انتهى كلام الدكتور.
ثم علق الدكتور نور الدين في الحاشية على التعريف فقال : ( ومن هنا ندرك الخطأ الواضح الذي وقع فيه من عرّف علوم القرآن فقال : هي جميع المعلومات والبحوث التي تتعلق بالقرآن... .فقد خلط بين المعنى اللغوي ، وهو يدل على علوم كثيرة، والمعنى الاصطلاحي، وهو علم واحد، ألا ترى إلى قوله "هي" .. وهكذا استمر الخطأ... ) انتهى التعليق .
ثم قال الدكتور تحت عنوان " التصنيف في علوم القرآن صـ 8 : ( وبالنظر لأهمية هذا العلم كثرت الدراسات فيه في القديم والحديث، فكتب كثير من المفسرين في مقدمات تفاسيرهم بحوثاً هامة في علوم القرآن، عنوا فيها بما يتعلق بأصول التفسير وإعجازه، على مثال مقدمة الطبري لتفسيره جامع البيان ، والقرطبي " الجامع لأحكام القرآن".
وصنف العلماء مؤلفات مستقلة تشمل كل علوم القرآن مثل هذه الكتب الهامة:
ـ فنون الأفنان في عيون علوم القرآن للإمام أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي المتوفى سنة 597 هـ...) ثم ذكر الدكتور حفظه الله البرهان للزركشي والإتقان للسيوطي ، وكان قد ذكر الدكتور في كتابه محاضرات في علوم القرآن الذي يدرس في كلية الشريعة في دمشق قبل كتاب ابن الجوزي ، ذكر كتاب ابن الأنباري ولم يذكره في الكتاب الذي أنقل منه.
ثم قال : ( وفي هذا العصر اقتصر الباحثون في هذا العلم على أهم ما يحتاج إليه الدارس في هذا العصر،اعتماداً على تكملة بحوث أخرى من علوم شرعية ولغوية واعتقادية مقررة في مناهج معاهد العلوم والدراسات القرآنية.)
ثم ذكر الدكتور صـ 9 بعض الأسماء المهمة في علوم القرآن في العصر الحديث ثم قال : ( وقد قسم بعضهم كتابه أبواباً منها تاريخ علوم القرآن وباب " علوم القرآن" ، ونرى في هذا التقسيم خلالاً وضغفاً، لأن العنوان الثاني " علوم القرآن" يوهم أن الأبحاث الأخرى ليست من علوم القرآن، وهي قطعاً من علوم القرآن، فكيف تستبعد عن هذا العنوان ولا تدرج تحته؟!.
ونود التنبيه إلى أن التصنيف في علوم القرآن بالمعنى الأول مستمر أيضاً لم ينقطع وذلك تلبية لحاجة العصر من كشف دسائس وفضح أباطيل، أو تفصيل مسائل واستيفائها بالبحث، أو لإظهار مزيد من أوجه الإعجاز الذي أفاد تقدم العلوم، الأمر الذي يزيد اليقين بأن هذا القرآن كتاب الله المعجز على الدوام. ) انتهى.
أقول : ولعل ما ذكرتموه من أمثلة يصدق كلامه في ذلك والله أعلم،فأحببت أن أنقله بحرفه منه لإثراء الموضوع والاستفادة،والله أعلم.
 
تصحيح في تاريخ وفاة ابن عادل

تصحيح في تاريخ وفاة ابن عادل

الأمر الثاني الذي أريد بيانه أن ابن عادل لم يتوفى عام 880 يقيناً كما ذكرتم وكما ذهب إلى ذلك الدكتور الشايع ومن تابعه ،وإنما وفاته في القرن الثامن الهجري ويغلب على الظن أنها حوالي 750 هـ وسأكتب مختصراً في ذلك قريباً إن شاء الله .
 
أشكرك يا أخي مرهف على هذه المداخلة الماتعة ، ولقد أفدتني بها كثيرًا .
أما عن وفاة ابن عادل ، فهذا هو المشهور في الترجمة له ، وقد اخذتها من كتاب ( معجم المفسرين ) لعادل نويهض ، وياليتك تكتب لنا ما تبين لك من وفاته ؛ لأن في هذا أثرًا على جملة من المعلومات ، من أقلها ترتيب طبقة المؤلف ، فبدلاً من جعله من علماء القرن التاسع ، فإنه سيكون من علماء القرن الثامن ، وهذا يؤثر فيما لو كان الباحث يرتب المصنفات ترتيبًا زمنيًّا ، ويبني عليها أحكامًا علمية .
 
هذا موضوع جدير بالنظر ، ولعلي أتمكن من المداخلة لاحقًا ، لطرح بعض الأفكار فيه .
والملاحظ أن الكتابة في نشأة علوم القرآن لا زالت تحتاج إلى تحرير .
 
الحمد لله ، وبعد ..

كتاب ابن الانباري المسمَّى : ( عجائب علوم القرآن ) نسبته له خطأ !
والصواب أنه صحيح النسبة لابن الجوزي ، وهو المسمى بـ : ( فنون الأفنان ) ويعرف هذا بالمقارنة بينهما ، وبدلائل لامجال لذكرها في هذا الموضع ) أهـ
قاله شيخنا د. خالد السبت .في دراسته للمناهل ( 1/ 42 ) الحاشية
وكتب الدكتور حازم حيدر مقالة نبَّه فيها على عدم صحة هذه النسبة لابن الأنباري ، ونُشرت في مجلة عالم المخطوطات ( مج 1 / ع 2 / ص 403 - 416 )
وبين سبب الخطأ في النسبة ، في كتابه : ( علوم القرآن بين البرهان والإتقان ) ( 100 )
والله أعلم
 
مما فاتني في الحديث عن نشاة علوم القرآن الكريم في هذا المقال ، وفي كتابي المحرر في علوم القرآن ، ثم استدركته في محاضرة لي في نشاة علوم القرآن التي ألقيتها في الشارقة بتاريخ ( 22 : 11 : 2007 ) ، أقول : مما فاتني أن المحدثين كان لهم مشاركة في بعض علوم القرآن ، وذلك بإفرادهم لبعض أنواع علوم القرآن باب أو كتاب في كتبهم التي سارت على الأبواب أو تحت عنوان ( كتاب ) ، وأذكر على سبيل المثال :
أولاً : صحيح الإمام البخاري رحمه الله تعالى :
1 ـ بدء الوحي .
2 ـ سجود القرآن .
3 ـ التفسير .

4 ـ فضائل القرآن .
ثانيًا : سنن أبي داود رحمه الله تعالى :
1 ـ سجود القرآن .
2 ـ الحروف والقراءات .
ثالثًا : سنن الترمذي رحمه الله تعالى :
1 ـ فضائل القرآن .
2 ـ القراءات .
3 ـ تفسير القرآن .
رابعًا : سنن الدارمي رحمه الله تعالى :
1 ـ فضائل القرآن .
خامسًا : المستدرك للحاكم رحمه الله تعالى :1
ـ فضائل القرآن .
2 ـ التفسير .
هذه بعض أمثلة من كتب المحدثين ، ولو تمَّ استقراء ذلك ، ثم التعليق عليه لكان مقالاً نافعًا إن شاء الله .
ولا أدري ؛ هل التفت أحد الباحثين إلى هذه القضية حال حديثه عن نشأة علوم القرآن ؟
 
الحمد لله ، وبعد ..

نعم هذه نظرة صحيحة جداً ، ووِقفة نافعة ؛ فإبعاد مصنفات أهل الحديث وجهودهم في علوم القرآن غير سديد .
وأقدم من وقفت عليه ، وقد أشار إلى ذلك الأستاذ الدكتور سعود الفنيسان في كتابه الرائع ( اختلاف المفسرين ) فقال في حديثه عن نشأة التفسير ( 39 ) : ( فدوِّنت السنة ، وخصّّص العلماء في مؤلفاتهم أبواباً وكتباً خاصة باسم ( كتاب التفسير ) يُساق التفسير فيها غير مرتب ) أهـ

وممن أشار _ أيضاً _ إلى هذه المسألة شيخنا الدكتور خالد السبت ، ولكنها إشارة عابرة ؛ إذ يقول في دراسته للمناهل ( 1/ 30 ) حين تكلم عن المراحل التي مرت بنشأة علوم القرآن: ( وكان الغالب في التأليف في ذلك العصر الرواية والنقل ، وربما أُدْمِج التفسير بغيره من كتب الحديث في كتابٍ واحد ) أهـ .

أما الدكتور حازم حيدر فكان أكثر تفصيلاً وإثارة ؛ فقد ذكر في كتابه ( علوم القرآن بين الإتقان والبرهان ) ( 73 ) وذلك حين تحدَّث عن المراحل التي مرت بنشأة علوم القرآن ؛ فقال :
( وإذا تفحَّصنا الكتب الستة ، وجدناها تحوي جملة جيدة من أنواع علوم القرآن .
فنجد صحيحي البخاري ومسلم ، قد ضمَّا كتابين لهما تعلُّق بعلوم القرآن من مجموع الكتب فيهما ، هما :
_ كتاب التفسير .
_ وكتاب فضائل القرآن . ) إلى آخر ما ذكره مما جاء في ثنايا الكتب الستة .

ثم ذكر ( 75 ) تنبيهاً على أن كتب المغازي والسير ضمت في تضاعيفها طائفة صالحةمن أسباب النزول ، والمكي والمدني ، والناسخ والمنسوخ ، والتفسير .

ويُنظر : مناهل العرفان ( 1/ 30 _ 31 ) ط : زمرلي .

والله أعلم
 
أحسنت يا أبا العالية ، أعلى الله قدرك ، وأشكرك على تنبيهك لي على هذه المواضع من هذه المصادر . والأمر كما قال ابن مالك في ألفيته :

( وهو بسبق حائز تفضيلا ... مستوجب ثنائي الجميلا )
( والله يقضي بهبات وافره ... لي وله في درجات الآخره )
فأسأل الله أن لا يحرمني وإياك وإياهم فضله وسعة رحمته .
 
[align=center]
الأمر الثاني الذي أريد بيانه أن ابن عادل لم يتوفى عام 880 يقيناً كما ذكرتم وكما ذهب إلى ذلك الدكتور الشايع ومن تابعه ،وإنما وفاته في القرن الثامن الهجري ويغلب على الظن أنها حوالي 750 هـ وسأكتب مختصراً في ذلك قريباً إن شاء الله .


في كتاب : هـِـــــدْيـَة العارفين ؛ للبابانيّ :

( ابن عادل : عمر بن علي بن عادل الدمشقي أبو حفص الحنبلي النعماني من تصانيفه اللباب في علوم الكتاب ؛

في تفسير القرآن فرغ من تأليفه في رمضان من سنة 879 ... ) .[/align]
 
عودة
أعلى