نظرات..في موقف المعاصرين من الإسرائيليات(1 )

إنضم
24/04/2003
المشاركات
1,398
مستوى التفاعل
5
النقاط
38
الإقامة
المدينة المنورة
بسم الله الرحمن الرحيم

الاسرائيليات وموقف المعاصرين منها

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ....

ففي هذا الموضوع سوف أناقش موقف المعاصرين من الإسرائيليات من حيث قبولها أو رفضها وإيرادها في كتب التفسير المعاصرة ومنهج مؤلفيها حيالها ، وقد سرت في ذلك على طريقة قد توصل لمعرفة شيء من منهج المعاصرين تجاه الروايات الإسرائيلية ، وهذه الطريقة تتلخص في ما يلي :
1. عرضت لأكثر من عشرين مؤلفاً في التفسير إضافة لآراء بعض الكتاب في علوم القرآن سواء من ألف كتاباً مستقلاً في علوم القرآن أو في مبحث الإسرائيليات على وجه الخصوص أو كان مقالة في مجلة.
2. أما لمن كتب في التفسير فإني قرأت ما يفيد البحث في مقدمته فإن رأيت أنه التزم بمنهج معين قمت بمقارنة سريعة بين ذلك المنهج وعدد من مضان الإسرائيليات في كتابه ثم خرجت بنتيجة مدى انطباق ذلك المنهج على كتابه. وإن لم يشر تتبعت بعض المواطن التي يذكر المفسرون فيها الإسرائيليات وأثبت ما رأيته من صنع المؤلف.
3. وأما من كتب في غير التفسير فقد لخصت رأيه في ذلك من خلال ما قرأت في كتابه.
4. قدمت بمقدمة يسيرة لمعنى الإسرائيليات .
5. عرضت في آخر البحث لما يجب على المفسر تجاه الإسرائيليات من خلال بعض أقوال المعاصرين.
( ملحوظة : لم أرتب العلماء بحسب الوفيات )

وحقيقة لم أر أن هذا البحث يستحق النشر في مثل هذا المنتدى المتميز ، إلا أن الرغبة في الاستفادة من نقاش المتخصصين من أهل الفضل والعلم دعاني لذلك أسأل الله تعالى التوفيق والسداد ..
معنى الإسرائيليات
الإسرائيليات جمع مفرده اسرائيلية : وهي القصة أو الحادثة التي تروى عن مصدر إسرائيلي والنسبة فيها إلى إسرائيل وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام. وهي تشمل ما يروى عن اليهود والنصارى . ووينبغي الإشارة إلى ضرورة تحقيق معنى الاسرئيليات وهل المراد بها الراويات المنقولة عن مصادرهم أو الروايات التي تتحدث عنهم وعلى الثاني تدخل الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصص بني إسرائيل في معنى الاسرائيليات .

سبب تسميتها بذلك وإن كان هذا الاسم يدل بظاهره على اللون اليهودي:
1. إما نظراً إلى الأصل لأن أصل النصارى راجع إلى بني إسرائيل1.
2. وإما للتغليب فإن أكثر الأخبار منقول عن اليهود وإما لأمر آخر .
وقال الدكتور محمد الشويعر: "إن نسبة غالبية الأنبياء لإسرائيل هذا جعل الروايات التي تحكي الأخبار القديمة تنسب إليهم بالتقاء الأجداد"

موقف عموم المفسرين منها:
يظهر أن عموم المفسرين من المعاصرين قد ذموا دخول الإسرائيليات في كتب التفسير ، قال الدكتور رمزي نعناعة: "لم يطمئن كثير من المسلمين منذ عصور مبكرة إلى التفسير المروي في جملته فتناولوه بالنقد إجمالا وتفصيلاً ... وبالجملة فكتب التفسير من عهد ابن جرير إلى اليوم لا يكاد يخلو تفسير منها من إسرائيليات إلا أنها متفاوتة قلة وكثرة. نعم هناك مفسرون وقفوا من هذه الروايات موقف الناقد المنكر وبخاصة المتأخرين منهم الذين تسنى لهم الإطلاع على أسفار أهل الكتاب بعد أن ترجمت وعرفوا ما فيها من تهافت وتحريف وتغيير إلا أن هذا لم يكن شاملاً وإن الناقدين أنفسهم رووا كثيراً منها في مناسبات كثيرة. وفي اعتقادي أن سبب الإكثار والإقلال من رواية هذه الإسرائيليات في كتب التفسير يرجع إلى رأي المفسر في حكم روايتها وإلى بيئته وثقافته .
وهذا الذي ذكره الدكتور هو ما لاحظته خلال بحثي في هذه الكتب المعاصرة حيث أن عدداً من المفسرين الذين اطلعت عليهم ينكرون إدخال تلك الروايات في التفسير ثم هم مع ذلك يقعون في إثباتها بين مقل ومكثر.





موقف المفسرين المعاصرين من الإسرائيليات

موقف الإمام الشوكاني رحمه الله ( ت : 1250هـ) من الإسرائيليات:
1. من ناحية وجودها في تفسيره: فتفسير الشوكاني يمتاز عن غيره بقلة الإسرائيليات بل لا تكاد توجد فيه إلا للرد عليها. قال الدكتور محمد حسن الغماري في مقارنة بين ابن كثير والشوكاني قال: "بخلاف الإمام الشوكاني فلم يجز كلامهم ولا قصصهم في تفسير كلام الله تعالى وبهذا يظهر واضحاً أن الشوكاني أشد في باب الإسرائيليات من الحافظ ابن كثير مع أن ابن كثير من خير مفسري السلف من حيث انتقائه والله أعلم" .
2. من جهة نقده لها: والشوكاني رحمه الله أشد المفسرين انتقاداً للإسرائيليات فهو لم يدع فرصة تمر دون أن يوجه نقده اللاذع إليها وإليك نماذج من ذلك :
‌أ. قال في قصة هاروت وماروت في سورة البقرة (102): "وحاصلها راجع في تفاصيلها إلى أخبار بني إسرائيل إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى وظاهر سياق القرآن إجمال القصة من غير بسط ولا إطناب فيها فنحن نؤمن بما ورد في القرآن على ما أراده الله تعالى والله أعلم بحقيقة الحال".
‌ب. قال في أقوال بعض العلماء في تفسير السكينة الواردة في قوله تعالى: {إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم} (البقرة 248).
قال: "أقول هذه التفاسير المتناقضة لعلها وصلت إلى هؤلاء الأعلام من جهة اليهود أقماهم الله فجاءوا بهذه الأمور لقصد التلاعب بالمسلمين رضي الله عنهم والتشكيك عليهم وانظر إلى جعلهم لها تارة حيواناً وتارةً جماداً وتارة شيئاً لا يعقل وهكذا كل منقول عن بني إسرائيل يتناقض ويشتمل على ما لا يعقل في الغالب ولا يصح أن يكون مثل هذه التفاسير المتناقضة مروية عن النبي  ولا رأياً رآه قائله فهم أجل قدراً من التفسير بالرأي وبما لا مجال للاجتهاد فيه ".
‌ج. قال في التعليق على قول سعيد بن جبير "كانوا يقولون الألواح من ياقوتة ، وأنا أقول إنما كانت من زمرد وكتابها الذهب كتبها الله بيده فسمع أهل السماوات صريف الأقلام " قال: ( وأنا أقو ل رحم الله سعيداً ما كان أغناه عن هذا الذي قاله من جهة نفسه فمثله لا يقال بالرأي ولا بالحدس والذي يغلب على الظن أن كثيراً من السلف رحمهم الله كانوا يسألون اليهود عن هذه الأمور فلهذا اختلفت واضطربت أقوالهم فهذا يقول من خشب وهذا يقول من برد وهذا يقول من حجر ونحن نؤمن بذلك كما جاء في القرآن ولا نتكلف شيئاً لم يرد الدليل به والله أعلم ) .
‌د. قال الشوكاني : ( روى ابن أبي حاتم عن الحسن قال: كان اسم هدهد سليمان غبر وأقول : من أين جاء علم هذا للحسن رحمه الله ... وهو رحمه الله أورع الناس عن نقل الكذب ونحن نعلم أنه لم يصح عن الرسول  من ذلك شيء ونعلم أنه ليس للحسن إسناد متصل بسليمان أو بأحد من أصحابه فهذا العلم مأخوذ من أهل الكتاب وقد أمرنا أن لا نصدقهم ولا نكذبهم ) .
وبهذا نعلم أنه رحمه الله يقف من الإسرائيليات موقف الناقد الحصيف العارف ويضع الأمور في مواضعها ويوقعها في مواقعها.
ويتلخص لنا موقف الشوكاني رحمه الله في ما يلي :
1) أنه أورد عدد من الإسرائيليات في كتابه لكنه يمتاز بقلتها.
2) أنه ينقد هذه الروايات ولا يسكت عنها.
3) أنه يرى أن رواية الإسرائيليات سبب للاضطراب في التفسير والتناقض.
4) أن ما نقل في التفسير من قصص السابقين الغريبة إنما هو مأخوذ عن بني إسرائيل وليس منقولاً عن النبي  ولا هي من كلام السلف.
5) أنه يرى عدم الترخص برواية الإسرائيليات في التفسير يقول رحمه الله: "فإن ترخص مترخص بالرواية عنهم لمثل ما روي (حدثوا عن بين إسرائيل ولا حرج) فليس ذلك فيما يتعلق في تفسير كتاب الله سبحانه بلا شك بل فيما ذكر عنهم من القصص الواقعة لهم" وقد وافقه على ذلك أحمد شاكر والسعدي والألوسي كما سيأتي.
6) أن المنقول عنهم متناقض ويشتمل على مالا يعقل في الغالب.
7) أن مقصود بعض من أورد هذه المتناقضات هو التشكيك على المسلمين والتلاعب بهم.
8) يرى أن تفصيل تلك القصص ومعرفة فصولها من التكلف والفضول.




موقف الألوسي رحمه الله ( 1217هـ - ت : 1270 هـ ) من الإسرائيليات في كتابه (روح المعاني) :
تفسير الألوسي من أجل التفاسير وأوسعها وأجمعها . ومن ميزات هذا التفسير ، أن صاحبه يمحص فيه الروايات ويدقق فيه الأخبار،فيرفض الإسرائيليات رفضاً باتاً . يقول الشيخ قاسم القيسي مفتي بغداد ( ت :1955م ) في كتابه تاريخ التفسير ما نصه: "وأما تفسير العلامة الألوسي المسمى بروح المعاني فليس له في الحجج والتحقيق ثاني اشتمل على تسع مجلدات ضخام ، حوت من الدقائق والحقائق ما لا يسع شرحه كلام، وهو خال من الأباطيل والاسرائيليات والروايات الواهية والخلافات وجامع للمعقول والمنقول" .
ويظهر موقفه رحمه الله منها من خلال ما يلي :
1) يسمي الألوسي أصحاب الإسرائيليات بـ (أرباب الأخبار) أو (أهل الأخبار) ولا يثق بهؤلاء الإخباريين ،ويرفض قبول رواياتهم ، ويتمنى لو لم ترد في كتب الإسلاميين، حيث يقول في معرض تفنيده لقصة من هذه القصص التي أوردها: "ويا ليت كتب الإسلام لم تشتمل على هذه الخرافات التي لا يصدقها العاقل لأنها أضغاث أحلام".
و يقول رحمه الله: "وقد ذكر أهل الأخبار في ماهية البيت وقدمه وحدوثه ومن أي شيء كان باباه وكم مرة حج آدم ومن أي شيء بناه إبراهيم ومن ساعده على بنائه ومن أين جاء بالحجر الأسود" ثم يعقب فيقول: "أشياء لم يتضمنها القرآن العظيم ولا الحديث الصحيح وبعضها يناقض بعضاً وذلك على عادتهم في نقل ما دب ودرج".
2) يلاحظ أن الألوسي شديد النقد للإسرائيليات التي حشا بها كثير من المفسرين تفاسيرهم مع سخرية منه أحياناً : يقول الشيخ محمد أبو شهبه : ( ولم أر أحداً من المفسرين بعد العلامة الحافظ ابن كثير في تفسيره حارب الإسرائيليات والموضوعات مثل ما فعل الإمام الألوسي في تفسيره ) أ.هـ.
يقول في قوله تعالى :{ وخر موسى صعقاً} (الأعراف 142) قال: "ونقل بعض القصاصين أن الملائكة كانت تمر عليه أي على موسى عليه السلام حينئذ فيلكزونه بأرجلهم ... الخ" ثم يقول: "وهو كلام ساقط لا يعول عليه بوجه من الوجوه فإن الملائكة عليهم السلام مما يجب تبرئتهم من إهانة الكليم بالرجل والفحش في الخطاب".
ويقول في قصة عوج بن عنق التي رواها البغوي بعد أن قصها: "وليس العجب من جرأة من وضع هذا الحديث وكذبه على الله تعالى إنما العجب ممن يدخل هذا الحديث في كتب العلم من التفسير وغيره ولا يبين أمره" ثم قال: "ولا ريب أن هذا وأمثاله من صنع زنادقة أهل الكتاب الذين قصدوا الاستهزاء والسخرية بالرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم".
ويقول في التعليق على الأخبار في وصف سفينة نوح عليه السلام: "وسفينة الأخبار في تحقيق الحال فيما أرى لا تصلح للركوب فيها إذ هي غير سالمة من عيب فالحري بحال من يميل إلى الفضول أن يؤمن بأنه عليه السلام صنع الفلك حسبما قص الله تعالى في كتابه ولا نخوض في مقدار طولها وعرضها وارتفاعها ومن أي خشب صنعها وبكم مدة أتم عملها إلى غير ذلك مما لم يشرحه الكتاب ولم تبينه السنة الصحيحة".
ويعلق على من وصف التابوت بعد أن قال: "فقال أرباب الأخبار" ثم نقل أقوالاً فيه وأنه صندوق تناقله الكرماء ... ثم قال: "ولم أر حديثاً صحيحاً مرفوعاً يعول عليه يفتح قفل هذا الصندوق ولا فكراً كذلك".
وأشد ما ينتقده هو ما يمس الأنبياء وعصمتهم كما في سورة ( ص ) آية : (21-24)
3) أن الألوسي رحمه الله ربما أنكر ظاهر بعض القصص الإسرائيلية ثم يفسرها تفسيراً شارياً بعيداً كل البعد عن الحق وروح الإسلام: نقل في قصة هاروت وماروت قصة إسرائيلية أن امرأة اسمها زهرة تعلمت منهما السحر فصعدت إلى السماء فمسخت هذا النجم فأرادا العروج لها فلم يستطيعا، ثم قال: "يراد من الملكين العقل العملي والعقل النظري اللذان هما من عالم القدس، ومن المرأة المسماة بالزهرة النفس الناطقة " هذا على الرغم من إنكاره لبعض العلماء لأخذهم بظاهر القصة إلا أنه اعتبرها من الرموز والإشارات. قال الدكتور رمزي نعناعة: "ولا أدري سامحه الله كيف أعطى هذه القصة مدلولاً رمزياً وهي خرافية وهو نفسه أنكرها ظاهراً عجباً للألوسي إذا كانت القصة موجودة فكيف ينكر ظاهرها وإن لم تكن موجودة فكيف أعطاها ذلك المدلول والحق أن نزعة التصوف من الألوسي أوقعته في مثل هذه الشطحة البعيدة"
4) أن الألوسي رحمه الله مع رفضه الشديد للإسرائيليات إلا أنه يفوته أحياناً بعضها وينساق في تيارها كما في قوله {وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلاً لكل شيء} أورد الاختلاف في عدد الألواح وفي جوهرها ومقدارها وكاتبها ثم قال: "والمختار عندي أنها من خشب". وكما روى في عصا موسى وصفتها وكما في عدد بني إسرائيل أثناء التيه، وإيراده لها دون التعقيب يؤكد عدم خلو عدد كبير من كتب التفسير ـ بل حتى من المتشددين في ذكرها ـ من الإسرائيليات. وقد يعتذر أحياناً بأنه قصد من وراء روايته لها إشباع شهوة المولعين بالأخبار كما في قوله: {وإذا وقع القول عليهم} ذكروا روايات كثيرة من صفة الدابة ثم قال: "وإنما نقلت بعض ذلك دفعاً لشهوة من يحب الاطلاع على شيء من أخبارها صدقاً كان أو كذباً". وانظر أيضاً في إثباته لها تفسير ( سورة يوسف: 80) وسورة النمل (22) وسورة لقمان (12).
ويمكن تلخيص منهجه من النقاط التالية:
1) انه من أشد المفسرين انتقاداً لها.
2) قلة روايته للإسرائيليات.
3) يرد بعض الإسرائيليات لمخالفتها العقل أو المعلوم من الشرع أو لما تمس من عصمة الأنبياء أو لضعف السند والوضع.
4) قد يفسر بعض الإسرائيليات بالإشارات والرموز .
5) أنه فاته بعض الإسرائيليات فأوردها ولم يعقب عليها ولعل السبب هو إشباع رغبة القارئ الشغوف بها.
6) أن من الإسرائيليات ما وضعه الزنادقة من أهل الكتاب للاستهزاء والسخرية بالرسل واتباعهم.
7) يرى أن الالتفات لها فضول.


موقف الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله (ت 1376 هـ) من الإسرائيليات من خلال كتابه (تيسير الكريم الرحمن) :
لم يذكر الشيخ رحمه الله في مقدمته ما يدل على طريقته ونهجه في ذكر الإسرائيليات وموقفها منها ، إلا أنه أشار إلى ذلك في ثنايا الكتاب ويمكن تلخيص منهجه من خلال ما يلي:
1) أن الشيخ رحمه الله من المقلين جداً في ذكر الإسرائيليات بل لا تكاد توجد فيه إلا نادراً : قال الشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل وهو أحد طلبة الشيخ وسمع منه بعض التفسير: (فهو يعتني بإيضاح المعنى المقصود من الآية بكلام مختصر مفيد، مستوعب لجميع ما تضمنته الآية من معنى أو حكم ... دون إطالة أو استطراد أو ذكر قصص أو إسرائيليات) .
وقال الدكتور عبد الرحمن اللويحق: (فكان كتابه فتحاً في هذا العلم إذ أوقف القارئ على المراد وأعانه على تدبر المنزل دون أن يقف به على المشغلات الصارفات عن ذلك كالبحوث اللغوية الصرفة والاسرائيليات ونحوها) .
2) يرى الشيخ رحمه الله أنه لا يجوز جعل الإسرائيليات تفسيراً لكتاب الله تعالى:
قال بعد تفسير الآية (74) من سورة البقرة: (واعلم أن كثيراً من المفسرين رحمهم الله قد أكثروا في حشوا تفاسيرهم من قصص بني إسرائيل ونزلوا عليها الآيات القرآنية وجعلوها تفسيراً لكتاب الله ، محتجين بقوله  : (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج) ، والذي أرى أنه وإن جاز نقل أحاديثهم على وجه تكون مفردة غير مقرونة ولا منزلة على كتاب الله ، فإنه لا يجوز جعلها تفسيراً لكتاب الله قطعاً إذا لم تصح عن رسول الله  ذلك أن مرتبتها كما قال  : (لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم) ، فإذا كان مرتبتها أن تكون مشكوكاً فيها ، وكان من المعلوم بالضرورة من دين الإسلام أن القرآن يجب الإيمان به ، والقطع بألفاظه ومعانيه فلا يجوز أن تجعل تلك القصص المنقولة بالروايات المجهولة التي يغلب على الظن كذبها أو كذب أكثرها معاني لكتاب الله مقطوعاً بها ولا يستريب بهذا أحد لكن بسبب الغفلة عن هذا حصل ما حصل والله الموفق) .
3) يرى رحمه الله أن من أوجه رد الإسرائيليات مخالفتها اللفظ العربي أو للمعنى أو لهما أو للعقل:
قال رحمه الله في تفسيره للآية (20) من سورة النمل: (ولم يصنع شيئاً من قال أنه تفقد الطير لينظر أين الهدد منها ليدله على بعد الماء وقربه ..فإن هذا القول لا يدل عليه دليل بل الدليل العقلي واللفظي دال على بطلانه) ثم ذكر الدليلين ثم قال:
(وهذه التفاسير التي توجد وتشتهر بها أقوال لا يعرف غيرها تنقل هذه الأقوال عن بني إسرائيل مجردة ويغفل الناقل عن مناقضتها للمعاني الصحيحة وتطبيقها على الأقوال ثم لا تزال تتناقل ، وينقلها المتأخر مسلماً للمتقدم حتى يظن أنها الحق فيقع من الأقوال الردية في التفاسير ما يقع ، واللبيب الفطن ، يعرف أن هذا القرآن الكريم ، العربي المبين ، الذي خاطب الله به الخلق كلهم ، عالمهم وجاهلهم ، وأمرهم بالتفكر في معانيه ، وتطبيقها على ألفاظه العربية المعروفة المعاني التي لا تجهلها العرب العرباء، وإذا وجد أقوالاً منقولة عن غير رسول الله  ، ردها إلى هذا الأصل ، فإن وافقته قبلها ، وإن خالفته لفظاً ومعنى أو لفظاً أو معنى، ردها وجزم ببطلانها ، لأن عنده أصلاً معلوماً مناقضاً لها وهو ما يعرفه من معنى الكلام ودلالته) أ.هـ.
4) أنه مع تحرز الشيخ من ذكر الإسرائيليات إلا أنه أثبتها في مواطن نادرة في كتابه:
قال الشيخ في تفسير قوله تعالى: {وألقينا على كرسيه جسداً}: (أي شيطاناً قضى الله وقدر أن يجلس على كرسي ملكه ، ويتصرف في الملك في مدة فتنة سليمان) .
وقال في قوله تعالى { وخذ بيدك ضغثاً} أي حزمة شماريخ: (فاضرب به ولا تحنث ) قال المفسرون : وكان في مرضه وضره قد غضب على زوجته في بعض الأمور فحلف لأن شفاه الله أن يضربها مائة جلدة فلما شفاه الله وكانت امرأة صالحة محسنة إليه رحمها الله ورحمه فأفتاه أن يضربها بضغث فيه مائة شمراخ فيبر في يمينه) أ.هـ.

موقف الشيخ الأمين رحمه الله تعالى ( ت : 1393 هـ ) من الاسرائيليات كما في كتابه ( أضواء البيان ) :
لم يبين الشيخ رحمه الله منهجه في مقدمته في ذكر الاسرائيليات في التفسير حتى قال الدكتور محمود النقراشي في كتابه مناهج المفسرين عن أضواء البيان : ( أنه أضرب صفحاً عما ينسب إلى النقل عن أهل الكتاب ولم يوضح لنا شيئاً فيه ) .
إلا أن الشيخ الأمين رحمه الله قد بين موقفه منها أثناء تفسيره لبعض الآيات ويتلخص ذلك فيما يلي :
1) الإعراض عن ذكر الإسرائيليات مما لا فائدة في البحث عنه ولا دليل على التحقيق فيه ولعله هو غالب الإسرائيليات : قال رحمه الله في تفسير سورة الكهف عند قوله تعالى : {وكلبهم باسط ذراعيه} : ( ففي القرآن العظيم أشياء كثيرة لم يبينها الله لنا ولا رسوله  ولم يثبت في بيانها شيء والبحث عنها لا طائل تحته ولا فائدة فيه، وكثير من المفسرون يطنبون في ذكر الأقوال فيها بدون علم ولا جدوى، ونحن نعرض عن مثل ذلك دائماً ، كلون كلب أصحاب الكهف واسمه ، وكالبعض الذي ضرب به القتيل من بقرة بني إسرائيل ، وكاسم الغلام الذي قتله الخضر ، وأنكر عليه موسى قتله ، وكخشب سفينة نوح من أي شجر هو ، وكم طول السفينة وعرضها ، وكم فيها من الطبقات ، إلى غير ذلك مما لا فائدة في البحث عنه ، ولا دليل على التحقيق فيه) أ.هـ.
ويقول في سورة الإسراء عند قوله {وإن عدتم عدنا}: (وتركنا بسط قصة الذين سلطوا عليهم في المرتين لأنها أخبار إسرائيلية وهي مشهورة في كتب التفسير والتاريخ والعلم عند الله تعالى) .أ.هـ.
ويقول أيضاً في سورة الكهف: (واعلم أن قصة الكهف وأسمائهم وفي أي محل من الأرض كانوا كل ذلك لم يثبت فيه عن النبي  شيء زائد على ما في القرآن وللمفسرين في ذلك أخبار كثيرة إسرائيلية أعرضنا عن ذكرها لعدم الثقة بها ) .أ.هـ.
وقال في قصة صاحب الجنة في سورة الكهف : ( وكلام المفسرين في الرجلين المذكورين هنا في قصتهما كبيان أسمائهما ومن أي الناس هما أعرضنا عنه لما ذكرنا سابقاً من عدم الفائدة فيه وعدم الدليل المقنع عليه ) أ.هـ.
2) أنه رحمه الله أورد عدداً من الإسرائيليات في كتابه ثم انتقدها إما لمخالفتها المعنى المشهور من كلام العرب وإما لمخالفتها عصمة الأنبياء وإما لعدم الثقة بها :
• فأما إيراده لها فقد أوردها رحمه الله في معنى الرقيم في قوله : { أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم .. } وفي معنى {مجمع البحرين} بل ذكر في سورة يوسف في معنى البرهان الذي رآه يوسف عليه السلام نقلاً عن الدر المنثور أربعاً وعشرين رواية ثم انتقدها .
• وأما نقده رحمه الله :
 فإما أن يكون لعدم ثقته بها كما مر في كلامه .
 وإما أن يكون لمخالفتها المعنى المشهور من كلام العرب قال في رده على من قال إن المراد بقوله " وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد " أنه رجل منهم لا كلب حقيقي واستدل على ذلك بالقراءة الشاذة " وكالبهم باسط ذراعيه " وقراءة " وكالئهم " قال : ( وقوله جل وعلا " باسط ذراعيه " قرينة على بطلان ذلك القول لأن بسط الذراعين معروف من صفات الكلب الحقيقي ... وهذا المعنى المشهور من كلام العرب ، فهو قرينة على أنه كلب حقيقي ) ثم وجه القراءة الشاذة .
 وإما أن يكون نقده لما في القصة من قدح في مقام الأنبياء عليهم السلام : كما قال في رده على الروايات التي أوردها في قصة يوسف في معنى البرهان قال : ( هذه الأقوال التي رأيت نسبتها إلى هؤلاء العلماء منقسمة إلى قسمين : قسم لم يثبت نقله عن من نقل عنهم بسند صحيح وهذا لا إشكال في سقوطه ، وقسم ثبت عن بعض من ذكر ، ومن ثبت عنه شيء من ذلك فالظاهر الغالب على الظن المزاحم لليقين أنه إنما تلقاه عن الإسرائيليات لأنه لا مجال للرأي فيه ولم يرفع منه قليل ولا كثير إليه  ، وبهذا تعلم أنه لا ينبغي التجرؤ على القول في نبي الله يوسف ... اعتماداً على مثل هذه الروايات مع أن في الروايات المذكورة ما تلوح عليه لوائح الكذب ) أ.هـ.
كما قال رحمه الله في تفسيره سورة الكهف : ( فما يذكره المفسرون في تفسير قوله تعالى : " ولقد فتنا سليمان .. " الآية ، من قصة الشيطان الذي أخذ الخاتم وجلس على كرسي سليمان ... لا يخفى أنه باطل لا أصل له وأنه لا يليق بمقام النبوة فهو من الإسرائيليات التي لا يخفى أنها باطلة ) .
 وإما أنه يرى أنه لا فائدة في بحث ذلك ولا دليل عليه : كما قال بعد سرد الأقوال في معنى " مجمع البحرين " : ( ومعلوم أن تعيين البحرين من النوع الذي قدمنا أنه لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ، وليس في معرفته فائدة فالبحث عنه تعب لا طائل تحته وليس عليه دليل يجب الرجوع عليه) . أ.هـ.
3) قسم رحمه الله الإسرائيليات إلى الأقسام الثلاثة المشهورة فقال : ( ومن المعلوم أن ما يروى عن بني إسرائيل من الأخبار المعروفة بالإسرائيليات له ثلاث حالات : في واحدة منها يجب تصديقه وهي ما إذا دل الكتاب أو السنة الثابتة على صدقه ، وفي واحدة يجب تكذيبه وهي ما إذا دل الكتاب أو السنة أيضاً على كذبه ، وفي الثالثة لا يجوز التكذيب ولا التصديق ... وهي ما إذا لم يثبت في كتاب ولا سنة صدقه ولا كذبه ، وبهذا التحقيق تعلم أن القصص المخالفة للقرآن والسنة الصحيحة التي توجد بأيدي بعضهم زاعمين أنها في الكتب المنزلة يجب تكذيبهم فيها لمخالفتها نصوص الوحي الصحيح التي لم تحرف ولم تبدل والعلم عند الله تعالى) . أ.هـ .






موقف سيد قطب رحمه الله (ت: 13/5/1386هـ) من الإسرائيليات من خلال كتابه (في ظلال القرآن) :
لم يبين المؤلف رحمه الله موقفه في مقدمته إلا أنه أشار في كتابه إلى أنه يرفض إيراد الإسرائيليات في التفسير ويحذر منها ويعدها أساطير لا سند لها صحيح ولهذا فإنه لا تكاد توجد في تفسيره رواية إسرائيلية يوليها اهتمامه بل كان يعيب على كثير من المفسرين السابقين عنايتهم بها:
يقول رحمه الله في قوله سبحانه: {حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور} [هود: 40] : (وتتفرق الأقوال حول فوران التنور ويذهب الخيال ببعضهم بعيداً وتبدوا رائحة الإسرائيليات وفي قصة الطوفان كلها واضحة ، أما نحن فلا نضرب في متاهة بغير دليل في هذا الغيب الذي لا نعلم منه إلا ما يقدمه لنا النص وفي حدود مدلوله بلا زيادة). ثم قال: (وأساطير بني إسرائيل المدونة في ما يسمونه (العهد القديم) تحوي كذلك ذكرى طوفان نوح ... لكن هذا كله شيء لا ينبغي أن يذكر في معرض الحديث القرآني عن الطوفان ولا ينبغي أن يخلط الخبر الصادق الوثيق بمثل هذه الروايات الغامضة وهذه الأساطير المجهولة المصدر والأسانيد) ثم ذكر تحريف التوراة والإنجيل ثم قال: (ومن ثم لا يجوز أن يطلب عند تلك الكتب جميعها يقين في أمر من الأمور) .



موقف الإمام البقاعي رحمه الله من الإسرائيليات من خلال كتابه ( أوردته استطراداً )
(نظم الدرر) و (الأقوال القويمة):
حقق البقاعي رحمه الله ذلك وأشبع القول في كتابه (نظم الدرر) و(الأقوال القويمة) فهو يرى أن النقل من الكتب القديمة جائز ويستشهد على صحة ذلك بحادثة الرجم ويذكر عدة أحداث من استشهاد النبي  بالتوراة على صحة ما يدعيه وكل ذلك يذكره البقاعي تمهيداً للرأي المقبول عنده في جواز النقل من الكتب القديمة .
نقل عنه الدكتور رمزي نعناعة أنه قال في كتابه (الأقوال القويمة في حكم النقل من الكتب القديمة [مخطوط]) ما نصه: (حكم النقل عن بني إسرائيل ولو كان في ما لا يصدقه كتابنا ولا يكذبه الجواز وإن لم يثبت ذلك المنقول ، وكذا ما نقل عن غيرهم من أهل الأديان الباطلة ، لأن المقصود الاستئناس لا الاعتماد بخلاف ما يستدل به في شرعنا فإنه العمدة في الاحتجاج للدين فلا بد من ثبوته ، فالذي عندنا من الأدلة ثلاثة أقسام: موضوعات ، وضعاف ، وغير ذلك ، فالذي ليس بموضوع ولا ضعيف مطلق الضعف يورد للحجة ، والضعيف المتماسك للترغيب ، والموضوع يذكر لبيان التحذير منه بأنه كذب ، فإن وازنت ما ينقله أئمتنا من أهل ديننا للاستدلال لشرعنا بما ينقله الأئمة عن أهل الكتاب ، سقط من هذه الأقسام الثلاثة في النقل عنهم ما هو للحجة فإنه لا ينقل عنهم ما يثبت به حكم من أحكامنا ، ويبقى ما يصدقه كتابنا فيجوز نقله وإن لم يكن في حيز ما يثبت لأنه في حكم الموعظة لنا ، وأما ما كذبه كتابنا فهو كالموضوع لا يجوز نقله إلا مقروناً ببيان حاله) .أ.هـ.
ونقل عنه في كتابه (نظم الدرر) عند تفسير قوله تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم} من سورة البقرة ما نصه: (فإن أنكر منكر الاستشهاد بالتوراة والإنجيل ، وعمي عن الأحسن في باب النظر أن يرد على الإنسان بما يعتقد تلوت عليه قول الله تعالى استشهاداً على كذب اليهود: {قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين} وقوله تعالى: {وأنزلنا إليك الكتاب مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه} في آيات من أمثال ذلك كثيرة ، وذكرته باستشهاد النبي  بالتوراة في قصة الزاني ...). ثم ذكر أحاديث استدل بها على ذلك ثم قال: "هذا فيما يصدقه كتابنا ، وأما مالا يصدقه ولا يكذبه فقد روى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي  قال: (حدثوا عن بين إسرائيل ولا حرج) ... فإن دلالة هذا على سنية ذكر مثل ذلك أقرب من الدلالة على غيرها ، ولذا أخذ كثير من الصحابة رضي الله عنهم عن أهل الكتاب " ، ثم ذكر منع بعض الأئمة من قراءة شيء من الكتب القديمة ثم قال: (هذا مخصوص بما علم تبديله بدليل أن كل من قال ذلك فقد علل بالتبديل فدار الحكم معه) .أ.هـ.
والذي يظهر من منهجه رحمه الله أن يرى جواز النقل عنهم وإن لم يثبت ذلك المنقول ما لم يكذبه كتابنا ويميل إلى سنية ذلك ، وأن القصد من ذلك الاستئناس لا الاعتماد ، وأنه لا ينقل عنهم ما هو للحجة ولا ما يثبت به حكم من أحكامنا وأن ما كذبه كتابنا فهو كالموضوع لا يجوز نقله إلا مقروناً ببيان حاله ، ويرى أنه ينقل عنهم في معرض الرد عليهم لأن الأحسن في باب النظر أن يرد على الإنسان في ما يعتقد.

موقف محمد عبده من الإسرائيليات :
1) يرى عدم جواز حشو التفسير بهذه الإسرائيليات:
يقول عند تفسيره لقوله تعالى {وقولوا حطة} بعد أن ذكر بعض أقوال المفسرين: "ومنشأ هذه الأقوال الروايات الإسرائيلية ، ولليهود في هذا المقام كلام كثير وتأويلات خدع بها المفسرون ولا نجيز حشوها في تفسير كلام الله تعالى"
كما يرى عدم جواز إلحاق شيء من ذلك بالوحي إلا ما ثبت عن المعصوم : قال عن التفاسير: (كما ولعوا بحشوها بالقصص والإسرائيليات التي تلقفوها من أفواه اليهود و ألصقوها بالقرآن لتكون بياناً له وتفسيراً وجعلوا ذلك ملحقاً بالوحي والحق الذي لا مرية فيه أنه لا يجوز إلحاق شيء بالوحي غير ما تدل عليه ألفاظه وأساليبه إلا ما ثبت بالوحي عن المعصوم الذي جاء به ثبوتاً لا يخالطه الريب)أ.هـ.
2) يرى أنها صارفة عن العبرة : قال في تفسير قوله تعالى {ألم تر إلى الذي خرجوا من ديارهم وهم ألوف ...}: (فنأخذ القرآن على ما هو عليه لا ندخل فيه شيئاً من الروايات الإسرائيلية التي ذكروها وهي صارفة عن العبرة لا مزيد كمال فيها)أ.هـ.
3) إلا أنه مع ذلك قد وقع في ذكر الإسرائيليات بل وتحريف معنى النص القرآني ليوافق نصوص أهل الكتاب : حيث ذهب في معنى قوله تعالى {وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ...} إلى أن المراد في الآيات بيان نوع من التشريع الموجود عند بني إسرائيل يتوصل به إلى معرفة القاتل المجهول ثم يربط بين هذا المعنى وبين ما جاء في التوراة فيقول: (على أن هذا الحكم منصوص في التوراة وهو أنه إذا قتل قتيل لم يعرف قاتله فالواجب أن تذبح بقرة غير ذلول في واد دائم السيلان ويغسل جميع شيوخ المدينة القريبة من المقتل أيديهم على العجلة التي كسر عنقها في الوادي...).

موقف الشيخ محمد رشيد رضا (27/5/1282هـ-23/5/1354هـ) من الإسرائيليات من خلال كتابه (المنار):

يقول الشيخ في مقدمة المنار: (كان من سوء حظ المسلمين أن أكثر ما كتب في التفسير يشغل قارئه عن هذه المقاصد العالية والهداية السامية ، فمنها ما يشغله عن القرآن بمباحث الإعراب ... وبعضها يلفته عنه بكثرة الروايات وما مزجت به من خرافات الإسرائيليات) إلى أن قال: (وغرضنا من هذا كله أن أكثر ما روي في التفسير المأثور أو كثيره حجاب على القرآن ، وشاغل لتاليه عن مقاصده العالية ، المزكية للأنفس المنورة للعقول ، فالمفضلون للتفسير المأثور لهم شاغل عن مقاصد القرآن بكثرة الروايات التي لا قيمة لها سنداً ولا موضوعاً )
فقد أشار رحمه الله في هذه المقدمة إلى عدم رضاه عن إدخال الإسرائيليات في التفسير ... ويظهر لنا موقفه من خلال ما يلي:
1) هو من أشد المفسرين إنكاراً للإسرائيليات ، وأعنفهم على من خدعوا بها وروجوا لها ... وهو يضرب صفحاً عن ذكرها وقد يشير إليها ويبين بطلانها :
يقول في تفسير سورة الأعراف عند قوله : ( وزادكم في الخلق بسطة ) قال : ( وفي التفسير المأثور روايات إسرائيليةُ الأصلِ في المبالغة في طولهم وقوتهم لا يعتمد عليها ولا يحتج بشيء منها ) أ.هـ .
ويقول أيضاً لما عرض لقصة نوح في سورة هود : ( وأما ما حشا المفسرون به تفاسيرهم من الروايات في هذه القصة وغيرها عن الصحابة والتابعين وغيرهم فلا يعتقد بشيء منه ولم يرفع شيء منه إلى النبي  ) إلى أن قال : ( وكل ذلك من الأباطيل الإسرائيلية المنفرة عن الإسلام ).
2) قد يذكر الروايات الإسرائيلية التي تناقلها المفسرون ثم يقارنها بما في التوراة متخذاً من ذلك دليلاً على كذبها كأنما التوراة عنده هي الأصل المعتمد أو القياس الذي تقاس عليه روايات المفسرين المسلمين فما وافقها فهو حق وما خالفها فهو باطل :
ومثال ذلك أنه عندما فسر قوله تعالى في سورة المائدة " قالوا يا موسى إن فيها قوماً جبارين ..." قال : ( أما ما روي في التفسير المأثور من وصف هؤلاء الجبارين فأكثره من الإسرائيليات الخرافية التي كان يبثها اليهود في المسلمين فرووها من غير غزو إليهم ... ) ثم يقول بعد أن أورد بعض ما ورد عن المفسرين : ( وهذه القصة مبسوطة في الفصل الثالث عشر والرابع عشر من سفر العدد الذي هو السفر الرابع من أسفار التوراة وفي أولهما ... ) ومضى في نقل بعض أخبارهم من التوراة ثم قال : ( فأنت ترى أنه ليس في الرواية المعتمدة عند بني إسرائيل تلك الخرافات التي بثوها بين المسلمين في العصر الأول وإنما فيها من المبالغة ... ) .
قال الدكتور محمد حسين الذهبي : ( ولست أرى وجهاً للمقارنة بين ما ذكره المفسرون وما نقل عن التوراة فالتوراة دخلها التحريف والتبديل فالاحتكام إليها غير صحيح ، ثم لِمَ يهوِّن الشيخ من مبالغات التوراة وما فيها قريب مما كتب في التفسير ؟ الحق أن هذا مسلك ما كان للشيخ رحمه الله أن يسلكه ) .
ويقول عند الآيات الواردة في قصة آدم عليه السلام من سورة الأعراف : ( ومن أراد الإسرائيليات فليرجع إلى المتفق عليه عند أهل الكتاب ليعلم الفرق بين ما عندنا وما عندهم بأن يراجع هنا سائر ما ورد في القصة بعد الذي نشرناه منها في سفر التكوين دون غيره مما لا يعرف له أصل عندهم ، هو في الفصل الثالث منه .. ) ثم يسوق ملخص ما في سفر التكوين ثم يقول : ( إذا علمت هذا فلا يغرنك شيء مما يروى في التفسير المأثور في تفصيل هذه القصة فأكثره لا يصح وهو أيضاً مأخوذ من تلك الإسرائيليات المأخوذة عن زنادقة اليهود الذين دخلوا في الإسلام للكيد له وكذلك الذين لم يدخلوا فيه ) .
قال الدكتور محمد حسين الذهبي : وواضح كل الوضوح أنه يريد أن يقول إن ما في كتب التفسير من الإسرائيليات كذب لمخالفته لسفر التكوين وهو الأصل المعتمد عند اليهود أما ما في كتب التفسير فإنه يرجع إلى مصادر أخرى لا يعرف لها أصل عندهم وإنما هي من وضع زنادقتهم ... وعجيب كل العجب أن الشيخ رحمه الله يقرر في أكثر من موضع في تفسيره مثل هذا ثم يناقض نفسه فيقول في سفر التكوين تحت عنوان "سفر التكوين ليس من التوراة" ما نصه: (وسفر التكوين هذا ليس حجة قطعية فيما ذكر فيه فضلاً عما سكت عنه)
وأعجب العجب أن ترى صاحب المنار وهذا رأيه في سفر التكوين وفي التوراة يقرر أن بعض ما في التوراة يصلح تفسيراً لبعض النصوص القرآنية وذلك في أكثر من موضع...
فمثلاً عندما فسر قوله تعالى الآية (133) من سورة الأعراف {فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد ...} نراه يذكر الروايات التي أوردها بعض المفسرين في شأن الطوفان ، ثم يعقب عليها ببيان بطلانها ثم يقول: (وأولى الآثار بالقبول قول ابن عباس الأول الموافق للمتبادر من اللغة ... وما عدا ذلك فمن الإسرائيليات ، وأولاها بالقبول ما لا يخالف القرآن من أسفار التوراة نفسها وهو ما ننقله عنها) .. ثم ساق الشيخ رشيد ما جاء في شأن الطوفان في الفصل التاسع من سفر الخروج وفيه من الأخبار الإسرائيلية ما لا يقوم دليل على صحته مما بأيدينا من القرآن والسنة .
وقد ذكر الشيخ الذهبي أمثلة كثيرة لاستشهاده بالتوراة وجعلها تفسيراً لكلام الله تعالى.
3) لقد تجاوز الشيخ الحد في إنكار الإسرائيليات حتى أنه لينكر الأخبار الصحيحة ويزعم أنها من قبيل الإسرائيليات لمجرد غرابتها كما في قصة الجساسة والدجال ونزول عيسى عليه السلام وغير ذلك من أحاديث الفتن وأشراط الساعة :
قال: (وجملة الأقوال في حديث الجساسة أن ما فيه من العلل والاختلاف والإشكال من عدة وجوه يدل على أنه مصنوع ، وأنه على صحته ليس له حكم المرفوع وكذا يقال في سائر أحاديث الدجال المشكلة). قال: (ومنه يعلم أيضاً أن يد بطل هذه الإسرائيليات الأكبر كعب الأحبار قد لعبت لعبها في مسألة الدجال "في كل وادٍ أثر من ثعلبة").
وقال بعد أن شكك في أحاديث الفتن وأشراط الساعة: (فكل حديث مشكل المتن أو مضطرب الرواية أو مخالف لسنن الله تعالى أو لأصول الدين أو نصوصه القطعية أو للحسيات وأمثالها من القضايا اليقينية ، فهو مظنة لما ذكرناه ، فمن صدّق رواية مما ذكر ولم يجد فيها إشكالاً فالأصل فيها الصدق ، ومن ارتاب في شيء منها ، أو أورد عليه بعض المرتابين والمشككين إشكالاً في متونها ، فيلحمله على ما ذكرنا من عدم الثقة بالرواية لاحتمال كونها من دسائس الإسرائيليات أو خطأ الرواية بالمعنى أو غير ذلك مما أشرنا إليه) .
وقد رد ما في البخاري عن أبي هريرة عن النبي  قال: (قيل لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة ، فدخلوا يزحفون على أستاههم فبدلوا وقالوا: حطة حبة في شعرة) حيث أورده في تفسير الآية ثم علق عليه وقال: (ومنشأ هذه الأقوال الروايات الإسرائيلية ولليهود في هذا المقام كلام كثير وتأولات خدع بها المفسرون ولا نجيز حشوها في كلام الله تعالى وأقول: أن ما اختاره الجلال مروي في الصحيح ولكنه لا يخلو من علة إسرائيلية).
وقد ذكر في رده أن أبا هريرة لم يصرح بالسماع فيحتمل أنه سمعه من كعب الأحبار لأنه كان يروي عنه!!.
4) حمله هذا الإنكار للإسرائيليات على الكلام على رواة الإسرائيليات وتضعيف بعض الثقات والطعن فيهم:
وهو يخالف الجمهور في تعديل كعب رحمه الله بل ويقسوا عليه في العبارة كما قال بعد رواية لكعب في شأن الدجال: بمثل هذه العبارات كان كعب الأحبار يغش المسلمين ليفسد عليهم دينهم وسنتهم وخدع به الناس لإظهاره التقوى ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم).
ويقول عن وهب: (أنا أسوأ ظناً فيه على ما روى من كثرة عبادته ويغلب على ظني أنه كان له ضلع مع قومه الفرس الذين كانوا يكيدون للإسلام والعرب ويدسون لهم من باب الرواية ومن طريق التشيع) .
وقال : (وقد هدانا الله من قبل إلى حل بعض مشكلات أحاديث أبي هريرة المعنعنة على الرواية عن كعب الأحبار الذي أدخل على المسلمين شيئاً كثيراً من الإسرائيليات الباطلة والمخترعة وخفي على كثير من المحدثين كذبه ودجله لتعبده) .
بل وصف كعباً ووهباً بأنهما شر رواة الإسرائيليات أو أشدهم تلبيساً وخداعاً للمسلمين.
5) مع كل ما سبق فقد وقع الشيخ محمد رشيد رضا فيما كان يحذر منه من ذكر الإسرائيليات في التفسير :
كما في قوله {فقلنا اضربوه ببعضها} قال: (ويروون في هذا الضرب روايات كثيرة ...) ثم ذكر الأقوال وكما أورد في قصة التابوت عن وهب بعض القصص الإسرائيلية.
الاسرائيليات وموقف المعاصرين منها
 
استيضاح

استيضاح

بسم الله :
الأخ فهد جزاك الله خيراً على هذه الدراسة المفيدة التي تصلح لأن تكون رسالة علمية بعنوان ( ضوابط رواية الإسرائيليات في التفسير ) إذ شروط رواية الإسرائيليات من الناحية العملية أكثر في عمل المفسرين من الناحية النظرية ،وأسأل الله أن يبارك في جهدك وتسرع بالأقسام الأخرى، ولكن لي بعض الاستيضاحات :
لم تعطنا تعريفاً معتمداً للإسرائيليات حسب المنهج الذي مشيت عليه من مقارنة تعريف الإسرائيليات من الكتب التي اعتمدت عليها وخاصة تعريف أبو شهبة في كتابه عن الإسرائيليات .
بالنسبة لعمل الألوسي من خلال إشاراته المستفادة من القصص الإسرائيلية ، ألا يمكن اعتبار هذه القصص من القصص التي يستفاد منها أموراً تربوية ، فإننا نفرق بين القصص التربوية التي قد ينسجها أحدنا لولده من الخيال ليعلمه خلقاً من هذه القصة ، وهي غير القصص التاريخية التي ينبغي التثبت فيها ، فبطلان القصة لا يعني عدم الاستفادة من بعض اللفتات التربوية التي قد تقدح في الذهن عند سماعها ، فما رأيك بهذا الكلام .
ثم ما رأيكم بفعل ابن كثير في البداية والنهاية عندما فسر الآيات الواردة في قصص الأنبياء من كتب أهل الكتاب أم أنه يجوز استخدام الإسرائيليات في التاريخ ولا يجوز في التفسير ؟
 
أخي الكريم مرهف وفقه الله ..
بالنسبة لموضوع التعريف فسيأتي إن شاء الله في نهاية البحث المختصر كلام قد يكون جواباً وكان المقصود من هذا البحث كما سبق في الأعلى هو معرفة موقف المعاصرين من هذه الإسرائيليات أما تعريفها ففي ظني أنه أحد رأيين بحسب ما مر معي في البحث :
الأول : من عرفها بأنه ما نقل من قصص بني إسرائيل من كتبهم .
الثاني : ما تحدثت عنهم .
ولذا نجد بعض العلماء كالسعدي قد يسمي الرواية إسرائيلية ولو كانت حديث نبوي في معرض كلامه عن الإسرائيليات قال : ( فإنه لا يجوز جعلها تفسيراً لكتاب الله قطعاً إذا لم تصح عن رسول الله  ذلك أن مرتبتها كما قال  : (لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم) ) وكما سيأتي في كلام غيره من المعاصرين .
والذي يظهر لي أن مرجع التعريفين واحد فالعلماء متفقون على أن ما صح عن رسول الله مقبول.
والأدق تعريفها بما نقل من كتبهم إذ هو محل البحث والخذ والرد.

وأرجو أن يتسع البحث مستقبلا للحديث عن التفريق بين روايتها وبين ربطها بالقرآن وسيمر كلام بعض المعاصرين في ذلك .
وأما السؤال عن كلام الألوسي رحمه الله فيستدعي الكلام حول التفسير الإشاري وكلام الإمام ابن القيم فيه معلوم من حيث شروطه ولبعض مشائخنا نظرات جميلة في هذا التفسير لعلها ترى النور .

وأما الكلام حول الاستفادة من القصص ولو لم تصح فقد أثرت كامناً في هذا الموضوع ، ولعلي أستأذنك في قول ما يلي :
1- من أعظم الأمور التي ينبغي لطالب العلم العناية بها العناية بتربية نفسه وطلابه وهذه مهمة العلماء قال ابن القيم رحمه الله في كلامه على حديث : " العلماء ورثة الأنبياء " : ( فيه أيضاً تنبيه لأهل العلم على تربية الأمة كما يربي الوالدُ ولده فيربونهم بالتدرج والترقي من صغار العلم إلى كباره وتحميلهم منه ما يطيقون كما يفعل الأبُ بولده الطفل في إبصاله الغذاء إليه فإن أرواح البشر بالنسبة إلى الأنبياء والرسل كالأطفال بالنسبة إلى آبائهم بل دون هذه النسبة بكثير ولهذا كل روح لم يربها الرسل لم تُفلح ولم تصلح لصالحةٍ كما قيل :
ومن لا يُربيه الرسول ويسقِهِ *** لُباناًَ له قد درَّ من ثدي قُدسه
فذاك لَقيطٌ ما له نسبة الولا *** ولا يتعدى طور أبناء جنسه ) [ مفتاح دار السعادة : 1 / 262 تحقيق الحلبي ] .
2- أننا نلاحظ في توجه كثير ممن يُعنى بالتربية إلى قصص واقعية أو مسطورة في الكتب وهذا أمر جميل في الاستفادة من ذلك ، إلا أنه ينبغي القول أن التوجيه للاستفادة من قصص القرآن والسنة الصحيحة أفضل وأعظم وقد قال تعالى : ( نحن نقص عليك أحسن القصص ) فقل لي بربك كيف تكون فائدة قصص مدحها ربك بأنه أحسن القصص . ولذا تجد بعض من يتكلم في مواضيع تربوية ينصرف لأدنى قصة وقد تكون غير صحيحة ، ولو رجعنا إلى القرآن وصحيح السنة وقصص العلماء الثابتة لكان فيه الكفاية .
3- الكلام حول القصص الخيالية المنسوجة والاستفادة منها يحتاج إلى كلام المتخصصين من أهل الأدب والشرع ولذا فأحيل الكلام إليهم.
4- معرفة المتربي بعدم صحة القصة أو بكونها خيالية يفقد رغبته في استخراج الفوائد منها ويقلل من التركيز معك في الاستفادة منها . وكثيراً ما تجد من يسألك عن قصة أعجبته هل هي واقعية . فكون القصة واقعية لا شك أنه أقرب للاستفادة والاتعاظ من كونها منسوخة أو خيالية .
5- للقصص الخيالية فوائد أخر كتوسيع الخيال والمتعة وثراء اللغة ولا أظن السؤال عن ذلك .
هذه بعض التأملات أخي مرهف رعاك الله ...
ولعلك تتحفنا بما لديك وأرجو أن لا نبيع التمر على أهل هجر ..
أخوك فهد
 
تعقيب

تعقيب

بسم الله :
اخي الكريم فهد حفظكم الله تعالى :
أما بالنسبة للاستفادة من القصص فلا أحد على خلاف معك في أن أفضل ما يقوم به المربي هو الاستفادة من أحسن القصص التي ذكرها الله تعالى في كتابه ومن القصص التي قصها النبي صلى الله عليه وسلم وأضف أيضاً قصص الصحابة والتابعين فهي مناهج تربوية غزيرة .
وبالنسبة للفقرة الثالثة حول جواز ذكر هذه القصص الخيالية فأرى أن دليل جواز ذلك حديث خرافة الذي كان يقصه النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه الترمذي في الشمائل وغيره فهناك جمع من العلماء قالوا بأن هذه القصة خرافة كان يتداولها العرب والله أعلم .
أما علم المتربي بعدم واقعية القصة يضعف من أثرها فهذا له وجه من الصحة ولكن لا على جميع المستويات فإنا نجد المربين إلى الآن يحرصون على تدريس أبنائهم وتلامذتهم قراءة قصص كليلة ودمنة ومعلوم أصل هذه القصة .
وأنا مع ن يقول إن مثل هذه القصص والاستفادة منها ليس محلها التفسير ولكني أناقش الموضوع هنا من ناحية تربوية سليمة كما طرحم ذلك في سياق كلامكم .
وأخيراً بقي عليكم أخي فهد نفع الله بكم أن تفيدني بالاجابة على السؤال الثاني حول منهج ابن كثير في البداية والنهاية في ذكر الاسرائيليات وجزاك الله خيراً .
أخوكم مرهف
 
الأخ مرهف حفظه الله .. أشكر لك هذه التعقيبات المفيدة وأسأل الله تعالى للجميع السداد :
و بالنسبة للإمام ابن كثير رحمه الله وكتابه البداية والنهاية :
ذكر رحمه الله منهجه في ذلك في بداية كتابه فقال :
( ولسنا نذكر من الإسرائيليات إلا ما أذن الشارع في نقله مما لا يخالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهو القسم الذي لا يصدق ولا يكذب مما فيه بسط لمختصر عندنا، أو تسمية مبهم ورد به شرعنا مما لا فائدة في تعيينه لنا فنذكره على سبيل التحلي به لا على سبيل الاحتياج إليه والاعتماد عليه، وإنما الاعتماد والاستناد على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ما صح نقله أو حسن وما كان فيه ضعف نبينه وبالله المستعان وعليه التكلان ... ولا نذكر منها إلا القليل على سبيل الاختصار. ونبين ما فيه حق مما وافق ما عندنا وما خالفه فوقع فيه الانكار ...) ثم ذكر حديث " وحدثوا عن بني إسرائيل ..." وقال: ( فهو محمول على الاسرائيليات المسكوت عنها عندنا فليس عندنا ما يصدقها ولا ما يكذبها فيجوز روايتها للاعتبار وهذا هو الذي نستعمله في كتابنا هذا فأما ما شهد له شرعنا بالصدق فلا حاجة بنا إليه استغناء بما عندنا وما شهد له شرعنا منها بالبطلان فذاك مردود لا يجوز حكايته إلا على سبيل الانكار والابطال) البداية والنهاية : 1 / 5 .
وقال في موضع آخر : ( ونحن نورد ما نورده من الذي يسوقه كثير من كبار الأئمة المتقدمين عنهم ثم نتبع ذلك من الأحاديث بما يشهد له بالصحة أو يكذبه ويبقى الباقي مما لا يصدق ولا يكذب وبه المستعان وعليه التكلان ) ( 1 / 15 ) .
ومن كلامه يتضح منهجه في هذا الكتاب مع أنه ينبغي ملاحظة ما يلي :
1- أن كتابه هذا ليس كتاب تفسير بل هو كتاب تاريخ ولذلك فقد تروى على سبيل الأخبار على أنها تفسير لكتاب الله تعالى .
2- أنه حتى في التاريخ فإنه ملتزم رحمه الله بنقل المسكوت عنه وما خالف فإنه ينبه عليه.
3- أنه يذكرها لا على سبيل الاحتياج بل على سبيل التحلي.
 
بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم

جوزيت خيراً وزادك الله فقها ولي سؤال آخر فيما يخص التفسير بالإسرائيليات :
ما رأيك بمنهج ابن جرير في تاريخه بورود الإسرائيليات
هل نستطيع أن نعتبر الرواية الإسرائيلة ـ بأنواعها المقبولة ـ مرجحاً لقول من الأقوال في التفسير وهل قام بذلك أحد المفسرين مننهجهم العملي من الذين مررت عليهم في دراستك .
 
استفسار

استفسار

جزاك الله خيرا أخانا الفاضل فهد الوهبي ،على ما عرضت وأفدت في هذا الموضوع .
والشكر موصول للجميع .
سؤالي هو عطف على ما ذكره الأخ مرهف في سؤاله الأخير حول ورود الروايات الاسرائيلية في تاريخه وحتى في تفسيره : إذا علمنا انكار كثير من المفسرين للروايات الاسرائيلية ورفضهم الشديد لها كالألوسي والشوكاني والسعدي وغيرهم رحمهم الله وهم في الغالب عيال على ابن جرير فهل يظن بابن جرير أنه يوردها مع رسوخ قدمه في العلم ، ويقال ذلك أيضا عن الحافظ ابن كثير ، ألا يمكن ان تكون تلك الروايات من زيادات النساخ ـ بقصد أو بغير قصد ـ وخصوصا أن بعضهم من طلبة العلم ، فلربما حدث عند بعضهم تأثر بمناهج أخرى في التفسير ترى جواز روايتها والتساهل فيها .
وإن مما يرشح ذلك الإحتمال ـ كما أراه ـ كثرة النسخ الخطية وخصوصا تفسير ابن كثير يظهر من خلالها زيادة في بعضها ونقص في بعضها الآخر ، فهل يمكن ان يكون ما ذكرته صوابا ؟ وكيف يمكن التدليل على صحته ؟
والفائدة من ذلك ـ والله أعلم ـ أن نبرئ ساحة الامام ابن جرير وأمثاله من مسؤلية ايراد الاسرائيليات ، ولربما ان ثبت ذلك بيقين جاز لنا أن ننقح كتبهم منها ، فنريح الأمة من مطالعة شيء منها ، والتشويش على التفسير المطلوب . والله أعلم .
 
جزاكم الله خيرا
ونفع بكم
البحث طويل لم اطلع على كل عناصره
 
جزاكم الله خيرا ,الجهد الطيب ,نفع الله بكم الإسلام و المسلمين
 
عودة
أعلى