نصوص حلقات برنامج بينات - 1431 هـ (متجدد)

إنضم
07/05/2004
المشاركات
2,562
مستوى التفاعل
13
النقاط
38
الإقامة
الخبر - المملكة ا
الموقع الالكتروني
www.islamiyyat.com
بسم الله الرحمن الرحيم.
يتم بفضل الله تعالى التعاون على تفريغ حلقات برنامج بينات للعام 1431 هـ ضمن مشروع تساهم فيه عدد من الأخوات الفاضلات في هذا الملتقى المبارك.
وسأفرد هذه المشاركة لرفع نصوص الحلقات بعد تنقيحها لتكون في متناول الجميع وسهل الوصول إليها وستضاف الحلقات تباعا بإذن الله تعالى وهذه أولى الحلقات:
----------------------------
[FONT=&quot]الحلقة الأولى [/FONT][FONT=&quot] رمضان 1431 هـ[/FONT]
[FONT=&quot]تأملات في سورة النساء الآية (1) [/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري:[/FONT][FONT=&quot] بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الأخوة المشاهدون الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وحياكم الله في هذا اللقاء المتجدد في برنامجكم برنامج" بينات" وسوف نبتدئ -بإذن الله تعالى- في هذا اللقاء وما يتلوه من لقاءات بالحديث والوقوف عند آيات سورة النساء، هذه السورة العظيمة التي تعد ثاني سورة من سور القرآن من حيث الطول، وقد اشتملت هذه السورة على الكثير من الأحكام والكثير من الاستنباطات والفوائد وسوف يكون حديثنا في هذا اللقاء مع المشايخ الدكتور :محمد الخضيري والدكتور :مساعد الطيار. -بإذن الله تعالى-[/FONT]
[FONT=&quot]في هذا اللقاء ابتداء سوف نتحدث في هذه السورة بصفة مجملة لعلنا نتحدث إن شاء الله عن إسم السورة وعن مقصد السورة الأعظم الذي تحدثت عنه أو دارت حوله هذه السورة، ونتحدث عن نزول هذه السورة ، ومايمكن أن يسمى معلومات السورة[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot]أو علوم السورة[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري :[/FONT][FONT=&quot] علوم السورة. قبل أن ندخل فيها فلعلنا نبدأ يا دكتور محمد بالحديث عن اسم السورة سورة النساء لماذا سميت سورة النساء؟ ثم نأتي نتحدث بعد ذلك عن مناسبة سورة النساء -إن شاء الله -لما سبقها وماتحدثنا عنه في سورة آل عمران وما بعدها بإذن الله تعالى فنبدأ على بركة الله تعالى شيخ محمد.[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. طبعًا نحن في هذه الليلة نصور في مكان لم نعتد التصوير فيه، في هذه الأماكن الطيبة بلدة ماذا؟ تنومة. وأيضًا في هذه الاستراحة الجميلة لأحبتنا من آل سليمان جزاهم الله عنا كل خير، وأيضًا في هذا العام 1431 قبيل شهر رمضان، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يتم علينا حلقات هذا البرنامج على خير، ونحن عدنا إلى ما كنا عليه سابقًا من تصوير حلقات البرنامج في الخارج وليس في داخل الإستديو نظرًا لطلب كثير من الإخوة أن نعود لتلك العفوية وتلك الأماكن المفتوحة من أجل تضفي على البرنامج شيئًا من الحيوية والتجديد أيضًا وخصوصًا في البرامج الدينية التي تفتقر في كثير من الأحيان إلى الإبداع والتجديد، فلعل هذا البرنامج يكون أحد البرامج المبدعة وأسأل الله أن يكون له ذلك دائما وأبدًا. [/FONT]
[FONT=&quot]طبعًا هذه السورة كما ذكرت يا دكتور عبد الرحمن هي سورة النساء وهي سورة مدنية نزلت بعد هجرة النبي-صلى الله عليه وسلم - وهذا معنى قولنا سورة مدنية، إذا قيل مدنية معناه بعد الهجرة وإذا قيل مكية قبل الهجرة. سميت سورة النساء ولا تشتهر هذه السورة بغير هذا الاسم وذلك والله أعلم أخذًا من لفظ في أول آية من آياتها عندما قال الله سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً). الحقيقة من يقرأ هذه السورة من أولها إلى آخرها يجد أنها عنيت بأمرالنساء، وأظهرت كثيرًا من الأحكام وأنصفت النساء، ودعت إلى إصلاح أحوالهن، وتغيير ما كان عليه أهل الجاهلية من هضمهن لكثير من حقوقهن، ومن يتتبع هذا في هذه السورة يجد أنه واضح وجلي. وأنا أقول في كون النساء يحظين باسم لسورة تعتبر من أطول سور القرآن يدل بلا شك على عناية القرآن بأمر النساء، وإخراجهن من ظلمات الظلم الذي كن يعشن فيه فلو كان القرآن أو كان الإسلام يهضم المرأة حقها ما ذُكرت أو جعل اسمها [/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري :[/FONT][FONT=&quot]يعني جنس النساء[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot]جنس النساء عنوانًا لسورة عظيمة من سور القرآن[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري :[/FONT][FONT=&quot]في الوقت الذي لايوجد فيه سورة باسم سورة الرجال[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot]أو الذكور أو كذا. قال الله [/FONT]–[FONT=&quot]عزوجل- في آية الخلق أو أنواع الجنين قال (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ) فقدّم الإناث في الهبة لبيان أنهن مما كرمه الله عز وجل وشرّفه وأعطاه الحق الوافي وهذا لايمنع أن تقال الحقيقة بالنسبة للمرأة في كل شيء وتنصف ويدعى إلى إصلاح جميع أحوالها وأن يقوم الرجل عليها قيامًا راشدًا لايشعر فيه بالعلو الذي يدعو إلى الظلم ولكن العلو الذي يدعو إلى الإصلاح والإنصاف والرأفة والرحمة والرفق بهن.[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري: [/FONT][FONT=&quot]وهذا مقتضى القوامة على وجهها الصحيح.[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري : [/FONT][FONT=&quot]نعم صحيح[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري:[/FONT][FONT=&quot] بالنسبة للاسم يا دكتور مساعد في كونها توقيفية يعني لم يثبت أنها سميت سورة النساء إلا بهذا الاسم أليس كذلك ؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد الطيار : [/FONT][FONT=&quot]هذا الظاهر, وبناءً عليه نقول أنه إذا ورد يعني لسورة من السور إسم واحد فالأقرب أنه ثابت عن النبي [/FONT]–[FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم [/FONT]–[FONT=&quot] والرسول [/FONT]–[FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم [/FONT]–[FONT=&quot]لما سأله عمر عن الكلالة قال تكفيك [/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري: [/FONT][FONT=&quot]آية الصيف[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار : [/FONT][FONT=&quot]التي في سورة النساء[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري:[/FONT][FONT=&quot] التي في سورة النساء[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار :[/FONT][FONT=&quot] نعم. يعني مهم جدًا في التسميات النبوية البحث عن حكمة التسمية لأنه كونه صدر عن النبي [/FONT]–[FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم [/FONT]–[FONT=&quot]لايكون إلا عن حكمة هناك علة لكن قد يقول قائل لم نجد الصحابة [/FONT]–[FONT=&quot]رضي الله عنهم- قد عنوا بالبحث عن هذه الحكمة ولا وجدنا مثلاً من بعدهم من التابعين وأتباعهم من قد بحثوا عن هذه الحكم والعلل، فهذا من العلوم التي هي تعتبر من المُلَح وليست من متين العلم فعدم الوصول إليه لا يؤثر والوصول إليه يعني يكسب..[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري: [/FONT][FONT=&quot]يزيدك معرفة[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري : [/FONT][FONT=&quot]يقين[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري: [/FONT][FONT=&quot]ويعينك على التدبر الصحيح لمعانيها عندما تفهم أنت الآن يعني مثًلا على سبيل المثال أذكر الدكتور إبراهيم خليفة أو إبراهيم عبد الرحمن خليفة له كتاب بعنوان "التفسير التحليلي لسورة النساء" فقال الآن سورة النساء نحن نقول أنها سميت بسورة النساء لأنه ذكر فيها حقوق النساء وذكر فيها النساء كثيرًا وهذا سبب مقبول ومشهور في كتب التفسير والذي يقول به فهو مصيب [/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري[/FONT][FONT=&quot] :وقوله صحيح[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري:[/FONT][FONT=&quot]قال ولكن الذي أراه أن هناك معنى عميق في تسمية سورة النساء بهذا الاسم وهو أن سورة النساء عدد آياتها 176 آية يظهر بوضوح في هذه السورة معنيان متصلان بالمرأة[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot]جميل[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري:[/FONT][FONT=&quot] وهذان المعنيان منتشران في سورة النساء والمعنى الأول هو الإنصاف[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] إنصاف المرأة[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري:[/FONT][FONT=&quot] نعم، والمعنى الثاني هو الإصلاح. فيمكن أن نقول أن الإنصاف والإصلاح الموجود في سورة النساء ولأن المرأة تحتاج الإنصاف وتحتاج الإصلاح، لذلك نحن لو قلنا أن حقوق النساء في سورة النساء أو قلنا أن سورة النساء هي سورة الحقوق حقوق المرأة وحقوق الأيتام وحقوق الضعفاء .....إلخ فهذا معنى مقبول لكن هناك معنى الإنصاف والإصلاح الذي تحتاجه المرأة تحتاج الإنصاف إذا كانت في الميراث، وتحتاج الإنصاف إذا كانت زوجة وتحتاج الإنصاف إذا كانت ابنة، أمًا .إلخ، وإذا كانت يتيمة أيضًا ، وتحتاج الإصلاح لأنه من حقوق المرأة الإصلاح وهو القيام على تربيتها [/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري[/FONT][FONT=&quot] : وتهذيبها[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري:[/FONT][FONT=&quot] وتهذيبها وتعليمها حتى إذا تزوجت تكون على مستوى المسؤولية ,[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] دعني أذكر بعض الآيات الدالة على الإنصاف[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري:[/FONT][FONT=&quot] على هذا المعنى[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] وعلى الإصلاح[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري:[/FONT][FONT=&quot] نعم ، اذكرها[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] مثلاً في الإنصاف قال الله [/FONT]–[FONT=&quot]عزوجل [/FONT]–[FONT=&quot] في أول السورة قال (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ) هذا إنصاف[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري:[/FONT][FONT=&quot] لليتيمة[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] إي، إذا خاف الإنسان ألا يقسط ويعدل في حق اليتيمة فيعطيها مهرًا مثل ما تعطى نظيراتها من النساء فلا ينبغي لولي اليتيمة أن يتزوج بها لئلا يضر بمهرها وحقها في ذلك الأمر[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري:[/FONT][FONT=&quot] هذا إنصاف[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] مثال الإنصاف. مثال الإصلاح (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا)[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري:[/FONT][FONT=&quot] هذا إنصاف[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري[/FONT][FONT=&quot] هذا إصلاح[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري:[/FONT][FONT=&quot] وإصلاح نعم[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot]هذا إصلاح[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري:[/FONT][FONT=&quot] وأيضا (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ )[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot]نعم هذا إصلاح[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري:[/FONT][FONT=&quot] نعم هذا إصلاح أيضًا، صدقت.[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار :[/FONT][FONT=&quot]لكن يا شيخ عبد الرحمن المعنى الذي ذكره الدكتور إبراهيم يدخل في كونه من الحقوق.[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري:[/FONT][FONT=&quot] لا شك[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار :[/FONT][FONT=&quot]فالإنصاف والإصلاح[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot]حقان[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار :[/FONT][FONT=&quot]حقان من الحقوق المرتبطة بالمرأة[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري:[/FONT][FONT=&quot] هو طبعا هو الآن ماذا يقصد الدكتورالخليفة؟ يقول الآن السورة سميت سورة النساء لهذه العلة لأنه قد انتشر فيها معنى الإنصاف والإصلاح المرتبط بالنساء الذي تحتاجه النساء، أما إذا تحدثنا عن الموضوع الآخر وهو ما هو موضوع سورة النساء أصلاً؟ قلنا موضوعها الحقوق حقوق المرأة، وحقوق الضعفاء، وحقوق الأيتام،[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار : [/FONT][FONT=&quot]وحقوق الورثة[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري:[/FONT][FONT=&quot] حقوق الورثة وهذه ستأتي معنا بكثرة[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار :[/FONT][FONT=&quot]مفصلة نعم[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري:[/FONT][FONT=&quot] فهذا يعني جانبان مختلفان أليس كذلك[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار :[/FONT][FONT=&quot]هذا صحيح[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري:[/FONT][FONT=&quot] موضوعات السورة وجانب تسميتها بسورة النساء[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار :[/FONT][FONT=&quot]و بما أنك ذكرت قبل قليل قضية العناية بالنساء يعني هي الحقيقة قضية مهمة ومن أخطر الأمور في نظري أن يكون الحق معك ولكنك لم تستطع بيانه[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري:[/FONT][FONT=&quot] نعم[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار : [/FONT][FONT=&quot]ولهذا من يضل من نساء المسلمين، ويذهبن إلى النظر إلى حقوقهن كحقوق المرأة الغربية هذا دلالة كبيرة جدًا على جهل هذه المرأة وأنها لم تعرف حقها الصحيح، وإلا فإننا نجد أن كثيرًا من النساء الغربيات إذا أسلمن أدركن أنهن بالإسلام وصلن إلى حقهن الصحيح[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري:[/FONT][FONT=&quot] نعم[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار : [/FONT][FONT=&quot]وأول حقوقهن هو قضية الحجاب. يعني يعتبر من الحقوق الكبيرة جدًا للمرأة التي نجد مع الأسف أن كثيرًا من المسلمات فرّطن فيه، وظنن أنه من التزمت أو ظنن أنه من[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot]من التضييق[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار :[/FONT][FONT=&quot]من التضييق على المرأة وهو في الحقيقة نوع من الإكرام، لم يدرك هذا الإكرام إلا من وقع في سوء الجاهلية فانتقل إلى الإسلام، فما بال بنات المسلمين اليوم ومعهن هذا النور يفقدنه ويتنازلن عنه؟! ولذا نقول مهم جدًا أن ننتبه أن عندنا الحق لكن عندنا ضعف في بيان هذا الحق و في إيصاله[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot]يعني قصدك يا شيخ مساعد أن هذه السورة تعطي المسلم القوة في بيان هذا الحق[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار :[/FONT][FONT=&quot]نعم[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot]وفي إظهاره لأنه يعتمد في إظهاره على كلام ربه سبحانه وتعالى والغريب أنه يأتي بشكل تنصيصي[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار :[/FONT][FONT=&quot]نعم[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot]يعني مثلاً انظر عندما يقول (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً) يذكر النساء مع الرجال ثم يقول (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ) كذلك في قول الله [/FONT]–[FONT=&quot]عز وجل- (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ) وفي قوله في آخر السورة (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) تنصيص على هذه المواطن بحيث يجهر المسلم بها ويعلم أنه يستند فيها إلى حق صريح ليس محلاً للاجتهاد ولا أيضًا للتواري ويعني عدم الوضوح[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار :[/FONT][FONT=&quot]صحيح[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot]نعم[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري:[/FONT][FONT=&quot] الحقيقة مسألة حقوق الإنسان في سورة النساء موضوع مهم جدًا[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot]نعم[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري:[/FONT][FONT=&quot] وقد أفرد يعني الدكتور-رحمه الله وغفر له - الدكتور عبد الحميد طهماز هذا الكتاب سماه (حقوق الإنسان في سورة النساء)[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot]نعم[/FONT]
[FONT=&quot]وتحدث فيه بحديث طويل عن قضية كيف أن الغرب يعني يتشدق الآن بحقوق الإنسان وكأن كثيرًا من الناس حتى من المثقفين المسلمين يظنون أن ترسية مبدأ حقوق الإنسان ووضع أصول هذه الحقوق كأنها غربية النشأة وأن المسلمين لم يعرفوا حقوق الإنسان إلا لما جاءتهم من الغرب وبدأ الغرب يروجون لها كأن الإسلام لايعرف حقوق الإنسان ولم يضع لها. وأنا أقول سورة فقط كنموذج مع أن القرآن الكريم مليء بالحديث عن حقوق الإنسان[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] صحيح[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري:[/FONT][FONT=&quot] والسنة النبوية، لكن في سورة النساء فقط فيها حديث مفصل ودقيق عن حقوق الإنسان سواءً النساء، أو الأيتام، أو حقوق الورثة، بصفة عامة والورثة قد يكونون كل الناس[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot]نعم. الأب ، والابن، والزوج، والزوجة، والإخوة، والأخوات، والأخ لأم ، والأخت للأم، والأشقاء كلهم يدخلون، فيعني مجرد الحديث عن سورة النساء حديث أتصور لو يتتبعه متتبع يجد فيه تفاصيل كثيرة[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot]أنا أقول يا أبا عبد الله أنه حقوق الإنسان التي ذكرت في سورة النساء وحدها فيها من الجوانب التي يعني يلمسها الإنسان في هذه السورة ما لا يمكن أن تجده في دساتير الأرض كلها، سأعطيك آية واحدة تسمى آية الحقوق في نفس السورة[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري:[/FONT][FONT=&quot] إيوه[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري : [/FONT][FONT=&quot](وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ) لو تأخذ كل واحد من هؤلاء وتأخذ كيف الآية نصت على حقه ستجد من بين هؤلاء من لايذكر في دساتير الدنيا كلها مثلاً (وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ)[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري:[/FONT][FONT=&quot] نعم[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] الصاحب بالجنب هو الصديق في العمل، الذي يسافر معك، الذي يركب بجوارك في الطائرة يسمى صاحبًا بالجنب، بالله عليك إقرأ في أي دستور لحقوق الإنسان في الأرض[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري:[/FONT][FONT=&quot]هل أعطت هذا النوع؟[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] أبدًا، يمكن ولا تحدثت عنه، ولا أعطته أي جانب من الجوانب إنما تجد الحقوق الإنسان في العالم الغربي تتصل في حق البدن، والإيذاء ، حق المال ، حقوق معينة ظاهرة وواضحة لكن هذه الحقوق الدقيقة واللطيفة والمهمة في نفس الوقت لاتجد أحدًا يلتفت لها وهذا ما يميز يعني ألفاظ القرآن ومعانيه عن هذه الدساتير المختلقة[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري:[/FONT][FONT=&quot]بل حتى يعني مصداقًا لهذه الفكرة جبر الخواطر إن صح أن نسميها[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] نعم[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري:[/FONT][FONT=&quot] مراعى في هذه السورة في قوله سبحانه و تعالى (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) هم ما لهم حق في التركة ما لهم حق في التركة منصوص عليه ولكن الله يقول إذا حضر أحد من هذه الفئة القسمة فلا تنسوهم[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot]الله أكبر![/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري:[/FONT][FONT=&quot]يعني أعطوه ما يرضيه، أعطوه ما يجبر خاطره حتى لايخرج من هذه القسمة وفي نفسه شيء من الحسد أو في نفسه شيء من التشوف .[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot]بل يا أبا عبد الله في جبر الخواطر هناك ما هو أدق أيضًا من هذا[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري:[/FONT][FONT=&quot]ما هو؟[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري[/FONT][FONT=&quot] وهو أنك إذا بذلت المال لامرأتك مهرًا لها ينبغي لك أن تبذله بطيب نفس منك (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً)يقولون نحلة ليست هي العطية، النحلة هي العطية التي يكون صاحبها يعني[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري:[/FONT][FONT=&quot]طيب النفس[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري[/FONT][FONT=&quot] طيب النفس فيها [/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار :[/FONT][FONT=&quot]ولهذا قال (فَإِنْ طِبْنَ)[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot]نعم (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا)[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري:[/FONT][FONT=&quot]كما أنكم أنتم أعطيتموه بطيب نفس فلا تأخذونه إلاإذا[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot]إذا طابت أنفسهن به[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري:[/FONT][FONT=&quot]جميل[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot]بالله عليك أين تجد من يتحدث عن طيب النفس في عطاء مال أو أخذ مال؟![/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار :[/FONT][FONT=&quot]إذن المشكلة ليست في الدستور الذي سميناه الدستور الإسلامي إنما في التطبيق[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot]نعم[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري:[/FONT][FONT=&quot]:ترى يعني يا إخواني ترى بالمناسبة كثير من المسلمين,كثير منا لايفهم هذه المعاني من الآية[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot]نعم[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري:[/FONT][FONT=&quot]يعني (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) صدقاتهن :جمع صداق يعني المهر[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري : [/FONT][FONT=&quot]نعم[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري: [/FONT][FONT=&quot]نحلة ، وهذه الآية واضحة في أن المهر والصداق حق خالص للمرأة ,[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري : [/FONT][FONT=&quot]نعم[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري: [/FONT][FONT=&quot]تعالوا عندنا في المجتمعات الآن كثير من أولياء الأمور الآن يعتبر المهر هو أولى به هو أولى به ويأخذه ولايعطي للبنت أو الزوجة منه شيء [/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot]صحيح.[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري: [/FONT][FONT=&quot]أين هذا الفهم للآية على وجهها؟! فأنا أتصور أننا بحاجة ماسّة حقيقة بأن نقرب معاني القرآن الكريم للناس وأن نحاول سواء في برنامجنا هذا أو حتى بصفة عامة وصية لإخواني الذين يمكن أن يبنوا للناس معاني القرآن أن يقربوا المعاني للناس، يعني هذا القرآن الكريم فيه من البلاغة ,وفيه من الإعجاز وفيه من الفصاحة ما لايدرك اليوم بمجرد قراءة القرآن[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري[/FONT][FONT=&quot] صحيح[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري[/FONT][FONT=&quot] وإنما يحتاج فعلاً إلى أن تبين للناس المعاني الدقيقة لهذه الآيات وأيضًا الدلالات التي تشتمل عليها هذه الآيات المعجزة. فمثلاً الآن عندما تقول (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) أن النحلة في اللغة، لايقال عن العطية نحلة إلا إذا كانت عن طيب نفس وهذا المفترض في المهر يكون عن طيب نفس[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot]نعم. أمر آخر يتصل بهذا ما أدري الأخ أبو عبد الملك إذا كان عندك فكرة تقولها؟[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار :[/FONT][FONT=&quot]لا، أنا أكملها في فكرة أخرى[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot]وهو حول هذه السورة وبيان دلالتها للناس أنا أرى أن هذه السورة ينبغي تقريرها في مناهج الدراسة وخصوصًا عند النساء أولاً لكثرة أحكام النساء الموجودة فيها، ثانيًا لأنه يذكر هذه الحقوق ويدل عليها ويؤكد يعني بطرق مختلفة وتبين هذا الشأن العظيم للمرأة في الإسلام، [/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري[/FONT][FONT=&quot] بل حتى الرجال عفوًا الرجال هم معنيون بهذه السورة لأنها حقوق هم يقومون بها تجاه النساء[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] نعم[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار :[/FONT][FONT=&quot]صحيح , يعني عليهم الحقوق[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري :[/FONT][FONT=&quot]نعم[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار [/FONT][FONT=&quot]:قد يقول قائل هذه السورة قبل قليل قلت الشيخ عبد الرحمن أنها ثاني أطول سورة[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري [/FONT][FONT=&quot]:في القرآن[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار[/FONT][FONT=&quot] :في القرآن, قد يقول قائل هل هذه السورة كلها نزلت دفعة واحدة؟[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري[/FONT][FONT=&quot] :نعم[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار [/FONT][FONT=&quot]:أو هي من الذي نزل شيئًا بعد شيء؟ طبعًا الظاهر أنها لم تنزل لم يذكر أنها طبعًا نزلت دفعة واحدة بل هناك آيات تدل على أنها نزلت متأخرة جدًا[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري [/FONT][FONT=&quot]:نعم[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار [/FONT][FONT=&quot]:وآيات نزلت متقدمة ثم هي كما عادة يعني العادة في[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري [/FONT][FONT=&quot]:نزول الوحي[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار :[/FONT][FONT=&quot]في نزول القرآن كما ذكر زيد بن ثابت، وتأليفه هو جمع الآيات بعضها على بعض ولكن الذي أمر بها هو الله [/FONT]–[FONT=&quot] سبحانه وتعالى-ولهذا ترتيب الآيات باتفاق العلماء توقيفي[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري :[/FONT][FONT=&quot]توقيفي، نعم ، يعني الآيات وراء بعض[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري[/FONT][FONT=&quot] :أي نعم الآيات التي في السورة[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار [/FONT][FONT=&quot]:نعم قوله (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ) قبل قوله (وآتوا اليتامى)[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري [/FONT][FONT=&quot]:نعم[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار [/FONT][FONT=&quot]: نعم[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري[/FONT][FONT=&quot] :وأنها الآية الأولى[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار [/FONT][FONT=&quot]:نعم وأنها الآية الأولى ،ولهذا بنى على هذه المسألة بعض العلماء حكمًا أنه لايجوز تنكيس[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري [/FONT][FONT=&quot]: الآيات[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار [/FONT][FONT=&quot]:الآيات[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري[/FONT][FONT=&quot] :تنكيسها يعني قراءتها بالعكس[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار [/FONT][FONT=&quot]:قراءتها بالعكس، نعم لأنه يخل لاشك بنظم القرآن و يخل بالمعاني لأن المعاني مترتبة هكذا[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري [/FONT][FONT=&quot]:وهذا غالبًا ما أظنه يفعله دكتور مساعد إلا واحد عابث يقرأ السورة من آخرها للأول صح أم لا؟[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري [/FONT][FONT=&quot]:وجدت يا أبا عبد الله إخوانا في إفريقيا، ولعله بعض الناس الآن يستمعون إلينا يقيسون حفظ الحافظ بقراءته للسورة من آخرها إلى أولها[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار [/FONT][FONT=&quot]:يعني هذي مجرد [/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري[/FONT][FONT=&quot] :اختبار[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار [/FONT][FONT=&quot]:اختبار[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري[/FONT][FONT=&quot] :لا،لا ليست للتعنت، لكن نقول أيضًا لاينبغي أن يفعل هذا[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار [/FONT][FONT=&quot]:هذا تمام[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري [/FONT][FONT=&quot]:نعم لأنه وإن كان مقياس لحفظ الحافظ إلا أن مثل هذا يعني قد يعني[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري[/FONT][FONT=&quot] :فيه نوع من الإنقاص[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري [/FONT][FONT=&quot]:نعم فيه إنقاص من قدر القرآن، وتغيير لترتيبه الذي أنزله الله عليه[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار :[/FONT][FONT=&quot]ولهذا نحن نقول قضية مهمة جدًا يكثر الحديث عنها اليوم أن من يروم البحث عن ترتيب نزول الآيات والسور فإنه لن يستطيع أن يصل إلى ترتيب كلي.[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري[/FONT][FONT=&quot]: وإنما إجمالي[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار :[/FONT][FONT=&quot]يعني في بعض السور إجمالي أما في بعضها فمحال[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري[/FONT][FONT=&quot]: نعم[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري:[/FONT][FONT=&quot] نعم[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار :[/FONT][FONT=&quot]ولهذا من باب النصيحة لكتاب الله[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري :[/FONT][FONT=&quot] لعدم ورود دليل[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار [/FONT][FONT=&quot]:لعدم ورود دليل قطعي[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] صحيح, نعم[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار :[/FONT][FONT=&quot]من باب النصيحة لكتاب الله أن ينتبه من يريد أن يفعل هذا الفعل وألا يحتج بفعل من فعله مثل بعض الذين كتبوا في هذا[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري[/FONT][FONT=&quot]: الذين كتبوا في التفسير[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار [/FONT][FONT=&quot]:فنحن نشكر لهم عملهم ولكن ليس هو العمل الصحيح[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] نعم[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار [/FONT][FONT=&quot]:وقد سئلت إذا كان هناك فوائد في ترتيب النزول فكيف نستطيع أن نستفيد؟ فقلت لهم: الجواب واضح جدًا: من عُنيَ بترتيب النزول من العلماء فإنه يذكر الفوائد في مكان الآية بمعنى أنه لايمكن أن نجد أن أحدًا من العلماء يتكلم عن آيات الطلاق وبينها ناسخ ومنسوخ ولايتكلم عن هذه القضية[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري:[/FONT][FONT=&quot] المتقدم والمتأخر[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار:[/FONT][FONT=&quot] المتقدم والمتأخر ويمكن أن يُجعل في مقدمة كل سورة تنبيه على المتقدم والمتأخر والحديث عنه بحيث أن يكون مرتبطًا بالآيات نفسها على نفس الترتيب وعلى نفس النسق فالله سبحانه وتعالى من حكمته أن جعل الآيات هكذا وأنت كأنك لما تريد ترتب الآيات على النزول تخالف هذه الحكمة[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] صحيح[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري:[/FONT][FONT=&quot] نعم[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار:[/FONT][FONT=&quot] وهذه قضية مهمة جدًا أن ننتبه لها. قضية أخرى ونحن نتكلم عن هذه السورة وعن موضوعات السورة ومقاصدها، ننتبه أيضًا إلى ملحظ مهم جدًا وهو أن كل من سبقنا من العلماء سبق إلى مقاصد الآيات يعني ما هو المقصود من هذه الآية؟، ماذا تريد هذه الآية؟ ما الذي توصله هذه الآية؟ ما الذي نفهمه منها؟ فهذه القضية مهمة جدًا في أننا نركز عليها وألا يشغلنا الحديث عن مقاصد السور وعن موضوعات السور وعن غيرها، لايشغلنا الحديث فيكون طاغيًا على مقاصد الآيات، ومعنى ذلك أن يكون عندنا نوع من التوزان حال الطرح فنذكر مقاصد السور ونتكلم عن الوحدة الموضوعية فيها، ونتكلم عن الموضوعات التي فيها، هذا جانب، ولكن أيضًا هناك جانب مهم جدًا وهو الجانب المراد الذي هو تفسير السورة على حسب[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري:[/FONT][FONT=&quot] ترتيبها الموجود في المصحف[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار:[/FONT][FONT=&quot] نعم ترتيبها الموجود في المصحف[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري :[/FONT][FONT=&quot] مع أن يعني تعليقًا على هذا الكلام يا دكتور ليس هناك أحد ممن كتب تفسير القرآن الكريم على حسب ترتيب نزوله تحدث عن ترتيب الآيات لأنهم ما يستطيعون أن يجزموا بأن هذه الآية نزلت قبل هذه الآية في السورة نفسها فترتيبهم للنزول هو ترتيب للسور إجمالاً فقط مع أن ما ذكرت أنت الآن سورة النساء لم تنزل دفعة واحدة[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار :[/FONT][FONT=&quot] نعم[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري :[/FONT][FONT=&quot] فقطعًا نزل جزء منها، ثم نزل بعده جزء من سورة أخرى أو سورة أخرى كاملة ثم نزلت تكملة بقية النساء وهكذا، يعني ليس هناك قول قاطع تطمئن إليه في ترتيب النزول، أنا متفق معك مائة في المائة صحيح[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري [/FONT][FONT=&quot]:أدل الأدلة على ذلك سورة البقرة هي أول سورة أنزلت بعد هجرة النبي [/FONT]–[FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم [/FONT]–[FONT=&quot]على قول كثير من العلماء لكن المجزوم به أيضًا أن هذه السورة امتد نزولها إلى قبيل وفاة النبي [/FONT]–[FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم [/FONT]–[FONT=&quot]لأن آيات الربا من آخر ما أنزل في سورة البقرة من آخر ما أنزل على النبي [/FONT]–[FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم [/FONT]–[FONT=&quot]وفيها قول الله [/FONT]–[FONT=&quot]عزوجل - [/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري [/FONT][FONT=&quot]: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ )[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري [/FONT][FONT=&quot]: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ)[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري :[/FONT][FONT=&quot] طيب كيف يصنعون هذولا المشايخ الذي فسروا القرآن الكريم على حسب ترتيب النزول مثل الشيخ محمد عزت دروزة، ومثل الشيخ العناني العراقي، ومثل الشيخ عبدالرحمن حبنكة ترى[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري[/FONT][FONT=&quot] الميداني نعم رحمهم الله[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري :[/FONT][FONT=&quot] فسروها على أنها أول سورة نزلت في المدينة وتكلموا عنها أنها أول سورة ثم بعد ذلك جاءت سور النساء وغيرها مع أنه استمر نزولها من أول العهد المدني إلى آخر العهد المدني[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot]نعم[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار : [/FONT][FONT=&quot]نعم[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري :[/FONT][FONT=&quot] نعم فيعني وضعهم لها في الأول صح هي ابتدأ أولها لكنها استمرت ثمان سنوات أو عشر سنوات[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار :[/FONT][FONT=&quot] ولهذا نلاحظ مثلاً سبب نزول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى)[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري :[/FONT][FONT=&quot] في سورة النساء[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار :[/FONT][FONT=&quot] نعم أو (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) وأمثالها فإنها لها أسباب نزول أو أحوال نزول تدل على تأخرها وأن هذه الآية نزلت بعد تلك الآية نجزم يقينًا من خلال هذه الأحوال[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot]صحيح[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار :[/FONT][FONT=&quot] مما يدل على أن قضية ترتيب الآيات تكفّل الله -سبحانه وتعالى- بها ولهذا ارتبطت بقضية الإعجاز وأي مخالفة لهذا الترتيب فإنه يخل بهذا النوع من الإعجاز وهو ترتيب النظم على هذه الشاكلة، فمثلًا من يبحث في التفسير الموضوعي فيخرج الآية من مساقها[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري :[/FONT][FONT=&quot] نعم[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار [/FONT][FONT=&quot]:ويدرسها من خلال الموضوع مهما بلغ من الفوائد واللطائف والأشياء التي يستنبطها يبقى أن هناك نقصًا في ربط هذه الآية بمساقها بمعنى أنها لها في مساقها[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري :[/FONT][FONT=&quot] يعني معاني ودلالات[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار :[/FONT][FONT=&quot] أحوال ومعاني دالة لايمكن حينما تأخذها أن تتحدث عنها[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot]نعم[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار :[/FONT][FONT=&quot] ونعم أنت حينما تخرجها مع مثيلاتها من الموضوعات تخرج فوائد فنقول إذن هي القضية قضية توازن مهمة جدًا. ولهذا أنا استغرب من بعض الباحثين من إذا اقتنع بفكرة وأراد أن يبرز هذه الفكرة[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري :[/FONT][FONT=&quot] همّش الأفكار الأخرى[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار : [/FONT][FONT=&quot]نعم، جاء إلى ما تكلم به العلماء المتقدمون وألغاه كأنه لا يفيد أبدا، فبعضهم مثلاً يدعي أن دور التفسير التحليلي انتهى والآن جاء دور التفسير الموضوعي يعني بعبارات فيها شيء من الغرابة[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري :[/FONT][FONT=&quot] صحيح[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار :[/FONT][FONT=&quot] لكن نقول[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري :[/FONT][FONT=&quot] مبالغة[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار[/FONT][FONT=&quot] :لكن نقول الاعتدال والتوازن هو الأمر المطلوب[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري [/FONT][FONT=&quot]:حول موضوع الحقوق الحقيقة أنا لاحظت في السورة إذا قلنا أن موضوعها هو الحقوق أو حقوق الضعفاء الأمر بالتقوى فيها تكرر كثيرًا والعجيب أنه كلما ذكرت هذه الحقوق والعلاقات مع الناس وأداء هذه الحقوق بشكل يتقي فيه العبد ربه سبحانه وتعالى ويراقبه فيه أولاً قبل أن يراقب المخلوقين والأنظمة واللوائح التي يضعها الناس لتنظيم أحوالهم ،نحن نلاحظ هذه السورة افتتحت بالتقوى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ) لما جاء في موضوع يعني أداء حق المرأة عندما يكون الرجل قد يسمونه عند العامة طمح عنها، وإلا نشز عنها يعني ماعاد صار له رغبة فيها قال [/FONT]–[FONT=&quot]جل وعلا [/FONT]–[FONT=&quot] (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128) وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا)[/FONT]
[FONT=&quot]ننتهي من هذا، بعدها تأتي آية الأمر بالتقوى في القرآن في قول الله [/FONT]–[FONT=&quot]عز وجل- (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) أنا أعرف المشايخ الآن نزل المطر ماشاء الله[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري [/FONT][FONT=&quot]:الحمد لله، المطر[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري [/FONT][FONT=&quot]:نسأل الله أن يجعله خيرًا وإن كان فيه شيء من الحقيقة الضررعلى برنامجنا لكن نحن نقول يجعل الله فيه الخير للمسلمين، اللهم اجعله صيبًا نافعًا وبارك لنا في هذا البرنامج واجعله من البرامج المباركة[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري[/FONT][FONT=&quot] :اللهم آمين[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot]النافعة لعباده فأقول يعني الحقيقة هذه السورة أبرزت مع الحقوق قضية التقوى ونحن نقول يجب علينا عندما نتكلم عن الحقوق دائمًا مع الناس أن نبرز قضية التقوى[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار :[/FONT][FONT=&quot] صحيح[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot]لأنه لايمكن أن يستجيب الناس لها ولا أن يستقيموا على العمل بها ولا أن يقوموا بها في كل مكان تصور مع النساء بالله عليك أنت الملك وأنت القادر على أن تظلم أو تعدل أو تتفضل من الذي يجبرك على ترك هذا أو عمل هذا إلا إذا عمر قلبك بالتقوى؟! ولذلك من أول السورة إعلان (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا) إذن اتقوا فيه شيء عظيم جدًا يستحق أن يقال (اتَّقُوا) وهو أن هناك حقوق وحقوق لإناس ضعفاء يملكك الله [/FONT]–[FONT=&quot]عز وجل [/FONT]–[FONT=&quot]أمرهم[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار :[/FONT][FONT=&quot] ولهذا مصداق لقولك لو ذهبت إلى المحكمة ونظرت لإحدى يعني إهدار هذا الحقوق من بعض الناس يعني الزوج يظلم زوجته، والإنسان يأخذ مال غيره ولا يرده، و إنسان يفعل[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري[/FONT][FONT=&quot] :أموال يتامى[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار [/FONT][FONT=&quot]: أموال يتامى كلها راجعة إلى عدم التقوى[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري [/FONT][FONT=&quot]:صحيح[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري [/FONT][FONT=&quot]:نعم[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار [/FONT][FONT=&quot]: ولو كانت التقوى موجودة لزال كثير من هذه القضايا[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري[/FONT][FONT=&quot] :العجيب اقتران التقوى بآيات الطلاق والخصومات الزوجية[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري[/FONT][FONT=&quot] :كثيرًا[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري[/FONT][FONT=&quot] :متصل في القرآن[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار :[/FONT][FONT=&quot] صحيح[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري [/FONT][FONT=&quot]:في البقرة ، في سورة النساء ، في سورة الطلاق[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار :[/FONT][FONT=&quot] في الطلاق[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري[/FONT][FONT=&quot] : (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا)[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار [/FONT][FONT=&quot]: يعني أربع مرات أو خمس مرات[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري: ([/FONT][FONT=&quot]وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ) كلها سبحان الله تأتي في هذا الميدان لأنه ميدان نزاع وخصومة والتقوى تخف فيه.[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري[/FONT][FONT=&quot] :يعني لايمكن أن تفرض على رجل أنه يعدل مع زوجته، أو يعدل مع اليتيمة التي هي موليته إذا لم يكن هو من نفسه يعني يجد وازعًا من دينه وخوفه من الله [/FONT]–[FONT=&quot]سبحانه وتعالى [/FONT]–
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري[/FONT][FONT=&quot] :صحيح، نعم .[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري[/FONT][FONT=&quot] : نعم[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار :[/FONT][FONT=&quot] أيضًا من القضايا المهمة طبعًا في قضية السورة سبقت وأن أشرنا فقط إلى جزء منها وهي قضية موضوعات السورة. قبل قليل قلنا أن التوازن مطلوب في التعاطي مع المعلومات نحن بحاجة في نظري إلى النظر في موضوعات كل سورة قبل الدخول في تفسيرها وأيضًا حتى قبل قراءتها أو قبل حتى حفظها بحيث أنه يكون عندك تصور لموضوعات السورة، والكلام عن موضوعات السورة نقول أن هناك موضوعات تفصيلية، وهناك موضوعات عامة ونحن نريد الموضوعات العامة بمعنى أن هذه المجموعة من الآيات تتحدث عن كذا، هذه المجموعة من الآيات تتحدث عن كذا، هذه المجموعة من الآيات تتحدث عن كذا، بهذا الشكل هذا المقصود من موضوعات السورة، ولو أن قارئ القرآن وضع في مصحفه الخاص مثلاً على حاشية المصحف مثلاًبداية السورة مثلاً الأمر بالتقوى، قد تعطي إنسان آخر تقول ما موضوع الآية ؟ يقول لك موضوع الآية خلق آدم أو خلق البشر، لماذا؟ لأنه نظر إلى[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري[/FONT][FONT=&quot] : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا)[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار :[/FONT][FONT=&quot] وقد يأتي واحد آخر ويضع موضوعًا آخر، لكن المقصود وإن تعددت نظراتنا إلى الموضوعات إلا أنه يقال النظر الخاص لكل واحد منا وهو يقرأ هذه السورة وعنده تصور خارقي لهذه الموضوعات التي تتحدث عنها السورة فإننا نعتبر أنه شيء جيد، وقد جربت أحيانًا في بعض الدروس في أننا نتأمل السورة ونحاول نستخرج منها المقاطع يعني هذا المقطع ينتهي أين أين ينتهي وأذكر أني كنت أستفيد من المصحف الباكستاني المصحف الباكستاني فيه ميزة[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري[/FONT][FONT=&quot] :الركوعات[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار[/FONT][FONT=&quot] : هي الركوعات يكتبون عليها عين والآن المصحف الكويتي الذي صدر قريبًا[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري [/FONT][FONT=&quot]:نعم يراعي[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار :[/FONT][FONT=&quot] استفادوا من هذه الركوعات ووضعوها وأنا الحقيقة أدعو أن يستفاد من هذه الركوعات لأنها في الغالب تكون في موقف تام فتمثل وحد متكاملة وقد يكون ضمن هذه الوحدة المتكاملة أكثر من موضوع فيمكن أن يلتفت إليها، وكما قلنا سابقًا في أحد برامج بينات لما تكلمنا عن فائدة هذا المصحف، وهذي العين أنها مفيدة للحفاظ من جهة فيقفوا على مواقف معينة، مفيدة لأئمة التراويح أن يقفوا على مواقف أيضًا تامة أو كافية، هذا أيضًا دعوة أن يكون هناك نوع من التدبر المتعلق بموضوعات السورة وبجمعها أقول أيضًا لو جمعت موضوعات السورة كلها ثم وضعت أمامك في لوح كبير ونظرت لموضوعات كل سورة فتستطيع أن تعرف ما هي الموضوعات الكلية التي ناقشها القرآن من خلال النظر الأولي لهذه الموضوعات .[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري[/FONT][FONT=&quot] :أنا من خلال دعوتك هذه يا دكتور مساعد الحقيقة ألحظ أن كل سورة يكاد يكون هناك يعني عنوان كما أسلفنا في سورة النساء مثلاً هي سورة الحقوق حقوق الضعفاء أو نحو ذلك تلحظ هناك عنوان عام ثم داخل هذا العنوان العام عدد من الموضوعات مثل ما ذكر الدكتور مساعد قبل قليل هذه الموضوعات ممكن تجعلها موضوعات رئيسية أو غير رئيسية. أيضًا في ثنايا السورة تجد هناك موضوعات فرعية تتردد يمينًا ويسارًا في ثنايا هذه الموضوعات الرئيسة، ما الذي يمنع الباحث أو التالي للقرآن وهو يقرأ سورة النساء إذا مر التقوى قال التقوى مر مرة واحدة لما مر عليه مرة ثانية اثنين مر ثالثة ثلاثة أربعة، إذا تكررتبين له أن هذا الموضوع أشبه مايكون بالموضوعات الرئيسية للسورة، قدر بذلك ما هي الموضوعات الرئيسة في هذه السورة وما هي الموضوعات الفرعية في السورة ، هذه الموضوعات الفرعية لا تخلو من حالين: إما أن تكون موضوعًا يمُهد له في هذه السورة فهو فرعي ثم يُؤسس يعني يكون أساسيًا في السورة التالية[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري[/FONT][FONT=&quot] :وهذا صحيح يليها[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري [/FONT][FONT=&quot]:الشيء الثاني إما أن يبقى موضوعًا فرعيًا لايتكرر في القرآن مرة أخرى ماذا نستفيد من هذا ؟[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري[/FONT][FONT=&quot] :أن هذا هو مكانه[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري[/FONT][FONT=&quot] :هذا هو حجمه في الإسلام وهذا هو حجمه في القرآن.[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري[/FONT][FONT=&quot] :نعم[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري[/FONT][FONT=&quot] :إذن فنحن ينبغي لنا إذا تحدثنا عنه إذا دعونا إليه إذا أنكرنا على إنسان خالف فيه ننكر بهذا الحجم[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري[/FONT][FONT=&quot] :بهذا القدر وبهذا الحجم[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري[/FONT][FONT=&quot] : نعم. ولذلك مما يرد به على الشيعة في موضوع ركنية الولاية أو الإمامة، أين هي الآيات التي تدل على الإمامة في القرآن أهل السنة قالوا لهم :هذا الركن الركين الذي لايثبت إسلام إنسان عندكم إلابه أين هو في القرآن[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري[/FONT][FONT=&quot] :ولايوجد أي[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري[/FONT][FONT=&quot] :فإذا لم تأت آية واحدة للدلالة عليه إلابنوع من التأويل والتأويل المتعسر[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري[/FONT][FONT=&quot] :والتحريف حتى[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري[/FONT][FONT=&quot] :إي نعم، ولا توجد آية صريحة بل ولا سورة تدل على هذا المعنى دلنا ذلك على أن هذا لايمكن أن يكون ركنًا ولادالاً على إيمان مؤمن ولاكفران كافر[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار :[/FONT][FONT=&quot] صحيح[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري[/FONT][FONT=&quot] :فمن هنا نتوقع أننا نستفيد هذه الفائدة الجليلة من هذا التقسيم الموضوعي لما يرد في السورة[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار :[/FONT][FONT=&quot] وأيضًا لو أن إنسان أيضًا من باب الفائدة لو أنه أراد التفصيل أكثر[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot]نعم[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار [/FONT][FONT=&quot]: فإنه سيجد موضوعات كثيرة جدًا جدًا من الموضوعات الخفية أيضًا وسبق أن طرحنا في سورة آل عمران إشارة إلى بعض الموضوعات مثلاً[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري[/FONT][FONT=&quot] :الثبات (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا) [/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار :[/FONT][FONT=&quot] كأنه أيضًا الدكتور عبد الرحمن أشار إلى مثلاًموضوع لطيف جدًا وهو قضية العلم بالنيات هذا الذي يتكلم بالقرآن يخبر عن نيات لايمكن أن يكون هذا من عند محمد [/FONT]–[FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم [/FONT]–[FONT=&quot]كيف يعرف محمد [/FONT]–[FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم [/FONT]–[FONT=&quot]كما يزعم المستشرقون أنه من عنده كيف يعرف خفايا هذه النفوس؟![/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري[/FONT][FONT=&quot] :سبحان الله![/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار :[/FONT][FONT=&quot] وكيف يقدر ما فيها وكيف يعرف ويقول (إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا) مايدريه عن همهما؟![/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري[/FONT][FONT=&quot] :صحيح[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار [/FONT][FONT=&quot]: فإذن أنا أقول حتى لو دخلنا إلى هذه التفاصيل فانظر كم من الذي سيأتيك في قضية الموضوعات[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري[/FONT][FONT=&quot] :صحيح[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار :[/FONT][FONT=&quot] شيء لايحصر يعني لايحصر[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري [/FONT][FONT=&quot]:لعل هذا يفتح لنا الباب يا إخواني نتحدث عن موضوع ما تطرقنا إليه وهو علاقة سورة النساء بسورة آل عمران يعني ما المناسبة بين سورة النساء والسورة التي قبلها وهي سورة آل عمران؟ تذكرون أننا تحدثنا في سورة آل عمران حديثًا طويلاً عن النصارى وعن مجادلة أهل الكتاب وعن محاججتهم وكان حديث سورة آل عمران يدور حول هذا كثيرًا[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري[/FONT][FONT=&quot] :قرابة مائة وعشرين آية في آخر السورة نزلت عليهم[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري[/FONT][FONT=&quot] :كلها نقاش مع النصارى، أيضًا سورة النساء فيها نقاش وفيها محاججة لأهل الكتاب كثير[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] نعم[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري[/FONT][FONT=&quot] : وهذه أيضًا من مزايا السور التي نزلت في المدينة لأن النبي [/FONT]–[FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم احتك باليهود كثيرًا في المدينة ، وكان هناك نقاش وهناك جدال، أيضًا هناك وفود من النصارى زاروا النبي [/FONT]–[FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم [/FONT]–[FONT=&quot]وسألوا أسئلة وأوردوا إيرادات، والصحابة [/FONT]–[FONT=&quot]رضي الله عنهم كانوا يحضرون مثل هذه اللقاءات، فكانت تأتي هذه السور تجيب عن هذه الشبهات، ونحن اليوم بالمناسبة ويعني أقول هذا للإخوة المشاهدين في أمس الحاجة حتى على مستوى المسلم العادي أن يتعلم عندما يقرأ الشبهات حول القرآن الكريم، يعني أنت الآن يادكتور مساعد الآن تقول إن المستشرقين يقولون إن القرآن الكريم من عند محمد[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري[/FONT][FONT=&quot] :أعوذ بالله[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري[/FONT][FONT=&quot] :أنا أقول يا دكتور محمد هذه الشبهة يكاد يجمع عليها كل المستشرقون و الطاعنون في القرآن ويقولون إن القرآن الكريم ليس من عند الله يعني مصدرية القرآن وإنما هو من عند محمد وهذا قرآن محمد[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot]عجيب[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري[/FONT][FONT=&quot] :في حين أن التأمل في آيات القرآن الكريم لاتجد فيها شخصية محمد[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار [/FONT][FONT=&quot]:صدقت[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري[/FONT][FONT=&quot] :أبدًا شخصية النبي [/FONT]–[FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم [/FONT]–[FONT=&quot]تجدها تظهر في الحديث النبوي[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري [/FONT][FONT=&quot]:صحيح[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري[/FONT][FONT=&quot] :واضحة أليس كذلك؟[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري[/FONT][FONT=&quot] :بلى[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار[/FONT][FONT=&quot] :نعم[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري[/FONT][FONT=&quot] :تجدها واضحة في الأحاديث النبوية تجد فيها غضب أحياناً تجد فيها عطف تجد فيها شفقة[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار[/FONT][FONT=&quot] :إخبار عن أحواله أما هنا ليس هناك إخبار[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري[/FONT][FONT=&quot] :أما في القرآن الكريم فهو مختلف تمامًا عن الحديث النبوي. وبالمناسبة أنا أذكر كتاب ثمين جدًا, ونادر حتى في كتب التراث الإسلامي موازنة بين أسلوب القرآن وأسلوب النبي [/FONT]–[FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم في الحديث[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري :[/FONT][FONT=&quot]عجيب[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري[/FONT][FONT=&quot] :كتبه الدكتور إبراهيم عوض وهذا الحقيقة مع أنه من الموضوعات المهمة كان المفترض أنها تكتب من قديم[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار[/FONT][FONT=&quot] :صحيح[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري[/FONT][FONT=&quot] :هناك موازنة بين القرآن الكريم نسيج وحده مختلف أسلوبه، لغته، لاتستطيع أن تستشف من وراء آيات القرآن الكريم شخصية بشرية أبدًا[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار [/FONT][FONT=&quot]:هذا صحيح[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري [/FONT][FONT=&quot]:سبحان الله[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار [/FONT][FONT=&quot]:أبدًا، وهذا أحد الردود على المستشرقين[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري [/FONT][FONT=&quot]:نعم ،إنما تستشف أن وراءه شخصية إله[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري[/FONT][FONT=&quot] :لا شك[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري :[/FONT][FONT=&quot] نعم إله قادر، عظيم، يعلم السر، يعلم الغيب ، ويعلم كما تفضلت خفايا النفوس ، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، هذا محمد [/FONT]–[FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم -يعرف هذا، أنا أقول هذ من أوجه المناسبة بين سورة النساء وسورة آل عمران حديثها عن أهل الكتاب ومحاجة أهل الكتاب، هل هناك مناسبات أخرى[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار[/FONT][FONT=&quot] :وهناك مناسبات لفظية، آخر آية[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري [/FONT][FONT=&quot]:نعم[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري [/FONT][FONT=&quot]: وهي (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ)[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار [/FONT][FONT=&quot]:لالا[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري[/FONT][FONT=&quot] :لا، (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ)[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار[/FONT][FONT=&quot] : (وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري[/FONT][FONT=&quot] : جميل ، ثم هنا قال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ)[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار [/FONT][FONT=&quot]:نعم ،انتقل من التقوى الخاصة إلى التقوى العامة التقوى الخاصة بالمؤمنين في آل عمران[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري :[/FONT][FONT=&quot] جميل[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار[/FONT][FONT=&quot] :والتقوى العامة للناس في سورة النساء[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري [/FONT][FONT=&quot]:أيضًا الحديث في الجهاد في سورة آل عمران حديث ظاهر جدًا[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار[/FONT][FONT=&quot] :جدًا، نعم[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري [/FONT][FONT=&quot]:وهنا أيضًا (فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ ) (فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا) (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ)....... إلخ. أيضًا في سورة آل عمران آيات التوحيد[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري [/FONT][FONT=&quot]: نعم[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار [/FONT][FONT=&quot]:والتوحيد أيضًا ظاهر في هذه السورة كما هو ظاهر في سورة آل عمران ،وإن كان في سورة آل عمران أظهر ،وأكثر [/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار[/FONT][FONT=&quot] :الإشارة إلى المنافقين أيضًا في آل عمران[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري [/FONT][FONT=&quot]:نعم الإشارة إلى المنافقين في آل عمران واضحة جدًا[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار [/FONT][FONT=&quot]:وتفصيل في النساء[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري[/FONT][FONT=&quot]: (فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا)[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري[/FONT][FONT=&quot]: غزوة أحد[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري[/FONT][FONT=&quot]: نعم، بالمناسبة آيات غزوة أحد المذكورة في سورة آل عمران جاءت تتمتها في سورة النساء (فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ) يقال إن هذا كان في غزوة أحد.[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري[/FONT][FONT=&quot]: جميل جدًا يعني هذه أوجه، أتصور المتأمل في السورة يجد أوجه ارتباط أكثر بين سورة النساء وبين سورة آل عمران مناسبات لفظية كما تفضلت ومناسبات أيضًا[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد الطيار[/FONT][FONT=&quot] :معنوية، نعم[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري[/FONT][FONT=&quot]: نعم، وأنا أذكرالحقيقة كتاب قيم -قبل أن أنساه- تحدث حديث رائع عن سورة النساء بالذات مع أنه موضوعه ليس سورة النساء فقط وهو كتاب لصديقنا الأستاذ الدكتور عماد زهير حافظ له كتاب بعنوان (منهج القرآن الكريم في رعاية ضعفاء المجتمع) فتحدث عن حقوق المرأة، وتحدث عن الأيتام وتحدث عن حقوق الميراث، وكيف أن الله [/FONT]–[FONT=&quot]سبحانه وتعالى في سورة النساء تولى قسمة التركة كاملة. وفعلاً لعلنا إن شاء الله عندما نتحدث عن آيات المواريث سنبرز هذا الجانب بإذن الله[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري[/FONT][FONT=&quot]: إن شاء الله[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري[/FONT][FONT=&quot]: وهي فعلاً تؤكد معنى أنها سورة الحقوق كأنها تعطي كل ذي حقٍ حقه على أكمل وجه. لعلنا يعني نكتفي بها الحديث في هذا اللقاء الأول في حديثنا عن سورة النساء والذي سجلناه في هذا المكان الجميل في مدينة تنومة وقد تخللها مطر أمطر علينا فنعتذر[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري [/FONT][FONT=&quot]:لكن حتى إعداد الإستديو بهذا الشكل الذي يراه إخواننا المشاهدين[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري[/FONT][FONT=&quot]: كان متعبًا[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري [/FONT][FONT=&quot]:كان متعبًا، الآن لنا خمس ساعات ننتظر حتى نسجل هذه الحلقة[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري[/FONT][FONT=&quot]: فنرجوا، نحن نلتمس العذر[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري[/FONT][FONT=&quot]: نعم[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري:[/FONT][FONT=&quot] من التقصير ولعلنا إن شاء الله نلقاكم أيها الأخوة المشاهدون في لقاء قادم يعني أشكر الزملاء الدكتور محمد الخضيري والدكتور مساعد الطيار على ماتفضلا به في هذا اللقاء ونلقاكم بإذن الله تعالى[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد الخضيري[/FONT][FONT=&quot] :لاتنسى إخواننا المصورين[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبدالرحمن الشهري :[/FONT][FONT=&quot] أشكر إخواننا المخرج والأخوة الزملاء المصورين في هذا اللقاء وأصحاب الإستراحة الإخوان آل سليمان أسأل الله أن يجمعنا وإياكم والإخوة على خير نلقاكم بإذن الله على خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.[/FONT]
[FONT=&quot]بُثّت الحلقة بتاريخ 1 رمضان 1431 هـ الموافق 11/8/2010م[/FONT]
 
[FONT=&quot]الحلقة الثانية [/FONT][FONT=&quot] رمضان 1431 هـ[/FONT]
[FONT=&quot]تأملات في سورة النساء [/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري :[/FONT][FONT=&quot] بسم الله الرّحمن الرّحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلّم وبارك على سيّدنا ونبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أيّها الأخوة المشاهدون الكِرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ومرحبًا بكم في هذا المجلس القرآني اليومي "بيّنات" والذي يأتيكم في هذا الشهر المبارك، وحديثنا لايزال مستمرًا حول سورة النّساء. وقد كنّا في الحلقة الماضية تحدّثنا مع المشايخ الفضلاء، الدكتور: محمد بن عبدالعزيز الخضيري الأستاذ المساعد بكلية المعلمين في جامعة الملك سعود، وأخي فضيلة الشيخ الدكتور: مساعد بن سليمان الطيّار الأستاذ المشارك بجامعة الملك سعود. تحدّثنا حول سورة النّساء، وتحدّثنا عن نزولها في المدينة، وتحدّثنا عن موضوعها، وتحدّثنا عن تسميتها بسورة النّساء، وسبب تسميتها بهذا الاسم. ولعلنا في هذا اللقاء الثّاني أن نبدأ في الحديث عن بيان معاني هذه السّورة من أوّلها، ونتوّقف عند بعض الفوائد والاستنباطات من هذه الآيات العظيمة، وقبل أن نبدأ في الحديث عن هذه الآيات، لعلنا نستمع إلى الآيات الثلاث الأُول من هذه السّورة ثم نواصل الحديث بعد ذلك. [/FONT]
[FONT=&quot]قراءة للشيخ: محمد صِدّيق المنشاوي [/FONT]–[FONT=&quot] رحمه الله تعالى [/FONT]–[FONT=&quot] رحمةً واسعة. من الآية: "1-3" من سورة النّساء. [/FONT]
[FONT=&quot](يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴿١﴾ وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا ﴿٢﴾ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ﴿٣﴾) [/FONT]
[FONT=&quot]وبعد استماعنا أيُّها الإخوة لهذه الآيات العظيمة من هذه السُّورة، لعلنا نبدأ في الحديث معكم يا شيخ محمد حول دِلالة هذا النداء في أول سُورة النِّساء (يا أيُّها النّاس اتقوا ربّكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ) ما هي يا تُرى دِلالة هذا النّداء والعموم الواسع الذي فيه؟.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] طبعاً نحن قررنا في الحلقة الماضية أنّ هذه السورة " سورة الحقوق"، وهذه الحقوق عامة وليست خاصّة وافتُتحت بحق الله عز وجل الذي هو عبادة الله عزّ وجل وتقواه. وهذا النّداء يناسبه العُموم" يا أيّها النّاس" كما في سورة البقرة في أول نداء فيها عندما قال (يا أيّها النّاس اعبدوا ربّكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون) فهنا الحقيقة لمّا ذكرنا في الجلسة الماضية، وفي الحلقة الأولى من حلقات هذه السّورة "المناسبات بين السُّورتين"، كان ينبغي أن نشير إلى المناسبة بين سورة النّساء وآل عمران من هذه الزاوية، ففي سورة آل عمران "هي سورة التوحيد" فهي في حق الله عزّ وجل الخالص، وفي هذه السّورة ذُكر فيها الحُقوق عامّة، ورُكِّزَ فيها على حقوق من يَحتاج إلى التركيز على حقّه من الضُّعفاء والمساكين والأيتام وغيرهم، وأيضاً من الوَرثة وبيان حُقوقهم مُفصّلة، فكأنّها جارية على قاعدة القرآن عندما يُذكر حق الله يُذكر حق المخلوق. كذلك حتى في أركان الإسلام لمّا ذُكرت الصّلاة يُذكر بعدها إيتاء الزّكاة حقُّ الله وحقُّ العبد، لأنّ الإسلام بُني على أنّ كماله وتمامه أن يؤدّي العبد الحقَّ كاملًا في زاويتين، الزّواية المتصلّة بالرّب سبحانه وتعالى وبها يُبدأ، والزّاوية المتصلّة بالعبد، وبهذا يُعطى كُلَّ ذي حق حقّه. ولذلك نحن نقول وليحذر كل مسلم من أن ينصرف إلى أداء حق الله مثلاً الخاص به جلّ وعلا من توحيده وعبادته والصّلاة له وذكره ويُهمل حقّ من ولاّه الله سبحانه وتعالى أمرهم من زوجة، أمٍّ، أبٍّ، ابن، جارٍ إلى آخره فإنَّ هذا خَلل كبير جدّاً في تدّين المسلم لربّه جلّ وعلا.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] إذاً هذا يعني سبب إضافة هذا النداء العام في أول سورة النّساء، هل لديك إضافة دكتور مساعد في هذه النقطة بالذات؟.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] فقط التركيز طبعاً على جانب، وهو ذكر الربوبية مع لفظ النّاس في هذه الآية ، وكذلك في بداية سورة البقرة: (يا أيّها النّاس اعبدوا ربّكم)، ونلاحظ أنّه لمّا كان الحديث عن النّاس جميعًا جاء الوصف بالربوبية، وإذا كان الحديث عن المؤمنين يجيء وصف الألوهية، قد يجيء بلفظ الربوبية ولكن يكثر ذِكر الألوهية، للدِّلالة على أنّ المؤمينن اختصُّوا بعبادة الله وهي العبادة الحقّة فحُقَّ لهم أن يُنادَوا باسم الألوهية، فإذاً إذا جاء الاسم العام بلفظ النّاس ناسبه الربوبية، وإذا جاء الوصف الخاص بالمؤمنين ناسبه الألوهية، وهذا يكاد يكون مضطّرداً في القرآن، وهو يدخل كما تُلاحظ في ما يُسمّى بـ "براعة الاستهلال" قال (يا أيها النّاس اتقوا ربّكم)، مثل ما ذكر أخونا محمد الخضيري أن تحدّث عن جملة من الحقوق كحق الرّب سبحانه وتعالى في تقواه. [/FONT]
[FONT=&quot]وبراعة الاستهلال في السور وموضوع بدايات فواتح السّور، من المواطن التي يحسن تدبّرها، ولهذا أيضا لو أنّ القارئ للقرآن وضع لنفسه جلسات تدَّبُرية خاصّة للنّظر بفواتح السّور، وكذلك خواتم السّور فإنّه سيجد ما يُسمّى بردّ العجز على الصّدر من جهة عود الخواتم على البدايات. وكذلك سيجد في البدايات الإشارة إلى الموضوع الذي تتكلّم عنه السّورة، من حيث الإجمال. فإذا قال إنّ عندنا عددًا من السّور تكرّر فيها المطلع مثل (الحمد لله) ورد في خمس سور، فنقول انظر لما بعدها ستجد الإشارة إلى الموضوع. أو أحيانًا تكلّم عن الكتاب مثل (آلر تلك آيات الكتاب الحكيم) في سورة يونس، (آلر. كتاب أحكمت آياته ثمّ فُصّلت من لدن حكيم خبير) في سورة هود، (آلر. تلك آيات الكتاب المبين) في سورة يوسف. كذلك (طسم. تلك آيات الكتاب المبين) في سورة الشّعراء، فلمّا يتأمّل المقدمات، سيجد أنّها مع أنّها تكلّمت عن القرآن إلا أنّ كُلَّ سورة اختصّت بحالٍ من أحوال القرآن أو صفة من صفاته[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] يعني تقصد وكيف نربط بين هذا الاستهلال بهذه الصّفة وبين موضوع السورة[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] نعم، لا شك.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشّهري:[/FONT][FONT=&quot] يعني هذا براعة الاستهلال المقصود به كيف يستهِّل المتكلم كلامه بإشارة خَفيّة يفهمها الذّكي على موضوعه الذي سوف يتحدّث عنه.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] وهذا من البلاغة.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشّهري:[/FONT][FONT=&quot] لا شك أنّ هذا من أوجه البلاغة التي يعتبرها العرب.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] لو تكرّمتم أبو عبد الله[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشّهري:[/FONT][FONT=&quot] تفضّل.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] هنا قاعدة مهمّة جدّا فيما يتعلق بهذه الموضوعات، بعض النّاس يقول كيف تُنزِّلون كلام الله سبحانه وتعالى على كلام البشر، نقول هنا يجب أن ننتبه أن الله سبحانه تعالى قال: "إنّا أنزلنه قرآناً عربيّاً".فإذاً هو على سنن العرب[/FONT]
[FONT=&quot]فننظر للعرب بما كانت تعتني، فنجد أنّ لغة القرآن قد بلغت الذروة في هذا فمنها براعة الاستهلال، يعني براعة الاستهلال في الشِّعر هي التي تجلبك لسماع بقية القصيدة، فإذا كانت بداية القصيدة بداية باهتة أو بداية صريحة قد أيضاً لا تشّدك، لكن حينما تكون البداية بداية استهلالية رائعة جداً مثل : قفا نبكِ، فهذه تشُّد القارئ إلى أن يستمع إلى هذه القصيدة و أن ينظر إلى ما فيها.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهّري:[/FONT][FONT=&quot] كنت أظن الحقيقة يا إخواني، أنَّ الذي يعتني بمثل هذه التفاصيل، يعني الآن عندما تقول أنت الآن والله سورة النّساء سورة جاءت لكي تُرسي مبادئ وحقوق الإنسان وحقوق الضعفاء، وتُعطي كلَّ ذي حق حقّه، فجاءت من أجل ذلك مُقدّمتها على هذا النَّمط "يا أيَّها النّاس اتقوا ربّكم الذِّي خلقكم من نفس واحدة" يعني الآن عندما يأمرك بأداء الحقوق، يذِّكرك في البداية أنّكم كلكم من نفس واحدة يعني أنت الآن، وهذه اليتيمة، وهذا المظلوم وهذا الظّالم، كلكم أصلكم واحد يعني تذكير حقيقة، حتى الكافر " الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ....وإلى آخره" ، كنت أظن أنّ الذي يعتني بمثل هذه التفاصيل البلاغية في البداية هم العرب فقط، ثمّ وجدت حتى في الآداب الأجنبية: في الفرنسية، في الألمانية يعتنون بهذا عناية شديدة، بل حتى في الدساتير يا إخواني الآن، عندما يأتي الإعلام العالمي لحقوق الإنسان فيبدأ بمقدِّمة، فيأتي شُرَّاح القوانين ويقولون: وانظر قد بُدئ هذا القانون بهذا النص قصداً لكي يكون دالاً على المضمون بشكل كذا وكذا وكذا. فأقول سبحان الله العظيم القرآن الكريم قد جاء على أوفى وأكمل ما يكون من هذه القوانين ، فجاء في مُستهل هذه السُّورة التي جاءت لإرساء حقوق الإنسان وحقوق الضُّعفاء بهذه البداية التي تكلمتم عنها وهي فعلاً مقدّمة بليغة وفيها براعة الاستهلال واضحة جدّاً جدّاً.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] أيضاً نضيف إلى هذا إلى أن نذّكر إخواننا المشاهدين، بأنّ الانتباه كما ذكر الدكتور مساعد قبل قليل أن الانتباه إلى مطلع السّورة، [/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] قد يكون مطلع السورة حرف[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] أنّه مهم جدًا في معرفة موضوعها، ومضمونها، ومقصودها. فلينتبه كلُّ واحد منّا إلى هذا المطلع في معرفة ذلك المقصود.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشّهري:[/FONT][FONT=&quot] فكرة جميلة جدّاً ، لو أحد يركزّ عليها الواحد في رمضان مثلًا.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] نعم، مثال ذلك هذه السورة الآن: سورة المائدة (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) هي سورة العقود حقيقة، مثال آخر في سورة آل عمران: (آلم. الله لا إله إلا هو الحيّ القيّوم * نزَّل عليك الكتاب). العادة أنّ الحروف المقطعة يأتي بعدها ذكر الكتاب مباشرة، في هذه السّورة فُصل بذكر التوحيد، ممّا يدل على أنّ التوحيد مقصودٌ في هذه السّورة، وهو أعظم مقاصد هذه السورة، فنقول للنِّاس انتبهوا لهذا وركِّزُّوا عليه.[/FONT]
[FONT=&quot]وأمّا ما ذكره الدكتور مساعد قبل قليل من قضية ردِّ العجز على الصَّدر، وأنّه من الأساليب البلاغية المعروفة المشهورة عند العرب، فهو لا تكاد سورة تخلو منه فخاتمة كل سورة تجدها مؤيدة لمقدمتها، بل خاتمة سُور القرآن هي في الحقيقةِ لون من ألوان ردِّ العجز على الصَّدر من جهة أنّها أكّدت ما ذُكرَ في السّور الأولى من القرآن. فمثلاً : انظر إلى سورة الفاتحة وسورة النّاس ، سورة الفاتحة ذُكرت فيها ثلاثة أسماء لله عزّ وجل: الله، والرّب، والملك. كذلك في سورة النّاس: (قل أعوذ برب النّاس. ملك النّاس. إله النّاس). نفس البداية ، سورة الفلق: ذكر فيها الحسد والسّحر وما يتصّل بها، وهي مذكورة في سورة البقرة، سورة الصّمد هي في التوحيد، وسورة آل عمران هي في التوحيد. وهكذا رُدّت السور السبع الطوال الموجودة في أول القرآن، رُدَّ العجز عليها، في آخر سور القرآن السَّبع القصيرة التي خُتِم بها كتاب الله عزّ وجل.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشّهري:[/FONT][FONT=&quot] أنا أظن أنّ فيه تأليف لأحد العلماء، نسيت حقيقة، أنا أحاول أتذكر اسمه، لكن عنوانه: "الدُّرر اللوامح في أسرار الفواتح". تحدّث فيها عن أسرار فواتح السّور، لا أدري هل هو من كتب السيوطي المفقودة، أو من كتب غيره، لكن أتوقع أنَّ مثل هذا المعنى الذي أشار إليه الدكتور مساعد وأشرتم إليه دكتور محمد، معنىً لم يكن غائباً عن العلماء السّابقين، وكانوا فعلاً يلتمسون في مطالع السُّور وفي أوائلها دِلالات من هذا النوُّع، وهي الحقيقة باب من أبواب الاجتهاد والاستنباط والتَّدبر وإعمال الذِّهن في آيات القرآن الكريم وفهمها. [/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] طيب، من تمام براعة الاستهلال في هذه الآية حقيقة، كيف أنّه يُذّكر- مثل ما ذكرتم دكتور عبدالرحمن قبل قليل- خَلقِنا من نفسٍ واحدة، لبيان أنَّ لبعضنا على بعضٍ حقّاً، إذا كُنَّا نحن الآن خرجنا من أبٍّ واحد، إذاً بعضنا له على بعض حق، كحق القرابة، والأصل الواحد، ولذلك نحن يجب علينا أن نُراعي هذا في حق الضعيف ، والمرأة ، والمسكين وغيرهم.[/FONT]
[FONT=&quot]قال تعالى: " وخلق منها زوجها" أيضاً هذه المرأة التي يُراد أن يُتحنَّنّ عليها، وتُرحم ويُرفق بها، تراها خُلقت منك، يعني هي بعضٌ منك. فأنت إن ظلمت ظلمت بعضك، وإن قطعت قطعت بعضك.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري :[/FONT][FONT=&quot] ولعله قال : ولا تقتلوا أنفسكم. لهذا المعنى[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] سبحان الله. قال : "وخلق منها زوجها ثم قال" وبث منهما". أذكر أنّ لك لفتة في هذا الموضوع.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشّهري:[/FONT][FONT=&quot] طبعا في هذه الآية: قال : " وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحامَ. تذكرون هذه الآية فيها خلاف نحوي مشهور، وهو أنَّ حمزة وهو أحد القرّاء السبعة قرأ : واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحامِ إنّ الله كان عليكم رقيباً.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] عطف الاسم الظّاهر على الضمير.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشّهري:[/FONT][FONT=&quot] نعم، فالنَّحويون عندما قرأ والأرحامِ بالكسر، قالوا أخطأت، أخطأت يا حمزة بقراءتك هذا الحرف بالكسر، ووجه الخطأ عندهم أنّه عطف الاسم الظّاهر على الاسم المضمر، يعني عطف الأرحام وهو إسم ظاهر، على الضّمير في قوله (به). واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحامِ.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] وبالأرحامِ.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] نعم. قراءة الجمهور: واتّــقوا الله الذي تساءلون به والأرحامَ. فالمفسرون يقولون: والأرحامَ أن تقطعوها يعني: اتقوا الأرحام أن تقطعوها.[/FONT]
[FONT=&quot]طيب، ما مناسبة النّهي عن قطيعة الرَّحم في هذه الآية؟ المناسبة كما ذَكرها أحد الطُّلاب وأنا أشيد به، وهو أحد طلابي في مرحلة الماجستير وهو الأخ: عبدالله بن سعود الحربي،كنت أعطي الطلاّب فكرة، كنت أدّرسهم مادة أحكام القرآن، فقلت لهم يا إخواني لا نريد أن نكرر الكلام، ونريد أن نأتي بشيء مفيد جديد في تدريس آيات الأحكام، فكنت أقسِّم على الطلاّب القرآن الكريم بحيث كل واحد منهم يأخذ جزء منه، ويستنبط منه فوائد. لأنَّ المقصود بآيات الأحكام هو استبناط الآحكام منها، فكان من نصيب الأخ عبدالله أول سورة النّساء إلى آيات محددّة، فربط بين النَّهي عن قطيعة الرحم وبين دلالة بثّ في الآية نفسها، وقال إن ّ سبحانه وتعالى قال: وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساء. وكلمة "بثّ" فيها دلالة على الانتشار، وانتشار بني آدم، وذرّية بني آدم في الأرض مظنّة قطيعة الرّحم، حتى اليوم، إذا ذهب أحدهم إلى الرياض مثلاً ، والآخر إلى كندا، والآخر إلى أوروبا وهم أبناء رجل واحد، فإنّه لبعد المسافات وانشغالهم، فهذا مظنة قطيعة الرحم، فجاء الأمر في نفس الآية: بصلة الرّحم فقال: "واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام " أن تقطعوها، " إن الله كان عليكم رقيبا" ،فأنا وجدت الحقيقة مناسبة جميلة جدا بديعة لم أجد من نبّه إليها، وهي الصّلة: لماذا جاء الأمر بصلة الرّحم في الآية: وهي لمناسبة قوله" "وبثَّ منها رجالاً كثيراً ونساء" .[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] أيضًا من الفوائد المهمة جداً، لما قال:" الذي خلقكم من نفس واحدة" وهي مبدأ السواسية، والرسول صلى الله عليه وسلم قد أكّد هذا المعنى: كُلُكم لآدم، وآدم من تراب. وقال: لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.[/FONT]
[FONT=&quot]فهذا مبدأ كأنّ الآية تشير إليها، وبناء على هذا فالحقوق التي بينكم أنتم فيها أيضاً سواء، لا يتمايز في هذه الحقوق واحد عن آخر بسبب نسب أو حسب، فالحقوق كُلّها تُنزَّل على هؤلاء جميعاً بدرجة واحدة، ليس هناك تفاضل أبداً في هذه الحقوق ، وفي الحقوق المالية بالذات الفقير، والغني، والحسيب وغير الحسيب، والشرّيف والوضيع. كلهم سواسية في هذا الحكم وأنا أذكر من اللطائف ما يتعلق بقضية السواسية، أنّ العقل أحيانًا يَتصوَّر إدراكاً معيّناً، ولكنّه لا يكون هو الصّواب لأنّ لله حكم غائية قد تكون غائية عن هؤلاء الأشخاص، وأنا سأذكر حادثتين للحِكم الغائية.[/FONT]
[FONT=&quot]الحادثة الأولى: إن لم أكن أهِم سمعتها من الدكتور محمد، وهو أنَّ الشَّيخ بن سعدي رحمه الله تعالى و كان قاضياً يقضي، ليس هناك محكمة، وإنّما يقضي في بيته ويأتي النّاس يتخاصمون، فجاء اثنان من البادية ومعهم طفل صغير، في قماش، وكان لهم أب وهم يرعون ماشيته، هم الذين يُشرفون على مال أبيهم بعد أن كَبِروا، وزوّجوا أباهم عن كِبر، وجاء بهذا الولد، ولمّا جاء أمر هذه التركة سمعوا هم أنّ حق هذا الطّفل الرضيع مثل حقّهم سواء، فالعقل البشري ما أدرك الحكمة الغائية، ونظر إلى قضية أنا تعبان أين حقّي، فجاءوا للشيخ ابن سعدي يسألونه هل بالفعل هذا حكم الله، وقصّوا عليه القصّة، فهل بالفعل حقّه مثل حقنا ونحن تعبنا وفعلنا وفعلنا قال: نعم، وذكر لهم الآيات ، فقالوا : رضينا بحكم الله ورجعوا. فإذا هذه حكمة غائية، أنت لا تُدركها الآن، ولهذا دائماً نقول إذا نحن حكّمنا العقل دون الشّرع ولم نجعل العقل تبعاً للشرع فثق ثقة تامّة أنّه سيقع أخطاء كثيرة جدّاً.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] أنت ترى أنّها مخالفة للعقل والحكمة الإلهية ترى غير ذلك.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] انظر إلى هذا، وتأكيده في قول الله " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيّاً أو فقيراً فالله أولى بهما" . لا تشهد للفقير لأجل فقره، تقول والله لأنّه فقير سأشهد له ولو كان جائراً، أو لن أشهد عليه أخشى أن أزيد مشكلته مشكلة، لا، يعني مبدأ السَّواسية الذي ذكره الدكتور في أن يُعامل النّاس بالفعل، حقوقهم تثبت سواء كانوا أغنياء أو فقراء، صغار أو كبار، ذكور أو إناث، مبدأ يُؤخذ من قوله تعالى: "من نفس واحدة ".[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] تلاحظون يا إخواني في أوّل آية، الحقيقة أول آية من سورة النّساء مليئة بالمعاني، لاحظوا في ختام هذه الآية، يعني الآية مليئة بالحقوق والحديث عن الحقوق، والواجبات وكثير منها حقوق تتعلق بتعاملك مع الآخرين، فقال: " إنّ الله كان عليكم رقيبا" يعني أشار الله سبحانه وتعالى إلى مراقبة الله سبحانه وتعالى لك في جميع أعمالك.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] كأنّه يؤكد معنى التقوى التي مرّت مرتين في الآية. عجيب سبحان الله[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] وهذا يدخل في رد عجز الآية على صدرها .[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشّهري:[/FONT][FONT=&quot] يعني أنت تنظر لها من جهة عندما تأمر بالتقوى، فهو استحضار لمراقبة الله سبحانه وتعالى، لكنّ الله يؤكد هذا، ولا يتركها لك حتى تستنبطه، وإنّما يؤكده لك ويقول: إنّ الله كان عليكم رقيباً.فكان ماذا؟ فسيحاسبكم، فانتبه، لازم الخبر، فما دام أنّ الله رقيب فانتبه لنفسك، فما دام الله رقيب فمعناه أنّ الله سيحاسبك، فكل ما سوف يأتي فإنّ الله قد أمرك به، وفي عدم وفائك به فأنت مُعرَّض للحساب. ولذلك العجيب، الحقيقة أنّها فعلاً لفتة عظيمة، ولفتة الدكتور مساعد في قضية العناية بالآية الأولى في السّورة وعلاقتها ببقية السّورة، لفتة ممتازة جدا وهي بارزة واضحة.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] في قضية لما قال: " وخلق منها زوجها".[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] طبعاً النبي صلى الله عليه وسلّم أثبت هذا وهو ما يُصَّدق هذه الآية ووممّا تُفسَّر السّنة به القرآن: إنّ المرأة خُلقت من ضلع- أي من ضلع آدم- وإنّ أعوج ما في الضّلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها، وإن استمتعت بها استمتعت بها على عِوج.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] المقصود بالضلع.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] طبعاً أضلاع الصدَّر.أيضا يدل على الانحناء والدَّلالة على الميلان، أيضاً الانضمام إلى الأصل وهو ميلانها إلى الرّجل، دائما هي تحوم حوله، وتكون رغبتها فيه، لذلك يقال النّساء ما خلون إلا تحدّثن في الرِّجال، أمّا الرِّجال فقد يتحدّثون في الأرض، والزّرع، والضّرع وغيرها ولا يتحدّثون في هذا الأمر، إلا إذا كانوا من ذوي الشّهوات، أو قد امتلأت بطونهم وسرت في أنفسهم شهوتهم بنسائهم.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] طبعاً في قضية علمية الحقيقة في هذا الموضوع، وهو أنّه طبعاً يُذكر في الآثار أنّ آدم عليه الصّلاة والسّلام نام نومة فقام فإذا بجواره حوّاء، فقال من أنتِ؟، قالت: أنا حوّاء، فَسَألها: من أين خُلقتِ؟، قالت: خُلقتُ من ضلعك، أو شيء من هذا. فالمقصود هذه القصة أنا رأيت بعض من يُشدّد النّكير عليها، وينقل عن الألباني رحمه الله تعالى أيضاً تضعيف هذه والتشديد على ضعفها.[/FONT]
[FONT=&quot]والحقيقة أنّ هذه المسألة مسألة علمية يجب أن ننظر إليها بنظر متوزان، وأن ننظر كيف كان أسلافنا من الصَّحابة والتَّابعين وأتباعهم وكذلك من جاء بعدهم، كيف نظروا إل هذه القضية، وأنا يعجبني حقيقة الإمام الطبري يعني وضع ضوابط مهمّة جدّاً جدّاً للتعامل مع مثل هذه الأخبار عند قوله سبحانه وتعالى: "فأزّلهما الشيطان عنها " .تكلّم عن ما ذكره المفسرون من دخول إبليس الجنّة من خلال الحيّة. ووضع ضوابط مهمّة جدّاً جدّاً.[/FONT]
[FONT=&quot]من هذه الضوابط أنّه قال: ما كان من كتاب الله موافقاً، وهنا الآن لمّا ننظر لهذه القصّة المذكورة. وكتاب الله في نوع من التوافق لأنّه قال: "خلق منها زوجها". أيضاً ذكر قضية: أنّها من الأمور الممكنة وهذا لا شك أنّه قطعاً من الأمور الممكنة، وذكَر قضية أنّ هذا الخبر المذكور لايردّه عقل ولا خبر بخلافه، فهو في حيّز الإمكان ما زال، وذكر أيضاً: أن يكون موافقاً للعربية، لأنَّ القرآن نزل على لسان العرب، وذكر أيضاً ضابطاً مهمّاً وهو تتابع أهل التأويل عليه، فإذا تتابع أهل التأويل عليهم ومرّ على عقل ابن عبّاس، وعقل مجاهد، وعقل عطاء، وعقل ابن مسعود وغيرهم، وكُلُّهم أمّروه وما لحظوا فيه شيئاً، فالمفترض علينا أن يكون عندنا على الأقل احترام لهذه العقول، التي مرّ عليها هذا الخبر ولم تستـنكره مثلما استنكرتَـه أنت، وأنا أقول مهم جدّاً من نظر في هذه الضوابط يجعل مثل هذا الخبر ليس مُشكلاً، ما دام أهل التأويل من الصَّحابة والتّابعين وأتباعهم ومن جاء بعدهم قد ذكروا هذا وليس فيه أيّ منقصة أو أيِّ نكارة في هذا الخبر.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشّهري:[/FONT][FONT=&quot] وهي تعتبر يعني من الروايات الإسرائيلية.[/FONT]
[FONT=&quot]د.الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] نعم، نعم.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري: [/FONT][FONT=&quot]إذا أذنت لي.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] نعم، تفضَّل، يا دكتور محمد.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] من لطائف هذه الآية التي أشار إليها الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، وقد خرج تفسيره لسورة النّساء في مجلّدين، وأنا أوصي الحقيقة طُلاَّب العلم بقراءته، لأنَّ الشيخ إذا فسَّر علَّم، يعني يُعلّمك كيف تصل إلى المعلومة ويشرح لك كل ما يستغلق عليك، يعني ما يدع شيئاً إلا ويُـــــــبينه إن كان إعراباً، إن كان قراءة، إن كان كذا، فقد تقرأ في كُتب التفسير لا تفهم معلومة ولا تستطيع أن تصل إلى فهمها إلى عبر معلّم.[/FONT]
[FONT=&quot]قال: " وبثَّ منهما رجالاً كثيراً ونساء" لمّا ذكر رجال، ذكر كثيراً قال : لأنّ كثرة الرِّجال النِّعمة فيها أتمّ، والعِزُّ فيها أكثر، فكلما كانت الأمّة فيها رجالٌ أكثر، كان ذلك أتم في النِّعمة وأعزّ أيضاً للأمّة، ولذلك جعل الله عزّ وجل الكثرة فيهم لإظهار هذه القِيمة وهي عزّة الأمّة.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشّهري:[/FONT][FONT=&quot] جميل، مع أنّ الواقع أنّ العكس هو الصَّحيح، أنَّ النّساء أكثر من الرِّجال .[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] طبعاً، واقع الأمر، لكن كلما كثر الرِّجال دلّ ذلك على عزّة الأمّة.الآن في مجتمعنا نحن في الإحصائيات الأخيرة، آخر إحصائية قبل سنوات تبيّن أنّ الرِّجال عندنا 51% ، والنساء 49%.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] فيه معنى الحقيقة أريد أن أتحدث عنه، نحن نتحدث عن حقوق النّساء، وأنا أريد أن أتحدث عن حقوق الرِّجال. في قوله سبحانه وتعالى في سورة النّساء: "الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها". فأنت تجد هنا هناك فضل لآدم عليه الصلاة والسلام على حواء بأنّه هو الأصل. في سورة البقرة في قوله تعالى: أُحِلَّ لكم ليلةَ الصِّيام الرّفث إلى نسائكم هُنَّ لباس لكم وأنتم لباس لهنّ.[/FONT]
[FONT=&quot]هنا لماذا قدّم الله تعالى وصف المرأة بأنّها لباس للرّجل، على وصف الرَّجل بأنّه لباس للمرأة. لا أدري هل مرّ عليكم مثل هذا؟[/FONT]
[FONT=&quot]المشايخ:[/FONT][FONT=&quot] أبداً.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشّهري:[/FONT][FONT=&quot] أنا يظهر لي معنىً، وهو أنّ المرأة في قُدرتها على احتواء الرَّجل، وعلى سَتره، وعلى عفّته، بتحبّبها إليه، وتقديرها له، واحترامها له، والقيام بحقّه. وتقدير أنّ الرّجل هو أصل للمرأة، أنّ هذا هو أحفظ للأسرة، وأحفظ لقلب الرّجل، من قدرة الرّجل على أن يكون لباساً للمرأة. ولذلك قُدَّمت وصف المرأة بأنّها لباس للرّجل قبل أن يُذكر وصف الرَّجل بأنّه لباس للمرأة. لأنَّ المرأة أقدر في رأيي على أن تَعُفَّ الرّجل وأن تحتويه، بما آتى الله سبحانه وتعالى المرأة من صفات ومن ما فُطرت عليه من أخلاق.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] ولأنهّا أيضاً هي قيّمة البيت حقيقةً، يعني هي ملكة البيت، يعني إذا جاء الرَّجل إليها فكأنّه يأوي إلى شيء، يسكُن إليها.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشَّهري:[/FONT][FONT=&quot] لتسكنوا إليها.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] التعبير القرآني عظيم. هذا السَّكن بما أنَّ البيت يستر الإنسان. أيضاً المرأة كأنّها لباسٌ له تحتويه لتستره.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] وأنا أتصوَّر أنّ هذا من حقوق الرّجل على المرأة، لأنّ بعض النّساء حقيقةً ليست سكناً.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] أنا فصّلت هذا يا أبا عبد الله، ولعلّ أبو عبد الملك يعني يقيّم ما ذكرته في أمرين. قلت: الرّجل عليه الأمان الخارجي، والمرأة عليها الأمان الدّاخلي، فالرَّجل يحقق الأمان الخارجي، عندما يشتري مثلاً بيتاً أو يـُؤجِّر بيتـــاً ويضع فيه الطّعام والشّراب وغير ذلك، يبقى هنا الآن، لتكتمل السَّعادة ولترفرف على هذا البيت، المرأة تقوم بدورها في أن تجعل هذا البيت بالفعل يحوي هذه الأسرة، ويكون سكناً لهذه الأسرة، البيت موجود، والأثاث موجود، والطّعام موجود. بقي الآن دور المرأة في كونها تُضفي عليه، فإذا قامت المرأة بهذا الدّور صار البيت سكناً، ولابد أن يكون هذا البيت سعيداً. أمّا إذا انعكس الأمر، الرّجل أمّن البيت وجاب الطّعام والأثاث، والمرأة صار لسانها أطول منها، ولا ترضى بشيء ولا تقنع، ودائماً تخرج من بيتها، خرّاجة ولاّجة، وصارت كلما جاء الزّوج وإذا بها منصرفة لعملها، أو لاتصالاتها مع صويحباتها، أوخارجة لجيرانها ما صارت سكناً، ضاق صدر الرّجل فظهر ذلك على تصرّفاته ،فبدأت السَّعادة تخرُج من البيت. [/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] ما أدري هل ترون فعلاً قضية تقديم وصف المرأة بأنّها لباس للرّجل" هنّ لباس لكم" أليس هذا المعنى دقيق فيها؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] واضح جدّاً، خصوصاً في آية الصيام: "أُحِلَّ لكم ليلة الصيام الرّفث إلى نسائكم" . طبعاً الليل لباس وستر، وللزّوج ستر خاص فيه، يكون مكوّنًا من هذه المرأة التي هي أصلًا خُلقت من ضلعه، فهي لباسٌ له.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] هناك قضية يكثر الحديث عنها: وهي هل يمكن إدراك سرّ البلاغة من خلال معرفة مدلول اللّفظ، وموقعه في الآية وهي لفظة (وبثّ)؟، لاحظ استخدام لفظ " بثّ" ، " يوم يكون النّاس كالفراش المبثوث"، وأيضاً: "فكانت هباءً منبثاً" ،يعني بثّ بمعنى نشر. لو أنت تأمّلت، أو قلت لأحدهم أعطِنا من دلالة "بثَّ" هذا السّر الإعجازي في اختيار الألفاظ ، لم تُختَر لفظة " نشر" أو غيره مما يدل على المعنى، إنّما بث. مهما اجتهد المجتهد ليُعبّر عن دِقّة هذا الاختيار وتناسق هذا الاختيار مع محيط الآية، يعني ما قبل اللّفظ وما بعدها، أو مع مثيلاتها فإنّه يبقى أنّه يقدِّم لنا شيئا يسيراً، ولكن يبقى في النّفس شيء لا يمكن أن يخرج، لذلك فإدراك سر الإعجاز صعب، والتعبير عنه أصعب.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشّهري:[/FONT][FONT=&quot] إي والله صحيح، كنت أتحدّث مع أستاذ للــّغة الفرنسية، وأستاذ متمكن ما شاء الله في المغرب، فقلت له: كيف أنت في اللغة العربية يا دكتور؟. فكان متكأً فجلس وتنّهد فقال: انظر، اللّغة العربية هي اللغة التي يصح أن يُقال عنها لغة![/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] سبحان الله!.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] أنا ولله الحمد، أتحدّث الفرنسية، وأتحدّث الإسبانية، ولديّ معرفة جيدة باللغة الإنجليزية، لكن الحقيقة اللغة العربية هي اللغة التي تحتوي المعاني الدينية ، المعاني التي يريد الله سبحانه وتعالى أن تبلغ البشر ما وجدت أكثر قدرةً عن التعبير عنها من اللغة العربية.[/FONT]
[FONT=&quot]د.الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] لا إله إلا الله.[/FONT]
[FONT=&quot]د.الشّهري:[/FONT][FONT=&quot] ويقول هذا وكأنّي أثرت نقطة حسّاسة في نفسه.وقال : هذه قناعة وصلت لها بعد دراسة عميقة للغات اللّغة الأوروبية، ولمّا أتأمّل في اللّغة العربية، وجدت فعلاً أنّ فيها من الثراء، وقال : أنا لا أقول هذا تعصبّاً لكوني عربيّا ولا، أبداً، ولكنّي أجزم وأنا أريده ولديّ بعض الأبحاث في هذا . الحقيقة اندهشت من ذلك الحديث الذي تحدّث فيه عن بلاغة اللغة العربية وقدرتها على حمل المعاني القرآنية والرَّبانية.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] طيّب، أنا بدا لي أمر ما أدري إذا توافقوني عليه أم لا؟ الله أراد أن ينبث النّاس، أنا أرى من يريد أن يجمع النّاس في مكان واحد، يخالف هذه السُنَّة والإرادة الإلهية، وهذا مما يُضِّر الآن بالنّاس، وخُصوصاً الآن بعد مجيء الحضارة إلى مثل دُولنا نحن التي تعتبر يعني واضح التخلّف عليها، وهذا شيء مشهود، اجتمع النّاس في مدن، هذه المدن تكلفة الآن يعني اجتماع النّاس فيها أصبحت باهظة جدّاً، في التصريف، في الكهرباء، في الماء، في توزيع الطرق، في توزيع الحقوق إلى آخره. ولذلك أصبحت عبئاً على النّاس. ألا ترون، أنّ بقاء النّاس كما كانوا سابقاً يعمرون الأرض، وينبثّون فيها، الرُّعاة في أماكنهم ،وأهل الجبال في جبالهم، وأهل السُّهول في سهولهم، وأهل الرّمال في رمالهم ، وأهل الصَّحاري والقُطب أيضاً يبقون في أماكنهم. لتُعمَر هذه الأرض ليــــنـتفـع كل جماعة منهم بما عند الجماعة الأخرى.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] والحقيقة فعلاً، أضّر تجمّع النّاس في أماكن محدّدة ، أضّر فعلاً بهم إضراراً بالغاً، يعني انظر لبعض المناطق، على سبيل المثال: عندنا في الرّياض مثلا، تجمّع النّاس في الرّياض، وأتوا من كل مكان، وضاقت الرِّياض حقيقة بمن فيها، وأصبح العيش فيها صعباً، وأصبح أيضاً القدرة على شراء أرض غالٍ جدّاً، في حين لو تفرّق النّاس في أماكنهم وعُمرت الأرض لكانت خفّت عليهم واستطاع الجميع أن يعيشوا فيها، وأنا أتصّور حتى في الحضارات القديمة، أنا كنت أقرأ في كتاب في الجغرافيا قديماً في كون النّاس في العادةً يتجمّعون عند أماكن موارد المياه، وعند الأنهار ولذلك الحضارات قامت على شواطئ الأنهار، إلى اليوم فيما يبدو لي،حتى تعاني منها مصر فيما يبدو لي، تعاني من تجمّع النّاس في القاهرة على ضفاف النّيل. وأن أكثر أجزاء مصر خالية الآن غير معمورة، وهذا كلُّه يخالف كلمّة " بثّ" ، نحن نقول لا جمعوهم.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] الغربيون انتبهوا لهذا، ولذلك حتى في مصالحهم، يحاولون قدر المستطاع إبقاء النّاس في أماكنهم، حتى الجامعات مثلاً لا يجمعونها في المدن الرئيسية، يضعون كل جامعة في مكان حتى يُعمر المكان.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] بالفعل، حتى يكون متوازنًا.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] نعم متوازن، ولا يحصل هذا الغلاء الذي ذكره أبو عبد الله الذي ضيّق على النّاس.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] طبعًا، لو أهل الاجتماع والذين لهم علاقة بمصالح الدولة، ينظرون لمساوئ لهذا الاجتماع لكان حسناً.[/FONT]
[FONT=&quot]ما أدري إذا كان باقي وقت يا دكتور عبدالرحمن.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] نعم، نعم، ما زال الوقت متاحاً.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] طيب، أيضاً في كلمة " بثّ"، قد يرجع البعض من يقرأ في تفاسير السَّلف يجد أن مثل السُّدّي قال : بثّ بمعنى " خلق"، فيقول ما علاقة " بثّ" بمعنى " نشر" بـ(خلق)؟، وهذه القضيّة مهمّة ، أن ننتبه إلى قيمة أمرين: قيمة معرفة دلالة اللغة العربية وأصل الاشتقاق في اللفظة، ومعرفة كلام السّلف، لكي يكون عندنا قدرة على الرّبط بين كلام السَّلف والمعنى اللُّغوي، وإذا بنا نجد حينما نقرأ أنّ كلام السّلف وإن لم يكن مدلولاً لُغويّاً مباشراً، أنّه لا يخرج عن هذا المدلول ، إمّا أن يكون لازماً من اللَّوازم ، أو من الأسباب أي علاقة السبب بالمسبب، أو أنّه جزء من معنى اللّفظ، أو غيره، هناك علاقات معيّنة. فإدراك طالب علم التفسير لهذه العلاقات مهم جدّاً، فلمّا يأتي بثَّ بمعنى خَلَق، أيهما الآن أوسع من الآخر؟. لا يكون بث إلا بعد خلق، لازم له،كأنّه أشار إلى الأصل، فهو الخلق وأنّه لن يحصل هذا البث إلا على الخلق، فمثل هذه الدقائق أو إدراكها، البعض يقول تفسير السلف كلام عادي.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] يعني الآن عفواً، أنا أريد الآن أسأل سؤالين ؟ أنت قلت الآن : قال السُدّي، من هو السُدّي إذا أُطلق عند المفسريّن ؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] طبعا السُدّي، هو السُدّي الكبير.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] الذي هو إسماعيل بن عبدالرحمن السُّدي.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] نعم، توفي سنة 128، وقيل أنه رأى أنس بن مالك، و لهذا بعضهم يضعه في طبقات التابعين .[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] طبعاً أنا سألت هذا السؤال حقيقة يا بو عبد الملك، ودكتور محمد، لأنّ فعلا كثيرٌ من النّاس يسمعون يقولون: قال السُّدي، قال مجاهد، يقرأونه في كتب التفسسير ، طبعاً أنت إذا كنت لا تفرّق بين السُدّي ومجاهد وابن عبّاس لا تثمّن كلام هذا ولا هذا، في حين إذا عرفت مكانتهم في تاريخ التفسير، وأن كلمة مثلاً مجاهد وقتادة لها وزنها عند المفسرين، إذا وجدت قال: مجاهد، خلاص لم ، كما يقولون، كان يقول سفيان: إذا أتاك التفسير عن مجاهد فحسبك به، أنا والله كنت أدرس الطلاب في تفسير فتح القدير وهو يذكر هذا بكثرة هذا قول مجاهد وقتادة، وهذا قول السُدّي ، فقلت وقّفوا يا شباب من هو مجاهد ؟ جاهد!، طيب قتادة، وهم طلاب كلية شريعة، تكتشف فعلا!، انا قلت يا إخواني القراءة في تراجم المفسِّرين مهمّة، أنك تعترف عن المفسرين الذين يُنقل عنهم تفسير القرآن الكريم. لأنّه يأتيك ناس بكل بساطة الآن ويقول: بلا قتادة، بلا مجاهد، بلا السُّدي أنا عربي وأستطيع أن أفهم العربية وسوف أخلَّي بيني وبين القرآن، وجنَّب هؤلاء ، طيب يا أخي هل تعرف هؤلاء من هم؟! هم رجال ونحن رجال!! لا يا أخي، ليست المسألة بهذه البساطة.المسألة أكبر من كذا، هؤلاء الصحابة وهؤلاء التابعين، تخصصوا وانقطعوا لفهم القرآن الكريم، وهم أهل اللُّغة، وهم الذين شاهدوا أهل التنزيل، وصحبوا النبي صلى الله عليه وسلّم. هذه كلها لا تنطبق عليك لا من قريب ولا من بعيد، المسألة ليست لغة وتذهب تراجع لي لسان العرب، هذا فقط تعليق على قولنا السُدّي[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار : [/FONT][FONT=&quot]في أيضاً فائدة مهمّة جدا وسبق أن أشرنا بها في بعض الحلقات: وهي الإظهار في مقام الإضمار، وكل موطن له خصوصيته، هنا قال: واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام. إنّ الله ، ولم يأتي إنّه ، وهذا لزيادة تربية المهابة، نعرف أنّ لفظ الجلالة، الإتيان به، في هذه المواطن لتربية المهابة في نفس العبد في أنّه إن لم يفعل هذا فإنّه يخالف أمر الله.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشَّهري: [/FONT][FONT=&quot]هذه لفتة كريمة حتى في استهلال السّورة، لإظهار مهابة الله في قلوب من تُخاطبُ بها، حتى يستجيبوا لهذه الحقوق والأوامر التي فيها.[/FONT]
[FONT=&quot]لعلنا نختم، انتهى الوقت أيها الإخوة ، لعلنا نختم بهذه الفائدة اللطيفة التي تفضّل بها الدكتور مساعد الطيّار، وأسأل الله أن يُربّي في قلوبنا وفي نفوسنا المهابة منه سبحانه وتعالى.ونلتقى بكم في الحلقة القادمة، أيّها الأخوة المشاهدين من هذا البرنامج " بيّنــــات" والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته...[/FONT]
[FONT=&quot]بُثّت الحلقة بتاريخ 2 رمضان 1431 هـ[/FONT]
 
[FONT=&quot]الحلقة الثالثة[/FONT]
[FONT=&quot]تأملات في سورة النساء (الآية الثانية) [/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله والصّلاة والسَّلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، مشاهديَّ الكرام هذا هو المجلس الثالث من مجالس سورة النِّساء والذِّي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يُبارك لنا فيه وأن يجعلنا وإيَّاكم جميعاً من أهل القرآن الذّين هم أهل الله وخاصّته. [/FONT]
[FONT=&quot]كُنَّا في الحلقة الأولى تحدَّثنا عن الجوّ العام في هذه السُّورة وما يُسمَّى عند علماء التَّفسير بــ" علوم السُّورة"، في الحلقة التي تليها افتتحنا هذه السُّورة وذكرنا مطلعها وهو قول الله عزّ وجل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (١) ونحن نعترف بأنَّه لا يــُمكن لنا أن نُعطيَ هذه الآيات حقَّها، وأن نبسط القول في كل جُزئيةٍ من جُزئياتها ومسألةٍ من مسائلها. اليوم ننتقل بكم مشاهديِّ الكِرام لنتحدّث عن الآية الثَّانية من هذه السُّورة وهي قول الله عزَّ وجل: (وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (٢). في هذه الآيةكما ترون مُشَاهِديّ، أنَّ الله عزّ َوجل افتتح بِحقِّ هؤلاء اليتامى. كما بيَّنا أنَّ هذه السُّورة كانت سورة الحقوق، بدأت بِحقِّ هؤلاء الضُّعفاء الذِّين يستحقون من العِناية والرِّعاية والعَطف والرَّحمة والشَّفقة ما ينبغي لمثلهم حتى أوصى بهم الرسول صلى الله عليه وسلّم الوصيِة الباَلغة فقال: "أنا وكَافل اليتيم كهاتين". دعونا اليوم مع الشَّيخين الفَاضلين دُكتور مساعد الطيّار، والدكتور عبدالرحمن الشِّهري، نحاول أن نقف على بعض قَضَاياها وموضوعاتها وما فيها من الأسرار والعِبر والدُّروس والأحكام والحِكم ونسأل الله التَّوفيق ، تفضّل شيخ مساعد إذا كان لديكم شيء.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيَّار:[/FONT][FONT=&quot] بسم الله الرَّحمن الرحيم، الحمدلله والصَّلاة والسَّلام على رسول الله. أما بعد، فَكَما ذكرتم أخي أنَّ مطلع الآية بَدأ بِحقِّ اليتامى ولأنَّ السُّورة كما ذكرنا في اللِّقاءات السَّابقة تتكلم عن مجموعة من الحُقوق فذكر هنا حقّ اليتامى في أموالهم وواضح منها لــــمّا قال (وآتوا اليتامى أموالهم) أنّه خِطاب للأوصياء على اليتامى أن يُؤتوا اليتامى أموالهم وسيأتي التَّفصيل هذا في الآيات اللاَّحقة. واليتيم كما هو معلوم هو من مات أبوه وهو دون سن البلوغ، وإيتاء المال لليَّتيم لا يكون إلاَّ بَعد بلوغه الأشُّد كما سيأتي. ووصفُه باليُتم في هذا لأنَّه قارب الخُروج من اليُتم فَلزِمه هذا الاسم، وإلاّ لا يكون يتيماً بعد بلوغ الرُّشد، ولا يُعطى ماله قبل بلوغ الرُّشد، فدلَّ على أنَّ تسمِيَته باليتيم في قوله (وآتوا اليتامى) التنبيه على أنّه قد قارب الخروج من هذا الوصف لأنّه خرج قريبا منه ولكن لا زال هذا الاسم يلحقه[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] بناءً على ما كان عليه.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيَّار:[/FONT][FONT=&quot] نعم بناء على ما كان عليه، لأنَّ هذا يقع سؤال عليه كيف يقول (وآتوا اليتامى)، (وإذا بلغ اليتامى) فكيف وصفهم ياليُتم وهو قد بلغ وانتهى فهو التنبيه على سبب التسمية.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري: [/FONT][FONT=&quot]طبعاً اليُتم هذه الصِّفة مأخوذة من الانفراد كَما يقولون في اللُّغة، دُرّةٌ يتيمة، أنَّ اليُتم في اللُّغة هو الانفراد فكأنَّ اليتيم بعد أن ماتَ والده أصبح منفرداً من الـــمُعين والنَّصير مــمَّا احتاج معه أن يكون له وليِّ يُشرِف على تَربيته ويُشرِف على تنميةِ ماله. فالله سبحانه وتعالى يُخاطِب الأوصياء في هذه الآية، وفِعلاً في البداية بالحديث عن اليَتامى إشارة إلى مدى حاجتهم إلى الرِّعاية وإلى العطف وإلى الحنَّان، وإشارة إلى أنّه ينبغي على المجتمع المسلم أن يكون لهذه الفئة من فــِئاته عِناية خاصَّة، فقد قدَّم الحديث عن الَيتامى في هذه السُّورة التي هي سورة الحقوق، فتحدّث في أوَّلها عن الَيتيم وأيضاً تذكرون في سورة الضُّحى عندما نصَّ الله سبحانه وتعالى على حقِّ اليتيم في قوله سبحانه وتعالى (فأمَّا اليتيم فلا تقهر * وأمَّا السَّائل فلا تنهر* وأمّا بنعمة ربِّك فحدِّث). وتعلمون أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نفُسه كان يتيماً عليه الصَّلاة والسّلام، فَهُنا تذكير عندما نزلت عليه هذه الآيات، تذكير للنَّبي صلى الله عليه وسلّم ولأمته من بعده، بالعِناية بهذه الفئة التي كانَ النَّبي صلى الله عليه وسلم منها والعناية بها، فلذلك فهذه الآية أصل في حُقوق الأيتام ورعاية الأيتام وكفالة الأيتام والذِّي يَتأمل النُّصوص التي وردت في القرآن الكريم في شأن اليتامى وفي السُنَّة النَّبوية يجد أنّ الإسلام قد أعطى هذه الفئة عناية خاصّة فعلاً. [/FONT]
[FONT=&quot]د.الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] في قوله (وآتوا اليتامى أموالهم) إذا كانت هذه العناية بأموالهم، كيف تكون تلك الِعناية بهم هم؟ وهذا الحقيقة ملمَح رائع جِدّا في الآية، وهو أنَّه إذا كان الرَّب سبحانه وتعالى قد جعل لأموالهم من الحقّ في الرِّعاية والحِفظ والتَّنمية ما جعله، وأيضاً في تسليم هذا المال لهم عندما يُؤنَس منهم الرُّشد دلالة على أنّه يجب العناية بهم هم أيضاً إذا كان هذا لأموالهم، وأيضاً نَسَب المال إليهم قال (أموالهم) دلالة على أنّها حقّ لهم، وأن المال لا ينتقل بسبب وفاة أبيهم إلى وليِّهم كما كان أهل الجَّاهلية يفعلون، فهو يَضُّم مال اليتيم إلى ماله، فإذا وقع على ماله شيء جعله في مال اليتيم ويستبدل طبعاً كما في هذه الآية[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] ما معنى الخبيث في الآية؟.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] الخَبيث من المال يعني الرَّدِيء والسَّيء فإذا كان هناك قد خَلَط مال اليتيم بماله، وكانت عنده غَنمٌ مهازيل وغَنمٌ طيِّبة قال غَنم بغنم، فجعل الغَنم الطيِّبة له، وجعل المهازيل لليتيم وقال اسمُ الغَنَم واقع على الأمرين وجَعلها من حظِّ اليتيم وقهره بهذا .[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] هناك مبحث هنا يلوحُ لي، وهو أنّنا إذا لاحظنا السُّور المكيِّة التي تحدّثت عن اليتيم مثل لــمّا قال (فأمَّا اليتيم فلا تقهر) في حقِّ النبي صلى الله عليه وسلم، (أرأيتَ الذِّي يُكَذّبُ بالدِّين * فذَلك الذِّي يَدُّع اليتيم) [/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] أوّل وصف من أوصاف هذا الــمُكذّب بالدِّين أنّه يدُّع اليتيم أيّ أنّه يقهره ويدفعه عن حقِّه، [/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيار:[/FONT][FONT=&quot] وهذا يبدو أنَّه كانَ متأصِّلاً في العادات الجاهلية عدم احترام اليتيم، وأنَّه لا يُؤبه له أحد وأنّه ضعيف وأنَّ حقَّه يُؤكل، فلمَّا جاء القرآن الـــمَكيِّ سنُلاحظ أنَّ أغلب القرآن المكيّ يُنبِّه على هذا الوَصف السَّيء في هذا المجتمع الكَافر، وفي القرآن المدني أسَّس للأحكام وأنَا أقول هذا محل بحث. وكذلك في قضيِّة النِّساء لو نظرنا إلى موضوع النِّساء في القرآن المكيِّ، وموضوع النِّساء في القرآن المدني سنجد كما هي العادة الغالبة، أنَّ التَّفاصيل تأتي في القرآن المدني مثل هذه السُّورة التي عندنا وسيَأتينا تفصيل في قضِّية إيتاء المال لليتيم، فالقرآن المكِّي غير هذه الآية التي بين يدينا وإنـّما هنا الآن أمر مطلق (وآتوا اليتامى أموالهم - ولا تتبدَّلوا الخبيثَ بالطيِّب - ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم). طبعاً لاحِظ (آتوا) هذا فعل أمر، (ولا) هذه نهي وهي مساوية للأمر، يعني الأمر مقابل النَّهي يعني كأنّه قال أعطوهم الطيِّب وكأنَّه يقول أعطوهم مالهم كاملاً، لكنَّه جَاء بصيغة النّهي (لا تتبدَّلوا)- (لاتأكلوا) فالذِّي أقصده أنّه يمكن أن يُنظر في البحث في تدَّرج الشَّريعة في التَّعامل مع هذه الفِئة الضّعيفة من النِّساء ومن اليَتامى، وكيف أنَّ الإسلام بدأ يَنزع من قلوب هؤلاء الذّين عاشوا على هذه الأوصاف ينزع منهم هذه الأمور حتى يُوصلهم إلى مرحلة الكمال لتخليته ثمَّ التَّحلية.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] وأيضاً في قوله (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) أيضاً فيها تعبيرٌ بالأكل عن أخذ الأموال وإلاَّ لا يوجد أحد يأكل الدراهم هذه، لكن عبَّر الله سبحانه وتعالى هنا بالأكل لتبشيع أخذ مال اليتيم بغير حق، ولأنَّ الأكل هو أبرز الصِّفات للانتفاع بالمال، والأمر الثاني ليس هناك أحد يستفيد من المال المأكول، يعني الطّعام الذي تأكله أنت لا يستفيد منه أحد بعد أن تأكله، لكن إذا أخذت المال فإنّه يستفيد منه غيرك، ولذلك عبّر الله بهذه الصِّفَّة للإشارة إلى أنَّك عندما تتجرأ على أكل مال اليَتيم فكأنّك تُفسِدُه فيَفسُد ولا يَستفيد منه أحد بعدك لأنَّك أكلته ظُلماً وعُدواناً، فالتعبير فيما يبدو هنا بالأكل للدِّلالة على هذه المعاني تبشيع أولاً أمر الجُرأة على أكل مال اليتيم، والأمر الثاني للإشارة إلى حُرمة هذا المال.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] فإذا أُكِل لا يعود.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] في قوله (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) نُريد الحقيقة الحديث عن قضِّية التعبير (بإلى)، هل هي بمعنى (معَ) كما يذكره بعض المُفَّسرين أم أنّها تشير إلى فِعلٍ آخر في ضِمن قوله (ولا تأكلوا).[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] بعض الــمُفَّسرين قدَّره بِقوله (ضامِّينَ).[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] نعم، لا تأكلوا أموالهم ضامِّينها إلى أموالكم، فيكون عندكم أموال ومع ذلك جَشَعُكُم وطمعُكم وعدم رِضاكم برزق الله لكم، والله قد وسَّع لكم في الرِّزق فلستم فقراء ومع ذلك طمعتم في أموال هؤلاء الضعفاء، وهذا كما ذكرت يا دكتور عبد الرَّحمن في غاية التبشيع والتقبيح لفِعلهم (ولا تأكلوا أموالهم) ضامِّينها أيضاً إلى أموالكم التي ملَّكَكُم إيَّاها ربُّكُم ووسَّع عليكم بها، فما الذِّي يُحوِجُكُم إلى أن تُضيِّعوا على أنفسكم بهذا المال لهؤلاء الأيتام.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار: [/FONT][FONT=&quot]ألا تُلاحظون هنا في تكرار أموالهم، أموالهم التَّأكيد على أحقِّيتهم بالمال يُضاف إليهم ويتكَّرر، للتَّنبيه على أنّهم هم الأحقّ بالمال وهم أصحاب المال[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] يعني أنت مجرّد مشرف على هذا المال، ريثما يَبلغهم الرُّشد ثم تُسَّلمه.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] العجيب في الآية أنَّها جاءت بمنطق التَّدرج، فأولاً قال (آتوا اليتامى أموالهم) هذا هو الكَمَال يُؤتَون هذا المال كاملاً مُوَفَّراً، ثمَّ جاءَ إلى مرحلة ثانية هي ليست أكلاً للمال تامَّاً ولكنَّها فيها نقصٌ من المال (لا تتبَّدلوا الخبيث بالطيَّب)، وجاءت إلى المرحلة القبيحة الثالثة التي هي جَشع ظاهر وإثم كبير قال (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) ثمَّ عقَّب بقوله (إنَّه كانَ حُوباً كبيراً) ما الُحوب يا دكتور عبدالرحمن؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري :[/FONT][FONT=&quot] الحُوب الكبير، الحقيقة أنَّ الحديث في مفردات القرآن عندما تقرأ في كُتب التَّفسير، عندما تأتي إلى التَّفسير الميَّسر كما عند الشيخ مساعد تقرأ (إنَّه كان حُوباً كبيراً) إنَّه كان إثماً عظيماً، لكن هل الحُوب هو الإثم؟ الحقيقة الذي يبدو لي والله أعلم أنّه أشَّد من التعبير بالإثم وأنَّ المقصود بـ (الحُوب) هو الإثم الضّخم الكَبير البَّشع، أنَّ كُل هذه المعاني يُعّبِّر عنها كلمة حُوب. لكن ماذا يصنع الــمُفَسِّرون عندما يأتون لكي يُبيِّنون مثل هذه الكلمات الغريبة؟ يأتون إلى أقرب لفظةٍ يتداولها النَّاس فيُعبِّرون بها. فمن أراد الاستزادة من معنى هذه اللَّفظة فليرجع إلى كُتُب اللُّغة الـــمُوَسَّعة.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] مثل؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] مثل كُتب (غريب القرآن)، مثل (المفردات) للرَّاغب الأصفهاني مثلاً أو حتى أحياناً قد لا تجد فيها التَّفاصيل التي تطمح إليها، لأنَّكُ تُلاحِظون النَّاس يا إخواني في التَّفسير تقول له إرجع إلى التَّفسير الــــمُيَّسر مثلاً فيقول أنا رجعت للتفسير الميَّسر وقرأته لكنَّه لم يشفِ غليلي، طيِّب جميل! طيب إرجع إلى تفسير ابن كثير فيرجع إلى تفسير ابن كثير فيقول أنا قرأت تفسير ابن كثير ولكن في هذه اللَّفظة لم أجد أنَّه شَفَى غَليلي، طيِّب بسيطة إرجع إلى كِتاب (تهذيب اللُّغة) للأزهري وهُو من كُتُب المعاجم اللُّغوية الواسعة، فيرجع إلى كلمة (حَوَبَ) مثلاً فيجد أنَّه فصَّلها وذكر معانيها التي تستخدمها العرب فزادت معرفته بدِلالة هذه اللَّفظة.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] وما دلالة التنكـــير يا دكتور مساعد في موضوع (إنَّه كان حُوباً) ثمَّ وَصف هذا التنكير بقوله كبيراً؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] طبعاً هو التَّنكير هنا للتَّعظيم والتَّفضيل، ولهذا لما ساق الآية جرى على هذا ولهذا وَصَف الحُوب بأنه كبير، كفاية أنّه يوُصف بأنّه حوب فضلاً على وصفه بأنَّه كبير وهذا دِلالة على تشنيع أكل مال اليتيم بالباطل .[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] وهذا مثل ما يأتي أيضاً في مواطن اخرى، مثل (وأعَدَّ له عذاباً عظيماً) (ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيما) هذا التنكير للدَّلالة على التعظيم والتفخيم وتكبير الشيء[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] إن تكَّرمت ملحظ أخير، في اللِّقاء السَّابق نبَّهنا في آخر اللقاء على ما يُسمى بـــــ "الإظهار في مقام الإضمار"، (واتقوا الله الذّي تساءلون به والأرحام إنَّ الله كان عليكم رقيباً)، ولم يقل (إنّه كان عليكم رقيباً) هنا جاء الإضمار في مكانه في الآية الثانية قال (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنَّه كان حُوباً كبيراً) يعني (إنَّه) ما سبق الذي هو التبدّل والأكل، و لا تتبدَّلوا ولا تأكلوا إنَّه أي إنَّ هذا وهذا إن فعلتموه أو فعلتم أحدهماكان حُوباً كبيراً .[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخِضيري:[/FONT][FONT=&quot] وصار الضَّمير هنا أدّى دوره في الاختصار، وفي شمُول كل ما تقدَّم في قضِّية (حوباً كبيراً).[/FONT]
[FONT=&quot]د.الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] تُلاحِظونَ أنَّه بدأ في أوّل الآية باليَتامى مُطلقاً (وآتوا اليتامى أموالهم) يدخل فيها اليتامى من الرِّجال ومن النِّساء، من الذكور والإناث، ثمّ جَاءَ في الآية التي بعدها (وإن خفتم ألا تُقسطوا في اليتامى) هذا المقصود به اليتيمات فخَصَّص، والحقيقة أنَّه اجتمع فيها وصف اليُتم وكونها امرأة، والنِّساء لهم حقوق خاصَّة لأنَّهنَّ من الضُّعفاء، واليتامى لهم حقوق خاصَّة لأنَّهم من الضعفاء، فإذا اجتمع اليُتم في المراة أصبح حقُّها أعظم، والحاجة إلى رِعايتها أكبر، وإلى صيانتها، فجاءت الآية الثانية في تخصيص هذه الفئة[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] هذه الآية، الحقيقة تُشكل على كثير من النّاس ومنهم واحد قبل أسبوع سألني، قال لي ما علاقة قوله الله عزّوجل (وإن خفتم ألا تُقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النِّساء) هذا طبعاً يجعلنا نتحدّث عن أهمية معرفة أسباب النُّزول، لأن سبب النُّزول هو الذّي يحلُّ هذه المشكلة، وإلا والله أعلم قد لا يهتدي الإنسان إلى معناها أو لا يهتدي إلى أن يصل إلى حل ِّ شَافِي إلا بمعرفة سبب نزول هذه الآية، ماذا عندكم يا أبا عبدالملك في هذا الموضوع؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيَّار:[/FONT][FONT=&quot] طبعاً كما هو معلوم في قوله (وإن خفتم ألا تُقسطوا في اليتامى) تكون اليتيمة عند الرَّجل فيخشى ألا يعدل معها، يكون وليِّاً لها ،فقد تكون هذه اليتيمة دميمة فلا يُريد الزّواج منها فيحبِسها رجاءَ مَالِها، أو قد تكون جميلة فيعكس الأمر فيتزَّوجها رغبةً بها لكنّه لا يعدل معها في مهرها، ولا يعطيها حقّها من المهر.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] لا من المهر ولا من النَّفقة، بحكم أنَّه هو الذي ربَّاها وقام عليها وأحسن إليها وليس لها وليٌّ غيره فهو لا يُقسِط معها.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] نعم، ولهذا تأتي لأنّه كثير ما يقع السُّؤال ما علاقة هذه بهذه؟ فإذا عُرِفَ سبب النُّزول في مثل هذا فإنّه يتضح معناه (فإن خِفتم ألاَّ تُقسطوا في اليتامى) في شأن الزواج.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] فتزَّوجوا من سائر النِّساء فقد وسَّع الله عليكم[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] نعم نعم، ولهذا نقول مهم جدّا التنبّه لمثل هذا وأنَّ هذا لا يُمكن أن يُعلم أيّ سبب النُّزول إلاّ من جهة أصحاب المشاهدة.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] هنا سؤال دكتور عبدالرَّحمن في قوله (وإن خفتم ألا تُقسطوا في اليتامى) طبعاً العُلماء يُفسِّرونها يقولون خفتم هنا بمعنى علمتم، لكن الحقيقة ليست هي بمعنى علمتم بهذه الدِّقة، فهل من تعليق في هذا؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] الحقيقة فعلاً التَّعبير بالخوف عن العلم موجود في القرآن الكريم، وموجود أيضاً في لُغة العرب، ويقولون أنَّه يُعبَّر بالخَوف عن العلم، للإشارة إلى أنَّ الخوف يكون باعثاً على العلم، فمثلاً قوله سبحانه وتعالى (وإن خفتم ألا تُقسطوا في اليتامى) قالوا معناها وإن غَلب على ظنِّكم وعلمتم أنَّكم ستظلمون هؤلاء اليتيمات، طبعاً هي نزلت في اليتيم كما عُروة بن الزُّبير [/FONT]–[FONT=&quot] رضي الله عنه- سأل خالته عائشة [/FONT]–[FONT=&quot] رضي الله عنها عن هذه الآية في قوله (فإن خفتم ألا تُقسِطُوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النِّساء) كما تفضَّلت، فقالت: "يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حِجر وليِّها فيُعجبه مالها وجَمالها ويُحبِّ أن يتزوَّجها" فنُهِي وليُّ اليَتيمة أن يتزَّوج هذه اليتيمة ولا يُعطيها صَداقَها كاملاً يعني يبخسها صداقها، فنُهُوا عن هذا العمل إلا بشرط أن يُعطيها أعلى سُنَّتِها في الصَّداق. [/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] كأن يُعطي أعلى نظيراتها في الصَّداق.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] نعم، كما قال في آية أخرى (وترغبون أن تنكِحوهُنَّ) والنبي صلى الله عليه وسلم قد سُئل عن هذه الآية أيضاً كما سُئلت عائشة. فإذاً هذه الآية إرشادٌ لوليّ اليتيمة، أنت الآن عندك يتيمة ومالهُا عندك أنت المسؤول عنه، وأنت لا ترغب في الزّواج بها لجمالها أو شيء من هذا القبيل. فالله سبحانه وتعالى قد وجَّهك توجيهًا آخر، لا تتزَّوجها فلستَ مُلزماً بذلك فَتَظلِمها وتُعطيها أقل من حقِّها في الصدَّاق وتزّوج ما شئت من النِّساء غيرها لك أن تتزّوج زوجة أو زوجتين أو ثلاثة أو أربعة كما في هذه الآية (وإن خفتم ألا تُقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النِّساء مثنى وثلاثَ ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدةً) فالتَّعبير بالخوف في هذه الآية للإشارة إلى أنَّه إذا غلب على ظنِّكم وخفتم وعلمتم أنكم لن تُقسطوا في هذه اليتيمة إما انّها فعلاً أنّها ليست جميلة فتضغط على نفسك وتتزّوجها وتظلمها بهذا فلا تفعل ذلك ودعها تتزَّوج ممن ترغب ممّن ترضى لها دينه وخُلقه، وأنت تزَّوج ما شئت من النِّساء غيرها.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] طبعاً كلمة (خفتم) جاءت في الآية مرَّتين، ويظهر أنَّها في نفس المعنى (فإن خِفتم ألا تعدلوا فواحدةً) يعني إن غَلَبَ على ظنِّكم أنَّكم لن تعدِلُوا بين النِّساء فاقتصروا على الواحدة فذلك أخيرُ لكم وأبعدُ لكم عن الرِّيبة والشُّبهة.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] طبعًا هذه الآية في سورة النِّساء هي أصلٌ في إباحة زواج الرَّجل من أربع زوجات، وهذه الآية واردة كما تُلاحظون في شأن اليتيمة أصلاً، فالبعض أحياناً ممن يرُيد أن يقصُر معناها على هذا المعنى وهو أنّه لا يجوز للرَّجل أن يتزوج بأربع نساء أو بثلاث او بثنتين إلا إذا كانت هذه حالته أن يكون وليِّا ليتيمة لا يرغب في نِكاحها فالله أباح له أن يُعدِّد لِكي يُعتِق هذه اليتيمة تتزّوج من تشاء.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخِضيري:[/FONT][FONT=&quot] هذا قطعاً ما فهِم كلام العرب ولا عرف كيف يُفَسَّر القرآن. لكن في قوله (فانكحوا ما طاب لكم من النِّساء) هذه كأنّها أمرٌ بعد حظر والأمر بعد الحظر عند العلماء يدل على الإباحة ولا يدل على الوجوب، حتى لا يَظنّ بعض النَّاس أنَّ هذه الآية دالة على الوجوب، لا نعلم أنّ أحداً من أهل العلم حمل الآية على الأمر على الوجوب مثل قول الله عزّ وجل (فإذا قُضِيت الصَّلاةُ فانتشروا) لأنَّه أمَرَ بالبقاء لاستماع الخُطبة، ومثل قوله (فإذا حللتم فاصطادوا) فهذا أمرٌ بعد حظر، والحظر بمعنى المنع، والأمر بعد الحظر يدل على الإباحة كما يُعبِّر عنه الأصوليين وبعضهم يقول أنَّ الأولى أن يُقال أنَّ الأمر يعود إلى ما كان عليه قبل الحظر. [/FONT]
[FONT=&quot](فانكحوا ما طاب لكم من النِّساء) الحقيقة أنَّ النِّساء يا أبا عبد الملك يعني عاقلات، ومع ذلك عبَّر عنهنَّ بـــــ (ما) الدَّالة في عُموم كلام العرب على غير العاقل، والأصل أن يُقال فانكحوا من طاب لكُم من النساء، فما هو السِّر في ذلك؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] طبعاً، كما هو معلوم إذا قال فانكحوا من طاب من النِّساء بناء على أنّه خِطاب لأعيان الذي هم النِّساء فإذا كان خطاب لعاقل فإنّه يأتي (من) وهنا لمّا كان الخِطاب لعاقل وجاءت (ما) فدلَّ على أنّ المراد أحوال هذا العاقل صفاته، ولهذا قال (ما طاب) بمعنى الطيِّب فالحديث مُنصَب على الطيِّب وليس على النِّساء يعني فانكحوا الطيِّب من النِّساء، لما رُوعيت الصِّفة جاءت ما لأنَّ الصِّفة غير عاقلة.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] يعني كأنَّها موصولة يعني فانكحوا الذِّي طابَ لكم من النِّساء[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار :[/FONT][FONT=&quot] نعم، فانكحوا الذِي طاب لكم من النِّساء.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] الحقيقة مراعاة الطيبوبة لفظ عام أظن أنَّ المـــراد به أنّه يختلف باختلاف النّاس، فأنت ما يَطيب لك غير الذي يطيب لي، فالله عزّ وجل وسَّعها علينا وما قال (فانكِحوا ما طاب) فما عبَّر الله بتعبير آخر فيه تقييد لنا، نكحوا ما طاب ولذلك نحن لا ينبغي لنا أن نَلومَ الإنسان على أن يبحث عن الطيِّب من النِّساء. [/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] وهذا أيضاً فيه إشارة إلى جواز نظر الرَّجل إلى المرأة لأنَّه لا يمكن أن تطيب لك بالسَّماع فقط،لكن الأصل أنّها تطيب لك عندما تراها وترى فيها ما يدعوك إلى نكاحها.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيَّار:[/FONT][FONT=&quot] طبعاً لكن هذا يُفهم من خلال الشّرع في قضية الرؤية، لأنّ هناك تفاصيل في قضية الرؤية بعضها فيه شذوذ فيما يراه الرَّجل من المرأة في حال خطبتها.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] طبعاً الرؤية المقصود منه أنّه يَرَى منها ما يُرَّغِبُه في نكاحها هو رؤية الشَّيء الغالب في الرؤية، الشّعر والنَّحر، والوجه، واليدين ، والسَّاقين، والرِّجلين.[/FONT]
[FONT=&quot]طيب ما طاب لكم من النِّساء مثنى وثُلاث وربُاع هل هذا يدل على الجمع، يعني أنّ الإنسان يجمع ثنتين ثنتين، وثلاثاً ثلاثاً، وأربعاً أربعاً ؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيَّار:[/FONT][FONT=&quot] طبعاً هذا فهم سقيم لدلالة اللُّغة يعني أشَار الزَّجاج إلى هذا فيُصبح تسع ذكره الزَّجاج وهو كلام لبعض الرَّافضة بأنه يجوز الزواج من تسع نساء، وهذا لا يصح لغة وأيضاً شرعاً.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] لو أراد لقال فانكحوا اثنتين اثنتين، وثلاثاً، وأربعاً[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيَّار:[/FONT][FONT=&quot] فالزَّجاج لــــمَّا ذكر هذا القول كقول مردود عليهم استدلوا بهذا، فنقول هذا مردود عليهم بالشّرع لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم لما جاءه أحد الصحابة وقال إنَّ عنده عشر نسوة فقال أبقي أربعاً، فدلَّ على أنَّ الأربعة هو الحدّ وأيضاً إجماع المسلمين على ذلك، لئلا يأتي واحد ويُوقع شبهة فيقول بجواز الزِّيادة وأنّها من سنّة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنّه يجوز لغير النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوّج مثله تِسعاً، طبعاً تأتي بعض الشُّبَه ومنها مثلاً يقول لك الأحاديث الواردة ليست صريحة في النَّهي، أو يَدخل عليها بعض العِلل التي ليس فيها وُضوح في الحديث، نقول إجماع المسلمين المنعقد على أنّه لا يجوز الجمع بين أربعة لا يمكن تخطِّيه ولا يُمكن أن يكون هناك إجماع بين النّاس[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] وهذه الآية بالمناسبة لها نظير في القرآن (الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رُسلاً أولي أجنحةً مثنى وثُلاث ورُباع) ترى ما أحد قال أنّه صاحب المثنى هو صاحب الثُّلاث هو صاحب الرُّباع.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] يعني إمّا أجنحتها مثنى، أو أجنحتها ثلاث، او أجنحتها أربعة[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] في قوله (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدةً أو ما ملكت أيمانكم) في قوله إن خفتم هنا قلنا بمعنى غلب على ظنَّكم أو علمتم أنّكم لن تستطيعوا العدل بين النِّساء، لما جُبلتم عليه من الميل الشَّديد في المحبة، والرَّغبة ، أو لما يعتريكم من نقص إما في إمكاناتكم الذّاتية الجسمانية أو النَّفسية أو المالية. يخاف الإنسان على ألا يعدل وألا يُقسط مع هؤلاء النِّساء فعليه أن يقتصر على واحدة ولا يُلجأ نفسه إلى أمر قد لا يطيقه،ولهذا نقول نحن أن أمر التَّعدد ينبغي أن يتحرَّى الإنسان فيه لأنَّ الله قال (فإن خفتم) يا أخي ما هو أخوك هذا شقيقك الذِّي تزّوج من ثنتين تجعل ما جرى له من النّجاح أو القدرة على الجمع بين ثنتين سبب لأن تُجازف وتجمع بين ثنتين هو عنده قدرة خفية أنت لا تدري عنه، قدرة جسمية، قدرة نفسية، قدرة مالية وغير ذلك، إذاً أنت لازم تدرس هذا الأمر ، بل إذا كنت لا تستطيع تقيّم هذا الأمر بالنسبة لنفسك، اسأل من يعرفونك فالنّاس تعرف تقيِّم الشخص، اسأل فلان من النّاس ما رأيك هل أصلح بأن أعدِّد أم لا أصلح؟ أنا اعرف أناس لا يصلحون لأنّه شديد الميل، فيه جنوح في أحكامه وفي تصرُّفاته، بحيث تعرف أنّه لا يمكن أن ينجح عندما يُعدِّد. فقوله فإن خفتم أنا أقول هذه حُجّة يجب ان يُتكأ عليها في أن أمر التَّعدد لا ينبغي التهاون به وأنّه يكون من باب المجاراة انا أرى الآن كثيرًا ممن أخفقوا في التعدد، كان سبب إخفاقهم ،أنّهم دخلوا هذا الميدان من غير استشارة ولا حاجة شديدة.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] بعضهم يُعدِّد من باب أحياناً التَّحدِّي والعناد، أذكر أحد الأصدقاء كُنّا في مجلس وهو معدِّد لديه عدد من الزّوجات، فقال له أحد الجالسين الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: من كانت له زوجتان فمالَ إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشِّقه مائل، فقال: أنا أصلاً، شِّقي مائل من الآن.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] قبل الآخرة.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] نعم، من الظُّلم والميل[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] الله لا يبتلينا يا رب. (فواحدةً أو ما ملكت أيمانكم) لمّا قال أو (ما ملكت أيمانكم) دلَّ ذلك على أنّ مثنى وثُلاث ورُباع في الحَرائر، فَلاحظ وهذا استدلال جميل جِدّاً في الدَّلالة على أنّ هذا ليس مُطلقاً يعني قوله مثنى، وثُلاث، ورباع لا يُراد به الجمع الكثير، بدليل أنّه أطلق في ملك اليمين، طبعا المقصود بملك اليمين من هي يا دكتور عبدالرَّحمن؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] طبعاً هي المرأة التي تقع في السَّبي من الكُّفار في حربٍ مشروعة بين المسلمين والكُّفار، فالمرأة المسبــية التي تقع في يدِّ الجيش ثمّ تأتي في نصيبك، فهذه يصِّح فيها أنّها ملك يمين. [/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] وتكون ملكك وحدك لا شركة لأحد.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] لا شراكة في الإِماء، فلا يصح لإمرأة أن تكون شَريكة بين رجلين لا يمكن هذا.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] لأنَّ هذا يُفضي إلى اختلاط الأنساب وغير ذلك. وقوله (أوما ملكتم أيمانكم) يقولون فيها تفضيل لليمين حيث نُسِب المُلك إليها دون مِلك اليدين أو ِملك الشِّمال، فيه تفضيل اليمين على الشِّمال.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] طبعاً هذا أسلوب العرب في طريقتها في الكلام، أنّها تُضيف من الملك والغَلبة والمبادرة كلَّها إلى اليمين ولذلك يقول الشَّمَّاخ عندما مدح رابع الأوسي يقول:[/FONT]
[FONT=&quot]رأيت عَرابةَ الأوسيَّ يسمو إلى الخيرات منقطعَ القرين[/FONT]
[FONT=&quot]إذا ما رايةٌ رُفعت لمجد تلقَّاها عَرابةً باليمين[/FONT]
[FONT=&quot]فالشَّاهد أنَّ العرب تذكر اليمين وتُفَّضلها وتقدِّمها، والنبي صلى الله عليه وسلم قد جاء أيضاً بهذه السُّنة، فكان يُقدِّم رِجله اليمنى عند الدُّخول إلى المسجد، وكان يشرب بيده اليمنى، ويأكل بيده اليمنى، ويُصافح بيده اليمنى.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] تعليقكم يا شيخ مساعد على ما بدأ يشيع بين الشَّباب في كون بعضهم- نسأل الله العافية والسَّلامة- تجد معه إناء العصير أو المشروب بيده اليسار فيشربه بكل أريحية، الحقيقة هذا ما كان موجود بين آبائنا وأهلنا في السَّابق، تعليقك يا دكتور مساعد.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] طبعاً إذا نظرنا إلى السنّوات الأخيرة نجد في الحقيقة أنَّ هناك غزواً كبيراً جدّاً على الشَّباب، خصوصا في الأفلام وغيرها، ولهذا أنا في نظري أنَّ مِثل هذا والحقيقة نوعٌ من سريان هذه الأخلاق والعادات إلى الشَّباب مع الأسف شَعُروا أو لم يشعُروا وإنّها بسبب كثرة المشاهدة، ثمّ بعضهم يبدأ يألفها مع زملائِه إن لم يكن مشاهداً يبدأ يألفها من زملائه فتكون كالعادة عنده.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] والحقيقة أنَّ هذا الأمر فيه نهي بالمناسبة، النّبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وليشرب بيمينه فإنَّ الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله. وهذا دلالة على تحريم الأكل بالشِّمال والشُّرب بالشِّمال، وأنا أنبِّه هنا على أمر الآن مثلاً في أواني العصيرات والبيبسي وغيرها من المشروبات التي يشربها النَّاس، تجده وهو يأكل الطعام يحاول يشرب باليسار تقول له لماذا؟ يقول لك: حتى لا ألوِّث الإناء! طيب هذا إناء سيُرمى فأيّ معنى للمحافظة عليه! اشرب بيمينك، وكُل بيمينك، وإيَّاك أن تتشبَّه بهؤلاء. العجيب يا إخواني إنّه ذوقياتنا في هذا الِّدين عجيبة جِدّاً، ذوقيات في الإسلام من أعجب الأشياء، حتى في هذا الأمور انُظر إلى الغَرب على ما بلغوا فيه من تنظيم الأشياء وتَرتيبها،إلا أنّهم في هذه الأمور لم يُنَّظِّمُوها وهذا ممَّا أعماهم الله عزّ وجل عنه، يعني هذه اليد وُضعت عِندنا في الإسلام وهي من جسمك جزءٌ منك وُضِعت للأشياء الدنيئة، وهذه اليد اليُمنى وُضعت للأشياء الكريمة، تصوَّر لأيّ درجة من درجات الذّوق وما يُسَمَّى بالإتيكيت وهذا شيءٌ يغيب عن ذِهن هؤلاء بل ولا يُبالون به، بل ولا يُعيرونه أدنى انتباه.[/FONT]
[FONT=&quot]لعلنا نصل إلى قول الله عزّ وجل (ذلك أدنى ألاَ تعولوا)، معنى (تعولوا) يا دكتور مساعد؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيَّار:[/FONT][FONT=&quot] تعولوا يمعنى تجوروا، من عال الميزان إذا مال، فألا تميلوا ألا تجوروا، وهذا هو المعنى المشهور في اللَّفظة، والشَّافعي وقبله زيد بن أسلم كان لهم رأي آخر تعولوا بمعنى تكثُر عيالكم من العيلة وكأنّهم نظروا إلى سببٍ من أسباب الميل والجور وهو كثرة العيال، فهل هم فسَّروا اللَّفظة على أنَّ هذا هو المراد منها في لغة العرب، أو أنّهم أرادوا أن يُنبِّهوا إلى سبب من أسباب الميل والجور؟ لذلك والله أعلم أنّه الثَّاني، فإذا كان الثاني فهذا يدل على دِقَّةٍ في فقه هذه الألفاظ القرآنية، وهنا لما اتجّه بعض المفسِّرين إلى بيان المعنى، الأصل هم أرادو أن يُبيِّنوا إلى أحد أسباب ما يقع في هذا الأصل وهو أنّ كثرة العِيال سبب في الميل والجَور، يعني كأنّ ألا تعولوا أي ألا تكثُر عيالكم فتَمِيلوا وتجوروا، فيكون من فسَّرَها بهذا التفسير وهو زيد بن أسلم والشَّافعي لا يعني أنّه لا يثبت المعنى الأصل بل يُثبت المعنى الأصل، وأراد ان ينبِّه إلى زيادة على المعنى الأصل. [/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] لكن قد يَرُد على هذا والله أعلم الآية نفسها، لــمّا قال (فواحِدةً أو ما ملكتم أيمانكم) لمّا أطلق في قوله ملك اليمين، والإطلاق فيه يدل على كثرة العيال، إذاً فلزم أن نقول بما قال به جمهور السَّلف ممن قولهم (ألا تعولوا) أيّ ألا تميلوا.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] المعنى الذي قال به الشَّافعي هو المضمون به أن يفهم هذا الفهم، لأنَّ الشافعي عالم كبير جِدّاً باللُّغة، وأيضاً زيد بن أسلم دقيق في الفَّهم، فالمعنى الذي ذكرت صحيح.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] هذه الكلمة يا دكتور عبدالرحمن لعلَّنا نبدأ بها في الحلقة القادمة، ونُفيض في تفصيلها، الحقيقة مشاهدينا الكرام كان الحديث ماتعاً مع الشَّيخين الفاضلين نرجو أن ينفعنا الله بما تحدّثنا به وأخذناه من هذه الآيات الكريمة ، إلى لقاء والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته[/FONT]
[FONT=&quot]بُثّت الحلقة بتاريخ 3 رمضان 1431 هـ[/FONT]
 
[FONT=&quot]الحلقة الرابعة[/FONT]
[FONT=&quot]تأملات في سورة النساء الآيتين 4 - 5[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. مشاهدي الكرام هذا هو المجلس الرابع من مجالس سورة النساء نسأل الله أن ينفعنا بما فيها من العظات والعبر والدروس والأحكام والحكم ومعي في هذا المجلس مشايخ فضلاء الدكتور مساعد الطيار والدكتور عبد الرحمن الشهري الأستاذين بجامعة الملك سعود[/FONT] .[FONT=&quot]مشاهدي الكرام كنا انتهينا من قول الله عز وجل (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3)) قبل أن نلج إلى الآيات الأخرى ونتحدث عنها ينبغي لنا أن نستمع إلى هذه الآيات، إلى تلاوتها ونسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بها[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]الآيات[/FONT] :[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot](وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (4) وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5))[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] مشاهدي الكرام بعد أن استمعنا إلى هذه الآيات الكريم نحاول أن نلقي الضوء عليها. قبل أن نبدأ فيها كنا قد انتهينا إلى مبحث دقيق في ختام قول الله عز وجل (ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا) وبيّنا أن الإمام الشافعي رحمه الله قال (ذلك أدنى أن لا تكثر عيالكم) فالحقيقة كان للدكتور مساعد تعليق حول هذه الآية أرجو منه أن يعيده[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د . مساعد : [/FONT][FONT=&quot]نعم ، قوله ذلك أدنى بمعنى أقرب، (أَلَّا تَعُولُوا) أن لاتميلوا وتجوروا، هذا هو المعنى الأصل لمعنى تعولوا عال يعول بمعنى مال. والشافعي رحمه الله تعالى ذهب وذهب بهذا زيد بن أسلم رحمه الله من التابعين ذهب بها إلى معنى العيلة لا تفتقروا بسبب كثرة العيال. فهم نظروا إلى أحد أسباب الميل وهو العيلة وكثرة العيال فبسبب كثرة العيال يقع الميل والجور.[/FONT] [FONT=&quot]وهذا الأسلوب أسلوب معروف عند المفسرين وهو الإشارة إلى بعض الدقائق التى لايلتفت إليها بسبب النظر إلى المعنى الأصل وهو يعرف بتفسير السبب أو بالمسبب أو باللازم أو بجزء المعنى وكل هذا يقع في التفسير وهو من فقه التفسير لأنهم أرادوا أن ينبهوا على معنى قد يخفى بسبب النظر إلى أصل اللفظ دون الأسباب. طبعًا من أمثلته لو أردنا أن نمثل لكي نكون أكثر وضوحًا في هذا المنهج ابن جُريج المكي لما جاء إلى قول الله سبحانه وتعالى يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم قال يمتهنوهن ويجعلوهن في الخدمة يعني يكون رقيقًا. لو تأملنا الآن يستحيون نساءكم معناه يسترقون نساءكم يجعلونهن أرقاء؟ الجواب :لا، لأن هذا ليس معنى هذا، لكن واضح من الآية إشارة إلى المعنى الذي ذكره ابن جُريج وهو يستحيون نساءكم فقابل النساء بالأولاد، يذبحون أبناءكم ما قال يستحيون فتياتكم أو بناتكم إنما قال نساءكم إشارة إلى أنهن يُستحيين ليكبرن فيكن في المهنة والخدمة فيكنّ كالرقيق فعبّر باللازم فلا شك أن هذا من فقه النص وأن هذه الإدراكات الخفية عند السلف مما يخفى على من بعض من ينظر إلى تفسيراتهم بالمطابق كذا معناه في اللغة كذا[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري : [/FONT][FONT=&quot]وهذا يعني أن الإنسان إذا قرأ في تفسير السلف ينبغي له أن لايتعجل بالتخطئة قبل أن يدرك المعنى ومسبباته ولوازمه وما يتصل به حتى يحكم حكمًا صادقًا على كلمة هذا الإمام من أئمة السلف بأنها صحيحة أو خاطئة[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد :[/FONT][FONT=&quot] نعرف أن هذا أسلوب من أساليبهم طبعًا أتعجب من الإمام الطبري رحمه الله لما تعرض لتفسير ابن جُريج قال هذا لايعلم في عربية ولاعجمية واعترض على ابن جُريج اعتراضًا شديدًا مع أنه هو رحمه الله في مواطن كثيرة نبه على أن هذا أسلوب من أساليب المفسرين[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] لكنها تحتاج إلى دقة في الفهم وبعد في النظر تجعل الإنسان يحمل الكلام على المعنى الذي أراده به ذلك التابعي أو الصحابي[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد [/FONT][FONT=&quot]: صحيح الربط بين المعنيين لا شك يحتاج إلى بصر[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] ننتقل بعد ذلك إلى الآية التى تليها وهي قول الله عز وجل[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد:[/FONT][FONT=&quot] (وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (4))[/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] نلاحظ الآن الترتيب نلاحظ أنه جاء بالمقدمة في بيان عام بأداء الحقوق (يا أيها الناس اتقوا ربكم) إلى آخره ، ثم جاء بحديث عن اليتامى من الذكور والإناث ثم خصص اليتامى من الإناث بالآية ثم جاء الآن إلى النساء[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] بعد أن ذكرهن في الآية السابقة[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن [/FONT][FONT=&quot]:ذكر جزءًا منهن وهم اليتيمات منهن[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] لا، هذه اليتيمات. لكن ذكر النساء فقال (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) لما ذكر (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ) بيّن أنه إذا نكحتموهن فهنا يأتي موضوع[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] الحقوق (وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً). لكن أريد قبل أن نتحدث عن هذه الآية أن نشير إلى معنى جميل في الآية التى قبلها في قوله سبحانه وتعالى (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى) أن هنا يعني الله سبحانه وتعالى يقول أن مجرد الخوف من عدم القسط أباح للولي أن يتزوج اثنتين ثلاث أربع كل هذا إكرام لهذه اليتيمة، فهو هنا يقول إذا كان الواحد يعرف من نفسه أنه لايستطيع أن يعدل أو ظنّ فإنه لا يجوز له أن يُقدم لأنه سيدخل في ظلم للمرأة وهذا لاحظوا الآن التعبير بالخوف فيه حفظ في الموضع الأول لحق اليتيمة إذا كنت أنت خائفًا من حق اليتيمة لو تزوجتها من أجل هذا الخوف ورعاية حق هذه اليتيمة أباح الله لك خذ اثنتين وثلاث وأربع لاحظت؟[/FONT]![FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] نعم[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن[/FONT][FONT=&quot] ثم لما أباح لك الزواج أو الجمع هنا حذّرك وقال: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا) فلايجوز لك أن تجمع بين أكثر من واحدة (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) وتكفيك[/FONT] ![FONT=&quot]وهذا المعنى يدلك أولًا على شدة رعاية حقوق هؤلاء اليتيمات والنساء والأمر الثاني يدلك على أنه لا يجوز للرجل أن يجمع مع امرأته غيرها إذا كان يعلم من نفسه ويتيقن أنه لن يستطيع أن يعدل لأنه قد نهى عن ذلك مع الخوف والظن فكيف مع اليقين والحقيقة؟[/FONT]![FONT=&quot] ثم يأتي الحديث الآن عن صداق المرأة (وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً)[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] طبعًا هو عبّر عن المهر الذي تعطاه المرأة بقوله (صداق) يقال إن ذلك من أجل أنه يبين صدق الرجل في رغبته في المرأة وهو يُظهر ذلك وهذا مما تميز به الإسلام. الآن النظم الغربية لاتقيم للمهر أي وزن، بينهم اتفاق على أن يتزوجها يذهبون إلى القاضي أو إلى المحكمة فيثبتون أن هذه المرأة قد وافقت على الزواج أو الاقتران بهذا الرجل دون أن يكون لديها ولي ودون أن يكون لديها صداق ودون أن يكون هناك أي شيء آخر [/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] أهم شيء الحب[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT][FONT=&quot] :إي ، والحقيقة أن المرأة تجبر بالمال فهي لايُدخل عليها إلا بمال ولاتطلق إلا بمال كما بينا ذلك في سورة البقرة لما قال الله عز وجل (وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) فبيّن أن المرأة المطلقة لها متاع وهو جبر لها وخصوصًا مع ضعفها وبذلها لنفسها ليكون هذا الرجل سيّدًا وآمرًا عليها وقيمًا فإن هذا الرجل يجبره بأن يعطيها هذا المال[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]يقول لي أحد الإخوة :حضرنا عقد امرأة أسلمت وكان أحد العرب يريد أن يتزوجها في أسبانيا فلما أرادوا العقد قال العاقد للمرأة :نحن في الإسلام نوجب على الرجل أن يدفع مالًا للزوجة قالت: يعني لماذا ؟[/FONT]![FONT=&quot] يعني أنا قبلت به فلماذا هو يلزم بالمال؟ قال هذا من شرع الله عز وجل يؤمر الرجل بأن يدفع مالًا لهذه المرأة يعني أنت ِ ماذا تطلبين؟ فهي استغربت هذا الأمر لأنها لا عهد لها به وليس من ثقافة المجتمع أصلًا فتتذكر شيئًا تحتاجه لكي تقوله في هذا المجلس قالت: طيب يوفر لي الكتب الجامعية التى أحتاجها لأني الآن أدرس في الجامعة، طبعًا الزوج قال: موافق[/FONT] ![FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] طبعًا[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] الكتب الجامعية كلها تكلف مائة دولار أو شيء من هذا القبيل مباشرة وافق من أجل أن يحسم القضية[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد :[/FONT][FONT=&quot]وعاد هي بعد ما تزوج يقول لها: أنت ِ لو طلبت أكثر لكان من حقك قالت: ماعلمت أنا عن هذا[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن ود. مساعد :[/FONT][FONT=&quot] هذه مثل الأعرابي الذي بال في المسجد[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] والحقيقة هناك في بعض المجتمعات غير المسلمة المرأة هي التى تدفع مهرًا للرجل[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] وهذا يسمى عندهم (الدوطة) وقد أصدر مجمع الفقه الإسلامي فتوى بتحريم هذه العادة وهي موجودة في بلاد الهند لأنك تجد بعض العمال من المسلمين الهنود الآن يعملون في بلادنا تجده يعمل عشر سنوات من أجل أن يزوج بناته أو أخواته[/FONT] !!![FONT=&quot]لأن الرجل لايقدم عليها ولايأتي لخطبتها حتى يكون عندها مال تدفعه وهذا من انتكاس الفطرة، هذا الرجل ينبغي أن يكون قيمًا وباذلًا للمال يلزم هذه الضعيفة ووليها بأن تدفع المال له وهذا بلا شك أنه من البغي والظلم العظيم الذي لا يجوز أبدًا أن يقر[/FONT] .[FONT=&quot] في قوله (نحلة) ما هي الدلالة يا دكتور مساعد ؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد. [/FONT][FONT=&quot]طبعًا نِحلة هي العطية التى هي مشوبة بهبة معناه كأنه نحله إياه أعطاه إياه هبة وكونه تورد هذه اللفظة لأنه قال (صدقاتهن) يعني الصداق المعروف (نِحلة) يعني عن طيب نفس، هدية لها[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] عجيب[/FONT] ![FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد :[/FONT][FONT=&quot] ولهذا سبحان الله كأن أمر الزواج كأنه قائم على أمور عدة من مبدئه في قضية القناعة والتواد والرغبة الصادقة، لو تأملنا اليوم تلاحظ بعض التقارير التى تصدر عن بعض القنوات أو في بعض المجلات أو في بعض دوائر البحث العلمي ما نشاهده اليوم من المبالغات في تكاليف الزواج فهي تخرج عن كراهة جدًا وخبث نفس وهي غير مراد الشرع. العجيب الكل غير مقتنع[/FONT] !![FONT=&quot]العجيب لو دخلت الزواج كل واحد في الزواج غير مقتنع بما يحصل لا الزوج ولا الزوجة ولا الحضور وأنا رأيت مقابلات كلهم يقولون هذه عوائد دخلت علينا هذه عوائد ما كنا نعرفها[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] طيب لماذا تنفذونها؟ يقولون مغلوبين على أمرنا[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد :[/FONT][FONT=&quot] من غلبكم ؟[/FONT]![FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] هذه المشكلة[/FONT] ![FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد :[/FONT][FONT=&quot] من الذي غلب؟! سبحان الله، والله أنا شاهدت مرة مقابلات فإذا أنت وأنت وأنت كلكم تكرهون هذا ولا واحد منكم مقتنع بهذه الأعمال إذن فمن هو المقتنع؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] قصدك في المجتمعات الإسلامية؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد:[/FONT][FONT=&quot] الخليجية بالذات، يعني تكاليف بعض الزواجات كمستوى أدنى ليلة الزواج مائة وخمسين ألف دولار يقول ليس ريال كحد أدنى[/FONT] !![FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] دعني يا شيخ مساعد أقول في هذه النقطة أنا شخصيًا أحمل النساء مسؤولية هذه المغالاة تأتيك البنات[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] يا دكتور عبد الرحمن أشوف يعني باستمرار تحمل النساء[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] لا، لا، نحن الآن نشاهد في مجتمعنا يعني الآن لما يأتي الرجل ويريد أن يقتصد ويقول لزوجته ولبنته يا ابنتي لانريد أن نكلف على زوجك باستئجار قصر أفراح بمبلغ كبير ولابإقامة وليمة بمبلغ كبير فتقلب البيت إلى مناحة. وأصبحوا الآن يأتي وقت الخطبة الآن أصبح كأنه زواج يستأجرون له قصرًا ويعزمون الناس ويدعون واحتفال طويل عريض ويكلف أكثر من مائة ألف أو مائتين ألف وقالوا هذه المِلْكة ثم يأتي الزواج فيبالغون وأنا رأيت من بعض الناس البسطاء يذهب إلى الفنادق الغالية ويستأجر فيها بخمسين ألف وستين ألف وبعضهم بمائة ألف، لماذا؟ قالت أنا ابنتي ليست أقل من بنت فلان أو بنت فلانة وأصبحت البنت تباهي بذلك أمام زميلاتها ودخلن في باب سباق (الماراثون) من هو الأكثر؟ هذه تكلّف ثلاثمائة ألف وهذه أربعمائة ألف! وجدت أن النساء لهن دور كبير وخاصة أمهات البنات والبنات أنفسهن في المبالغات التى تحصل والمشكلة أن النوعيات من مثل هذه الزواجات غير مباركة سبحان الله، تؤول دائمًا أو غالبًا إلى الفشل وأنه كلما كان الزواج ميسرًا وسهلًا وحتى على الزوج فإنها تدوم المحبة بينه وبين هذه الزوجة بعضهم يقول أنه لا ينظر إلى الزوجة لأنها سبب في الديون[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد :[/FONT][FONT=&quot] تكون أمامه مأساة كلما شاهدها يشاهد هذه الديون التي على ظهره. العقل الآن لماذا يتزوج الشاب من الشابة؟ هل نحن نعينه على أن يديم علاقته وأن يبني بيته؟ أو نعينه على هدم البيت؟ نحن نعينه على هدم البيت وإذا كثر العزاب وكثرت العوانس! يعني من لطائف القصص في قضية المغالاة في المهور والقصص كثيرة جدًا في أحد القصور افتتحوا القصر فكان أول افتتاح لهم زواج، وكان الزواج مكلفًا وقصر أخذ مبلغ وقدره فمدير القصر سنّ سنة قال أنه إذا تزوج عندنا أحد نقتطع من المال الذي أخذناه منه ونشتري هدية للعروسين ونذهب بها إلى بيت العروس ونقدمها له هدية من القصر يعني أنت جئت عندنا هو في النهاية من مال العريس طبعًا هو هدف لطيف من اللطائف يقول أول زواج عندنا كان مكلفًا جدًا مبالغات! فلما انتهى الصيف يقول ذهبت أنا واثنين معي من كبار المسؤولين في القصر وذهبنا إلى ذلك الشخص تلفونه عندنا وكلمناه وقلنا له نحن سنزورك وأنا مستغرب؟ فأتوقع إنه توقع بقي له حق يقول ذهبنا وسلمنا عليه السلام عليكم وعليكم السلام كذا وكذا وكذا وقص علينا يتقدم بهدية للعروسين وبعد ما انتهى قال أنا أطلبكم طلب تأخذون هديتكم هذه وتردونها قالوا: لماذا؟ قال أنا طلقت زوجتي[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] لماذا؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد :[/FONT][FONT=&quot] ما أدري ما السبب لكن أكيد يكون أحد أسبابها هذه المبالغات الكبيرة جدًا.[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] خذ عندك من الحكايات في هذا أخبرتني زوجتي يومًا قالت يعني فلانة ستتزوج وسيكون زواجها في الفندق الفلاني فندق غالي جدًا أعرفه ربما استئجار القاعة فيه يقال بالمائة ألف أو أكثر من ذلك[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] مائة ألف في ليلة ؟[/FONT]![FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] نعم[/FONT] .[FONT=&quot]أنا أعرف حالهم أنه أقل من المتوسط فقلت لماذا هذه المبالغة وهذه المغالاة على ماذا؟! وقلت في نفسي مثل هذه الزواجات لا تستمر. والله ما جلسنا كما قال الشيخ ربما أقل من شهرين فإذا يبلغني خبر طلاق هذه البنت[/FONT]!![FONT=&quot] وكانت أمها هي الحريصة جدًا على أنه يقام في هذا القصر وعلى أن يبالغون في إحضار بعض المطربين كلام فارغ! ولذلك أنا أربط بين هذه المغالاة وبين الآية التى بعدها (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُم) وأن فعلًا هذه الصفة صفة السفه هي الصفة التي تجعل هؤلاء يبالغون ويغالون ويثقلون كاهلهم وكاهل الزوج وكاهل الأسرة بمثل هذه التي ما أدري ماذا أسميها المهرجانات التى ليست من السنة في شيء ولا من الإسلام في شيء ولامن الألفة ولا من يعني مادام إذا كان هناك أموال زائدة عندك فاعطها لزوج ابنتك ولبنتك ولتكن عونًا لهم على هذه الحياة بدل انفاقها في ليلة كأنها استعراضات[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] أحد الإخوة فعل هذا كان قدم أظنّ ثلاثين ألف ريال قال لأخته وأمه الرجل ترى حالته بائسة وما عنده شيء كثير ونحن هذا الرجل غنيمة بالنسبة لنا ما قدم إلا خمسة عشر قالت الأم: كيف ولا يمكن وبنتنا ما تقدّر! قال كذا ! تبغون الرجل أنتم ولا تبغون الفلوس ؟قالت لا نحن نبغى الرجل قال: إذا كان تبغون الرجل، الرجل ترى ما قدم إلا القليل ولكن أنا أضمن لكم إن احتجتم أدفع من مالي ! فمعروف أن الأم والأخت لن يحوجا الأخ أن يدفع من ماله لأنهم يرفقون به واقتطع نصف المبلغ المهم انتهوا من حاجاتهم واقتصدوا فيه اقتصادًا بالغًا بخمسة عشر ألف تقريبًا. لما دخل الرجل على امرأته يعني زفت المرأة إلى زوجها في تلك الليلة جاء وقدّم لها خمسة عشر ألف ريال قال هذا بين يديك الآن تصرفي فيه كيف تشائين[/FONT] ![FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] هو أعطاها ثلاثين ألف ؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] ثلاثين ألف وفّر لها مبلغًأ أفضل لها بدل أن تستعملها في أمور[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] العادة أنهن يتلفونها تشتري بكل المبلغ[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري ::[/FONT][FONT=&quot]بدل أن تشتري خمسة أثواب تشتري به ثوبًا[/FONT] [FONT=&quot]نصفها لايصلح ولايعجب الزوج وبدلًا من أن تشتري ثوب العرس بألف ريال تشتري بسبعة ثمانية تسعة آلاف ولايلبس إلا مرة واحدة![/FONT]
[FONT=&quot]في قوله (صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) بالمناسبة الشيخ بن عثيمين له لفتة جميلة في هذه الآية قال: يجب أن يكون عن طيب نفس إذا كان عن طيب نفس فإنه لا يحلّ للزوج أن يمن على المرأة بما أعطاها،[/FONT].[FONT=&quot]يقول أنا كم دفعت عليك! كم أعطيتك! قال يجب أن يكون نحلة يعني عطية عن طيب نفس وإذا كان عن طيب نفس فإنه تحرم المنة به، هذا الملحظ الرائع صراحة! نقول يُكثر بعض الأزواج من ترداد أنا تعبت عليك أنا دفعت ما أدري ماذا وفي النهاية هذا يجرح المرأة جرحا قاهرا ولاينبغي يا أخي ما دمت أعطيت فاتقِ الله سبحانه وتعالى واحتسب أجرك عند الله والله عليه الخلف سبحانه وتعالى[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] ومن المعاني الجميلة أن الحياة الزوجية مبنية على المحبة وعلى الود المتبادل وعلى الإحترام وعلى النظر للموضوع على أنها نفس واحدة نصفين يعني في قوله هنا (وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ) أول شيء سماها صدُقات من الصدق معناه هي عطية لكنها عبّر عنها بالصداق من الصدق في المحبة. ثم قال (نحلة) ثم قال في الجانب الآخر (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ) فكلوه معناه أن علاقة الزوج بزوجته ما تعطيه أنت لها ليكن عن طيب نفس وأيضًا هي ما ترجعه لك أو تعطيك المفروض يكون عن طيب نفس. لا تمن ّعليك! للأسف هذا كثير من النساء وكثير من الرجال للأسف يعني سبب الخلافات الزوجية القضايا المالية ما في حاجة اسمها عن طيب نفس إلا كلها مصالح متبادلة فإذا حصل أي خلاف بينهم الخلافات بينهم أنا أعطيتك وأنت أعطيتني وأنا أعطيتك [/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد [/FONT][FONT=&quot]: الفقهاء عرضت أكثر من حادثة أن يعرض على بعض القضاة يعني أنه امرأة ردت شيئًا من مهرها لزوجها (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ) فالمهم طلقها فراحت تشتكي القاضي تطلب ما أعطته فجاء الزوج وقال: لقد أعطتني عن طيب نفس قال: لو كان عن طيب نفس لما طلبته، فردوه لها[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] عجيب! يعني قد أكرهها[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد :[/FONT][FONT=&quot] لا ما يلزم استدل بتمام طيب نفسها به أنها تطالب به[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT][FONT=&quot]: لكن قد يقال أنها جاهلة[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد: [/FONT][FONT=&quot]أنا أقول من الغرائب لأني أنا استغربت لكن المقصود إذا بلغ المال وخرج منها عن طيب نفس لأنها قد تدعي هي، لكن أيًا ما كان فهو استدل القاضي عن عدم طيب نفسها به كونها طابت به قال لو طابت نفسها به لما طلبته[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] في قوله (صَدُقَاتِهِنَّ) يا دكتور عبد الرحمن حقيقة لما أضاف الصدُقات إليهن دل على ملك المرأة لهذا الصداق هنا يأتي السؤال هل يجوز للولي أن يشترط من المهر جزءًا؟ طبعًا إذا كان الولي من غير الأب فلا إشكال في حرمة ذلك يعني هذا ليس محل إشكال يبقى الإشكال إذا كان هو الأب[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد :[/FONT][FONT=&quot] الفرض من الصداق نفسه[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري : [/FONT][FONT=&quot]نعم يقول أنا أزوجك بنتي على صداق مقداره مثلًا أربعين ألفًا ولي منه كذا[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد :[/FONT][FONT=&quot] الظاهر من النص أنه لا يجوز[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] هذا ما ذكره شيخنا العلامة بن عثيمين أنه لايجوز لكن[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] استدل بحديث (أنت ومالك لأبيك[/FONT] [FONT=&quot])[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري: [/FONT][FONT=&quot]نعم[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] لكن الحقيقة الآية واضحة أنه حق للزوجة للبنت[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] لكن نقول لبقية الأولياء لايحل لهم أبدًا أن يشترطوا شيئًا من صداق المرأة لأن الله جعله خالصًا لها[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] وأن الأكمل حتى لو كان الولي هو الأب الأكمل في حقه أن يكون أرفق بالمرأة[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] أذكر شيئًا مهمًا قد يغفل عنه بعض الآباء والأمهات النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من عال جاريتين حتى تبلغا كن له حجابًا من النار) أو في رواية أخرى (من عال جاريتين فربّاهن وأحسن إليهن كن له حجابًا من النار) يعني أنت تبتغي الأجر الأُخروي فماينبغي لك أن تستعجل شيئًا من أجرك فتحرم هذا الخير العظيم في كونك تستعجل والله أنا أبغى صداقها تعبت عليها إلى آخره. دع البنت إن أعطتك شيئًا من طيب نفس وبذلته لك فهذا من برها وعاجل خيرها وإن لم تعطيك فأجرك على الله وإياك أن تستشرف هذا المال الذي قد وقع بيدها[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] والله إني أستغرب أحيانًا حين أقرأ بعض الأخبار وبعض الأسئلة التى تسأل فيها بعض البنات وتقول يعني إن والدي يمنعني من الزواج رغبة في مالي أو عندما يتقدم أحد لبعض النساء فيأخذ الوالد الصداق كامل ويترك البنت تتصرف إنت عندك راتب وأقول في نفسي أنا أتمنى الرجل الكفء وأدفع له أنا المهر أشتريه شراء بالعكس أنا من حبي لبنتي أنا أريد أن أدفع إنها تروح للرجل الكفء الذي يستحقها وتستحقه وأستغرب من بعض الآباء الذين يسمسرون لبناتهم إن صح التعبير[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] ويزعل أن يقال أنت تبيع ابنتك، لو قلت هذه ممكن يغضب ويضرب ـ أكرمك الله ـ بوجهك الحذاء من شدة غضبه وهو في الحقيقة أنه كذلك لأنه لما جاءه فلان الكفء رفضه لأنه ما عنده مهر وافي ولما جاءه فلان وأغدق له المال وقد يكون كبيرًا جدًا في السن وقد يكون والعياذ بالله لايعرف بخلق ولادين أعطاه ابنته هذا بيع يا أخي والله بيع ومع ذلك يزعل أن يقال فيه هذه الحقيقة ولا يرضى بها ويرضى والعياذ بالله أنه يسمسر[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد [/FONT][FONT=&quot]: قال (فَكُلُوهُ)[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] نعم يا أبا عبد الملك الحقيقة (طِبْنَ) وضوح الطيبوبة في الأموال بمعنى أن الإنسان ما يستحل مالًا إلا وهو يعلم أنه عن طيب نفس من مالكه فلا تحاول تحرج الناس بأخذ أموالهم فلان ما شاء الله ما هذا الجوال الذي معك والله رائع وحلو يعني؟ أعطني إياه، أو فلان ما يقصر بيعشينا الليلة فالرجل خلاص يقول العشاء علي ّ وهو مسكين ما يملك[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] والله فعلًا إن هذه ملحظ مهم جدًا نغفل عنه كثيرًا[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] يعني النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لايحل مال امرىءٍ مسلم إلا بطيب نفس منه) قال بعض العلماء (أخذ المال بسيف الحياة مثل أخذه غصبًا) فيعتبر من المال الذي لا يحل للإنسان ولذلك يقال إن من ألجأته إلى أن يعطيك لا يحل لك أن تأكل ماله يعني تقول ما شاء الله ما هذا الخبز الجيد يقول اتفضل كُل كُل كُل، لا تأكل حتى تعلم أن نفس صاحبه قد طابت به[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] والله هذا حقيقة تربية على الذوق في الإسلام[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] انتهى الحديث[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد :[/FONT][FONT=&quot] بقي (فَكُلُوهُ[/FONT] [FONT=&quot])[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] ماذا تريد تقول فيها ؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد :[/FONT][FONT=&quot]أقول فيها مثل ما قلنا في (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ) عبّر بالأكل انظر إلى ارتباط المال مع الأكل الذين يأكلون أموال الناس بالباطل، لاتأكلوا أموالهم هنا قال (فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) فعبّر بالأكل كما قيل أنه هو الأغلب[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] ويقولون أنه من أخص أوجه الانتفاع بالمال مباشرة وأكثر وجوهه[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] في قوله (هَنِيئًا مَرِيئًا) يقال إن الهنيء في ذاته والمريء في عاقبته فهو في العاقبة مريء وهو في ذاته هنيء. علي بن أبي طالب له وصفة طبية جميلة عندماجاءه رجل مريض قال: انظر شيئًا من مهر امرأتك لو طابت لك عنها نفسها واخلطه بعسل وماء زمزم قال يجتمع لك الهنيء المريء الشفاء فيكون فيه العافية. لا قال بماء السماء ماء مبارك ماء السماء[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد [/FONT][FONT=&quot]: الهنيء المريء مال المرأة[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] نعم، والعسل قال فيه شفاء، جمع لك الشفاء المبارك الهنيء المريء فتكون عافيتك فيه[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] والله هذا الحديث يفتح الباب للذين أزواجهم موظفات لأنهم يطالبونهن بالمال الآن[/FONT] ![FONT=&quot]لأن المرأة الآن إذا طابت نفسها للزوج بشيء من مالها أن يكون فيه هذه الصفات مشكلة؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد :[/FONT][FONT=&quot] طبعًا المريءء فيه معنى أنه الذي يُستمرىء أي يستساغ ولايجد الإنسان فيه ولا غصة لأنه مرتبط بالأكل بالمريء[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] هل يا ترى هو مجرب الكلام عن علي ّ بن أبي طالب ؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] لا أدري ، ولاعن صحة الأثر الذي ذكره[/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد :[/FONT][FONT=&quot] لكن فيه لطافة[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot]نعم فيه لطافة الحديث جميل جدًا أول مرة أنتبه له، [/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري : [/FONT][FONT=&quot]في شيء مهم جدًا أحيانًا تأتي لفظتين في الآية مثل هنيئًا مريئًا فالإنسان يفهم معناه جملةً لكنه لايتنبه إلى دقة القرآن في اطلاق مثل هذه الأوصاف وأن كل واحد منهما مقصود بذاته وله معنى ً مستقل به ينبغي أن تنتبه له أنا كنت أقول هنيئًا مريئًا يعني طيبًا[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د:مساعد :[/FONT][FONT=&quot] تأخذها هكذا[/FONT] ![FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] نعم، لكن (هنيء) يعني هنيء في ذاته، (مريء) في عاقبته وعاقبته لايمكن أن تكون إلا خيرًا هذه حقيقة[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد :[/FONT][FONT=&quot] وبعضهم من عبر بـ (هنيء) أنه الحلال و(المريء) بالطيب يعني الحلال الطيب وهو تفسير معنى وإلا الأدق ما ذكرت يعني الهنيء في ذاته المريء في عاقبته. لكنه أحيانًا قد تأتي التعبيرات منه للتفسير العام لمعنى الهنيء المريء يعني الحلال الطيب فكل ما كان حلالًا طيبًا فهو هنيء لأنه سيكون في ذاته يهنأ به الإنسان وهو يأكله، مريء أيضًا في عاقبته لأنه حلال طيب فيكون في عاقبته بالنسبة له أيضًا فلايكون لو كان حرامًا لما كان هنيئًا مريئًا أيضًا لو أخذه بهذه الطريقة اغتصبه بطريقة ما حتى الإنسان يكون عنده في نفسه شيء من هذا المال فلايكون عنده الهنيء المريء[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] (صدقاتهن) عُبِّر عن الصداق في الآية هنا بلفظة الصداق للدلالة على الصدق والرغبة. في بعض الآيات (آتيتموهن أجورهن) فسماه أجرًا ما هي دلالة هذا الأجر؟ [/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] أن الله سبحانه سوف يأجرك على عليه إذا صدقت نيتك في إعطائه[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] لا، ما يظهر هذا لكن ليعلمك أن المسألة فيها حقوق وأن بذل المال يقابله بذل البضع من المرأة ولذلك المرأة إذا منعت بضعها ما استحقت أجرها!، نعم لو قالت أنا لا أمكّنه من نفسي ما تستحق النفقة لأنه لأن الانفاق في مقابل شيء يُبذل من المرأة (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ) (فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) لذلك الإنسان إذا دخل على امرأة فاستمتع بها وجب عليه أداء هذه الأجرة حتى لو كان النكاح نكاح شبهة وجب عليه في مقابل اتلاف البضع الأُجرة انظر كيف استعمل الصدُقة عندما يكون هناك الرغبة في النكاح في البداية والأجرة عندما تكون هناك حقوق، لاحظ (فما استمعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة)[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن : [/FONT][FONT=&quot]نعم نعم وهذا معنى دقيق جميل[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] ننتقل إلى الآية التى بعدها ياشيخ مساعد ؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد :[/FONT][FONT=&quot] أنا أقول في الآية نفسها لو تأملنا الآن لما قلت لكم في بداية الخطاب (وآتوا اليتامى) ثم قال (وآتوا النساء) لما تكلمنا عن آيات الحقوق فالآن المقام مقام اعطاء والمقام مقام استرجاع حقوق لما تقول أعطه حقه كأن المال ليس لك وإنما هو وديعة ترده إلى صاحبه[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] ولذلك يجب وفاؤه كاملًا [/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد:[/FONT][FONT=&quot] ولهذا أنا ألاحظ لما قال فقط (وآتوا اليتامى) ثم قال هنا (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) مع أن الحال مختلف في الأول الأصل المال لليتيم فينتقل من المتصرف إلى اليتيم انتقال من صاحب التصرف إلى صاحب الحق. وفي الثاني الأصل في المال أنه للرجل ولكنه في هذه الحالة إذا ثبت زواجه كأنه صار هذا المال ليس حقًا له فينتقل منه إلى صاحب الحق وهو المرأة ولذلك قال (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة). (فإن طبن لكم عن شيء منه) لاحظ قدم الضمير (لكم) لأنه هو المقصود بالخطاب (عن شيء منه) هل (منه) للتبعيض أو للجنس؟ طبعًا لو قلنا للتبعيض سيكون فإن طبن لكم عن شيء من المال، بعض المال وإن قيل للجنس يمكن أن يشتمل الجميع فإن طبن لكم عن جميعه فإذا فكأن المعنى إن طابت نفسها عن شيء عن بعضه أو عن كله جاز لها ذلك لأن هذا حق لها فيجوز لها أن تطيب نفسها ببعضه أو أن تطيب نفسها به كله بمعنى أن قوله (فإن طبن لكم عن شيء منه) فبأي شيء منه كان قل أو كثر حتى أنه يصل إلى حد كمال المال فقال (فكلوه هنيئًا مريئًا) أنا فقط قصدت أن ننتبه دلالة (منه) ودلالة ( آتوا)[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot]ألا يمكن أن يقال أن حمله على التبيعض أرفق بالمرأة (فإن طبن لكم عن شيء منه)[/FONT]
[FONT=&quot]د:مساعد :[/FONT][FONT=&quot]وهذا هو الغالب[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن [/FONT][FONT=&quot]:أنك لاتوافق على أن تأخذ مالها كله ولو طابت نفسها به وإنما تأخذ شيئًا منه وتترك لها الباقي[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] في قوله (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ)[/FONT] [FONT=&quot]بعد ماذكر ايتاء الولي اليتامى (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5)) أولًا دعونا نتحدث عن السفهيه من هو ؟ أبا عبد الله[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] طبعًا السفه في اللغة العربية هو الخفة لذلك يقولون إذا حركت الرياح أعالي الأشجار قالوا: تسفّهت الأشجار لأنها خفيفة فحرّكتها الرياح. الرجل السفيه خفيف العقل والثوب السفيه يعني الثوب الخفيف ولذلك عندما قال الله: (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ) قال السفهاء لأنهم سفهاء عقول خفاف عقول هذا هو السفه. فعندما ترى الرجل لايحسن التصرف يقال هذا رجل سفيه خفيف العقل كأن الرجل العاقل يقال له رزين رازن لأن تصرفاته تدل على ثقله ورزانته. فقوله سبحانه (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ) الحقيقة هذه الآية يدخل فيها السفهاء من اليتامى ويدخل فيها السفهاء من النساء والسفهاء من الزوجات ولاحظ أنه عقّب بها بالحديث عن اليتامى والحديث عن اليتيمات والحديث عن الزوجات النساء ثم جاء وقال (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ)) فيدخل فيها كل من اتصف بهذه الصفة أنك لاتؤتي المال وتمكّن من المال من كان يتصف بهذه الصفة سواء كان من الأيتام الذين تحت ولايتك أو من اليتيمات أو من الزوجات أو من الأبناء أو من البنات يعني تعولهم فإن الله سبحانه وتعالى نهى أن يؤتى هؤلاء هذه الأموال لتبذيرها والعبث بها[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] طيب تأكيدًا لهذا المعنى لعلنا نعود إليه في حلقة قادمة إن شاء الله تعالى ونحوم حوله بشكل أكبر. الحقيقة الحديث معكما لا يمل ، مع كتاب الله فيه من العبر ومن العظات الشيء الكثير ونحن نتحدث تبدو لنا أشياء كثيرة نسأل الله أن ينفعنا بكتابه وأن يجعلنا من أهل القرآن الذبن هم أهل الله وخاصته[/FONT] .[FONT=&quot]مشاهدينا الكرام تختم بهذا حلقتنا ونقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]بُثّت الحلقة بتاريخ 4 رمضان 1431 هـ[/FONT]
 
[FONT=&quot]الحلقة الخامسة[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT][FONT=&quot]:[/FONT] [FONT=&quot]السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه ومن والاه. مشاهدي الكرام تحدثنا في المجلس الرابع الماضي من مجالس تفسير سورة النساء حول قول الله عز وجل (وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً{4}) ثم قال الله عز وجل بعدها (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا)[/FONT] [FONT=&quot]وفي هذه الآية كنا قد ابتدأنا حول تعريف السفه وبيان حقيقة السفيه واليوم نتم الحديث حول هذه القضية بإذن الله عز وجل ونسأل الله أن يوفقنا فيه للخير لكن بعد أن نستمع لجملة من الآيات فدعونا ننصت لها ونسأل الله أن يجعلنا من الخاشعين[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]الآيات[/FONT] :[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot](وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5) وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (6))[/FONT]
[FONT=&quot]مشاهدي الكرام بعد أن استمعنا إلى هذه الآيات الكريمة نبدأ الحديث حول قول الله عز وجل (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5)) قوله (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ) بينا فيما سبق حقيقة السفيه وأنه الذي لايحسن التصرف في الجملة وسواء كان هذا من الرجال الذين يوصفون بالسفه وهذا الوصف حقيقة فيهم أو من الأطفال اليتامى الذين تقدم ذكرهم في الآية أو من النساء وقد حمل كثير من السلف السفه وفسروا السفهاء على النساء منهم ابن عباس وليس هذا لأن السفه مقصور عليهم ولكن لبيان أنه كثير فيهم وأن كثيرًا من النساء لا تحسن التصرف في المال وتصرفه في غير الأمور المهمة ولاتجعله في الأمور التى لا تقوم الحياة إلا بها، فتجد المرأة تبدل في الملابس وتغيّر في المجوهرات وفي أشياء كثيرة ليست هي من أساسيات الحياة، فيذهب المال من بين يديها ولعل والله أعلم الإحصائيات تحكي هذا وبكل قوة. أنا قرأت مرة إحصائية إنه 61% من القوى العاملة في العالم هي من النساء و 1% من مدخرات الموجودة في العالم هي من ملك النساء مما يدلك على أن النساء لا يحسنّ التصرف في المال ولا يبقين منه شيئًا ولذلك إذا وقع في أيديهن مايحسن أن يحافظن عليه ويبقينه للمهمات[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري :[/FONT][FONT=&quot] هذا طبعًا غالبًا وإلا فيهن ممن يحسن التصرف[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] هذا غالبًا وإلا منهن من هو خير من كثير من الرجال ولكن ينبغي للزوج وينبغي للأب وينبغي للأخ وينبغي ممن ولاه عز وجل أمر امرأة أن يتبين فيها هذا فإن كانت تحسن التصرف أباح لها التصرف في مالها وأن تقوم عليه كما تشتهي وتحب وإن كانت ليست بذاك فليأخذ على يدها كما أمر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] طبعًا تلاحظ سبحان الله تعالى في هذه الآية تحميل المجتمع مسؤولية المحافظة على المال بصفة عامة في قوله (وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً) ففيها أول شيء تحميل المسؤولية لكل من يصح منه الخطاب سواء كان وليًا ليتيم أو وليًا لنساء زوجة أو غيرها أو كان خطابًا لمن لديه أبناء كبار ولو كانوا كبارًا في السن تحميل المسؤولية لأنه أضاف المال له فقال (وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ) فالوصف أو الإضافة هنا أنها من باب تحميل المسؤولية لك يعني هذا المال مالك ولايصح لك أن تؤتي السفهاء الذين هذه صفتهم عندما قلنا أن السفه هو الخفة والتى تظهر في عدم حسن التصرف للمال وإساءة حسن التصرف في المال قد تظهر من الصغير وتظهر من اليتيم وتظهر من المرأة وقد تظهر من الكبير الذي لايُحسن التصرف. فبعض السفه هنا في هذه الآية علامته عدم إحسان التصرف قد يكون هذا من طفل صغير أو من امرأة صغيرة أو يكون من واحد كبير لكنه سفيه عمره يمكن ستين سنة لكنه سفيه ينفق الأموال في غير وجهها. هنا تأتي تحميل المجتمع مسؤولية الأخذ على يد هؤلاء والحجر على السفهاء ومنعهم من إساءة التصرف بحيث يضر بالمجتمع وهذا يقع كثيرًا الآن ولهذا قال (وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً) وأن المجتمع لايقوم إلا بالمال وكل من يعبث به ولو كان يملكه فهو يعبث بالإقتصاد العام الذي يستدعي التدخل من المجتمع للحجر على السفيه وهذا مبدأ في الإسلام وهو الحجر على السفهاء عندما يظهر من السفيه وإن كان يتصرف في ماله إلا أنه يتدخل في مثل هذه الحالة ويحجر على السفيه ويمنع من إساءة استخدام ماله[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT] : [FONT=&quot]الحجر عند الفقهاء طبعًا على نوعين:[/FONT]
1[FONT=&quot]ـ حجر لحظ النفس[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
2[FONT=&quot]ـ وحجر لحظ الغير[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]الحجر لحظ النفس هو أن يحجر على الإنسان في التصرف في ماله لئلا يفسده فهذا يسمى حجر على النفس بمعنى أن يحفظ له ماله كالحجر على الصغير وغير الرشيد في التصرفات المالية[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]وحجر لحظ الغير هو أن يكون الإنسان قد تراكمت عليه الديون ولا تسدد موجوداته بديونه[/FONT] [FONT=&quot]لا تفي بهذه الديون ويأتي الدائنون ليطالبوا بالمال فهنا يحجر عليه بمعنى أنه ما يتصرف في المال لئلا يضر ببعض الدائنين دون بعض يعني يؤثر بعضهم على بعض لمكانته أو قربه أو غير ذلك يحجر عليه ويأتي الحاكم أو القاضي ويقسم هذا المال بين الغرماء كل بحسبه، هذه أنواع الحجر[/FONT].[FONT=&quot] [/FONT]
[FONT=&quot]السؤال هنا يا شيخ مساعد[/FONT] [FONT=&quot](وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ) هل المعنى لا تؤتوا السفهاء أموالكم أم أموالهم وسماها أموالكم؟ لأنكم تشرفون عليها ؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد :[/FONT][FONT=&quot] وهذا الظاهر (وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ) هي تحتمل أهم شيء الصفة الأخرى (التى جعل الله لكم قيامًا) يعني أنتم تقومون عليها بالحفظ والصيانة. فهذا الذي تقومون عليه بالحفظ والصيانة مخالف له أن تعطوه السفهاء لأنهم سيعملون بها خلاف ما هو مطلوب منكم من حفظها[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] إذن يصح في الآية فيما يظهر من الحكمة التي ذكرت أن يقول ولا تؤتوا السفهاء أموالكم أنتم فيضيعوها وحرام عليكم أن تدعوها[/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد :[/FONT][FONT=&quot]فهو نوع من التبذير أو الضياع[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] أو أموالهم هم وجعلها أموالًا لكم لأنكم أنتم تحميلكم مسؤولية إدارتها[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد:[/FONT][FONT=&quot] وتحفيز على الحفظ كأنها أموالكم ولهذا لاحظ (وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا) أصل مادتها باقية وهم يرزقون فيها كأن المقصود يدور ويتاجر به وينمّى ويكون الرزق فيه لا منه، ليس مستقطعًا منه وإنما كأنه جزء من المال[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] لاحظ قول الله تعالى (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ {8}) لأنه من أصل المال يقتطع منه أما هذا كأنه حث للأولياء على أن لايجمدوا هذه الأموال فليعملوا فيها حتى يرزق هؤلاء فيها في هذه الأموال ولا يقتطع منها[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد :[/FONT][FONT=&quot] ولهذا من الفوائد الانتباه إلى الضمائر وكما كنا ندعو دائمًا لو أن قارئًا أخذ هذه الصفحة وبدأ ينظر إلى الضمائر فقط من بداية الصفحة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ) إلى (حسيبًا) نهاية الآية رقم ستة ويتأمل في الضمائر وعود الضمير سيجد سبحان الله مفاجأة أن الضمائر كثيرة جدًا يعني يمكن أنا الآن لا أعرف كم ضميرًا في هذه الصفحة لكن يمكن أقول حدسًا أنها تتجاوز عشرين ضميرًا في هذه الصفحة، معنى هذا أن الضمائر كثيرة جدًا جدًا ولهذا كان من أكثر علماء التفسير عناية بالضمير ـ فيما أعلم الآن ـ إثنان الطاهر بن عاشور من المتأخرين والطبري من المتقدمين العناية بمرجع الضمير وهذا أمر مهم جدًا لماذا؟ لأنه لاحظ الآن بعض الأحيان تأتي مخالفات في الضمير (َكلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ{11}) وقال (فَمَن شَاء ذَكَرَهُ {12})) ولم يقل (ذكرها) فما العلاقة بين الضمير المؤنت والضمير المذكر ؟[/FONT]
[FONT=&quot]([/FONT]َ[FONT=&quot]كلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ) يمكن تكون لقصة عبس أو الآيات (فَمَن شَاء ذَكَرَهُ) أي ذكر القرآن وإنما عبر بالضمير المذكر وهو أشمل هنا لأن الضمير المؤنث إن رجع إلى الآيات أو رجع إلى قصة عبس فهي جزء منه فابتدأ بالجزء وختم بالكل[/FONT]. [FONT=&quot]فهذا أمره كثير جدًا ولهذا نحن الآن نلاحظ أنه قال (فارزقوهم فيها) وفي الآية الأخرى قال (منه) فخالف بين الجار والمجرور وعود الضمير إليه فهنا (فيها) دل على أنهم كأنهم هم في هذا المال لاينقطع عنهم بخلاف (منه) يقتطع من هذا المال وليس لهم علاقة به أبدًا أما ما دام فيها فما زال لهم ارتباط بهذا المال[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] جميل، دكتور عبد الرحمن لو سمحت لما عرّفت السفيه وقلت هو غير الرشيد قد يفهم كثير من الإخوة المشاهدين بأنه الإنسان الذي يشتري الشيء الرخيص بثمن غالِ مثلًا وما يعطي الأشياء قدرها ولا يحسن المماكسة ويبذل المال الكثير في أشياء مثلًا تافهة الفقهاء ذكروا شيئًا غريبًا جدًا أنا أخشى لو ذكرناه أن ينبهر كثير من المشاهدين من موضوع السفه، من ينفق المال في معصية الله عدّه كثير من الفقهاء أنه من السفهاء[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري :[/FONT][FONT=&quot] لاشك، والسفاهة تظهر فيه أكثر مما تظهر في ما نسميه الغبن في البيع يعني كونك تشتري شيئًا بثمن غالٍ جدًا أنا أعتبره ظهور السفه أقل من ظهوره في رجل يبذل أمواله في معصية الله وينفقها في معصية الله[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT] : [FONT=&quot]لاشك لكن هل يمكن تطبيق هذا في الواقع ؟ الواقع إنه أكثر الناس ونحن نقول هذا والله ولا نتمنى للناس إلا الخير[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد :[/FONT][FONT=&quot] بارك الله فيك ، لكن الحرص عليهم![/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] إي والله أنهم يبذلون أموالهم في معصية الله واحد يشتري أشياء للغناء والعياذ بالله للفواحش وكذا ولايمنعه أحد من التصرف في ماله لو كان الحقيقة أولياء الأمور يجعلون على مثل هؤلاء من يقوم عليهم متى رأوا منهم إسرافًا في شراء أو بذل المال في مثل هذه المعاصي بالمال أن يؤخذ على يده وأن يحجر عليه. المهم أن الفقهاء نصوا على أن من صرف ماله في معصية الله دخل في السفاهة. [/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] أنت تتحدث عن معناها الذي تدخل فيه ثم تطبيق هذا شأن آخر. لكن إيراد هذه الآية ضمن الحديث عن اليتامى لأن أكثر المفسرين عندما يأتون إلى الحديث عن السفهاء ينصون إلى اليتيم الذي لا يحسن التصرف في ماله وأنه لا يرتفع عنه هذا الوصف ووصف اليتم إلا إذا تأكدت من أنه يحسن تصريف المال [/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد:[/FONT][FONT=&quot] وهو يرتفع عنه وصف اليتم لكن لايرتفع عنه وصف السفه [/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] فأقصد أنه يبقى وصف السفه عليه ما دام لا يحسن التصرف ما دام أنه كبر[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد :[/FONT][FONT=&quot] فلذلك قال (فإن آنستم منهم)[/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] (رشدًا) المفسرون دائمًا يركزون على اليتيم عند الحديث عن هذه الآية في حين أن يدخل فيها كما قلنا النساء واليتامى وغيرهم يدخلون في وصف السفه والعموم فيها واضح وأنه منهي للرجل أن يعطي ماله أو يُمكّن من ماله السفهاء سواء كانت من زوجة أو من أبناء أو من بنات أنه لا يجوز أن يمكن هؤلاء إذا كانوا يتصرفون فيه تصرف سفيه من المال وأيضًا قال (وارزقوهم فيها واكسوهم) ليست مقصورة ـ فيما يبدو لي ـ على اليتيم أنه أمر للولي بأن يستصلح أمر اليتيم ويثمره له ويعطيه فيه كما تكلَّمت وإنما حتى الأبناء فإنك تنفق عليهم بإحسان وتعطيهم بإحسان ولكن تطلق أيديهم في مالك فيتصرفون به تصرفًا غير لائق[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] في قول الله ـ عز وجل ـ يمكن أبو عبد الملك أشار إليها نريد أن نقف عندها (التى جعل الله لكم قيامًا) ألا ترون أن هذا فيه رفع من قدر المال وأهميته في بناء الحياة وفي إنشاء المشاريع وفي عز الأمة وفي إغناء الإنسان عن السؤال وغير ذلك؟[/FONT]![FONT=&quot] وأن مشكلة كثير من الناس أنه لايقدُر هذا المال قدره فتجده مثلًا في الصيف نحن الآن في الصيف تكلفه سفرة واحدة مثلًا تكلفه مائة ألف ريال!، لماذا مائة ألف نقول له أنت كم راتبك؟يقول خمسة آلاف أو أربعة آلاف ريال يعني ضعف راتبه قرابة عشرين مرة[/FONT] ![FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد :[/FONT][FONT=&quot] من أين أتى به؟![/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] إما جاءت من حرام أو أنه والعياذ بالله استدان وهذا ما يفعله كثير من الناس يستدينون رحلة مدتها أسبوع أو أسبوعين تذاكر طيران وفنادق فخمة وأكلات وملابس وشرب وفي النهاية انتهت الأموال ولم يبنِ بها بيتًا ولم يبق لأولاده الصغار شيئًا ولم يدخر للزمن المقبل، ما يدري الإنسان عن تقلبات الزمن. فقوله (جعل الله لكم قيامًا) يدل على شرف المال وأن الناس يجب عليهم أن يُراعوا نعمة الله عليهم في المال وأن لا يبذلوه إلا في موضعه ولذلك يقولون (ما عال من اقتصد) كيف؟ [/FONT] [FONT=&quot]من اقتصد يعني من درس كيف يضع المال كيف يوفره كيف يسوسه[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] هذا النوع لا يفتقر[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] أبدًا، والواقع يدل على ذلك. أضرب على ذلك مثال بعض الجنسيات الآن في بلادنا معروفة وأنا ما أحب أن أذكرها تجد الواحد منهم راتبه ألفين ريال مع ذلك لا يسأل[/FONT] ![FONT=&quot]عنده سيارة وعنده شقة وعنده من المتاع يعني إذارأيت إلى لباسه وإلى أثاثه يعني ما تميزه كثيرًا عن سائر الناس مع أن المبلغ الذي يستلمه من عمله زهيد! من أبنائنا نحن في بلادنا من يستلم خمسة آلاف ومع ذلك ما ينتهي نصف الشهر ومعه من ماله شيء كيف يا أخي هذا الأمر؟[/FONT]![FONT=&quot] إلا للدلالة على أنه لايملك حسن التصرف في المال ولا عنده أي رشد ليصرف هذا المال، لماذا؟ فاتورة الجوال ألف وخمسمائة ريال، طيب بالله عليك هذا يبني مجدًا لنفسه وأبنائه؟ّ! يبقى طول عمره في ايجارات يبقى طول عمره مسكين ما استطاع يبني نفسه[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري :[/FONT][FONT=&quot] والله سبحان الله مظاهر السفه في حياتنا اليوم كثيرة[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] خصوصًا مع الرفاهية التى حصلت اليوم يعني لسهولة الحصول على المال[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري :[/FONT][FONT=&quot] بالضبط، تلاحظ الآن معظم الناس الآن يحرص على شراء أجهزة الجوال الحديثة[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] مع أنه لا يستفيد من كثير من خدماتها[/FONT] !!![FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد :[/FONT][FONT=&quot] أنا ألاحظ، نعم تجد أنه يملك جهاز جوال تجد أن أسعارها في الألفين وراتبه أنا أعرف أنه لايتجاوز الألفين أو الثلاث أو الأربع والخمس آلاف[/FONT] ![FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] كيف هذا يكون ؟[/FONT]![FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] كيف يكون هذا؟ لماذا هذه المبالغة والمباهاة يجاري الأغنياء وأصحاب الدخل المرتفع يجاريهم في أكلاتهم في عاداتهم وفي لباسهم وفي أجهزتهم وهذا أنا أعتبر أنه من السفه أليس كذلك ؟[/FONT]![FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] بلى[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] حتى فيما ذكرت قبل قليل وأنا عجبت وسمعت فيما سمعت حتى تيقنت من مثل هذه الأشياء من يستدين ويأخذ قرضًا من البنك من أجل أن يسافر في الإجازات[/FONT] !![FONT=&quot]يأخذ خمسين ألف أو ستين ألف ويسددها في سنتين أو ثلاث من أجل ماذا؟ قال: والله يروح يتمشى! ويستمتع! ما هذا ؟[/FONT] !![FONT=&quot]أنا ما اقتنعت بمثل هذا الأفكار وهي أشبه ما تكون بالدخول تحت هذه الصفة وهي صفة السفه[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] قوله (الذي جعل الله لكم قيامًا) ينبغي لنا أن نراعيها، النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال. (إضاعة المال) يعني أن يأتيك الله مالًا يمتحنك الله به فتذهب وتبذله في غير وجهه[/FONT]..[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] ليس المقصود به فقدانه وإنما أن تنفقه في غير وجهه[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] نعم، وشراء أشياء تجاري بها الناس وتحاول أن تصرف بها وجوههم أو تقلد بها من وسع الله عز وجل عليه، يا أخي أنت مُدّ رجلك ـ كما يقولون ـ على قد لحافك![/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد :[/FONT][FONT=&quot] في قوله (وقولوا لهم قولًا معروفًا) هذه فيها إشارة إلى أنه قد يصدر من السفيه ما يزعجك أيها القيّم على المال[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري :[/FONT][FONT=&quot]قطعًا سيصدر[/FONT] ![FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيار :[/FONT][FONT=&quot] صحيح، ولهذا سبحان الله[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] يا بخيل، أنت ضيقت علي ّ![/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيار :[/FONT][FONT=&quot] أنت ضيقت عليَّ ، أنت لم تعطنِ مالي، أنت لم تفعل!، فسبحان الله كيف يأتي هذا الأمر للقائم إشارة إلى أن هناك شيئًا سيحصل لكن هذا الأسلوب القرآني قد يقول قائل ما علاقة (ولاتؤتوا السفهاء أموالهم) و (وقولوا لهم قولًا معروفًا)؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] يعني إذا رددتموهم عن أموالهم التى بين أيديكم فتلطفوا في القول لماذا؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد :[/FONT][FONT=&quot] لأنه قد يحصل منهم ما يسوؤكم[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري :[/FONT][FONT=&quot] مائة في المائة سيحصل[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] هذا واحد يا أبو عبد الملك أيضًا ثانيًا من أجل أن تدرؤا ما بأنفسهم[/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد :[/FONT][FONT=&quot] هذا جيد[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot]يعني مسكين لما يقول لك يا أخي هذه فلوسي أعطني إياها[/FONT] [FONT=&quot]فتقول له: لا أنت رجل ما شاء الله تبارك الله وأنا فقط من أجل مصلحة مالك وأبشر بالخير وكلها فقط سُنيّات يسيرة وأموالك كلها بيدك وأنا أؤمل فيك الخير الكثير وما أخذتها والله إلا من أجل مصلحتي ومصلحتك مثلًا مثل هذه العبارات هو ينتفخ ويرضى وهذا يدلنا على أن الإنسان لضعفه الكلام يغنيه عن كثير من الأشياء وأن الناس لو أحسنوا سياسة من حولهم بألسنتهم لصلحت أحوال كثيرة ومنها المرأة ، المرأة والله بذاتها والله أنا أتوقع أن كثيرًا من الرجال[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري :[/FONT][FONT=&quot] يُحسن التعامل معها[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] نعم، بعبارت وألفاظ فترضى بكثير يعني النساء يرضيهن كما يقال في البيت يغرهن الثناء كما يقال في البيت[/FONT] :[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري :[/FONT][FONT=&quot] [/FONT]
[FONT=&quot]خدعوها بقولهم حسناء والجوارِ يغرهن الثناء[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] يعني الكلام المعسول هذا يجعل المرأة ترضى بالقول المعروف هذا[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري :[/FONT][FONT=&quot] ولا شك أن هذا من الحكمة في إدارة الحياة[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد :[/FONT][FONT=&quot] ولهذا نقول التركيز على القول المعروف وهذا أيضًا بحث موضوعي في أنه لو نظرنا إلى توصية القرآن بالقول بالمعروف طبعًا بالقول بالمعروف في أكثر من موطن سواء قولوا للناس حسنًا أو القول بالمعروف والنظر إلى المواطن التى أمر فيها بالقول في المواطن الحساسة فيها شيء شائك التي ترتبط بالنفوس يحتاج إلى إنسان قوي النفس يكون عنده تحمل في أنه يقابل ماذا؟ الإساءة بالإحسان لايستعجل فيرد الإساءة بالإساءة[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] انظر الآن إذا سألك سائل ولم ترد إعطاءه إما لأنك لاتقدر أو لأنك لم ({قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى } البقرة263 هذا نفس المعنى الموجود في الآية لكنه في مجال آخر من مجالات الحياة[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] طبعًا (قول معروف) المراد به القول الحسن لأن أحيانًا بعضهم يقول القول الحسن هو: القول الذي تعارف عليه الناس وكذا وإنما القول المعروف وفي قوله هنا قول معروف: هو الحسن[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيار:[/FONT][FONT=&quot] نعم، في سورة الإسراء ({وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً} الإسراء 28 سماه القول الميسور.[/FONT] [FONT=&quot]الحقيقة هذه الأوصاف اللطيفة لهذا المنطق الذي يُطلب من المسلم أن يكون دائمًا يتكلم بالقول الحسن، القول المعروف، القول الميسور، أوصاف سبحان الله تعطي المسلم لو طبقها تعطيه لسانًا طيبًا. ولهذا سبحان الله لو تأملت حال بعض العصاة ونظرت إليه قبل أن يهديه الله وبعد هدايته كيف سبحان الله لغته تبدأ تتغير من السباب والشتام والكلام السيء إلى الكلام الحسن يعني سبحان الله ينقلب انقلابًا شديدًا بدل أن يقول لك (الله يلعنك) يقول ( الله يغفر لك ) يعني انقلبت من هنا تربية ، لا شك أن هذه دعوة الإسلام ولذلك وصف الرسول صلى الله عليه وسلم حتى في كتب بني إسرائيل أنه ليس بصخّابٍ في الأسواق وليس بسبابٍ ولا شتّام ٍ وهذا وصف موجود عندهم. هذه أنا أقول مهم جدًا أن نلتفت إلى أن ننتبه لهذه الخاتمة في قوله (وقولوا لهم قولًا معروفًا) كأن فيه إشارة لما ذكر الدكتور محمد فإنه لو طلبوك وأردت أن تطيب خاطرهم بالكلام الطيب وأيضًا لو أساؤوا لك بالكلام فأيضًا ترد عليهم بالقول المعروف[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] بالمناسبة الحقيقة أنا أقول أن العادة الجارية بين عوام الناس لما يكون إنسان ضعيف أو سفيه أنه لا يسمع إلا الكلام الجارح اسكت أنت خبل ما فيك خير أنا جالس أقوم على مالك لأجل مصلحتك لأنك إنسان ما تفهم ولأنك إنسان كذا والعبارات التي فضلًا عن طون المال أُخذ من يده أضيف إليها والعياذ بالله جرح اللسان أشد من جرح اليد تصور ماذا يبقى من هذا الإنسان من كرامة؟! خلاص الآن كأنك تلغي إنسانيته وتجعله مثل البهائم بل أسوء نسأل الله العافية[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] الآية التى بعدها يا مشايخ (وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) تلاحظون في الآية التى قبلها أنه جاء فيها النهي (وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً) ثم ختمها بالأمر (وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا) ثم جاء الأمر (وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ) أولًا هنا لما جاء ذكر اليتامى (وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى ) فيه دلالة على أنه السفهاء في الآية التى قبلها يدخل فيه السفيه ويدخل فيه غيره ممن اتصف بصفة السفه يعني الله لم يقل ولاتؤتوا اليتامى أموالكم وإنما قال (ولاتؤتوا السفهاء أموالكم ) فيه إشارة إلى أن الصفة التى جعلت أو التي أدت إلى المنع هي صفة السفه وليس صفة اليتم أليس كذلك ؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] نعم[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري : [/FONT][FONT=&quot]لما يأتي في الآية التي بعدها فيقول (وابتلوا اليتامى )والإبتلاء هنا بمعنى الإختبار (وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) ولذلك يقول العلماء كيف تبتلي اليتيم؟كيف تستطيع أنك تبتلي اليتيم وتشوف هل هو يحسن التصرف أو لا يحسن التصرف ؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد :[/FONT][FONT=&quot]يبدو أنها مفتوحة كلٌ بحسبه أليس كذلك ؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري :[/FONT][FONT=&quot] أحسنت، لكن قالوا تعطيه جزء من المال وتنظر كيف يتصرف[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] فإن اشترى الشيء بثمنه المعتاد أو بغبن يسير فهذا مغتفر وإن كان مع غبن كبير دل ّ ذلك على أنه لم يصل إلى الرشد المالي[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري :[/FONT][FONT=&quot] والحقيقة أن الإنسان العاقل يستطيع أن يحكم على تصرفات اليتيم بتصرفاته العامة سواء في تصرفاته في المال أو تصرفاته في إدارة شؤونه أوتصرفاته في دراسته أو تصرفاته في تجارته إلى آخره فكل يستطيع أن يحكم (وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى) لذلك الله سبحانه وتعالى لم يحدد كيفية الإبتلاء وإنما تركها للولي (وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ)[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد :[/FONT][FONT=&quot] في ظنك النكاح ألا يدل على سن البلوغ ؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] بلى[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد :[/FONT][FONT=&quot] وهذا يدل على كأنه إشارة إلى سن البلوغ وعند سن البلوغ ينتهي اليتم. [/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] ولهذا ذكر العلماء هذا كيف يبلغ اليتيم الرشد؟ فمنهم من ذكر أنه يبلغ سن الزواج ومنهم من قصر ذلك على التصرف بالمال قال يعني لا ترتفع عنه الولاية إلا إذا ضمن الولي أنه يحسن التصرف (آنستم منهم رشدًا) الرشد نفسه[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد. [/FONT][FONT=&quot] فإذن عندنا الآن مرحلتان[/FONT] :[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]المرحلة الأولى : مرحلة الانتهاء من اليتم[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]والمرحلة الثانية : مرحلة الإيناس (ايناس الرشد منهم ) يعني مرحلتان[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]فإنتهاء المرحلة الأولى لا تدل على بداية المرحلة الثانية بل لا بد من الإختبار ولذلك قال (فإن آنستم منهم رشدًا) (آنستم) مأخوذة من الأنس أليس كذلك ؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] بلى[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد. [/FONT][FONT=&quot] من الرشد ماتطمئنون به إلى أن هذا اليتيم قادر على التصرف قال (فادفعوا إليهم أموالهم) فنسبها إلى هؤلاء اليتامى مثل ما قال (وآتوا اليتامى) في الآية الثانية ثم قال (ولاتأكلوها إسرافًا وبدارًا أن يكبروا) ثم قال (ولاتأكلوا أموالهم[/FONT] [FONT=&quot])[/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] فعلا الأكل له دلالة واضحة [/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد:[/FONT][FONT=&quot] (ولاتأكلوا أموالهم إلى أموالكم) هذا من باب إقامة الظاهر مقام المضمر وفي هذه الآية إقامة الظاهر في مقامه لأنه أعاده إلى الضمير قال (ولاتأكلوها إسرافًا وبدارًا أن يكبروا) [/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد:[/FONT][FONT=&quot] في قوله (فادفعوا إليهم أموالهم) لاحظ أنه عبر في المرة الأولى قال (وآتوا اليتامى أموالهم ولاتتبدلوا الخبيث بالطيب) الإيتاء يكون في الغالب شيئًا فشيئًا بخلاف الدفع فإنه يكون جملة واحدة فلما آنسوا منهم رشدًا وابتلوهم وبلغوا النكاح يقال له لا سلطان لك على مال اليتيم فادفعه إليه كله قل ّ أو كثر، انتهى دورك. هناك (آتوا) صرف عليهم أنفقوا عليهم شيئًا فشيئًا [/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] هنا لما قال (ولاتؤتوا السفهاء أموالكم )ثم يأتي هنا فيقول (وابتلوا اليتامى) الضمائر كما مثل ماتفضلت حسبتها فوجدتها أكثر من أربعين ضمير في الصفحة[/FONT] !!![FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد :[/FONT][FONT=&quot] ما شاء الله أنا قلت حدسًا لأني توقعت أكثر[/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] لكن لاحظ أنه يقول (ولاتأكلوها إسرافًا وبدارًا أن يكبروا) بعض الأولياء يريد أنه يُنهي الأموال قبل أن يكبر اليتيم يحاول أن يستعجل وصرفها وتبذيرها في غير وجوهها قال الله (إسرافًا وبدارًا أن يكبروا) يعني تبادرون في إنهاء الأموال والتصرف فيها قبل أن يكبروا ويأخذوا حقهم[/FONT]: [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT] :[FONT=&quot] طبعًا هنا صفتان:[/FONT]
1[FONT=&quot]ـ أن تؤكل على وجه الإسراف فيتوسع في المال وفي الصرف من أجل أن ينفيه وأن ينتفع هو به بناءًا على جواز مخالطة مال اليتيم لمال ؟[/FONT]
2[FONT=&quot]ـ والثاني : قد لايكون على وجه الإسراف لكن يبادر به قبل أن يكبر اليتيم ويأخذ ماله فهو يبادر به[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد :[/FONT][FONT=&quot] ويعطي اليتيم ماله[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] لا، يبادر به بمعنى يأكله مبادرة ولو لم يكن على وجه الإسراف النهي عن الخصلتين لا يعني أنه لا بد أن يجتمع (إسرافًا وبدارًا) (إسرافًا) على حدة (وبدارًا) منكم قبل أن يكبروا ثم ذكر بعد ذلك أنه من كان غنيًا فليستعفف وهذه الحقيقة إرشاد أن من أغناه الله تعالى من أولياء اليتامى أن لا يأخذ أجرة على توليه لمال اليتيم وأن لايتوسع في مال اليتيم بل (فليسعفف) إن أجره إلا على الله وغناه من عند الله تعالى ومن كان فقيرًا فليأكل بالمعروف. طبعًا ذكر العلماء أن أكلهم بالمعروف يكون على قدر الأجرة المعروفة عند الناس يعني في كم يتولى رجل مال يتيم يعني على حسب المال كثرته أو على حسب الوقت الذي يصرف في هذا المال[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد. [/FONT][FONT=&quot] لاحظ طبعًا قوله (قول معروف) وهنا قال (بالمعروف) التعبير بالأكل كثير في هذه الصفحة (فليأكل) (لاتأكلوا) (كلوا) (كل)[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT][FONT=&quot] :ويأتي بعدها قوله (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا) مما يدل فعلًا على أن التعبير عن الأكل في الأخذ والتصرف يعني فيه إشارة إلى أخص أنواع الاستخدام[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد :[/FONT][FONT=&quot] أنا أردت أن أنبه إلى ما نسميه بعلم الوجوه والنظائر[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] وهو أن المعروف يأتي بوجوه متعددة[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد[/FONT][FONT=&quot] ، نعم ، (قولًا معروفًا) غير (أكلًا معروفًا) و(أكل بالمعروف)[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] قوله (ومن كان غنيًا فليستعفف) الحقيقة فيها إشارة إلى أن من أراد أن يصنع للناس معروفًا وقد أغناه الله سبحانه وتعالى فعليه أن يكمل هذا المعروف بأن يستعف عن تلك الأموال وعن تلك[/FONT] .. [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد :[/FONT][FONT=&quot] مع أنه يجوز له الأخذ[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] مع أنه يجوز له الأخذ لو رغب في ذلك لكن ليرغب فيما هو أعظم عند الله وأجزل[/FONT] .[FONT=&quot]قال (فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم) انظر ما تركت الآية جانبًا من جوانب التوثيق أو أي جهة من جهاتها إلا وقد أحكمتها متى يعطى اليتيم؟ في أي سن؟ بعد أي اختبار؟ من هو الذي يؤنس منه الرشد؟ ثم ماذا لك من الحق؟ وماذا عليك؟ بذل المال وكيف يأخذ الإنسان لو كان فقيرًا وكم يعطي وماذا يدفع؟ وماذا ينقص؟ إسرافًا وبدارًا أن يكبروا كفى بالله حسيبًا إن كنتم تحسبون وتدققون فالله عز وجل أشد منكم وأعظم[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد. [/FONT][FONT=&quot] و(حسيبًا) بمعنى كافيًا[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] ممكن هذا أيضًا[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد :[/FONT][FONT=&quot] يعني تصلح أن تكون للمتصرف في مال اليتيم أن لا يُظلم يعني إذا أشهدت عليه وخشيت الظلم فكفى بالله حسيبًا لك وكافيًا لك[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري :[/FONT][FONT=&quot] نعم، الحقيقة الكلام حول هذه الآية عظيم جدًا ونسأل الله أن يفقهنا فيها وفي سائر كتابه الكريم[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]مشاهدينا الكرام بهذا نصل نحن وإياكم إلى نهاية حلقتنا هذه شاكرين لكم حسن الاستماع والإصغاء وللمشايخ ما تفضلوا به من العلم النافع نسأل الله أن يجزيهم خيرالجزاء. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته[/FONT]
[FONT=&quot]بُثّت الحلقة بتاريخ 5 رمضان 1431 هـ[/FONT]
 
بمساعدة الأخت الفاضلة يسرا السعيد التي لا تتردد بالمساعدة حينما أطلبها فجزاها الله خيرا تم تنقيح الحلقة السادسة وهذا نصّها:

[FONT=&quot]الحلقة السادسة[/FONT]
[FONT=&quot]تأملات في سورة النساء [/FONT][FONT=&quot] الآيات (7 -9)[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطــيَّار:[/FONT][FONT=&quot] بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدلله والصّلاة والسّلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه[/FONT].[FONT=&quot] نحن في صيف واحد وثلاثين وأربعمائة وألف، في قاعة الجنادرية من قرية الأربوعة في تَنومة، نرحب بكم أيّها الاخوة المشاهدون والأخوات، أهلًا. وقبل أن نبتدئ هذا اللِّقاء مع الأخوين الكريمين الدكتور عبدالرحمن الشِّهري، والدكتور محمد الخضيري، لعلَّنا نستمع للآيات ثمّ نعود لتفسيرها بإذن الله[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]قراءة للشِّيخ محمد عبدالكريم من سورة النّساء آية (7-9)[/FONT]
[FONT=&quot](لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا (7) وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا (8) وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا (9))[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيَّار:[/FONT][FONT=&quot] وقفنا عند قول الله سبحانه وتعالى (للرِّجال نصيبٌ ممَّا ترك الوالدن والأقربون)، ولعلَّنا نبتدئ هذا المقطع ونأخذ ما يتعلَّق بهذه الآية الكريمة، فإذا كانَ عند أحد الأخوين تعليق في هذه الآية فلا بأس[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] طبعاً هذه الآية جاءت للرَّد على أهل الجاهلية، في كونِــهم كانُوا يُؤثرون الرِّجال بالميراث دون النِّساء، ويقولون كيف نوِّرث من لا يذود عن العشيرة ومن نصره بُُكاء يقصدون بذلك المرأة والأطفال والصِّغار. فكانت أموالهم تُؤكل ولا يأخذون من حقِّهم شيئاً فجاءت الآية مؤكِّدة لحقوقهم بطريقة عجيبة قال " للرِّجال نصيبٌ ممّا ترك الوالدان والأقربون وللنِّساء نصيبٌ ممّا ترك الوالدن والأقربون ممَّا قلَّ منه أو كَثُر " لاحظ، فما قال للرِّجال والنِّساء هذا أولاً، وإنّما أفردهم ليُعلم أنّ لهم حقّاً خاصًّا ثم أيضاً لمّا ذكرهم قال (ممَّا قلَّ منه أو كثُر) ليُبِيِّن أنّ أخذهم بالحق يستوي سواءً كان الإرث أو التركة قليلة أو كثيرة. طبعاً هذه الآية لها سبب نزول وهي قصّة سعد بن الرَّبيع لمَّا تُوفي رضي الله تعالى عنه وأرضاه وكان له بنتان، جاء عمَّهُمَا فاستولى على مالهما، فجاءت امرأته تشتكي للنبي صلى الله عليه وسلّم تقول سعد ترك ابنتين وليس لهما من يَعُولُهُما، فأنزل الله سبحانه وتعالى هذا الفَرَج للنَّاس جميعاً بسبب هذه الحادثة[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطَيَّار:[/FONT][FONT=&quot] نعم، يعني الآن إذاً التفصيل الدَّقيق في قوله للرِّجال نصيبٌ ثم قال وللنِّساء نصيبٌ للتأكيد على اختصاص كل واحدٍ من هؤلاء بحقِّه[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] وهذا يَرِد في القرآن في مواطن مُناسَبَة لهذا المعنى وأحياناً لغيره، مثلاً في قول الله عزَّ وجل (يا أيُّها الذين آمنوا لا يسخر قومٌ من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساءٌ من نساءٍ عسى أن يكنَّ خيراً منهنَّ) قال العُلماء إنّما نُصَّ على سُخرية النِّساء لكثرة ما يجري بينهنَّ من الأحاديث وما يحصل في مجالسهنّ من السُّخرية إمَّا ببعضهنَّ، أو ببعض النَّاس أو غيره، فنصّ الله على كل صِنفٍ على حِدَة ليتأكد كل واحد منهما بذلك، مع دخوله في الأصل في قوم، وإن كان بعض المفسِّرين يرى أنّ كلمة قوم تَرِد إذا جاءت مع النِّساء فهي خاصّة بالرجال لقوله: [/FONT]
[FONT=&quot]وما أدري ولستُ إخالُ أدري أقومٌ آلُ حِصنٍ أم نساءُ[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] لكن يَرُدُّ هذا قول الله تعالى (وصدَّها ما كانت تعبد من دون الله إنّها كانت من قومٍ كافرين) فأدخل بلقيس في القوم[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخِضيري:[/FONT][FONT=&quot] نعم، قصدنا إذا ذُكرِ النِّساء في القوم، فالقوم المُراد به الرِّجال[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيـَّار:[/FONT][FONT=&quot] الآن لو تأمَّلنا الآيات السابقة، فنُلاحظ أنّها مرتبطة بالأموال وتقسيم حقوق، طبعًا ذكر حق اليتامى ثم ذكر حقَّ المرأة في الصَّداق ثم الآن بدأ يدخل في تفصيلاتٍ أخرى[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] لاحظ يا أبا عبدالملك، في المرَّات الماضيةكان حفظ مال اليتيم ماله هو[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيَّار:[/FONT][FONT=&quot] نعم الذي يكون هو أصلاً بسبب ميراث[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] أو شيءٍ آخر، أو شيءٍ آخر كأن تكون هبة، أو صدقة ،أو زكاة أعُطيت له. لكن الآن يأتي إلى حقٍّ خاص وهو حقُّه من تركة أبيه أو تركة مُوَرِّثه عامّة[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيَّار:[/FONT][FONT=&quot] بعض المفسِّرين أراد أن يذكر مناسبة التَّفصيل بالمواريث بعد ذكر حقِّ اليتامى بالذَّات، كأنَّه قال في الغالب أنّ حقَّ اليتامى إنّما يحصل بعد موت مورِّثه ثم يأتي وكيلٌ عليهم. فكأنَّه قال إنَّ هذا دخول في السَّبب الذي يأتي منه المال لليتيم[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخِضيري:[/FONT][FONT=&quot] نعم، ولا شكّ أنّ هذا هو أعظم الأسباب التي تأتي من الأموال لليتامى، لكن الآن ولله الحمد والــمِنّة تأتي الحقوق لليتامى بسبب مثلاً التأمينات الاجتماعية، ورواتب التَّقاعد وأحيانا كَفَالات الأسُر التي تكون في بعض الجمعيات والمؤسَّسات[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيَّار:[/FONT][FONT=&quot] وقوله (نصيباً مفروضاً) أيّ مَقسُوماً قد قُسِم لهم، لأنَّ الفَرض بمعنى الحَزّ، كأنّه قُطِع لهم شيءٌ من المال فكأنَّه يقول أنّهم قد فُرض لهم وقُطِع لهم خِصِّيصاً فهؤلاء الذين هُم الرِّجال أو النِّساء كلُّ واحد منهم له نصيبٌ معلوم ومحدَّد وكأنَّ هذه الآية فيها عُموم وسيأتي التَّفصيل في قضية حُقوق الإرث بعد ذلك[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] وزيادةٌ على قولِكَ (مُقُدَّر)، يمكن أيضاً تأتي بمعنى مُحتَّم مفروضًا أي حتمٌ لازمٌ لابد من أخذه وهذا والله أعلم أليق بسياق الآية من جهة أنّها جاءت لتؤكِّد على فرضية احترام هذا المال[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] طبعاً هذه الآية تعتبر أصلًا في إعطاء المرأة والضُّعفاء حقوقهم، لأنهَّم -كما تفضلتم- في الجاهلية بل حتى في الحضارات السَّابقة للإسلام عند الفرس وعند الرُّومان كانت المرأة ممتهنة عندهم وكانت تُورَث كما يُورَث سائرُ المتاع، فهذه الآية جاءت لتقرير الحقِّ لهذا الجِنس عندما قال (للرِّجال نصيبٌ ممّا ترك الوالدنِ والأقربون وللنِّساء نصيبٌ ممّا ترك الوالدانِ والأقربون) ثمَّ قال (ممَّا قلَّ منه أو كَثُرَ) فأشَار إلى أنّ المرأة والرَّجل في الحُقوقِ سَوَاء. ولذلك الذَّين يَدعُون الآن إلى المساواة بين الرَّجل والمرأة، وهذه الأُسطوانة التي تُعَاد وتُكرَّر على أنَّ الإسلام قد ظَلَم المرأة، في حين أنَّك عندما تتأمّل في مثل هذه الآية بالذَّات هذه الآية التي جاءت في أوَّل الحديث عن توزيع الحقوق فيها إيضاح واضح أنَّ المرأة والرَّجل في الحقوق سواء، وأنّ الرَّجل يَرِث وأن المرأة ترث كما يرث الرَّجل ثم سوف تأتي معنا بعد قليل الآيات التي تُفصِّل التركة فتجعل للرَّجل مِثلَ حظِّ الأنثيين في بعض التَّفاصيل، هنا العدل سوف يأتي الحديث معها إن شاء الله. لكن هذه الآية بالذّات تُعتبر أصل الحقيقة في إعطاء المرأة حقَّها. ولذلك أنا أرى وأقترح على الإخوة الذِّين يَتَحدِّثون اليوم في مثل هذه القضايا، أن يتأمَّلوا في مثل هذه الآيات قضايا المرأة بِصِفة عامّة، وأنَّ المرأة في القرآن الكريم قد كُرِّمت تكريمًا خاصًا واضحًا وظاهرًا في إشارة إلى أنَّها كانت قبل نزول هذه التَّشريعات ممتهنة ومظلومة قبل الإسلام[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيَّار:[/FONT][FONT=&quot] بل لا يزال حتى الآن في الغرب الذي يتبجّح بالحُريِّة، المرأة في العَمل لا تأخذ مثل ما يأخذ الرَّجل[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] صَدَقت. الأجور أظن تقل بنسبة خمس وسبعين في المائة[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] نعم، وتُنسَب إلى زوجها وليس إلى أهلها. مع الأسف أنَّ الضَّعف الذَّي تعيشه الأمة، يعني ضعفاً حتى في التَّصوّر لمثل هذه الأمور، وظنَّ كثير من الرِّجال ومن النِّساء أنّه ما يرونه من هذه الحريّة المزعومة الموهومة هي في الحقيقة عبودية، هي حرية من جانب ولكنَّها في الحقيقة هي عبودية، فمن المهم جداً بالفعل إبراز هذه الجوانب الموجودة في القرآن التي تُكَرِّم المرأة وتجعل المرأة كياناً مستقِّلاً ليس لأحدٍ سلطة عليها في مثل هذه الأمور[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] في قوله: (للرِّجال نصيبٌ ممّا ترك الوالدانِ والأقربون وللنِّساء نصيبٌ) قدَّم ذكر الرِّجال على ذكر النِّساء على عادة القرآن وهذه عادة وسنّة جارية في كتاب الله عز وجل بناءً على أسباب شرعية وطبيعية جعلها الله عز وجل سبباً لتقديم هذا الجِنس على هذا الجِنس، وليس هذا من باب الإهانة، الإهانة هو أن تجد إنساناً له مكان فَــتُنزِلُهُ عن مكانه لكن إذا وضعته في مكانه الذي يستحقه، فالرَّجل مُقدَّم على المرأة أولاً: هو أصلٌ لها، ثانياً: هو قوَّام عليها، ثالثاً: هو أكمل منها، ولِذَلك المهمِّات الصَّعبة والأشياء القوِّية لا يتولاّها إلاّ الرِّجال يعني من يحمي الدِّيار من يبني البلاد وَيَعمُرها.. إلى آخره مع أنَّ المرأة تقوم بدور لا يُستهان به فليس في هذا إنكارٌ لحقِّها ولكن يجب أن نعترف بأنَّه لو بَقِيت النِّساء بلا رجُلٍ معهنّ فهم في شَرِّ عيشة ويمكن للرِّجال أن يبَقوا ولا يكون معهم من النِّساء أحد، ولذلك يخاف النّاس على بناتهم أشَّد من خوفهم على أبنائهم من هذا الجانب، ولذلك تقديم الرِّجال حتى في الذِّكر هذه سُنَّة القرآن (إنَّ المسلمين والمسلمين)[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] وسوف تأتي آيات القِوَامة (الرّجال قوَّامون على النِّساء) وآيات (وللرِّجال نصيب) وقال (وللرِّجال عليهنَّ درجة)، كل هذه الآياتِ الشَّرعية التي فيها تُقديم الرَّجل على المرأة شرعاً موجود فيه أدلة واضحة ظاهرة قال (وللرِّجال نصيب) وأيضاً القوامة (الرّجال قوَّامون على النِّساء) قال ولا ينبغي فعلاً أن تُفهَم هذه القوامة أنّها إهانة للمرأة، بل هي في الحقيقة تكريم لها وخدمة لها، ولكن سبحان الله العظيم، الآن عندما أكثر الطَّاعنون في الإسلام وأيضاً كثرة التَّرويج بأنَّ المرأة في الإسلام ممتهنة ومظلومة وحُرِّيتها مسلوبة والرَّجل متسلِّط عليها، كثُرت الكِتاَبات والّتأثُّر بالغَربيين والتأثُّر بالنَّصارى، أصبح بعضُ الكُتّاب من المسلمين يُؤّيد هذا ويدعو إلى إنصاف المرأة ويقول أنَّ المرأة المظلومة[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطَّيار:[/FONT][FONT=&quot] هو لا شَك أنّه كما قلنا جهل في تصوُّر معاني الإسلام[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] أحسنت، هذا الظلم الواقع على المرأة الآن في المجتمعات الإسلامية ليس سببه الإسلام، وإنَّما سببه سوء تصرُّفات المسلمين أنفسهم[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخِضيري:[/FONT][FONT=&quot] أبو عبد الملك في قوله ([/FONT][FONT=&quot]وَالأَقْرَبُونَ[/FONT][FONT=&quot]) الحقيقة لَفتة جميلة جدّاً، وهي أنَّ المواريث مبنية على الأقرب فالأقرب، وليس من باب الإرث، لذلك لم يقل للرِّجال نصيبٌ مما ترك الوالدان والقَريبون أو وذوي القُربى، وإنما قال ([/FONT][FONT=&quot]وَالأَقْرَبُونَ[/FONT][FONT=&quot])، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ألـحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجلٍ ذَكَر. انظر أقرب واحد يكون لهذا الميِّت، فعبَّر بكلمة أقرب ولها دلالة في هذا المعنى.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] وهذا سبب التعبير بالأقربين هنا.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطَّيار:[/FONT][FONT=&quot] قوله ([/FONT][FONT=&quot]وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ[/FONT][FONT=&quot])، طبعاً بعد ما ذكر الآن الآية العامَّة في الـــمواريث، يعني كأنَّها آية عامَّة في التَّوريث، للرِّجال نصيب وللنِّساء نصيب، فأتبعها بقوله ([/FONT][FONT=&quot]وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى[/FONT][FONT=&quot])، فطبعا ظهر الآن التَّرابط بين الآيات، فما دلالة قوله: ([/FONT][FONT=&quot]وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى[/FONT][FONT=&quot]). [/FONT] [FONT=&quot]يعني هذا القيد في الحضور أنّهم حضروا وقت القسمة.؟ [/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] دلالته أولاً: أنّهم هؤلاء الذِّين حَضَروا ليسوا من أهل الفرائض، لأنّ أهل الفرائض سيأخذون حقَّهم، حقُّهم محفوظ سواء حضروا أو لم يحضروا، لكن هؤلاء حضروا هذا المناسبة وهم من هذه الأصناف، ولذلك قال أولوا القُربى أو اليَتامى أو المساكين هذه أصناف ثلاثة إذا حَضَرت قسمة فإنَّه يُندب ويُستَحَب لأصحاب الميراث هؤلاء أن يُطيِّبوا خواطر هؤلاء بإعطائهم ما يَرونه مناسباً لجبر خواطرهم وحتى لا يقع في أنفسهم حسد أو ضغينة على هؤلاء أقاربهم أو الذِّين حضروا معهم، هل ترى فيها دلالة أخرى شيخ مساعد؟[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] مثل ما ذكرت أنّ أصحاب المواريث حضروا أو لم يحضروا حقُّهم محفوظ، أمّا هؤلاءِ فالقيد فيهم الحضور.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] وإذا لم يحضروا؟[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخِضِيري:[/FONT][FONT=&quot] لا شيء عليهم، لكن هي الحقيقة تُشير إلى لون من ألوان الذَّوقيات الإسلامية الرَّفيعة، وهي أنّه من حَضَر القِسمة ينبغي أن تُطيَّب نفسه، لأنَّ النّفس تتشوَّف- سبحانَ الله- [/FONT] [FONT=&quot]إلى هذا الشَّيء الذي يُقسَم أو يُعطى لهؤلاء النَّاس، فحريٌّ بأن يُقسَم لهم شيء حَسَب ما تَطيب به نفوس أولئك أصحاب المال، لكنّه يرُد ما في نفوسهم، والغريب أنّ النّاس كانوا عندنا فيما سَبَق يتعاهدُون على مثل هذا، بل إنّهم يفعلونه حتى في أمور البيع والشِّراء، يعني إذا تبايَع اثنان وحَضَر معهم ثالث يقسِمون له شيئاً، مثلاً فرضاً أنّهم تبايعوا قهوة تجدهم يأخذون بالكَفِّ ويقولون هذه لفلان، أو مثلاً من السَّعي بيعَت مثلاً هذه الأرض أو كذا بمائة ألف ريال، السَّعي الذِّي عَقَدَ بينهما، والحاضِرين أيضاً لا ينسونهم من هذا. أذكر إذا كُنَّا جالسين على الطَّعام وجاء إنسان أو مــرّ لازم نقسِم لَه، يقولون العامَّة لنا سابقاً أنَّ هذا يَرُدّ ما في نفسه لأنَّ النَّفس سبحان الله فيها شَرّ، وهذا الشَّر قد يصل إليك، فسبحان الله إذا أرضيت هذه النَّفس قَنِعَت، بل حتى يقولون يا أبا عبد الملك إنّه في الحيوانات أيضاً ينبغي ألا يُهمَل هذا الجانب فيها. إذا جاءت أكرمكَ الله قِطّة أو شيء من الحيوانات ووَضَع نفسه في شيء من طعامك أعطِه منه، يكون لها أنفس شريرة تنبعث وتُؤثِّر عليك.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] سبحان الله!.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيَّار: [/FONT][FONT=&quot]العجيب الآن مثل ما ذكرت الحقيقة، لاحظ هذِه الذَّوقِيَات بالفعل الموجودة في الإسلام، وتطبيقها بين المسلمين، مع الأسف أحياناً قد يَغفل عنها كثير ممَّن يُعايشها أو يغفل عنها كثير من المسلمين المساكين الذين قد شُغِفوا بما عند الغرب. لكن اُنظر إلى الغَربِّي الذي يُسلِم ويَهتدي، سبحان الله هذه الأمور تُؤثِّر فيه تأثيراً بالغاً، وتجد أنَّه يذكر أشياء يعني من إعجابه بما عِندك أنت تستغرب انتباهه لها، ولهذا أذكر الأخ رودريغو البرازيلي يقول من الأشياء التي كانت لَفَتت نظره أنّه لمّا عزَمه رجُلٌ كبير في السِّن كنت أنا جالسًا بجواره وابنه واقف يصُبُّ القَهوة لَنا، يقول: هذا المشهد أثَّر في نفسي، من إكرام الضَّيف، ووقوفُ الابن بهذه الطريقة ويَصُب للأب، ثمّ الأب يقول له أبداً، أعطي الضَّيف يقول كانت هذه الأشياء يقول أنا أصبحت مثل الصَّدمة الحَضارية التي دَعَا بها الغرب. وهذا الحقيقة أنا أقول أن تنمية هذه الجوانب الإيجابية وإبرازها مهم جِدّاً بالنَّسبة لنا، وعِندنا من القِيم ما ليس عندهم البَتّة.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخِضيري:[/FONT][FONT=&quot] ولا يوجد في قوامِيسِهم، حتى أحياناً لا يتصَوَّرون وجود مثل هذا أو من يعمل به في العالم، مثل ما حُدِّثنا كثيراً، ومِنهم الطبيب الــمشهور عبدالله خَاطر الذِّي كان في بريطانيا وهو طبيب نفس وهو من الدُّعاة في هذا البَلد المبارك في كتاب له قَصَص مَرَّت به وهو يُداوي النّاس في بريطانيا أثناء تطبيقه وتعلِّمِهِ هناك، فيقول من ضِمن ما مرَّ به من القَصص وجد امرأة في المشفى عليها من الكآبة. قلت لها: لو كُنتِ في بلادنا لرأيتي شيئاً عَجَباً. قالت: وماذا أرى؟ قال: نحن البيت الذي فيه امرأة مِثلُكِ تكون مثل الــمَلِكة الجميع يُقَدِّرها يَكادُون يَلعَقُون الثــَّرى التي تطأ عليه، من كَثرة احترامهم لها، وهذا شيء وَاقع ونحن نراه ولله الحمد في بيوتنا ونَلمسه ولا زال النَّاس بفضل الله إلى اليوم - نسأل الله ألاَّ يُغِّير ما بنا- يحترمون كِبار السِّن والأجداد والجدّات. وهؤلاء النِّساء اللَّواتي قَدَّمن يعتبرونهنّ بيت خبرة ، تجد النّساء الصَّغيرات يَستَفِدنَ من خِبرتهنّ في أمراض الأطفال وفي أمراض النّساء وغيرها. فقال لها: نحن عندنا هذه مثل المَلِكة تماماً. قالت: أنتَ تتكلّم عن خيال، هذا لا يمكن أن يكون في عالم البشر! فَلمَّا أكَّد أنَّ هذا واقع وأنَّ هذا موجود في بيوتنا. قالت: أتمنى ألاّ تُدركِني مَنِيَّتي حتى أراه. ما أتَصوَّر أن فيه بشر عِندهم من الرِّقة والرَّحمة أن يَعطفوا على أمثالنا نحن الذِّين فقدنا أيَّ خُصوصية أو أيّ منفعة، أصبحنا كالمتاع الذي ينتفع النّاس منها. لا معنى لها وليس لها قيمة.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] لاحِظوا الآن، السُّورة الآن تـَتحدَّث عن حقوق محدّدة حتى في الآية التي قبلها ([/FONT][FONT=&quot]لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا[/FONT][FONT=&quot]) يعني محدَّد بالرُّغم من أنّ الآية تتحدّث عن حقوق، وبعض النّاس ترى يؤمن يقول أنا إنسان رياضي 1+1=2 يأتي بالرَّغم من هذا ويقول ([/FONT][FONT=&quot]وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا[/FONT][FONT=&quot]) . يعني أنتَ سبحان الله العظيم ينبغي وهَذِه الحقيقة حتى فائدة إدارية، أنا أؤيدك فعلاً أنّك تكون حازم وتكون صارم ولكن أيضاً لا يذهب العَطف والرَّحمة والشَّفقة ومراعاة ظروف النَّاس ومراعاة أعذار النَّاس، يكون لها مجال.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطَّيار:[/FONT][FONT=&quot] طبعاً الآن رتَّب، قال: أوُلوا القُربى، واليَتامى، والــمسَّاكين.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخِضيري:[/FONT][FONT=&quot] وهذا التَّرتيب له دَلالة، استنبط الشِّيخ ابن العثيمين منها فائدة فقال: فِيه الدَّلالة على أنَّ حقَّ القَرابة مُقَدَّم حَتى على حقِّ الفُقَراء والمسَّاكين والأيتام الذِّين النَّاس يَتَوَاصون الآن برعاية حُقوقِهم ولهم حقّ عظيم جِدّاً، فالقَرابة لهم من الحقّ ما ليس لغيرهم، وهذا شَيء الحقيقة نُذَّكِر به إخواننا فيه: أنّه لا تنسى قَرابتك، عندك زكاة؟ أوّل ما تبدأ بالنَّظر فيمن حولك من قَرابتك، عِندك دَعوة ودِين؟ ابدأ بالقَرابة، ماذا قال الله لنبيِّه ([/FONT][FONT=&quot]وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ[/FONT][FONT=&quot](214)الشعراء)، هؤلاء لهم حقّ عليك خاصّ غير الحقّ العَام الذي يُبذل لكلِّ أحد، أو حق هذه الدَّعوة في أن تُعلَن للنَّاس جميعا، هؤلاء لهم حقّ،.إبراهيم عليه الصَّلاة والسَّلام أيضاً بدأ بأبيه (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا(41)إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ ..(42)مريم). فبدأ بأبيه.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] صحيح. هل تتوقّعون أنّ القرابة هنا في الآية، يدخل فيها الأغنياء من القرابة يعني مثلا ([/FONT][FONT=&quot]وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ) [/FONT][FONT=&quot]؟[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطَـيَّار:[/FONT][FONT=&quot] كما ذكرتم في قول الله سبحانه وتعالى في أُولي القُربى، وأهمية العِناية بأُولي القُربى والترتيب كما نلاحظ أنّه بعد أولي القربى ذكر اليَتامى لأنّ حالهم أشدّ من حَال المساكين وحاجتُهم إلى العَطف، وكذلك إلى الـــمال ستكون في الغالب أكثر من حاجة المساكين فقدّم أيضاً اليَتامى على المساكين.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] وأيضاً لِصِغَر نُفوسهم، فإنّ التشَّوفَ الذي يكون عندهم أشدّ من التشَّوف الذي يكون عند غيرهم، لأنّ غَيرهم مع فقره قد يكون عنده من عِفّة النّفس ومن كمالها ما يمنعه من التطّلع أو التشَّوف الشّديد، لكنّ اليتيم لـمّا يرى الأشياء بين يديه تُكسَر والنّاس تتحدث عن الأموال، فردّ هذه النّفس الضَّعيفة الصَّغيرة أولى من غيرها.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] أنا عندي فكرة، قد تكون فكرة تفتح الباب للإخوة المسؤولين عن دُور الأيتام، وهي أنَّهم ينظرون في هذا الجَانب، في جانب دعم مشروعات الأيتام ونفقاتهم إلى آخره، بِقَصدهم لِقسمة التَّركات لِبعض الأُسر الثَّرية في المجتمعات الإسلامية، بعض الأُسَر عندما يُتَوفّى عَاِئلها ويكون ثرِّياً، فيترك تركة كبيرة جدّاً، هِذه الآية تفتح الباب لمن يقوم على شؤون اليتامى أن يذهب إلى مثل هذه الأسر ويَعرِض عليها مثل هذه الآية، في أنّ َهذا مَصرِف من مصارف التَّرِكات، الله سبحانه وتعالى قال (([/FONT][FONT=&quot]وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى[/FONT][FONT=&quot]) وأنا مَندُوب اليَتامى حَضَرت في مثل هذه القِسمة فأدعوكم للتَّبرع في أوجه البِرّ.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخِضيري:[/FONT][FONT=&quot] لكن لم يُخبر بأنَّ النّاس اجتمعوا ليَقسِمُوا أموال موَّرثهم، في السَّابق كان يُعرَف هذا الأمر فيهم.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] الجنائز تُظهر هذا الأمر، إذا ذَكر أنّه مات فلان فليَتَحرَّى.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] قال هنا ([/FONT][FONT=&quot]فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ[/FONT][FONT=&quot]) وهُنَاك قال ([/FONT][FONT=&quot]وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا[/FONT][FONT=&quot](5) النساء) .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] طبعاً، أشَرنا في المرَّة الماضية إلى أنَّ ارزقوهم منه أيّ من رأس المال فيُقتطع ويخرج، أمّا ارزُقُوهم فيها يعني اجعلوهم هم وهذه الأموال يدورون فَتُنمَّى هذه الأموال ويَأخذون من رَيعها لا مِن رأس المال حتى لا يَفنى عليهم فيها.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] وهذا الحقيقة كما سَبق أن ذكرنا أنَّ مَلاحِظ الضَّمائر، أنّك تُلاحظ كيف الضَّمير جاء " فارزقوهم منه" أيّ من المال، طيِّب قد يقول أحد: لماذا لم يقول فارزقوهم منها؟ فعاد إلى المال المعروف من قول القسمة.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] في قوله هنا ([/FONT][FONT=&quot]وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ[/FONT][FONT=&quot])، أمَّا توزيع الترَّكة فهو مجال توزيع وليس مظنّة استثمار، وإنما مظنة توزيع فقال ([/FONT][FONT=&quot]فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ[/FONT][FONT=&quot]).[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخِضيري:[/FONT][FONT=&quot] في قوله ([/FONT][FONT=&quot]وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا)[/FONT][FONT=&quot] أيضاً هذه التأكيد على الإِحسان بالقول، بعد الإحسان بالفعل والجمع بينهما وأنّ الإسلام لا يقتصر في مُراعاة هذه النّفوس على الجانب الفعلي دون الجانب القولي، فتُقَدِّم هذا الخير لهذا اليتيم أو لهذا المسكين الحاضر وتقول الـمعذرة يا فلان، والله أنّك تستحق أكثر لكن تعرف يعني الترّكة وكذا وإلا والله لو بأيدينا لزِدنا لك فأنت خير من هذا.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] طيب الآن، عندما يُؤمَر أهل المال بأن يُعطُوا من حضر، هذا العطاء الذِّي يُعطى لمن حضر يدخل على من في التركة؟ هل يَدخل على الترَّكة كاملة ؟ يعني بمعنى الآن أنت يا محمد مسؤول عن تقسيم الترَّكة، يعني سيأخذ الإخوان هذا سيأخذ نصيبه كاملا، والأخت ستأخذ نصيبها كاملاً، والزوجة ستأخذ نصيبها كاملاً، هؤلاء الحاضرين نُعطِيهم من ماذا؟ من نصيب واحد منّا، أو من رأس المال كله؟[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] من رأس المال الذِّي للورثة.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] جميل، يعني يُفترض هذا أن يكون قبل التوزيع؟[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] نعم، في قوله ([/FONT][FONT=&quot]قَوْلاً مَّعْرُوفًا[/FONT][FONT=&quot]) القَول المعروف تعرفون أنّ النّفوس سبحان الله يُصيبها الشُّح عند المال، فالتّأكيد على هذا المعنى، أنّ حضور مثل هؤلاء قد يُثير في نفس بعض الورثة شيئاً من الإِحن عليهم لماذا جاؤوا؟! لأنّهم سيقتطعون جزءاً من مالهِ.فكأنَّ الله سبحانه وتعالى يؤكِّد على أمر أبلغ من هذا ليس فقط أنَّك تُعطيه الآن، ولكن تُضيف أيضاً له القول المعروف، ولهذا لمّا قال سبحانه وتعالى ([/FONT][FONT=&quot]قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى[/FONT][FONT=&quot] (263)البقرة) لأنَّ الآن كونك تتصدّق على الفقير وتُـؤذيه بالكلام لعلك نفعته ولكنَّك أسأت له من جانب آخر. فالحقيقة رعاية الإسلام لهذه الدقائق وللشُّعور النَّفسي، فأقول على المرَّبين أن ينتبهوا له تنبُّهاً تامّاً في جميع المناحي.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] سبحان الله ! تكامل التشريع. [/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] [/FONT] [FONT=&quot]لأنّه أحياناً قد أنت تقول كلمة لا تُلقي لها بالاً ويتأثّر بها صاحبك.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] أنا أتساءل في الأنظمة الوضعية [/FONT][FONT=&quot] لم أطِّلع عليها بالضبط- [/FONT] [FONT=&quot]لكن هل يا تُرى تُراعي الأنظمة الوضعية في قسمة المواريث، وفي قسمة التـــَّرِكات مثل هذه الأشياء النّفسية؟[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخِضيري:[/FONT][FONT=&quot] ما يظهر، هذا مختصٌ بهذا الكلام الرَّباني العظيم، حتى أنَّك لا تكاد تجده في كلام الفقهاء، في كتب الفقه لا تمر بنا هذه المسَّائل بحكم أنّه لا يترتَّب عليها حُكم فقهي خاص، لكنَّك تجدها في كتاب الله عزّ وجل مراعاة أتمّ الرِّعاية، ولاحظ القول المعروف لــمّا أشار إليه الدكتور مساعد يُذكر في عدد من المجالات في الصَّدقة، يّذكر هنا (([/FONT][FONT=&quot]وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا[/FONT][FONT=&quot])، أيضاً في حفظ أموال السُّفهاء ومن في حكمهم. في قوله ([/FONT][FONT=&quot]وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا[/FONT][FONT=&quot]) أنا أقول فيها أيضاً بيَان أهمية زراعة الفَأل في نُفوس النّاس، حينما تقول لهؤلاء الحاضرين، وأنتم إن شاء الله ربِّي عزّ وجل برزقكم، إن شاء الله نحضر معكم قسمةً لَكُم لأموال تكونُ لكم بإذن الله، مثل ما حضرتُ اليوم قسمة لغيركم، تزرع في نفوسهم إنَّ الله بِرزقهم ويُغنيهم ويأتي لهم بالخير من حيث لم يحتسبوا، أنا أظن أيضاً أنَّ هذه الزِّراعة زراعة الإيجابية والتفاؤل في نفوس النّاس ضرورية جِدّاً، بعض النّاس يقول والله فلان مسكين ما حصَّل ولا عَيّن خير عُمره كُلُّه، هو أصلاً حظّه رَديء هكذا. لمّا تقول كلمة حظّه رديء يبقى في نفسه سبحان الله السَّلبية في أنَّه لا يمكن أن يُفلح في مجال من مجالات الحياة، وأنَّه سيبقى عالة على النَّاس، لا، أنت ما يُدريك يوم من الأيام أنا قد أكون خادماً عندك. وأذكر بهذه المناسبة يقولون أسرتين مجتمعتين فكان فيهم شاب وكان فيهم فتاة فقالوا: لو أنّ قلنا لفلان يأخذ فلانة، هي كانت تسمع الكلام، فقال الشَّاب: أنا آخذها؟! أنا أكبر قدراً من أن آخذها. فهي أصَابها شيء كثير من الضَيّم، فراحت وصعِدت فوق مكان مثل هذا فقالت: والله يأتي ربي بيوم أنا التي آمرك فيه وتصير ذليل عندي! جزاءً على كلمتك هذه. وسبحان الله يتزّوجها أحد الأثرياء ويأتي هو سائق عندها، فكانت تقول له: يا فلان ما تذكر ذاك اليوم الذي أنت جرحتني فيه انظر سبحان الله بسبب الشماتة . رُبَّ كلمةٍ قالها فَصَعِدَ بها.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] أيضاً لاحظوا الآن الآية التي بعدها يا مشايخ، في قوله سبحانه وتعالى ([/FONT][FONT=&quot]وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا[/FONT][FONT=&quot](9)) تُلاحظون نحن الآن في باب قسمة، في قسمة تركة أنت خُذ الثلُّث، وأنت خُذ الرُّبع، وأنت خُذ النِّصف، وبالرّغم من ذلك تأتيك المواعظ ويأتيك العناية بجانب التَّقوى، ممّا يَدُلّك يا إخواني نحن فعلاً نفصِل فصلاً نَكِداً [/FONT][FONT=&quot] إن صحَّ التعبير- بين الحُقوق وبين الأخلاقيات، وكثيرٌ من النّاس يظُنّ أنّ الأخلاق منفصلة عن جَانب الأخذ والعَطاء والدِّرهم والدِّينار.لاحظ هنا كيف تأتي [/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ[/FONT][FONT=&quot]) هذه مسألة ذوقية أدبية أخلاقية، ثمَّ تأتيك بعدها مسألة تُؤرِّق كثيراً من الآباء ومن الأمّهَات الذين أدركهم الكِبَر وخافوا على أولادهم الصِّغار من الضَّياع بعدهم فتأتي هذه الآية في هذا الباب فيقول الله سبحانه وتعالى ([/FONT][FONT=&quot]وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ[/FONT][FONT=&quot])، يعني خِطاب للآباء والأمَّهات الذين يخافون على أبنائهم من بعدهم الضَّياع، إمّا لفقر إمّا ليُتـم. قال ([/FONT][FONT=&quot]فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا[/FONT][FONT=&quot]). رَجعنا لأوّل ما ورد في السُّورة ([/FONT][FONT=&quot]يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ[/FONT][FONT=&quot]) فجاء يأمر بها هُنا أمراً خاصّاً لهذا النّوع من النّاس، الذِّين يتركون ورائهم وَرثة هم مظنّة الضَّياع، وما أكثر هذا في حياة النّاس اليوم تجد الواحد منهم يكبر في السِّن ويرى أولاده من خلفه صغار بعضهم ما أكمل دراسته ويفكِّر كيف سيكونون بعدي سيضيعون فالله سبحانه وتعالى قال ([/FONT][FONT=&quot]فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا[/FONT][FONT=&quot]).[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] وهذا كما يقول بعض الــمُفَّسِّرين هذه الآية فيها تنبيه على أنّه يُوجب الاحتياط للضُّعفاء، الذين هم الآن ذرِّيةً ضِعافاً. فالاحتياط لهم قبل وقوعه.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] لكن انظر قال ([/FONT][FONT=&quot]فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا[/FONT][FONT=&quot]) ما قال فليدَّخِروا لهم، أو فليُثَّمِروا لهم. وإنَّما أرشدهم للوصِيَّة هي في نظر كثير من النّاس ما لها علاقة في الجانب المالي، فوصيَّته بالتّقوى والقول السَّديد. أليس من التَّقوى هنا ما ذكره الشيخ مساعد من قضية الاحتياط لهم في تأمين شيء يَعولهم أويَقوتــهم بعد وفاة هذا الرّجل أو هذا الوالي.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] لكن أنا يظهر لي في معنى الآية يا مشايخ، إنّه يقول راعُوا من حَضَر في القسمة من اليتامى والضُّعفاء كما أنَّكم تُحبُّون أن يُرَاعَى أيتامكم أنتم، فكَما تُحب أن يُكِرَم أيتامك وضُعفاؤك الذين تُخلّفهم من بعدك، أكرم ضعفاء من قبلك، وهذا تذكير للإنسان بما تؤول إليه الأحوال، كما تدين تُدان ولذلك قال ([/FONT][FONT=&quot]فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا[/FONT][FONT=&quot]).[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] جميل، وهذا الأقرب في القسمة. يعني إذا حضروا القسمة فليتَّقوا الله في حضور هذه القسمة ما يأتون ويقطعون يقولون في القِسمة أوصي لفلان، لا تُوصي لفلان لا توصي لفلان، يكونون حضور خير، فيها جانبان إمَّا أن يُوصوه بأن لا يُخرج ماله عن ذُرِّيّته فلا يُوصِي بشيءٍ آخر، وإمّا أن يعكسوا ذلك فيُوصوه بأن يُخرج ماله عن ذُرِّيته ولا يُبقي لذِّريَّته شيء، يعني في محتمل الأمرين هذا وهذا، فهذا تنبيه على أنّ الله سبحانه وتعالى حتى في هذه الدّقائق يوصي المسلم ويعطيه ترتيب الأولويات عنده، وماذا يصنع وماذا يَفعل حتى في مثل هذه الدَّقائق. طبعاً أنا أريد أن أنبِّه لاحظ أنّ الله سبحانه وتعالى هنا يُرشِد المسلم إلى مثل هذا الأمر الجميل الذي يقبُله كل عقل، وانظر الآن إلى الغرب الذي يتبَجّح كثير مع الأسف من ضِعاف النُّفوس من المسلمين لمحبّتهم ومحبّة ما عندهم، مليونير يجعل تركته كلّها لكلب! وعنده بنتٌ، أو ولدٌ، أو زوجةٍ لا يأبه لها فيخرج هؤلاء كلهم من أملاك هذا الرّجل وتكون للكلب! [/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] طبعاً يمكن هذا سفيه، لا شك سفاهة فوق سفاهة لكن حتى نظام التَّرِكات عند غير المسلمين فيه ظلم، وفيه تَعدِّي وليس فيه هذه المراعاة للحقوق التي ذكرها ونصّ الله عليها في هذه الآيات التي ستأتي معنا فمع أنّ هذا المثل الذي ذكرتَه يعتبر شاذ ونادر لكن أيضا بصفة عامّة هناك ظلم منتشر .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] ليس هناك قسمة أصلاً .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] ألا تَرَونَ الآية وردت في جانب رعاية الأيتام والقيام بحقوقهم، ومن أوَّل السُّورة ترى الحديث عن الأيتام ([/FONT][FONT=&quot]وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ[/FONT][FONT=&quot]) يعني انتبه كَمَا ترعى هؤلاء الأيتام سوف يُقيِّض الله لأبنائك من بعدك من يرعاهم، فإذا اتقيت الله فيهم سخّر الله لهم من يتّقي الله فيهم ومن يخاف عليهم، وإذا ظلمت ألا تخشى على هؤلاء الضُّعفاء من الظلم. وكما تدين تُدان.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] ويؤكِّد هذا في قصَّة سورة الكهف ([/FONT][FONT=&quot]وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ[/FONT][FONT=&quot](82)) هذه نفس الفكرة، لصلاح الوالد وبعض المفسِّرين يقولون الأبُ السَّابع أو الأبُ السادس ولكن لبركة صلاحه وتقواه أدركت الأحفاد.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] لعلّ إن تكرمتم نختم بقوله: ([/FONT][FONT=&quot]فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا[/FONT][FONT=&quot]) طبعاً القول السَّديد هو القول العدل والصَّواب، ومنه التَّلطف بالعِبارة لليَتامى وغيرهم فإذا حضروا عنده نقول "يا بني"، "يا ابن أخيّ" من العبارات التي تُشعر اليتيم بشيء من الرِّفعة. ما يعطيه من العبارات الجارحة والقاسية التي تُزعجه.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] الوصيّة بالقول السَّديد طبعاً مرّت في القرآن كثيراً[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] نعم، ولعلنا في اللَّقاء القادم نبتدئ بقوله سبحانه وتعالى ([/FONT][FONT=&quot]إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا[/FONT][FONT=&quot] (10)). سبحانك اللهم َّ وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]بُثّت الحلقة بتاريخ 6 رمضان 1431 هـ[/FONT]
 
وهذه الحلقة السابعة:
[FONT=&quot]الحلقة السابعة[/FONT]
[FONT=&quot]تأملات في سورة النساء من الآية (10) إلى الآية (11)[/FONT]
[FONT=&quot]الآيات (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴿١٠﴾ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴿١١﴾)[/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد. [/FONT][FONT=&quot]وقفنا في اللقاء السابق عند قوله الله سبحانه وتعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) ونبتدئ بهذه الآية وكما سبق أن ذكرنا ملحوظة هو تكرار لفظة أكل الأموال ويظهر والله أعلم أن تكرار لفظ أكل الأموال جاء على سبيل التأكيد لهذا المعنى وهو أكل الأموال وسبق أن طرقنا بعض القضايا المرتبطة بأكل الأموال ولعلنا نعيد بعضها للإخوة المشاهدين.[/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد. [/FONT][FONT=&quot]لا شك أن الله سبحانه وتعالى حفظ لهؤلاء الضعفاء حقوقهم وذكر هذا التهديد العظيم في هذه الآية الكريمة من أجل أن لا ستول لأحد من المسلمين نفسه في أن يعتدي على مال اليتيم ولو كان شيئا قليلا (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا) ولاحظ كف صوّر هذا المأكول بأنه يتحول مباشرة إلى نار تكتوي بها البطون التي إذا نزلت فيها النار فإن الإنسان لا يمكن أن يحيا حياة طيبة، فلو كانت النار في طرف من أطرافه لكان يتصور أن يتخلص منها لكن في بطنه كيف سيتخلص منه؟ وكأن هذا العذاب سيتوزع على جميع بدنه وأظن هذا الوعيد من أبلاغ ما يكون من الوعيد في كتاب الله عز وجل وفي التحذير والزجر من هذه الخصلة الذميمة. ولعل هذا إنما جاء لأنه كان في العرب يكثر التعدي على أموال اليتامى وقد جاء ذلك في آيات كثيرة (كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) الفجر) وما زال في الناس بسبب حبهم للمال وإيثارهم إذا رأوا الضعيف والمسكين ومن لا يستطيع أن يدافع عن حقه أو يقوم بأمره فإنهم يستاهلون بأمر ماله ونلاحظ أنه يأتي الأمر بالتقوى كثيرا لتخويف الناس من أن يجترئوا على مثل هذه الأمور قال (فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا (9) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا (10)). ونكّر النار (نار) للتعظيم هي نار عظيمة هائلة نسأل الله العافية والسلامة..[/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد. [/FONT][FONT=&quot]في قوله (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا) هذا قيد ولا شك أنه يفهم منه أن هناك أكل ليس ظلم ، [/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] في الإضافة في قوله (أموال اليتامى) فيها استدرار لعطف الأولياء لأن هؤلاء يتامى وأن هذا الوصف يستثير الشفقة من المجتمع ومن الولي وأن هذا فيه صفة تستحق العطف تستحق الرعاية والإكرام وهو أنه يتيم فقد العائل الذي يعوله ويعطف عليه وهو والده ويقولون في تعريف اليتيم من مات والده قبل البلوغ واليتيم من الحيوانات من ماتت والدته لأن العادة أن الذي يعتني بصغار الحيوانات الإناث وليس الذكور. يقول تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا) حتى يستحضر الذي يحاول أن يظلم هؤلاء هذا المعنى وهو معنى اليتم وهو مظنة الشفقة والرعاية وأن الولي ينبغي أن يكون أكثر الناس عناية وحرصا بأموال اليتامى فإن سولت له نفسه أن يأكل هذه الأموال فقد فقد الصفة التي يستحق أنه يوكل إليه أن يرعى هؤلاء اليتامى. ثم قال (ظلما) هذا لزيادة تبشيع التعدي على أموال اليتامى وأن الذي يأكل مال اليتيم بغير حق فإنه يدخل في هذا الظلم. المعنى الآخر أن هناك أكل مال اليتيم بالحق وذلك عندما يخلط الولي ماله بمال اليتيم الذي يرعاه ويعمل فيها كلها بما يثمرها ويصلحها كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم "لا يؤمن حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" فأنت عندما تخلط مال اليتيم بمالك وأنت صادق في أن تمثّر هذا المال وترعاه كما تتعامل مع مالك تمامًا، الإنسان منا إذا تعامل مع ماله مع حرصه الشديد وتحريه لأوجه الاستثمار الجيدة قد يخسر وقد يقع في ماله شيء من التلف بسبب هذه المضاربة أو هذه التجارة ونحو ذلك في هذه الحالة لا يؤاخذ الولي إذا وقع شيء من الخسارة في مال اليتيم لأنه تحرى الأصلح وبذل وسعه لكن وقع فيما وقع لسبب من الأسباب. (ظلما) في الآية فيها إشارة أنه يجوز لولي اليتيم أن يأخذ بالمعروف [/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد. [/FONT][FONT=&quot]وقد نصّ عليها (وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ (6)) وما أشرت إليه د. مساعد في قضية الصحابة لما شدد الله عليهم هو لشدة تقواهم عزلوا أموال اليتامى حتى إنه يقول هذه لقمة اليتيم وهذا طعام اليتيم وهذا فيه إضرار لمال اليتيم بسبب عدم الخلطة فأنزل الله تعالى رفقا بهم ورحمة بهم وإكراما على تقواهم قال (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ (220) البقرة) تنوي الإصلاح ولا تدخل في ماله إلا إذا كنت تقصد أن تحسن (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (152) الأنعام). (وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ (220) البقرة) لو شاء الله لألزمكم بأن تفصلوا أموال اليتامى فلا تأخذوا ولا تنتفعوا منها بشيء وللزمكم ذلك لكن الله عز وجل رحمنا.[/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد. [/FONT][FONT=&quot]من لطائف الآية في قوله (فِي بُطُونِهِمْ) والمعروف أن الأكل لا يكون إلا في البطن وهذا يسميه العلماء صفة كاشفة لزيادة التأكيد والمبالغة في هذا المعنى أنه أكلٌ يتجه إلى البطن لا غيره مع أنه معلوم أن الأكل يتجه إلى البطن أصلًا [/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد. [/FONT][FONT=&quot]وقد يكون فيها معنى التحذير وهو أنه إذا أكلت في بطنك وذهب إلى جوفك وانتفع منه سائر بدنك فاعلم أن الخطر عليك عظيم، لو كان المتسفيد منه ظاهر جسمك مثل الثوب قلت الذي يستفيد الجلد تستر به العورة لكن في البطن لا مناص ولا محيص قد دخل في جزء مهم منك وأثره سيكون على باقي جسدك. [/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد. [/FONT][FONT=&quot]وبعض العلماء أيضًا كما سبق أن طرحنا في قوله (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى) عبّر بأكل المال وهنا قال (فِي بُطُونِهِمْ) أنه لما عبّر أن المال يؤكل لما نزلت الآية أغلب ما كان ينتفع به من مال اليتيم هو المأكول. وننتبه إلى قضية وهي مسألة أن كثير من الناس حينما يأتي إلى مثل هذه الآيات قد يقول يمكن أن بنتفع بمال اليتيم في غير الأكل ويكون أكثر لكن الأغلب في سائر الأوقات والأزمان نحن الآن نحصر أحيانا بعض القضايا بزمننا الذي يعتبر نوعا من الاستثناء وإلا فالناس عاشوا ألوف السنوات على نمط واحد من الحياة لا يكاد يختلف. لما جاء القرآن ونزل على العرب وكانوا كلهم ومن يعيش حولهم على نفس الشاكلة أما نحن الآن في هذا العصر تغيرت أشياء وقد لا ندرك لماذا قال القرآن هذا الكلام لأننا لا نتصوره وقت نزوله بما عندنا من الحضارات فيقع مثل هذا الإشكال ولهذا نقول إن هذا لا يزال حتى اليوم لو نظرت إلى كثير من العالمين المأكول هو الأصل ومع ذلك فالانتفاعات الأخرى تكون في الغالب تبعًا له وليست أصلًا. [/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] بعدما تدرجت سورة النساء أولًا جاء الحديث عن اليتامى ثم عن اليتيمات ثم جاء الحديث عن الزوجات والصداق والحقوق ثم جاء الحديث عن اليتامى مرة أخرى الآن تلاحظون يتحدث عن القسمة وعن حضور اليتامى والمساكين وأولي القربى ينتقل الآن للحديث عن الأولاد وكأنها والله أعلم راعت تشوّف عناية الإنسان بأولاده الآن عندما توصي الإنسان باليتامى الذين تحت يده هؤلاء ليس أولاده وإنما هو ولي عليهم فجاءت الآن الإشارة إلى أولادك أنت كما أن الله أوصاك باليتامى الذين تتولى أمورهم إما أن يكونوا أبناء لأخيك أو أبناء لأختك أو من يكونون يتامى أنت تتولاهم الله سبحانه وتعالى هنا يأتي لكي يوصي بالأبناء. وهذه الآيات تعيدنا للآيات التي وردت في بر الوالدين، في عدة آيات في القرآن جاء الأمر ببر الوالدين (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا (23) الإسراء) (لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً (83) البقرة) والآيات التي وردت في بر الوالدين بعض الناس يقول أن الله سبحانه وتعالى قد أمر ببر الوالدين ولم يأمر ببر الأبناء لأن الله سبحانه وتعالى يعلم أن الأبناء قد يستغنوا عن آبائهم ويعقّوهم ويتركوهم في حين أن الفطرة والعاطفة التي في الأبوين لا تسمح لهم أن لا يبروا بالأبناء ولا يعتنوا بهم. لكن القرآن الكريم أوصى الأبناء بالآباء وأوصى الآباء بالأبناء وفي هذه الآية وصية واضحة للآباء بالأبناء فقال الله (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ) مما يشير إلى إشارة مهمة وهو أن الله سبحانه وتعالى أرحم بالإنسان من والديه حتى أنه من شدة عنايته بك أنه أوصى والديك بك وأن يعطوك حقك. [/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد. [/FONT][FONT=&quot]وهذا سبحان الله في قمة الرعاية وأن الله أرحم بنا من أنفسنا ومن آبائنا [/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] حتى تدخّل عند الوالد وعند الوالدة وقال (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) فهذه وصية عظيمة. وهذه الآية تأتي كأول آية من آيات المواريث في سورة النساء التي تقسم التركة تقسيمًا تامًا أصحاب الفرائض. والفرائض عندنا في الفقه الإسلامي مبنية على ثلاث آيات اشتملت على كل أحكام الفرائض [/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد. [/FONT][FONT=&quot]ما ترك الله تعالى قسمة للمواريث للنبي صلى الله عليه وسلم وإنما قسمها هو بنفسه لعلمه أنها محل النزاع والخصومة والخلاف وأن الناس قد تغيب عنهم أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن ذكرت بنص القرآن الذي سيحفظه الله لعباده ولا يختلفون فيه.[/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد. [/FONT][FONT=&quot]تتمة لما ذكره د. عبد الرحمن قبل قليل لو أردنا أن نأخذ الآن كنظرة موضوعية لما قال (وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ (1)) عندنا الآن الأرحام أقسام لكن مع بداية الآيات كان حديثًا مفصلًا عن اليتيم وعن رعاية اليتيم وعن حق اليتيم آية بعد آية ولما انتهى منه وقرره إنتقل إلى الأبناء فهذا ملحظ مهم جدا فننتبه إلى ما قدّمه القرآن وأخّره وأن المقدم هنا إنما قدم للعناية به وقدم أمر النساء للعناية به ثم جاء التفصيل (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) فبدأت الآن آية الموارث وقسم التركات.[/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد. [/FONT][FONT=&quot]هناك منهج قرآني عجيب وهو أن الله عز وجل يذكر الشيء إجمالًا ثم يفصله (لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ (7)) أين هو النصيب؟ الناس تشوفت لمعرفة ما هو هذا النصيب؟ كيف سيكون؟ الناس تشوفت لمعرفة هذا النصيب كيف سينزل في آيات أو حديث أو أحاديث قدسية أو سيكون في جدول حسابي؟ فجاء التفصيل أيضًا في غاية الرقة والرعاية والرأفة بالعباد كأن الله تعالى يقول لعباده لا تخافوا أنا أرفق بكم من أنفسكم والرزق كله من عندي وأيضًا أستوصي بكم خيرًا يقول (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ) ثم يذكر هذه الوصية.[/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد. [/FONT][FONT=&quot]هذا وجه كما ذكرت ووذكرنا وجهًا آخر أيضًا وجه لارتباط هذه الآية بما قبلها ذكر بعض العلماء أنه لما فصل في حال اليتيم كأن سأئل يسأل من أين يأتي هذا اليتيم بالمال؟ فأشار إلى أهم مورد وهو الميراث وهذا غالبًا ما يأتي من الميراث فيحتاج أن يُرعى كما ذكر تعالى في بداية هذه السورة.[/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد. [/FONT][FONT=&quot]النظرة الموضوعية لآيات المواريث ينبغي أن نقولها للمشاهدين لأنها مهمة، قد يقرأون هذه الآيات فيظنون أن المواريث وُضع فيها حق كل واحد منفردًا دون النظر إلى تقسيمات كلية لهم. من يقرأ الآية الأولى يعلم أنها في الأصول والفروع أصول الإنسان أي من خرجت منهم من تسلسلت منهم الوالدان ومن علاهما والفروع وهم الأبناء وأبناء الأبناء ومن دونهم. ثم جاءت الآية الثانية في حواشي الإنسان في الأزواج والإخوة لأم لكنهم حواشي يرثون بالفرض، فالزوج مع زوجته والزوجة ليست أصلًا ولا فرعًا وكذلك الزوج ليس أصلًا للزوجة ولا فرعًا منها فهو شيء آخر ملحق فجاء ميراثه وميراث الإخوة لأم في آية واحدة، لماذا جُمع بينهم؟ لأن الإخوة ميراثهم بالفرض والزوج ميراثه بالفرض والزوجة ميراثها بالفرض، ما معنى ميراثه بالفرض؟ يعني لهم نصيب مقدّر مقنن واضح، نصف ربع ثمن ثلث سدس هذا المقصود بأصحاب الفروض. بقي من يرثون بالتأصيل من حواشيك، انتهينا من الذين يرثون بالأصل في الآية الأولى ومن الذين يرثون بالحواشي الذين يرثون بالفرض في الآية الثانية، بقي الحواشي الذين يرثون بالتعصيب يعني بغير تقدير ذكروا في آخر آية من سورة النساء (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176)) فهذه نظرة إجمالية حول هذه الآية.[/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد. [/FONT][FONT=&quot]لما قال سبحانه وتعالى (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ (11)) هذه القاعدة العامة ولكن يجهل بعض الناس أن هذه القاعدة العامة ليست في قسمة المواريث كلها وهناك تفصيلات أخرى، قد يكون أحيانًا نصيب المرأة أكثر من نصيب الرجل ولهذا من القصور حينما نقدّم مال المرأة في الاسلام وكيف المرأة تصل إلى هذا المال وما هي حقوقها فيه بعض الناس لا يلتفت إلا لهذه البداية (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) ويجهل أو يغفل أو يتغافل عن أنه قد ترث المرأة أكثر من الرجل في بعض الأحيان. فالمسألة ليست كذلك وإنما هي تأخذ في أحوال معينة وليست في جميع الأحوال أنه للذكر مثل حظ الانثيين.[/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد. [/FONT][FONT=&quot]مع العلم أن قاعدة الفرائض في الإجمال أنه متى كان الذكر والأنثى من جنس واحد مثل الأبناء والبنات أو الإخوة والأخوات إذا كانوا شقائق أو لأب الأصل في هذه الأحوال إذا استوت الأجناس أن للذكر مثل حظ الإنثيين لكنها ليس قاعدة مضطردة في كل مسألة من مسائل الفرائض [/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد. [/FONT][FONT=&quot]وفيما لو أوصى بمال لأولاده؟ ترجع القاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين، أوصى وصية مطلقة أن هذا المال لأولادي [/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد. [/FONT][FONT=&quot]يأتي سؤال هنا بعض الناس يقول إن قوله (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) فيها تطمين لو قال (للأنثى نصف ما للذكر) والعادة جارية في كلام العرب أن البلاغة في الاختصار وليس هذا في كل مكان ولكن البلاغة مراعاة المقام، شيخنا إبن عثيمين أجاب عن هذا إجابة أعجبتني جدًا فقال (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) قال (حظّ) جعل للأنثى حظ والحظ زيادة ودرجة بينما لو قال للأنثى نصف ما للذكر جعل لها نقصًا والمال الذي يأتي المرأة في الميراث هو في الحقيقة حظ بخلاف المال الذي يأتي للرجل، لماذا؟ لأن الرجل يقال له تفضل لتنفق على أختك، لتنفق على أمك وتدفع مهرًأ وتنفق على أولادك كأنه هو بالنسبة للمرأة حظ تام لأنها لا تنفق منه، لا تدفع مهرا ولا تنفق على زوج ولا على ولد ولا تُلزم بأي شيء مما يلزم به الرجل من النفقات ودفع الأموال فجعله الله حظًا فلما كان المراد الإشعار بالحظ آثر أن يقول (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ)[/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد. [/FONT][FONT=&quot]هذا جميل. كنت سأسألك عن فائدة كلمة (حظ) فجئت بها. حينما نقف هذه الوقفات على ما يقوله العلماء في بعض هذه الألفاظ نشحذ همم السامعين إلى أن يتنبهوا لمواقع هذه الألفاظ من الآيات وأن اللفظة تأتي في مكانها المناسب لها وإلا كما ذكر لفظة (حظّ) لفظة محبوبة فلما كانت في الأنثى نبّه على أنه حظ كامل لها ولكن لم يذكره للرجل لأجل أن الرجل تكاليفه وما يُطلب منه أكثر ما يطلب من المرأة. [/FONT]
[FONT=&quot]لما قال (للذكر مثل حظ الانثيين) هنا كما قلنا قاعدة عامة في موضوع التركات. [/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد. [/FONT][FONT=&quot]قبل ذلك أنا استمعت لأحد الباحثين جزاه الله خيرًأ وقرأت له كتابًا في هذا الموضوع يثبت ردًا على من يقولون أن الإسلام ظلم المرأة فأثبت أنه في قرابة أربع وعشرين حالة في الفرائض تأخذ المرأة فيها إما أكثر من الرجل وإما مثل الرجل، أحصاها 24 حالة وقال إن الحالات التي يأخذ فيها الرجل ضعف ما تأخذه المرأة حالات معدودة لا تتجاوز ثمان حالات. وأريد أن أنبّه إلى أمر أن هذه الحالات الثمان هي تمثل 99% من حالات الفرائض المعهودة، يعني الأصل أن الرجل يموت عنده إبن وبنت هذا الغالب على من يحصل له وفاة، الحالات التي ذكرها هذا الباحث جزاه الله خيرًا هي بالفعل صحيحة ما افترى ولا كذب ولا أخطأ فيما قال ولكن غالبها مسائل نادرة وقليلة الوقوع لذلك نحن نقول وإن كان الأغلب مما يقع في الواقع أن يكون للذكر مثل حظ الأنثيين وهذا حق والله عز وجل أعلم بل قال (آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ (11)) فهو سبحانه وتعالى أعلم بعباده وبما يصلحهم وعلينا أن نسلّم ولا يغرنا هذه الموجة التي تديرها الحركات النسوية في العالم ومؤتمرات المرأة وغيرها مساواة الرجل بالمرأة الذي يسمونهم الجندريون ويقولون أنه لا يوجد فرق أبدًا بين الذكر والأنثى وأن كل هذه الفروق مدعاة وغير صحيحة وهؤلاء يخالفون الطبيعة والفطرة والعقل وكل شيء.[/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد. [/FONT][FONT=&quot]قوله (فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ) الآن الحديث عن ميت يموت ليس امرأة وإنما رجل (فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ) ثلثا ما ترك الميت، (وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ) هنا دقة متكاملة جدًا بحيث لا يكون هنا غموض في المعنى، المقام هنا مقام إيضاح وتفصيل دقيق جدًا بحيث تكون كل كلمة واضح المراد منها أنها قسمة رياضية. لو أردنا أن ننظر تتمة القسمة قال (وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) الآن قسّم الأصول والفروع الآباء والأبناء. فقوله سبحانه وتعالى (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) بعد أن ذكر القسمة (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ) ما مفهوم قوله (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ)؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد. [/FONT][FONT=&quot]قبل ذلك أريد أن أستدرك (يُوصِي بِهَا) هناك قراءة أخرى (يوصى بها) [/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] الوصية للتأكيد على الأمر يوصيكم الله ويؤكد عليكم للعمل بهذه الوصية فالله سبحانه وتعالى عندما يقول في بداية تقسيم التركة (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ) ويؤكد على إعطاء هؤلاء حقوقهم كما أمر الله بها وكما فرضها في هذا الكتاب فكأن هذه الآية والله أعلم جاءت تفصيلا لما جاء مجملًا في الآية الأولى (لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ (7)) هذا من المُجمل وهذه الآية من المبيّن وهذه من أنواع البيان في القرآن الكريم أن يأتي الأمر مجملا ثم يفصّل.[/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد. [/FONT][FONT=&quot]لكن أنا أقصد أنه لما قال (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) [/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] التحدث عن الحقوق المتعلقة بالتركة بعد الوفاة، الآن الفقهاء عندما يموت الميت ويترك بعده تركة، كيف تقسم هذه التركة؟ قالوا ننظر في هذه التركة أولًا هناك حقوق أولويات يجب أن يراعى فيها الترتيب، فقوله (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) تقدّم الوصية هنا ثم يأتي بعده إذا نفذت الوصية ولها أحكامها في الفقه الإسلامي ومعروفة أحكامها (أن لا تزيد عن الثلث وأن لا تكون لوارث كما قال صلى الله عليه وسلم) فمعناه لو أوصى أحد لولده وولده وارث لا تصح هذه الوصية، فالوصية تصح بشرطين أن لا تكون لغير وارث وأن تكون في الثلث وما دونه وإذا أوصى بالثلث فلا بد من موافقة الورثة وإجازتهم. فهذا إشارة إلى الحقوق المتعلقة بعين التركة بعد وفاة الميت فإذا انتهينا من الوصية وانتهينا من قضاء الدين فما بقي بعد ذلك يقسّم على النحو الذي جاء في الآيات (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ) [/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد. [/FONT][FONT=&quot]لعلك أردت الإشارة إلى ما جاء في الآيات لكن الفقهاء رحمهم الله يذكرون شيئًا آخر وهو تجهيز الميت يُبدأ به ولا يستعان بمال غير الميت على تجهيزه إلا إذا تبرع أحد من الناس والثاني الديون والديون الحنابلة يقسمونها إلى قسمين الديون الموثقة تقدّم والديون غير الموثقة بعدها ثم تأتي الوصية لكن السؤال يأتي لماذا ذكرت الوصية في آية المواريث مقدمة في الترتيب على الدين؟ قال العلماء لأمور: الأمر الأول الوصية في العادة يحصل التهاون بها فقدّمت بينما الدين لا يحصل فيه تهاون ولا يتركه صاحبه خصوصا إذا كانت هذه الوصية على شيء لا يمكن أن يطالب كأن يقول ثلث مالي للمسجد فالمسجد لا يمكن أن يطالب الورثة بحقه من المال، أو كان ضعيفا كيتيم أو كبير في السن، هذا أمر والثاني[/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] الثاني كما قلت أن تكون الوصية لأناس لا يطالبون. الآن عندما قال (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) الفقهاء يقدمون الدَيْن على الوصية في العمل وهذا لا إشكال فيه ولكن الله قدّمه في الذكر للاهتمام به وللإشارة إلى حق الذين أوصي لهم في أن يعطوا حقهم في الوصية للميت. وهذا مصداقًا لما ذكر الدكتور محمد الآن وقع تهاون الآن في الوصية وفي تنفيذها بشكل كبير جدًا فما أن يموت الميت إلا ويتهاون الورثة في الوصية ولا يوصلونها إلى صاحبها ويبقى يطالب ويحتاج إلى شهود وربما لا يصل إلى هذا الحق[/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد. [/FONT][FONT=&quot]نفهم من كلامكم الآن أن الآية لم تأت على الترتيب الواقعي لأنه بدأ بالمواريث قبل الوصية والدين معنى ذلك أن هذا ليس هو الترتيب الواقعي فإذا مات الميت يقدمون التجهيز ثم الدين ثم الوصية ثم قسم المواريث. هناك قضية نسيت أن أنبه لها وهو استعمال شائع عندنا وليس هو الاستعمال العربي لو قال الله سبحانه وتعالى (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) يقول أنا عندي كذا ولد وكذا بنت تعارف الناس أن الولد للذكر لكن الولد يشمل الذكر والأنثى ولكن من باب التصحيح لأنه شاع عند الناس استخدام الولد للذكر فقط مع أنه يصح للإثنين تقول هذا ولدي سواء كان ذكرا أو أنثى والدليل هذه الآية.[/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد. [/FONT][FONT=&quot]في قوله تعالى (فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ) المفسرون بحثوا هذه الآية هل كلمة (فوق) جاءت زائدة كما جاء في قوله تعالى (فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) الأنفال) أو أنها ليست زائدة بل هي في محلها وهي قد جاءت للدلالة على معنى مقصود؟ الصحيح والله أعلم أن (فوق) جاءت هنا جاءت لمعنى مقصود وهذا سر السؤال لذا نحن نقول للناس تدبروا الآيات بشكل عميق تجدوا سبحان الله في الآية ما يحل الإشكال حتى أحيانًا لو لم تستعن بآيات أخرى أو أدلة أو شواهد تجد الآية تسعفك في هذا الميدان ولعلنا نأتي إلى بعض الشواهد في هذه السورة بالذات. هنا قال (فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) فالواحدة يقابلها النصف ولما ذكر ميراث الواحدة وذكر ميراث فوق الاثنتين دل ذلك على أن الاثنتين ليستا كالواحدة قطعًا إذن ماذا لهن؟ نقول هنا دلت السُنة على واحد ودل القرآن في آخر السورة (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ (176)) البنتان أقرب إلى الميت من الأختين فلهما الثلثان، ما فائدة (فوق)؟ قال ليبين لك أن نصيبهن لا يزيد بزيادتهن، لو كنّ عشرة أو مائة فلهن الثلثان لا يزيد بزيادتهن فأراد أن ينص على هذا قصدًا والأصل حمل الكلام على عدم الزيادة بل حمله على أن يكون له معنى محدد.[/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] ومن الفوائد التي ذكرها الشيخ ابن عثيمين (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) وأنه أراد أن يشير إلى أن المال الذي يعطى للمرأة حظ لأن المرأة لا تنفق من مالها وكأن المال الذي يعطى لها هدية تتصرف فيما كما تشاء ولا يلزمها أن تنفق بينما الرجل يعول من تحت يده. ويمكن أن يستفاد منها فائدة مهمة وهي أن المجتمعات الجاهلية كانت تحرم المرأة ولا تعطيها حقها وتظلمها فجاء القرآن الكريم هنا ليقرع الأسماع بهذه العبارة الجميلة ويقول (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) فيشير إلى أن المرأة ذات حظ في الإسلام وأن لها حظًا في تركة مورثها وينبغي أن يُعطى لها هذا الحظّ.[/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد. مصداقًا لكلامك، يقولون في دراسة بريطانية قريبة أنه من أسعد النساء في العالم وأكثرهن دلعًا النساء في الخليج يقولون المرأة مخدومة ومحشومة وتقاد بها السيارة لا تقود والملوك لا يقودون السيارات ويفرض على أبيها وأخيها وزوجها أن ينفقوا عليها ويعطوها ما تحتاجه، يقولون أجروا إحصائية لأكثر النساء دلعًا ورفاهية فوجدوا أن النساء في الخليج وخاصةفي السعودية أكثر النساء رفاهية ونحن نقول إسمعوا ايها الناس الصحف والإذاعات تملي علينا أن نساءنا في غاية القهر والإذلال وهذا أقسم بالله أنه في غاية المجافاة للحقيقة وأني رأيت بعيني ما يبكي ويدمي قلوب الرجال مما يفعله الغربيون بنسائهم يمتهنوهن ويجعلون المرأة مثل الرجل في أداء الأعمال الصعبة، كنا مرة في فندق فصفّرت صفارة الحريق فخرجنا وما شعرت إلا برجال الإطفاء قد جاؤوا ورأيت المرأة تلبس الخوذة وتلبس أنبوب الأكسجين وهو ثقيل وكبير وتحمله على ظهرها والرجل يحمل رأس الليّ فقلت سبحان الله! هذا هو الإكرام للمرأة؟! لا يتناسب مع طبيعة المرأة ولا هذا العمل يصلح لها وما خلقت لهذا وإنما خلقت لتربي أطفالها في بيتها ولتكون أنثى حقيقية كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "النساء شقائق الرجال" شقيقة لا تعني أن تكون صورة طبق الأصل من الرجلّ لا، الجوانب التي يحتاجها الرجل يجدها في المرأة والجوانب التي تحتاجها المرأة تجدها في الرجل. فكل واحد منهما يكمل الآخر.[/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد. [/FONT][FONT=&quot]قال بعد ذلك (آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً) ما مناسبة ذكر آباؤكم وأبناؤكم في موقع الوصية وكذلك موقع التركة؟ [/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] لأن الآية قدمت ذكر الأبناء (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ (11)) فبدأ بذكر الأبناء لأنهم أقرب الناس للميت أبناؤه الذين من صلبه فقدم الله ذكرهم وحقهم ثم جاء بعد ذلك بالآباء. ثم فكأن سائلا سأل لماذا قُدّم الأبناء؟ لماذ أثخر الآباء أليس الآباء أولى بالرعاية؟ فجاءت هذه الخاتمة (آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً) فكأنها إجابة لسؤال ما سبب تأخير الآباء وتقديم الأبناء؟ في إشارة إلى أن الإنسان لا يدري من أين يأتيه الخير قد يأتيك من أبيك أو ابنك أو أخيك[/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد. [/FONT][FONT=&quot]قد يقول البعض لماذا أعطيت الأم السدس، الأم قريبًا ستموت كان يمكن أن تعطى الثمن مثل الزوجة؟ ماذا تستفيد من المال وهي قد كبرت؟ قد يعترض الإنسان بمثل هذه الاعتراضات التي يراها في نفسه منطقية أو يقول الإنسان أنا أدرى بأولادي هؤلاء عندي عشرة من الولد فلان أريد أن أعطيه أقل وفلان أعطيه أكثر وفلان لا أعطيه شيء ما نفعني بنافعة وما حصل منه أي خير فقال تعالى (آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً) قد يكون ابنك هذا الذي ما رأيت منه في دنياك خير قطّ أنفع أبنائك لك يوم القيامة يمكن هو الوحيد الذي يأخذ من مالك ويبني لك مسجدًا أو يمكن أن هو الوحيد الذي يظل يدعو لك حتى يموت ويوصي أبناءه بالدعاء لك فلا تنظروا إلى ما قسمته بينكم يا عبادي بالنظرة العاجلة القريبة فأنتم لا تدرون أين يكون النفع. [/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] مما يدل على أن العقل ليس له مدخل في هذه التقسيمات [/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد. [/FONT][FONT=&quot]ولهذا لاحظ ختم الآية بقوله (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا) لما قال (لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً). ولهذا تأمُل مثل هذا الأمر يجعل الإنسان يطمئن لقضاء الله وقدره ويسأل الله سبحانه وتعالى حسن قدره، أنت أمامك أبنائك لكن لا تدري أي ابنائك سيكون أبر بك بعد موتك ولهذا قال (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا) ذكر هذين الإسم العليم والحكيم مع تقسيم التركات والقضايا هذه تجعل المسلم يطمئن أن هذا التقسيم إنما خرج هذا التقسيم عن علم وحكمة فوضع كلا في مكانه سبحانه وتعالى. [/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد. [/FONT][FONT=&quot]وهذا نلاحظه في موضوع أن يعطى الذكر ضعف ما تعطى الأنثى، الآن بعض النساء المتأثرات ببعض الأفكار الغريبة علينا وعلى ديننا تقول لماذا؟ حرام! أنا وأخي سواء فلماذا يعطى أخي أكثر مما أعطى أنا؟ فنقول لها إعلمي أن الله هو العليم الحكيم الذي قرر هذا وأمر به وأنت مخلوقة ضعيفة أنت لا تدركين الحكمة ولا تعرفين الهداية.[/FONT]
[FONT=&quot]بُثّت الحلقة بتاريخ 7 رمضان 1431 هـ[/FONT]
 
جزاكم الله خير على هذا الجهد ونسال الله ان يسر هذا المشروع إلى كتاب يداوله طلبة العلم والله الموفق / أخوكم ابو سلمان
 
[FONT=&quot]الحلقة الثامنة[/FONT]
[FONT=&quot]تأملات في سورة النساء من الآية 12 إلى الآية 14[/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،مرحبا بكم إخوتي الكرام في هذا المجلس القرآني المتجدد بينات الذي نتدارس فيه معكم آيات من سورة النساء وقد بدأنا في أولها ووصلنا فيها إلى الآيات التي تتحدث عن قسمة التركة بعد وفاة الميت ولعلنا نستمع هذه الآيات ثم نواصل الحديث معها مع المشايخ الفضلاء.[/FONT]
[FONT=&quot](وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (١٢) تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) (١٤)[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] وبعد سماعنا لهذه الآيات الكريمة التي يقسم الله سبحانه وتعالى بنفسه التركة بعد وفاة الميت لعلنا نتحدث بهذا اللقاء إن شاء الله معنا أيها الأخوة حول ما سبق أن شرعنا فيه من الحديث في قوله تعالى (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) وكنا في اللقاء الماضي مع الدكتور مساعد والدكتور محمد بدأنا في الحديث عن لماذا جاءت الوصية في أول هذه الآيات؟ وأيضًا كنا أشرنا إلى الموازنة بين وصية الله سبحانه وتعالى للآباء وللوالدين أو وصية الأبناء ببر الوالدين في قوله تعالى (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) ونظائر هذه الآيات وفي هذه الآيات يوصي الله سبحانه وتعالى الوالدين بالأبناء فيقول (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) وانتهينا من هذه الآية وما ورد فيها من المعاني على وجه الإيجاز حيث إننا لا نريد أن نتوقف في آيات المواريث خاصة لأن آيات المواريث لو أردنا أن نفصل فيها لاستوعبت العديد من الحلقات وإنما نكتفي ببعض المعاني وبعض الاستنباطات الدقيقة التي يستفيد منها الأخوة المشاهدون لهذه الآيات[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد :[/FONT][FONT=&quot]أنا لي ملحظ أحب أن أذكره لأخواني المشاهدين وهو ينبغي من يريد أن يتعلم المواريث أن يفهم آيات المواريث أولا لأنها ستبقى بيده دليلًا قويًا يعرف به يعني الحكم الشرعي في كل مسألة مع دليله يحفظها وأيضًا هي أيسر في إيصال علم الفرائض إلى القلب وإلى النفس من كونك تدرسها في كتب الفرائض لأنها كتب تذكر جميع الفروع وتفصّل وقد يتعثر الإنسان في بعض هذا الأمر[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] تأذن لي يا دكتور محمد أسألك سؤال الآن ما هي أسباب الميراث ؟يعني لماذا يرث شخص من شخص؟ ما هي الأسباب التي تجعل هذا الشخص يرث من هذا الشخص؟ هل هي مذكورة في الآيات حتى يستوعبها الأخوة المشاهدون؟[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد :[/FONT][FONT=&quot]نحن أشرنا في الحلقة الماضية يا دكتور عبد الرحمن إلى أن هذه الآيات الثلاث مقسمة طبعًا الآية هذه والتي تليها والآية الأخيرة في سورة النساء مقسمة إلى ثلاثة أقسام هذه في الأصول والفروع وهم أقرب الناس إلى الإنسان فأول سبب من أسباب الميراث هو القرابة أو النسب وأقرب الناس إلى الميت هم أولاده ووالداه ولذلك ابتدأ الله سبحانه وتعالى بهم، الآباء والأبناء. ثم جاء من بعد ذلك إلى الأسباب يعني من كان لك به سبب وليس نسب وهم الأزواج لأن الزوجة ليست صلتك بها صلة نسب هي الصلة الأصلية هي سببية المصاهرة "النكاح ". ثم يأتي من بعد ذلك سبب هو الآن يكاد يكون معدومًا لكن قد يتجدد في يوم من الأيام وقد كان كثيرًا فيما مضى من الزمان وهو الولاء يعني أن يكون للإنسان رقيق فيموت هذا الرقيق وليس له وارثين فيرثه من اعتقه بالولاء فهذه ثلاثة أسباب[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.الشهري : [/FONT][FONT=&quot]هي التي تكون سبب في التوارث[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد :[/FONT][FONT=&quot]أما الأخوة مثلًا والاشتراك في التجارة أو أخوّة الدين أو الجيرة فليست أسبابًا للتوارث وإن كانت أسبابًا في أول الإسلام كما سيأتي (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) هذه سنتحدث إن شاء الله تعالى عن هذه القضية وهي قضية أن الإرث بالتآخي والتحالف كان موجودًا في أول الإسلام فنُسِخ (وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ)[/FONT]
[FONT=&quot]د.الشهري :[/FONT][FONT=&quot] إذن الآية التي هي (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا) تحدثت عن الأبناء وتحدثت عن الآباء وهذا سبب من أسباب الميراث الذي هو سبب النسب ثم تأتي الآية التي معنا اليوم في قوله تعالى (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ) تحدثت عن السبب الثاني من أسباب التوارث وهو النكاح أن يرث الرجل زوجته وأن ترث الزوجة زوجها هذا السبب الثاني[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد :[/FONT][FONT=&quot] عندي مسألة لو أذنت لي يا أبا عبد الله في قوله تعالى (فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ) طبعًا الغالب والشائع عن كلمة إخوة تطلق على الثلاثة فأكثر، علماء الفرائض أطلقوا إخوة هنا على الاثنين فأكثر واستقر إجماعهم على هذا وكان هناك خلاف لابن عباس في أول الأمر في هذا حتى أنه ذهب إلى عثمان رضي الله عنه وقال له كيف الإخوة في كلامك هم يعني الثلاثة فأكثر، فعثمان اعترض عليه بأن الأمر قد قضي على هذا. الحقيقة هذا المشهد يدل على أن ابن عباس نظر إلى الناحية اللغوية ولم ينظر إلى المسألة التي اجتمع عليها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طبعًا لا شك أن الصحابة ما حملوا كلمة إخوة على اثنين إلا وعندهم دليل في اللغة، هذا بلا شك لأنهم هم أهل اللغة وهم حجّة في هذا الباب بل عندنا أدلة كثيرة على أن الاثنين يكونون جماعة هذا واحد. نقول نحن لمن يسمع كلامنا في هذه الحلقة هذا يبين لنا يا أخواني أن الرجوع إلى مذاهب هؤلاء الأئمة والصحابة والتابعين ومعرفة مآخرهم في اختيار قول على قول أو الإجماع عليه هذه مهمة لمن أراد أن يحتاط لنفسه في دين الله عز وجل ويفهم كلام الله حق الفهم. ابن عباس اعترض أول الأمر طبعًا أنا أقول إن اعتراض ابن عباس كان لأنه شاب يعني في سن الحيوية والشباب ويرى لفظًا قد كثر استعماله في الجماعة ولا يُستعمل على الاثنين فأراد أن يحمل ما فقال له عثمان كيف وقد قيل؟ يعني انتهى الأمر الناس قد مضت على هذا يعني أنه أمر قد أُجمع عليه الإجماع ما يُنقض ولذلك قيل أن كلمة ابن عباس أو خلافه في هذا المسألة شاذ لا يعتبر ولا يعتد به لأنه خالف به جماعة الصحابة الذين انعقد إجماعهم قبل اعتراضه هو أو قبل أن يكون هو من أهل الإجماع رضي الله عنه وأرضاه[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot]ولذلك أن ابن عباس كان يرى أنه لا يصح الإخوة إلا ثلاثة فما فوق أما الصحابة عثمان ومن معه كانوا يرون الاثنين فما فوق يحجبون الأم[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.عبد الرحمن : [/FONT][FONT=&quot]الآية في قوله تعالى :(وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ) هنا بدأ بذكر حق الزوج في مال الزوجة المتوفاة فقال (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ) طبعًا الزوج والزوجة يعتبرون من أصحاب الفروض أليس كذلك يا دكتور ؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد:[/FONT][FONT=&quot] نعم[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] كيف يكون تفصيلها يا دكتور مساعد الزوجة والزوج ؟[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد : [/FONT][FONT=&quot]طبعًا هو كما ذكرها سبحانه وتعالى إذا توفيت الزوجة كما قال (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ)لكن بقيد وهو (إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ)[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] للزوج مع زوجته حالتان[/FONT] :[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد : [/FONT][FONT=&quot]حالتان: [/FONT]
- [FONT=&quot]الحالة الأولى : أن لا يكون لها هي ولد فيأخذ النصف[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] سؤال إن كان لها ولد من غيره ،واحد تزوج امرأة وعندها أولاد من غيره ثم توفيت هذه المرأة؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد:[/FONT][FONT=&quot] المقصود ولد سواء منه أو من غيره قبله أو بعده[/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] واحد فأكثر [/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد:[/FONT][FONT=&quot] والولد كما وكما ذكر الدكتور مساعد في الحلقة الماضية أن يكون بنت أو ذكر. في عُرف القرآن والسنة الولد يراد به الذكر والأنثى[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد:[/FONT][FONT=&quot] قوله تعالى (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) نلاحظ أن الوصية والدين سوف تكرر قال (ولهن) فرجع إلى حكمهن إذا مات الزوج[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] الزوج يأخذ من تركة الزوجة إما النصف وإما الربع فقط، لا يمكن أن يأخذ الرجل الثلث من مال الزوجة[/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد:[/FONT][FONT=&quot] نصيب مقدّر[/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد:[/FONT][FONT=&quot] معناه إذا مات الزوج فله غما هذا وإما هذا. قال (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) هناك قوله (وَلَكُمْ نِصْفُ) وهنا (الرُّبُعُ) فصار للذكر مثل حظ الأنثيين (إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ) الثمن مقابل الربع للزوج. أيضًا قال تعالى (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) انتهى الآن من الزوج والزوجة[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] هنا مسألة الزوج لا يكون إلا زوج واحد ويأخذ إما النصف أو الربع أما الزوجة قد تكون زوجتان أو ثلاث أو أربع فحقهن واحد لا يختلف باختلاف تعددهم. فالزوجة إذا مات زوجها إما تأخذ الربع إن لم يكن له ولد وإن كانتا زوجتان الربع وليس لكل زوجة أن تأخذ ربع فلو كانوا أربعة أخذوا ماله كله وبقي الورثة بلا شيء وهذا حكم جائر! وإنما هم شركاء في الربع[/FONT] [FONT=&quot]أو الثمن[/FONT]. [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد : [/FONT][FONT=&quot]مسألة أنبه لها في قضية الفرائض : سؤال من أحد المستفسرين[/FONT] .[FONT=&quot]إتصلت واحدة تسأل: هلك رجل عن أم قلت من هي الأم ؟تقول أم أولاده .ينبغي في علم الفرائض إذا نسبنا أي إنسان من الورثة ننسبهم إلى الميت. قلت هلك عن من؟ قالت هلك عن أم وثلاثة إخوة، قلت من هم الإخوة؟ قالت الأخوة الذين هم إخوان فيما بينهم الآن نسبتهم إلى بعضهم،قلت وهؤلاء من أين جاءوا؟ قالت من الأم، والأم ماذا تقرب إلى الميت ؟ قالت زوجته[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]ولذلك ينبغي للمستفتي أن ينتبه وأيضًا المفتي عندما يقول أم يقول أم من؟ هل هي أم الميت؟ سيكتشف أحيانًا أن السائل يقول لا، أم الأولاد "أي زوجة الميت" فلا بد أن ننسب الورثة إلى الميت دائمًا، أم يعني أم الميت ،زوجة يعني زوجته ، ولد يعني ولد الميت[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.عبد الرحمن : [/FONT][FONT=&quot]انتهى الآن من الأزواج كما ذكر الدكتور وهو قسّم أعطى للزوج تركته وأعطى للزوجة تركتها[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد : [/FONT][FONT=&quot]ونلاحظ بدأ ميراث الزوج قبل ميراث الزوجة هذا طريقة القرآن في تقديم حق الرجل على حق المرآة لأن هذا هو شرع الله سبحانه وتعالى وهو الموافق للعقل وموافق للواقع ولأن الرجل أكمل وأحق فالله سبحانه وتعالى يقدم من له التقديم ويؤخر من له التأخير[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot]ثم يأتي الحديث الآن عن الإخوة، انتهينا من الأبناء ومن الآباء ومن الأزواج، الآن يأتي الحديث عن الإخوة[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد : [/FONT][FONT=&quot]قال تعالى :(وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ)[/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] هذه آية الكلالة يا دكتور محمد التي أشكلت على عمر ما المقصود بالكلالة؟[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد:[/FONT][FONT=&quot] يقال تكلّله النسب أي أحاط به كإحاطة الإكليل الذي يوضع على الرأس يحيط بالرأس من جميع جوانبه، لاحظ الأصول والفروع، الأصول شيء، من خرجت منه والفروع من خرجوا منك والإكليل ما أحاط بك فهؤلاء الإخوة يسمون كلالة لأنهم يحيطون بك ليسوا أصلًا لك ولا فرعًا منك (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً) يعني ليس عنده أصول ولا فروع قد نتجوا منه وإنما إرثه أو من يرثه هم من أحاط به فقيل له كلالة (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ) أيضًا كذلك[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن : [/FONT][FONT=&quot]يورث وحاله أنه كلالة[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد : [/FONT][FONT=&quot](أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ) هنا يأتي أهمية الرجوع إلى تفسير السلف رضوان الله تعالى عليهم في مثل هذه الآيات لأن أخ وأخت مطلقة[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.عبد الرحمن : [/FONT][FONT=&quot]أخ لأب، أخ لأم، أخ شقيق، ثلاثة أنواع[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد : [/FONT][FONT=&quot]ثلاثة أنواع وكلهم يرثون وكلهم من الوارثين، ما المراد به هنا؟ أجمع السلف على أن الأخ والأخت المذكورين في هذه الآية هما الأخوة من الأم بل وفيها قراءة لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال (وله أخ أو أخت لأم) وهذا محل إجماع بل هو الواقع أيضًا لأن الله ذكر في الآية الأخيرة في سورة النساء ميراث الأخوة الأشقاء والأخوة لأب[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد: [/FONT][FONT=&quot](وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ)[/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد: [/FONT][FONT=&quot]متساويين وهذه إحدى حالات التساوي[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد: [/FONT][FONT=&quot]نعم إحدى قسمة المال بين الذكر والأنثى على حد سواء[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] هنا الأخوة لأم ليسوا الذكر كحظ الأنثيين وإنما الذكر والأنثى سواء لكل واحد منهما السدس[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد:[/FONT][FONT=&quot] يقال إن هذه من بركة الأم على أبنائها، الأم من بركاتها أن أولادها إذا ورثوا يدخلون في الإرث سواء كأنها بركه منها على البنات هذه واحدة[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]الثانية :هي الوحيدة التي تأذن لمن أدلى عن طريقها بأن يرث معها[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] ما تحجبه[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد:[/FONT][FONT=&quot] ما تحجبه بينما إذا وجد الأب ولا واحد من هؤلاء يبقى في التركة. ولذلك أي مسألة فيها ابن أو أب تبقى المسألة مختصرة في الفرائض لا يبقى فيها أحد لأن هؤلاء إذا جاؤوا فرّ الناس كلهم أخذوا بالفرض أو بالتعصيب كل الموجود يأخذونه فإذا غاب الاثنان "الابن والأب "تطول المسائل يدخل الإخوة وأحيانًا الأعمام[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.عبد الرحمن : [/FONT][FONT=&quot]هذه معلومة مهمة. تلاحظون إخواني في فهم العلماء والمفسرين والفقهاء أيضا لآيات التركات فيه في الحقيقة عمق علمي ودلالة على حرص العلماء ودقتهم في فهم كلام الله سبحانه وتعالى وفي استنباط دلالاته كله لذلك تجد العلماء في تفصيلهم وشرحهم لآيات المواريث قد بلغوا الذروة في تتبع كل الدلالات واستنباط كل الفوائد التي تدل على المعاني التي في الحقوق في إيصال كل حق إلى صاحبه من جهة وأيضًا في الدلالات التربوية التي في هذه الآيات والدلالات العملية وأحيانًا الذوقية، لماذا قدّم الله سبحانه وتعالى الزوج على الزوجة ؟ ولماذا قدّم الله الأبناء على الآباء؟ وما في ذلك من دلالات. وهناك لفتة مهمة جدًا أنصح بها إخواني الذين يحبون تذوق الكلام العربي الفصيح أحيانًا نخطأ أو نضل الطريق عندما نبحث عن الأدب وعن القدرة على تحليل الكلام في كتب الأدب والشعر ونغفل كتب التفسير وكتب الفقه في حين أن كتب التفسير وكتب الفقه هي من أكثر الكتب التي تجد فيها مهارة وقدرة على استنباط الدلالات وفهم النصوص. لأن العلماء عندما يأتون للتفسير ويأتون للفقه فإنهم يستقصون المعاني ويتتبعونها في هذه الآيات وفي هذه الأحاديث لأنهم يبحثون عن دين ويبحثون عن شيء يتدينون به وعن حق ويحلون المشكلات بخلاف الأدب والشعر فإنها في العادة للتذوق واللذة فتجد في تحليل العلماء لآيات المواريث مثال رائع جدا لإبداع العلماء المسلمين في فهم دلالات النصوص[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد:[/FONT][FONT=&quot] ومصداق الكلام (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً) العلماء قالوا إن الأخ والأخت لأم يرثون من الميت بشروط: ألا يكون له أصل ذكر وارث ولا فرع وارث سواء كان ابنًا أو بنتًا أو أبن أبن أو بنت أبن من أين أخذوا هذا كله؟ من كلمة كلالة فهي كلمة غنية بالمعاني[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد : [/FONT][FONT=&quot]في قوله (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ)[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] هنا إضافة غير مضار دكتور مساعد لو تعلق عليها ( أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ)[/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد :[/FONT][FONT=&quot]نعم في قوله: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ) أي غير مضار في وصيته أي لا يضر الورثة، لا تكون وصيته فيها إضرار لورثة[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.عبد الرحمن : [/FONT][FONT=&quot]فإنها لا تنفذ[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد :[/FONT][FONT=&quot]ولهذا قال بعدها (وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ) أي كل ما مضى هو وصية من الله سبحانه وتعالى[/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] من رد العجز على الصدر (يُوصِيكُمُ اللّهُ) -(وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ)[/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد:[/FONT][FONT=&quot] وفي الحقيقة حتى اختيار (يُوصِيكُمُ اللّهُ) (وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ)في الوصية هذه في قضايا مرتبطة بالوصايا والإرث فيها تناسب لفظي عجيب مع الحدث الذي يشهده الآن الإنسان الميت وما بين دين ووصية وإرث ناسب أن يكون لفظ الوصية من الله سبحانه وتعالى[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد : [/FONT][FONT=&quot]العجيب أن الله عز وجل يقول (يُوصِيكُمُ) ليبين كيف أنه يرفق بنا، العادة أن الذي يوصي دائمًا لا يوصي إلا وهو يحب إيصال الخير للآخر. هذا الذي أوصله الله لنا ليس من باب الكمال التأدب بمعنى آداب إن أخذتم بها أو تركتموها لا، بل هي واجبات مفروضة بدليل قوله تعالى (فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ) وبدليل قوله تعالى (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ) فهذا الأمر ليس من الاستحباب إن فعلتم ذلك فجزاكم الله خيرًا وإن لم تفعلوا فلا حرج عليكم لا، ولكن الله يعطينا من الألفاظ أعذبها ليبين أنه قد أبلغ في إيصال الخير إلينا[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.عبد الرحمن : [/FONT][FONT=&quot]ونكرر أن هذه الآيات قد وردت مورد التشريع وتقسيم التركات التي يحصل بين الناس فيها من التقاطع ومن الخصومات والآن تجد المحاكم من أكثر القضايا الشائكة التي تجدها في المحاكم قضايا التركات والخلافات والنزاعات بين الورثة والتقاطع بينهم بسبب هذه الأموال وبالرغم في هذا السياق الذي هو مبني على هذا المشاحنة والمشاحة يأتي فيعبر بلفظ الوصية إشارة إلى التحبب والعناية الهداية والرفق[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد : [/FONT][FONT=&quot]فائدة في خاتمة الآية[/FONT] [FONT=&quot]قال تعالى (وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ) طبعًأ في قوله (والله) إظهار في مقام الإضمار[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد:[/FONT][FONT=&quot] كان يمكن أن يقول وهو العليم الحليم[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد :[/FONT][FONT=&quot] لكن أيضًا في الآية السابقة قال (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا) كرر العلم هنا ولكنه خالف في ذكر الحلم هنا بدل الحكمة. ولو تأملت هذه الآيات العلم يمكن أن يرجع فيه إلى التقسيم إلى: عليم بما يصلح لكم فقسّم هذه القسمة ويمكن أن يكون من باب التهديد أي عليم بما يحصل من بعضكم من مخالفة أمره أو وصيته في هذا ومع ذلك هو حليم لا يعاجل من فعل هذا بالعقوبة فجمع بين العِلم والحِلم في هذا الموطن وكأن هذا الموطن من قسمة التركات موطن لإضاعة بعض الحقوق عن قصد فنبّه أنه يعلم وأنه إن فعلتم مع ذلك أنه يحلم لا يعاجل بالعقوبة فانتبهوا واحذروا[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot]الحقيقة أن دلالات الأسماء الحسنى التي تختم بها الآيات فيها الحقيقة دقائق وأسرار بلاغية عجيبة لاحظ فعلًا هنا أن هذه مظنّة ظلم الناس وتعديهم، الله يهدد فيقول :(وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ) والعلماء يقولون دائمًا تنتظر دائما إلى الأسماء الحسنى إلى لوازمها ومقتضياتها عندما يقول (وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ) فهو تهديد لك إنه عليم بما تصنع وبالتالي سوف يعاقبك وحليم كأن فيه إمهال وإشارة لمن لم ينته من قسمة التركة ومن لم ينصف ولم يعط الحق فليتدارك[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد : [/FONT][FONT=&quot]وهنا مسألة أخرى أشرنا إليها في حلقات متقدمة وهو أن اجتماع الاسمين ينتج منهما معنى ثالث علم الله عز وجل مقرون بحلم "كما أشار دكتور مساعد قبل قليل قال الإتيان بالعلم هنا قد يكون المراد به التهديد انتبهوا فالله يعلم إن ظلمتم أو تعديتم أو خالفتم أمره . علم مقرون بحلم وحلم مقرون بعلم كثير من حلم البشر ليس مقرون بعلم بمعنى أنك تحلم على من أساء وأنت لا تدري ما هي مقاصده وتقول الأيام ستبدي هذه الأشياء والله يحلم وهو يعلم أن فلان يريد كذا و فلان ظلم في كذا ومع ذلك عنده الحلم التام الكامل الواسع جل جلاله[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد : [/FONT][FONT=&quot]بعد هذه الآيات قال (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ) يشير إلى أن نلاحظ حليم جاءت في موطن التهديد فجاء بعدها قوله (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا) ثم قال (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ) كأنه قسّم في التركات جاء في التركات أن هناك قوم يطيعون الله وقوم يعصون الله هذا التقسيم كأنه مبني على ما سبق. ولو رجعنا إلى قول (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ) سنجد أن حدود الله وردت في أكثر من آية وهي حدود حدّها سبحانه وتعالى[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] من أول السورة تقريبًا تحدث عن حقوق اليتامى ، أموال اليتامى، تحدث عن النساء ، تحدث عن الصدقات ، تحدث عن أكل مال اليتيم ، تحدث عن حقوق اليتامى ، تحدث عن الصدقات ،تحدث عن أكل مال اليتيم وتحدث عن المواريث والذي يقصرها على بعضها بدون دليل فهذا تحكم منه أليس كذلك؟ فالذي يأتي ويقول (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ) إشارة إلى المواريث فقط هذا قصرها على بعض المقصود ما دام عامًا[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد:[/FONT][FONT=&quot]وقال : (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا) الأولى قال خالدين فيها . فرّق في مقام الطاعة جاء بالجمع خالدين وفي مقام المعصية جاء خالدًا فيها . أولًا سنن العرب في (من) وأمثالها أن من لفظها لفظ المفرد ومعناها معنى الجمع تصلح للجمع والمفرد، قال (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) إلى هنا على المفرد ولما قال (خَالِدِينَ فِيهَا) على الجمع فالابتداء على المفرد وختم بالجمع هذا هو سنن الكلام[/FONT] .[FONT=&quot]وفي الآية لما قال (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا) جعلها كلها على المفرد .الثانية أي إعادة على اللفظ ولم يعده على المعنى والعلماء وقفوا عند هاتين اللفظتين وأطالوا الحديث عنها طبعا فيها نكت وفوائد منها[/FONT] :[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]قوله سبحانه وتعالى (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) إعادة للجمع للاشتراك في الخير مثل قوله (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) اجتماع على الخير فلما كان خيرًا أشرك إخوانه معه فقال (خَالِدِينَ فِيهَا) يعني هو ومن أطاع مثله. وأما في المعاصي فكل إنسان يحاسب لوحده بذنبه (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) مناسب أن يكون خالدًا فيها لأن المسيء يعذَّب بإساءته ولا يلحق غيره شيئًا من إساءته[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد:[/FONT][FONT=&quot]وفيها معنى آخر وهو (خَالِدِينَ فِيهَا) من جزاء هؤلاء الذين أطاعوا الله ورسوله بأن الله سبحانه وتعالى يمتعهم بالجنة بالاجتماع بأن يكونوا مجتمعين في الجنة لأنه لو كنت في نعيم من أروع ما يكون وكنت فيه وحدك قلت دعوني فيما كنت فيه واجمعوني بأهلي وأقاربي وأصدقائي وأحبائي أما في النار فيرى أنه يعذب ولو كان في ضحضاح منها وأنه ليس هناك أحد يعذب في العالم مثل عذابه فيكون اجتمع عليه العذابين عذاب الوحدة وعذاب النار نسأل الله العافية والسلامة[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot]إشارة إلى أن معاني الآخرة فيها من معاني الدنيا يعني الإنسان في الدنيا حتى لو كان في نعيم فإن الوحدة بالنسبة له نوع من أنواع العذاب أنت في نعيم أو قصر واسع أو في حدائق وأنت وحدك لا تستمتع، حتى الكرماء من العرب مثل حاتم الطائي ما كان يأنس إلا إذا كان معه ضيوفه ناس يشاركونه أكله. وكذلك العذاب والسجن في الدنيا إذا أريد للشخص أن يعاقب عقابًا شديدًا يسجن سجنًا انفراديًا ويحبس عن الناس ويغرب وكذلك عقوبة الزاني أنه يغرَّب هذا تعذيب له لأنه يبعد عن أحبابه وأصدقائه. وفي معنى آخر في قوله تعالى عن أهل الجنة (يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) قال (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ) وفي الآية بعدها قال (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ) (ويتعد حدوده) فزاد هذه الصفة وهي في الحقيقة دلالة على رحمة الله وحلمه الذي ذكره في الآية قبلها يقول (وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ) قال فيمن يطيعه يدخله فمن كرم الله قال ومن يطع الله ورسوله يدخله ولم يقل ومن يطع الله ورسوله ويلتزم الحدود ويحرص عليها يدخله جنات كأن فيها تأخير لهذا الجزاء لكن من رحمة الله بمجرد طاعة الله يدخله فالله سبحانه وتعالى أسرع بثوابه منك بالعمل[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]الثانية قال (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) ثم فتح المجال حتى لا يقنط الإنسان المعصية لا يكاد يسلم منها أحد فأنا أرى أن هاتين الآيتين في صياغتها تتناسب مع حلم الله سبحانه وتعالى ورحمته بعباده[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد:[/FONT][FONT=&quot] كأني أشعر من كلامك يا دكتور عبد الرحمن أن هناك من المعاصي ما لا يبلغ به الإنسان أن يتعدى الحدود مثل اللمم يقع من كل إنسان النظرة واللفظة والخطوة والخطيئة وهي أشياء لا يكاد يسلم منها أحد في يومه وليلته لكن احذر أيها المسلم أن تتجاوز هذا إلى تعدي الحدود كأن تصر على هذه المعاصي أو أن ترتكب الكبائر وأنت تعلم ما وضع الله فيها ما شرع من عقوبة سواء عاجلة أو آجلة[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]في قوله (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ) أود تنبيه إخواننا إلى أن أمر قسمة المواريث خطير جدًا وأن التزام شرع الله فيها ليس أمرًا يتساهل فيه فأنا أرى التساهل فيه الآن في عدد من الجهات[/FONT]:[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]الجهة الأولى أن يضطر بعض الورثة إلى المطالبة والشكوى ولا يستطيع الوصول إلى حقه إلا بعد عنت ومشقة نقول اتقوا الله ما دام قال تعالى ولكم ولهنّ انتهى الموضوع، هذا حقهم، قابلت أحد الناس الذين تأخروا في قسمة الميراث 25 سنة فأقول له يا فلان لماذا لا تقسمون؟ قال ولماذا نستعجل؟ قلت الناس لهم حاجاتهم قال ما هي؟ قلت البيت الذي كانت قيمته عالية ربما اليوم لا يساوي شيئًا وأنت حرمت هؤلاء شيء من حقهم وهذا له حق وأنت إبكاءك في إيصال حقه ظلم وبعض الناس يستحي أن يطالب رحمه، هؤلاء يحتجون ويقولون ربما في يوم من الأيام ترتفع أسعار هذه الأراضي، فقلت له فرصتك أن تنفرد بها أعطِ الناس حقوقهم وخذ أنت حقك، الآن مات اثنان منهم وما عندهم استعداد أن يقسموا التركة. [/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]ثانيًا: يظلم بعض الورثة ولا يعطى حقه كما يعطي البقية وهذا يحصل الآن وخصوصًا في جانب النساء فترضى بما تعطى[/FONT] .[FONT=&quot] فنقول ليحذر من يقسم أيا كان أن يعطي الورثة شيئًا ليس من حقه أو يؤخر في إعطاء الحق فإن هذا من الظلم ومن تعدي حدود الله عز وجل. [/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد [/FONT][FONT=&quot]: هناك مسألة وقعت وما عرفت الحكم فيها، إذا رضيت الزوجة بشيء قليل وقالت أنا أخرج من التركة إذا أرضوها بشيء من التركة، هل يجوز للزوجة أن يقدم لها مبلغ من المال وتخرج من التركة ؟[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد: [/FONT][FONT=&quot]هل هم اضطرّوها وألجؤوها إليه؟ إن كان عن غير طيب نفس منها فلا يحل لهم منه شيء لقوله صلى الله عليه وسلم ((لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه)) وإن كان عن طواعية فلا باس لأنها رضيت[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد :[/FONT][FONT=&quot] أحيانا طواعية مشبوهة بإكراه وكيف الإكراه؟ أنها متى ستأخذ حقها؟ قد يماطلون في حقها، فقد تنتظر حقها وقد لا تحصل عليه. وخاصة إذا كانت الزوجة هي ليست من البلاد كما يقع من بعض الخادمات. واذكر بعض الصلحاء كبر في سنه وأبناؤه أيضًا كبار وعنده شركات ومحتاج من يعينه على قضاء حاجته فاضطروا إلى أن يزوجوه خادمة كي يفكوا الحرج الشرعي من جهة ولكي يعينوا أباهم من جهة لكن لما قضى الله عليه الموت هذه زوجته الآن وإن كانت تأخذ الثمن ستحصل على ملايين فالبعض ترضى بالعشرة والعشرين وتخرج[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] الحق واضح فيها، يعني إعطاؤها هذا الجزاء من باب الصلح والترضية اعتقد هنا حرام لا يجوز لأن هذا استكثار لحق أعطاه الله إياه وكأنه أعلم بالمصلحة من الله وهنا الحقيقة يقع التحذير الذي في آخر الآيات لأنه قال (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)لأن هذا عصيان لله ورسوله رفض بأن تعطيها يا رب الربع لا، الربع كثير نعطيها العشر كما يقع من الكثير الذي يدفع الزكاة يأتي ويقول نسبة 2.5%كثيرة أنا سأخرج 1% ويعتبر لا مشكلة فيها وهذا تعدي لحدود الله الله سبحانه وتعالى حدّ حدودًا الربع الثمن الثلث السدس فيأتي أحدهم ويقول هذا كثير! ثم تأملوا في ختام الآيتين قال (تلك حدود الله) والحدود واضحة دقيقة المعالم وإلا ما سميت حدودًا وإنما سميت حدودًا لأنها واضحة ومن تعريف الحد أن يكون واضحًا.[/FONT]
[FONT=&quot]لاحظوا ختام الآيتين: من يستجيب لأمر الله سبحانه وتعالى قال (يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) فكيف عظّم من شأن هذا الفوزّ وأشار إليه بـ (ذَلِكَ) ثم عرّفه بهذا الألف واللام ليدل على الفوز ثم وصفه بالعظمة. ثم جاء إلى الجزاء الآخر فقال (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) نلاحظ (وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) نكّره والتنكير هنا أيضًا للتعظيم ووصفه أنه عذاب مهين يعني يهان فيه هذا الذي تعدّى هذه الحدود إهانة بالغة[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد :[/FONT][FONT=&quot]وكأن الذي يتعدى الحدود في مثل هذه المواطن يستهين بأمر الله فيعاقب بعقوبة من جنس عمله وهذا أقوله والله أعلم في حق أولئك الذين يتنقصون من شرع الله ويقولون بأنه شرع ظالم ولا يساوي المرأة بالرجل وفيه أشياء غير مفهومة فيستهينون بحكم الله فيجترؤون على حدود الله ويتعدونها فيقال احذروا فإن لكم عند الله عذابًا مهينًا فيه خزي وإذلال[/FONT] [FONT=&quot] وتحقير بأعظم مما حصل منكم من استهانة.[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
*[FONT=&quot]ملاحظة للحفّاظ:[/FONT][FONT=&quot] هناك متشابهات آيات لو تأملها الإنسان يضبطها لكي يحفظها منها مثل: (وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) مفردة في القرآن ما جاءت بالواو ومن دون (هو) إلا في هذا الموطن[/FONT] [FONT=&quot] ولذلك يمكن أن تختبر بها غيرك تقول (وذلك الفوز العظيم) أكمِل فإذا قال لك أي واحدة عرفت أنه غير ضابط لأنه ليس هناك غيرها في القرآن. يضبط الحافظ هذه المواطن لأنها تعينه على الحفظ، في سورة التوبة ترد آيات شبيهة بها خمس مرات لكن ولا واحدة مثلها تمامًا (وذلك الفوز العظيم)، موجود (ذلك هو الفوز العظيم) (وذلك هو الفوز العظيم)[/FONT]
[FONT=&quot]د عبد الرحمن :[/FONT][FONT=&quot] هذه أُلِّف فيها مؤلفات ومطبوعة مثل منظومة السخاوي (هداية المرتاب في ضبط متشابه آي الكتاب). ينتقل الحديث في الوقوع في المعصية فيقول سبحانه وتعالى (وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً) هذه الآية تتحدث عن المرأة التي تقع في فاحشة الزنا فما هو حدّها؟[/FONT]
*[FONT=&quot]د. مساعد:[/FONT][FONT=&quot] قبل هذا نتكلم عن المناسبة "علاقة هذه الآية بما قبلها "؟[/FONT]
[FONT=&quot]فيه نوع من انقطاع كنا نتكلم عن أموال وحقوق فجأة انتقل إلى أحكام أخرى ،[/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد:[/FONT][FONT=&quot] ألا ترى أنه عندما تحدث عن الحدود جاء إلى هذا الحد؟ قال (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)ثم ذكر حدا متصلا بما جاء في أول الآية عندما ذكر ما للنساء ذكر ما عليهن. [/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد:[/FONT][FONT=&quot] الإصلاح وحسن التخلص، فهذا منه عندما تكلم عن حدود الله من يكع الله ومن يعص الله جاء بمثال آخر صريح في (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ) وأيضًا قضية أخرى أن الآيات السابقة كانت تتحدث عن الإحسان إلى النساء وذكر ما لهن من المواريث ثم بعد ذلك انتقل إلى أمر آخر ليتصل به هذا الباب وباب التغليظ الذي تكلمنا عنه في مسألة الإصلاح وهو جانب من جوانب الإصلافي النساء[/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] لعلنا نؤجل الحديث عن الآيات التي تتحدث عن الحدود ونفصل فيها إن شاء الله ونشير إلى مسألة النسخ التي ورد في هذه الآيات في اللقاء القادم إن شاء الله. أيها الإخوة المشاهدون انتهى وقت هذا اللقاء ولعلنا نلقاكم ونستكمل الحديث أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.[/FONT]
[FONT=&quot]بُثّت الحلقة بتاريخ 8 رمضان 1431 هـ[/FONT]
 
وهذه الحلقة التاسعة بعد تنقيحها من قبل الأخت الفاضلة يسرا السعيد جزاها الله عني خيرا

[FONT=&quot]الحلقة التاسعة[/FONT]
[FONT=&quot]تأملات في سورة النساء الآيات (15-16)[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] بسم الله الرّحمن الرحيم، الحمدلله ربِّ العالمين، والصَّلاةُ والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين[/FONT].[FONT=&quot] مرحباً بِكم أيُّها الإخوة المشاهدون الكِرام في كل مكان في برنامجكم "بيِّنات"، والذِّي يَتواصَلُ الحديثُ فيه حول آياتِ سورةِ النٍّساء من كتابِ الله تعالى ولا زِلنا في هذا المجلس المتجدد نتحادَث ونتدبَّر في هذه الآيات مع المشايخ الفُضَلاء الدُّكتور: محمد بن عبدالعزيز الخِضيري، والدكتور: مساعد بن سليمان الطَّيار، ونحن في هذه الاستراحة الجميلة في مدينة تُنومة والتي أتاحها لنا الوالد الكريم الأستاذ: علي بن عبدالرحمن الشِّهري جزاه الله خيراً[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]كُنّا قد توقّفنا يا مشايخ في المجلس السَّابق عند قول الله تعالى: (واللاَّتي يأتِينَ الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهنّ أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهُنَّ في البيوت حتى يتوفَّاهُنَّ الموت أو يجعل اللهُ لهُنَّ سبيلاً[/FONT]([FONT=&quot] ولعلّنا قبل أن نبدأ في الحديث عن هذه الآيات نستمع إليها مُرَّتلة ثم نواصلُ الحديث عنها[/FONT].. [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]الآيات من سورة النِّساء (15-16)[/FONT]
[FONT=&quot](واللاَّتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهُنَّ في البيوت حتى ‏يتوفَّاهُنَّ الموتُ أو يجعل الله لهُنَّ سبيلا (15) واللَّذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تَابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إنّ الله كان توَّاباً رحيما[/FONT] [FONT=&quot] (16))[/FONT]
[FONT=&quot]وبعد أنِ استمعنا إلى هذهِ الآيات الكَريمة والتي تتحدّث عن حَدِّ الزِّنا والفَاحشة في هذه الآيات الــمدنية، ونحن سبق أن تحدَّثنا في أوّل اللِّقاء في سورة النِّساء، أنَّ سُورة النِّساء سورة مدنية بالإجماع، نَزَلت على النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، والسُّور المدنية من أبرز مميِّزاتها وخَصَائصها أنَّها مشتملة على الحُدود، فمن ضَوابط السُّور المدنية أنّها ورد فيها حدود (حدِّ الزِّنا، حد السَّرقة، حد شُرب الخمر... إلى آخره)[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]هنا يأتي سؤال سبق أن أشرنا إليه لَيتك تُذَّكرنا به دكتور محمد بإيجاز، وهو أنَّا كُنَّا نتحدَّث عن آيات المواريث وحقوق الوَرثة، ثم انتقل الحديث عن حَدِّ الزِّنا هُنا (واللاَّتي يأتينَ الفاحشةَ من نسائكم) ما وجه الارتباط بين هذه الآيات؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] هذه السُّورة سورة النِّساء،تحدَّثت في أوَّل السُّورة عن النِّساء وحقوقهنّ، وعن حفظ مال اليتيمات وعن عدم الزَّواج بهنّ لمن يخشى أن يَظلمهُنّ، ثمّ عَن المواريث التي كان من أعظم أسباب نزول آياتها إعطاء النِّساء حقوقهنّ ثمَّ جاءت هنا لتتحدَّث عن جانب آخر مُتصِّل بالنِّساء وهو أن يأتين بالفاحشة هذا من زاوية وهي زاوية عامَّة وكبيرة[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]الثَّانية: في آخر آيةِ المواريث قال (تِلك حدودُ الله)، فذَكر أنَّه أشار في أوّل السُّورة أو في آيات المواريث إلى حدود حدَّها الله سبحانه وتعالى وشَرَعها لِعباده فلا يَجوز تَعدِّيها، وهذا كثيرٌ في القرآن الكريم يعني منها على سبيل المثال ممّا مرَّ بنا في هذه السُّورة لــــمّا ذَكرَ (وإن خِفتم ألا تُقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طابَ لكُم من النِّساء مثنى وثُلاث ورُباع)، هُنا انتهى إخراج الإنسان من إشكالية أنّه يخشى الجَور إذا تزَّوج باليَتيمة وخَشي ألا يُنصِف معها. ثمّ قال الله عزّ وجل انظر وهذا من التَّخلُّص (فإن خفتم ألا تعدِلوا فواحدةً أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألاَّ تعولوا)[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]ثُــــمَّ قال وهذا من التَّخلُّص (وآتوا النِّساء صَدُقاتِهنّ نِحلة) لــمَّا ذَكَرَ الزَّواج بالنِّساء وما يتصِّل به ذَكَر مُهُورهنّ وهذه طريقة مُطَّرِدَة في القرآن وهو التَّرابط والخُروج من موضوع إلى موضوع بسلاسة، وجَمَال، وعدم حُصول فجوات[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري: [/FONT][FONT=&quot]مع أنَّ الذِّي لا يُدرِك بلاغة القرآن يرى أنَّ هناك انتقالات غريبة، وأنا أذكر أنِّي قرأتُ لبعض المستشرقين أنَّه كان يتكلّم عن القرآن الكريم فيقول إنَّه كلامٌ غير مُترابط لأنّه لا يفهم البلاغة، وإنَّه في حاجةٍ إلى تشكيل لجنة متميِّزة في اللُّغة لإعادة ترتيبه[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] مسكين، والله هذا كمن يبصُق على الشَّمس[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري: [/FONT][FONT=&quot]والله هذا هو، فهو يعني مُنتهي هذا الــمُستشرق تماماً. فإذاً هو بعد أن تحدَّثَ عن حقوق التَّرِكة الآن انتقل بعدها إلى واجب إصلاح النِّساء عندما قال: (واللاَّتي يأتين الفاحشة من نسائكم)، أُذّكِّركُم يا مشايخ بما ذكرناه في أوَّل لِقاء من لِقاءات سورة النِّساء، وهو لماذا سُمِّيت سورة النِّساء بهذا الاسم فكُنَّا ذكرنا قول الدكتور إبراهيم خليفة عندما قال: إنَّه ينتشر في سورة النِّساء مَعنيَان لَصِيقان بالنِّساء وهُما جانبُ الإنصاف وجانبُ الإِصلاح، يعني الآن عندما نُطَبَّق حدِّ الزِّنا على المرأة التي وقعت في هذه الفاحشة فهو من بَابِ استصلاحها وإعادتها إلى المجتمع المسلم وهي طَاهِرة نقيِّة، ولذلك النَّبي صلى الله عليه وسلم عندما سَبَّ بعضُ الصَّحابة امرأة وَقَعت في فاحشة الزِّنا وجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فأقام عليها الحدّ وطَهَّرها، فَلَعَنها بعضُ الصَّحابة عندما وقع شيءٌ من دَمِها على ثوبه وهم يرجمونها فقال عليه الصَّلاة والسَّلام: لقد تابت توبة لو وُزِّعَت على أهل المدينة لَوِسعتهم. ممّا يُشير إلى أنَّ هذا الجانب وهو جانب الاستصلاح، يعني سبحان الله العَظيم فعلاً هذه فكرة جميلة جدّاً وهو أنَّ إقامة الحُدود على من وقع في شيء من هذه الحدود سواء كانت سرقة أو كانت زناً أو قذف، فإنَّه من أجل استصلاح أنَّه في الخاتمة وفي المال هو استصلاح له وتهذيبٌ له، وهو من أجل إصلاح المجتمع نفسه حتى لا يَبقى فيه مثل هذه النُتُوءات والسَّلبيات[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخِضيري: [/FONT][FONT=&quot]وهذا ذَكَّرني بِقصَّة مرَّت بي لــمَّا طَبَّقت إِحدى وِلايات نيجيريا الحُدود بعد أن كان لا يُطَّبق فيها الحدود منذُ زمن بعيد، منذ زمن فُودِي وغيرهم، فالــمُهم أنّ هذا الرّجل طُبِّق عليه حَدّ السَّرقة وهو كما يُقال حَرامي محترف، قديم والنّاس يخافونه ويهابُونه، فَلمَّا حُكِّمت الشَّريعة في تلك الولاية، واسمها ولاية "زَانفرا" أُخِذَ هذا الرَّجُل فَقُطِعت يده، فجاءت مُنَظَّمَات حقوق الإنسان إلى هذا الرَّجل تريد منه أن يَرفع دعوى قضائية ضد هذه الولاية التي طبّقت الشَّريعة من أجل أنَّها تتكئ على دعواه في الانتصار لإبطال الشَّريعة. فالرّجل قال: والله ما فرحت بشيء في دُنيايّ مثل ما فرحت بأن يدي قُطعت لأنِّي شَعُرت أنَّ الذَّنب الذِّي كُنت أقترفه قد طهّرني الله عزّ وجل منه، انظر كيف يشعر بأنّه صلاحٌ له، يقولون وصَلُح هذا الرَّجل يعني ترك ما كان عليه من الفَسَاد بسبب تطبيق هذا الحد، وارتدع بِصَلاحه فئامٌ كثير، فصارت هذه الولاية من آمن الوِلايات، حتى إنَّك كُنت في السَّابق لا تأمن على الجوال في جيبك، الآن تضع الجوّال يمكن في الشَّارع ما يمَسَّه أحد من الأمن! يا أخي من يُحصِّل مثل هذا؟![/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] وهذا من برَكة تطبيق الحُدود، لأنَّ أحياناً بعض أفراد المجتمع المسلم لا يُدرِك هذه الأبعاد لِتطبيق الحدود وينظر إليها نظرة سطحية وسَاذِجة، وينظر إلى مثل الجَلد، أو قطع الأيدي، أو الرَّجم على أنَّه وحشية وقسوة، ولذلك تجد أنّ في الحدود التي ذكرها الله فقال (تلك حُدود الله) ولاحظوا حتى أنَّه لــمَّا أضافها إليه فهي إضافة فيها إشعار بالعدل والحِكمة والرأفة والرَّحمة حتى أنّه قال في سورة النُّور تذكرون في حدِّ الزَّاني عندما قال (ولا تأخذُكُم بهما رأفَةٌ في دين الله إن كنتم تؤمنون باللَّه واليومِ الآخر). ممّا يُشِير إلى أنّ الحُدود مع أنّهاَ قد ينظر إليها من ينظُر إليها على أنّها حدود قاسية، أنّها من الرأفة ومن الرَّحمة بالمجتمع[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] وهذا نظر إلى الــمآلات[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] بالضَّــبط[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخِضيري:[/FONT][FONT=&quot] الآية طبعاً يقول الله عزّ وجل فيها (واللاَّتي يأتِينَ الفاحشةَ من نسائكم فاستشهدوا عَلِيهنّ أربعة منكم فإن شَهِدوا فأمسكوهُنَّ في البيوت حتى يتوفَّاهُنَّ الموت أو يجعل اللهُ لهُنَّ سبيلاً). قال فاستشهدوا :أيّ اطلبوا شهداء عليهنّ أربعةً مِنكم يعني من المؤمنين، فإن شَهِدوا أيّ هؤلاء الأربعة وصَرَّحوا بالشَّهادة وتأَكّد وقوع ذلك الأمر، فإنَّ حَدَّهُنَّ كما ورد في هذه الآية ( أمسِكوهُنَّ في البُيوت) يعني احبسوهن عندكم في بيوتكم، (حتى يتوفَّاهُنَّ الموت) يعني حتى يموتوا، أو (يجعل الله لَهُنّ سبيلاً) يعني يأتيَ بِحُكمٍ آخر غير هذا الحُكم الذِّي أنزله في هذه الآية[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]فالآية اشتملت على أمرين: أَمسِكوهُنَّ في البُيوت حتى يتوفّاهُنّ الموت أو يأتِيَ سبيلٌ من عِند الله عزَّ وجل يكون لهنّ وهو مخرجٌ من هذا الحُكم الذي فيه حبسهُنَّ حتى يَـــــمُتنَ، فالحاصل أنَّ الحدَّ الآخر الذي استقلّ عليه الأمر قد طُبِّق أمّا هذا الحد فلا نعرف عنه[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطَيَّار:[/FONT][FONT=&quot] لا أذكر أنَّ أحداً ذَكَر مثالاً تطبيقيّاً له أنّه وَقع وطُبِّق[/FONT]. [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] طبعاً كُنَّا قد تحدَّثنا في حديث سابق عن وقت نزول سورة النِّساء وأنّها كانت في السَنَّة السَّادسة تقريبا من الهجرة، والحديث الآن في هذه الآيات في سورة النِّساء يقول أنّ التي تأتي الفاحشة فإنّه يجب أن يُستَشهد على وُقوعها بأربعة شهداء، فإذا شهدوا فإنَّ العقاب أن تكون تُحبس في البيت أو يجعل الله لهُنَّ سبيلاً،ثمّ جاءت الآيات التي تنسخ هذه الآية[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخِضيري:[/FONT][FONT=&quot] النَّسخ طبعاً يُطلق على النَّقل، ويُطلق على معنىً آخر وهو الإزالة، النَّاسخ مثلاً تقول نسَخ فلانٌ الكِتاب أي بمعنى نَقله، ويأتي النَّسخ بمعنى الإزالة نسخ الشيء أي أزاله، وهذا هو المعنى المُراد في القرآن والسُنّة. (ما ننسخ من آيةٍ أو نُنسِها ) يُقصد به الإزالة والرَّفع، والمقصود به طبعًا في عُرف الشَّارع رَفــــعُ حُكم خِطابِ بخطابٍ آخر، يعني أن تنزل آية مثل هذه الآيات ثم ينزل بعدها ما يَرفع حُكمها، أو يأتي من الله عزَّ وجل رفعٌ لها بالكُليِّة إمَّا حُكماً وإمَّا تلاوةً[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري: [/FONT][FONT=&quot]يعني مثلاً عندنا في الآيات هنا الحُكم الذي قـَرّره الله هنا هو أنَّ المرأة إذا وقعت في الزِّنا وتمَّ الاستشهاد عليها أربعة شهود شَهِدُوا أنّها وقعت في الزِّنا تُحبَس في البيت حتى يتوفَّاهُا الله أو يجعل الله لهُا سبيلاً، لكنّه غير مُحدِّد هذا السَّبيل، يعني أنت الآن لو أردت أن تُطَّبق هذه الآية ماذا تُطَّبق؟ ستُطبِّق طبعاً أنّك تحبسها في البيت، ما تُطبِّق أنَّك تجعل لها سبيلاً، فَبَقي هذا الحكم حتى نزلَ حُكمٌ آخر في سُورَة النُّور في قوله سبحانه وتعالى (سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا ءاياتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(1) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ(2))[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]إذاً انتقل لم يَعُد الآن سجن حتى الموت وإنَّما فيه جَلد مائة جلدة، أليس هذا هو الحكم النّاسخ؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخِضيري:[/FONT][FONT=&quot] يمكن أن يكون هذا ناسخاً في جزء منه، ولكن جاء في حديث عُبادة بن الصَّامت الذي في الصَّحيح وهو: خُذوا عنِّي، خُذوا عنِّي قد جعل الله لهنّ سبيلاً- وهو تفسيرٌ للآية- البِّكر بالبِّكر جلدُ مائة وتغريب عام، والثِّيب بالثِّيب جلد مائة والرَّجم". فَذُكِرَ فيه أيضاً الجَلد والرَّجم، والجلد طبعاً مُطابق للآية لأنَّ الآية ذُكِر فيها الجَلد فقط[/FONT].[FONT=&quot] (الزّانية والزّانية فاجلدوا كلَّ واحِدٍ منهما مائة جلدة) ولم يُذكَر فيها الرَّجم[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] هل يا تُرى حديث عُبادة بن الصّامت كانت قبل آية النُّور يا تُرى أم بعدها؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] الذي يظهر أنَّه بعدها لماذا؟، لأنَّه ذّكَر الجَلد في حقِّ البِّكر وفي حقَّ الثَّيب، ثمّ ذَكَر العُلماء أنَّ الجَلد قد رُفع أيضاً عن الثَّيب ولم يَبقى في حقِّه إلا الرَّجم لأنَّ الرَّجم يستوعب[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيَّار:[/FONT][FONT=&quot] إذا قلنا إنَّ قوله سبحانه وتعالى (أو يـجعل الله لهُنَّ سبيلاً) فلا يكون من بَاب النَّسخ، فالسَّبيل بيَّنه في سورة النُّور وبيّنته الأحاديث وذكره أبو عبدالله قبل قليل، هنا ينتفي النَّسخ[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] لماذا ينتفي يا شيخ، لأنّه رُفع الآن الحبس؟[/FONT]
[FONT=&quot]د.الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] لا، هو يقول لك أصلاً الآية لــمّا نزلت فتحت بابًا آخر، فما يقول أنّها نُسخت، هي أصلا كانت هيّأت لباب جديد[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] لكن حُكمها ذَهَب[/FONT]![FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] لا لم يذهب.جعل الله لهنّ سبيلا. يعني مَا قَال حُكمهُنَّ أن يُحبَسن حتى يَــــمُتنَ وانتهى فقال: أو يجعلَ الله لهنَّ سبيلا. هذا ما حكم الآية أيضاً، لكن ما بيَّن هذا السَّبيل، يذكر العلماء هذه الآية ليست من باب النَّسخ[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] والله، ما أدري الحقيقة أرى أنّها واضح فيها حكم النَّسخ، يعني خُذها بكلِّ بساطة[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]الحكم الأوّل : أنَّهم يُحبَسون حتى الموت[/FONT]
[FONT=&quot]الحُكم الثّاني: أنَّه يُجلد أو يُرجَم[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]فلم يَعُد يُحبس لأنَّ هذا ليس شَرطاً في النَّسخ أيضاً، أن يكون في المنسوخ إشارة إلى أنَّه سيُرفع[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخِضيري:[/FONT][FONT=&quot] بلى، هو الآن لـــمَّا نقول رفع حكم خطاب متقدِّم بخطاب متأخِّر. الآن هذه الآية ما رُفعت، لأنّك ممكن تقول: (أو يجعل الله لهُنَّ سبيلاً) والسَّبيل رجم المحصن وجلد البِّكر[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] لكنّه كان متراخيًا[/FONT]![FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيَّار:[/FONT][FONT=&quot] لا، الذِّي ذَكَره أبُو عبدالله شيخ عبدالرّحمن، أنَّ قوله سبحانه وتعالى (فأمسِّكوهُنَّ في البُيوت) هذا المقدار رُفع، وهذا واضح أنَّه رُفِع، ورُفِع بالبَّديل بقوله (أو يجعل الله لهُنَّ سبيلاً)[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] ولكن هُوَ ما رُفِعَ بها،ولكنَّه رُفِعَ بالسَّبيل الذي جاء فيما بعد[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطَيَّار:[/FONT][FONT=&quot] إيِّ نعم بالسَّبيل الذي جاء فيما بعد[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot]يعني لو كان جاء مُتَّصِلاً به في الآية التي بعدها مباشرة، ولكنَّه جاء في سورة متأخِّرة، و متى جاءت سورة النّور ، في السَّنة التَّاسعة تقريباً[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيَّار:[/FONT][FONT=&quot] هذا مِنَ الآيات التِّي تحتاج إلى النَّظر إلى التَّاريخ لــــمَّا تَكَلَّمنا عن قضية ترتيب النُّزول وغيره، أنّه الآن هذه الآية قطعاً ويُجزم به أنّها نزلت قبل سورة النُّور، أنَّ هذه الآية نزلت قبل قوله (الزَّانية والزّاني) هذا بلا ريب.لأنّ واضح أنَّه سبحانه وتعالى قال (أو يجعلَ الله لهُنَّ سبيلاً) وكان السَّبيل مثل ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] مَعناه هذا أنَّ الرَّجم لــــم يَـــرِد في القرآن[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخِضيري:[/FONT][FONT=&quot]لــــم يَرِد فيما بين يَدَينا وإلا هُو قد نَزَل على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال عمر[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] يعني معناه أنَّ الرَّجم قد ثبت في القرآن، ولكنّه أيضاً نُسِخ لفظه وبَقي معناه، وهنا نشير إلى أنّ النّسخ في القرآن الكريم إلى أنَّه من حيث الرَّفع ومن حيث الثُّبوت ثلاث أنواع[/FONT]:[FONT=&quot][/FONT]
* [FONT=&quot]ما نُسِخ حُكمُه وتـِلاوَتُه.يعني كان هُناكَ آية قرآنية فيها حُكُم فرُفِعت الآية ورُفِعَ الحُكُم والخبر. فالخبر يدخُله النَّسخ إذا كان محتملاً على الأمر[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] لا لا ،إذا كان خبر مطلقاً[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] عجيب! مثل ماذا يا دكتور كيف يدخل عليه النَّسخ؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخِضيري:[/FONT][FONT=&quot] إذا كان الخبر المطلق يَدُخُله النَّسخ فقد احتمل التَّكذيب[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] لا، هُنا ليس النَّسخ بمعنى إبدال، بل نسخ أي رفعٌ بالكليِّة أي يُنسى[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] يعني تـَقُول نسخ الحكم والتلاوة ونسخ التلاوة وبقاء الحُكم، ونسخ الحكم وبقاء التلاوة، باعتبارات ماذا هذا؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيَّار:[/FONT][FONT=&quot] جميل، النَّسخ الأوّل الآن هذا الذي فيه رفع الآية لفظاً ومعنى، دعنا من لفظ حكم حتى لا تُقِّيدنا بالأحكام العملية، هل وقع أم لم يقع؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] وقع[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيَّار:[/FONT][FONT=&quot] خلاص يدخل[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري :[/FONT][FONT=&quot] طيب هل هناك مثال؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيَّار:[/FONT][FONT=&quot] ما أصبح عندنا لفظاً ومعنى، أصبح مجهولًا[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] مثال رفع اللّفظ والمعنى: حديث أبُيّ كانت سورة الأحزاب مثل سورة البقرة، ويأتي رفع المعنى وبقاء اللفظ مثل آية المناجاة ومجموعة من الأخبار والأحكام. ويأتي رفع الحكم وبقاء اللَّفظ مثل هذه الآية (فأمسكوهنّ في البيوت)[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] فأمسكوهُنَّ في البيوت الآن اللَّفظ موجود ولكن الحكم مرفوع، لم يَعُد أحد إن وقعت موليِّته في الزِّنا فإنه يحبسها وإنّما هناك تطبيق للحد وهو الجَلَد أو الرَّجم[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] لاحظ قول الله عزّ وجل: (إنَّ الله يأمــُر بالعَدل والإِحسان وإيتاء ذي القُربي وينهى عن الفَحشَاءِ والـــمُنكر والبَّغي)، فَذكَر الفحشاء والمنكر والبغي، قال العُلماء إنّ الفحشاء ما عُرِف قُبحُه حتى بالعقل مثل [/FONT]–[FONT=&quot] أكرمكم الله [/FONT]–[FONT=&quot] إتيان الرَّجل للرَّجل، ولذلك يُسَّميه الله عزَّ وجل في القرآن في كل الموارد يسميّه " الفاحشة" بالألف واللام لاستبشاعه وشدة نكارته، المنكر ما يُعرف نُكرانه بالشّرع يعني الغَالب أنَّ النُّكر فيه يكون من جهة الشَّرع، قد لا يهتدي العقل إلى أنّه منكر، مثل كَون الإنسان يُفطر في نهار رمضان، هذا لا يمكن أن يهتدي العاقل إلى أنّه منكر إلا بدلالة الشَّرع نفسه. أمَّا مثلاً إتيان الرَّجل لإمرأة لم يعقد عليها، أو إتيان الرَّجل لرجل مثله، أو السَّرقة فهذه تُسمَّى فواحش ومثلها كما سيأتينا بعد قليل ولعلّنا ننّبِه عليها أيضاً مرة أخرى في الحلقة القادمة إذا يسَّر الله (ولا تنكحوا ما نكح آباءكم من النِّساء إلا ما قد سلف إنَّه كان فاحشةً) ، سمّى الله منكوحة الأب يعني نكاح زوجة الأب فاحشة لأنّها مستبشعة، ولذلك قال بعده ( ومقتاً) يُورث المقت والبغضاء لأنَّ العادة أنّ الزّوج الذي يلي على المرأة يُبغِض الأوَّل لأنَّ المرأة تجلس دائما تذكره وتُقارن فلان ما كان يقَّصر عليّ، فلان كان يصنع لي كذا. فإذا كان ابن الأوّل سبباً لورود البغضاء بينهما فالحاصل لــمّا قال (واللاَّتي يأتين الفاحشة) يعني أنَّ هذا الأمر المنكر الذي يُهتدى إلى نُكرانه بالعقول لو لم تَرِد به الشّرائع، فكيف وقد وردت به الشَّرائع[/FONT].[FONT=&quot]؟![/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] ألا تُلاحظون معي في التعبير بقوله (يأتين) وقوله (واللَّذان يأتيانها) إشارة إلى أنَّ هذه الفاحشة قد اُرتكبت بنوع من الإصرار وكأنَّه هو قد أتى إلى هذه الفاحشة وأنَّ هذه النَّفس قد ألِفت هذه الفاحشة مما تستوجب الكفّ والمعاقبة وإقامة الحد. أليس كذلك؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] يقولون الشَّر الدُّخول فيه لجاجة يعني يلِّج الإنسان فيه بِقوّة، بِخلاف الخير، الخير موافق للفِطرة وموافق للهَدي العام وأيضاً لفطرة الله وصِبغته في كلّ شيء، ولذلك انسجام الإنسان في عِفَّته يُعتبَر هَدياً قاصداً، أمَّا إذا أراد أن يَخرج تجده يحمل نفسه حملاً حتى يدخل في هذا الوادي المظلم من أودية المنكر والمعصية نسأل الله العافية والسَّلامة. لذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من يضمن لي ما بين لحييه وما بين فَخِذيه أضمن له الجَنّة"، فالإنسان يستطيع أن يحفظ ولكنَّه إذا أراد أن يَذهب إلى أرض المنكر نسأل الله العافية، ويُدخل نفسه في هذا البلاء فإنّه يَلِّجُّ فيها لجَجّاً[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري :[/FONT][FONT=&quot] وهذه الحقيقة دلالة كلمة (يَأتين) وكلمة (يَأتيانها) فيها هذه الإشارة والله أعلم، يعني أنّهم يقصدون إلى هذه الفواحش قصداً مما يستلزم من المجتمع أن يقف لهؤلاء بالمرصاد وأن يُقيم الحدّ، كما قال الله (ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر)، كثيرٌ من النَّاس فِعلاً تُدرِكه الشَّفقة عند إقامة مثل حدِّ الرَّجم خاصَّة تُدركه الشَّفقة وربَّــــما يَعطِف على هذه المرأة وعلى هذا الرَّجل فالله سبحانه وتعالى قد حذّر من هذا ونهى عنه في هذا الموطن وأنَّه لا ينبغي للمؤمن أن تَأخذه رأفة بمن وقع في مثل هذه الفواحش[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيَّار:[/FONT][FONT=&quot] العَجيب في قضِّية أيضاً لها دِلالة، الله سبحانه وتعالى شدَّد وغَلَّظ في قضية الشَّهادة هنا في قوله (فاستشهدوا عليهنَّ أربعةً منكم فإن شَهدوا) يعني وقعت شهادته متوافقة أو متطابقة وقع الحكم ولهذا في الإسلام لــمَّا شهِدَ ثلاثة على أبي بكرة جُلِد، فَنقُول من باب التَّنبيه إنَّ هذا الحُكم يَدل على أنَّ الإسلام يَحرص على السِّتر، وأنَّ من أذنب فاستتر بذنبه واستغفر الله منه فإنَّ الله يغفر له، لكن إذا وصل الُحكم إلى الَحاكم اختلف الأمر كما حصل في عهد النَّبي صلى الله عليه وسلم. وأيضاً هذا كونه أربعة من الشهداء يجعل الإنسان لو شَهِد منفرداً أو شهد اثنان أو شهد ثلاثة يعني لم يَتِمَّ أربعة فإنَّهم أولى النَّاس بأن يستروا، لأنّهم إن لــم يفعلوا صاروا قَذَفة يُقام عليهم حد القذف ولا مخرج. ولهذا صارت هذه الشَّهادة شَهادة مُغَلَّظة، يعني متى تأتي بأربعة فيَشهدون هذه الشَّهادة التَّامة التي لا يختلف بعضها عن بعض، ولهذا نقول إنَّ مما يجب أن يُنتَبَه لهُ هذا الأمر، في أنَّ من -لا سمح الله- وقع على أمر من هذا فإنَّ عليه أن يَسكُت ولا يتكلّم به، وأن يَكِلَ أمرهم إلى الله سبحانه وتعالى[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] الحقيقة أنّ هذا غَاية الاحتياط والله للأعراض، لأنّه متى يَتيّسر أربعة شُهود يَشهدُون على مثل هذه الواقعة إلا في حالة إذا كانت هذه المرأة أو هذا الرَّجل الذي يُمارس هذه الجريمة رجل قد استهتر بالدِّين وبِالعِرض وأصبح يعني ولغ في هذه الجريمة ممَّا ربَّما يَدفع النّاس لمتابعته ومراقبته والشّهادة عليه، أليس كذلك؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخِضيري:[/FONT][FONT=&quot] نعم، والعجيب أنَّ الحكم يا أبا عبدالله، كما ذكرنا قبل قليل انتهى وهو قوله (فأمسكوهُنَّ في البيوت)، لكن استشهاد أربعةلم ينتهِ، بَقي، وهذا تَابع لِقَول الله عزَّ وجل فيما سبق من السُّورة (وليَقُولوا قولاً سديداً)[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]القول السَّديد يعني الموافق للصَّواب، ونحنُ هُنا نُوَّجه الحقيقة رسالة لإخواننا ولأنفسنا في أن يـَتثَّبتوا فيما يَنقلون ويقولون على أنفسهم أو على النَّاس لِيحرصوا على ألاَّ يتَكلَّموا بكلمة إلا وهم يعلمون أنَّهم ينقلونها عن ثِقّة وعَن وقوع، وأيضاً ليست كل كلمة تُقال حتى لو وقعت ما يقول الإنسان أيَّ كلام لأنّ الله تعالى قال في هذه السُّورة أيضاً (إذا جاءهم أمرٌ من الأمنِ أو الخوف أذاعوا به) على سَبيل الذّم، (ولو رَدُّوه إلى الرّسول وإلى أولي الأمر منهم لَعَلِمه الذِّين يستنبطونه منهم) يعني لا تُسَارِعوا في إذاعة أمر ولو كان حقًّا حتى تعلموا أنّ في إذاعته مصلحةً عامّة ويتحقّق به خير لكم وللمسلمين[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] الحكمة من إمساك الزَّانية في البيت واضح جِدّاً هو أن يكون هناك استصلاح لها في البعد عن الرِّجال، وتعويدها على العَّفة التي فقدتها[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخِضيري:[/FONT][FONT=&quot] وأمرٌ ثالث هو أنَّ هذه الــمرأة لو خَرجت إلى النّاس بعد فعلها الفاحشة لأصبح النَّاس يُشيرون إليها، فَدَعِ النّاس ينسون ذكر هذا الأمر تماماً[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] وهو نفس المعنى الذِّي وُجِد في التغريب[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخِضيري:[/FONT][FONT=&quot] في التغريب تمام، فيكون أيضاً معنىً مهمَّاً وهو إنساء المجتمع هذه الفاحشة لأنَّ كثرة ترددُّها على الألسنة قد تُهَيِّأ نفوساً أخرى إلى الوقوع فيها[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيَّار:[/FONT][FONT=&quot] وهُناك ملحظ دقيق جدّاً وخفي، وكأنَّه يُشَار إلى أنَّ سبب الوقوع في الزِّنا هو الخروج، فقُوبِل الخروج بالإمساك يبدو لي، ولهذا أنبِّه على هذا في أنّ خروج المرأة سبب من أسباب الوُقوع في الزِّنا، ولكن ليس معنى هذا أنّ كل امرأة تخرج فلا يُفهم من كلامي أنّ كل امرأة تخرج ،لا ولكن نقول أنّ هذا لا شك أنّه ييسِّر هذا السَّبيل[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخِضيري:[/FONT][FONT=&quot] لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : قد أَذِن الله لكُنَّ أن تخرجُنَّ لِحاجِتِكُّنَّ. انظر قد أذِنَ للدَّلالة على أنّ الأصل أنّ المرأة تَقَرّ في بيتها لقول الله تعالى ( وقَرنَ في بيوتكنَّ ولا تبَرجنَ تَبرُّجَّ الجاهليّة الأولى)[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] هذا والله دِلالات جميلة جدّاً في الآية، هذا الآن قوله سبحانه وتعالى في النِّساء، ثمّ قال: (واللَّذان يأتيانها منكم فآذوهما) هناك معنى موجود في هذه الآيات وموجود في آيات سُورة النُّور، أنَّ الله سبحانه وتعالى قدَّم المرأة على الرَّجل في مسألة الفاحشة فقال في سورة النّور ( الزَّانية والزَّاني فاجلدوا كل واحد منهما) وهنا قال ( واللاَّتي يأتين الفاحشة) في حين أنَّه في حدود أخرى قدَّم الرَّجل فقال( والسَّارق والسَّارقة) فما هي الحكمة برأيك يا دكتور محمّد؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] طبعاً الحِكمة ذكرها كثير من أهل العلم، وهي أنَّ الزِّنا من المرأة أقبح وأشدّ نُكراً وتَوابِعه عليها أكثر، الرَّجل- أكرمكم الله- يزني ثُمَّ يذهب خَفيفاً، أمَّا المرأة إذا تزني قد تحمل ويَبقى الولد عارٌ عليها وعلى أسرتها، ثمَّ أيضاً دَلالة أخرى وهي أنَّ المرأة في الغَالب في موضوع الزِّنا هي التي تكون هيَّأت للرَّجل أسبابه، في العادّة أنَّ الرَّجل لا يكاد تطمَح عَينه إلى امرأة قد استترت عنه،وإنَّما تطمح عينه ويتهيّج للقيام بهذه الفَعلة بالمرأة التي ألانت في القول، وخضعت به، أو تبذَّلت في لِباسها أو كما ذَكر دكتور مساعد قبل قليل أكثرت في الخروج والوُلوج فرآها النّاس فبدأوا يُراودونها. وهذا نراه حتى من أصحاب المنكرات يقولون المرأة المستترة لا نُفكِّر أنّنا نعاكسها أو أننّا نحاول أن نتحرّش بها، أمّا تلك المرأة التي قد أبدت مفاتنها لا شك أنّها تكون محل ريبة[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] جميل ،هذا معنىً بديع[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] في قوله ( واللذَّان يأتِيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما) من العلماء من حمل هذه الآية على اللُّوطييِّن، لأنَّ هذه الآية الوحيدة التي جاءت في ذكر حَدِّ اللِّواط، وإنَ كَان سائرَ الــمُفَّسرين أو أكثرهم حملوها على الزانيِّين بين الرَّجل والمرأة، وكان هذا في أوَّل الإسلام قبل أن يُبيِّن الحُكم[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] حقيقة الآية محتملة لهذا وهذا،ولعلّها تُحمل عليهما ما المانع من حملها على المعنييِّن؟. في قوله تعالى ( فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما) الحقيقة فيها فائدة تربوية مهمّة جِدّاً في عدم تذكير الــمُذنب بذنبه إذا تاب وأنَّ مجرَّد تعييره وتذكيره بالذّنب تهييج له على العودة عليه من باب العِناد والــمُراغَمة[/FONT] .[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] صحيح هذا أوَّلاً، والثَّاني تَعييِّره بهذا الذّنب قد يُهيِّأ آخر للوُقوع فيه لأنَّه يَشعر فلان وفلان كلهم قد وقع منهم، طيِّب أنا واحد أيضاً من هؤلاء، أمَّا إذا تعفَّف النَّاس عن ذِكر ذلك حتى على وجه التَّثريب والعَيب والتَّعيير فإنّ النّاس لا يكادون يسمعون هذا الأمر، ويشعرون أنّه لا يمكن أن يقع[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] ولذلك لاحِظ حتى لــمَّا جاء الحكم النّاسخ وهو الجَلد والتَّغريب للزَّاني البِّكر، الحقيقة أنَّ التغريب يَكُّف ألسنة حتى النَّاس عن ذِكر هذا الرّجل لأنَّه إذا غاب عن العيون فإنَّه يغيب بأخباره وبماضيه فينساه النّاس، في حين أنّه إذا بقي في المجتمع ويَرونه يَغدو ويروح، أو يرون المرأة تغدو وتَروح فإنّهم يجعلهم يَستعيدون تلك القصَّة انظر كيف حرص الإسلام على تنقية المجتمع وتطهيره حتى من هذه الألفاظ قال ( فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما[/FONT]).[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] وهذا يدل على أنَّ هذا الأمر يــُمكن إدراكه، لما قال ( فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما) فالتَّوبة والإصلاح أمرٌ يمكن إدراكه[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] ألا تُلاحِظون يا إخواني الآن، الله سبحانه وتعالى وهو التَّواب الرّحيم حتى في ختامه الآية ( فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إنَّ الله كان توَّاباً رحيماً) ثمّ ذكر التَّوبة بعدها، كيف أنَّ المجتمع أحياناً لا يَغفر أليس كذلك، يعني يرى المرأة الزّانية في المجتمع لا تعود في نظر المجتمع كما كانت من قبل، ولكن قد تكون بعد التوبة خيٌر من قبلها لذلك هذه الآية فيها عدّة فوائد منها:الفائدة الأولى ينبغي على المسلم أن يتَحَرَّز غاية التَّحرُّز من الوقوع في هذه الشُّبهات وينبغي على المسلمة أن تُغلِق كلَّ بابٍ قد يُفضِي إلى هذه الفِتنة، والأمر الآخر:أنَّ على المجتمع المسلم أيضاً أن يتقبَّل التائبين وأنَّ هذا جُزء من مسئوليات المجتمع المسلم أنَّه يتقبّل التَّائبين ويكون عوناً لهم على التَّوبة، ولذلك لاحظوا عندما كان يُؤتى بأحد الصّحابة ويُجلد على شُربه لِلخَمر فبعضُهم يَذُّمَّه، فيقول النَّبي صلى الله عليه وسلّم: لا تكونوا عوناً للشيطان على أخيكم.وأنَّه ينبغي على المجتمع المسلم فعلاً أن يتقبَّل التَّائب وأن يُعرض، انظر ما اجمل قوله إلى قوله: فأعرضوا عنهما. يعني كأنّك تغاضَّى عن الموضوع تناسى الموضوع لأنّ نفسك تدفعك للحديث[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] ورد في السُّنّة يا أبا عبدالله ما يُؤيِّد ما ذكرت في قوله: إذا زنت أمَةُ أحدكم فليجلدها الحدَّ ولا يُثّرِّب، فإن عادت فليجلدها الحدّ ولا يُثَّرِّب، فإن عادت فليجلدها الحَدَّ ولا يُثَّرِّب، فإن عادت في الرَّابعة فليبعها ولو بحبلٍ من شعر.أي َّ أنَّ هذه لا تصلح ، الشّاهد في قوله: ولا يُثّرِّب فلا يُعيِّرها لأنَّ التعيير مثل ما ذكرت دكتور عبدالرّحمن قبل قليل يُهيِّأ النَّفس على العودة للمعصية يتذَّكَّرها وأيضا يُهيَّأ الآخرين على الوقوع فيها. نسأل الله العافية والسَّلامة[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] هل يمكن يا إخواني أن يقول مثل هذا الكلام بشر؟ لا يمكن والله أن يقول مثل هذا الكلام بشر يعلم النُّفوس. ولذلك من الأشياء الجميلة التي تجدها في بعض كتب البَّلاغيين قضِّية دراسة أسرار البلاغة في مثل هذه الآيات، وأنَّك تستشِّف من وراء هذه الآيات إلهاً يعلم السِّرَّ وأخفى، وليس بَشراً يُشَّرع لِبشر ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم ما كان ليقول مثل هذا الكلام أبداً وما ينبغي له أليس كذلك، هناك قال (وما ينبغي لهم وما يستطيعون). هذا شيء فوق طاقة المخلوقات أن يقولوا مثل هذا الكلام الذِّي يتحدَّث عن خائنة الأعين والنُّفوس لا يمكن هذا[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot]في قوله (فإن تابا وأصلحا) نرغب بمعرفة الفرق بينهما، لأنه قد يظن بعض الناس أنّ هاتين الكلمتين قد يدُّلان على معنى واحد، حقيقة اجتماعهما يدل على افتراقهما فما هو الفرق؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] واضح أنَّ التَّوبة تعود إلى النّفس، والإصلاح يعود إلى السُّلوك، لأنَّ توبته في القلب، والصَّلاح في العمل[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] بمعنى النَّدم على ما مضى، والصَّلاح صلاح في العمل لا نراه في الأماكن الــمُريبة التي كان يعتادها ونراه قد بدأ يعتاد المساجد، ويجلس مجالس الرِّجال الصّالحين فهذا يُعتبر صلاحاً في حقّه[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] جميل، لعلَّنا إن شاء الله في اللِّقاء القَادم، لأنَّ الوقت الآن انتهى معنا، لأنَّه جاء بعد هذه الآيات التي وردت فيها ذكر الفاحشة والحدّ، حديثاً رائعاً جِدّاً عن التَّوبة، عن معنى التوبة، وعن شُروط التَّوبة و كيف تكون،وعلى من تكون التوبة، لعلَّنا نبتدأ المجلس القادم بإذن الله تعالى بالحديث عن التوبة، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتوب علينا وعلى إخواننا المشاهدين، وأن يجمعنا وإيَّاهم جميعا على خير ولعلنا نكتفي بهذا في هذا اللِّقاء، ونلقاكم أيها الإخوة المشاهدون بإذن الله تعالى في اللّقاء القادم من سورة النِّساء وأنتم على خير، حتى ذلك الحين[/FONT].[FONT=&quot] نستودعكم الله، والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]بُثّت الحلقة بتاريخ 9 رمضان 1431 هـ[/FONT]
 
والحلقة العاشرة من تنقيح أختي الكريمة يسرا بارك الله فيها

[FONT=&quot]الحلقة العاشرة[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] بسم الله الرّحمن الرَّحيم، الحمدلله ربِّ العالمين وصّلى الله وسلّم وبارك على سيِّدنا ونبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وقفنا في اللقاء الماضي مع المشايخ الفُضلاء الدكتور مساعد الطيّار والدّكتور محمد الخضيري حول الحديث عن التَّوبة بعد أن تحدّثنا في الآيات التي تتحدّث عن حَدِّ الزِّنا ومَا ورد فيه في سورة النّساء وكذلك الآيات في سورة النّور في نفس حدِّ الزنا، وتوقّفنا عند الحديث عن التَّوبة وما ورد فيها في هذه السُّورة العظيمة في قوله تعالى ( فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما) والآيات التي بعدها، لعلَّنا نتحدّث عن هذه الآيات في هذا المجلس بإذن الله تعالى في هذا الجوِّ الصيفي الجميل المفتوح، ولكن دعُونا نستمع للآيات قبل أن ندخل في الحديث عنها ثمّ نعود إليكم فنتحدّث عن هذه الآيات بإذن الله تعالى . [/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]الآيات من سورة النِّساء ( 17- 19) :[/FONT]
[FONT=&quot](إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)).[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]بعد أن استمعنا إلى هذه الآيات الكريـمة أيّها الإخوة، ننقل الحديث إلى المشايخ الفُضلاء هنا في هذا المجلس، الله سبحانه وتعالى يا مَشايخ يقول في الآية الثَّانية من الآيات التي وردت في الحدّ هنا ([/FONT][FONT=&quot]وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا[/FONT][FONT=&quot](16)) وأشَار في هذه الآية إلى التَّوبة مرَّتين في قوله ([/FONT][FONT=&quot]فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا[/FONT][FONT=&quot]) ثمّ قال ([/FONT][FONT=&quot]إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا[/FONT][FONT=&quot])، ثمَّ جاءت الآيات التي بعدها ([/FONT][FONT=&quot]إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ[/FONT][FONT=&quot])، كُنَّا تحدَّثنا في الآيات السَّابقة أيُّها الإخوة عن حرص الإسلام على السَّتر وعلى حِفظ المجتمع المسلم، و أيضاً على عَدم شُيُوع خَبر الفاحشة والفَحشاء وحديث الفاحشة والفحشاء في المجتمع في عِدَّة جوانب منها: عندما قال فَأمسكوهُنَّ في البيوت، من حِكم إمساكها في المنزل هو كَفُّ ألسنة النَّاس عن الخوض في هذه الفَاحشة، أيضاً هذا من حِكم التغريب الذِّي يكون حدَّاً على الزَّاني البِّكر وعلى الزَّانية البِّكر أيضا، فإنَّ التَّغريب مِن فَوائده ومن حِكمَه كفُّ ألسنة المجتمع عن الحديث والخَوض في هذه الفاحشة.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] ومن ذلك أيضاً طَلب شهود أربعة من النَّاس[/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] [/FONT] [FONT=&quot]نعم، ثمّ يأتي الحديث عن التَّوبة يعني ما أجمل الحديث عن التَّوبة الذِّي جاء في هذه الآيات بعد هذا الحدَّ، فلعلّك يا دكتور محمّد تُشير إلى شيء من هذا. [/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]في الآيات الماضية قال الله عزَّ وجل ([/FONT][FONT=&quot]فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا[/FONT][FONT=&quot])، انتهت الجَلسة الماضية وكُنّا نريد أن نذكُر معنىً جميلاً في قول الله عزَّ وجل:( [/FONT][FONT=&quot]تَوَّابًا رَّحِيمًا[/FONT][FONT=&quot])، وهو أنَّه لـــم يذكر الرَّحمة إلاّ بعد ما ذكر التَّوبة وفي كَثير من موارد القرآن لا تَكاد تُذكَر رحمة إلا بعد المغفرة ([/FONT][FONT=&quot]اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ[/FONT][FONT=&quot]) ([/FONT][FONT=&quot]وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا[/FONT][FONT=&quot]) كأنَّ الإنسان لا يستحق رَحمة الله عزَّ وجل إلاَّ بعد أن يـَتطَّهَرَ من ذُنُوبه، فكأنَّ الذُّنوب هي أعظم ما يُعيق وصول الرَّحمة إليك أيُّها العبد، فإذا طلبتَ لنفسك أن تُرحَم فأكثر من التَّوبة والاستغفار لتأتيَك رحمة الله، ومدده، ونصرُه، وعَونُه، وحِفظه وكَلآءته، ورعايُته، وهذا معنى ينبغي لنا أن نُرَاعِيه دائما، ولذلك كان العلماء لكي يحصلوا على كل خير ومنه العلم، وخصوصاً في مواطن الإشكال يُكثرون من الاستغفار لأنَّهم يعلمون أنّ ما يحول بينهم وبين فهم المسائل، أو فهم النُّصوص، أو حلِّ المشكلات والخروج من الــمُعضِلات هو الذُّنوب([/FONT][FONT=&quot]أَلَمْ[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ[/FONT][FONT=&quot](1) [/FONT][FONT=&quot]وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ[/FONT][FONT=&quot](2) [/FONT][FONT=&quot]الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ[/FONT][FONT=&quot](3)الشرح). فهذا معنى جميل في هذه الآية.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطــيَّار:[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]أيضاً نرجـِع إلى الفِكرة السَّابقة وهي قضية الانتقال من موضوع إلى موضوع بحُسنِ تخلُّص، لــمّا قال ( إنَّ الله كان توَّاباً رحيماً) قال ([/FONT][FONT=&quot]إِنَّمَا التَّوْبَةُ[/FONT][FONT=&quot]) ثم سيقول بعدها ([/FONT][FONT=&quot]وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ[/FONT][FONT=&quot]) ثم ينتقل من التَّوبة إلى موضوع آخر سيأتي، طيِّب ([/FONT][FONT=&quot]إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ[/FONT][FONT=&quot]) ولاحِظ كيف جاءت ([/FONT][FONT=&quot]عَلَى اللّهِ[/FONT][FONT=&quot]) وكأنَّها نوع من الإلزام، وهو سُبحانه وتعالى لا يُلزمه أحد فهو القَويِّ العَزيز، ولكن سبحان الله كيف يتحبَّب إلى خَلقِه حتى يُلزمَ نفسه بأنّه يتوب على من تاب![/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]قال ([/FONT][FONT=&quot]إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ[/FONT][FONT=&quot])، وابن عبَّاس رضي الله عنهما الحقيقة له كلامٌ جميل، قال: كلُّ من عَصَى الله فهو جاهل، فليس الجهل هنا الجهل بالعلم، إنَّما هي الجهالة التي هي أنَّه ما دام أنَّه عمل السوء ففي حال عمله السُّوء فهو في حال جَهَالة، فهذا من ابن عبّاس طبعاً معنىً دقيق جدّاً ولا ترتفع هذه الجهالة إلا بالتَّوبة، ولهذا قال ([/FONT][FONT=&quot]إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ[/FONT][FONT=&quot]) يعني يُلحِقُون فعلهم السَّيئ هذا بتوبة.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخِضيري:[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]إذاً يا دكتور مساعد ممكن بعض النَّاس يفهم الآية فهماً خاطئاً، يعني أنَّ مَن عَمِل الذَّنب وهو جَاهل أنَّه ذنب فهذا يتُوب الله عليه، ولكن من عَمِل الذَّنب وهو لا يجهل أنَّه ذَنَب فهذا لا يتوب الله عليه هذا ما يفهمونه، وهذا ليس هو المراد من الآية، فالجهالة هُنا ليست الجّهل، الجهالة هي الاقتحام على المعصية، أنت جَهِلت على نفسك عندما تقحَّمت المعصية وفَعَلتها، هذه منك جهالة. [/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]ولهذا لاحظ قال بعدها ([/FONT][FONT=&quot]فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً[/FONT][FONT=&quot])، يعني لاحِظ التَّوبة، إنّـَما التَّوبةُ، يتوبون، يتوبُ الله عليهم إذاً تكرُّر هذه اللَّفظة مرَّة بعد مرَّة ثم في الأولى ([/FONT][FONT=&quot]إِنَّمَا التَّوْبَةُ[/FONT][FONT=&quot]) عامَّة، ([/FONT][FONT=&quot]ثُمَّ يَتُوبُونَ[/FONT][FONT=&quot]) هذا فعل العبد، يأتي فعلُ الرَّب ([/FONT][FONT=&quot]فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ[/FONT][FONT=&quot])، ولهذا التَّوَّاب ابتداءً، والتوَّاب انتهاءً، فالله سُبحانه وتعالى يتوب على عباده ابتداءً فسُّمِّيَ التوَّاب، ويتوب على عباده انتهاءً يعني بعد فعلهم الذَّنب فهو توَّاب، يعني يرجعُ إليهم بالحَسَن إليهم منه سبحانه وتعالى بعد توبتهم، ولهذا نقول إنَّ موضوع التَّوبة سبحان الله من الـــموضُوعات التيِّ مهما اجتهدت في إِبراز هذه القِيمة الكَبيرة جِدّاً أوهذه الصِّفة العَظيمة جِدّاً وهي قَضية التَّوبة ما ِمن شك في إبرازها في أنّك لا تستطيع في أن تُوَّفِيَها حَقَّها مِن الألفاظ، وأنا عندي أنَّ هذا ممَّا يَستعصي على الألفاظ أن تُبيِّنه وتُــــبرِزَهُ، ولهذا تجد من اللَّذة والفرَح بالتَّوبة ما يَجعلك أحياناً تفرح بالذّنب الذيِّ أوصَلَكَ إلى هذه التَّوبة، تقول الحمدلله الذِّي قدَّرَ ليَ هذا الذَّنب لأَصِل إلى هذه التَّوبة. [/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] ورُبَّما صحَّت الأجسادُ بِالعِلل.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]ولهذا بعض النَّاس حالُه بعد التّوبة خيرٌ من حاله قبل التَّوبة، لأنه قبل التوبة قد يكون في غفلة، وقد يكون ينظر لنفسه نَظرَ الــمُحسن وأنَّه ممن يُطيع الله، فإذا وَقَعَ في الذَّنب ذَلَّ لله سبحانه وتعالى وانكسر لله سبحانه وتعالى، فارتفع بهذا الانكسار إذا قُبِلَت توبته فرجع إلى حال أحسن. [/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] وأيضاً يا أبا عبدالملك،يذهب عنه في باقي عُمرِه كُلِّه ما يُسَمِّيه العُلماء بالعُجُب، بـمعنى كل ما أراد أن يُعجب بعمل أو بحسنة قدَّمها تذَّكَرَ ذلك الذَّنب فانكَسر، هذا الذُّل والانكسار مطلوب لـِتأدِيب هذا العبد حتى يَبلُغ الكمال، ولذلك ابن القَّيم - [/FONT] [FONT=&quot]رحمه الله - [/FONT] [FONT=&quot]في طريق الهجرتين ذَكَر بحثاً جميلاً في حِكمةِ الله تعالى في تقدير الذُّنوب، وأنَّ لله حِكَم عظيمة في أن يُقَدِّر على العَبد أن يقع في الذَّنب، العبد يجتهد في أن لا يقع في الذَّنب ولكن يوقعه الله عزَّوجل رحمةً به، لكي ينكسر، ويذِّل، ويتذَّكَّر، ويُكثر من البُّكاء ويُكثِر من الاستغفار، فَيُحصِّل - كما ذَكَر الدُّكتور مساعد - بعد ما يقع في هذا الذَّنب ويتوب منه من الخَير عند ربِّه سبحانه وتعالى أكثر ممّا كان عليه قبل الذَّنب، كما قال الله عزَّوجل في سورة الفرقان: ([/FONT][FONT=&quot]وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا[/FONT][FONT=&quot] (68) [/FONT][FONT=&quot]يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا[/FONT][FONT=&quot] (69) [/FONT][FONT=&quot]إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا[/FONT][FONT=&quot](70)) .وهذا من عظيم فضل الله عزَّوجل على هؤلاء التَّائبين. [/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]تلاحظون في قوله ([/FONT][FONT=&quot]إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ[/FONT][FONT=&quot]) طبعاً أنتم تحدَّثتم عن الجَهالة أنَّ المقصود بها ليس عدم العلم، قد يُقدِم الإنسان على الذَّنب وهو يعلم أنَّه معصية ويُسمَّى جَهَالة، لكن المعنى الآخر أنَّه قال ثمَّ يتوبون من قريب، قد يَفهم البَعض أنَّ المقصود يتوب مباشرة بعد وقوع الذَّنب وبابُ التَّوبة مفتوح من كل ذنب، ولذلك يقول المفسِّرون إنَّ كل من تاب قَبل أن يُغرغر فقد تَاب من قريب.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]هذا المعنى هو معنى الرُّخصة، في أنَّ الإنسان يُتاحُ لهُ أن يَتوب حتى يُدرك، لكن الأَوْلى والأجدر بالإنسان إذا وقع في الذَّنب أن يُسرع إلى التَّوبة ليكون أمكن في القُرب، ولأنَّه لا يَدري مَتى تأتي الــمَنيِّة قد تأتيك مَنيُّتك وأنت نائم، أو تأتيك على حِين غِرَّة وهذا معنىً أيضاً مُهِمّ جدّاً ينبغي أن يفهمه القارئ من هذه الآية، ولذلك نُلاحظ أنَّ الذُّنوب التي يقع فيها الأنبياء أو ذَكَرَها الله عزَّ وجل على الأنبياء ما في ذنب يُذكَر إلا وتُذكَر توبةُ النَّبي مُبَاشرةً، لنأخذ مثال نوح لــمّا قال (.. [/FONT][FONT=&quot]رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ[/FONT][FONT=&quot](45)[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ[/FONT][FONT=&quot](46)[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ[/FONT][FONT=&quot](47)هود)[/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT] [FONT=&quot]مباشرةً، وموسى أيضاً قال ([/FONT][FONT=&quot]فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ[/FONT][FONT=&quot](16)القصص) مباشرة.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]ويُونس وسليمان وداود ([/FONT][FONT=&quot]قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ[/FONT][FONT=&quot](24)ص) ([/FONT][FONT=&quot]فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ )[/FONT][FONT=&quot] فدَلَّ على أنه باشر التوبة مباشرة .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]الآن عندما يقول الله سبحانه وتعالى ([/FONT][FONT=&quot]فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً[/FONT][FONT=&quot]) كما تفضَّل الشيخ عندما قال الإظهار في موضع الإضمار هذه مكرَّرة معنا في السُّورة في قوله سبحانه ([/FONT][FONT=&quot]إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ[/FONT][FONT=&quot]) وكانَ بالإمكان أن يقول ( فأولئك يتوب عليهم) ولكنَّه قال ([/FONT][FONT=&quot]فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ[/FONT][FONT=&quot]) فأظهر لفظَ الجَلالة في هذا السِّياق إشارة إلى التَّرغيب في التَّوبة، وإلى تعظيم شأن التَّوبة من جِهَة، إلى أنَّ الله سبحانه وتعالى هو الذِّي يتوب عليك، فما عليكَ من النَّاس، وهذه إشكالية فعلاً تقع عند كثيرٍ ممن يقع في المعاصي أنّه يُراعي النَّاس في توبته فرُّبما يُقبِل على التَّوبة أو يمتنع من الرُّجوع إلى الحقّ وإلى التَّوبة من أجل النَّاس، فالله سبحانه وتعالى يريد أن ينزَعه من هذا المجتمع الذي يُفكِّر فيه ويصعد به إليه مباشرة فيقول ([/FONT][FONT=&quot]فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ[/FONT][FONT=&quot]) الذي يتوب عليك هو الله.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] عندي ملاحظة وعندي سؤال؟ أمّا الملاحظة فهي في قوله ([/FONT][FONT=&quot]اللّهُ[/FONT][FONT=&quot]) الحقيقة أنّنا نُلاحظ أنّها تردّدت مع الأحكام الشَّرعية كثيرأً، والظَّاهر أنَّ هذا أدعى لاستجابة العِباد له، فإنَّ الله معناه الإله العظيم الذِّي يَشرع لكم هذه الأحكام فخُذوها بقوّة وهابُوا ربَّكم أن تتخلّفوا عنها أو تتعدَّوا على حُدودِه، ولذلك يقول([/FONT][FONT=&quot]إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا[/FONT][FONT=&quot])، ([/FONT][FONT=&quot]وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً[/FONT][FONT=&quot]) ،( [/FONT][FONT=&quot]أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً[/FONT][FONT=&quot]) إلى آخره. السؤال في قوله ([/FONT][FONT=&quot]إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا[/FONT][FONT=&quot]) سألني قبل يومين أحد الشّباب قابلته، قال([/FONT][FONT=&quot]كَانَ[/FONT][FONT=&quot]) هذه أليست للماضي طيِّب ماذا نفعل في الحاضر والمستقبل، فما هو جوابك يا أبا عبدالملك؟[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيَّار:[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]والله هذا جواب حبر الأمة كما في صحيح البُّخاري، سُئل عن نفس السُّؤال هذا فقال: كان ولم يَزَل.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] معناه كان قد سُلبت الزَّمانية[/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيَّار:[/FONT][FONT=&quot] نعم، وهذه خاصيَّة في ([/FONT][FONT=&quot]كَانَ[/FONT][FONT=&quot]) فيما يبدو والدَّليل فيها السِّياق كونها في أسماءِ الله سبحانه وتعالى أو صِفاته فإنَّها دالَّة على الدَّيـمومة والاستمرار، يعني كانَ في الماضي ولم يَزَل في المستقبل[/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]وكأنَّها والله أعلم عُبِّر عنها بالماضي، للدَّلالة على تمكُّن نفسها.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيَّار: [/FONT][FONT=&quot]وهذا قاله إن لم أكن واهماً الطّاهر ابن عاشور أشار إليه، أنَّ كان تأتي للدَّلالة على تمكُّن اسمها من خبرها.وهذا جيِّد.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] الحقيقة كثرة أسماء الله في سُورة النِّساء، وظُهور ارتباط الاسمين بالآية، لا أكاد أجِده في سُورةٍ أظهر منه إلاَّ في سورة النِّساء - ولو ظهر في سُوَر القرآن - لكن في سورة النِّساء بشكل واضح يعني ([/FONT][FONT=&quot]إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا[/FONT][FONT=&quot]) مع قوله ([/FONT][FONT=&quot]فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا[/FONT][FONT=&quot]) وهنا ([/FONT][FONT=&quot]وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً[/FONT][FONT=&quot]) وقبلها أيضا ([/FONT][FONT=&quot]وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ[/FONT][FONT=&quot]) ([/FONT][FONT=&quot]وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً[/FONT][FONT=&quot]).[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] طيِّب هو في الآية الأولى التي نتحدّث عنها الآن، يُشير إلى الذِّي يتوب من قريب، فيه إشارة كما تفضَّل الشيخ محمد إلى قضِّية الحثّ على المبادرة بالتَّوبة فَورَ وقوع الذَّنب وأنَّ هذا أكمل في حال المسلم لأنَّه يدل على يقظته الدائمة كما قالَ الله سبحانه ([/FONT][FONT=&quot]إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ[/FONT][FONT=&quot](201)الأعراف)، يعني تذّكروا فتابوا، وهذا دليلٌ على أنّهم أهل بصيرة، تعال إلى الآية التي بعدها في قوله ([/FONT][FONT=&quot]وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ[/FONT][FONT=&quot]) الله سبحانه وتعالى يقول التَّوبة لا تكون من الله للذِّين يُصِّرون على السَّيئات ويعملونها وتُلاحظ حتى في الفعل المضارع [/FONT][FONT=&quot]عندما قال [/FONT][FONT=&quot]( للذِّين يعملون السيئات) إشارة إلى أنهم يجَّددون مثل هذا العمل السَّيء مرَّةً بعد مرّة قال ([/FONT][FONT=&quot]حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ[/FONT][FONT=&quot]) هذا يُذّكرِّنا بفرعون ([/FONT][FONT=&quot]حَتَّى[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ[/FONT][FONT=&quot](90)[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ[/FONT][FONT=&quot](91)يونس). [/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] يقول العُلماء أنَّه آمن ثلاث مرات ، يعني كلَّ واحدة كانت كافية في قبول إيمانه، ومع ذلك جاءت في غير وقتها فلم يُقبل واحدٌ منه ([/FONT][FONT=&quot]قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ[/FONT][FONT=&quot](90)[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]آلآنَ[/FONT][FONT=&quot]..) ومع ذلك انتهى الوقت.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] سبحان الله العظيم! ([/FONT][FONT=&quot]قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ[/FONT][FONT=&quot]) وهذا الصِّنف الأوَّل وهو الذي يترك التّوبة ويؤَّجلُها حتى ينتهي وقتها وهو بعد الغرغرة، ثم قال ([/FONT][FONT=&quot]وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ[/FONT][FONT=&quot]) لا يتوب الله عليهم. [/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]طبعاً الأوَّل في العُصاة.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] في العاصي، لكنَّ العاصي الذي يترك التَّوبة حتى ينتهي وقتها فأمره إلى الله، والثَّانية واضحة في الذّي يموت وهو كُافر فهؤلاء لا يتوب الله عليهم، كما قال الله ([/FONT][FONT=&quot]ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ[/FONT][FONT=&quot](34)محمد).[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ[/FONT][FONT=&quot]) هذا ([/FONT][FONT=&quot]الآنَ[/FONT][FONT=&quot]) ذكرٌ للزَّمان المتصِّل بكل شخص على حِدة منذ أن خلق الله آدم إلى أن يَرِث الله الأرضَ ومن عليها، هناك زمان مختص بأهل آخر الزَّمان لا تصح التوبة بعده وسيأتينا في سورة الأنعام بإذن الله عزَّ وجل([/FONT][FONT=&quot]هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا[/FONT][FONT=&quot](158)الأنعام) فالعُلماء يا إخواني ذكروا أنَّ من شروط صِحةِ التَّوبة وقوعها في الزَّمان الشَّرعي وهو قبل الغَرغرة بالنِّسبة للشَّخص، وقبل طلوع الشَّمس من مغربها بالنِّسبة للَّجميع، ومع ذلك لا أحد يدري متى تطلع الشَّمس من مغربها، لا هذه ولا هذه فعلى الإنسان أن يستعد.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] يعني علامات التَّوبة فعلاً التي تنتهي عندها التَّوبة كلَّها غيب، فمعناها بَادِر، أنت الآن لا تعرف متى يأتيَ أجَلُك، ولا تَعرف مَتى تطلع الشّمس من مغربها، ولا تَعرف متى يخرج المسيح الدَّجال، فكُل هذه العَلامات التي ربط الله بها نهاية التَّوبة في علم الغيب، فمعناها أنّك لابد أن تُبادر إلى التَّوبة، ولاحظوا أيضاً عندما قال ([/FONT][FONT=&quot]أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا[/FONT][FONT=&quot] ً) للذِّين يموتون وهُم مُصِّرين على الذُّنوب وعلى المعاصي وعلى الكُفر، فقال سبحانه وتعالى ([/FONT][FONT=&quot]أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا[/FONT][FONT=&quot] ً) في التَّعبيرب([/FONT][FONT=&quot]أَعْتَدْنَا [/FONT][FONT=&quot]ً) [/FONT] [FONT=&quot]فيه نوع من السُّخرية والاستهزاء بهؤلاء الذّين أصَّروا على الكفر وعلى الذّنوب وعلى المعاصي حتى ماتوا، فالله سبحانه وتعالى يقول ([/FONT][FONT=&quot]أَعْتَدْنَا لَهُمْ[/FONT][FONT=&quot]) والإعداد في العَادّة يكون للإكرام، فَهي مثل قوله تعالى ([/FONT][FONT=&quot]فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ[/FONT][FONT=&quot](34)التوبة) والبِّشارة لاتكون إلاَّ بالأخبار السَّارة، لكنّه من السُّخرية بهم قال ([/FONT][FONT=&quot]فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ[/FONT][FONT=&quot]) وأيضاً هنّا قال ([/FONT][FONT=&quot]أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا[/FONT][FONT=&quot])[/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] وهنّا نكّر العذاب لتعظيمه وتفظيعه فوصفه بالأليم ([/FONT][FONT=&quot]عَذَابًا أَلِيمًا[/FONT][FONT=&quot]) ، قال ابن عبّاس: كلُّ أليمٍ في القرآن فهو مُوجع.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] هنا أيضاً قال([/FONT][FONT=&quot]أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا[/FONT][FONT=&quot]) ومُقتضى نَظم الكلام، أعتدنا عذاباً أليماً لهم، لأنَّ الجَارَ والمجرور يُؤَّخرَ، هذه يقف عندها الطَّاهر ابن عاشور كثيراً ويُنّبه على أمرين: الأمر الأوّل رعاية الفَاصلة في ([/FONT][FONT=&quot]عَذَابًا أَلِيمًا[/FONT][FONT=&quot]) [/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]عَلِيماً حَكِيماً[/FONT][FONT=&quot]) ([/FONT][FONT=&quot]خَيْرًا كَثِيرًا[/FONT][FONT=&quot]) إلى آخره، والأمر الآخر: أنّه قال أعتدنا لهم لأنّهم هم الذِّين سِيق الكلام من أجلهم فقدَّمهم.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]يعني تأكيداً لوقوع هذا في حقِّهم.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيَّار:[/FONT][FONT=&quot] نعم، فقوله ([/FONT][FONT=&quot]أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا[/FONT][FONT=&quot]) إذا كانوا من باب التأكيد لمّا قدَّمهم وأنَّهم ممن سيق الكلام من أجلهم، رأيت البعض ممن يتكلّم في قضية الفَاصلة يتحرَّج من مثل هذا الأمر أن تقول لِرعاية الفاصلة.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] رعاية الفاصلة يا دكتور مساعد المقصود بها رعاية آخر الآية.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] نعم آخر الآية، لو قال (أعتدنا عذاباً أليماً لهم) لاختل آخر الكلام في السَّمع، فمُراعاة آخر الكلام في السَّمع مقصد من مقاصد البليغ، ودائماً نقول للطُّلاب إذا جاء مثل هذه المسألة فأوَّل السُؤال الذِّي يجب أن يَرِد : هل رعاية الفاصلة وانضباط آواخر الكلام مقصد من مقاصد البليغ أو لا؟ طبعاً الجواب: بلى، إذاً ما دام مقصد من مقاصد البليغ، هذا المقصد هل يُؤثِّر عنده على المعاني أو لا؟ إن أثّر عنده على المعاني فدلَّ على قصوره في البلاغة، وإن لم يُؤَّثر عنده على المعاني فدلّ على بلاغته، وهذا ما هو موجود في الُقرآن، فإذاً لا يُشكل علينا ان نقول إنَّ رعاية الفاصلة مقصودة بذاتها.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] أحسنت، لأنَّ البعض الحقيقة يتحرَّج ترى من هذا، عندما يُقال الله سبحانه وتعالى ذكر هذا مراعاة لِنَظم الكلام أو للفاصلة، هم يُسَمُّون الفاصلة في القرآن ولم يقولوا القَافية كما يقولون في الشِّعر، الشِّعر يقولون هذا للقافية مراعاة للقافية، فمراعاة الفاصلة في القرآن الكريم ليست غريبة ولا مُستغربة على سَنن العرب في كلامها، فالعرب تعرف هذا في كلامها والله يقول: ([/FONT][FONT=&quot]إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ[/FONT][FONT=&quot](2)يوسف) ففيه ما في اللُّغة العربية التي يعرِفها النّاس من أوجه الكَلام والبيان، وبعض النَّاس أنا لاحظتهم ممن يتحدَّث في بلاغة القرآن الكريم يتحرَّج من مثل هذا الكلام، ويقول لا ينبغي لنا أن نقول إنَّ سِر تقديم مثل ([/FONT][FONT=&quot]آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى[/FONT][FONT=&quot](70)طه) ، أو ([/FONT][FONT=&quot]رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ[/FONT][FONT=&quot](48)الشعراء) في آية أخرى أنّه من أجل مراعاة الفاصلة، قال إنّ هذا لا يليق أن نقول ذلك في حقِّ الله سبحانه وتعالى، وإنما المعنى هو السبب الذي جعل هذا التَّقديم هنا وهذا التأخير هنا مثلاً نحن نقول المعنى إذا استوى فإنّ مراعاة الفاصلة أولى في مثل هذا الموطن. [/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT][FONT=&quot]:[/FONT][FONT=&quot] مَر بنا في آية المواريث حقيقةً ([/FONT][FONT=&quot]وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ[/FONT][FONT=&quot]) ما نبَّهنا على أنَّ الأزواج هنا بمعنى الزّوجات، وأنّ في لغة القرآن الفصيحة استعمال الزَّوج للذّكر والأنثى، يعني للرّجل والمرأة، لكن علماء المواريث رحمهم الله إذا تكلّموا يقولون زوجة، من أجل أن لا يحصل لبس.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] وإلاّ الرَّجل يُقالُ له زوج، والمرأة يُقال لها زوجة.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيَّار:[/FONT][FONT=&quot] وأيضا من قضية حُسن الانتقال لاحظ لمّا قال ([/FONT][FONT=&quot]أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا[/FONT][FONT=&quot]) هذا مقام تهديد، جاء بعده قضية فيها نهي، فناسب مقام التَّهديد مقام النّهي، قال([/FONT][FONT=&quot]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا[/FONT][FONT=&quot]) ثم قال ([/FONT][FONT=&quot]وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ[/FONT][FONT=&quot]) إلى آخره، هذا الآن مقام النَّهي ومقام النّهي يُناسبه التَّهديد، فسبحان الله انظر كيف يكون الانتقال من مقام إلى مقام بحيث تتناسق الآيات بعضها مع بعض، فلعلَّنا نقف عند هذه الآية ([/FONT][FONT=&quot]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا[/FONT][FONT=&quot]).[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] [/FONT] [FONT=&quot]طبعاً الآن ما زال الحديث متصِّل عن إعطاء النِّساء حقوقهِنَّ، يعني مرَّ معنا الآن تقسيم الترّكات، ومرَّ معنا إصلاح المرأة عندما تقع في الذّنب وفي الزَّلة في قوله ([/FONT][FONT=&quot]وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ[/FONT][FONT=&quot]) وإلى آخره، والدّعوة إلى التَّوبة دعوة الرِّجال ودعوة النِّساء جميعا إلى التَّوبة وإلى الرُّجوع إلى الله سبحانه وتعالى هذا باب استصلاح وباب إصلاحٌ للمجتمع وإلى المرأة، ثمّ يأتي الآن إنصاف وإعطاء حقّ [/FONT] [FONT=&quot]الله سبحانه وتعالى يذكُر أنّ النِّساء يُعضَلن كثيراً من الأولياء في قوله([/FONT][FONT=&quot]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا[/FONT][FONT=&quot])، لأنَّهم كانوا في الجاهلية يعتبرون زوجة الأب جُزء من الترَّكة، يَرِثُها الأكبر من الأبناء أو الأعجل، كما يقول بعضهم كان الذي يسبق إلى زوجة أبيه فإنّها تكون سهماً له، فقد يكون الأكبر من الأبناء، وقد يكون الأقوى وقد يكون الأسبق.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيَّار:[/FONT][FONT=&quot] هو إذا وَرَثها في الجاهلية فله أن يتصَّرف فيها فقد يتزّوجها وهذا الذي يأتي فه ([/FONT][FONT=&quot]وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء[/FONT][FONT=&quot]) أو قد يعضلها أي أن يمنعها من الزَّواج ،أو يُزَّوجها لمن يشاء بدون رضاها، فلاحظ في كل الصُّور هذه فيه ظُلم للمرأة، فجاءَت النّهي ([/FONT][FONT=&quot]لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا)[/FONT][FONT=&quot] فقد تقع بعضها في الصُّورة منهم، وكلُّها صور منهي عنها ثمَّ قال ([/FONT][FONT=&quot]وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ[/FONT][FONT=&quot]). [/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]ما أدري هل كان مثل هذا يقع في غير العرب، يعني أنّ الرَّجل يَرِث زوجة أبيه، يعني في الحضارات القديمة؟ [/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخِضيري:[/FONT][FONT=&quot] والله لا تستبعد، يعني نحن سمعنا ورأينا من أخبار النّاس في مثل هذه الأبواب أشياء والله لا ينقضي منها العجب، وأنا رأيت كتاب لعمر رضا كَحَالة صاحب معجم قبائل العرب، لديه كتاب المرأة قبل الإسلام أو شيء من هذا القبيل، أنا قرأت هذا الكتاب قديما فذكر من عادات النَّاس في قضِّية الزَّواج وما يَتصِّل به أشياء يُستغرب منها، يعني من ضمن الأشياء التي ذكرها قال في دولة ما - الهند أو في غيرها - أن الشّاب يتزَّوج فلا يحقُّ له أن ينكح هذه الزَّوجة وإنما هي تحِلُّ لأبيه هو الذِّي ينكحها، والزَّوج هو الذِّي يرعاها ويحفظ هذا البيت ويُقيم عليه وليس له منها حظّ، والأب هو الذِّي يستمتع بهذه المرأة حتى تُنِجب، ثمَّ يتزَّوج ابنه! لاحظ فإذا تزّوج حلّ الابن للمرأة، تصور هذا![/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيَّار:[/FONT][FONT=&quot] وأحدهم يقول عنده عامل هندي ذهب تزوَّج ورجع، وبعد سنتين أو ثلاث سنوات يُبَّشره بأنّه جاءه مولود، قال كيف جاءك مولود وأنت عندي، فكانت العادة عندهم أنّه إذا تزَّوج الواحد فيحلّ لأهل البيت كلّهم. [/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] الحقيقة المذاهب الأرضية لا تستغرب فيها شيء لأنَّه إذا ضَلّ البشر وضل َّالإنسان فالهداية من الله سبحانه وتعالى.إلاَّ أننَّي رأيت من يُشَّنِّع ويعتبر العرب في غاية التَّخلَّف وفي غاية السُّقوط الأخلاقي وكذا ويُضَّخم هذه الأشياء في حين أنّها كانت مُشتركة بين المجتمعات الجاهلية بصفة عَامّة، المجتمعات الجاهلية تشترك في كثيرٍ من العادات القبيحة.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]خذ مثال يا أبا عبدالله على موضُوع الوأد، يعني نحن إذا سمعنا الوأد ارتبط بأذهاننا بالعرب ، الآن الوأد الحاضر الــمُنَّظم الذّي تُنظِّمه مؤتمرات المرأة عبر الإجهاض، والذِّي الآن حتى السُّعودية يُضغَط عليها من قِبل الــمُنظَّمات الدُّولية في أن تَسُّن الإجهاض وتأمر به، هو عين الوأد الذِّي كان عند أهل الجاهلية هو نفسه، يقولون لابد نَسُّن قانوناً يحمي المرأة لكي تجهض ويكون شرعياً رسميّاً ومُعلناً، من أجل أن تفعل الفتاة ما تشاء وتحمل وتجهض بشكل قانوني ومن أجل أن تعبث بشرفها وتتيح نفسها لكل أحد دون أن يلحقها أي شيء من العار! [/FONT] [FONT=&quot]خذ مثال آخر الآن في الصِّين يُقنَّن على الرِّجال وعلى النِّساء ألا يتجاوز عدد الأولاد الواحد، طبعاً إذا خُيَّر الإنسان أنّه ما يأتيه إلا واحد، كل ما حملت امرأته ذهب بها إلى الطبيب فإذا تبيّن له أنّها أنثى في كل حمل طلب منها أن تُسقطه من أجل ولد واحد، وإذا حملت بولد طلب منها الإبقاء وهذا وأد، وقد يقتل هذه النَّفس حتى بعد أن ينفخ فيها الرُّوح وتُصبح معصومة. [/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]كيف تستقيم يا شيخ محمد الضَّمائر عندما تقول([/FONT][FONT=&quot]وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ[/FONT][FONT=&quot]) [/FONT] [FONT=&quot]؟[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] أنا أقول والله أعلم ، أنّ المعنى في الآية يحتمل هذا ويحتمل هذا ولذلك إذا أكملت الآية استقامت ايضاً .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] يعني لاحظ الآن ([/FONT][FONT=&quot]وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ[/FONT][FONT=&quot]) والابن هذا الذِّي ورِث ما أعطاها شيء زوجة الأب، الذِّي أعطاها هو أبوه، مثلاً تُريد أنّها تُطَّلق منه مثلاً، فيقول لا أطلِّقك حتى تَرُّدِّي مالي هذا عضل، أليس هذا نوع من العضل ؟ [/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] لا، هذا خُلع شرعي. [/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] الخُلع هذا إذا تم، دعونا نكمل الآية قال ([/FONT][FONT=&quot]إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا[/FONT][FONT=&quot]) [/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] في قوله ([/FONT][FONT=&quot]وَعَاشِرُوهُنَّ[/FONT][FONT=&quot]) فهذا في الزّوجة ولا إشكال فيه، ولكن في قوله ([/FONT][FONT=&quot]وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ[/FONT][FONT=&quot]) أنَّها نزلت في هؤلاء الذين يَعضِلون نساء آباءهم أو من ورثوه من النِّساء من النّكاح حتى يدفعن لهم كذا وكذا، يطلب منها شيئا. [/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] طبعا هذا واضح فيها العضل الحبس .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار:[/FONT][FONT=&quot] يعني منع الحق أيّ ولا تعضِلُوا زوجاتكم أي لا تمنعوهُنّ حقّاً لهنَّ، يعني حقّاً من حُقوقهنَّ لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن فأنت تمنع شيئاً من حقوقها من أجل أن تسترد. فيُخالِف ما ورد في الآية الأولى[/FONT][FONT=&quot]. [/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] طبعاً هنا في التَّفسير هم يؤيدون هذا المعنى [/FONT] [FONT=&quot]يَفصُلون بين الضَّمائر، يجعلون أوّل الآية في زوجات الآباء ويجعلون بقيتها في النِّساء في الزّوجات. [/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيَّار:[/FONT][FONT=&quot] وهذا أقرب من جهة المعاني، لأنّه قال ([/FONT][FONT=&quot]آتَيْتُمُوهُنَّ[/FONT][FONT=&quot]) ( [/FONT][FONT=&quot]وَعَاشِرُوهُنَّ[/FONT][FONT=&quot]) ([/FONT][FONT=&quot]فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ[/FONT][FONT=&quot]) لأنّه هذا لا يقع على زوجة الأب وإنّما يقع على الزَّوجة. [/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د . الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] اسمع يا أبا عبدالله ، يا أبا عبدالملك، [/FONT] [FONT=&quot]يقول: وقال زيد ابن أسلم في الآية : كان أهل يثرب إذا مات الرَّجل منهم في الجاهلية ورث امرأته من يرث ماله، وكان يعضلها حتى يرِثها أو يُزّوجها من أراد، وكان أهل تِهامة يُسيء الرَّجل صحبة المرأة حتى يُطَّلقها، ويشترط عليها أن لا تنكح إلا من أراد حتى تَفتدي منه ببعض ما أعطاها، فنهى الله المؤمنين عن ذلك، كأنّ زيد جمع المعنيين، وأمّا ابن عبّاس يقول: كان الرَّجل إذا مات وترك جارية ألقى عليها حميمه ثوبه فمنعها من النّاس، فإن كانت جميلة تزّوجها، وإن كانت دميمة حبسها حتى تموت فيرثها فصار هذا عضلاً.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيار:[/FONT][FONT=&quot] لكن ([/FONT][FONT=&quot]بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ[/FONT][FONT=&quot]) هذا سيكون ليس هناك إيتاء. [/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] الوقت أدركنا الحقيقة في هذا المجلس، لعلَّنا نستكمل هذه المعاني، وهذه النُّقطة بالذّات في اللِّقاء القادم [/FONT] [FONT=&quot]بإذن الله تعالى، أيُّها الإخوة المشاهدون الكرام انتهى وقت هذا اللِّقاء، لعلنا نلقاكم في اللقاء القادم وأنتم على خير، نستودعكم الله، والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته[/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot] [/FONT]
[FONT=&quot]بُثّت الحلقة بتاريخ 10 رمضان 1431 هـ[/FONT]
 
[FONT=&quot]الحلقة الحادية عشرة:[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أحبائي الكرام ما زلنا نتحدث في سورة النساء ونسأل الله سبحانه وتعالى بمنّه وكرمه، وأن ينفعنا بهذه السورة العظيمة وصلنا فيما وصلنا إليه من هذه السورة إلى قول الله عز وجل ([/FONT][FONT=&quot]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [/FONT][FONT=&quot](19) النساء)، قبل أن ندخل في معاني هذه الآية والآيات التي تليها، نحب أن ننصت لسماع تلاوتها خاشعين، نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بكتابه العظيم .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]تلاوة الآيات 19 [/FONT][FONT=&quot] 20 من سورة النساء:[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا[/FONT][FONT=&quot] (19) [/FONT][FONT=&quot]وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً[/FONT][FONT=&quot] (20)).[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]وبعد أن استمعنا إلى تلاوة هذه الآيات الكريمة نحاول أن نقف وقفات يمكن أن تكون عاجلة مع معاني هذه الآيات العظيمة، ومعي فضيلة الشيخ الدكتور عبد الرحمن الشهري والدكتور مساعد الطيار. [/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]يقول الله عز وجل ([/FONT][FONT=&quot]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا[/FONT][FONT=&quot]) بيّنا فيما سبق أن معنى الآية: لا يحل لكم أن تفعلوا ما يفعله أهل الجاهلية من كونهم إذا مات الميت جاء ورثته فورثوا امرأته، يعني ورثوا التصرف فيها، وليس المقصود استرقّوها ولكنه شيء أصبح مثل الميراث، ورثوا التصرف فيها وتحكموا بها فلا يحق لها أن تتصرف في نفسها بعد أن يملكوا هم أمرها كما يملكون سائر متاعه وميراثه، فالله عز وجل نهى عن ذلك وبيّن أن المرأة هي أملك بنفسها وأنه لا يمكن لأحد أن ينال منها شيئًا إلا برضاها. ثم إنتقلنا وتوقفنا عند قول الله عز وجل ([/FONT][FONT=&quot]وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ[/FONT][FONT=&quot]) وحصل بيننا شيء من تداول الرأي حول معنى الآية هل هي مرتبطة بالمعنى الأول أم هو معنى جديد يتصل بالأزواج مع زوجاتهم؟ ولكن زيد بن أسلم كما قرأنا في تفسير ابن كثير بيّن بيّن أنها تصلح لهذا ولهذا، بمعنى أنه لا يحل لكم أيها الناس أن تمنعوا هؤلاء النساء اللواتي مات أزواجهن من أن يتزوجن لرغبتكم في أن ترثوهن، فينتظر بها حتى تموت ثم يرثها، فهذا منعٌ لها من حقها في الزواج. والثاني هو في معنى جديد يتصل بالمرء مع زوجته وهو أن يمنعها حقها الشرعي حتى يضارّها لتفتدي منه ([/FONT][FONT=&quot]وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ[/FONT][FONT=&quot]) وأحد الشيخين أشار إلى أن هذا مناسب لما يلي من الآيات لقوله ([/FONT][FONT=&quot]وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ[/FONT][FONT=&quot]) مع العلم أن الذي يتأمل بشكل دقيق يعلم أن الآية يمكن أن تحتمل هذا المعنى وتحتمل هذا المعنى ولا تضاد ولا تعارض بينهما .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] هناك معنى أريد أن أنبه إليه في هذه الآية العظيمة وهو بِدء هذه الآية بالنداء بوصف الإيمان ([/FONT][FONT=&quot]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ[/FONT][FONT=&quot]) وفي سورة النساء بدأ النداء بصفة الناس ([/FONT][FONT=&quot]يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ[/FONT][FONT=&quot]) وكنا ذكرنا أن العلماء يذكرون أنه من ضوابط المكي والمدني أن تكون السورة مما ورد فيها ([/FONT][FONT=&quot]يَا أَيُّهَا النَّاسُ[/FONT][FONT=&quot]) ولم يرد فيها ([/FONT][FONT=&quot]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ[/FONT][FONT=&quot]) فإنها تكون مكية، هذه السورة مدنية ورد في أولها ([/FONT][FONT=&quot]يَا أَيُّهَا النَّاسُ[/FONT][FONT=&quot]) وهذا ضابط من ضوابط المكي، لكن ورد فيها ([/FONT][FONT=&quot]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ[/FONT][FONT=&quot]) فخرجت من كونها مكية وتأكد أنها من السور المدنية، هذه مسألة.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] معذرة أبا عبد الله قد يُعترض على هذا بسورة الحج فإنه وقع فيها خلاف مع أنه جاء في مقدمتها ([/FONT][FONT=&quot]يَا[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]أَيُّهَا النَّاسُ[/FONT][FONT=&quot]) وجاء فيها ([/FONT][FONT=&quot]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ[/FONT][FONT=&quot] (77)الحج).[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] فيها سجدة، وهذه نادرة، سورة الحج هي التي خرجت عن هذا الضابط . [/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]نأتي إلى مسألة أخرى، لماذا يا ترى جاء النداء هنا بوصف الإيمان في حين أنه في الآيات التي تقدمت جاء البدء بالوصية ([/FONT][FONT=&quot]يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ[/FONT][FONT=&quot]) ([/FONT][FONT=&quot]وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ[/FONT][FONT=&quot])؟ ثم جاء هنا فنادى بوصف الإيمان ([/FONT][FONT=&quot]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ[/FONT][FONT=&quot])؟[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] في قوله ([/FONT][FONT=&quot]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا[/FONT][FONT=&quot]) هل هذا الوصف كاشف أي بمعنى أنه لبيان الواقع؟ [/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] ليس شرطاً لأن مفهوم المخالفة غير مقصود.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] و لذلك هذه الآية تدخل في مثل قول الله عز وجل ([/FONT][FONT=&quot]وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا[/FONT][FONT=&quot] (33) النور) فلا يعني ذلك أنهن إن لم يردن التحصن فأكرهوهن، إذ خرج ذلك لبيان الواقع.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.الطيار:[/FONT][FONT=&quot] قيد لبيان الواقع.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] معنى الآية هنا أنه أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء، لا يجوز للرجل أن يجعل زوجة أبيه كسائر المتاع يرثها، وجاءت ([/FONT][FONT=&quot]كَرْهًا)[/FONT][FONT=&quot] للإشارة إلى أنه لا يحدث هذا إلا على وجه الكراهية .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] ([/FONT][FONT=&quot]وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ[/FONT][FONT=&quot]) لعلنا فقط نذكر هنا تفصيلًا في هذا المعنى إذا كان في حق الزوج فإن بعض الأزواج إذا لم يرضَ المرأة لكونه ما أعجبته في جمالها أو في حالها لشيء من هذه الأشياء ليس لسوء العشرة، يحاول أن يمنع المرأة كثير من حقوقها مثل حقها في العِشرة حقها في النفقة ونحو ذلك أو حسن الخلق والمعاشرة ليضطرها من أجل أن ترد له المهر الذي دفعه لها وهذا في قمة الدناءة و الظلم لهذه المرأة المسكينة، فأنت الآن قد عاشرتها وأخذت مقابل المهر الذي دفعته لها، إستحللت بُضعها وفرجها فكأنك أخذت ما يقابل ما دفعت من مال، فبأي حق يحق لك أن تعضل هذه المرأة وتكرهها على أن تفتدي منك فترد لك المال الذي دفعته؟! هذا لا يليق بمروءة الرجل ولا يليق أصلاً بالمسلم والمؤمن ولذلك جاءت مضمومة إلى مسألة نودي فيها المؤمن بوصف الإيمان. [/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] كأن هذه الأوصاف لا تليق بمن اتصف بصفة الإيمان .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] ([/FONT][FONT=&quot]وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ[/FONT][FONT=&quot]) استنبط منها بعض العلماء إنه ينبغي أن يكون الخلع الذي يكون بين الرجل و المرأة أنه لا يكون بكامل ما أعطاه الرجل للمرأة، بل ينبغي أن ينقص وهذا معنى جميل الحقيقة، لأنك أنت قد أخذت من المرأة شيئاً فلا ينبغي بأن تعود بكامل ما أعطيتها من مهر وإنما قال ([/FONT][FONT=&quot]بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ[/FONT][FONT=&quot]). في قوله ([/FONT][FONT=&quot]إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ[/FONT][FONT=&quot]) الفاحشة المبينة ما هي؟[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.الطيار:[/FONT][FONT=&quot] قالوا إنها الزنا وبعضهم قال الفاحشة المبيّنة التي هي سوء الخلق، وهذا لا شك أعم سوء الخلق.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] كأني رأيت الطبري رحمه الله يميل إلى هذا.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.الطيار:[/FONT][FONT=&quot] وهذا الحقيقة أقرب لأن وقوع الفاحشة المبيّنة من المرأة في الزنا في مواطن ليس دائماً، لكن سوء الخلق قد يكون سبباً في هذا.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] طبعاً لا يُقصد بسوء الخلق شيء خارج عن المألوف، كونها تتمنع منه، كونها لا تحسن إلى أهله، كونها تستطيل بلسانها، كونها لا تؤدي حقه على وجه التحبب وإنما بكثير من ما يسمى"النرفزة" هذا يدخل في هذا، ويحق له بهذا أن يلجئها إلى أن تفتدي نفسها لأنه مسكين كأنه خُدِع فهو يريد إمرأة يسكن إليها ويطمئن إليها وفي النهاية وجد إمرأة ما تعطيه شيئًا من هذه الأشياء إلا بإكراه وعدم طواعية وهذا لا شك يؤلم نفس الزوج وخصوصاً في أمر العشرة الزوجية فكلما أرادها وإذا بها تتمنع وتتأذى منه وتتأفف ولا شك أن الزوج يأنف من هذا كثيراً .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.الطيار:[/FONT][FONT=&quot] قال ([/FONT][FONT=&quot]وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ[/FONT][FONT=&quot]) طبعاً يُلاحظ في القرآن الوصية بالمعاشرة بالمعروف بين الأزواج في كثير من المواطن، وكثير من الناس يغفل عن هذا المعنى وهو معنى المعاشرة بالمعروف، كيف تكون المعاشرة بالمعروف؟ عندما تتأمل سبحان الله، فإن المرأة تخرج من بيت أبيها بطباعها وأخلاقها إلى رجل أيضاً خرج من بيت أبيه بطبعه وأخلاقه، فلا يمكن أن تتلاقى هذه الطبائع والأخلاق تلاقياً تاماً، فسيكون هناك نوع من المنافرة والإختلاف، فهنا يأتي دور المعروف ومحاولة أن كل واحد من الطرفين يتنازل عن بعض الأمور لكي تسير الحياة وإلا لا يمكن أن يوجد مطابقة مهما وقع، لا يوجد مطابقة بين اثنين، فالوصول إلى درجة تعتبر مثالية وكمال مطلق هذا لا يمكن أن يوجد، ولهذا يجب أن يتنبه المسلم دائماً لقوله سبحانه وتعالى ([/FONT][FONT=&quot]وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ[/FONT][FONT=&quot]) وهو يتعامل مع أهله في كل شيء وخصوصاً في الأقوال، قد تسمع مثلاً من ضرب الزوجات وشتم الزوجات وإهانة الزوجات وعدم تلبية الطلبات المقدور عليها للزوجات، كل هذا مخالِف للمعاشرة بالمعروف وأنت لا ترضى أن يقع هذا لإبنتك فكيف رضيته لابنة الناس؟! ولهذا أنت إصنع مع زوجتك ما تحب أن يصنعه الناس مع ابنتك، وهذا لا شك أنا أقول إنه الشعار الذي يجب أن يكون مرفوعاً في البيوت: المعاشرة بالمعروف والتغافل، إذا وقع التغافل بين الزوجين تسير الحياة.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] التغافل ما هو؟[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.الطيار:[/FONT][FONT=&quot] فالتغافل هو بالعبارة العامية أن الواحد ما يدقّق، يتغاضى، فمثلا قد يأتي الزوج مرة متعصباً ويتكلم بكلام كذا، فالمرأة إن ردت عليه صارت المشكلة واشتعلت النار، لمَ لا تتحمل هذا إلى أن يهدأ طبعه وتسير الحياة، والمرأة كذلك قد يقع منها شيء من هذا فالزوج لا يجب أن يقعد عند كل قضية يفتح لها ملف أنت قلت كذا فلماذا قلت كذا.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] بعضهم يحصي ذلك إحصاءاً في ورقة أو في كمبيوتر، في اليوم الفلاني حصل كذا وتركتك وفي اليوم الفلاني قلتِ كذا وفي اليوم الفلاني طلبتِ كذا وفي اليوم الفلاني فعلتِ كذا وتكلمتِ كذا، وهذا لا شك أنه من أسوء ما يكون، ليس من العِشرة بالمعروف وفيه ضرر على الزوج و على إمرأته، طبعاً المرأة حصل منها هذا لكن حتى الزوج لما يحصي هذه الأمور سيضر حتى بنفسيته ويصبح دائماً يقع على هذه الأمور. [/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.الطيار:[/FONT][FONT=&quot] ويبحث عن الأخطاء .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] وقولك التغافل فيه كلمة للإمام أحمد لما قيل له يقولون إن تسعة أعشار الخلق في التغافل قال بل الخلق كله في التغافل، هذه الكلمة رائعة جداً ننبه إخواننا إلى أن الإنسان حتى في صحبته مع إخوانه ما يمسك كل كلمة ويحللها ماذا قصد بها فلان؟ ولماذا قالها في هذا الموقع؟ ولماذا يهينني بها؟ حساسية مفرطة.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.الطيار:[/FONT][FONT=&quot] هذه مزعجة جداً ولا تريح في الصُحبة.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] وإن كان إنسان مبتلى بشيء من ذلك فما ينجيه في نظري إلا الدعاء أي ادعو الله أن ينجيك من هذا البلاء فإنه إذا وقع في إنسان أضر به اضرارًا بالغاً فلا ينسجم مع إنسان ولا يمكن أن يصاحب أحداً ولا يمكن لأحد أن يألفه، والمؤمن كريم يألف ويُؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيار:[/FONT][FONT=&quot] لما قال ([/FONT][FONT=&quot]فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ[/FONT][FONT=&quot]) هذه تعطينا واقعية الحياة الزوجية، فالزواج الأصل أنه مبني على المحبة والمودة ([/FONT][FONT=&quot]وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً [/FONT][FONT=&quot](21) الروم) لكن قد يأتي بين شخصين أو قد يفقد شخص منهما هذا الأمر فيقع فيه كره لأي سبب من الأسباب، ويزداد هذا الكره، هذا الكره يجب أيضًا أن يكون مضبوطاً بالمعاشرة بالمعروف، لأنه من المعاشرة بالمعروف أن هذا الكره لا يوصلك إلى أن تسيء للمرأة أو أن تسيء المرأة للزوج.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] أو ألا تؤدي إليه حقوقه.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.الطيار:[/FONT][FONT=&quot] أي أن الحقوق الآن معتبرة ولكن كيف تتعامل ولهذا سبحانه وتعالى نبّه فقال ([/FONT][FONT=&quot]فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا[/FONT][FONT=&quot]) كأنه يقول تمهّل، هذا الكره الذي تجده الآن لا تستعجل في إتخاذ قرار بسبب هذا الكره لأنه قد يكون هناك مآلات أنت لم تنتبه لها، حتى يتحقق عندك تماماً أنك لا تستطيع أنه أُغلِقت جميع الأبواب فإذا أُغلِقت جميع الأبواب فهناك الطرق الأخرى.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] مخارج.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.الطيار:[/FONT][FONT=&quot] نعم، مخارج. لكن في الحقيقة عندما تتأمل أنه سبحان الله كيف أن الله سبحانه وتعالى يربي هذه الأسرة المسلمة كيف تتعامل مع هذه الأحداث. و أنا الحقيقة أتعجب من أننا بالفعل نجهل هذه القضايا ونحتاج إلى أن نتعلم هذه القضايا في المجتمع الأسري فلما تسمع بعض المشكلات الأسرية تلاحظ أنها جاءت من مثل هذه الأمور. أنا أذكر كاتبة نصرانية أسلمت سمّت نفسها نعيمة روبرت كتبت كتاباً إسمه "نساء يعتنقن الإسلام"، ذكرت هذه المشاكل الزوجية ولكنها كانت تنطلق من القرآن، وكانت تناقش القضايا بواقعية، أنه كيف تتعامل مع هذه القضايا مثل ما أرشدها القرآن، فسبحان الله تحس بأن هؤلاء الذين أسلموا من جديد وأرادوا أن يطبقوا الإسلام كما ورد بالقرآن والسنة فسبحان الله كيف يفهمون هذه الأمور بيسر وسهولة وليس عندهم فيها مشكلة. كيف يكون الطلاق بين المسلمين الجدد؟ كيف يكون الزواج بين المسلمين الجدد؟ كيف تتعامل المرأة الجديدة مع زوجها؟ لأنهم كلهم الآن في دائرة الإسلام جدد يحاولون ويبحثون عن ماذا يريد الله؟ ماذا يريد الرسول صلى الله عليه وسلم فيطبقونه، ستجد أنها كتبت كتابة واقعية كيف تعيش الأسرة المسلمة، وسبحان الله وأنا أقرأ هذا الكتاب وأتأمل وهي تذكرها أنهم لم يستطيعوا أن يحلوها وأنا أتعجب الحقيقة وأنا أقرأ هذا الكتاب كيف سبحان الله أن هؤلاء يحرصون على تطبيق هذه الشعائر حتى في التعاملات العادية، ونحن نغفل عنها وهي بين أيدينا؟! ولذلك أنا أدعو إلى أن هذه الأمور تقام لها دورات ودورات تسهل للأزواج - وخاصة إلى حديثي الزواج أو غيرهم [/FONT][FONT=&quot] أن تنزل إليهم برامج إذاعية وبرامج تليفزيونية أو كتابات أو مقالات في الصحف مرة بعد مرة، وتكون متجددة فتحل مشكلات كثيرة، نحن نشهد هذا كثيراً كم من فائدة استفدتها من كلمة عابرة من رجل أو من كلمة قرأتها في صحيفة أو من مشهد شاهدته في تلفاز أو غيره فهي تؤثر في حياتك تأثيراً إيجابياً. ولهذا نقول أنه يجب علينا أن ننتبه إلى هذا، ولكن لا نقول للإنسان أنه يلزمك، ولكن نقول تأمل أنه هناك شيء من القدر مآلاته ليست كما تظن.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] والأمثلة على ذلك كثير خصوصاً إذا اتقى الله سبحانه وتعالى في أن يصبر وأن لا يتعدى حدود الله ولا يظلم الآخرين فيجد في ذلك الخير.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] الحقيقة هذه الآية فيها من تربية الأخلاقيات في الأسرة المسلمة الشيء الكثير، استوقفتني بعض المعاني فيها، في قوله سبحانه وتعالى هنا ([/FONT][FONT=&quot]وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ[/FONT][FONT=&quot]) وأن الأصل في الحياة الزوجية هو المعاشرة بالأخلاق العالية المعروفة بين الناس بحسنها وجمالها بالتعامل بين الناس وأنه إذا كان المطلوب من المسلم أنه يتعامل مع المسلمين وغير المسلمين بحسن الخلق فهو مع زوجته مطالب بشكل أكبر أليس كذلك؟ ([/FONT][FONT=&quot]وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ[/FONT][FONT=&quot])، أيضاً من الفوائد التي تظهر لي في هذه الآية قوله سبحانه وتعالى ([/FONT][FONT=&quot]فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا[/FONT][FONT=&quot]) كيف أن الله سبحانه وتعالى طلب من النفوس الصبر والاحتمال في أمر مستمر، فالآن نحن نقول إذا كان الله سبحانه وتعالى طلب من الزوج مع زوجته أو من الزوجة مع زوجها أنه إذا كان أحدهما يكره الآخر لسبب دنيوي، طبعاً إذا كانت الزوجة مثلًا لا تصلي أو مضيّعة لدينها فهذا لا يستحب للزوج بأن يصبر عليها أليس كذلك؟ ولكن المقصود هنا ([/FONT][FONT=&quot]فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ[/FONT][FONT=&quot]) لسبب من أسباب الدنيا لخُلُق تكرهونه مثلاً كالشح مثلاً أو خِلقة مثلاً أو بذاءة لسان أو شيء من هذا القبيل ([/FONT][FONT=&quot]فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا[/FONT][FONT=&quot]) فسبحان الله! الله يوجه الزوج والزوجة مع أن حياتهم مستمرة أنت لا تدري متى تنتهي حياتك الزوجية معها قد تستمر 20 سنة أو 30 أو 40 سنة مرتبطة بالموت أليس كذلك؟ ويطلب منك الصبر ويقول اصبر فعسى أن تكره شيئاً فيجعل الله فيه خيراً كثيراً. فكيف تقول في صحبة المسلم لأخيه المسلم؟! أو المسلمة لأختها المسلمة وهي لا تعيش معها طول الوقت كما يصنع الزوج مع زوجته؟! لا شك أن الصبر مطلوب معهم من باب أولى أليس كذلك؟ لأن العيشة ليست دائمة فأنت ترى الآن بعض الزملاء يضيق بزميله لأخلاق بسيطة ليست كبيرة ويضيق به ويأنف منه ويتبرم ولا يصبر بل يهجره وقد نُهيَّ المسلم أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث، وذكر المفسرون أوجهًا من أوجه الخير التي ذكرها الله هنا عندما قال ([/FONT][FONT=&quot]فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا[/FONT][FONT=&quot]) مثل ماذا؟ قالوا مثل أن يصلحها الله سبحانه وتعالى فتنقلب فإذا هي خير مما كانت عليه، أو أن يرزقك الله منها بذريّة صالحة وهذا يحصل كثيراً فعلاً.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] حتى قالوا في أمثال العرب (كل فروط منجبة) الفروط طبعاً هي المبغضة للزوج التي لا تتحبب إليه بخلاف العروب فسبحان الله! منجِبة تنجب الأولاد الذين يكونون هم أنجب ما يكون من الأولاد وهذا لا شك أنه خير لهذا الرجل خصوصاً إذا ما صبر واتقى الله سبحانه وتعالى. وتصديقاً لكلامك أبا عبد الله منذ قليل في كلامك أنه يصبر الإنسان في مثل هذه المواقف فعسى الله أن يجعل فيها خيراً فيصلح الله له هذه الزوجة، في هذه الأيام بلغتني قصة عن رجل من الصالحين كانت له زوجة سليطة اللسان وكان الناس يعجبون من صبره عليها وكونه يتجلد في تحملها فكانت حتى تدير البيت وتأمر وتنهى ولا يستطيع أحد في البيت أن يخالف رأيها وكان هو صابرًا على هذا الأمر، العجيب أنه لما أصابه شيء من الفالج في كبر سنه نفر منه كل أحد إلا هي، ذلّلها الله سبحانه وتعالى له وسخرها له فما بقي من يخدمه حتى أنها كانت تأخذ الأذى من تحته إلا هي، وهذا سبحان الله مثل ما ذكرت مثل ما يصلحها الله هي في نفسها.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] لاحظوا أيضاً يا أخوان مصداقًا لما ذكرتم أن الله لم يوجه من يكره زوجته لسبب من الأسباب الدنيوية التي يمكن أن يصبر عليها لم يوجهه للطلاق ولم يوجهه إلى الزواج من الزوجة الثانية كما وجهه في الآية الأولى في قصة اليتامى عندما قال ([/FONT][FONT=&quot]وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ[/FONT][FONT=&quot]) هنا لم يقل فإن كرهتموهن فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، مع أن هذا مظنة التوسيع أي أنك إذا كنت قد كرهت من زوجتك خلقاً فليكن لك فرصة تزوج ثانية وثالثة ورابعة واترك هذه الزوجة التي تكره منها هذه الأخلاق، وإنما وجّهك إلى الصبر وكأنه يقول فإن كرهتموهن فأصبروا عليهن ([/FONT][FONT=&quot]فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا[/FONT][FONT=&quot]) [/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري: [/FONT][FONT=&quot]عسى هنا بالمناسبة يا دكتور مساعد يقولون دائماً أن عسى من الله واجبة، فهنا ما دلالة عسى؟ [/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيار:[/FONT][FONT=&quot] هنا الأغلب في عسى من الله أنها واجبة، إذن هذا وعد كأنه وعد أنها وعد من الله سبحانه وتعالى من تأول هذه الآية مع زوجته أو تأولت الزوجة مع زوجها فلا شك أنه سيأتيها بالخير الكثير، يوصف بأنه خيراً كثيراً وليس فقط خيراً مطلقاً مما يدل على أن من آثار الصبر على هذه الأمور هذا الخير الكثير فسبحان الله وهذا لا شك أنه نوع من أنواع الوعد ووعد الله سبحانه وتعالى لا يتخلف، وفي مقابل الإنسان تطبيق المسلم له لأنه لم يأت بالأمر على الوجه الذي شرعه الله .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] في قوله (خيراً) يا دكتور عبد الرحمن أترى أنها نكرة أصلاً؟ هي في النكرة تدل على التعظيم فكيف إذا وصفت بأنها خيراً كثيراً؟![/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] لا إله إلا الله، الحقيقة سبحان الله العظيم أن هذه الآية فيها فتح لباب الصبر للمسلم ولكن من يوفق للصبر إلا من وفقه الله؟! لذلك ما أعطي عبد عطاء أوسع خيراً من الصبر لأن كثيرًا من الناس يتذمر ويتخذ قرارًا مستعجلًا في هذه القضايا، يكره من زوجته خُلُقاً قد يكون مثلاً تافهاً لذلك أنت تلاحظ وأنا ألاحظ الآن في كثير من الاستشارات الزوجية التي نقرأها في المجلات أو نسمعها في البرامج أنها مسائل تافهة وتؤدي هذه المسائل التافهة إما اختلاف على لون كنب مثلاً أو اختلاف على شيء من المال أو اختلاف على راتب الزوجة أوعلى جزء من راتب الزوجة أو ملابس الزوجة أو السكن أو حفلة مثلاً يحلف الزوج أن الزوجة لا تحضر هذه الحفلة وهي تقسم أن تحضرها فتؤدي مثل هذه الأسباب التافهة إلى الطلاق. وهنا الله سبحانه وتعالى يفتح باب الصبر للزوجين وهذا فيه الحقيقة إشارة إلى أن الزوج ينبغي أن يتحلى بالصبر أليس كذلك؟ وأن يتحلى بسعة الصدر والاحتمال وهذا من معاني القوامة ومن معاني جعل العصمة في يد الزوج أن يكون صبوراً. الأمر الثاني الذي أعجبني حقيقة في قولكم (وعاشروهن بالمعروف) وأن الكثير من المعاشرة بالمعروف تتجلى في التغافل واحتمال الأذى وكأنك لم تسمع وتذكرت بعض الأبيات الشعرية مثل قول بشار بن برد في قصيدة مشهورة فيها معاني رائعة جداً لكن يقول من ضمن أبياتها [/FONT]
[FONT=&quot]إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى ظمِئتَ و أيُّ الناس تصفو مشاربهم [/FONT]
[FONT=&quot]فأنت لا تتوقع أن حياتك مع زوجتك ستكون كلها عسل كما يقولون ويصورون بعض الناس وللأسف أنه الآن في أفلام ومسلسلات وروايات يصورون الحياة الزوجية على أنها حياة رومانسية مليئة بالغرام و ليس فيها ما يعكر فلما تأتي البنات إلى الحياة الزوجية والحياة البشرية مليئة بالمرض ومليئة بالظروف ومليئة بالكدر، انظر إلى حياة الرسول صلى الله عليه وسلم. [/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] لذلك الآن مثلاً دعونا نتكلم عن المسلسلات التركية التي صار فيها اعطاء صورة غير حقيقية للحياة الزوجية وخدع بها أناس بل حصلت حوادث طلاق بين أزواج وزوجات لهم سنين متزوجين يعني الزوجة تذمرت من واقعها لما رأت هذا المسلسل، ظنت أن هذا المسلسل هو الذي يصور الحياة الحقيقية هذا غير صحيح! هذا كله مفتعل! والله لو تزوج هذا الرجل الموجود في المسلسل على تلك المرأة زواجاً حقيقياً لبان منه ومنها الشيء الكثير. حتى قال لي مرة أذكر الشيخ جعفر شيخ إدريس كلمة عجيبة قال انظر إلى تعامل الأخت مع أخيها خصوصاً إذا تزوج كل واحد منهم وصار له بيت من أحسن ما يكون من العشرة أو المعاملة ما بين الأخت وأخيها هي تحترمه وتكرمه وإذا جاء إليها جعلته بين عينيها، يقول لو أحلّ الله لنا أن نتزوج أخواتنا لرأينا منهن ما نرى من سائر النساء!. في قوله (وعاشروهن بالمعروف) أنا الحقيقة يا أبو عبد الله لاحظ الجانب الأخلاقي في قوله (وعاشروهن بالمعروف) يجب أيضاً أن نلاحظ جانبًا آخر الآية تحتمله أيضاً وهو الجانب الفقهي (عاشروهن بالمعروف) أي إعطوهن من الحقوق ما تعارف الناس عليه فما تأتي وتقول أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصرف على عائشة درهماً في اليوم وأنا سأصرف عليك ولست بخير من عائشة سأصرف عليك كما صرف النبي على عائشة! كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر به الشهر والشهرين والثلاثة لا يوقد في بيته نار وأنت ما شاء الله كل أسبوع توقدين النار. كل يوم، لا، لا كل أسبوع على أساس أنه مقتِّر عليها، يعني أنا أعطيك أكثر مما أعطي النبي صلى الله عليه و سلم عائشة (وعاشروهن بالمعروف) أي بما عرف من حالك وحالها وحال الناس التي تعيش فيه ، و أيضاً أنت أيتها المرأة ( عاشري زوجك بالمعروف) أي تقدمي لزوجك ما تقدمه النساء لأزواجهم يعني لو جائت المرأة وقالت ما عندي استعداد أخدم. وكلمة (وعاشروهن بالمعروف) جاءت على وجه المفاعلة فيها نوع من التبادل بين الرجل وإمرأته .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]في قوله (وإن كرهتموهن) الحقيقة في ملحوظة أنه يمكن للمؤمن أن يكره مؤمناً أو لا؟! وهذه الكراهة طبعاً إن كانت كراهة شرعية مثل ما أسلف الدكتور عبد الرحمن ينبغي أن تزال أسبابها بالنصيحة والأسباب التي ذكر الله عز وجل في كيف تزال هذه الكراهة الشرعية. وإن كانت كراهة طبيعية بمعنى أنه سبحان الله وجد في قلبه إنفاً لها ووجد في قلبه شيئاً من هذه الكراهة لها فعليه أن يسعى لإزالة الأسباب قدر ما يستطيع ثم لا يكلفه الله شيئًا فوق ذلك لأنه يمكن أن يقع ذلك ولا يؤثر في أصل إيمانه لأنه من المعلوم أن المؤمن مطلوب منه الحب في الله [/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] خاصة بين الرجل وامرأته لابد أن يكون هذا متوفر صحيح . مما يشير أيضاً أن الآية تدل على أن الحياة الزوجية الأصل فيها المحبة والحب أليس كذلك !! بلى وأن خلاف الأصل هو (إن كرهتموهن) أن يطرأ كره لخلق من أخلاق الزوجة يستدعي الصبر ويستدعي البذل ويستدعي النصيحة وربما يؤدي إلى الطلاق ولا شك أن من المعاشرة بالمعروف إذا لم يكن هناك قدرة على الاستمرار في الحياة الزوجية أن يكون هناك فراق بالمعروف وبالتي أحسن أليس كذلك؟ .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] قال تعالى (وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً) قوله (وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ) الآيه طبعاً مفهومها العام [/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيار:[/FONT][FONT=&quot] لما ذكر الكراهة في الآية السابقة قد يكون بعض الأزواج ليس عنده من الصبر والتحمل ما يبقي زوجته معه فيريد أن يطلقها ويتزوج بأخرى. فإن كان قد أراد زوجة أخرى وكان قد أعطى الأولى قنطارًا والقنطار طبعاً مال ضخم المقصود به مال كثير ولنفترض مثلاً أنه مليون على سبيل الافتراض إنه أعطى هذه الزوجة مهراً مليون على سبيل الافتراض فهو لما أراد يطلق استكثر هذا المال فأراد أن يأخذ منه [/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] وكأن هذا به ربط بالعضل الذي تحدثنا به قبل قليل ! [/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيار:[/FONT][FONT=&quot] أي نعم .يضايقها حتي يسترجع مرتبطة بالآية السابقة. فلا يجوز له أن يأخذ من هذا المال ويسمي الله سبحانه وتعالى أخذه إن أخذ (أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً) والبهتان يجب أن نعرف إنه أشد من الكذب .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] لكن في قوله (وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ) يظهر مثل ما ذكرت يا أبا عبد الملك إنه هو طمح عن الأولى خلاص انتهى منها ويريد أن يطلقها ليأتي بأخرى مكانها، طبعاً هنا يحتاج إلى مهر للثانية ! فلاحظ! هنا إنه كيف يحصل على المهر؟ المتوقع إنه يحصل على المهر إنه يأخذ المهر من الأولى ويعطيه للثانية فالله يحذر في هذه اللحظة التي تريد أن تستبدل زوج مكان زوج أن تظلم من أعطيتها مهراً فتريد أن تأخذه . [/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot](وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا) في قوله (وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا) تكلم الناس عن قضية تحديد المهور، هل هذه الآية تدل على جواز أن يغالي الناس في المهور!؟ [/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] هذه وقعت لعمر رضي الله عنه، أراد عمر بن الخطاب أن يحدد المهور إنه رأى الناس يغالون فيها وطبعاً المهور كانت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد الصحابة الكرام ميسورة وأن أكثر النساء بركه أيسرهن مهراً وهذا هو السنة وأن المبالغة في المهور ليست من السنة في شيء، هذه واحدة . لكن إن حدث أن دفع رجلاً لزوجته مهراً غالياً حتى وإن كان مبالغاً فيه فليس في ذلك شيء ليس هذا محرّماً في ذاته. ثم تأتي هذه الآية فالله سبحانه وتعالى يعتبرها على افتراض، على افتراض أنك كنت أعطيت زوجتك التي كرهتَ البقاء معها أنك كنت قد أعطيتها مالاً كثيراً فإنه لا يحل لك أن تأخذ منه شيئا، وأن المروءة تأبى، وأن الدين والشرع هنا يذم ذلك . قال (وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا) والقنطار هنا كما تفضلت هو المال الكثير كما قال الله سبحانه وتعالى (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) ( آل عمران 14 ) يعني الأموال الكثيرة فلا تأخذوا منه شيئاً أدنى شيء يعني شيء نكرة في سياق النهي فلا تأخذوا منه شيئاً البتة. ثم يقول (أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً) هذا إستفهام إستنكاري إنه لا ينبغي للرجل المسلم المؤمن الذي جاء النداء له (يا أيها الذين آمنوا) في الآية السابقة أن يفعل مثل هذا الفعل المشين .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] في قصة عمر رضي الله عنه حقيقة نريد أن نبحثها لكن إن شاء الله لعلنا نرجئ هذا البحث إلى الجلسة القادمة . فلما قال [ ألا لا تغالوا في مهور النساء ] فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر شيئاً من ذلك والحديث طبعاً رواه أهل السنن لكن الزيادة عليه هي محل الإشكال لما قامت إمرأة وقالت له ماذا تقول في قول الله عز وجل (وآتيتم إحداهن قنطارا) فسكت عمر ثم قال [ أخطأ عمر وأصابت إمرأة ] هذه الزيادة هي محل الإشكال لأن الذين رووه من أهل السنن رووهم دون هذه الزيادة. هي رويت عند بعض أهل السنن والمسانيد لكن ليست في السنن الأربعة الترمذي و غيرها. ومن هنا يقال أنه هل يحتج بهذا الحديث الذي فعله عمر رضي الله تعالى عنه على جواز تحديد المهور؟ الذي يظهر والله أعلم أنه يجوز لولي الأمر أن يحدد مهراً خصوصاً إذا رأى الناس قد بدأوا يبالغون فيشق عليهم ذلك، ولكن لو أن إنسانًا أعطى امرأة مالًا كثيرًا فإن ذلك الذي أعطاها إياه حل لها ويصبح مالاً لها لا يجوز للزوج أن يتراجع عن شيء منه أو يضطرها إلى أن ترد إليه شيئاً من هذا المال. انظر كلمة (شيئاً) قلنا إنها نكرة في سياق النهي لتدل على أنه لا يجوز للإنسان أن يأخذ من ذلك المهر أي شيء .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]على كل لعلنا إن شاء الله أن نعيد كل هذا البحث في حلقة قادمة. مشاهدي الكرام إلى هنا انتهى الوقت المقرر لهذه الحلقة ، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك لي ولكم في القرآن العظيم، وإلى لقاء آخر. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]بُثّت الحلقة بتاريخ 11 رمضان 1431 هـ[/FONT]
 
[FONT=&quot]الحلقة 12[/FONT]
[FONT=&quot]تأملات في سورة النساء [/FONT][FONT=&quot] الآيات (20 [/FONT][FONT=&quot] 23)[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والآه [/FONT]
[FONT=&quot]مشاهديَّ الكرام مازلنا نتحدث في آيات سورة النساء هذه الآيات العظيمة التي فيها من التوجيهات والآداب والإرشادات الكريمة التي لا تسلم و لا تسعد الحياة إلا بإتباعها والأخذ بها. والحقيقة في كل مرة نظن أننا نستطيع أن نتجاوز قدراً كبيراً من الآيات إلا إننا نجد أن المعاني تكثر والآداب والإستنباطات تتوفر ولا نريد أن نحرم أنفسنا ولا نحرم إخواننا المشاهدين. مشاهدي الكرام وصلنا إلى قول الله عز وجل (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴿٢٠﴾) سنتحدث عن هذه الآية وما يليها من الآيات لكن بعد أن نستمع لها وننصت لتلاوتها أسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بها (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴿٢٠﴾ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴿٢١﴾ وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا ﴿٢٢﴾ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴿٢٣﴾)[/FONT]
[FONT=&quot]بعد أن استمعنا إلى هذه الآيات الكريمة وتأملناها نبحث الآن في بعض معانيها. وصلنا يا مشايخ إلى قول الله عز وجل[/FONT][FONT=&quot] (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا) كنا توقفنا عند قضية المغالآة في المهور وكان من ضمن الحديث الذي تحدثنا به قصة عمر رضيَّ الله تعالى عنه عندما قال (ألا لا تغالوا في مهور النساء فلو كانت مكرمة لكان أحظي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه، و لكن النبي صلى الله عليه وسلم ما زاد في مهره عن كذا وكذا) أو كما قال أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب. وهذه القصة ثابتة ورواها أهل السنن ولكن حصل الإشكال في الزيادة التي يتداولها كثير من المؤرخين و الكاتبين عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضيَّ الله تعالى عنه. حيث يقولون أن إمرأة قامت فقالت كيف تقول في قول الله عز وجل (وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا)؟ فقال عمر[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot](أصابت إمرأة وأخطأ عمر) على أساس أنه تراجع عن هذا الأمر. حقيقة هذا الشيخ عبد الله بن زيد المحمود القاضي في قطر [رحمه الله ] كتب رسالة في هذه القصة وبيَّن أن القصة صحيحة إلى نهاية كلام عمر دون إستدراك المرأة، وكان مما إستدل به طبعاً أن إسنادها فيه إنقطاع [إسناد الزيادة] والثاني أن أهل السنن رووا قصة أمير المؤمنين عمر دون أن يرووا هذا المشهد الذي يعتبر ناسخاً لكلام عمر، وعند التأمل في الآية لا نجد في الآية ما يدل على نقد كلام عمر فعمر يقول لا ينبغي لكم أيها الناس أن تغالوا في مهور نسائكم وهذا صحيح لأن النبي صلي الله عليه وسلم بيَّن كما ذكرتم يا دكتور عبد الرحمن أن خير النساء وأكثرهن بركة أيسرهن مؤونة وأن التقليل في المهر وعدم المبالغة فيه أمر مطلوب شرعاً وعمر أنما طلب بهذا الحد. ولذلك نحن نقول أن أمر الناس بهذا وحثهم عليه لا إشكال فيه[/FONT] [FONT=&quot]والآية إنما جاءت على وجه أن الإنسان لو دفع لإمرأته وبالغ في الدفع فإن هذا جائز . هنا يأتي السؤال هل يجوز لإمام أن يقنن مهراً معيناً أو أن الناس أن يتفقوا على مهر معين إذا رأوا أن الأمور بدأت تصل إلى شيء لا يستطاع أو يشق على كثير من الناس ويضر بالحياة الإجتماعية فهي تبقي على نساء عوانس؟ أنا الحقيقة سمعت فيما سمعت في الجرائد وكذا تجد عدد من العشائر والقبائل يجتمعون و يتفقون على أن مهر البكر كذا ومهر الثيب كذا من أجل يسهلون على الناس أمر الزواج فنقول أن هذه الإتفاقات يجب أن تحظى بالتأييد والدعم والمساندة والحقيقة هي أنها في نهاية المطاف مصلحة للناس لأن الناس إذا تُركوا على سجيتهم وزين لهم الشيطان بعض هذه المغالآة على وجه المفاخرة التي لا معني لها إلا العلو بشئ ليس مجالًا للعلو ..[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيار:[/FONT][FONT=&quot] صحيح .[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] والحقيقة أن إرتفاع المهور يكاد يكون يمثل أكثر من 85% من مشكلات العنوسة و تأخر سن الزواج لأن الحياة الإقتصادية أصبحت الآن مكلفة جداً و أصبح الذي يستطيع أن يحصّل المهر ويقوم بأعباء الزواج قليل جداً حتى أنه أصبح الآن الموظف البسيط أو العادي لا يستطيع أن يدفع مثل هذه المهور الغالية فيتأخر سنة وسنتين وثلاث وأربعة وربما أكثر من ذلك حتى يستطيع أن يحصل على ما يستطيع به أن يتزوج. ولو كان الناس كما تفضلت رجعوا إلى السنة ويسّروا أمور الزواج والمهر لتزوج الفتيات وتزوج الشباب في سن مبكرة ولإنعكس هذا على المجتمع بصفة عامة في عفافه وفي أخلاقه وفي قوته وفي تماسكه كما كان الحال في عهد السلف الأول . وأنا أقول عندنا نحن هنا الآن في المناص هنا كثير من القبائل تصنع هذا فتتفق على أن يكون المهر لا يتجاوز مثلاً عشرة آلاف ريال [/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] غير تكاليف الزواج [/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] عشرة آلاف ريال يدفعها الزوج ويدخل فيها ما يدخل فيها الزوج و تمشي الأمور بهذه الطريقة وتزوج البنات وأصبحت العنوسة في بعض القبائل غير موجودة بنسبة صفر .. [/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] عجيب .. [/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] نعم ،و أصبح الشاب من هذه القبيلة يتزوج وهو في سن مبكرة ويبني بيته والحياة ماشية، وهذه هي السنة أصلاً لكن تجد المغالآة في المهور وقصص المغالآة في المهور سببًا من أسباب عزوف كثيراً من الشباب عن الزواج سواء في مجتمعنا هنا في العالم الإسلامي أو في غيره حتى! [/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] خصوصاً مع وجود البطالة الآن وقلة الوظائف وأيضاً ضعف الشباب في العزيمة والإصرار على الكدح [/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] والحقيقة أن هذه من الأشياء التي لم يتنبه لها المصلحون في المجتمعات الإسلامية الآن يعني الآن هذه البطالة الموجودة وهذا الغلاء في المعيشة ألا يجب أن يتوافق معه تخفيف المهور ؟ بلى فلماذا نصر ونقول أن المهر مثلاً يبقي أربعين ألف سواء إرتفعت المعيشة أو لم ترتفع، هذا غير مقبول صحيح . صحيح أن ممكن أن أربعين ألف أو خمسين ألف أو ستين ألف تكون مناسبة في مرحلة معينة الآن أصبحت غير مناسبة لأن المبلغ هذا لا يستطيع أن يحصل الشاب للتو تخرج وتوظف . [/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] استدراك الآن يا أبا عبد الله على موضوع أن تكون 85% .. أنا أقول ليس المهر هو محل الإشكال قد يكون في غالب الأحيان تكاليف الزواج ليلة العرس والأبهة التي تكون فيها أحياناً المهر الناس يتراضون على ألف ريال وعلى خمسة آلاف ريال وعشرة آلاف ريال لكن لما تأتي ليلة العرس وإذا به في قصر أو في فندق من أفخم الفنادق و يأتى بمطرب أو مطربة أو شيئ من هذا المنكرات بأربعين ألف يستلمها للذة ساعة أو ساعتين وليتها لذة ويسمونها إحياء! وفي النهاية على رأس هذا المسكين! . طيب أنا أقول المهر يحل لهذا لأنه يذهب ليد الزوجة يمكن أن تحفظه تستفيد منه تشتري به بعض حاجياتها يعني تنتفع منه بوجه من أوجه الإنتفاع المشكلة في نظري هذه التكاليف التي هي محل المباهاة الحقيقية كان الناس ولا زالوا جزء منهم يتباهون في كمية المهر فلانة أعطيت مائة وعشرين بينما فلانة لايمكن أن تعطي أربعين إذن فلازم ترفع إلى مائة وعشرين فهي ليست أقل منها والدها في المكانة الفلانية أهلها من الأسرة الفلانية! ونحن نقول لا إنتبهوا أيها الأخوة ليست القصة أيضاً هي قصة المهر. المهر ينبغي أن يراعى قدراً القدر اللطيف الخفيف على الزوج فيه وأيضاً تكاليف الزواج ولذلك في الحقيقة عنها أهنئ المؤسسات الخيرية التي قامت بما يسمي الزواج الجماعي وقبل أيام شهدنا زواجًا في جدة وآخر في المدينة فيه خمسمائة زوج على خمسمائة فتاة يعني ألف إنسان تزوجوا في ليلة واحدة بتكلفة واحدة يدفع كل شخص ما يقارب ألف ريال أو شيء من هذا القبيل و ينهي مراسم ليلة الزواج هذا لا شك أنه يوفر مبلغًا كبيرًا من المبالغ عليهم .[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيار:[/FONT][FONT=&quot] (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا) [/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] طبعاً قبلها ماذا قال؟ قال (أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً) وهاتان دالتان على حرمة أخذ الزوج لشيء من المهر الذي تقدم به للزوجة وأن ذلك لا يحل له إلا أن ترضاه الزوجة . [/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيار: [/FONT][FONT=&quot]مثل قوله سبحانه وتعالى في آلهة الكفار { وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ } ( سورة الأنعام 108 ) مع أن سب آلهة المشركين جائز لكنه نهي عنه هنا للمآل وهذا كله من باب الأدب مع الله سبحانه وتعالى و رعاية ما يخرج من الألفاظ المسيئة لله سبحانه وتعالى فنهاهم عن أن يفعلوا هذا. وهنا أيضاً وفي حق رسول الله صلى الله عليه وسلم { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا } ( سورة البقرة 104 ) وهنا عندنا أمثلة كثيرة جداً من القرآن في هذا الجانب وهو رعاية الأدب في الألفاظ [/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ } ( سورة البقرة 187 ) [/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري: [/FONT][FONT=&quot]جميل جداً لاحظوا أن هذه الآيات تتلى و لله الحمد في المساجد وفي الجوامع وفي كل يقرؤها الرجال والنساء والصغار والكبار والبنات ولا تلاحظ فيها لا سوء عبارة ولا نبوء عبارة ولا تجد فيها حرجاً وأنت تدرسها وأنت تعلمها للناس وهذا من سمو العبارة وأدبها والكناية وهذا من الإسلوب الراقي جداً في أنك ممكن أن تدرس الآداب والتعاملات بين الزوج و الزوجة وبين الرجل والمرأة وأنت في نفس الوقت لا تجرح الحياء ولا تخدش الحياء وهذا رائع جداً. تعالَ وأنت تقرأ الآن في كتب أهل الكتاب المحرفة طبعاً تجد فيها من العبارات ومن القصص التي يندى لها الجبين! لذلك أذكر أحد القساوسة يقول (نبغي أن يحذف هذا الجزء جزء كبير من الكتاب المقدس لأن فيه ألفاظ صارخة تخدش الحياء وتسيئ إلى الأخلاق ) في حين أن القرآن الكريم من أوله إلى آخره لا تجد فيه شيء من هذا مع أنه تعرض إلى مثل هذه القضايا مثل قوله (وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ) إشارة إلى ما يقع بين الزوج وزوجته ولاحظ أنه هنا إستنكر على من يأخذ من مال زوجته شيئاً حتى إذا طلقها لسببين: السبب الأول أنه قد أفضى بعضكم إلى بعض وحصل بينكم من المخالطة ومن المكاشفة ما لا يليق بك أن تطالب بعده بهذا المال . والأمر الثاني الإشارة إلى غلظ وإلى عظمة الرباط بين الزوج و الزوجة فقال (وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا) وهو ما وقع في عقد الزواج والنكاح من أنه قد رضيها زوجة له وهي قد قبلته زوجاً لها بحضور وليها وشهود الشاهدين وما في هذا العقد من الغِلَظ ومن التعظيم وما يترتب عليه من الحقوق بين الزوج وزوجته ما لا ينبغي معه أن يطالب بعده بشيء من المهر الذي دفعه لها وهذا غلظ ميثاق الزواج .[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] في غلظ ميثاق الزواج دعونا نتأمل كيف جاء غليظًا؟ لاحظ الآن المرأة لو كانت تملك عمارة بمائة مليون من حقها شرعاً أن تبيع هذه العمارة دون أن ترجع إلى أحد من أوليائها أليس كذلك؟ [/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] بلى صحيح ، [/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] ولكن لو أرادت أن تزوج نفسها ما حل لها ذلك إلا أن يشهد أن يكون ذلك بإذن وليها وشهود الشاهدين لماذا؟ كما ذكر الدكتور عبد الرحمن ماذا يترتب على هذا العقد ؟ الحياة حياة كاملة ترتب عليه أن هذا الزواج سيلحق به نسب ، ستكون به قرابة ، سيلحق به ميراث، سيكون به سمعة ، ستقوم به تواصل بين أسر ، ستقوم به حياتهما يعني المرأة الآن تتصرف بمئات الملايين لكن هذا الأمرما تتصرف به وحدها بل لابد لغلظ هذا الميثاق أن يدخل معها آخرون لأن العاقبة فيه واضحة في الدنيا قبل الآخرة ولذلك نحن نقول أيها الناس إتقوا الله في أمر هذا الميثاق، واليوم نحن نشاهد يا أبا عبد الله نشاهد تساهلاً كبيراً في أمر أن يتزوج إنسان إمرأة فيقول والله إني أتزوج وأرى ونيتي أني أطلق، يا أخي هذا ميثاق غليظ! وفيه معنى عظيم جداً هل ترضي هذا لإبنتك أن يأتي إنسان قد نوى أن يستمتع منها ليلة أو ليلتين أو إسبوعًا أو إسبوعين ولو كانت الصورة الظاهرة شرعية ولي وشهود وحفلة زواج وغير ذلك ثم في النهاية تذهب وتلقي كلمة الطلاق على المرأة من خلال رسالة جوال أو مكالمة هاتفية وتجعلها بعد هذا الميثاق الغليظ أسيرة الأحزان والطلاق والسمعة السيئة والكلام والقيل والقالة بين الناس. والله إني أظن والله أعلم أن أيَّ إنسان منا تدبر قوله (وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا) أن يحترم هذا الميثاق وأنه ما يدخل فيه إلا وهو صادق النية. د. الشهري: وهو خطاب للرجال [/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] نعم خطاب للرجال صادق النية أن يحسن إلى هذه المرأة ، وأنه صادق في رغبته فيها ، وأنا هنا أحذر ويا ليتكم يا مشايخ تشاركوني في هذا الأمر الآن شاع بين الشباب وخصوصاً في الصيف يذهبون إلى بعض الدول الإسلامية المبتلية بالفقر بما آتاهم الله من الغنى ولما يتطلع فيه أولئك أن يعيشوا عيشة كريمة يرضون إرتباط بشباب يأتي الواحد وفي نيته أن يتزوج هذه الفتاة لمدة شهر أو إسبوع أو إسبوعين هذا عبث! .[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] عبث صدقت وإن كانت صورته الظاهرة صورة مشروعة. لكن لاحظ الآن عندما يؤكد الله سبحانه وتعالى على هذه المعاني العميقة في العلاقة الزوجية بين الزوج وزوجته وهو الإشارة إلى قضية الميثاق الغليظ في قوله هنا (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ) لاحظ الآن عندما يستنكر على الزوج الذي يريد أن يأخذ من مال زوجته يستنكر عليه بهذه المعاني الأخلاقية معاني أخلاقية أليس كذلك؟! وكيف تأخذونه ولم يقل وهو حرام عليكم لا قال (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ) يخاطب في الإنسان أخلاقه ، ويخاطب فيه عاطفته ، ويخاطب فيه إيمانه مما يشير أيها الأخوة إلى أن المؤمن الحقيقي لا يتهاون في مثل هذه القضايا قضية الطلاق ، قضية إهانة المرأة ، قضية عضلها ظلمها خاصةً إذا كان ليس لها من يدافع عنها يتيمة مثلاً ليس لها من يدافع عنها من أب أو من أخ أومن قريب فيتفرد هذا الزوج الظالم بهذه المرأة المسكينة فيظلمها ويتعسف في التعامل معها .[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] العجيب يا أبا عبد الله في قضية التبشيع، طريقة التبشيع القرآنى تبشيع وتنفير النفس من فعل هذا الأمر يقول (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ) يعني يذكر شيئاً يستبشع الإنسان بعد ما يسمعه أن يرجع فيما أعطاه المرأة حتى إن كان على وجه الهبة ليس من المهر ولا من تكاليف الزواج، يقول(وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ) يعني وصلت إلى شيء لم يصل إليه أحد غيرك حتى أبوها وأمها ما وصلوا إلي ذلك الشيء وهم أقرب الناس إليها أنت وصلت إليه بعد ذلك تذهب وترجع؟! مثل ما قال النبي صلي الله عليه وسلم (العائد في هبته كالكلب يقيئ ثم يعود في قيئه) يعني خلاص النفس ما عاد يمكن أن تعود، مثل ما قال الله عز وجل { وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} (سورة الحجرات 12) تبشيع تنفر بعده النفس نفوراً تاماً .[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيار:[/FONT][FONT=&quot] قوله هنا (وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ) أيضاً هذا مرتبط بعادة جاهلية سبقت الإشارة إليها في الآية التي قبل هذه في قوله سبحانه وتعالى (لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا (19)) فقد ينكح الرجل زوجة أبيه في أنكحة الجاهلية يلاحظ هنا إنه قد يقع هذا دون أن يكون هناك نوع من الميراث قد يكون طلقها فهذه أعم من الآية الأولى بمعنى أنه قد تكون مطلقة فيتزوجها الإبن [/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] أو يموت الأب عنها ثم يأتي الإبن فيتزوجها كما يتزوجها سائر الرجال [/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيار:[/FONT][FONT=&quot] نعم، بأي صورة من الصور أنه لا يجوز للرجل أن يتزوج زوجة أبيه وهذا من إحترام الأب لأنه الآن حتى لما أنت تتخيل هذا الأمر تستكرهه [/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] هذا من المحرمات تحريم تأبيدي زوجة الأب إنها تحرم على الولد نعم تحريماً أبدياً .[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] تعالى ننظر إلى قضية التخلّص يا أبا عبد الملك كيف أنه جاء إلى هذا الحكم بعد ما ذكر المقدمة في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا) فأشار إلى عادة الجاهلية في إرث النساء بعد موت الآباء يرث الأبناء زوجات أبائهم ثم جاء هنا ليذكر مسألة أخرى وهي نكاح منكوحة الأب أو الزواج على منكوحة الأب وأن هذا أيضاً محرم فخرج من ذاك إلى هذا بهذه الصورة الجميلة. [/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] لكنه صرّح في هذه الآية بالزواج نفسه فقال (وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ) ما معنى إلا ما قد سلف يا شيخ؟ [/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] يعني إلا شيئاً قد مضى في الجاهلية [/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] وليس معناها إلا ما قد وقع منكم قبل هذا الحكم إفرض إنه قد تزوجها قبل هذه الآية فيبقي على زواجه منها؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] لا لا، بل يجب عليه أن ينزع وهذا لأن الله قال (إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً) ومثل هذا لا يمكن أن يكون يجوز إستمراره، فاحشة منكرة عقلاً مستقبحة عقلاً وشرعاً. (ومقتاً) قالوا لأنه يورث البغضاء بين الأقارب لأنه من عادة الزوج الثاني أنه يبغض الزوج الأول بسبب أن الزوجة تذكره بما كان من زوجها الأول أو الغيرة التي تحدث بين الأزواج مع الزوجات. (وساء سبيلاً) أي ساء طريقاً من طرق الإتصال بين الرجال والنساء أو الوصول إلي ما أحل الله عز وجل. فالحقيقة هذه الآية يا إخواني هي أول آية في ذكر المحرمات من النساء، وهي مذكورة طبعاً في الآية التي تأتي بإذن الله عز وجل لكن أول واحدة [/FONT]–[FONT=&quot] (ولا تنكوا ما نكح أباؤكم). طبعاً آباؤكم يقصد بها كل أب لك وإن علا [/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] الأب وأب الأب [/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] أبوك وأبو أبيك وأبو أبي أبيك وأبو أبي أمك وأبو أمك كل هؤلاء من دخل من هؤلاء من عقد من هؤلاء على إمرأة حرمت على كلٍ ابن له وإن نزل. فلننتبه لهذه الكلمة (أباؤكم) يعني أباؤكم وإن علوا وأبناؤكم وإن نزلوا. (وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ) طبعاً كلمة (ولا تنكحوا) يقصد بها العقد [/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] ومن باب أولى ما بعده .. [/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] نعم، قصدي يمكن بعض الناس يقول إذا عقد عليها ولكنه لم يدخل بها نقول خلاص حرمت تحريماً مؤبداً بالعقد [/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيار:[/FONT][FONT=&quot] نعم .. [/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] والنكاح إذا أطلق في القرآن يا أبا عبد الملك يدل على ماذا؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيار:[/FONT][FONT=&quot] على العقد[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] ولا يستثنى من هذا إلا قول الله عز وجل {[/FONT] [FONT=&quot]فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [/FONT][FONT=&quot]} ( سورة البقرة 230 ) تنكح هنا بمعنى الوطأ الجماع وإختلفوا في قول الله عز وجل {[/FONT] [FONT=&quot]الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً [/FONT][FONT=&quot]} ( سورة النور 3 ) هل هو العقد أم الوطأ؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] يأتي الآن تعديد المحرمات أي المحرمات الآتي يحرم نكاحهن (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ) الحقيقة هذه الآيات فعلاً فيها إشارة إلى [/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] دعونا نعدها أولاً حتى يتابع معنا الإخوة: أولاً منكوحة العقد تقدمت، ثم هنا قال (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ)، هذه كم؟ عشر (وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ) إحدى عشر، (وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ) إثني عشر ، (وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ) ثلاثة عشر ، (وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ) أربعة عشر ثم جاء بعده إلى قوله (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) [/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] هم خمسة عشر نوعًا حرم الله نكاحهن. هنا في قوله {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} يدخل فيها الأم كما تفضلت الأم وإن علت يعني الأم و وأم الأم وأم أم الأم وهكذا [/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] و أم الأب وأم أب الأب و أم أبي الأم كل من كانت أم لك وإن علت فهي محرمة عليك وبناتكم كذلك بنتك وبنت إبنك وبنت بنتك وبنت إبن إبنك و بنت إبن بنتك كل من كانت بنتًا لك خرجت منك فهي محرمة.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] وأخواتكم [/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] كذلك. طبعًا هذا الترتيب مقصود أول شيء بدأ بمنكوحة الأب ثم بدأ بالأم لبشاعته وعظمه كيف تعود إلى أمك فتنكحها بعد أن خرجت منها؟! ثم البنات ثم الأخوات ثم العمات عمتك شقيقة الوالد [/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] أو أخته لأب أو أخته لأم ..[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] خالاتكم كذلك خالتك الشقيقة أو خالتك لأب أو خالتك لأم . بنات الأخ بنات الأخ الشقيق [/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] أو الأخ لأب أو الأخ لأم .. [/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] البنات بناته وبنات إبنه وبنات بنته و بنات بنت بنته وبنات بنت إبنه [/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيار:[/FONT][FONT=&quot] كل من قالت له يا جد فهو داخل في ذلك [/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري: [/FONT][FONT=&quot]وبنات الأخت ، الأخت الشقيقة والأخت لأب و الأخت لأم والبنات مقصود بها أيضاً بناتها وبنات إلي آخره . وأمهاتكم اللآتي أرضعنكم جاء الآن إلى سبب آخر من أسباب التحريم و هو الرضاع، الأول كان النسب والآن جاء إلى الرضاعة. أمك التي أرضعتك {[/FONT] [FONT=&quot]وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ } [/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] لاحظ هنا أنه وصفعها بأنها أم .. [/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] وذكر الرضاع والرضاع طبعاً لا يحل إلا ما كان في حولين وبلغ خمس رضعات {وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ} أيضاً نفس العملية {وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ} أم الزوجة، والزوجة المقصود بها من عقدت عليها أيَّ إمرأة عقدت عليها حرمت عليك أمهاتها من هم أمهاتها؟ أمها وأم أمها وأم أبيها وأم أم أمها وأم أبي أمها وإن علت كل هؤلاء يحرمن بالعقد . {وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ } الربيبة من هي يا دكتور عبد الرحمن؟ [/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] هي بنت الزوجة من غير الزوج أن يتزوج الرجل إمرأة وعندها بنت من غيره فهذه البنت تحرم على الزوج لا يجوز له أن يتزوجها. لكن لاحظ أنها في الآية هنا فيها قيد غير مقصود {وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم } أولاً أن تكون تربت في حجرك في بيتك يعني فهل معنى هذه الآية أنه لا يجوز لك أن تتزوج بنت زوجتك التي تربت معك في البيت فيجوز لك أن تتزوج إبنتها التي تربت عند غيرك؟ [/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيار:[/FONT][FONT=&quot] الجواب لا .. [/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] لا يحل لك أن تتزوج إبنه زوجتك مهما كانت هل تربت عندك في البيت أو تربت عند غيرك .. [/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيار:[/FONT][FONT=&quot] ذكر هذا القيد لماذا؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] يبدو لأنه قيد الغالب من جهة وأيضاً من جهة أخرى يبدو أنه قيد أخلاقي أنه ينبغي على الرجل أن يكرم زوجته التي يتزوجها إذا كان عندها بنت أن يقيمها مقام ابنته يربيها ويكرمها إكراماً لزوجته وكأن هذا نوع من أنواع حث الأزواج على إكرام بنات زوجاتهم وإقامتها مقام بنته. [/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] لو قال قائل أنتم الآن إدعيتم دعوة وهي أنكم تقولون إن الربيبة إذا كانت في غير الحجر فهي مثل الربيبة إذا كانت في حجر الإنسان يعني في بيته والآية قيدت فيها قيد فمن أين لكم أنكم أخرجتم هذا القيد؟ أنا ذكرت في مرة ماضية أقول سبحان الله طبعاً هنا جماهير العلماء سلفاً وخلفاً على ما ذكرتم أن هذا القيد غير معتبر من أين ذلك؟ الحقيقة ما وجدت جواباً إلا عند شيخنا العلامة ابن عثيمين وكان هذا الأمر أشكل علي كثيراً قديماً فالشيخ أجاب عنه بإجابة بسيطة جداً مع إني سألت هذا السؤال بعض طلاب العلم فما عرفوا الجواب إلا أنهم قالوا هذا خرج مخرج الغالب وأن هذا هو الواقع ولذلك لا يعتبر هذا الشرط. قال لأنه لما أراد أن يستثني قال { وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ[/FONT] [FONT=&quot]فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ} ولم يقل فإن لم يكن في حجوركم،. لما أهمل هذا دل على أنه إنما جاء وصفاً وبياناً للواقع، دل على أن هذا الشرط غير معتبر لأنه لما جاء إلى قوله {[/FONT] [FONT=&quot]فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ} ولم يذكر قوله فإن لم يكن في حجوركم فدل على أن هذا القيد الذي ذكر لا مفهوم له .. [/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] استنباط جميل![/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] طبعاً هنا لاحظوا حكمة عجيبة جداً وهي قوله {وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم) ثم قال (مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ} ولم يقل نكحتموهن لو قال نكحتموهن لكانت الربيبة تحرم بمجرد العقد ولكن لما قال [/FONT]–[FONT=&quot] دخلتم بهن [/FONT]–[FONT=&quot] الربيبة لا تحرم إلا بالدخول فلو عقد على أمها ثم طلق الأم قبل أن يدخل بها فالربيبة حلال له يعني التي هي بنت زوجته فهي حلال له . هنا يمكن أن يأتي السؤال يا دكتور مساعد الأم تحرم بمجرد العقد على البنت ، والبنت لا تحرم إلا إذا دخل على أمها فما هي الحكمة في ذلك؟؟ أو لماذا فرق بين الصورتين ؟ يقولون أن الأم ما تغار من إبنتها بينما البنت قد تغار من أمها .. [/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيار: [/FONT][FONT=&quot]عجيب [/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] نعم، يعني لو جاء رجل إلى إمرأة خطبها و عقد عليها ثم لما رأى البنت عجبته فطلق الأم و طلب البنت الأم مهما كانت لعظم شفقتها ورحمتها لن يبقى في صدرها على ابنتها شيء.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] لأنها هي التي أخذت الزوج من الأم .. [/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] نعم، لكن إعكس المسألة لو أنه عقد على البنت ثم أعجبته الأم فطلق البنت وأراد أن يعقد على الأم البنت في هذه الأحوال قد تغار من أمها تشعر أن أمها قطعت الطريق عليها ولا تملك من الحنان مثل ما تملكه الأم .. الأم قد تفدي إبنتها بنفسها[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيار:[/FONT][FONT=&quot] جميل[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] نعم، وهذه حكمة عظيمة جداً . قال { وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ } يا أبا عبد الملك الحلائل من هن ؟؟ [/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيار:[/FONT][FONT=&quot] زوجات الأبناء، زوجات الأبناء من أبناء الصلب من أبنائكم أنتم .. [/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] هل هناك ولد إبن من غير الصلب ( الذين من أصلابكم )؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] نعم، هنا قد يقال التبني. والعجيب أن التبني كان أصيلاً في الجاهلية فالقرآن إستعمل أساليب كثير جداً لنزع هذا التبني حتى إن هذا النزع وصلت آثارة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أمره الله أن ينكح زوجة متبناه وهو زيد بن حارثة زينب بنت جحش رضيَّ الله تعالى عنها وأرضاها وكان هذا شديداً على النبي صلى الله عليه وسلم لما قال الله عز وجل {[/FONT] [FONT=&quot]وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ} ( سورة الأحزاب 37 ) فجعل إزالة ونزع هذه القضية عادة التبني في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم فزالت إلى اليوم ولا يعرف لها أثر بين المسلمين و لله الحمد .. [/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيار:[/FONT][FONT=&quot] سبحان الله .. [/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] هذا يدلك على أن القدوة ينبغي أن يصبر في مثل هذه المواقف لأنه ينبغي أن يكون هو العبرة ويكون هو المثال وهو النموذج يحتذي، ولذلك فعلاً القدوة تذكرهم في الإمام أحمد رضيَّ الله عنه عندما صبر في محنة خلق القرآن ولم يترخص كما ترخص غيره وفعلاً كان في صبره خير كثير [/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] قالوا لا تقية لقدوة [/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] لذلك القدوة ينبغي أن يتحمل ويصبر على ما لا يصبر عليه غيره من الناس .[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} هذه آخر واحدة من المحرمات في هذه الآية معناها يا أبا عبد الملك؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيار:[/FONT][FONT=&quot] يكون الجمع الآن هنا قيد الجمع أن يجمع بين أختين يتزوج أختين في وقت واحد أن يعقد على هذه وهذه أو يعقد على واحدة ثم يدخل الأخرى هذا لا يحل حتى يتخلص من إحداهما [/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] سواء كان أختين شقيقتين أو أختين لأب أو أختين لأم. ويقاس على الجمع بين الأختين، الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها لأنه ثبت في السنة النهي عن ذلك لأن المفسدة التي تترتب على الجمع بين الأختين هي المفسدة أيضاً على الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها لأن المرأة في الغالب أو دائماً تكره ضرّتها فلو كانت أختها فهذه ستصبح قطيعة رحم [/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] ستفضي إلى قطيعة رحم والإسلام حريص جداً على أن الأرحام هذه ما يصلها شيء من القطيعة . قال {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } يعني إلا ما قد سبق في الجاهلية.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] لكن هل معنى (ما قد سلف) أيضاً كما إنه إذا قد تزوج رجل أختين قبل نزول هذه الآية فهل معنى الآية أنه قد يبقي على ما تزوج؟ لا، ما دامت نزلت هذه الآية ينبغي أن يطلق واحدة منهما [/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] مثل أيضاً من كان عنده أكثر من أربع ونزلت آيات التحديد بأربع نساء فإنه أُمر أن يستبقي أربعًا ويفارق سائرهن. قال {[/FONT] [FONT=&quot]إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا }طبعاً هذه مناسبة يظهر والله لبعض لما حدث من أنكحة مخالفة لأمر الله عز وجل في الجاهلية يقول (كان الله غفوراً رحيماً ) إذا أقلعتم وإستقمتم على أمر الله عز وجل. كلمة (كان) يا أبا عبد الملك ما هي دلالتها في هذه الآية ؟ [/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيار:[/FONT][FONT=&quot] طبعاً سبق أن نبهنا عليها أنها كان هذه بمعنى كان ولم يزل وأنها للدلالة على تأصل وثبوت إسمها لخبرها لثبوت إسمها لفظ الجلالة لخبرها (كان الله غفوراً رحيماً) وطبعاً يلاحظ أن المغفرة فيها جانب ما يسمى بالتخلية الإزالة والرحمة فيها جانب التحلية. وكما ذكرت أنه هناك بعض الأنكحة التي ذُكرت قد يكون وقع فيها بعض من نزل عليهم الخطاب فأشار الله إلى أن ما سلف لا حرج عليكم فيه وعفى الله عنكم وأزاله عنكم .[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] ألا تلاحظون يا إخواني إهتمام الإسلام بالأنساب من خلال هذه الآيات؟ وهو أن الإنسان يضبط نسبه من هم أخواله وأعمامه وإخوانه لئلا يقع منه شيء من هذا الأمر المحرّم. حتى الرضاع ينبغي أن يضبط لأنه قد يخطب الإنسان إمرأة و يتبين أنه قد صار أخاً لها في الرضاعة [/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيار:[/FONT][FONT=&quot] والناس يتهاونون في تقيده وضبطه .[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] وكم سمعنا مثل هذه الحوادث يتزوج الرجل المرأة يبقى معها ربما حتى ينجب أطفال عشرة ستة سبعة ثم يكتشف أنها أخته من الرضاعة لشهادة إمرأة عابرة فيترتب على ذلك الفراق [/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] وهنا نقول الحقيقة قول النبي صلى الله عليه وسلم [ تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ] فالأنساب مذكورة في القرآن الأم والأخت والخالة و بنت الأخت والعمة وغير ذلك وهذا يجعل الإنسان دائماً حريصًا على معرفة هذه الأشياء وضبطها وتوريثها لأبنائه [/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] لأنه لا يمكن أن تضبط الأرحام إلا بصلتها لأنه إذا أحييت في أبنائك وفي بناتك معرفة أرحامك هذه خالتك هذه عمتك [/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] هذه خالة أمك هذه خالة جدتك، والله أنا أزور مع أبنائي خالات والدي، تصور! هي تصير خالة جدهم لاحظ، يقولون من هذه؟ أقول هذه أبي هذه أخت أمه فطبعاً هذه خالة جدهم فيبقى في نفوسهم أن هذا أمر يجب أن يراعى وأن يحفظ [/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] وسبحان الله هي مسألة مترابطة فالأمر بصلة الرحم يترتب عليه معرفة هذه الأرحام وإتقاء هذه الشبهات.[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] الحديث مع هذه الآيات التي هي من آيات الأحكام حديث ماتع ونحن نوصي إخواننا بأن يتفقهوا فيها نسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك لنا ولهم في القرآن العظيم ونستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.[/FONT]
[FONT=&quot]بُثّت الحلقة بتاريخ 12 رمضان 1431 هـ[/FONT]
 
[FONT=&quot]الحلقة الثالثة عشر[/FONT]:
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه[/FONT].[FONT=&quot] مشاهديِّ الكرام ما زلنا في سورة النِّساء نتحدّث عن آياتها ونقبِسُ من أنوارها. وقد وصلنا إلى آية المحرّمات من النّساء[/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ[/FONT][FONT=&quot])[/FONT] [FONT=&quot]إلى آخر الآية، وبقي علينا من المحرّمات ما ورد في الآية التي تليها وهي قولُ الله عزّ وجل[/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ[/FONT][FONT=&quot])[/FONT] [FONT=&quot].سيكون حديثنا إن شاء الله في هذه الحلقة المباركة حول هذه الآية وما يليها[/FONT] [FONT=&quot]من آيات، قبل أن نُفيض فيها، وأن نتحدّث عنها نحب نحن وإيّاكم أن نشترك في[/FONT] [FONT=&quot]الاستماع إلى تلاوتها فإلى هناك:[/FONT]
[FONT=&quot]تلاوة للشيخ/ محمد صِدِّيق المنشاوي [/FONT][FONT=&quot] رحمه الله تعالى [/FONT][FONT=&quot] من الآية (24-25) من سورة النِّساء[/FONT]
[FONT=&quot]وَالْمُحْصَنَاتُ[/FONT] [FONT=&quot]مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ[/FONT] [FONT=&quot]عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا[/FONT] [FONT=&quot]بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ[/FONT] [FONT=&quot]بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ[/FONT] [FONT=&quot]عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ[/FONT] [FONT=&quot]اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24) وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ[/FONT] [FONT=&quot]طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ[/FONT] [FONT=&quot]أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ[/FONT] [FONT=&quot]بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ[/FONT] [FONT=&quot]أَهْلِهِنَّ وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ[/FONT] [FONT=&quot]مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ[/FONT] [FONT=&quot]أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ[/FONT] [FONT=&quot]الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا[/FONT] [FONT=&quot]خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25)[/FONT]
[FONT=&quot]بعد[/FONT] [FONT=&quot]أن استمعنا إلى هذه التلاوة العطرة لهذه الآيات الكريمة، ندخل الآن إلى[/FONT] [FONT=&quot]معالم هذه الآية ونحاول أن نُقرِّب معانيها، نسأل الله سبحانه وتعالى أن[/FONT] [FONT=&quot]يفتح لنا من أبواب رحمته، ومن فُيوض رحمته جلّ وعلا ما يعينُنَا على فهم[/FONT] [FONT=&quot]كلامه[/FONT].[FONT=&quot] يقول الله عزّ وجل: (والمحصنات من النّساء)، أبا عبد الله هلاّ بيّنت لنا معنى المحصنات؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]بسم[/FONT] [FONT=&quot]الله الرَّحمن الرّحيم، الحمد لله والصَّلاة والسَّلام على رسول الله وعلى[/FONT] [FONT=&quot]آله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً. طبعاً هذه الآيات في سورة النِّساء جمع[/FONT] [FONT=&quot]الله فيها سبحانه وتعالى المحرَّمات من النِّساء، وسَردها في ثلاث آيات[/FONT] [FONT=&quot]متوالية، فبدأ بتحريم زوجةِ الأب أيّ منكوحة الأب، ثمّ ثنّى بالأمّهات[/FONT] [FONT=&quot]والبنات والعمّات والخالات، إلى أن وصل إلى هذه الآية التي ابتدأ بها[/FONT] [FONT=&quot]الجزء الخامس من القرآن الكريم في قوله [/FONT][FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) [/FONT][FONT=&quot]والمقصود[/FONT] [FONT=&quot]بالمحصنات من النِّساء هنا هم النّساء المتزوّجات، المرأة المتزوجة يحرم[/FONT] [FONT=&quot]نكاحُها ما دامت في عِصمة زوجها، ولا يحل نكاحها إلا إذا طلَّقها زوجها[/FONT] [FONT=&quot]ثمَّ اعتدت عِدَّة المطلّقة أو تُوفِّي عنها زوجها ثمّ يحِلُّ نكاحها بعد[/FONT] [FONT=&quot]ذلك، فقال[/FONT] [FONT=&quot](وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) [/FONT][FONT=&quot]أي[/FONT] [FONT=&quot]حُرِّمت عليكم أيضاً الـــمُحصنات من النِّساء إلاّ ما ملكت أيمانكم. ومُلك اليمين سَبق أن تحدّثنا عنه أيضاً وهو أنّ النِّساء المسبيات،[/FONT] [FONT=&quot]فالمرأة المتزوجة إذا كانت من الكُفّار فوقعت في الأَسر في حربٍ مشروعة[/FONT] [FONT=&quot]بين المسلمين وغير المسلمين ولو كانت متزوجة ووقعت في[/FONT] [FONT=&quot]السّبي فإنّها[/FONT] [FONT=&quot]تحِلُّ بذلك أن تتزوج بعد استبراء رحِمها فهذه تُستثنى من المتزّوجات[/FONT].
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot]الاستبراء ما معناه دكتور عبدالرّحمن؟[/FONT].
[FONT=&quot]د. الشَّهري[/FONT]: [FONT=&quot]استبراء الرحم معناه أن تنتظر حتى تحيض[/FONT].
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot]فيُعرف أنّها ليست حاملاً من زوجها، لأنّه لا يحل للإنسان أن يسقي بمائه زرع غيره[/FONT].
[FONT=&quot]د. الشِّهري[/FONT]: [FONT=&quot]فهذا هو المقصود بالمحصنات من النِّساء. ولاحظوا كيف وصف الله سبحانه[/FONT] [FONT=&quot]وتعالى المرأة المتزوجة بأنّها مُحصنة، وهذا فيه تصوير رائع جِدّاً للزّواج[/FONT] [FONT=&quot]بأنَّه حِصن للمرأة وللرَّجل أيضاً، وهذا يُشعر الزّوج والزّوجة بأنّهم[/FONT] [FONT=&quot]يعيشون في هذا المعنى وهو الحِصن الحصين من الشَّهوات، وأنّه ينبغي عليهم[/FONT] [FONT=&quot]أيضاً أن يُحافظوا على هذا الحصن[/FONT].
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot]الحقيقة أنت أشرت إلى معنى أنا ما سبق مرّ بي، رائع جِدّاً في قضية أنّ هذه[/FONT] [FONT=&quot]الأسرة التي تفتتح هذا البيت بالزّواج وتتحصَّن به، أنَّ هذا الزَّواج[/FONT] [FONT=&quot]عصمة وحِصن وينبغي لهم أن يُحافظوا عليه، العَجيب الآن تَتعَالى صيحات في[/FONT] [FONT=&quot]العالم الغربي على أنَّ الزّواج قُيود وآصار، خُصوصاً إذا أُضِيف إليه[/FONT] [FONT=&quot]مذهبهم في الطَّلاق في أنَّهم يُحرِّمون الطَّلاق طبعاً، وهم مُضطَّرون[/FONT] [FONT=&quot]إليه لكن لا يَعرفون كيف يتجاوزون أحكام الكنيسة، فيقولون زواج نصراني، أو[/FONT] [FONT=&quot]كَنَسي، دائم أبدي لا يُمكن أن يتعرّض لطلاق حتى ولو كان الزّوجان أنكد ما[/FONT] [FONT=&quot]يكونون، وهذه دعوى والعِياذ بالله إلى الخروج من هذا الحِصن الفِطري[/FONT] [FONT=&quot]والعقلي والاجتماعي. بالله عليك كيف تُبنى الأُسَر؟!، كيف تنشأ المجتمعات؟!،[/FONT] [FONT=&quot]كيف تُرَّبى الأجيال؟! كيف يتعاون النّاس على توريث هذه العلوم والآداب[/FONT] [FONT=&quot]والأخلاق للأجيال الأخرى إلاّ عبر هذا الحِصن؟! لاحِظ، وأنَّه متى ما هدَّ[/FONT] [FONT=&quot]النَّاس هذا الحِصن فإنَّ حياتهم في جحيم[/FONT].
[FONT=&quot]د. الشِّهري[/FONT]: [FONT=&quot]وهذا حقيقة لعلمك، حتى الآن الحياة الزَّوجية للزَّوج العاقِل يستشعر[/FONT] [FONT=&quot]فعلاً أنَّ زوجته وما يُكوِّنه من الحياة الزّوجية بينه وبين زوجته هي[/FONT] [FONT=&quot]فعلاً حِصن، تحميه من الوقوع في الحرام، ومن النَّظر الحرام يضع شهوته في غير موضعها ، تأنس إليه[/FONT] [FONT=&quot]ويأنسُ إليها في خِضم هذه الحياة المليئة[/FONT].
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] ليسكُنَ إليها[/FONT].
[FONT=&quot]د. الشِّهري[/FONT]: [FONT=&quot]نعم، هذا معنى رائع جِدّاً جِدّاً من المعاني التي عبَّر الله بها سبحانه[/FONT] [FONT=&quot]وتعالى عن الزَّواج في القرآن الكريم، أنّه حِصن وسمّى المرأة بأنَّها[/FONT] [FONT=&quot]مُحصنة، وقال ([/FONT][FONT=&quot]والذّين يـَرمون المحصنات[/FONT][FONT=&quot])[/FONT] [FONT=&quot]يعني كيف أنت تتجرأ على أن ترميها وهي في هذا الحِصن الحصين الذِّي جعلها[/FONT] [FONT=&quot]مُحصَّنة ممنوعة من أن يُتطاول على عِرضها؟! فاختيار كلمة الحِصن عبارة[/FONT] [FONT=&quot]رائعة جِدّاً ومُعبِّرة[/FONT].
[FONT=&quot]د. الخِضيري[/FONT]: [FONT=&quot]أبا عبدالملك إذا قُلنا: الــمُحصنة، والإحصان وأحصن في القرآن تَرِد على معاني هل تذكُر شيئاً منها؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيَّار[/FONT]: [FONT=&quot]أنا سبحان الله، كنت أفكر في هذا أنّ المحصنات أو الإحصان ورد من أكثر من[/FONT] [FONT=&quot]وجه، فالإحصان هنا بمعنى النِّكاح الزّواج، ويأتي الإحصان بمعنى[/FONT] [FONT=&quot]المتزّوجات، ويأتي الإحصان بمعنى العِفَّة[/FONT].
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT] : [FONT=&quot]كما في قوله[/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]والذّين يرمون المحصنات الغافلات[/FONT][FONT=&quot])[/FONT] [FONT=&quot]ليس المقصود به المتزوجات وإنَّما المقصود به العفائف[/FONT].
[FONT=&quot]د. الشِّهري[/FONT]: [FONT=&quot]و إن كان يدخل فيه المتزوِّجات[/FONT].
[FONT=&quot]د. الطيّار[/FONT]: [FONT=&quot]هو أعم، وإن كانت المتزوجة تدخل في الإحصان هذا، ولكن ليس كل محصنة تكون متزوجة بالمعنى الثاني هذا[/FONT].
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot]ويأتي الإحصان بمعنى الحُرَّة كما في قوله تعالى[/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمِّمَا ملكت أيمانكم[/FONT][FONT=&quot])[/FONT] [FONT=&quot]فالمحصنات المؤمنات هُنّ الحرائر[/FONT].
[FONT=&quot]د. الطيَّار[/FONT]: [FONT=&quot]وهذا يدل عليه السِّياق[/FONT].
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot]هذا يدل عليه السِّياق، هذا ما يُسمّى العلم؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار[/FONT]: [FONT=&quot]هذا يُسمّى علم الوجوه والنَّظائر[/FONT].
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot]الوجوه كيف؟ والنَّظائر كيف؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيَّار[/FONT]: [FONT=&quot]الوجوه[/FONT] [FONT=&quot]الآن مثلاً عندما أقول: المحصنات في القرآن على ثلاثة أوجه: المحصنة[/FONT]: [FONT=&quot]الزَّوجة، المحصنة: العفيفة، المحصنة: الحُرّة. ويقابلها النّظائر لمّا[/FONT] [FONT=&quot]أقول[/FONT] : [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]والمحصنات من النِّساء)[/FONT] [FONT=&quot]هذه بمعنى [/FONT] [FONT=&quot]الزَّوجة ما نظيرها من الآيات الأُخر التي وردت فيها المحصنة[/FONT] [FONT=&quot]بمعنى الزّوجة، فإذا وردت آية أخرى بمعنى الزّوجة فتكون هذه الآية نظير[/FONT] [FONT=&quot]هذه الآية[/FONT].
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot]نعم، لأنّ بعض النّاس يظن أنّ كلمة الوجوه والنّظائر إسمان لشيء واحد،[/FONT] [FONT=&quot]الحقيقة من الأشياء التي تعجبّت منها أنّه وردت المعاني الثلاثة في آية[/FONT] [FONT=&quot]واحدة وهي الآية التي تلي هذه الآية[/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]فَمِنْ[/FONT] [FONT=&quot]مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ[/FONT] [FONT=&quot]أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ[/FONT] [FONT=&quot]أَهْلِهِنَّ وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ[/FONT] ([FONT=&quot]أيّ عفيفات[/FONT]) [FONT=&quot]غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ) [/FONT][FONT=&quot]أيّ تزوَّجن[/FONT]) [FONT=&quot]فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ[/FONT] ([FONT=&quot]أيّ الحرائر[/FONT]) [FONT=&quot]مِنَ الْعَذَابِ)[/FONT]. [FONT=&quot]فاجتمعت المعاني الثَّلاثة في الآية الخامسة والعشرين وأنا أظن والله أعلم[/FONT] [FONT=&quot]أنّه ما يوجد نظير ذلك في القرآن، [/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] أن ترد كل الوجوه في آية واحدة، ما أتوقع![/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] وهذا يؤُكِّد لنا الحقيقة أهمية[/FONT] [FONT=&quot]الاعتناء بهذا العلم خُصوصاً طالب العلم، وأيضاً للعاميّ أن يعرف ما هي[/FONT] [FONT=&quot]حقيقة اختلاف المعنى في هذا الباب. بالمناسبة يا دكتور عبدالرَّحمن هل[/FONT] [FONT=&quot]يعني هذا أنَّ الكلمة بهذا المعنى وهذا المعنى وهذا المعنى مختلفة تماماً[/FONT] [FONT=&quot]من كل وجه؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري[/FONT]: [FONT=&quot]لا طبعاً، لا بد أن يكون بينها معنىً مشترك، يعني الإحصان وهو مأخوذ من[/FONT] [FONT=&quot]المنعة، مثل الحصن وهو البيت المنيع، كما في قوله سبحانه وتعالى[/FONT] [FONT=&quot](وظنُّوا أنَّهم مانِعتهم حُصونهم من الله)[/FONT] [FONT=&quot]فالحِصن[/FONT] [FONT=&quot]هو المكان الآمن الحَصين الذي يمنعك من أعدائك. فهذا المعنى وهو معنى[/FONT] [FONT=&quot]الــمَنعة موجود في هذه المعاني كلِّها، المرأة المتزَّوجة هي في حصن[/FONT] [FONT=&quot]بزواجها، هي في حِصن حصين في أسرتها، والمرأة العَفيفة أيضاً هي من[/FONT] [FONT=&quot]عَفافها في حِصن حَصين، وكأنَّ هذا العَفاف وهذا الخُلُق، وهذا الحَياء[/FONT] [FONT=&quot]الذي يمنعها أشبه ما يكون بالحِصن الحَصين الذِّي يمنعها من الوقوع في[/FONT] [FONT=&quot]الحرام، والوُقوع فيما يُخالف هذه العِفَّة ، وأيضاً حُرَّة ولا شكَّ أنَّ[/FONT] [FONT=&quot]الحُرِّية حِصن يمنع الحُرّة من أن تُمتهَن ومن أن يُتعَدى عليها بخلاف[/FONT] [FONT=&quot]الأمَة التي تكون أقل من هذا الجانب[/FONT].
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot]فصار هناك جامع لهذه المعاني مختلفة تجتمع في معنى المنعة. في قوله[/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]إلا ما ملكت أيمانكم[/FONT][FONT=&quot])[/FONT] [FONT=&quot]بيَّنا أنّ فيها شرف اليمين، كيف أنّه نُسب الــمُلك إلى اليمين، والمقصود أنّ الإنسان ملكها جميعًا، قال[/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]كتاب الله عليكم[/FONT][FONT=&quot])[/FONT] [FONT=&quot]ما معنى ذلك؟[/FONT] .
[FONT=&quot]د. الشِّهري[/FONT]: [FONT=&quot]في قوله سبحانه وتعالى[/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]حُرِّمت عليكم، حُرِّمت عليكم، حُرِّمت عليكم[/FONT] [FONT=&quot])[/FONT] [FONT=&quot]لا شك أنّ هذه الحقيقة أحكام يترتَّب عليها كما تفضَّلتم بِناء أُسَر،[/FONT] [FONT=&quot]ويترتَّب عليها أنساب فالله سبحانه وتعالى بعد أن انتهى من سَرد هذه[/FONT] [FONT=&quot]المُحرّمات قال[/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]كتاب الله عليكم[/FONT][FONT=&quot])[/FONT] [FONT=&quot]أي أنَّ هذا الذِّي تقدَّم هو فرضٌ مِن الله سبحانه وتعالى عليكم،[/FONT] [FONT=&quot]وكتابٌ كتبه عليكم سبحانه وتعالى، يعني كتب عليكم تحريم نكاح هذه الأصناف[/FONT] [FONT=&quot]كلِّها[/FONT] .
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot]ويمكن أن تكون بمعنى إلزموا كتاب الله عليكم[/FONT] .
[FONT=&quot]د. الطيّار[/FONT]: [FONT=&quot]نعم هذا من جهة الإعراب، يعني كما قال كأنّه فرض الله عليكم فيما سبق لأنّه أتى بعدها (وأحِلّ لكم ما وراء ذلكم)[/FONT].
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot] (وأُحِلَّ لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا من النِّساء)[/FONT].
[FONT=&quot]د. الشِّهري[/FONT]: [FONT=&quot]طيب قد يقول قائل ما الذِّي بقي؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot]كُلِّ النِّساء[/FONT].
[FONT=&quot]د. الشِّهري[/FONT]: [FONT=&quot]جميل، هل الذين بقوا بعد هذه الأصناف الخمسة عشر أكثر؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot]طبعاً بلا شك[/FONT].
[FONT=&quot]د. الشِّهري[/FONT]: [FONT=&quot]جميل جِدّاً. لأنّ بعض النّاس قد يظن أنّ هذا التعداد حُرِّمت عليكم[/FONT] [FONT=&quot]أمّهاتكم، وبناتكم، وأخواتكم، وعمّاتكم، وخالاتكم، يقول ما الذّي بقي؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot]نقول له أُنظر إلى الشّارع الذي تسكن فيه من أوّله إلى آخره الأكثر فيه من النِّساء الموجودات أنّهُنّ حلالٌ لك[/FONT].[FONT=&quot] قال تعالى[/FONT] [FONT=&quot]وأُحِلّ لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم[/FONT][FONT=&quot])[/FONT] [FONT=&quot]الحقيقة فيه ملحظ، لـــمّا عدّد المحرّمات دلّ ذلك على أنّ هذا العدد[/FONT] [FONT=&quot]قليل، في العادّة ما يُعدّد إلاّ القليل، ولذلك لمّا قال الله عزّ وجل[/FONT] [FONT=&quot]مثلاً في تحريم المطعومات[/FONT]: [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]حُرِّمت عليكم[/FONT] [FONT=&quot]الميتةُ والدَّم ولحم الخِنزير وما أُهِلَّ به لغير الله) وفي المائدة قال([/FONT] [FONT=&quot]حُرِّمت عليكم الميتة والدَّم ولحم الخنزير وما أُهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذةُ والمتُردِّية[/FONT] [FONT=&quot])[/FONT] [FONT=&quot]عدَّد تسعة تقريباً، ما وراء ذلك كثير جِدّاً فلمَّا عدَّده الله دلَّ على[/FONT] [FONT=&quot]أنّه محصور ويمكن ضبطه، وهذه قاعدة عظيمة جِدّاً وهو أنّ المحرّمات في[/FONT] [FONT=&quot]الغالب في شريعة الإسلام معدودة. يمكن يقول قائل يا دكتور[/FONT] [FONT=&quot]عبدالرّحمن أنتم تقولون أنّه معدودة ونحن نسمع كثيراً كلمة هذا حرام، هذا[/FONT] [FONT=&quot]حرام، هذا حرام!. لمّا تأتي إلى التفاصيل مثلاً تقول العمّات حرام، نعم[/FONT] [FONT=&quot]ترى عمّتك زينب ، وفاطمة ، وخديجة ، وصالحة ، ومُنيرة يعني جنس العمّات[/FONT] [FONT=&quot]كلهم لما تأتي للتفاصيل يكون العدد أكبر، فالجنس معدود ومضبوط ويمكن للإنسان معرفته وتعلُّمه[/FONT] [FONT=&quot]حتى لا يُتعدّى على شيء من حدود الله عزّ وجل[/FONT].
[FONT=&quot]د. الشِّهري[/FONT]: [FONT=&quot]طبعاً تُلاحظون في هذه الآيات يا مشايخ أنّه جاءَ بالتَّحريم والتّحليل باللّفظ المبني للمجهول، فقال[/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]حُرِّمت عليكم[/FONT][FONT=&quot])[/FONT] [FONT=&quot]من هو الذّي حرّم؟ ، وقال[/FONT]: [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]وأُحِلّ لكم[/FONT][FONT=&quot])[/FONT] [FONT=&quot]من هو الذّي أحلّ؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] الله[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] فلماذا أضمره؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot]للعلم به لانّه ليس هناك أحد له الحقّ في ذلك إلا الله[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري[/FONT]: [FONT=&quot]جميل، يعني التَّحليل والتحرّيم من صلاحيات الرَّب سبحانه وتعالى، ولا يتدَّخل فيه أحد[/FONT].
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot]ألا له الحُكم والأمر. قال[/FONT]L[FONT=&quot]أ[/FONT][FONT=&quot]ن تبتغوا بأموالكم[/FONT][FONT=&quot])[/FONT] [FONT=&quot]لمّا قال بأموالكم دلَّ ذلك على أنَّ المرأة لا تُستَحل إلا بمهر، ولذلك[/FONT] [FONT=&quot]من قال : أنا أبداً أنا أزوِّج بنتي من دون مهر نقول ما يحلُّ لك لابد ان[/FONT] [FONT=&quot]يكون هناك مهر للمرأة، ولو أسقطه الوليّ ما سقط يبقى للمرأة مهر مثلها[/FONT].
[FONT=&quot]د. الشِّهري[/FONT]: [FONT=&quot]إذا أسقطه الوليّ وتكَفّل أن يدفعه؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot]في هذه الحالة إذا قال أنا سأدفعه ورضي الزّوج بذلك فهذا صلح بينهم. ومثله[/FONT] [FONT=&quot]لو أنّ الزّوج دفعه ثمّ قالت المرأة هو لك، فهنا قد دُفِع، (فإن طِبن لكم[/FONT] [FONT=&quot]عن شيءٍ منه نفساً). وقال[/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين)[/FONT] [FONT=&quot]يعني طالبين الإحصان ولستم باغين لطريق الزّنا الذِّي هو السِّفاح[/FONT].
[FONT=&quot]د. الطيَّار[/FONT]: [FONT=&quot]لأنه قد يكون الزّنا ببدل مثل الزّواج، ولهذا قيّد فقال[/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]مُحصنين[/FONT][FONT=&quot])[/FONT] [FONT=&quot]أيّ طالبين لِلعفّة[/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]غير مُسافحين[/FONT][FONT=&quot])[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري[/FONT]: [FONT=&quot]يعني المقصود بها الزّواج، ([/FONT][FONT=&quot]وأحلّ لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين[/FONT][FONT=&quot])[/FONT] [FONT=&quot]يعني متزّوجين[/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]غير مسافحين[/FONT][FONT=&quot])[/FONT] [FONT=&quot]على وجه الزّنا[/FONT].
[FONT=&quot]د. الطيّار[/FONT]: [FONT=&quot]طبعاً لا شك أنَّ الاستطراد في هذا لِكَي يُخرج هذه الصُّورة، وقريب منها قال[/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]إنّما البيع مثل الرِّبا[/FONT][FONT=&quot])[/FONT] [FONT=&quot]فليس الزِّنا مثل الزَّواج، فليس مجرّد مسألة البدل أو العِوض والله أنا[/FONT] [FONT=&quot]أدفع مهر لزوجتي إذًا هناك دفع مهر للبغي، فلا يستوي هذا مع هذا، ولذلك[/FONT] [FONT=&quot]جاء الاستطراد والإطالة في التفصيل فقال[/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]محصنين غير مسافحين[/FONT][FONT=&quot])[/FONT].
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot]طبعاً[/FONT] [FONT=&quot]هذا الحقيقة يُشير إلى مقصود عظيم جِدّاً في الزَّواج يمكن ذكره[/FONT] [FONT=&quot]أبو عبد الله في أوّل الكلام، وهو أنّ الإنسان عندما يفتتح[/FONT] [FONT=&quot]هذا البيت يُريد[/FONT] [FONT=&quot]به المنعة، ما يُريد به المفاخرة أو الجاه والمنزلة، إنّما يُريد به أن[/FONT] [FONT=&quot]يتحصَّن[/FONT].
[FONT=&quot]د. الشهري[/FONT]: [FONT=&quot]نعم، وهذا من أعظم مقاصد الزّواج "الإحصان[/FONT].[FONT=&quot]"[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot]نعم ، ولذلك قال النَّبي صلى الله عليه وسلّم: ثلاثةٌ حقٌّ على الله[/FONT] [FONT=&quot]عونهم، انظر حقٌّ على الله يعني الله أوجب على نفسه أن يُعينهم[/FONT] [FONT=&quot]وذكر منهم- النَّاكح يُريد العَفاف، بعض النّاس يقول هذا الزّواج ما جلب[/FONT] [FONT=&quot]لي إلاّ المشاكل والدُّيون: فأقول له: عندما أردت النِّكاح هل تريد بذلك[/FONT] [FONT=&quot]العَفاف أم أمر آخر؟ إنتبه، إن أردت العفاف فالله سيعينك لأنَّ النّبي صلى[/FONT] [FONT=&quot]الله عليه وسلّم قال: حقٌّ على الله عَونهم، فلننتبه للنِّية في هذا[/FONT] [FONT=&quot]الباب[/FONT].[FONT=&quot] بعض النّاس يقول أنا تزوجت لأنّها جميلة مثلاً ، أو لأني أريد أن أنتمي لهذه الأسرة أو أصاهرهم فيفخر بأنّ زوجته بنت فلان[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري[/FONT]: [FONT=&quot]لو تأملناها والله لاستقامت أحوالنا في كل التفاصيل[/FONT].
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot]نعم والله ، ولاكتفينا بهذا الكتاب العظيم والله عن كلِّ كتاب سواه. قوله[/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]فما استمتعتم به منهنّ فآتوهُنّ أجورهُنّ فريضةً[/FONT][FONT=&quot])[/FONT] [FONT=&quot]تفضّل أبا عبد الملك؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار[/FONT]: [FONT=&quot]يعني هذا الآن الذّي هو المهر، فإذا أردتم الاستمتاع بهنّ فلا يجوز لكم ذلك إلا بمهر[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الشهري:[/FONT][FONT=&quot] الأجور يعني المهر؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot]انظر المهر كيف سمّاه أجراً، مما يدل على أنّه في مقابل الاستمتاع[/FONT].
[FONT=&quot]د. الطيّار[/FONT]: [FONT=&quot]مثل ما ذكرتم في أول اللقاء[/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]وآتوا النّساء صدُقاتِهنّ نِحلة[/FONT][FONT=&quot])[/FONT].
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot]نعم، سمّاه هناك نِحلة لمناسبته للمقام، وهنا سمَّاه أجراً لمناسبته أيضاً[/FONT] [FONT=&quot]للمقام. لكن بعضهم إستدل بهذه الآية يا إخواني على أنّها قد تكون إشارة[/FONT] [FONT=&quot]إلى ما كان عليه الأمر في أوّل الإسلام من جواز نكاح المتعة[/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]فما استمتعتم به منهُنّ)[/FONT] [FONT=&quot]يعني[/FONT] [FONT=&quot]إشارة إلى نوع من أنواع الأنكحة التي كانت موجودة ثمّ نُسِخَت. وقد أجمع[/FONT] [FONT=&quot]المسلمون على أنّ هذا منسوخ، ولا يُعرَف في أهل الإسلام من يُبيح نِكاح[/FONT] [FONT=&quot]المتعة إلا ما يُذكر عن الشِّيعة، وهم محجوجون بالإجماع ومحجوجُون[/FONT] [FONT=&quot]بالأحاديث الواردة في نسخ هذه المتعة إلى الأبد. فبعضهم يحمل هذه الآية على[/FONT] [FONT=&quot]نكاح المتعة، ولكن ما ذكرت دكتور مساعد أيضاً هو الأوجَه في هذه الآية[/FONT].
[FONT=&quot]د. الطيَّار[/FONT]: [FONT=&quot]طبعاً هذا يُدخلنا الحقيقة إلى قضيّة مهمّة جِدّاً وهي: وقوع الشُّبهة[/FONT] [FONT=&quot]عند بعض الأقوام من خلال اللَّفظة. وأنا أتعجب أنّ بعض هؤلاء الرّافضة أنّ[/FONT] [FONT=&quot]عمر[/FONT][FONT=&quot] بن الخطّاب هو الذِّي منع المتعة، وعمر إنّما منع متعة الحج،[/FONT] [FONT=&quot]فيُلبِّسون على النّاس[/FONT].
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot]ما هي متعة الحج يا أبا عبد الملك؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيَّار[/FONT]: [FONT=&quot]هو المعروف بالتمتع الإتيان بعمرة كاملة، ثم التَّمتع بالحجّ والإتيان بالحج في أشهر[/FONT] [FONT=&quot]الحج. فعمر نهى عن متعة الحجّ فأخذوا هذا اللّفظ وجعلوه في متعة النِّساء[/FONT].
[FONT=&quot]د.الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot]لعلَّ بعضَ الإخوة المشاهدين يستغرب يسمع صوت الأذان الآن، فنحن نقول الآن[/FONT] [FONT=&quot]نحن نسمع صوت أذان صلاة الفجر، وهذه الحلقات تُسَّجل في هَزيع من اللَّيل،[/FONT] [FONT=&quot]نسأل الله أن يتقبَّلها نحن نُسَجِّلها الحمد لله في تَنومة وفي استراحة[/FONT] [FONT=&quot]لأَحدِ إخواننا الأفاضل تُسمّى استراحة الجنادرية، والحقيقة لا نـــملك[/FONT] [FONT=&quot]إلاَّ أن ندعوَ له على أن وفَّر لنا هذا المكان الطيّب، ونقول نسأل الله[/FONT] [FONT=&quot]أن يتقبّل منّا في هذا الوقت المبارك ومن إخواننا المشاهدين، نعم. فالمقصود[/FONT] [FONT=&quot]يا أبا عبدالملك؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار[/FONT]: [FONT=&quot]فالمقصود بالمتعة يعني متعة الزّواج، هذه أبيحت ثمّ نُهي عنها ثمّ أبيحت[/FONT] [FONT=&quot]ثمّ نهي عنها نهياً مطلقاً، لكن بعض علماء المسلمين (أفراد) نُسِب إليهم جواز نكاح[/FONT] [FONT=&quot]المتعة لكنّهم أفراد كما رُوِيَ عن ابن عبّاس وغيرهم ولكن يُقال في بعضهم[/FONT] [FONT=&quot]أنّه رَجِع على أساس أنّه رُوي، ممّا يدل على أنّ هذه المسألة ووقوع[/FONT] [FONT=&quot]الإشكال فيها محتمل، لكن البقاء على الإشكال بعد البيان هو المشكل، لو أنّ[/FONT] [FONT=&quot]أحدهم فهم من هذه الآية أنه لماذا لا تدل هذه الآية على متعة الزّواج؟ نقول[/FONT]: [FONT=&quot]وقوع الإشكال عندك ممكن ومحتمل، ولكن بعد البيان بعض الصّحابة مجمعون إلا[/FONT] [FONT=&quot]ابن عبّاس في قوله هذا -وقد رجع عنه- على أنّ نكاح المتعة ممّا حرّمه الله[/FONT] [FONT=&quot]ونُسِخ[/FONT].
[FONT=&quot]د. الشّهري[/FONT]: [FONT=&quot] في قوله تعالى[/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]فما استمتعتم به مِنهنّ فآتُوهُنّ أجورهُنّ فريضة[/FONT][FONT=&quot])[/FONT] [FONT=&quot]قد يَفهم بعض النَّاس من الآية أنّ المقصود أنّ المهر يكون بعد الدُّخول[/FONT] [FONT=&quot]بالزّوجة، أنّه يدخل بالزّوجة ويستمتع بها ثم يُعطِيها المهر بعد ذلك، في[/FONT] [FONT=&quot]حِين أنَّ المهر يُدفع للزّوجة قبل ذلك كُلِّه، فالإشارة هنا[/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]فما استمتعتم به)[/FONT] [FONT=&quot]كأنّ[/FONT] [FONT=&quot]مجرّد العقد على الزَّوجة كأنّه تمليك لها واستمتاع بها، إشارة إلى أنَّ[/FONT] [FONT=&quot]هذا أيضاً [/FONT][FONT=&quot]وهذا من حقوق الزَّوج على زوجته- تمكينه من هذا الأمر. الأمر[/FONT] [FONT=&quot]الثّاني: نأتي ونكرِّر ما قُلناه في سبب تسمية سورة النِّساء بهذا الاسم[/FONT] [FONT=&quot]وهو موضوع إنصاف النِّساء، والإصلاح للنساء كل ما تحدّثنا عنه الآن من[/FONT] [FONT=&quot]حُرّمت، حُرّمت، حُرّمت عليكم فيه معنى الإصلاح للمرأة وفيه معنى الإنصاف[/FONT] [FONT=&quot]لها، فإنَّ تحريم نكاح الأُمّ وتحريم نكاح الأخت، وتحريم نكاح البنت كلّ[/FONT] [FONT=&quot]هذا من الإنصاف لها، ومن الإصلاح لها وللمجتمع[/FONT].
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot]لكن هنا سبحان الله تُلاحظ أنّ هذه الأحكام على أنّ أنّها تأتي واضحة[/FONT] [FONT=&quot]وحُدود من الله سبحانه وتعالى إلاّ أنَّها بعد ما تُحَد وتُرسّم وتُوضّح[/FONT] [FONT=&quot]تُوضع هناك مجالات للنّفوس للسِّمو والرِّفعة، مثل ما قال الله في سورة[/FONT] [FONT=&quot]البقرة[/FONT] [FONT=&quot](فإن[/FONT] [FONT=&quot]طلقتموهن[/FONT] [FONT=&quot]من قبل أن تمسُّوهُنّ وقد فرضتم لهٌنّ فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفونَ[/FONT] [FONT=&quot]أو يعفُوَ الذّي بيده عقدة النِّكاحُ وأن تعفوا أقربُ للتَّقوى ولا تنسَوا[/FONT] [FONT=&quot]الفضل بينكم[/FONT][FONT=&quot])[/FONT] [FONT=&quot]انظر سبحان الله!، بعد ما حدّ الحُدود ورسمها قال بعد ذلك تَسَاموَا[/FONT] [FONT=&quot]لتتبارَوا في ميدان الفَضل، التَّباري في ميدان الفَضل في مَواطِن كثيرة[/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]ولا تنسوا الفضل بينكم)[/FONT].
[FONT=&quot]د. الشِّهري[/FONT]: [FONT=&quot] ([/FONT][FONT=&quot]ولا تنسوا الفضل بينكم[/FONT] [FONT=&quot])[/FONT] [FONT=&quot]سبحان الله ما أجمل التَّعبير!،كأنَّه في غمرة الأخذ أعطني حقِّي وخُذ حقّك[/FONT].
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT] : [FONT=&quot]لا انتبه، هي رضِيَت بكَ زوجاً ، وأنتَ رَضيتَ بها زوجةً ، هذا تفاضل بينكم لا تَنسَوا هذا الأمر[/FONT].
[FONT=&quot]قال تعالى[/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]ولا جُناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إنّ الله كان عليماً حكيماً[/FONT][FONT=&quot])[/FONT] [FONT=&quot]الحقيقة تردُّد عليم، وحكيم في سورة النِّساء كثير ، نعم تفضّل أبا عبد الملك[/FONT].
[FONT=&quot]د. الطيّار[/FONT]: [FONT=&quot]لأنّه فيها آيات تشريع كبيرة جِدّاً كُلّها صادرة عن هَذَين الاسمين[/FONT] [FONT=&quot]العَظيمين العلم والحكمة، ولهذا أنا أقول للنَّاس من قرأ سورة النِّساء[/FONT] [FONT=&quot]وَوضَع في ذهنه وهُو ينظر إلى الأحكام قضيّة العِلم والحِكمة، وحاول أن[/FONT] [FONT=&quot]يجتهد في تَدَّبرِه لمعرفة مواطن العلم ومواطن الحكمة الإلهية في هذه[/FONT] [FONT=&quot]الأحكام، فإنّه سيظهر له جليِّاً كون الله سبحانه وتعالى كرَّر هذين[/FONT] [FONT=&quot]الاسمين مرّة بعد مرّة في هذه الأحكام، لأنّه بعضها قد يخفى على الإنسان[/FONT] [FONT=&quot]الظّاهر له فيقول: لماذا يقول الحكم هكذا؟ لكن لو تأمّل الحكم الإلهي[/FONT] [FONT=&quot]ونَظر في أدبار هذا الحكم الإلهي، أواخره يجد بالفعل أنّه مبنيّ على العلم[/FONT] [FONT=&quot]والحِكمة[/FONT].
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot]الجيّد في الأمر يا دكتور مساعد، أنّ كلمة حكيم التي هي اسم من أسماء الله[/FONT] [FONT=&quot]العظيم جلّ جلاله، تدل على أمرين: حَكيم بمعنى حاكم يحكم بالشَّيء فيجب[/FONT] [FONT=&quot]تنفيذُه ويجب امتثاله فهي فَعيل بمعنى فاعل. وحَكيم بمعنى مُحكِم للشَّيء[/FONT] [FONT=&quot]يُحكِمه ويتقنه بحيث لا يبدو فيه خلل من جانب من جوانبه. وكلمة حكيم جامعة[/FONT] [FONT=&quot]لهذين الاثنين، فهو حَاكِم يجب التزام حُكمه، ومُحكِم يعني أنّ حُكمه سديد[/FONT] [FONT=&quot]ليس فيه خَلل بوجه من الوُجوه[/FONT].
[FONT=&quot]بعد[/FONT] [FONT=&quot]هذه الآية التي ذكر الله عزّ وجل فيها تمام المحرّمات من النِّساء بيّن[/FONT] [FONT=&quot]وجهاً آخر فِيما يحرُم على الرَّجل أن يفعله من النِّكاح وهو نِكاح[/FONT] [FONT=&quot]الأَمَة، فالأَمَة يَجُوز للإنسان أن يطأَها إذا كانت مِلك يمين، أمَّا أن[/FONT] [FONT=&quot]يتزَّوج بها فتكون زوجةً له، وليست مملوكة أو مطيعةً بملك اليمين، فهذا[/FONT] [FONT=&quot]يَحرُم على الإنسان إلا بشرط[/FONT] .
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT][FONT=&quot] العجز عن نكاح الحُرّة، يعني[/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]ومن لم يستطع منكم طولاً[/FONT][FONT=&quot])[/FONT] [FONT=&quot]يعني ومن لم يملك القُدرة المالية على دفع مهر الحُرّة، فالطَّول يعني القُدرة المالية القدرة على دفع مهر الحُرّة[/FONT]. [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]أن ينكح المحصنات المؤمنات[/FONT][FONT=&quot])[/FONT] [FONT=&quot]أن ينكح الحُرَّة المؤمنة[/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]فمِّما ملكت[/FONT] [FONT=&quot]أيمانكم[/FONT][FONT=&quot])[/FONT] [FONT=&quot]أي فلينكح امرأةً من مِلك اليمين[/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]من فتياتكم المؤمنات[/FONT][FONT=&quot])[/FONT] [FONT=&quot]يعني من المملوكات من الإماء[/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]والله أعلم بإيمانكم[/FONT][FONT=&quot])[/FONT] [FONT=&quot]مسألة الإيمان مسألة ترجع لله سبحاه وتعالى، لا أحد يستطيع أنه يجزم بأنّ[/FONT] [FONT=&quot]هذا مؤمن أو هذا غير مؤمن، ولكنّه يستطيع أن يستدل بعلامات ظاهرة تُعتبر[/FONT] [FONT=&quot]قرائِن على صلاح هذه الفتاة أو تلك، فالرَّجل مأمور إذا أراد أن يتزّوج من[/FONT] [FONT=&quot]أمة من الإماء أن يتحرَّى الصَّالحة منهُنَّ، المعروفة بالإيمان والمعروفة[/FONT] [FONT=&quot]بالصَّلاح ويسأل عنها ويتحرَّى كما يتحرّى في شأن المرأة الحُرّة أيضاً[/FONT].
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot]وهذا يُؤكِّد قضية ارتباط الظَّاهر بالباطن، وأنَّ الإنسان يَستَدل على ما[/FONT] [FONT=&quot]يظهر من الإنسان على ما يُبطِنُهُ، والغريب أنّ هذا القيد مذكور في آيةٍ[/FONT] [FONT=&quot]أخرى وهي قوله جلّ وعلا[/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]يا أيُّها الذي آمنوا إذا جاءكم المؤمنات[/FONT] [FONT=&quot]مهاجراتٍ فامتحنُوهُنَّ الله أعلم بإيمانِّهنَّ[/FONT][FONT=&quot])[/FONT] [FONT=&quot]طبعاً ما أحد يدري أهي مؤمنة أو غير مؤمنة لأنّه شيء خّفيّ، لكن[/FONT] [FONT=&quot]امتحِنوهُنّ تُعرف بسؤال أو سُؤالين أنَّها بالفعل هي مؤمنة أو ليست مؤمنة[/FONT].
[FONT=&quot]د. الشِّهري[/FONT]: [FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]فإن عَلِمتمُوهُنَّ مؤمنات[/FONT][FONT=&quot])[/FONT] [FONT=&quot]مع أنَّ العلم على وجه اليقين ليس متمكِّنا، لكن ما غلب على الظنّ علماً[/FONT].
[FONT=&quot]د. الطيَّار[/FONT]: [FONT=&quot]في قوله ([/FONT][FONT=&quot]من فتياتكم المؤمنات[/FONT][FONT=&quot])[/FONT] [FONT=&quot]هل هذا قيد كاشف أو معتبر، مع أنّ كانت الأمّة غير مسلمة بل كتابية؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot]إذا أبيحت الحرة الكتابية فالله أعلم فالأمة ليست كتابية أنها أيضًا مباحة، ولكن هذا[/FONT] [FONT=&quot]يحتاج إلى بحث فيه. لكن السؤال يا إخواني: لماذا حرّم الله عزّ وجل نكاح[/FONT] [FONT=&quot]الإماء إلا بشرط عدم القدرة على مهر الحُرّة؟ لأنّ هذا يُفضي إلى رِقّ[/FONT] [FONT=&quot]الولد، الولد يتبع في الرِّق والده، فإذا تزوّج رجل أمة وهذه الأمة أنجبت[/FONT] [FONT=&quot]فإنّ هؤلاء الأبناء الذَّين خَرجوا من هذه الأمة يكونون عبيداً لسيِّد تلك[/FONT] [FONT=&quot]الأمة، فيُفضي ذلك إلى رِقّ الأبناء، ولذلك حرّمه الله عزّ وجل لمآله[/FONT] [FONT=&quot]السَّيء على الأبناء، فاشترط الله سبحانه وتعالى أنّ الإنسان لا يفعل ذلك[/FONT] [FONT=&quot]إلاّ عندما تكون هناك مفسدة أعظم وهي خشيته من العَنت، وعدم قدرته على[/FONT] [FONT=&quot]طَول الحُرّة. قال الله جلّ وعلا[/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]والله أعلم بإيمانكم بعضُكم من بعض فانكحوهُنّ بإذن أهلهنّ وآتُوهُنّ أجورهُنّ بالمعروف[/FONT][FONT=&quot])[/FONT] [FONT=&quot]طبعاً اشترط أن لا تُنكح الأَمة إلا بإذن سيِّدها لأنَّه قد يكون هو يستمتع[/FONT] [FONT=&quot]بها ويطؤها، ولا يحل أن يجتمع رجلان على امرأة واحدة، فإذا كان السّيد[/FONT] [FONT=&quot]يطؤها لم تحل لغيره، فلا بد من استبراء الرَّحم ، فتُستبرأ ثمّ بعد ذلك[/FONT] [FONT=&quot]تُزّوَج لهذا الرَّجل، وإذا تزّوجت لم يحل للسيّد أن يطأها[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار[/FONT]: [FONT=&quot]لكن هل تبقى سيادته عليها ؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot]نعم يبقى سيِّداً لها وأبناؤُها يكونون أرّقاء عنده[/FONT] .
[FONT=&quot]د. الشِّهري[/FONT]: [FONT=&quot]هذا سبب والله للمنع من الزَّواج[/FONT].
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot]إي نعم، ولذلك حرّمه الله عز ّوجل على عباده إلاّ بهذين الشَّرطين. قال تعالى[/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]فانكحوهُنّ بإذن أهلهنّ وآتُوهُنّ أجورّهُن بالمعروف[/FONT][FONT=&quot])[/FONT] [FONT=&quot]سمّى المهر أجراً. (بالمعروف) يعني كما تعارف النّاس عليه[/FONT] . [FONT=&quot](محصناتٍ غَير مُسافحات)[/FONT] [FONT=&quot]اشترط في الأَمة أن تكون طاهرة وعفيفة، وفسَّر المحصنة هنا تفسيراً واضحاً فقال[/FONT]: [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]غير مسافحات[/FONT][FONT=&quot])، ([/FONT][FONT=&quot]ولا مُتّخِذّات[/FONT] [FONT=&quot]أخدان[/FONT][FONT=&quot])[/FONT] [FONT=&quot]ما الفرق بين السِّفاح واتخاذ الأخدان؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري[/FONT]: [FONT=&quot]السِّفاح مجاهرة بالمعصية، ومتخذِّات أخدان يعني بالسِّر[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot]الَخدين هو الــصَّاحِب الــمُسَار الذي لا يجهر أيّ العشيق. قال الله تعالى[/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]فإذا أحصِنَّ[/FONT][FONT=&quot])[/FONT] [FONT=&quot]أيّ هؤلاء الإماء تزوجن[/FONT]. [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]فإذا أتين بفاحشة فعليهِنّ نصف ما على المحصنات من العذاب[/FONT][FONT=&quot])[/FONT] [FONT=&quot]معنى هذه الآية دكتور عبد الرَّحمن؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري[/FONT]: [FONT=&quot]يعني[/FONT] [FONT=&quot]إذا تزوّجت هذه الأمة ثم بعد نكاحها وقعت في الزِّنا، طبعاً إذا وقعت في الزِّنا[/FONT] [FONT=&quot]يُشترط فيها أن يُستشهد على وقوعها في الزِّنا أربعة شهود. كما قال تعالى[/FONT] [FONT=&quot](واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهنّ أربعةً منكم[/FONT][FONT=&quot])[/FONT] [FONT=&quot]أليس كذلك؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot]والله لا أدري، لكن أليس الشُّهود في العبيد والجواري النِّصف؟ هذه محل إشكال.لعلَّنا نبحث فيه[/FONT].
[FONT=&quot]د. الشِّهري[/FONT]: [FONT=&quot]نعم، فإذا ثبت عليها فاحشة الزِّنا سواءً قلنا انّها أربعة أم بنصف العدد، ([/FONT][FONT=&quot]فعليهنَّ[/FONT][FONT=&quot])[/FONT] [FONT=&quot]يعني الحَدَ الذي تُحدُّ به هذه الأمة[/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]نصفُ ما على المحصنات من العذاب[/FONT][FONT=&quot])[/FONT] [FONT=&quot]يعني إذا كان حد الحُرّة مائة جلدة فالأمَة خمسين، طبعاً لا يمكن الرّجم لأنّه لا يتَنَصَّف لكنّه لما قال ([/FONT][FONT=&quot]نصفُ ما على المحصنات من العذاب[/FONT][FONT=&quot])[/FONT] [FONT=&quot]دل على أنّه الجلد فنقول خمسين، وسمّى الحدّ هنا عذاباً[/FONT].
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] [/FONT] [FONT=&quot]قال[/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]ذلك لمن خَشِيَ العَنَت منكم[/FONT][FONT=&quot])[/FONT] [FONT=&quot]أيّ هذا الحُكم أُحِلّ لمن خشي العنت وهو الوقوع في الزِّنا[/FONT].
[FONT=&quot]ثم قال[/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]وأن تصبروا خيرٌ لكم[/FONT][FONT=&quot])[/FONT] [FONT=&quot]يعني وأن تصبروا على التَّعفُف وترك الزّواج بالإماء خيرٌ لكم من الزّواج بهنّ، لما يؤول إليه من استرقاق الأبناء. ثُمَّ قال ([/FONT][FONT=&quot]واللّه غفور رحيم[/FONT][FONT=&quot])[/FONT] .
[FONT=&quot]لعلَّنا[/FONT] [FONT=&quot]بهذا الختام، ندعو الله سبحانه وتعالى في هذا السَّحَر الجميل أن يغفر[/FONT] [FONT=&quot]الله عزّ وجل لنا ويرحمنا وأن يُبارك لنا في القرآن العظيم وينفعنا به،[/FONT] [FONT=&quot]ويجعلنا جميعًا وإياكم ومشاهدينا الكِرام من أهل القرآن الذِّين هم أهل الله[/FONT] [FONT=&quot]وخاصّته، نستودعكم الله على أمل اللِّقاء بكم والسّلام عليكم ورحمة الله[/FONT] وبركاته .
[FONT=&quot]بُثّت الحلقة بتاريخ 13 رمضان 1431 هـ[/FONT]
 
[FONT=&quot]الحلقة 14[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار[/FONT] :[FONT=&quot]بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول الله. أيُّها[/FONT] [FONT=&quot]الإخوة والأخوات من هذا المكان الطيّب نبتدئ حلقتنا لهذا اليوم. وقبل أن[/FONT] [FONT=&quot]نبتدئ بهذه الحلقة لعلّنا نستمع لبعض آياتٍ من سورة النِّساء، ثم نبتدئ بتفسيرها إن شاء الله[/FONT].
[FONT=&quot]تلاوة للشيخ عبدالباسط محمد عبدالصّمد رحمه الله من الآية (26-28) من سورة النّساء[/FONT].
[FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴿٢٦﴾ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ﴿٢٧﴾ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴿٢٨﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴿٢٩﴾ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴿٣٠﴾[/FONT][FONT=&quot])[/FONT]
[FONT=&quot]بعد[/FONT] [FONT=&quot]أن استمعنا إلى هذه الآيات، لعلِّي أبتدأ مع أخويَّ الكريمين: الدكتور[/FONT] [FONT=&quot]محمد بن عبدالعزيز الخضيري، والدكتور عبدالرّحمن الشِّهري، بتفسير قوله[/FONT] [FONT=&quot]سبحانه وتعالى [/FONT][FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴿٢٦﴾[/FONT][FONT=&quot]). [/FONT][FONT=&quot]في قوله سبحانه وتعالى[/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ[/FONT][FONT=&quot]) هذا البيان الإلهي أشار إليه الله سبحانه وتعالى في هذه يجري على الأحكام السَّابقة، ويبدو أن قوله سبحانه وتعالى ([/FONT][FONT=&quot]وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ[/FONT][FONT=&quot]) أنّ[/FONT] [FONT=&quot]هناك أحكام تتوافق مع شَرائع الأنبياء السَّابقين، ولكن لا يلزم أن تكون[/FONT] [FONT=&quot]نفسها تفصيلاً لأننَّا نعلم أنّه من شريعة يعقوب كما ورد أنّه كان من[/FONT] [FONT=&quot]شريعته جواز الجمع بين الأختين هكذا حُكِيَ في شريعته[/FONT].
[FONT=&quot]د. الشِّهري:[/FONT] [FONT=&quot]أنا أقول هذه علّة ممتازة جِدّاً وواضحة، لكن لاحظ أنّه إذا كان في شريعة[/FONT] [FONT=&quot]بعض الأنبياء السَّابقين كان يجوز الجمع بين الأختين، مع أنَّ الفطرة[/FONT] [FONT=&quot]البشرية واحدة، والغيرة وكما هو معلوم من شأن سارّة زوجة إبراهيم عليه[/FONT] [FONT=&quot]الصّلاة والسّلام كيف غارت من هاجر، أليس كذلك؟ فأقول مهما حاولنا أن[/FONT] [FONT=&quot]نلتمس الأعذار أو العلل من تحريم الجمع بين الأختين أو كذا إلا أنّه يبقى[/FONT] [FONT=&quot]الأمر الأساسي في تحريم الجمع بين الأختين هو أمر الله سبحانه وتعالى، أمر[/FONT] [FONT=&quot]تعبُّدي لأنّ الله قد حرَّم الجمع[/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]وأن تجمعوا بين الأختين[/FONT][FONT=&quot]) هذه هي العلّة الحقيقية. لكنّنا نريد أن نلتمس بعض الحِكَم فنقول من[/FONT] [FONT=&quot]الحِكَم: أنّه قد يؤدّي إلى قطيعة رحم أو إلى آخره، وإلا إذا أجازه الله[/FONT] [FONT=&quot]سبحانه وتعالى وأحلَّه فإنّه يُغتفر هذه الغيرة وما يتعلّق بقطيعة الرّحم،[/FONT] [FONT=&quot]أليس هذا مقبولاً؟[/FONT].
[FONT=&quot]د. الطيّار[/FONT]:[FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]هذا صحيح، أيضاً هناك فائدة في قوله ([/FONT][FONT=&quot]وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ[/FONT][FONT=&quot]) وهي فائدة مهمّ أن يُنتبه لها، وهي اتصّال الرِّسالات بعضها ببعض وأنَّ[/FONT] [FONT=&quot]النَّبي صلى الله عليه وسلّم ما جاء به ليس شيئاً بِدْعاً لم يقل به من[/FONT] [FONT=&quot]كان قبله، ولهذا اتّفاق الشَّرائع في بعض الأمور من الأمور التي احتَّج[/FONT] [FONT=&quot]الله بها على بني إسرائيل في أنّهم كيف لا يؤمنون وما جاءهم في هذه[/FONT] [FONT=&quot]الشّريعة هو عين ما جاءهم في الشَّريعة السّابقة كما في سورة البيّنة ([/FONT][FONT=&quot]وما أُمِروا إلاّ ليعبدوا الله مخلصين له الدِّين[/FONT] [FONT=&quot]حُنفاء ويُقيموا الصّلاة ويُؤتوا الزَّكاة[/FONT][FONT=&quot]) كل هذه المأمورات يعرفونها فلو كان النَّبي صلى الله عليه وسلّم جاءَ[/FONT] [FONT=&quot]بخلاف ذلك لاحتَّجُوا ولكن الله سبحانه وتعالى احتَّجَ عليهم بأنّ ما[/FONT] [FONT=&quot]جاءكم به هذا النّبي صلى الله عليه وسلم هو عين ما كان قد أمركم الله به[/FONT] [FONT=&quot]في شرائِعكم[/FONT].
[FONT=&quot]د. الشّهري[/FONT] : [FONT=&quot]و[/FONT][FONT=&quot]خاصّة الأشياء التي[/FONT] [FONT=&quot]اتّفقت عليها شرائع الأنبياء مثل الإيمان بالله والملائكة والكُتب [/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار[/FONT]: [FONT=&quot]نعم، المباني الخمسة التي هي التوحيد، والصّلاة، والزّكاة، و الصوّم والحج هذه كانت متفق عليها[/FONT].
[FONT=&quot]د. الشّهري[/FONT]: [FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]فالله يقول هنا ([/FONT][FONT=&quot]يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ[/FONT][FONT=&quot]) يعني يبيّن لكم الحقّ، ويبيّن لكم الهدى، ويبيّن لكم الصّواب في هذه[/FONT] [FONT=&quot]المسائل. تخيّل قبل أن تنزل هذه الآيات كيف كان وضع المجتمع، كانت هذه[/FONT] [FONT=&quot]الأشياء من الأشياء الملتبسة على النّاس البعض يجمع بين الأخت وأختها[/FONT] [FONT=&quot]والبعض ينكح زوجة أبيه، وكان المجتمع فيه مخالفات كثيرة فلمَّا نزلت هذه[/FONT] [FONT=&quot]الآيات ووضّحت للنّاس وأعادت الأمور إلى نصابها ختمها الله فقال ([/FONT][FONT=&quot]يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ[/FONT][FONT=&quot]). والبعض قد يستدل بهذه الآية ويقول إنّ آيات القرآن الكريم بيّنةٌ بنفسها،[/FONT] [FONT=&quot]ولا تحتاج إلى هذه التّفاسير الموجودة الآن، الكتب التي معك شيخ محمّد[/FONT] [FONT=&quot]وهذه التي على الطّاولة لا داعي لها، وأنّه يمكن أنّني أفهم القرآن الكريم[/FONT] [FONT=&quot]دون أن أرجع إلى فُهوم المفسِّرين وإلى فُهوم الصَّحابة وإلى فهوم غيرهم[/FONT] [FONT=&quot] لأنّ القرآن الكريم بيِّن بنفسّه، والله يقول ([/FONT][FONT=&quot]يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ[/FONT][FONT=&quot]) فلماذا يأتي الطَّبري أو يأتي ابن كثير أو يأتي القرطبي فيحول بيني وبين[/FONT] [FONT=&quot]القرآن الكريم وبين فهمه فيكون وصيِّاً عليَّ في فهم كلام الله سبحانه[/FONT] [FONT=&quot]وتعالى؟، وهذا الحقيقة نوع من التَّبسيط للقرآن الكريم وفهمه، والحقيقة أنّ[/FONT] [FONT=&quot]القرآن الكريم لا بد في فهمه من أصول ومن ضوابط ومن اعتبار أقوال السَّلف[/FONT] [FONT=&quot]وفهم الصّحابة رضي الله عنهم وتطبيقهم لهذه الآيات التي نزلت على النّبي[/FONT] [FONT=&quot]صلى الله عليه وسلّم، وهم مَوجُودون يشاهدون كيف كان النَّبي صلى الله عليه[/FONT] [FONT=&quot]وسلم يُفسِّر هذه الآيات ويُوضّحها، صحيح أنّ القرآن الكريم بيّن، ولكنّه[/FONT] [FONT=&quot]يحتاج فعلاً إلى علماء به لكي يُبيّنوه للنّاس ويقرِّبوا معانيه[/FONT].
[FONT=&quot]د.الطيَّار[/FONT]: [FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]والعجيب[/FONT] [FONT=&quot]أنّ من يدَّعي هذه الدّعوة يأتي بمنكرٍ من القول في تفسيراته وهو لا يدري،[/FONT] [FONT=&quot]بل إنّه قد يُوقَّف على بعض أخطائه الفظيعة، وتجد أنّه يرتكب حماقة في[/FONT] [FONT=&quot]أنّه يُكابِر، وعادةً مثل هؤلاء هم أصحاب مكابرة لأنّه من أوّل الطريق[/FONT] [FONT=&quot]المنهج عندهم خلل فيه. لاحظ أنّه الأفعال ([/FONT][FONT=&quot]يريد، يهديكم، يتوب[/FONT][FONT=&quot]) أفعال فيها تجدّد لوازم هذه الأفعال[/FONT].
[FONT=&quot]لــمّا قال ([/FONT][FONT=&quot]ويتوب عليكم[/FONT][FONT=&quot]) كأنّه فيه إشارة إلى أنّ مما سبق شيءٌ قد يقع في الخطأ فيحتاج إلى التّوبة[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري:[/FONT][FONT=&quot] مثلًا أن تجمعوا بين الأختين[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيار:[/FONT][FONT=&quot] كما في قوله[/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]والله غفورٌ رحيم) [/FONT][FONT=&quot]إشارة إلى مثل هذا، فكونه الآن يُشير إلى التّوبة فيه إشارة إلى أنّه قد يقع فيما مضى شيٌ يحتاج إلى التّوبة[/FONT].
[FONT=&quot]د.الخضيري: [/FONT][FONT=&quot]في ترتيب هذه الأشياء الثلاثة، الحقيقة أنا أظنّ أنّ الترتيب مقصود أن يُنتبه له، ([/FONT][FONT=&quot]يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ[/FONT][FONT=&quot]) البيان أولاً، ثمّ يأتي من بعد البيان الهداية ([/FONT][FONT=&quot]ويهديكم سُنن الذّين من قبلكم)،[/FONT] [FONT=&quot]بعد الهداية تأتي التَّوبة إذا اهتدى الإنسان وسلك الطّريق ولزِم الجّادة فإنّ الله سبحانه وتعالى يتوب عليه ويقبل منه التّوبة ([/FONT][FONT=&quot]وهو الذّي يقبل التّوبة عن عباده ويأخذُ الصّدقات) [/FONT][FONT=&quot]ونحن[/FONT] [FONT=&quot]نقول أيضاً للدُّعاة عليكم بهذا الأمر، بيِّنُوا أولاً قبل أن تحكموا على[/FONT] [FONT=&quot]النَّاس بأنّهم مُذنبون أو كُفّار أو خطّاؤون بيّنوا الحق للنَّاس ثمّ[/FONT] [FONT=&quot]اُهدوهم ودُّلُوهم على الطَّريق ووضِّحُوا لهم المعالم سواء بالقُدوة[/FONT] [FONT=&quot]بالفعل بالأمر والنّهي إلى آخره. ثمّ يأتي من بعد ذلك دعوتهم للتّوبة[/FONT] [FONT=&quot]والرُّجوع إلى الحقّ[/FONT].
[FONT=&quot]د. الطيّار[/FONT]: [FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]جميل، إذاً تكَّرر عندنا المقطع للفاصلة[/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]والله عليمٌ حكيم[/FONT][FONT=&quot]) وتكرار هذين الاسمين لا شك كما قلنا سابقاً أنّهما بحاجة إلى دراسة مستقلة في علاقة هذين الاسمين العلم والحكمة بهذه الأحكام. قال ([/FONT][FONT=&quot]والله يريد أن يتوب عليكم ويريدُ الذّين يتبّعون الشّهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً) [/FONT][FONT=&quot]ثمّ قال في الآية بعدها[/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]يريد الله أن يخفّف عنكم وخُلِقَ الإنسانُ ضعيفاً[/FONT][FONT=&quot]). لو تأمَّلنا الآن أيضاً ([/FONT][FONT=&quot]واللهُ يريد أن يتوب عليكم[/FONT][FONT=&quot]) هذه الجملة اسمية دالّة على الثُّبوت، والأولى لمّا قال (ويتوب) جملة[/FONT] [FONT=&quot]فعلية دالّة على التَّجدد كلما أحدثوا ذنبًا وأحدثوا توبةً تاب الله عليهم، وهنا قال ([/FONT][FONT=&quot]والله يريد أن يتوب عليكم[/FONT][FONT=&quot]) تنبيه على أنَّ هذه الصّفة من الصِّفات اللازمّة في حقّ الله سبحانه وتعالى[/FONT].
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]فإن قيل لماذا كرّرها؟ يُقال من باب التوكيد؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار[/FONT]: [FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]هذا لا شك أنّه من باب التأكيد[/FONT].
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]شيء آخر[/FONT]
[FONT=&quot]د: الطيّار[/FONT]: [FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]وهو؟[/FONT]
[FONT=&quot]د: الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]أن يقارن بين ما يريده الله بنا وما يريده هؤلاء، وهذا يكون من باب التَّوطئة[/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]والله يريد أن يتوب[/FONT] [FONT=&quot]عليكم ويريد الذّين يتبّعون الشّهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً[/FONT][FONT=&quot])[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار[/FONT]: [FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]مالوا يعني خرجوا عن التّوبة[/FONT].
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]فقارنوا[/FONT] [FONT=&quot]بين ما يريده الله بكم من الرّحمة والخير والإحسان والرِّفق والنَّعيم[/FONT] [FONT=&quot]المقيم يوم القيامة، وما يريده بكم هؤلاء من الضّلال والميل العظيم[/FONT] [FONT=&quot]والعذاب أيضاً نسأل الله العافية والسّلامة الذّي يُوصل إليه ما يقصدون[/FONT] [FONT=&quot]إليه وما يدعون إليه[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار[/FONT]: [FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]ولو[/FONT] [FONT=&quot]تأمّلنا الآية ووزنّا ما أراده الله بنا في هذه الآيات من الأحكام بَدءاً[/FONT] [FONT=&quot]بقضية اليتامى ثمّ تفصيل الفرائض ثم قضية الحُدود ثمّ بعد ذلك قضّية[/FONT] [FONT=&quot]المحرّمات، وتأمّلنا ما يريده الذّين يتَّبعون الشّهوات في هذه الأمور هو[/FONT] [FONT=&quot]مخالف لما يريده الله سبحانه وتعالى. ولهذا بالفعل هذا تنبيه إلهي إلى[/FONT] [FONT=&quot]أنَّ هؤلاء الذّين يتبَّعون الشّهوات لا يقع منهم إلا ما يكرهه الله[/FONT] [FONT=&quot]ويسخطه الله، ولهذا نجد مثل المؤتمرات العالمية التي قامت باسم المرأة إن[/FONT] [FONT=&quot]لم نقل بنسبة 9.99 من عشرة مخالف لشرع الله سبحانه وتعالى. والعياذ بالله[/FONT] [FONT=&quot]تقرير المثلية، وجواز نكاح الــــمِثليين، الإجهاض، الزّنا غيرها من[/FONT] [FONT=&quot]الأمور كلُّها قنَّنوها وأباحوها وهذا كله مخالف، وهذا مثالٌ للميل العظيم[/FONT] [FONT=&quot]الذّي يُشير إليه الله سبحانه وتعالى في هذه الآية، فاتّباع هؤلاء لا شك[/FONT] [FONT=&quot]أنّه بعُدٌ عن باب التّوبة الذّي فتحه الله سبحانه وتعالى بقوله[/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]ويتوب عليكم[/FONT][FONT=&quot]) وهنا قال ([/FONT][FONT=&quot]والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذّين يتبّعون الشّهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً[/FONT][FONT=&quot])[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]في قوله ([/FONT][FONT=&quot]والله يُريد أن يتوبَ عليكم ويريدُ الذِّين يتبّعون الشَّهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً[/FONT][FONT=&quot]) إشارة عظيمة وتحذيرية للمؤمنين بأنَّ مُتَّبعي الشَّهوات هؤلاء لا[/FONT] [FONT=&quot]تظُـــنُّوا أبداً أنَّ القضية عندهم هي قضية المناداة بمساواة المرأة[/FONT] [FONT=&quot]وإعطائها حقوقها، هذا مظهر يريدون من ورائه الميل العظيم، والذِّي يدل[/FONT] [FONT=&quot]على ذلك ما أورده أبو عبد الملك قبل قليل. يعني قبل مثلاً ثلاثين سنة[/FONT] [FONT=&quot]كُنَّا نسمع حُقوق المرأة، حقوق المرأة، المناداة بها، مساواتها مع[/FONT] [FONT=&quot]الرَّجل على أساس أنّ هذا حق يجب أن تأخذه وأن هؤلاء هم الذِّين سينتصرون[/FONT] [FONT=&quot]للمرأة. الآن جاءت مثل ما ذكر الدُّكتور مساعد مؤتمرات المرأة التي تفضح[/FONT] [FONT=&quot]الميل العظيم الذّي كانوا يُخطِّطون للوصول إليه نسأل الله العَافية[/FONT] [FONT=&quot]والسَّلامة. وكل هؤلاء الذِّين يكتبون ويتكلّمون ويتحدَّثون في وسائل[/FONT] [FONT=&quot]الإعلام بهذه النَّظرة وداعين إلى مثل هذه الشّهوات لا تظنُّوا ولا[/FONT] [FONT=&quot]تنخدعوا أيُّها المؤمنون بما يقولونه لكم من ظاهر القول ومن ومعسول[/FONT] [FONT=&quot]الكلام، أين حقوق المرأة؟ أين حقوق المرأة؟ لماذا المرأة لا تأخذ مثل ما[/FONT] [FONT=&quot]يأخذ الرَّجل؟ هم لا يُريدون هذا والله، هم يريدون شيئاً آخر فانتبهوا له[/FONT] [FONT=&quot]إنّه[/FONT] "[FONT=&quot]الميل العظيم[/FONT]"
[FONT=&quot]د. الطيّار[/FONT]: [FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]لاحظ سبحان الله قال ميل وزاد عليه أنّه عظيم[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]نكّره ثمّ وصفه بالعظيم[/FONT].
[FONT=&quot]د. الطيّار[/FONT]: [FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]وهذا لا بد أن ننتبه للقرآن أنّه يأتي بالشّيء مُنَّكَراً ثمّ يُتبعه بالوصف مثل عذاباً أليماً، عظيماً[/FONT].
[FONT=&quot]دكتور عبد الرحمن في قوله ([/FONT][FONT=&quot]يُريد الله أن يُخَفِفَّ عنكم[/FONT][FONT=&quot]) لاحظ طبعاً ([/FONT][FONT=&quot]يريد الله، يريد الله، والله يريد[/FONT][FONT=&quot]) تكّررت الآن عندنا ثلاث مرّات، ([/FONT][FONT=&quot]يريد الله[/FONT][FONT=&quot]) الأولى أن يُبيِّن لكم، ([/FONT][FONT=&quot]والله يريد[/FONT][FONT=&quot]) الثانية: أن يتوب عليكم ، ([/FONT][FONT=&quot]يريد الله[/FONT][FONT=&quot]) الثالثة: يريد أن يُخفِّف عنكم. فتكرار هذه الإرادة مع اختلاف المراد ، إذا كان في تعليق على هذا[/FONT].[FONT=&quot]؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري[/FONT]: [FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]فيها[/FONT] [FONT=&quot]تعليق أولاً هي إرادة دينية كما تفضّل الدُّكتور محمد، وأنّ الله سبحانه[/FONT] [FONT=&quot]وتعالى قد أراد بعباده الخير، أراد بهم أن يُبيِّن لهم الحقّ ولا شك أن[/FONT] [FONT=&quot]بيان الحق من أهم ما يحرص عليه الإنسان في حياته، أن يحرص على بيان المنهج[/FONT] [FONT=&quot]الذّي يسير عليه. فالله سبحانه وتعالى يُحبُّ أن يتوب عبده، ويحب أن يراه[/FONT] [FONT=&quot]يتوب ومعناها أنّه ينبغي للمسلم أن يُكثر من التّوبة لأنَّ في هذا تحقيق[/FONT] [FONT=&quot]لما يُحبُّه الله سبحانه وتعالى ويرضاه ويُكرِّر ذلك. ثمّ أنتم ذكرتم[/FONT] [FONT=&quot]دكتور مساعد قبل قليل أنّه جاء التّعبير بالفعل المضارع والله يريد ([/FONT][FONT=&quot]أن يتوب[/FONT][FONT=&quot]) ويريد الذّين يتبعون الشّهوات ([/FONT][FONT=&quot]أن تميلوا[/FONT][FONT=&quot]) يريد الله ([/FONT][FONT=&quot]أن يُخفّف[/FONT][FONT=&quot]) بالفعل المضارع، إشارة إلى أن طبيعة الإنسان لا تنفَّك عن ارتكاب الأخطاء[/FONT] [FONT=&quot]التي من شأنها أن تدفعه إلى التّوبة والله سبحانه وتعالى يُحبّ أن يرى[/FONT] [FONT=&quot]عبده وهو يُكثر من التّوبة ويُكرِّر ويُكرِّر[/FONT].
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]في قوله ([/FONT][FONT=&quot]ويريد الذّين يتبِّعون الشَّهوات[/FONT][FONT=&quot]) لاحظ أنّه عبَّر بقوله ([/FONT][FONT=&quot]يتبِّعون الشَّهوات) [/FONT][FONT=&quot]يعني لم يقل الذِّين مثلاً يشتهون لأنَّه ما منّا من أحد إلا وعنده هذه[/FONT] [FONT=&quot]الشَّهوة قد جبلنا الله سبحانه وتعالى عليها وغرسها في نُفُوسِنا، لكن[/FONT] [FONT=&quot]هؤلاء جعلوا الشَّهوات قائدة لهم فهُم يسعون وراءها، ولذلك أحياناً قد[/FONT] [FONT=&quot]يُوافقون الحق لكن موافقة للحق ليس لأنّهم طلبوا الحق وإنّما جاءت في[/FONT] [FONT=&quot]الطّريق. لذلك نحن نتلمَّس هذا من هؤلاء المتَّبعين للشَّهوات نعرف[/FONT] [FONT=&quot]طريقهم، تجده في كُلّ مقالاته وفي كل برامجه وفي كل ما يُقَدِّمه للنَّاس[/FONT] [FONT=&quot]يحوم حول هذه الشَّهوة. أنت الآن لــمَّا تفتح بعض القنوات الذي يقول نحن[/FONT] [FONT=&quot]إصلاحِيُّون مثلاً ونريد أن نُحقِّق رفاهية المجتمع وتنمية المجتمع العربي[/FONT] [FONT=&quot]إلى آخره، تفتح القناة تنظر الشّهوة هي التي تُسَيِّر هذه القناة، النّاس[/FONT] [FONT=&quot]تَتبع الشَّهوة حتى لو يريد أن يُقدِّم شيئاً جيِّداً يُقدِّمه عبر[/FONT] [FONT=&quot]الشَّهوة، امرأة جميلة وسيمة رائعة الجَمال تُقدَّم عبر الشّاشة من أجل أن[/FONT] [FONT=&quot]تُحدِّث النَّاس عن قضية اجتماعية أو قضيِّة دينية، انظر [/FONT][FONT=&quot](ويريدُ الذِّين يتبِّعون الشَّهوات[/FONT] [FONT=&quot]أن تميلوا ميلاً عظيماً[/FONT][FONT=&quot])[/FONT]
[FONT=&quot]الحقيقة[/FONT] [FONT=&quot]الدُّكتور عبد الرَّحمن أيضاً أشار إلى أمر آخر مُهمّ جِدّاً وهو أنّ[/FONT] [FONT=&quot]َإرادة هؤلاء الــمُتَّبعين للشَّهوات لا تُدافَع إلا بتحقيق إرادة الله من[/FONT] [FONT=&quot]بيان الحقّ وهداية النَّاس إلى السبيل، وقيام العلماء والدُّعاة بواجبهم[/FONT] [FONT=&quot]وبهذا تندحر إرادة هؤلاء، فإذا تاب النّاس وعادُوا إلى الله عزّ وجل إندحر[/FONT] [FONT=&quot]هؤلاء وذَهَب ما عندهم من الباطل[/FONT].
[FONT=&quot]د. الشِّهري[/FONT]: [FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]أيضاً لو تأذن لي دكتور مساعد، في بيان نقطة مهمّة في هذه الآية[/FONT].
[FONT=&quot]د. الطيّار[/FONT]: [FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]تفضَّل[/FONT].
[FONT=&quot]د. الشِّهري[/FONT]: [FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]لاحِظُوا يا إخواني في سورة النِّساء، مشروعات دائماً المفسدين يتخِذُّون[/FONT] [FONT=&quot]المرأة وسيلةً لتحقيق أهدافهم في الميل بالمجتمعات إلى الضَّلال وإلى[/FONT] [FONT=&quot]الغِواية سبحان الله العَظيم، وكثير من النَّجاحات التي حقَّقُوها في[/FONT] [FONT=&quot]تحقيق هذا الأمر بواسطة المرأة. ولذلك تُعجِبُني كلمة يقولها أحدُهم عندما[/FONT] [FONT=&quot]قال أنَّ مشروعات اللِّيبراليين تبدأ بالمرأة وتنتهي بالمرأة وتَـمُر[/FONT] [FONT=&quot]بالمرأة. الآن نحن نتحدّث في سورة النِّساء والله سبحانه وتعالى ذكر أحكامًا[/FONT] [FONT=&quot]كثيرة تخُصّ النِّساء ذكر النِّكاح، ذكر المحرَّمات، ذكر لماذا إذا أصابك[/FONT] [FONT=&quot]العَنَت ولم تستطع أن تنكِحَ الحُرّة فيبُاح لك أن تنكح الأمّة مع ما[/FONT] [FONT=&quot]يترتّب على ذلك من استرقاق أبنائك ولكن كلّ هذا حفظ للمجتمع. ثمّ جاء[/FONT] [FONT=&quot]فلّخص الحقيقة في هذه الآيات الثلاث عندما قال [/FONT][FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴿٢٦﴾ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ﴿٢٧﴾ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴿٢٨﴾[/FONT][FONT=&quot]). [/FONT][FONT=&quot]لاحظ لــماذا قال ([/FONT][FONT=&quot]وخُلِقَ الإنسان ضعيفاً[/FONT][FONT=&quot]) مع ذكر النّساء وما يتعلّق بها؟ السُّورة كلّها أصلاً حول النّساء[/FONT]. [FONT=&quot]الحقيقة هذا حقيقة لا يُنكرها أحد أنّ فتنة النِّساء فتنة عظيمة على[/FONT] [FONT=&quot]الرِّجال على المجتمعات[/FONT].
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]ولا يكادون الرِّجال يَضعُفُونَ عند شيء مثل ما يضعفون عند النِّساء[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري[/FONT]: [FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]نعم، هذه واحدة. الأمر الثَّاني قوله (يتبِّعون الشَّهوات) ما رأيت أجمل من[/FONT] [FONT=&quot]هذا الوصف لهؤلاء. لأنّ هؤلاء يا إخواني يقومون بأبحاث ودراسات فتَظهر[/FONT] [FONT=&quot]للنَّاس آراؤهم وما يدعون إليه على أنّها آراء علميّة مبنيّة على دراسات[/FONT] [FONT=&quot]علمية. في حقيقة الأمر لا فيها لا دراسة علمية ولا يحزنون، وإنّما هي[/FONT] [FONT=&quot]اتِّباعٌ للشَّهوات واتِّباع للأهواء. ولذلك العُلماء من السَّلف رحمهم[/FONT] [FONT=&quot]الله كانوا مُصيبين وموَّفَقين في تسمية الفِرق المنحرفة عن السُنّة[/FONT] [FONT=&quot]والجماعة أهل الأهواء، ما يتَّبِعون دليلًا وإنَّما يتبِّعون الهوى. فهؤلاء[/FONT] [FONT=&quot]أصدق ما يُوصفون به هؤلاء الذِّين يَدعُون إلى ما يُسَّمى بتحرير المرأة[/FONT] [FONT=&quot]هدفهم في النِّهاية مُضادّة إرادة الله سبحانه وتعالى [/FONT][FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ﴿٢٧﴾[/FONT][FONT=&quot]) [/FONT][FONT=&quot]فكأنّهم يُضَّادُّون إرادة الله سبحانه وتعالى بهذه المشروعات[/FONT].
[FONT=&quot]د.الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]والذّي يَدلّك لذلك با أبا عبدالله أنَّ هؤلاء الذِّين يريدون يتَّبعون[/FONT] [FONT=&quot]الشَّهوات أنّهم يستدلون بأدلة مثلاً العالم الغربي يفعل وإلى آخره، فإذا[/FONT] [FONT=&quot]جئت لهم بأنَّ العالم الغَربي قد تراجع عن هذا الأمر الذّي يَدعُونَ[/FONT] [FONT=&quot]إليه وصار مخالفًا لاتِّباع الشّهوات ما كأنّهم يسمعون ولا كأنّهم يقرأون[/FONT] [FONT=&quot]ولا ينقلون هذا في صُحُفِهم ولا في قنواتهم!. أُنظر مثلاً مشروع الاختلاط في[/FONT] [FONT=&quot]التّعليم الذّي الآن تُدفَع الأمّة إليه دفعاً هذا المشروع الآثم الذّي[/FONT] [FONT=&quot]يُريد به الذّين يتَّبِعون الشَّهوات أن نميل ميلاً عظيماً. نحن نقول لهم[/FONT] [FONT=&quot]تعالَوا العالم الغربيّ ماذا يقول؟ الدِّراسات ماذا تقول؟ ليست دراسات[/FONT] [FONT=&quot]المسلمين، دراسات غربية مُحَكَّمة من جامعات وتُجرى على أعلى[/FONT] [FONT=&quot]المستويات حتى لا يَتفضَّلون علينا بأن ينقلوها لنا في الجرائد والمجلات[/FONT].[FONT=&quot]![/FONT]
[FONT=&quot]د. الشّهري[/FONT]: [FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]لأنّها تخالف هواهم[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]نعم، إذاً المسألة ليست مسألة علمية، ومسألة والله بالفعل وصول إلى حقّ لا، بل ([/FONT][FONT=&quot]وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ﴿٢٧﴾[/FONT][FONT=&quot]). وفي قوله[/FONT][FONT=&quot] (يريد الله أن يُخفّف عنكم) [/FONT][FONT=&quot]يا[/FONT] [FONT=&quot]إخواني والله لاحِظُوا هذه الآية أنّها جاءت في غَاية الإحكام في هذا[/FONT] [FONT=&quot]الموطن، أنّ هذا الذّي شرعَهُ الله لكم من هذه الأحكام الــمُتعلّقة بالنِّساء[/FONT] [FONT=&quot]هو تخفيف وتيسير، بالله عليك لو ذهبت ابنتك إلى المدرسة، وفي الجَامعة[/FONT] [FONT=&quot]تعرَّفَت على شاب، فراوَدَها عن نفسها فاعتدى عليها ثُمّ حَمَلت منه، ثمّ[/FONT] [FONT=&quot]جاءتك ببطن قد امتلأ بالسِّفاح، هذا الابن ليس ابناً لك وليس له أبٌ[/FONT] [FONT=&quot]معروف، بالله عليك أليس ثِقلاً عظيماً عليك؟! هل تُخرج ابنتك أو تُبقيها؟[/FONT] [FONT=&quot]إن أخرجتها مُصيبة، وإن أبقيتها مُصيبة!. هل ترضى بهذا الابن؟ أو تنفيه؟ إن[/FONT] [FONT=&quot]أتيت به مصيبة، وإن نفَيته مُصيبة! . انظر كيف المشّقة تأتينا[/FONT].[FONT=&quot]![/FONT]
[FONT=&quot]الآن[/FONT] [FONT=&quot]العالم الغربيّ يصيح، يقول لي أحد الدَّكاترة ذهبنا إلى إحدى أعظم[/FONT] [FONT=&quot]الولايات في أمريكا، وزُرنا إدارة التّعليم فيها وسألناهم ما هي أعظم[/FONT] [FONT=&quot]مشكلة الآن تمر بكم في التَّعليم، لم تستطيعوا أن تُوجِدوا لها حلاًّ؟[/FONT] [FONT=&quot]قالوا أبداً، مشكلة حمل القاصرات في الثَّانويات والــمُتوَّسطات[/FONT] [FONT=&quot]العامَّة. هذه ما استطعنا أن نجد لها حلاًّ، نحن الحلّ عندنا موجود ولله[/FONT] [FONT=&quot]الحمد والمنّة لكن [/FONT][FONT=&quot](ويريد الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (26) يريد الله أن يُخفف عنكم) [/FONT][FONT=&quot]الأُمّة[/FONT] [FONT=&quot]تلك تعيش مأساة حقيقية، لأنّهم سنويّاً بمئآت الآلاف أنفُس تُقتل، وأولاد[/FONT] [FONT=&quot]الزِّنا يدخلون العالم بلا آباء ولا أُمَّهات بالله عليك اُنظر إلى هذا[/FONT] [FONT=&quot]الابن لا تُعرَف أُمُّه ولا يُعرَف أبوه ويعيش في دُور الرِّعاية، كيف[/FONT] [FONT=&quot]سيكون حاله مع المجتمع؟! ([/FONT][FONT=&quot]يُريد الله أن يُخفّف عنكم[/FONT][FONT=&quot]) يعني هذه الأحكام التي شرعتُها لكم وأمرتكم بها هي في حقيقتها تخفيف[/FONT].[FONT=&quot] صحيح[/FONT] [FONT=&quot]أنّ الحِجاب ثقيل، صحيح أنّ الحجاب فيه شِدَّة على نفس المرأة لأنَّه[/FONT] [FONT=&quot]يَحجُبُهَا، لكنَّه في حقيقة الأمر تخفيفٌ عليكم أيُّها المؤمنون، وعليكُنّ[/FONT] [FONT=&quot]أيُّتُها المؤمنات فإيّاكم إيّاكم أن تُسوِّل لكم أنفسكُم السَّماع[/FONT] [FONT=&quot]والنَّظر إلى هؤلاء الــمُتَّبعين للشّهوات[/FONT].
[FONT=&quot]د. الشِّهري[/FONT]: [FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]و[/FONT][FONT=&quot]النِّساء ولله الحمد المؤمنات اللاَّتي يَلتِزمن بهذا يشعرون بهذا وكما قالت فاطمة رضي الله عنها[/FONT]: [FONT=&quot]خيرٌ للمرأة ألاَّ ترى الرِّجال ولا يراها الرِّجال[/FONT].[FONT=&quot] فِعلاً[/FONT] [FONT=&quot]المرأة التي تلتزم بأحكام الله تَرَى هذا تخفيفاً هي حتى تشعُر به. ولا[/FONT] [FONT=&quot]يتذَّمَر من أحكام الله سبحانه وتعالى ومن هذه التَّكاليف إلاّ من خَفَّ[/FONT] [FONT=&quot]إيـــمانُه ومن قَلَّ إيمانه. وإلاَّ لاحِظ كيف الله سبحانه وتعالى[/FONT] [FONT=&quot]يخاطبنا الله بوصف الإيمان في آيات الأحكام هنا لاستنهاض فطرة الإيمان في[/FONT] [FONT=&quot]نفوس النّاس. أمّا هؤلاء أصحاب الشّهوات فكما قال الله سبحانه وتعالى [/FONT][FONT=&quot](ويريد الذِّين يتَّبِعُونَ الشَّهوات) [/FONT][FONT=&quot]ي[/FONT][FONT=&quot]عني كأنَّ الشَّهوات هذه يتتبَّعونها تَتَبُّعاً في كل مكان، وهذا والله هُو أصدق وصف يُوصَفُ به أصحاب هذه المشروعات[/FONT].
[FONT=&quot]د. الخِضيري[/FONT]: [FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]إن[/FONT] [FONT=&quot]أذنت لي يا أبا عبدالملك، عندي قصَّة تُؤيّد ما ذكره الدُّكتور[/FONT] [FONT=&quot]عبدالرَّحمن قبل قليل في أنَّ هذا تخفيف من الله، رجل حَصَل له عَقد في[/FONT] [FONT=&quot]المملكة العربية السُّعودية من إحدى الدُّول العربية، لكن امرأته لم تكن[/FONT] [FONT=&quot]مُحَجَّبة كذلك بناته. فكانوا يقولون كيف سنعيش في هذه الدَّولة التي[/FONT] [FONT=&quot]تُلزم النِّساء بالحِجاب؟!، نحن لا نُطيق الحجاب ولا نتحمّله، ولا نعرف كيف[/FONT] [FONT=&quot]سنعيش في بلد ونحن ما نستطيع أن نخرج ولاندخل إلا بهذا الحجاب؟!. فكانُوا[/FONT] [FONT=&quot]يظُنُّون أنّه سيعيشون آصاراً وأغلالاً، ولكن في سبيل طلب مزيد من الرِّزق[/FONT] [FONT=&quot]جاؤوا. لــــمّا جاؤوا وبدأوا يلبسون العباءة ويَضعُون ما يستُر رؤوسهم[/FONT] [FONT=&quot]ويتحجَّبون. اكتشفوا أمرًا لم يكونوا يفكِّرون فيه كانت الواحدة لكي تخرج في[/FONT] [FONT=&quot]كل يوم مع زوجها تجلس ما لا يقل عن نصف ساعة أمام المرآة، ولا بد تُغيِّر[/FONT] [FONT=&quot]الثيَّاب باستمرار[/FONT] [FONT=&quot]حتى[/FONT] [FONT=&quot]لا تُرى على ثياب مكرورة، الحجاب تبيّن أنّ من فوائده وتخفيفاته ورحمته[/FONT] [FONT=&quot]بالمرأة المسلمة أنّه يُخفِّف عنها عبئاً كثيراً، هي الآن تخرج للسُّوق[/FONT] [FONT=&quot]لقضاء حاجّة لمدة نصف ساعة ما تَحتاج إلاّ أنّها تلبس حجابها تخرج على[/FONT] [FONT=&quot]شكلها الذّي هي فيه وعلى ثوبها وعلى قميصها التي تلبسه في بيتها.بينما[/FONT] [FONT=&quot]لو كانت مُتبرِّجة قبل أن تخرج حتى لمدة ربع ساعة لا بد أن تتشيَّك بالكامل،[/FONT] [FONT=&quot]الشّعر مُسَّرح، المكياج كامل، الثُّوب من نوع مُعَيِّن، الحذاء إلى آخره[/FONT].[FONT=&quot] قالوا فاكتشَفنا فِي الحجاب فائدة ما كُنّا نتوّقع هذا الحجاب،[/FONT] [FONT=&quot]والله إنّ الحجاب كُنّا نظُنّ أنّه عذاب فتبيَّن أنَّه رحمة من الله عزَّ وجل لنا ([/FONT][FONT=&quot]يُريدُ الله أن يُخَفِّف عنكم)[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار[/FONT]: [FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]وفي قوله ([/FONT][FONT=&quot]وخُلِق الإنسان ضعيفا) ط[/FONT][FONT=&quot]بعاً هذه قاعدة عامّة، سواء كان الضَّعف من جهة الجسد[/FONT].
[FONT=&quot]د. الشِّهري[/FONT]: [FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]أو حتى من العقل، والتّفكير، ومعرفة مآلات الأمُور[/FONT].
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]وأيضاً في قوله ([/FONT][FONT=&quot]ويريد الذّين يتَّبِعُونَ الشَّهوات) [/FONT][FONT=&quot]أنَّ هؤلاء المتَّبعين للشَّهوات بيان لحقيقتهم ([/FONT][FONT=&quot]وخُلِق الإنسان ضعيفاً[/FONT][FONT=&quot]) لكن إيَّاك أن تتبِّع هذه الشهوات، اتَّبع هُدى الله لتعلم أنّ الله لتعلم أنّ الله بقوّته وعلمه قد هداك الطريق الأقوم[/FONT].
[FONT=&quot]د. الشِّهري[/FONT]: [FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]وهذه الآيات فيها من الإشارة إلى كمال رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده لاحظ [/FONT][FONT=&quot](والله يريد أن يتوب[/FONT] [FONT=&quot]عليكم[/FONT][FONT=&quot]) ([/FONT][FONT=&quot]يريد الله أن يُخَفّف عنكم[/FONT][FONT=&quot]) وبالرَّغم من ذلك كيف يُحادّ كثيرٌ من النَّاس ربَّهُ سبحانه وتعالى[/FONT] [FONT=&quot]بالمعاصي وبالذُّنوب، وبالإِصرار على مخالفة هذه الإرادة الدِّينية التي[/FONT] [FONT=&quot]يُريدها الله سبحانه وتعالى من عباده[/FONT].
[FONT=&quot]د. الطيَّار[/FONT]: [FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]في قوله ([/FONT][FONT=&quot]يُريد الله أن يُخَفِّف عنكم[/FONT][FONT=&quot]) طلب التَّخفيف والتَّيسير، نشاهد الآن بعض الانحرافات فيه. إذا لم يكن من[/FONT] [FONT=&quot]الله و لا من شرعه فهو ليس تيسيرًا ولا تخفيفًا في الحقيقة، ولذلك قال الله ([/FONT][FONT=&quot]يريد الله أن يُخفِّفَ عنكم[/FONT][FONT=&quot]) فالتَّخفيف مرتبط به سبحانه وتعالى فهو الذّي يُشَّرِع، أحياناً بعض[/FONT] [FONT=&quot]النّاس لما ينظر إلى شرع من الشَّرائع يرى أنّ فيه نوع من التَّكليف[/FONT] [FONT=&quot]فيتخفَّف منه بعقله أو بفعله، مثل من تترك الحِجاب[/FONT].
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]لو أذنت لي أيضاً، لو سُئِلنا الآن قبل آيات تحدّثنا عن حُكم الزَّانية، اللّه عزَّ وجل قال ([/FONT][FONT=&quot]فأمسِكُوهُنّ في البيُوت حتى يتَّوفَاهُنّ الموت[/FONT][FONT=&quot]) قد جاء الله لهن السَّبيل وهُو أن تُرجم الثَّيب، وأن تُجلد البِّكر وكذلك في الرَّجل، أين هو التَّخفيف في هذا، أبو عبد الله؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. الشِّهري[/FONT]: [FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]والله[/FONT] [FONT=&quot]إنّه واضح وظاهر، لأنّك إذا نظرت أنت للأمر أوَّلاً من جِهة الفَرد ومن[/FONT] [FONT=&quot]جِهة المجتمع، أوّلاً من جهة الفرد أنَّه تخفيف عليه من الذُّنوب وتطهير[/FONT] [FONT=&quot]له من الذَّنب الذي وقع فيه. ويَصدُق على ذلك المرأة التي وقعت في حَدِّ[/FONT] [FONT=&quot]الزِّنا فرُجِمت في عهد النّبي صلى الله عليه وسلّم، فبعض الصّحابة شتمها[/FONT] [FONT=&quot]فقال النّبي صلى الله عليه وسلم لقد تابت توبةٌ لو وُزَّعَت على أهل[/FONT] [FONT=&quot]المدينة لوسِعَتهم. وهذا واضح أنَّ فيه تخفيف، أليس كذلك؟![/FONT]
[FONT=&quot]الأمر[/FONT] [FONT=&quot]الثّاني بالنِّسبة للمجتمع، أنّ المجتمع عندما تُقام هذه الحُدود، وهذه[/FONT] [FONT=&quot]العُقوبات فإنَّها تحفظ للمجتمع طهارته وأمنه ونَقاءه ويُصبح الإنسان يأمن[/FONT] [FONT=&quot]على عِرضه ويأمن على أبنائه و على بناته في هذا المجتمع النَّظيف، لأنّه[/FONT] [FONT=&quot]مجتمع يطرُد مثل هذا، وهذا من التَّخفيف أيضاً[/FONT] .
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]اُنظر[/FONT] [FONT=&quot]مثلاً يا أبا عبد الله ، مثلاً السَّارق لــمّا تُقطع يده لا شكّ أنّ هذا[/FONT] [FONT=&quot]شيء ثقيل جِدّاً ، كيف يُقطع عُضو مهُم جِدّاً للإنسان في مُقابل دِرهمين[/FONT] [FONT=&quot]أو ثلاثة دراهم سَرَقها؟! هو لـمّا تتأمّل عاقبته هو تخفيف. كيف تُحفَظ[/FONT] [FONT=&quot]أموال المجتمع هذه ويأمن النّاس على أموالهم وعلى حُقوقِهم إلاّ عندما[/FONT] [FONT=&quot]تُقطَع هذه اليد؟! صحيح نحن ضحِّينا بيد الإنسان لكن أمن النَّاس كُلُّهم[/FONT] [FONT=&quot]وهذا والله هو عين التّخفيف. لكن لو قيل للمجتمع كلُّهم ترى انتظروا[/FONT] [FONT=&quot]السَّرقة في كل دقيقة، فالمجتمع كلّه مستنفر ولن يستطيع، لذلك نحن نقول[/FONT] [FONT=&quot]هذا كُلُّه تخفيف مع أنَّه قد يظهر لمن لا بصيرة له أنّه تشديد وتثقيل[/FONT] [FONT=&quot]وهذا غير صحيح[/FONT].
[FONT=&quot]د. الشِّهري: [/FONT] [FONT=&quot]أنا أستغرب الحقيقة من التَّشريعات البشرية عندما تُشَّرِّع للعقوبات، وأنا اطّلعت على بعض القوانين[/FONT]
[FONT=&quot]د. الطيّار[/FONT]: [FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]تُراعي حق الظَّالم، ولا تُراعي حقّ المظلوم[/FONT].
[FONT=&quot]د. الشِّهري[/FONT]: [FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]نعم، أنا أستغرِب في أنّهم لا يُفّكِّرون بهذه الطَّريقة!، بطريقة حماية[/FONT] [FONT=&quot]المجتمع. وأيضاً كَفّ هؤلاء اللُّصوص، يعني ليس في القَوانين الوَضعية قطع[/FONT] [FONT=&quot]يد السّارق، وإنَّما يُعالجون قضية السَّرقة بطريقة لا تَدُل على أنّهم[/FONT] [FONT=&quot]يعرفون نفسيّة هذا السّارق ولا كيف يُفَّكِر! لكنّ الله سبحانه وتعالى[/FONT] [FONT=&quot]عندما أمر بقطع يد السَّارق ثمّ قال [/FONT][FONT=&quot](والله عزيز حكيم[/FONT][FONT=&quot]) السَّارق نفسُه هذه العُقوبة تردعه وتبيّن من خلال التَّاريخ، ومن خلال[/FONT] [FONT=&quot]التّنفيذ، وحتى علم النّفس أنّ هذه العقوبة هي أنسب عقوبة لهذه النَّفسية[/FONT] [FONT=&quot]التي تعوَّدت على مدِّ يدها لأموال النّاس، بل إذا زاد شَرُّه فهو من[/FONT] [FONT=&quot]الــمُفسدين في الأرض ([/FONT][FONT=&quot]إنّما جزاء الذّين يحاربون الله ورسوله[/FONT] [FONT=&quot]ويَسعَونَ في الأرضِ فساد[/FONT][FONT=&quot]اً)[/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري[/FONT]: [FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]العجيب أنّ بعض هؤلاء لضعفه، وضعف تفكيره يخلط خلطاً عجيباً فهُو ينظُر[/FONT] [FONT=&quot]للمجتمع الذّي هو فيه، ثمّ لا يَتصوَّر كيف يكون المجتمع المؤمن، يقولون[/FONT] [FONT=&quot]رجل [/FONT][FONT=&quot] طبعاً المجتمع الغربي الذّي هو فيه السُّراق فيه كثير وأنّ النّاس[/FONT] [FONT=&quot]ما حلّ بأيديهم فهو حلالٌ لهم- لما سمع أنّه تُطّبَق حدّ السَّرقة في[/FONT] [FONT=&quot]بلادنا، فقال أكيد نصف النّاس هناك مُقَطّعة أيديهم، فيقال أنه جاء إلى هذه البلاد[/FONT] [FONT=&quot]يريد أن يرى كيف تعيش النّاس بيد واحدة دون اليدين، يصوِّر عدد النّاس[/FONT] [FONT=&quot]الذّين قُطِّعت أيديهم، فبحث ما وجد أحداً قُطِعت يده، سبحان الله! هو ما[/FONT] [FONT=&quot]فهم الحِكمة تماماً، إقطع يد واحدة تَكُف مائة ألف يد عن أن تسرق وأن تمتد[/FONT] [FONT=&quot]إلى السَّرقة. إرحم هذه اليد والله تمتد مائة ألف يد للسَّرقة كما هو في تلك[/FONT] [FONT=&quot]المجتمعات[/FONT].
[FONT=&quot]د. الطيّار[/FONT]: [FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]في قوله ([/FONT][FONT=&quot]يا أيُّها الذّين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل[/FONT][FONT=&quot]) الآن جاء النِّداء بالإيمان مرّة أخرى وجاء أيضا أكل المال، ولكن قال هنا ([/FONT][FONT=&quot]لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل[/FONT] [FONT=&quot]إلاّ أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم)[/FONT] [FONT=&quot]لو عدنا إلى الآيات السّابقة كانت في النّهي عن أكل مال اليتيم، وهنا يقول [/FONT][FONT=&quot](لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل[/FONT] [FONT=&quot]إلاّ أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم) [/FONT][FONT=&quot]يعني ما صُوَرة أكل المال بالباطل في هذه الآية؟[/FONT].
[FONT=&quot]د. الشِّهري[/FONT]: [FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]صُوَرُه كثيرة جِدّاً، يعني الآن بعد أن ذكر الله سبحانه[/FONT] [FONT=&quot]وتعالى[/FONT] [FONT=&quot]هذه الحقوق التي تقدّمت وهذه الـــمُحرّمات، وهذه العَلاقات بين أفراد المجتمع جاء[/FONT] [FONT=&quot]الآن إلى الحديث عن مسألة مهمّة جِدّاً، وتذكرون في أوّل الآيات التي سبقت[/FONT] [FONT=&quot]تحدّثت عن التّركة وعن المال وأنّه يقع فيه مُشَّاحة بين النَّاس، جاء[/FONT] [FONT=&quot]الآن ليتحدّث عن المال وكيف يصير إلى يدك وأنّه يحرُم على المسلم ان يأخذ[/FONT] [FONT=&quot]مال أخيه إلا بِحَقِّه (كُلُّ المسلم على المسلم حرام، دمُه وماله،[/FONT] [FONT=&quot]وعِرضه) فلا يحل للمسلم أن يأخذ من أخيه درهمًا إلا بِحقِّه . فقال الله ([/FONT][FONT=&quot]يا أيُّها الذِّين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل[/FONT][FONT=&quot]) يدخل فيها السّرقة، ويدخل فيها الغِش، ويدخل فيها الاحتيال، ويدخُل فيها[/FONT] [FONT=&quot]الرِّبا كلها ُّ هذه من أكل أموال النَّاس بالباطل قال (إلاّ ان تكون[/FONT] [FONT=&quot]تِجارةً عن تراضٍ منكم) إلا على وجه المتاجرة فيما بينهم، أو الهِبة أو[/FONT] [FONT=&quot]العطيّة وغيره[/FONT].
[FONT=&quot]د. الطيّار[/FONT]: [FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]نعتذر عن قطع الحديث لأنّ وقت الحلقة انتهى، ولعلّنا إن شاء الله نعود مرة أخرى في[/FONT] [FONT=&quot]الحلقة القادمة لهذه الآية ونُكمل الحديث عنها بإذن الله. ونستأذن الإخوة[/FONT] [FONT=&quot]المشاهدين بأن نُنهي هذه الحلقة، فسبحانك اللهمّ وبحمدك نشهد أنَّ لا إله[/FONT] [FONT=&quot]إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]بُثّت الحلقة بتاريخ 14 رمضان 1431 هـ[/FONT]
 
شكر الله لك ياأخت سمر ونفع بك وجعل ما تكتبينه في موازين حسناتك .
 
بارك الله فيك أختي الفاضلة الفجر الباسم والشكر تستحقه الأخوات الفاضلات اللواتي ساهمن في هذا المشروع القيم نفع الله بهن وكتب أجرهن وجزاهن بما هو أهله سبحانه هو الجواد الكريم.
 
الحلقة الخامسة عشر:
د. الطَيَّار : بسم الله الرحمن الرحيم،الحمدلله والصّلاة والسّلام على رسول الله. أيُّها الإخوة والأخوات من هذا المكان الطيّب، نبتدئ حلقتنا لهذا اليوم. وقبل أن نبتدئ بهذه الحلقة لعلّنا نستمع لبعض آياتٍ من سورة النِّساء، ثم نبتدئ بتفسيرها إن شاء الله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (٢٩) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (٣٠) إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (٣١) وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (٣٢)).
بعد أن استمعنا إلى تلاوة هذه الآيات، نعود إلى ما كُنّا قد وقفنا عليه في اللِّقاء السَّابق وكان الحديث عند الدُّكتور- عبد الرَّحمن- حفظه الله في تعليقه على قوله سبحانه وتعالى (وكان ذلك على الله يسيراً) فإن كان هناك إضافة؟
د. الشِّهري: طبعاً كُنّا نتحدّث عن نهي الله سبحانه وتعالى في الآية السَّابقة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (٢٩) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا) ثمّ ختم الآية الثّانية فقال (وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (٣٠)). وكنتُ أشَرت إلى قضيِّة أنّ هؤلاء الظَّلمة الذّين يبغون على النَّاس بغير الحق، فَيُبالغون في ثمن السِّلَع مثلاً، أو يظلِمون النَّاس بِغِشِّهم وأكل أموالهم بالباطل، في الغالب أنّهم لا يرتدعون ولا يردَعُهُم إلاّ السُّلطان أو من يقوم مقامَ السُّلطان، وعامَّةُ النّاس يُعانُون منهم الأَمَّرين من ظُلمِهِم ومِن أكلهم للأموال. وتُلاحِظون حتى في مجتمعاتنا اليوم بعض كِبار التُّجَار الذِّين لا يرقُبُونَ في المؤمنين إلاًّ ولا ذِمَّة، خَسَفُوا بأموال النَّاس خاصّة في أسواق الأسهُم وما يتعلَّق بها، فالله سبحانه وتعالى عقَّبَ في الآية الثّانية فقال (ومن يفعل ذلك عُدواناً وظُلماً فسوف نُصليه ناراً) فكأنَّ الله سبحانه وتعالى يُذَّكِر هؤلاء الظَّلَمَة بقوَّته سبحانه وتعالى وقُدرته عليهم وأنَّ عقابهم والاقتصاص منهم والانتصاف منهم سواءً في الدُّنيا أو في الآخرة فإنّه يسيرٌ على الله سبحانه وتعالى فقال (ومن يفعل ذلك عُدواناً وظُلماً فسوف نُصليه ناراً وكان ذلك على الله يسيراً) وهذا تهديد لهؤلاء الذّين يبغُون بغير الحق، لأنَّ الله سبحانه وتعالى قادرٌ على أن ينتصف منهم وأن يقتصّ منهم.
د. الخضيري: ننتقل بعدها إلى قول الله عزَّ وجل إلى قوله (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (٣١)) الحقيقة هذه الآية من آياتِ البَشائر العظيمة في هذه السُّورة وحُقَّ لِكُلِّ مؤمنٍ أن يفرحَ بها. وقد ثبت عن إبن مسعود وابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما في ذلك أنّهم كانوا يفرحون بآيات من سورة النِّساء منها هذه الآية، ومنها قول الله عزّ وجل (إنّ الله لا يغفِرُ أن يُشرِك به ويغفرُ ما دُونَ ذلك لمن يشاء) يجعلونها من آيات الرَّجاء. فَحُقَّ للمؤمن حقيقة أن يقرأ مثل هذه الآية فيستبشر بها ويحرص على العمل بها. طبعاً معناها أيُّها المؤمن إن اجتَنَبت الكبائر من الذُّنوب فإنَّ الله سبحانه وتعالى يتكفَّلُ لك بتكفيرِ الصَّغائر وعداً منهُ كريماً قد وعد به عباده المؤمنين وعفَا به عنهم هذه الصَّغائر واللَّمم الذِّي يُلابِسونه ولا يكادون ينفَكُّونَ عنه. هذا طبعاً يدعونا إلى أن كل مسلم يريد أن يتحقّق بهذه الآية لا بد أن يعرف ما هي الكبائر، حتى يجتَنِبها ويبتعد عنها يجعلها على جَنبٍ وهُو على جَنب. قال (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (٣١)) لاحِظُوا يا إخواني قاعدة القُرآن أنَّ الــمُدخَلَ الكريم هذا ما تأتي إليه إلاَّ بعد تكفير السَّيئات، وغُفران الذُّنوب، والتطهير أو التخلية التي تكون قبل التحلية.
د. الطيَّار: إذا دخلنا الآن في قضيِّة الكبائر، الآن لـــمّا قال (إِنْ تَجْتَنِبُوا) أي تتركوا جانبًا (كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ) وقُرِئ (كبيرة ما تُنهَونَ عنه) الكبائر كما نعلم أنّه ورد أحاديث صريحة بالسَّبع الموبقات (اجتنبوا السَّبع الموبقات) فنقول إنَّ الكبائر يُمكن أن تُقسَم إلى قسمين: قسمٌ نصَّ عليه الشّارع صراحةً وهي المذكورة في السَّبع الموبقات
د. الخضيري: وفي حديث "ألا أُنبئكم بأكبر الكبائر قال الشِّرك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكأً فجلس قال ألا وشهادة الزُّور ألا وقول الزُّور فما زال يُكَرِّرُها حتى قُلنا لَيته سَكَت."
د. الطيّار: نعم، فإذاً هناك كَبائر منصوص عليها، فالمنصوص عليه لا خِلاف فيه أنّه من الكبائر، لكن هل هي الكبائر فقط أم لا؟ أيضاً يكاد يقع اتّفَاق العلماء على أنّها ليست هي الكبائر فقط، بل هناك أيضاً كبائر وغيرها. يعني اختلف العُلماء في حدّ الكبيرة فبعضهم قاس على الكَبائر المذكورة السَّبع وبعضهم نظر إلى أمور أُخر مثل من قال الكبيرة كلُّ ما توعّد الله عليه بنارٍ، أو بلعنةٍ، أو بغضب.
د. الخضيري: أو بِحَدٍّ في الدُّنيا
د. الطيّار: أو حدٍّ هذا قيد آخر، عند آخرين أنه ما تُوِّعِدَ عليه بحدّ. فنقول كُلّ هذا الخلاف لا شك الذّي بين العُلماء يجعل الإنسان المسلم أيضاً يتخوَّف من الوُقوع في الذَّنب. ولهذا الماوردي أشَار إلى لفتة جميلة جِدّاً في هذا المقام في أنّ الكبائر التي لم يُنَصّ عليها كونُه لم يُنَصّ عليها لكي يتَّقِيَ المسلم الذُّنوب بعامّة وأنّها قد أُخفيت كما أُخفيت ليلة القدر، أو ساعة الإجابة من يوم الجُمعة أو غيرها فهو وازَنها بهذا. لكن نقول هذا ملحظ لَطيف، لكن يبقى أنَّ الكبيرة لا شك أنّه ما دام يوجد كبيرة فيوجد صغيرة ولذا الله سبحانه وتعالى قال في سورة النّجم (الذِّين يجتنبُون كبائر الإثمِ والفَواحشَ إلاّ اللّمم) فقَسَم الكَبَائر والفَواحش مع اللَّمم وهي الصَّغائر التِّي تُكَفِّرها الصَّلاة، تُكَفِّرها العُمرة بعد العُمرة، والحجّ بعد الحجّ، وتُكَفِّرها الأعمال الصّالحة. فما بَقِي منها فهو موكول إلى رَبِّ العالمين سُبحانه وتعالى.
د. الخضيري: طبعاً العُلماء لهم في هذا - مثل ما أشَرت يا دُكتُور مساعد- مَسلكان، منهُم من يَعُدُّها عَدّاً، ومنهم من يَحُدُّها – كما أسلفتم- حَدّاً، يجعل هُناك تعريفاً أو ضابطاً تُضبَط بِهِ الكَبائر فقالوا كُلُّ ذَنبٍ له حَدٌّ في الدُّنيا أو وعيدٌ في الآخرة فهُو من الكَبائر- هذا واحد هؤلاء الذَّين حَدُّوا- أمَّا الذِّين عَدُّوا لا جعلوها معدودة قالوا الشِّرك، السِّحر، قذف الــمُحصنات الغافلات، أكل مال اليتيم، قولُ الزُّور إلى آخره. إبن عبَّاس رضي الله عنهما لــمّا سأله أحد النَّاس قال: أتُرَاها يا ابن عبّاس سبعاً؟ قال: هي إلى السَّبعين أقرب، يعني أنَّها كثيرة ولذلك أنا أقول الحقيقة أنّه ينبغي لكلِّ مؤمن أن يتعلّم ما الذّي قيل فيه أنّه كبيرةز فإذا تعلَّم ذلك وعَرَف أنّ هذه كبائر يحرص على اجتنابها ليظفر بهذا الوعد الكريم من الله سبحانه وتعالى. وبهذا الخُصُوص ممكن نذكر لإخواننا الـــمُشاهدين بعض الكُتُب التّي عُنِيَت بذكر هذه الكبائر أشهرها طبعاً "كتاب الكبائر" للذّهبي، وهو كتاب مختصر وذَكَر فيه قُرَابة السَّبعين أو ثلاثة وسبعين كبيرة، وهُناك كتاب" الزَّواجر عن اقتراف الكبائر" لابن حجر الهيثمي رحمه الله فقد ذكر فيه ما يزيد على أربعمائة كبيرة، في كل كبيرة يذكرها يأتي بالدَّليل على انطباق الحدّ عليها، أنّه تُوُعِّدَ عليها بحدّ، أو لعنة، أو شيء من هذا القبيل ويذكر الأحاديث الواردة في ذلك – رحمه الله-
د. الشِّهري: طبعاً، هُناك فائدة في هذا دكتور محمّد، الآن عندما يقرأ المسلم هذه الكبائر ويطَّلع عليها لا شكّ أنّ المسلم ينبغي أن يأخذ نفسه بـــــــــ"خَلِّ الذُّنوبَ صغيرها وكبيرها ذاكَ التُّقى"
د. الخضيري: لكن من ذا الذي يستطيع أن يسْلَم؟!.
د. الشهري: ومن جهة أخرى، عندما تكون أنت مُرَبيّ أو تتولى أمر النَّاس فينبغي أيضاً ان تُرَاعي ما راعَاهُ الشَّارع في وضع الذُّنوب والمعاصي في موضعها، فما سمَّاه الله سبحانه وتعالى كبيرة ونصَّ عليه النّبي صلى الله عليه وسلم ليس كما لم ينُص عليه، فأنت مثلاً عندما يرتكب المسلم كبيرة من الكبائر الـــمُجمع عليها على سبيل المثال شهادة الزُّور، وقتل النّفس، والشِّرك بالله سبحانه وتعالى. وغيره لا تجعل هذه المعصية مثل المعاصي التي لم يَرِد فيها مثل هذا الوعيد، ولم يضَعَها الشّارع في مثل هذا الموضع.
د. الخضيري: يعني تُرَتِّب الأشياء ترتيباً صحيحاً، من حيث الإنكار.
د. الشِّهري: بالضَّبط، هذا ما أقصِدُهُ. لأنَّ بعض النَّاس أحياناً يرى بعض الذُّنوب اليَسيرة على بَعض المسلمين فيهجُرُهُ ويُبَالِغ في ذَمِّه ويُبالِغ في هجره، حتى يُصَّوِر هذا الذَّنب أنّهُ كبيرة من الكبائر. في حِينَ أنّ الإسلام عندما جعل هذه كبيرة و هذه من اللَّمم يجب أن يكون تعاملنا معها على هذا الأساس، يعني رجل مسلم يحافظ على الصَّلوات الخمس، ثمّ يشرب الدُّخَان على سبيل المثال، ولكنَّه من أهل الصَّف الأوّل محافظ على الصَّلاة، فبعضنا قد يُضَّخم هذه المعصية التي يرتكبها هذا الرَّجل حتى وكأنها شِرك بالله، أليس هذا من عدم التّوازن؟!.
د. الخضيري: هذا صحيح.
د. الشِّهري: هذا هو ما أردتُ أن أُنَبِّه إليه
د. الخضيري: هناك قاعدة في هذا الباب الحقيقة أُوَد أن أُذَّكر بها، وهو أنّه لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار. فالإنسان الذّي يقع في الكبائر ثمّ يُبادر إلى التَّوبة والاستغفار فإنّ الله سبحانه وتعالى يمحُو ذلك الذَّنب عنه ولا يُصبح في حقّه كبيرة، وكذلك الصَّغيرة إذا تهاون فيها الإنسان واستمرأَها ورأى أنّه لا يعمل شيئاً فيها فإنَّ هذه الصَّغيرة تنقلب إلى كبيرة بسبب تهاونه وإصراره عليها. أيضاً نحن نقول من يعمل الصَّغائر إنتبه وأنت تعمل الصَّغائر كُن خائفاً وعَاهِد نفسك واحرص على أن تُقلِع وأن تجتهد في البُعد عنها وأن لا تقع فيها مرَّة أخرى وإن كنت تعود إليها كل يوم. ومع ذلك لا تيأس فهذا باب من أبواب المجاهدة والصَّبر، وطريق من طُرُق الوصول إلى رحمة الله سبحانه وتعالى التَامَّة. لأنَّ الإنسان إذا أكثَرَ العَودَ والتّوبة أعْلَمَ الله أنّه ليس له أحدٌ يتوب عليه ويستغفره إلاّ الله فيتوب الله عليه، وهذا سبق أن تحدثنا عنه.
د. الشِّهري: وهذه الآية فيها دلالة على هذا يا دكتور مساعد في قوله ( كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ) فيه إشارة إلى أنّنا نُنهى عن أشياء صغائرَ أيضاً، وأنّه ينبغي علينا أن نجتنبها أيضاً، لكن من رحمة الله سبحانه وتعالى بنا أنّه خصَّص هُنا الكبائر قال (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّر عنكم سيئاتكم) وهذا فتح لباب الأمل الحقيقة والتَّوبة بشكل كبير.
د. الخضيري: لا شك، كلمة (نُكَفّر) معنى التكفير ما هو؟
د. الطيّار: عن مادّة كَفَرَ، بمعنى غطّى وسَتَر، ومنه سُمِّيَ الكَافِرُ كافراً لأنّه غطَّى الفِطرةَ.
د. الخضيري : (نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (٣١) جاء الــــمُدخل الكَريم بعد تكفير السَّيئات، فالتَّخلية ثم التَّحلية.(نُدخِلكُم) أيضاً جاءت بنون العَظَمَة لِبَيان شرف هذه المنزلة وهذا الجزاء لأنَّه لا يكون إلاّ من عَظِيم وكريم سبحانه وتعالى. وكلمة (مُدخَل) هذه طبعاً يمكن أن تكون مصدراً ميميّاً يعني (نُدخِلكُم إدخالاً كريماً) ويُمكن أن تكون اسم مكان (نُدخِلكم مكانَ دخولٍ كريم) الذّي هو الجنّة، نسأل الله أن يُدخِلنا ومن يسمع وآباءنا وأُمّهاتنا ومشايخنا والمسلمين.
د. الشهري: لو ننقل إلى الآية التي بعدها (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ)
د. الخضيري: لو أذنت لي، أنتَ أشرت يا دكتور عبد الرَّحمن إلى أنّ الذُّنوب مراتب، وكذلك الإيمان مراتب وهذا يُستفاد من هذه الآية، فإذا كانت الذُّنوب مراتب، كبائر وصغائر، فأكيد أن الإيمان والطّاعات مراتب، والإيمان أيضاً درجات والنَّاس يَتفاضَلُون فيه ولذلك مذهب أهل السُّنة أنَّ الإيمان يزيد وينقُص، وهذا شيء نَلحَظُه من أنفسنا أنت في لحظة تعلم من نفسك أنَّ إيمانك ومحبَّتك لِرَبِّك ورغبتك في القُرب منه غير تلك اللَّحظة التي تجِد من نفسك فيها الثِّقل والابتعاد والرُّكون إلى الدُّنيا، بل والرُّكون أحياناً- نسأل الله العَافية- إلى المعصية في مَحبَّتها، وقُرب قَلبك منها أو قربك إليها فهذا يُستفاد من دلالة الآية، مفهوم المخالفة.
د. الشّهري: جميل جِدّاً، الآية التي بعدها في التَّمني (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) تُلاحظون الحديث في السُّورة سورة النِّساء، والنِّساء في الغالب – حتى قد سألت بعض الصّحابيات أظُنُّها أم سلمة أو غيرها النّبي صلى الله عليه وسلّم قالت يا رسول الله، الرِّجال يَحُجُّون، ويجاهدون ويفعلون فما لنا نحن النِّساء؟ فالمرأة تجِد أحياناً في نفسها رغبة أو تَمنّي أنّها كانت رَجُل.كثيراً منهُنّ تسمعها تقول لِيتني كُنت رَجلاً! لكُنتُ فعلتُ وفعلت وفعلت.
د. الخضيري: ما تدري!.
د. الشِّهري: ولذلك هذا الشُّعور، الله سبحانه وتعالى أشار إليه في مثل هذه الآية فقال (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ) الآية فيها دِلالة على أنّ الله سبحانه وتعالى فعلاً فضَّلَ الرِّجال على النِّساء وقال (وللرِّجال عليهِنَّ درجة) وقال (الرِّجال قوَّامُونَ على النِّساء) وذَكَر أوجه تفضِيل لجنس الرِّجال.
د. الخضيري: وليس لأفرادهم
د. الشِّهري: وليس لأفرادهم. بعض النِّساء خيرٌ من كثيرٍ من الرِّجال
د. الخضيري: عائشة أمِّ المؤمنين رضي الله تعالى عنها خيرٌ من ملايين من الرِّجال.
د. الشِّهري: السؤال هل هذا النّهي يدل على تحريم هذا الفعل؟ بمعنى أنّ المرأة التي تقول يا ليتني كُنتُ رجُلاً، هل نقول أنّتِ قولِك هذا حرام؟ هل يُفهم هذا من هذه الآية يا شيخ محمد؟
د. الخضيري: طبعاً الآية لو فصَّلنا في مدلولها (ولا تتمنَّوا ما فضَّل َ الله به بعضكم على بعض) لو قال (لا تتمنَّوا مثلَ) لكان هنا إشكال، بمعنى أن تمنّي المثل جَائِز أنا أتمنى أن يُعطِيَني الله علماً مثل علم فلان من العُلماء، أو مالًا مثل مال فلان، هذا لا إشكال فيه لأنّهَ ليس فيه تسَّخُط لِقَضاء الله، وفيه طلب لفضل الله.
د. الطيار: هذه الغبطة
د. الخضيري: نعم، لا تتمنّى ذاكَ الشَّيء الذّي عند فلان، من زوجة أو ولد أو علم أو مَال أو جَاه أو أيّ شيء من هذه الأشياء أن يكونَ هو هُو بذاته عندك، ولذلك قال في آخر الآية (واسألوا الله من فضله) يعني بدل ما تَحصُر نَفسِك وتقَصُرها على أن يكون هذا الشَّيء إمّا أن يكون لك أو له يا أخي إسأل الكريم من فضله.
د. الطيَّار: كأنّ يقول (ليتَ فلانة زوجتي) وهذا حكاه بعضُ السَّلف وهُو يُعيِّن فلانة، لكن لو قال (لَيتني يُعطِيني مثل فُلانة) هذا يختلف لاحظ الآن الفَرق!. لــمّا تقول (ليت فُلانة زوجتي) وهي في عصمة رجل آخر هذا من تمنِّي ما فَضَّلَ الله به بعضهم على بعض.
د. الشِّهري: وهذا لا يجوز
د. الخضيري: هذا عين الحسد،
د. الطيار: أو المرأة تقول مثل ذلك تقول ليت فلانًا زوجي لكن قد تطلب شيئًا آخر.
د. الخضيري: وفي المسألة التي ذَكَرها الدُّكتور عبدالرَّحمن تنصيصاً يعني كَون الـــمرأة تتمنى شيئاً لا يُمكن أن يَحصُل لها، هذا يدخل في باب التَّسخُط لِقَضَاء الله وقَدَره، ولِذلك نقول لكل إنسان ينبغي له أن يعمل في حُدود الــمُتَاح، ترى يمكن لو كُنت في غير هذه المنطقة، أو في غير هذا المكان، أو في غير هذا الوصف ما عَمِلت!. مثل ما قال ذاكَ الرَّجُل لحُذيفة بن اليَمَان لَيتنا كُنَّا مع رسول الله، ما تركناه يمشي على الأرض! قال اسكُت يا فُلان، فقد كُنّا مع رسول الله وذكر الموقف الذِّي كان في غزوة الأحزاب، وأنّ كثيراً من النَّاس في ذلك الموطن تردَّدوا وحصل عندهم إشكالات وكان في عهد رسول الله مُنافِقُون، ومع ذلك ما تدري أنت قد لو كنت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لكُنت في عِداد المنافقين.
د. الشِّهري: لا حول ولا قُوَّة إلا بالله.
د. الخِضيري: إحمد الله على ما أنت فيه، واسأل الله من فضله، واعمل في ذلك المحيط الذّي أنت فيه، أبدع في المكان الذّي أنت فيه.
د. الشِّهري: جميل، هناك لفتة أخرى في هذه الآية، تذكُرُون قول الله تعالى (تلك الرُّسل فضَّلنا بعضهم على بعض) من هو الذِّي فضَّل؟
د. الطيَّار: الله.
د. الشِّهري: الله سبحانه وتعالى، هُنَا يَقُول (ولا تَتَمَنَّوا ما فضَّلَ الله)، أيضاً هذا التَّفضيل الذِّي بين البَشر، فيما بيننا الآن هو من الله سبحانه وتعالى، فأنتَ يعني عندما يقع في نفسك هذا أنتَ تتسَّخَط على الله سبحانه وتعالى، أنّه لماذا رَفَع هذا علينا؟! وهكذا. هذا ذكَّرني بأبيات من الشِّعر في هذا المعنى يقول:
أَلاّ قُل لمن بَاتَ لي حَاسِداً أَتَدرِي عَلى من أسَأت الأَدَب.
أسأتَ على اللّه سُبحَانه لأنَّك لم تَرضَى لي ما وَهَب.
فَعَاقَبَكَ اللهُ أن زَادني وسَدَّ عليكَ وجُوهَ الطَّلب.
فِعلاً الإنسان عندما تَتشوَّف نفسه – كما تفضَّلت- تمنِّي زوال النِّعمة عن الآخرين، ولَيتنا كَانت لنا وكذا، يا ليتَ لنا مثل ما أوتِي قارون، فَهِيَ في الحقيقة تسَّخُط على قضاء الله وقدره، باختصار.
د. الخضيري: شيء آخر، أيضاً هي أن تتوقّع أنّه ما في سبيل للمجد إلاّ بالطّريقة التي وَصَل إليها فلان أو وصل منها فلان؟ هذا غير صحيح.
د. الشِّهري: هناك ألف طريقة
د. الخِضيري: بل مَلايين الطُّرُق، بل كُل إنسان يمكن يَصِل إلى المجد، وإلى رحمة الله، وإلى الفِردَوس الأعلى، وإلى مغفرة الله عزّ َوجل، وإلى تحقيق مَطَالبه ومُراداته في الدُّنيا وفي الآخرة من أبواب كثيرة فتحها الله لعباده. يا أخي هذا الرَّجل البغي من بني إسرائيل الذِّي سقى كلباً فغفر الله له وصل إلى المغفرة من طريق سُقيَا كلب، والذِّي وَجَد غُصنَ شوكٍ فأَخَّرَهُ فَغَفَر الله له تصَّوَر كيف أنّه استطاع، أُوَيس القَرَني ما أدركَ رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولا صَحِبَه وكان يُمكِنهُ الصُّحبة لَكِنَّه انشغل بأُمِّه بِرّاً بها، فَاتته الصُّحبة من أجل أُمِّه، وحَقَّقَ بذلك مجَداً عظيماً حتى إنَّ النَّبي صلى اللّه عليه وسلّم مَن لَقِيَهُ منكم فَليسأله أن يستغفر له، لأنّه مُجاب الدَّعوة. وحتى عُمُر لــمَّا كان يَتَحَيَّن أن يرى أويس القَرني فلمَّا جاء كان يسأل أمداد اليمن أفيكُم أويس؟ فسأل، فوجده فيهم ثمّ ذهب إليه وطلب منه أن يستغفر له، تصوَّر أويس كان بإمكانه أنّه يُضَّحي بما حوله من فُرَص الخِير والثَّواب لِيذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم ويُحقّق هذا المعنى العظيم ولا يلومه أحد. هُنا يأتي الفَرّج (واسألوا الله من فضله) كلما رأيت خير لإِنسان إسأل الله أن يُبارك له،وأن يرزقك الله من فضله. طبعاً إذا سألت الله من فضله تَرى ما يلزم أنّك تسأل نفس هذه النِّعمة بل اسأل أكثر، وَدعِ الأمرَ لله أنت قد تسأل شيئًا ثُمَّ لا تُوَفَّق أولا يكون هو الخَير لك أو لا تكون مناسبة لك في حال من حالاتك أو في زمن من أزمانك ما تدري يعني، فأنت احرص على أن تَكِل الأمر إلى الله جل وعلا، ترى الله عزَّ وجل إذا أوكلت الأمر إليه أعطاك ما يُناسبك، ويَصلُح لك، ويُصلِحُك، ويُوصِلُك للمَنَازِل العُليا.
د. الشِّهري: واختياره لك، خير من اختيارك لِنَفسِك.
د. الطيّار: ولذا نقول من القواعد التي يجب أن يُعنى بها المسلم قاعدة: المفاضلة بين الأعمال،إذا ازدحمت الأعمال أيُّها أفضل بالنسبة لك؟ وهذه هي الأولويات
د. الخضيري: كَتَب فيها الأخ سليمان النَّجران كتاب المفاضلة بين العبادات، وهو كتاب رائع جِدّاً جِدّاً وهو لون من الفقه يُغفِله كثيرٌ من النّاس، أو لا يفقهونه.
د. الطيّار: بل إنّ بعض الزُّهّاد من أجهل النَّاس في هذا الباب، لأنَّهُم يعبدون الله على ما يُحِبُّون وليس على ما يُحبّ الله، يعني يبحث في العبادة التي تُناسبه ويقف عندها وإذا زاحمها أيّ شيء آخر ظنَّ أنَّ الـــمُزاحِم هو أقلّ ولا يَدري لأنَّه ليس عنده فقه في العمل. ولهذا نقول نحنُ مِنَ القَضايا الــمُهِمَّة جِدّاً هُوَ العِلم بالأُجُور. يعني ما هُو أجرُ هذه؟ وما هو أجرُ هذه؟ حينما تأتي بعض المزاحمات تستطيع أن تُحسِن الاختيار، هذا طبعاً في الــمُزاحمة بين الأعمال الفاضلة، مع الأسف أحياناً تأتي أشياء أقل من هذا وتجد أنّ الإنسان يُضِّيع كثيرًا من الأعمال الفاضلة من أجل أعمال أقلّ منها بكثير من الــمُباحات .
د. الخضيري: في قوله يا إخواني (واسألوا الله من فضله) الحقيقة فِيها إرشاد إلى منزلة الدُّعاء، وأنّ الإنسان ينبغي له أن يَتَّخِذَ الدُّعاء سِلاحاً، وَدِرعاً وَمرَكباً في كل الأحوال لا تَدَع الدُّعاء، والله لو ينقطع شِسع نَعلِك اُدعُ الله، ترى الله قريب منك ولا يُعجِزُه سُبحانه وتعالى شيء. يعني كَم مِن إنسانٍ يَشتكي لك يقول لك: يا أخي أنا من سنوات وأنا أشكو من هذه الخَصلة، أو من هذه الطَّبيعة، أو من هذا المرض. فتسأله هذا السُّؤال؟ دَعَوتَ الله؟ فينظُر كِذا، ويقول واللهِ، ما دعوته. لماذا؟! هل لأنّك يائس من رحمة الله؟! أوّ لأنَّك ترى أنَّ الله سُبحانه وتعالى ما يقدر على أن يُغِّير هذا الأمر؟! خُصوصاً في الأمور التي تَكون تَرَسَّخت، وثَبَتت مثل الطّبائع والأخلاق، والسَّجايا؟. فنقُول ليس هُناك شيءٌ مستحيل على الله سبحانه وتعالى أو يُعجِزُ الله، إسأل الله من فضله.
د. الطيّار: هذا غفلة ترى.
د. الخضيري: يا أخي، هذه الأيّام يا أبا عبدالله أَقرأ إمرأة ثمانِينِيَّة تَدخُل إختبار جمعية تحفيظ القرآن الكريم، عمرها ثلاث وثمانين سنة دخلت إختبار الجمعية، فأنا أسأل أخي وهو مُشرف على الدُّور النِّسائية في منطقة الرِّياض، أقوله: هذه المرأة الوحيدة التي حفظت القرآن الكريم في الثَّمانين؟. قال لا عِندنا كثير، لكن هذه الوحيدة التي دخلت الاختبار في حفظ القرآن الكريم كاملاً. أنا متأكِّد أنَّ هذه المرأة سألت الله عَزَّ وجل بِصدق وإِصرار أنَّ الله عزَّ وجل يرزُقها حفظ القرآن، وقد تكون مَسألة هذه عُمرها يمكن خمسين، سِتِّين، سبعين المهم أنَّها بَقِيت عشر سنوات فحفظت القرآن وعمرها ثلاث وثمانين سنة.
د. الشِّهري: والله إنَّها عِبرة!.
د. الخضيري: والله عِبرة، طبعاً. ماذا تقول يا أبا عبدالملك الرَّجل قد يكون أقدر في هذا السِّن على أن يحفظ من المرأة، لأنّ المرأة تكون أُنهِكَت بالحمل والولادة والإرضاع ومعروف هذا، هَذا كُلُّه يأخُذ من عُمرها ومن قوَّتها وصِّحتها ونَشَاطِها. بل لو كانت في صِحتها وشبابها قال الله عزَّ وجل (واستشهدوا شهيدين من رِجالكم فإن لم يَكونا رجلين فرجُلٌ وامرأتان ممّن تَرضَونَ من الشُّهداء أن تَضِّلَ إحداهُما فَتُذَّكِرَ إحداهُما الأخرى) ومع ذلك مع الإِصرار والعزيمة حَفِظَت. هل هذه المرأة تقرأ؟ لا تقرأ، هذا كُلُّه حِفظ بالسَّماع!.
د. الطيّار: ما شاء الله.
د. الخضيري: تصَّوَر! أنا أعرف خمَس في أَحَد أحيَاء الرِّياض، حَفِظنَ القرآن وكُلُّهُنَّ مِن القواعد من النِّساء.
د. الشِّهري: حتى في النَّماص هنا ترى. والله عِندنا أمثلة كثيرة من هذا النُّوع.
د. الخضيري: الآن تجد بعض النَّاس بلغ الأربعين، أوالخَمسين، تقول: إحفظ القرآن؟ يقول خلاص، فات زمن الحِفظ!
د. الشِّهري: بعد ما شَاب ودُّوه الكُتَّاب.
د. الخضيري: نعم، نقول له: إسأل الله من فضله.اسأل الله من فضله، ترى فضل الله واسع ولا يُمكن أن يُحَد.
د. الطيّار: صحيح، طبعاً باب الدُّعاء نُقَصِّر فيه كثيراً، تصَّور لو كان بالفعل الدُّعاء هِجِيراه في كُلِّ شيء، تركَب السيّارة، تذهب الــمَحَلّ، يعني تَدعُو الله سبحانه وتعالى أن يُيَسِّر أمرك، أن تجد ما تحتاج في أيِّ شيء. والله إنّها نعمة كبيرة جِدّاً جِدّاً، ويشرح الصَّدر، لأنَّ سبحان الله الآن الدُّعاء إذا أنت تأمَّلته تجد أنّك في النِّهاية أنت المستفيد، إن أجاب الله لك فَهُو خَير، وإن صَرَفَ به سوءاً فهو خَير، وإن ادَّخره لك في الآخرة فهُو أكثر خيرًا
د. الخضيري: ثُمّ هو عنوان التّوحيد، لأنّك تعرف عند ذلك أنّك عبد وأنَّ الله ربّ، فَأنت مُتَوَّكِل وأَنت عَارف بأنّك ضعيف ومُحتاج إلى الله في كُلِّ شيء.
د. الطيّار: بو عبدالله تذكُر الدُّكتور محمد الفوزان، عن إذنك شيخ عبدالرَّحمن، مرَّة ذَكَر لنا قِصَّة ما أدري إذا كُنت حضرتها، يقول إنَّه لــمَّا تَــخَرَّجوا من الشَّريعة، كَانوا يَتخَوَّفون من القَضاء، يقول فكان كُلّ واحد مِنَّا يَبحث عن من يَستطيع أن يَتَوَسَّط به لكي يُخرِج اسمه من القَضاء، يقول إلاَّ شخص كان معنا قال والله أنا ما أعرف إلا ربّ العالمين، يقول: هذه الكلمة أنا توكّلت على الله، يقول وذَهَب إلى دِياره وكان في الجَنُوب مكان بعيد جِدًّا، يقول سبحان الله فطلعت أسماؤهم كُلُّهُم في القضاء وهو نجا!
د. الشِّهري: وهذا الذّي يَتَمَيَّز به المؤمن عن غير المؤمن، نحن الآن عندما نتحَدَّث عن القرآن وآياته، وتَدَّبُرِه. هو في الحقيقة حتى يعلم المؤمن أنّه يمتلك شيئًا، ويأوي إلى ركن شديد ويتعلّم كتابًا عظيمًا ويتدَّبر في كلام حكيم، وليست المسألة مسألة –كَما تَفضَّلت-الرُّجوع إلى عَادات البَشر وأُمور البشر، نحنُ نتحَدَّث عن كتاب الله سبحانه وتعالى، فالله يقول (واسألوا الله من فضله). ذكَّرني هذا قضيّة الدُّعاء، بأبيات للشَّافعي رحمه الله، عِندما كَانَ يُشِير إلى أهميِّة الدُّعاء فكأنَّ أحدهم قد تَسَّخَط على هذا الموضوع، وقال: أَنا أدعو من زَّمان، ما فيه فائدة. وبعض النَّاس يقول هذا ترى، عندما تقول له اُدعُ؟ قال يا أخي أنا تعبت من الدُّعاء
د. الطيّار: عجيب، قلنا لك يا ابن الحلال الدُّعاء كُلُّه خير.
د. الشِّهري: فقال :
أتَهــزَأُ بِالدُّعَاء وَتَزدَرِيه وَلم تَعلَم بِما صَنَع الدُّعَاءُ
سِهامُ اللَّيل لا تُخطِي ولكن لها أجَلٌ وللأَجَل انقضاءُ.
فالدُّعاءُ يعني لا يخيب-كما تَفضَّلت- إمّا أن يُستجّاب لك عاجِلاً، إمّا أن يُرَد عنك من الشَّر بمثله، وإمّا أن يُدَّخَر لك في الآخرة فأنت الرابح!
د. الطيّار: بعض النَّاس يقول كيف يُرَد عنِّي الشر بمثله؟ نقول تأمّل نفسك، وحَيَاتك أَلم يَـــمُر بك مواقف ثَواني لو أنت أقدمت لَذَهبت؟! فمباشرة تقول لعلّها بسبب دعوة دَعوتُها فجعلها الله سبحانه وتعالى هنا، فبدلاً من أن يُعطِيَكَ هذا الذّي دَعوتَهُ ردَّ عنك هذا الشَّر.
د. الخضيري: في قوله (إنّ الله كان بِكلُّ شيءٍ عليماً) نحن نقول الحقيقة يعني ليست بمثابة القاعدة الــمُضطَّرِدة ولكن كثيرا ما تَرِد التَّذكير بعلم الله في مقام التّهديد، يعني انتَبِهُوا لا تتَمنُّوا لأنَّ التَّمني بالمناسبة عمل قلبي لاحظّ لذلك قال (إنّ الله كان بكِلُّ شيءٍ عليماً) فإيّاكُم أن تُخالِفُوهُ فيها.
د. الشِّهري: أذكر فائدة قديمة، ما أدري هل هي صحيحة أو لا؟، طبعاً هُم يُعَرِّفون التَّمَنِّي فيقولون التَّمنِّي هو تعلُّق القلب بمستحيل الوقوع، تعلق القلب بما لا يمكن حُصوله، والرّجاء هُو تَعلُّق القلب بما يُمكن حُصوله ولو كان صعباً. ولذلك عندما تقول: نتمنى لكم سَفَراً سعيداً! كان يقول أستاذ درَّسنا لُغَة عَرَبيِّة- الله يذكُرَه بالخير- أنت إذا قلت أتمنى لك التَّوفيق. كأنَّك تدعُو عليه، وتقول يعني أنّ الله لا يُوَفقك!، لأنّ هذا تعلُّق النَّفس بشيء مُستحيل الوُقوع، لكن لو تقول أرجو لكَ التَّوفيق
د. الطيّار: لكن ما يُقال هذا !
د. الشِّهري: أنا أقول هذا فقط، وإلاّ أنا لم أتَتَبع هذه المسألة .
د. الطيّار: تحتاج إلى مراجعة لأنّهُ كَثُر في كلام النَّاس.
د. الشِّهري: فهُنا عندما يقول (ولا تَتَمنُّوا ما فضَّل الله به بعضكم على بعض)كأنَّ فيه إشارة إلى هذا المعنى، وهو أنّ التمنِّي تعلُّق القلب بشيء مستحيل الوقوع، وهو أنّك تتمنى ما فضّل الله به بعضكم على بعض.
د. الخضيري: الظّاهر والله أعلم، معنى الآية أنّ التَّمني أوسع من هذا، وإن كان يَرِد في لغة العرب -كما ذكرت- مثل قول الشّاعر:
ألا ليت الشَّباب يعودُ يوماً فأُخبِرُه بما فعل الــمَشيب.
فـ(ليت) هنا للتَّمني لشيء لا يُمكن حصوله وهو رُجُوع الشَّباب، لكنّ هذا ليس هو الــمُضطَّرِد- يعني الذِّي لا يأتي غيره- بل يأتي على الشَّيء الذِّي يَعسُر الحصول عليه ويَصعُب نَوالُه.
د. الطيّار: قلنا في قوله (إنّ الله كان بكُلِّ شيءٍ عليماً) طبعاً الذي أريد ان نقف عليه في هذا المقطع لما قال (إنَّ). (إنّ) إذا جاءت في فاصلة الآية-يعني في آخر الآية- تحتمل أحياناً الاستئناف، وتحتمل في كثير من الأحيان التعليل مثل (واسألوا الله من فضله) لأنّ الله كان بكل شيءٍ عليمًا، كأنّه ربط السُّؤال بالعلم.
د. الشِّهري: هل يا تُرى الذّين كَتَبُوا التَّفسير الــمُيَّسر هذا راعُوا علامات الوَقف التِّي اعتمدتُها اللَّجنة في مُصحَف المدينة؟ هل راعُوها فعلاً؟ يعني أنا عندي الآن (واسألوا الله من فضله إنّ الله كان بِكُلِّ شيءٍ عليماً) هذا يدُلّ على أنّهم اختاروا أنّها استئنافية، لأنَّهُم كَتَبُوا (قِلَى). في التَّفسير قالوا (إنّ الله كانَ بِكُلِّ شيء عليماً) وهُو أعلم بما يصلُح عباده فيما قَسَمَهُ لهم من خير، واسألوا الله الكريم الوَّهاب أن يُعطِكُم من فضله بدلاً من التَّمني (إنّ الله كان بكل شيءٍ عليما) أَعَادوا نفس الفكرة، هل تتوقّع أنّهم غيَّروا التَّفسير بما يَتَناسب مع تَغيير الاجتهاد في علامة الوقف.؟!
د. الطيّار: واضحة، ولكن لعلّنا طبعاً هذه الفائدة، نبتدئ بها في اللِّقاء القادم لأنّ وقت الحلقة الآن زَاحَمنا، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يُبارِك لنا ولكم وللإخوة الذّين يُشاركوننا في التَّصوير والإخراج، ولكلّ من يستمع إلينا، سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلاّ أنت نستغفركَ ونتوب إليك.
بُثّت الحلقة بتاريخ 15 رمضان 1431 هـ[FONT=&quot][/FONT]
 
الحلقة 16
تأملات في سورة النساء من الآية (32) إلى الآية (34)
د. الطيار: بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله, نعود إليكم مرة أخرى أيها الإخوة المشاهدون وأيتها الأخوات المشاهدات في هذا اللقاء في سورة النساء, ولعلنا نبتدئ بقراءة الآيات قبل أن ندلف إلى ما فيها من المعاني فإلى التلاوة:
(وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُل بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32) وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (33) الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34))
بعد أن استمعنا لهذه الآيات الكريمات لعلنا نعود إلى ما وقفنا عليه في اللقاء السابق وكان الدكتور عبد الرحمن حفظه الله وقف عند علامة الوقف أو اختلاف علامة الوقف بين الطبعة الأولى والطبعة الثانية لمصحف المدينة النبوية.
د. الخضيري: في أي آية؟!
د. الطيار: في قوله سبحانه تعالى: (وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ) في الطبعة القديمة وضعوا علامة الوقف الأوْلى, وفي الطبعة الجديدة وضعوا علامة الوقف الجائز. طبعًا الوقف الأوْلى يفهم منه أنّ الوقف أوْلى من الوصل وإن كان الوصل لا بأس به ولكن درجته أقل من الوقف, بمعنى أنّ علة الوقف مقدمة على علة الوصل, وهنا قالوا الوقف جائز ومعناه: استواء الطرفين, فعلة الوقف وعلة الوصل سواء. وإذا وضعوا الوصل أوْلى فأيضًا إنّ علة الوصل مقدمة على علة الوقف فكأن الوصل يكون أوْلى, وهنا عندنا الآن صار خلاف بين الطبعتين وكان الدكتور عبد الرحمن يتكلم حول هذا الاختلاف فلعلنا نعيد نفس الحديث مرة أخرى.
د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم, أنت كنت أشرت إلى أنّ (إنّ) إذا كانت في مثل هذا الموضع في قوله: (إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) فإنها تحتمل معنيين: إما أن تكون للاستئناف, وإما أن تكون للتعليل, فتأملت فوجدت أنها إذا كانت للاستئناف فإن الأفضل أن يكون علامة الوقف الأوْلى "قلي" وهي موجودة في الطبعة الأولى, واذا كانت للتعليل فإنها الأوْلى أن تكون علامة الوقف الجائز.
د. الطيار: أو نقول "صلي"
د. الشهري: أو "صلي" ما المكتوب عندك ؟
د. الطيار: مكتوب جائز
د. الشهري: مكتوب جيم
د. الطيار: لكن إن قلنا إنها للتعليل فقط يكون الوصل أوْلى, وإذا قلنا أن (إنّ) تحتمل التعليل والوصل سواء لا التعليل والاستئناف سواء "جيم" , فأنا جاءتني فكرة طرحتها ذلك الوقت وهي فكرة: هل يراعي الآن التفسير الميسر على هامش المصحف؟! هل روعي في بيان المعنى اختلاف اجتهاد لجنة المصحف نفسها يعني الذين وضعوا علامة الوقف الأوْلى كانوا يرجحون معنى, أليس كذلك؟!
د. الخضيري: بلى
د. الشهري: فهل اتبعه الذين كتبوا التفسير الميسر والذين رأوا أنه علامة الوقف الجائز هل روعيت أيضًا هذه في التفسير؟!
د. الطيار: جميل كيف تراعى؟!
د. الشهري: تراعى في صياغة المعنى
د. الطيار: أو في علامة الوقف أو في علامة الترقيم؟!
د. الشهري: ممكن في علامة الترقيم لكن أتصور أنه لو يعبر في صياغة المعنى
د. الطيار: في صياغة المعنى قالوا: واسألوا الله الكريم الوهاب يعطكم من فضله بدلًا من التمني إن الله كان بكل شيء عليمًا
د. الشهري: نفس هذا بالضبط
د. الطيار: فمعنى هذا أنه
د. الشهري: ما انتبهوا للنقطة هذه
د. الطيار: فلو قالوا لأن الله لاختاروا التعليل
د. الشهري: والاستئناف؟!
د. الطيار: الاستئناف يلزم على الترقيم
د. الشهري: صح الفكرة المهم أنها تراعي يعني
د. الطيار: جيد هذه جميلة حقيقة فكرة لطيفة جدًا وهي: مراعاة علامات الوقف أثناء التفسير إما بالإبانة والإفصاح وإما بعلامة الترقيم
د. الشهري: فكرة أخرى, هل يا ترى الذين يقومون بالتفسير الآن يعني يأتي ويكتب تفسير للقرآن الكريم هل يستحضر مراعاة علامات الوقوف في طبعة مثلًا من المصحف يعتمدها في تفسيره؟ يعني الآن عندنا الآن الطبري على سبيل المثال الطبري فسر القرآن الكريم على رواية منهم من يقول أنها رواية حمزة ومنهم من يقول أنها روايته هو الذي اختارها
د. الطيار: اختارها هو هذا الأقرب
د. الشهري: حتى إني وجدت نقلًا جميلًا جدًا يا دكتور مساعد كنت ذكرته في برنامج مداد ذكرت أن نقل في كتاب غاية النهاية ترجمة أحد القراء من تلاميذ الطبري قال "وقرأ على أبي جعفر الطبري باختياره في سنة 306 أو 308 هـ عفوًا
د. الطيار: هذا كتاب التفسير
د. الخضيري: قبيل وفاة الطبري
د. الشهري: قبيل وفاة الطبري بسنتين مما يدل على أن الطبري كان يُقرئ باختياره بعض تلاميذه أليس كذلك؟!
د. الطيار: جميل
د. الشهري: الآن تفسير الطبري المطبوع الآن موجود في الأسواق مطبوع فيه رواية حفص
د. الطيار: صحيح
د. الشهري: ودكتور مساعد سبق أن اكتشف اكتشافًا جميلًا جدًا في تفسير الطبري وقال إن الإمام الطبري لم تبلغه رواية حفص لأنه تتبع مفردات حفص التي انفرد بها فوجد الطبري لا يتعرض إليها، أليس كذلك يا دكتور؟!
د. الطيار: صحيح
د. الشهري: بل حتى أذكر النقطة التي وقفت عندها هي: (نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى) وهي من مفردات حفص في سورة المعارج فقال الطبري في هذا الموضع ولو قرأ أحد بالنصب لكان جائزًا أو لكان وجهًا في النحو ولكنه لم يقرأ أحد بذلك!
د. الطيار: وله نفس الفكرة هذه في أكثر من موطن
د. الشهري: نعم، والفكرة أنا أقول الآن هل يا ترى المفسر الآن سواء من الموجودين حاليًا أو من المتقدمين كان يعتمد على نسخة من المصحف بوقوفها وعلامات وقوفها ثم يبني عليها تفسيره للمعاني؟, مرت عليك هذه دكتور مساعد؟!
د. الطيار: لا والله ما مرّت
د. الخضيري: لكن الجانب العملي فيها في نظري هو أن من يريد أن يحقق كتابًا فعليه أن يتأكد من علامات الوقوف التي اعتمد عليها المفسر والقراءة التي فسر بها القرآن لأن بعض الذين يطبعون التفاسير القديمة ويحققونها يضع قراءة حفص مثلا تجد مثل ابن كثير رحمه الله ما اعتمد قراءة حفص ولا قراءة عاصم أصلًا وإنما المعتمد عنده أظن ابن عامر
د. الشهري: ولا ابن كثير مدري ابن كثير تفسير ابن كثير
د. الخضيري: إلا أظن ابن عامر أو لا اله إلا الله
د. الطيار: أبو عمرو البصري
د. الخضيري: لا ليس أبا عمرو
د. الشهري: المهم الفكرة واضحة أنها ليست حفص
د. الخضيري: ليست حفص قطعًا ليست عاصم أصلًا
د. الشهري: من الأخطاء الموجودة الآن في كتب التفسير تفسير الطبري مطبوعة فيه رواية حفص ما المشكلة؟! المشكلة أن الذي يقرأ في التفسير يقرأ الآية ويجد التفسير مخالفًا يفسر شيئًا ليس بمكتوب في الآية
د. الخضيري: صحيح
د. الشهري: من الأشياء الموجودة الآن تفسير الشوكاني مثلًا "فتح القدير" مطبوع رواية حفص والشوكاني يفسر على رواية قالون عن نافع, وابن جزي الكلبي رواية قالون عن نافع
د. الطيار: هي الرواية المشهورة
د. الشهري: وابن الجلالين أيضًا ليست برواية حفص وإنما هو مزيج من رواية حمزة مع رواية أبي عمرو
د. الطيار: بعض الناس يقول ما فهمت يعني هاتوا مثالًا: (وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ) والقراءة الأخرى: (وَمَا يُشْعِرُكُمْ إنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ) صياغة التفسير ستختلف
د. الشهري: بل وأوضح من هذا
د. الطيار: (مَـالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)
د. الشهري: في قوله سبحانه وتعالى: (وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا) هذه رواية حفص, ورواية قالون عن نافع: (وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِرهَا) فأنت عندما يفسر المفسر هو معتمد على رواية قالون فيقول (ننشرها) من النشر وهو: البعث, وتأتي أنت تكتب مثل الآية بحفص ما يفهم هذا ما معنى (ننشزها) فيتهم المفسر ويقول بعضهم الشوكاني هذا يتجاوز عن بعض الكلمات الغريبة ولا يشرحها لماذا؟! يقول: (ننشزها) هذه ما نتبه لها مثلًا
د. الطيار: وهذه قيمة كتابة التفسير على حسب رواية المفسر
د. الخضيري: وأمر آخر يا أبا عبد الملك وهو أن يعطى كل علم إلى أهله لأنه إذا جاء المحدث مثلًا أو المؤرخ وبدأ يحقق في كتاب في التفسير سيقع في هذه المطبات بلا شك لكن المفسر المتمكن صاحب الشأن سيعلم هذا ويعرف من أين جاء الإشكال ويحله
د. الطيار: هذا صحيح، ننتقل إلى الآية التي بعدها
د. الخضيري: وهي أيضًا فيها قضية في الوقف قال الله عز وجل: (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ) يعني ممكن أن تقرأ: (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ) / (الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ) فيكون بدلًا أو استئنافًا
د. الطيار: لا تصلح استئناف يا شيخ
د. الخضيري: (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ) ثم تقف (الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ) هم الموالي يعني هم وارثون وليس موروثين , الآن الوالدان ما إعرابها؟!
د. الطيار: (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ) صار فاعلًا هنا على الوصل
د. الخضيري: ويمكن أن تُقرأ أيضًا ويكون لها معنى آخر وان كانا متلازمين في الجملة أو يؤديان نفس الغرض: (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ) ترك الميت
د. الطيار: جعلنا موالي له مما تركه هو
د. الخضيري: نعم من هم الموالي؟! الوالدان والأقربون
د. الطيار: هم الوالدان والأقربون على سبيل التفصيل
د. الخضيري: قصدي هذا يتصل بموضوع الوقف وهذا قول للمفسرين ممكن تجد بعض المصاحف يقول (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ)- (علامة الوقف جيم) -(الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ)
د. الطيار: وهذا يدل على أهمية معرفة المعنى ومعرفة التفسير وأنا وجدت الداني له عناية كبيرة جدًا بالتفسير المكتفى
د. الشهري: المكتفى في الوقف والابتداء لأبي عمرو الداني هذا كتاب ممتاز
د. الطيار: يرتب عليه الوقف يقول: وجاء في التفسير ثم يقول, أو يقول: الوقف كذا وكذا جاء في التفسير, يعني يربط الوقف بالتفسير
د. الشهري: هل يا دكتور بحكم خبرتك في هذا, هل المفسرون تبع لمن وضع علامات الوقوف أو العكس برأيك؟!
د. الطيار: لا، هو الأصل العكس طبعًا, أنا رسالتي عنوانها "الوقف وأثره في التفسير" ونبهت في المقدمة أن الوقف هو في الحقيقة أثر من آثار المعنى
د. الخضيري: فرع عن التفسير
د. الطيار: فرع عن التفسير, يعني الذي وضع علامات الوقف يفهم المعنى يفسر ثم يضع وليس العكس. مثلًا على سبيل المثال: لما يأتي السجوندي عند آية المتشابه فيقول: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ) ثم يضع (ميم) يعني وقف لازم, لماذا وضعت لازم؟! يقول: لأنه لايعلم أحد المتشابه إلا الله سبحانه وتعالى, يعلِّل، فسّر، إذن هو فهم هذا المعنى ثم وضع العلامة وهذا هو الأصل. لكن نحن الآن ننطلق من الوقف الموجود في المصاحف لنفهم المعنى فهذا الحقيقة صار ماذا؟! بعد العمل. لكن المتقدمون ليس الأمر عندهم هكذا وإنما يفهمون ثم يفسرون, حتى السلف لما تكلموا عن بعض معاني الوقوف يقول: هذه مفصولة لما يقول هذه مفصولة فإنهم يريدون ماذا؟!
د. الشهري: وقف لازم
د. الطيار: يريدون الوقف اللازم المقصد أن هذه الآية أو هذه الجملة لا علاقة لها بالجملة مثل آية آدم: (فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ)
د. الخضيري: (فلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)
د. الطيار: فيجعلون (فلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً) مقطوعًا عما قبلها فتكون هذه مفصولة هذا من المفصول وهكذا, فإذن المقصود أن الوقف هو أثر من آثار التفسير و بيان المعنى
د. الشهري: الحقيقة علم شريف أغفلناه وتهاونا فيه!
د. الخضيري: بل حتى في دروس التلاوة كثير من الطلاب وكثير من الأساتذة يهتم بتطبيق أحكام التجويد ولا يعلم الطلاب كيف يعتنون بهذه المواقف, وأنا أرى هذا يا دكتور مساعد الآن ونحن ندرِّس الطلاب يجب أن نتواصى على العناية بتعليم الطلاب والتأكيد عليهم خصوصًا إذا كان يقرأ نظرًا، يا أخي بين يديك لماذا لا تعتني بها؟! لماذا العلماء وضعوها واعتنوا بها وكتبوها في المصاحف وفرقوا بين علاماتها؟! لأجل أنت أن تفهم المعنى من خلالها
د. الطيار: وليسمح لي بعض المقرئين لأن بعض المقرئين لا يفهم المعاني, ليس عنده فهم للتفسير كي يبين للطلاب, ولهذا أيضًا أقول يجب أن يجتنب بعض الوقوف التي يعتبر الوقوف فيها غرابة أو شذوذ وكثرت الآن مع الأسف العناية بها (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ) / وقف/ (عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا) ويعني هذا وقف صحيح أن المعنى قد يكون مليحًا لكن هذا ليس المراد. أحيانًا يأتي إلى آية ويفصلها عما قبلها أو ما بعدها بطريقة الوقف غير ناظر إلى نظم القران العربي مثلًا بعضهم يأتي إلى قول الله سبحانه وتعالى وذكرتها كثيرًا (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ) ثم يقول: (المجيد فعال لِّمَا يُرِيدُ) فيجعل (المجيد) مبتدأ وخبره (فعال لما يريد) وبناء على قراءتك الآن جمعت بين معنيين مرة يكون (المجيد) خبرًا ومرة يكون (المجيد) مبتدأ فهل هذا يصح؟! هذا فيه إخلال بنظم القرآن
د. الشهري: ولو كان المعنى صحيحًا
د. الطيار: ولو كان المعنى صحيحًا لأن (ذو العرش) بناء على قراءتك الثانية انقطع عن المعنى (ذو العرش) ماذا؟! لاحظت فأحيانًا ألاحظ أن بعضهم يعتني بهذا الأسلوب
د. الخضيري: أنا اسمح لي أن أشير في هذا الموطن إلى أن بعض من يفعل ذلك وخصوصًا في الصلاة وفي صلاة التراويح يريدون بذلك الإغراب. والإغراب الحقيقة بوابة من بوابات الشيطان على النفس الإنسانية من أجل أن يُذكر الإنسان وان يُشهر وأن يقول الناس جاء بجديد! عرف شيئًا لم يعرفه أحد, نقول: لا عليك بالعتيق, عليك بالذي عليه الكبار تراه ٌ لك, ما لم يعلمه أولئك ترى لا خير لك في علمه, ولذلك نقول: انتبهوا إلى هذه المداخل مداخل النفوس في كون الإنسان يريد أن يلفت أنظار الناس, ونخشى أن يدخل صاحبه في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من تعلّم علمًا ليباهي به العلماء ويجاري به السفهاء ويصرف به وجوه الناس فالنار النار) نخشى أن هذا يدخل فيه, فأنا أحذر طلاب العلم وأحذر القراء وأحذر أئمة المساجد من سلوك هذه الجادّة التي يكون للإنسان فيها مدخل أو للنفس فيها مدخل وهو لايتبينه
د. الطيار: وأنا أقول ليس وجود المعنى في نظرك هو كافٍ في أن تقف أو لا تقف
د. الخضيري: هل يليق هذا المعنى؟ هل هو فخم؟ جميل؟!
د. الطيار: انظر إلى ما قبله وما بعده
د. الشهري: من الأمثلة التي يذكرها أحدهم قال في قصة موسى عليه الصلاة والسلام: (فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ)
د. الطيار: من القيلولة
د. الشهري: (فقال) من القيلولة مناسب للمعنى هو فعلًا تولى على الظل وقال
د. الطيار: حرّف المعنى
د. الشهري: ثم يقول: (فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)
د. الخضيري: ثم يعيدها مره ثانية؟ (قال) يستعملها مرتين؟
د. الشهري: نعم طبعًا لأن مقول القول جملة (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) هذه مقول القول أصلًا ليس للقيلولة مدخل في هذا الموضوع مع إنها مستقيمة (فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ)!
د. الخضيري: دعونا نرجع إلى معنى الآية، أرى أن هذه الآية تُشْكِل على من يقرأ لأنه قد لا يدرك معنى كلمة موالي ولا يدرك أيضًا النظم في الآية. يقول الله عز وجل: (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ) يعني لكل أحد من الناس جعلنا ورثة، هذا المقصود
د. الشهري: يعني ما في أحد مقطوع من شجرة كما يقولون , يجب أن يكون له وارث
د. الخضيري: نعم وهم سيرثون ماله, المقصود أن هذا المال سيكون لهؤلاء الموالي الذين يلونه وهم ورثته (ولكل جعلنا موالي) أي ورثة (مما ترك الوالدان والأقربون) الذي تركه الوالدان والأقربون لهم ورثة سيأخذون ذلك المال (الوالدان والأقربون) فاعل لقوله (ترك) فيكونون موروثين هنا. على الوقف الآخر (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ) /وقف/ (الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ) الوالدان والأقربون: أي هم الذين يرثون هذا المال فهم الموالي
د. الطيار: لكن هذا أضعف
د. الخضيري: أضعف طبعًا, الأول أوْلى نعم
د. الشهري: أي الموالي هم الورثة
د. الخضيري: نعم الموالي هم الورثة، الموالي ترد في القرآن على معاني
د. الشهري: لكن في هذه الآية هم الورثة لأنهم هم الذين يلونه ثم الذين يلونه ثم الذين يلونه
د. الطيار: أنت أبو عبد الله قلت أمرين: الأمر الأول أن الإشكال بسبب عدم معرفة المراد بالموالي والأمر الثاني نظم الآية, كيف نظم الآية؟!
د. الخضيري: لما يقول ولكلٍ جعلنا (كلٍ) هذه هي (كل) تضاف
د. الشهري: تنوين العوض
د. الخضيري: وفيها تنوين يسمى تنوين العوض هي إذا أضيفت إلى الظاهر ظهر
د. الطيار: لكل واحد منكم
د. الخضيري: منكم، أما إذا جاءت (كلٍ) يقول (كلٍ) ماذا؟! يقال لكل إنسان موالي يرثونه، هذا المقصود
د. الطيار: (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ)؟
د. الخضيري: كلمة موالي يا أبا عبد الملك هي حقيقة ترد على عدد من المعاني على أساس أبينها لإخواننا
د. الطيار: هي تدخل في الوجوه
د. الخضيري: في الوجوه والنظائر تأتي بمعنى: النصير, كما في قول الله عز وجل: (وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ) وأيضًا تطلق على الذي يتولى على غيره, كما في قوله: (فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ). تطلق أيضًا على المعتق كما في السنة (إنما الولاء لمن أعتق) وتطلق أيضًا على العتيق مولى القوم من أنفسهم, وتطلق على متولي الأمور من ملك أو أمير أو وزير أو والي يسمى ولي الأمر, أيضًا ومن معنى المولى أيضًا المشايخ لأنهم يتولون أمور الناس بالعلم
د. الطيار: أنا كنت أفكر في هذه الفكرة لماذا ما يؤلف كتاب يجمع وجوه النظائر في الكتاب والسنة معًا؟ ما ورد في الكتاب بمعنى وما ورد في السنة بنفس المعنى فهذا يكون أوسع
د. الخضيري: (مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ) وفي قراءة (عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ) (فآتوهم نصيبهم) هذا طبعًا يشير إلى شيء كان موجودًا
د. الطيار: في أول الإسلام
د. الخضيري: نعم وهو المعاقدة التي تكون بين رجلين وكانت معروفة في الجاهلية. يتعاقد اثنان على أن يكون بينهما الدم الدم والهدم الهدم ويتوارثان حتى أنه يقول: أن ترثني أو أورّثك ثلث مالي وتورثني ثلث مالك, من شدة المعاقدة التي بينهما. فالله عز وجل أمر أن يوفى بهذه العقود وهذا الإسلام لا يأتي إلى شيء فيه خير إلا ويزيده شدة ويؤكد عليه. الآن يبقى قضية واحدة في هذه المعاقدات وهو ما يتصل بالميراث هذا نُسِخ بما شرعه الله عز وجل وبيّنه من أن المواريث إنما تكون للقرابات ولا تكون للولاء والمؤاخاة
د. الشهري: هذا ذكرني بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) فيه إشارة إلى أن القرابة هي سبب وجيه أو سبب وثيق للإرث وأن حق الجار من كثرة ما وصى به جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم حتى ظن أنه ربما سيجعل له نصيبًا في الميراث من شدة التوصية به
د. الطيار: (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا) ما مناسبة الآية؟!
د. الشهري: كأنه يظهر لي أن الله سبحانه وتعالى يشير إلى أنه إذا وقعت المعاقدة بينك وبين أحد, طبعًا هذه كما تفضلت نُسِخت, وقد لا يعرف ولا يعلم بها إلا الله سبحانه وتعالى وأنت والرجل هذا الذي وقع بينك وبينه المعاقدة والمحالفة فالله سبحانه وتعالى يدعو للوفاء بهذا العقد في هذه المعاقدة التي تمت بينك وبينه وأنه إن لم يكن هناك من يشهد على هذا فإن الله تعالى كان على كل شيء شهيدًا, هذا يظهر لي
د. الخضيري: نعم هذا هو، في جانب الوفاء الله شاهد عليها ومطّلع فإياكم أن تخيسوا بالعهد وتنقضوه!
د. الشهري: تلاحظون إخواني سبحان الله إلى الآن ونحن تكلمنا عن 33 آية فيها الكثير من الحقوق المالية والحقوق التركات والحقوق العلاقات وفي كل آية يؤكد الله سبحانه وتعالى على مراعاة الوازع الديني -إن صح التعبير- يعني وهذا حقيقة جانب تربوي نحن غفلنا عنه اليوم كثيرًا والذين يسنّون العقوبات الآن والغرامات وإلى آخره لكي يلزموا الناس بتنفيذ الأنظمة وما يتعلق بها ويغفلون عن جانب تربية الوازع الديني عند المسلمين وعند المرء بحيث أنه يكون الإنسان على نفسه بصيرًا وأيضًا قائم على نفسه
د. الطيار: تحتاج هنا على تربية مجتمع
د. الشهري: تلاحظ هنا: (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا), (إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا), (إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) يعني يربي في الإنسان هذه المعاني أعمال القلوب مراقبة الله سبحانه وتعالى في السر والعلانية سواء في الحقوق التي بينك وبين الخلق أو بينك وبين الله تعالى, والحقيقة أنها تصل بالمسلم إلى درجة من الشفافية وأنه يصبح هو وضميره القائم عليه أشد محاسبة له من الدولة أو من أي نظام
د. الطيار: بالفعل الأكثر قد نزعت منه هذه الجوانب جوانب المراقبة والتقوى فيقع منه ما يقع ولهذا قلّ أن تعرف إنسانا أمينًا, يعني الأمانة هي مطلب عظيم جدًا ولهذا تربية أو إعادة المجتمع إلى هذه التربية مطلب, وأنت لما ذكرت قضية سنّ القوانين سبق أن نبهنا كثيرًا على أن هل هي مشكلة أو ان الجانب العلمي كان هو السبب والأثر فيها يعني كتب الفقه كانت تخلوا من هذا الجانب
د. الشهري: بمناسبة نظام المرور الجديد
د. الطيار: ساهر
د. الشهري: ساهر هذا هو نظام ساهر أن يكون فعلًا الرقيب هنا داخلي الرقيب داخلي ساهر أن يراقب الإنسان نفسه في السر والعلانية
د. الخضيري: ولذلك أنا أقول أن الدولة النبوية نجحت في أنها جعلت ليس شرطي المرور عند الإشارة, جعلت شرطي المرور في القلب, الجندي في داخله, ولذلك لما نزل قول الله عزو جل (فهل انتم منتهون) يقول امتلأت شوارع المدينة بالخمر! لماذا ما أخفوها الصحابة؟! لماذا ما بعث النبي صلى الله عليه وسلم تفتيش على البيوت وجرد لكل الزقاق والدنان والأواني والأوعية التي كانت فيها الخمر؟! تجرد بالكامل وإحصاء والى آخره؟!
لأنه ما في داعي، الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم أبلغ وأعظم مما يفعله الناس. ولذلك نقول الآن أن ما تفعله كثير من الدول من إضعاف الوازع الإيماني والتأكيد على سنّ النظم والقوانين والتخويف بالسجون والأموال وغيرها أن هذا مهما بلغوا فيه من القوة لن يزيدهم إلا ضلالًا, فالآن أمريكا هي من أبلغ الدول في هذا الجانب رقابة وكاميرات وأنظمة والى آخره وكل هذه لها أثر في تنظيم الناس لكن يستطيع الناس أن يتجاوزوها يعني إذا انقطعت الكهرباء تصبح الدنيا فوضى!
د. الشهري: يعني مفترض القائمون على الأنظمة في العالم الإسلامي يعني في دولنا الإسلامية وهم ينظرون إلى هذه الجوانب والأنظمة والقوانين أنهم يكثفون جانب التوعية الدينية والإسلامية والروحية وتعزيزها, يعني الآن لماذا لا تشارك المرور في دعم حلقات القران الكريم وتدبره وفهمه حتى تخفف من الحوادث بدل أن تركز على جانب أنظمة مثل أنظمة ساهر وغيرها التي هي في الحقيقة تدعوا الناس إلى العناد أحيانًا؟ يعني يصبح الآن ينظر هل كاميرا ساهر هذه موجودة الآن أو لا؟! إن كانت موجودة مشى على مهله وان كانت غير موجودة بالغ في المخالفة!
د. الخضيري: أنا كنت في المجر فأمشي مع أحد الإخوة في طريق في سفر بين مدينتين المهم ونحن نمشي السيارة التي أمامنا يصنع إشارة معينة إذا قابلناه، فالرجل يضحك يعني السائق فأقول ما يضحكك؟! يقول: هذه إشارة بيننا في الطرقات, ترى قدامك هناك سيارة رصد إنتبه فيخفف السرعة إلى أن يتجاوز سيارة الرصد ثم يعود إلى ما كان عليه
د. الشهري: ما استفدنا شيئًا!
د. الخضيري: والناس تعودوا عليها والإشارة تُفهم بسهولة يعني لما يقولك مثلًا كذا وهو مثلًا يسير في الطريق خلاص يفهم كل إنسان مرّ به ترى في سيارة قدام انتبه لها
د. الطيار: والله أعرف حتى عندنا التكنيس. إذن الوازع إذا كان من ذات الإنسان إذ لا شك أن أمور كثيرة جدًا ستصلح. لما قال (إن الله كان على كل شيء) لاحظوا في الأولى قال: (إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ) والآن قال: (عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا) يعني لاحظ المعنى, طبعًا العلم والشهادة متداخلان، العلم قد يكون أوسع من الشهادة في جانب والشهادة أوسع من العلم في جانب
د. الخضيري العلم يصل إلى البواطن والشهادة تكون على الظواهر يظهر لي والله أعلم, فلذلك آثر هناك أن يقول (كان بكل شيء عليمًا) العلم داخل في كل شيء والشهادة هنا يعني ما يتصل بالرؤية والنظر والاطلاع والرقابة
د. الطيار: وأيضًا لاحظ (عقدت أيمانكم) العقد يحتاج إلى ماذا؟! إلى شهادة, فإيثار لفظ الشهادة أيضًا هذه أحد مناسباتها. لكن نقول أن هذا العموم في الآيتين الحقيقة من الأشياء التي يجب المسلم أن يتربى عليها أن الله سبحانه وتعالى مطّلع على كل الأمور كبيرها وصغيرها ولهذا بعض علماء الإسلام - نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعفو عنا وعنهم - لما قال: "إن الله لا يعلم بالجزيئات" طبعًا أثر من آثار الفلسفة يعني وقع في مزلق خطير وهو أحد أسباب الأخذ بعلم الكلام المبني على علوم هؤلاء الأوائل فوقع في مثل هذا, طبعًا هو رجع عنه, وإلا لو نحن أردنا أن نقول أن من يقول بهذا لا شك وأنه يكفر لأن نفي علم الله بكل شيء هذا مخالف لنص القرآن
د. الشهري: لاحظوا يا إخواني كلام الله سبحانه وتعالى كيف يكون فيه ثقة وإطلاق ولا يمكن أبدًا أن يقول هذا الكلام بشر! من الذي يستطيع أن يقول إن الله كان بكل شيء عليمًا؟ إن الله كان على كل شيء شهيدًا؟, هذا ليس في طاقة البشر. والنبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يأتي بهذا الكلام من عنده, ومثل هذه الآيات التي فيها تحدي وفيها إطلاق لا يمكن أبدًا إلا أن تكون من العليم الخبير كما في قوله سبحانه وتعالى: (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)
د. الخضيري: قمة التحدي, تحدي حتى لو اجتمع الناس من قديم الزمان أو حديثه والجن والإنس, طيب وهل وقع ما يخالف هذا التحدي؟!
د. الشهري: لا أبدًا
د. الخضيري: يعني الواقع جاء مطابقًا لما
د. الشهري: لم يقع ولن يقع، لاحظ أي كتاب بشري تجد فيه تردد في موضع من المواضع يتردد المؤلف في حكم أو في نتيجة أليس كذلك؟! حتى في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح تجد النبي صلى الله عليه وسلم يتردد بين أمرين: إما يختار احدهما, إما يتبين أنه صلى الله عليه وسلم اختار أمرًا وأتى الله له بما ينسخه, أليس كذلك؟! في القرآن الكريم ليس فيه تردد
د. الخضيري: مقدمات الكتب شاهدة على هذا الأمر يقول وهذا جهدي فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان والله ورسوله منه بريئان, يعني انظر في المقدمة يعلن بأنه يعني ما أنا إلا مجتهد وبحثت عن الصواب
د. الشهري: ولو كتب رجل كتابًا وتحدى في مقدمته أنه لن يأتي أحد مثله سيكون هذا من علامات المؤاخذات على الكتاب من أعظم المؤاخذات
د. الخضيري: المزني لما كتب المختصر للأم قرأه مع تلاميذه سبعين مره من أجل أن يصححه ويحرره ويدعه بلا خطأ
د. الشهري: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا)
د. الطيار: الله أكبر!. لعلنا ننتقل للآية الأخرى وهي مرتبطة وآية قد تكون مشكلة, فهمها مُشكِل على بعض الناس في قوله: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ)
نبدأ بقوله: (الرجال قوامون على النساء) تقول: أنا أؤمن بهذا, لكن قد نختلف في مفهوم القوامة, يعني هل هذا من القوامة أو ليس من القوامة؟! ويجب أن نلفت النظر إلى أنه أحيانًا ليس الخلاف في كون هذا هو كتاب الله أو هذا من كلام الله, هو خلاف في الفهم. والله سبحانه لما قال (الرجال قوامون على النساء) يعني قوامون بالتوجيه وقوامون بالرعاية فهذا هو المراد بالقوامة, وليس المراد التسلّط الذي يخرج قوامة الرجل إلى أن يكون متسلطًا حتى يتسلط على المرأة بمالها ويتسلط على المرأة بأشياء أخرى ويدعي القوامة, فالقوامة مرتبطة بالشرع وليست مرتبطة بالعادات أو بما يراه الرجل أنه من سلطة القوامة
د. الشهري: كيف نعرف القوامة؟ أو ضوابط القوامة؟ أو كيف نعرف أن هذا من القوامة أو ليس من القوامة؟!
د. الخضيري: ننظر إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم, النظر إلى منهج النبي صلى الله عليه وسلم في كيفيه تعامله مع زوجاته وأيضا الصحابة الكرام الذين كانوا في عصره فمن خلالهم يفسر ويعرف ما كان داخلًا في هذه القوامة ومعناها ومفهومها وما يمكن أن تفسر به وما يمكن أن يكون خارجًا عن حدها وضابطها الشرعي
د. الشهري: وطبعًا ينبغي أن يُعلم أن القوامة هي الهدف منها: قوامة الرعاية والصيانة والخدمة أيضًا والحفظ, يعني عندما نقول (الرجال قوامون على النساء) والله الحقيقة أنها أشبه ما تكون أنها الرجال خدم للنساء يقومون على خدمتهم ويرعونهم
د. الطيار: هذا أحد ما تدل عليه معنى القوامة
د. الشهري: الآن بعض الأخوات الذين يكتبون ويعارضون مفهوم القوامة هذا يعارضون مفهوم التسلط في القوامة يفهمون أو يحاربون أو يعارضون معنى التسلط من الرجل, يعني بعض الرجال يتعامل مع موضوع القوامة بنوع من العنجهية والجبروت على عماها يعني, ويرى أن الرجال قوامون على النساء يعني يضرب المرأة ويتصرف في المرأة على كيف كيفه
د. الطيار: أو يُدخل بعض العادات التي لا توافق الشرع يعتبرها من القوامة
د. الشهري: ويلغي شخصية المرأة تمامًا
د. الطيار: مثل ما ذكر دكتور محمد حقيقة الرجوع إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم والاحتكام إليها ومعرفة المرأة أنك إنما فعلت هذا تدينًا ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم فعله هذا يجعل حتى المرأة تدين بهذه القوامة ما يكون عندها إشكال في القوامة, لكن أن تكون سلطة الرجل وقوامته فيما يدعيه هو ويزعمه أنه من الشرع وهو ليس من الشرع أو أن يستخدمها في ما ليس منها فلا شك أنه خير كبير جدًا في مفهوم القوامة, ولو كتب في هذا الموضوع كتابة مستقلة يعني مفهوم القوامة من خلال السنة فأنا أرى أنه سيحل مشكلات كثيرة جدًا جدًا في قضية مفهوم قوامة الرجل للمرأة, وكما ذكرت قبل قليل القضية مهم أيضًا أن نلتفت إليها وأن هذه القوامة ليست من باب التسلط وإنما هي نوع من الخدمة للمرأة ونوع من رعايتها ونوع من جبر كسرها مما خلق الله فيها من ضعف
د. الخضيري: أيضا إضافة إلى هذا وهذا الذي يدعو إليه العقل ويجتمع عليه البشر وكل مؤسسة أياً كانت لا بد من شخص يدير هذه المؤسسة ويكون له المرجعية في القيام عليها, في اتخاذ القرار النهائي وحل الإشكال عندما تلتبس الأمور والفصل في المنازعات وهذا لا يكون طبعًا ولا شرعًا إلا للرجل, ولذلك الله فصل هذا لكي ترضى المرأة ويرضى الناس وينتهي الإشكال في ذلك.
د. الطيار: ولعلنا إن شاء الله أيضًا نكمل هذا الحديث الماتع في اللقاء القادم بإذن الله لأن وقت الحلقة انتهى فنستميح الجميع عذرًا في أن نوقف هذه الحلقة. سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك
بُثّت الحلقة بتاريخ 16 رمضان 1431 هـ[FONT=&quot][/FONT]
 
الحلقة 17
تأملات في سورة النساء من الآية (34) إلى الآية (35)
د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلّم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الإخوة المشاهدون الكرام في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وأهلًا وسهلًا بكم في هذا المجلس القرآني المتجدد. كنا وقفنا أيّها الإخوة المشاهدون في اللقاء السابق مع أصحاب الفضيلة عند قوله تعالى في سورة النساء (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ) وسوف نواصل في هذا اللقاء بإذن الله تعالى الحديث عن هذه الآيات لكن قبل أن نشرع في تدبر هذه الآيات والحديث حولها مع المشايخ الفضلاء نستأذنكم نستمع إلى هذه الآيات مرتلة ثم نعود إلى الإخوة المشاهدين للحديث حولها
(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35))
وبعد أن استمعنا إلى هذه الآيات أيها الإخوة الفضلاء كنا توقفنا في اللقاء الماضي يا دكتور مساعد و يا دكتور محمد عند الحديث عن معنى القوامة وما يدور اليوم في كتابات كثير من الصحفيين وغيرهم حول الاعتراض - إن صح التعبير- على القوامة, فأنا أريد الحقيقة أننا نفرق بين المفهوم الصحيح للقوامة والمفهوم الخاطئ للقوامة والمعنى الصحيح لهذه الآيات حتى يتنبه الإخوة المشاهدين للمفهوم الصحيح لهذه الآية ولقوامة الرجل على المرأة. تفضل نبدأ معك يا دكتور مساعد حول هذه النقطة
د. الطيار: نعم، وسبق أن نبّهت إلى أنّ استخدام أو إلى أنّ النظر إلى ثبوت القوامة هذا واضح ثبوته بالنص القرآني (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء) فهذه القوامة من أين تؤخذ؟! من الشرع، نرجع إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم وننظر إلى تطبيقه العملي في تعامله مع أزواجه وبناته ومن حوله ممن هو وصيّ ووليّ عليهم ومن هنا تؤخذ القوامة الحقيقية
د. الشهري: يعني معنى هذا يا دكتور مساعد أنّ القوامة ليست فقط هنا بعض الناس تنصرف القوامة إلى قوامة الزوج على زوجته
د. الطيار: لا
د. الشهري: وإنما مفهومها قوامة الرجل على من يلي أمره مهما كانت بنته أو زوجته أو أخته إذا كان هو الذي يقوم عليها
د. الطيار: نعم لأن النص كما هو واضح (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء) ولهذا نقول إن بعض الصور التي يقع فيها خطأ في تطبيق القوامة وهي نوع من تسلط الرجل على المرأة أنها ليست من الشرع في شيء, ويجب أن نفرق بين ما هو من الشرع وما هو من العادات أو أحيانًا قد يكون من طبع الشخص أحيانًا بعض الطبائع أو بعض طبائع النفوس يكون لها سلطة على الآخرين لأنه بطبيعته هكذا يعني متشدد ويرى أن كل شيء خطأ لا تفعلوا كذا، لا تفعلوا كذا وفيه مندوح أو مباح
د. الشهري: والشرع أيسر من هذا
د. الطيار: نعم الشرع قد أباح هذا ويسّره. إذن نقول الرجوع أو المهم جدًا ونحن نتكلم أننا حينما نزن القوامة نزنها بماذا؟!
د. الشهري: بميزان الشرع
د. الطيار: بميزان الشرع
د. الشهري: واذكر أنك اقترحت اقتراحًا وهو تتبع يعني تطبيق القوامة في السنة النبوية وفي عمل الصحابة رضي الله عنهم وهذا والله بحث فكرة جميلة جدًا, عندك شي دكتور محمد حول هذه النقطة؟!
د. الخضيري: نعم, أنا الحقيقة يمكن بعد أن أستدرك حتى ما ذكره أبو عبد الملك كلمة التسلط وغيرها من الكلمات يمكن أن تكون أيضا موهمة, ونحن نقول المعنى الذي يجب أن يُنفى هو أن لا يكون الرجل ظالمًا ومتعديًا للحد في أخذه بهذا المفهوم. هذا المفهوم يعني أن يكون هو المدير الرئيس القائم على هذا البيت الذي يحل المشكلة ويعين على أن يُدار الأمر في بيت الزوجية وعشّ الأسرة بأسلوب طيب. أنا أظن أن كل واحد لو رجع إلى منطق العقل أو إلى منطق الواقع فإنه لا يمكن أن يجد مُنشأة إلا ولهذه المنشأة مدير, هذا المدير من هو؟! في جو الأسرة المكون من رجل وامرأة؟! لا يمكن أن تكون المرأة, هذا يجب أن نُزيله إلا إذا قلنا لا نريد أن نفصل في البشر نضع لكل أسرة محكمة
د. الشهري: حسب المؤهل يا شيخ
د. الخضيري: حسب المؤهل أو حسب السن أو الاسم أو الجمال أو النسب أو الحسب, لا, الرب سبحانه وتعالى يذكر قاعدة تامة مناسبة للواقع ومناسبة للعقل ومناسبة للفطرة وهي التي يهتدي إليها الناس. ما من منشأة في العالم كله إلا ولها قيّم، القيّم في عش الزوجية يجب أن يكون هو الرجل, الشرع جاء مؤكدًّا لهذه الحقيقة العقلية والواقعية التي اتفق عليها البشر ومدعمًّا لها لكن مثل ما تفضل الدكتور بحيث لا يستخدمها استخدامًا سيئًا كما يفعل مع الأسف بعض الناس ويجعل بعض المغرضين تصرفاتهم حجة على الشرع، لا يا أخي تصرفاتنا عمرها ما كانت حجة على الشرع إذا أساء مسيء فإساءته على نفسه, الشرع وضع قاعدة وهذه القاعدة صحيحة ومتفقة مع العقل والواقع والفطرة ولا تنسجم ولا تستقيم الأمور إلا بها, ومن يسيء استخدامها فإنما يُسيء على نفسه. يعني مثلًا الكتابة فضيلة ويُسعى إليها ويُعلم الناس إياها, لو جاء إنسان واستعمل الكتابة في أمر سيء هل نذمّ الكتابة؟! ما نذمّها, نذمّ القراءة؟! ما نذمّها وإنما نذمّ من استخدمها بأسلوبها السيئ
د. الشهري: جميل، ويبدو لي أنّ حتى هذا مركوز في فطرة الرجل وفي فطرة المرأة, الرجل مركوز في فطرته أنه يحب أن يكون هو المسؤول عن امرأته وعن بنته وعن موليته أليس كذلك؟! وعنده القدرة على ذلك ويقع في نفسه وربما يغضب لو رأى خلاف ذلك, لو وجد أن الزوجة هي التي تتصرف وتدير الأمور وتتجاوزه يشعر بنوع من الدونية. على الجانب الآخر يبدو لي أن المرأة بطبيعتها أيضًا تحب أن يكون زوجها هو الذي يدير الأمور وترى في هذا النوع من الرجال الرجل الكامل الذي يعني ترغب المرأة فيه والمرأة حتى لو كانت هي التي تتسلط أحيانًا وتدير الأمور هي في نفسها لا تحب هذا النوع من الرجل الذي ينقاد لها في كل صغيرة وكبيرة
د. الخضيري: يحدثني الدكتور عبد الحيّ يوسف يقول عُرضت علي مشكلة بين رجل وامرأة, المرأة كانت دكتورة أو طبيبة والرجل تعليمه عادي وإنسان بسيط جدًا لكن ما الذي حدث؟! المرأة يقول إتصلت بي وقالت أنا لا أطيق العيش مع هذا الرجل وأريدك أن تتدخل للإصلاح بيني وبين زوجي يقول وبالفعل لأن الرجلين لأني أعرفهما أو له بهما صلة جئت إلى
د. الطيار: هذا على سبيل التغليب الرجلين؟!
د. الخضيري: أنا قلت رجلين؟!
د. الطيار: نعم، لا بأس، لا بأس
د. الشهري: الرجل والمرأة
د. الخضيري: الحاصل يقول جلست معهما لأسمع منهما فقلت للمرأة تحدثي ماذا عندك حول هذه القضية؟ قالت أنا زوجي هذا منذ أن تزوجت ما في يوم قال لي لم دخلتِ؟ ولم خرجتِ؟ وأين ذهبتِ؟ ولماذا اشتريتِ؟ ولماذا تصرفتِ ذلك التصرف؟ أنا زوجي هذا لحم ودم من دون أن يكون هناك روح أو تدخل في شؤوني، أنا امرأة أريد رجلًا يكون له كلمة في هذا البيت
د. الشهري: إفعلي ولا تفعلي
د. الخضيري: تقول لأِشعر بالفعل أن معي رجل, رجل أحس بأن له قدرة وله حق وله قوامة وله إدارة في هذا البيت يعني شخصية لأنها تفخر بهذه الشخصية. ولذلك يُقال كثير من النساء تفرح أو تتلذذ عندما يكون زوجها يقول لها لا في مواطن التي تستحق هذه الكلمة بحيث إنها إذا رجعت إلى رشدها وآبت إلى عقلها بعد ساعة أو ساعتين أو يوم أو يومين قالت الحمد لله أن لي زوج يردعني عن تصرفاتي البلهاء أو السفيهة. يقول لي الدكتور فسألت الرجل قال يعني والله أبدا تتصرف كما تشاء وأنا ما يعني
د. الشهري: وهي إنسانة متعلمة وأنا أثق فيها
د. الخضيري: المهم يقول لي الدكتور فقمت من بينهما ولم أستطع أن أتكلم بكلمة واحدة, السبب إن المرأة ذكرت شيء بالفعل شعرت أنه وجيه في نقدها لهذا الزوج الذي لا يُقدم ولا يُؤخر ولا يهش ولا ينش كما يقول العوام
د. الشهري: أفرض أنه استجاب لقولها هذا وصار كل شي لازم يدقق فيه فتعود مره ثانية وتقول فكوني من هذا النشبة!
د. الخضيري: وهذا خطأ, إذن ذاك خطا وهذا خطأ. ولذلك الكريم هو الذي شرحناه في مرات ماضية يتغافل ويُدير الأمور ويسوسها ويغضي على المرأة لو سمع منها كلمة نابية لو جرحته لو تأبّت عليه لو لم تسمع شيئًا من كلامه أو تطبق شيئًا من توجيهاته ما يتابع ويدقق على كل شيء، هلّا ذكرت أبيات بشار البرد التي قال فيها
د. الشهري:
إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى ظمئت وأيّ الناس تصفو مشاربه
وهناك بيت أحسن منه يقول:
وتغافَل عن أمورٍ جمةٍ لم يفز بالفضل إلا من غفل
د. الخضيري: وأيضا بيت آخر
د. الشهري: هل هو بيت أبو تمام؟
ليس الغبي بسيّدٍ في قومه
د. الخضيري:
لكن سيد قومه المتغابي
يعني الذي يرى كثير من
د. الشهري: يسوّي نفسه يعني كأنه ما رأى
د. الخضيري: لكنه لا ؟؟؟؟؟ في الجملة قوامة هذا البيت وإدارته وإتاحة الفرصة للناس في أن تُخطئ في ظل هذه الحدود والضوابط
د. الشهري: في حدود الصلاحيات والأنظمة
د. الخضيري: نعم جميل جدا
د. الشهري: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ) دكتور مساعد الآن ذكر الله جانبين لمنح الرجل هذه المنزلة وهي منزلة القوامة فقال: (بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) يعني بما فضل الله جنس الرجال على جنس النساء (وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ)
د. الطيار: جميل, لاحظ الآن نعود إلى المسألة المهمة التي تكلمنا عنها وهي قوله: (بما فضل) من؟! الله, مره ثانية!, ولهذا نقول: (ولا تتمنوا مافضل الله) هنا قال: (بما فضل الله) فإذن الاعتراض على أصل القوامة إن اعترض أحد على أصل القوامة هو اعترض على شرع الله سبحانه وتعالى! نقول هذا مرتبط بتفضيل الله سبحانه وتعالى لجنس الرجال على جنس النساء. يعني جنس الرجال أعطاه الله سبحانه وتعالى قدرة على القيادة وقدرة على التحمل المشاق وقدرة على الصبر على مشاق الحياة ولم يعطها للمرأة, فهذا نوع من التفضيل لجانب الرجال بما فضل الله بعضهم على بعض. وهناك نوع من التفضيل أيضًا في جانب النساء لو كل رجل يقوم به, فعلًا تصور دكتور عبد الرحمن لو قيل لك مثلًا سنختبرك أسبوعًا نأخذ أم عبد الله ونذهب بها إلى أهلها, وتجلس أنت مع الأولاد, أعمار أولادك صغار هل تستطيع أن تتحمل في أسبوع؟!
د. الشهري: والله أسبوع أحاول!
د. الخضيري: والله ولا يوم, نسأل الله أن لا يخلينا جزاهنّ الله خيرًا
د. الطيار: لاحظ إذن إنّ المرأة في هذا الجانب أفضل من الرجل, والرجل في ذلك الجانب أفضل من المرأة, لكن جنس الرجل لا شك أنه أفضل من جنس المرأة. طبعًا من الأسباب الشرعية والعقلية والواقعية معها أيضًا أن المرأة جزء من الرجل ولا يمكن أن يكون الجزء أفضل من الكل أو الفرع أفضل من الأصل. لأنه فيما سبق لما أخذنا في الآية الأولى قلنا (خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) فإذن هذا جانب يجب أن يراعى. وأنا أقول حقيقة أنّ من يتشدق أحيانًا ببعض الكلام من بعض الصحفيين المساكين الذين يريدون أن يكتبوا أحيانًا ما يحسّون أنهم ينتجون به شيئًا يرفع قدرهم فيما يدّعُون طبعًا عند الناس, أو يجعلهم دائمًا في الواجهة حتى ولو كان بأمرٍ سوء والعياذ بالله, هؤلاء مساكين هم يُخالفون الفطرة والعقل, واذهب إلى جميع أقطار العالم حتى العالم المتحرر لا يمكن أبدًا أن تجد في أغلبهم وأعمّهم أنّ المرأة هي الأصل والرجل الفرع أبدًا. نتكلم نحن الآن أمام واقع اذهب وابحث أنت إذا كنت ترضى بالبحث الميداني والبحث الإحصائي فدونك الآن هذه المجتمعات الكافرة أعطنا أنّ النساء أو الرجال خالفوا معنى هذه الآية الذي هو مرتبط أصلًا بخلقته
د. الخضيري: إذ ا أردت أن تكتشف الفطرة, انظر للأطفال وهم يلعبون, قد تجد طفلا ذكرًا ومعه مثلا بنت أو بنتان أو ثلاث يلعبون بفطرتهم وسجيتهم تجد أن البنت تبعٌ للولد، نادرًا ما يختلف الوضع علماً بأن ما أحد أملى عليهم أن ينظموا أنفسهم بهذه الطريقة لأن الله جبل المرأة على أن تكون تابعة لهذا الرجل وتركن إليه وتستند عليه. إسمع شهادات كبار السن من النساء ماذا يقولون لك؟ يعني من هي المرأة ؟! المرأة ضعيفة، المرأة تحتاج إلى رجل يكون سنداً لها, وتستظل بظله وتركن إليه وتأوي إليه, يحميها يدافع عنها يقوم بها ينصرها وهذا شيء نحن نشاهده ونراه. أُنظر إلى القوة البدنية وهذا من التفضيل ما أظن إن أحد يريد أن يماري أن قوة الأبدان عند الرجال دون النساء, قوة القلب أيضًا, في الحروب من الذي يصبر؟ من الذي يدافع عن البلاد؟ ما أظن في دولة من الدول من أول العالم إلى اليوم جعلت جيشها من النساء وتركت الرجال في المزارع وفي البيوت للطبخ والكنس وغيرها
د. الشهري: مع أنهم أدخلوها الآن، أدخلوا المرأة في الجيش
د. الخضيري: أدخلوها لماذا؟! لأغراض أخرى الخدمات المساندة وهذا هو الواقع, وليس هذا تقليل من قدر المرأة بالمناسبة, هي خلقت في مهمة إذا وضعت في غيرها
د. الشهري: كما قال عمر بن أبي ربيعة:
كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جرُّ الذيول
لكن أنا صرت
د. الطيار: لكن هناك أيضًا فائدة وهي أنّ بروز بعض النساء وهذا يعتبر شاذًا ما نقول قليل بل هو شاذ نتكلم عن ملايين مملينة وليس عن يعني بروز بعض النساء في مناصب قيادية مثلًا أحدهم يقول شجرة الدر وآخر يقول بلقيس يتكلم والثاني يقول تاتشر وثالث يقول يعني نقول هذه التي تتغنّى بها وتذكرها مثالاً كم هي بالنسبة لما نحن فيه اليوم وللقرون التي مضت شيء لا يذكر, لماذا تجعل هذا أصل؟
د. الخضيري: تخرب القاعدة
د. الطيار : وتجعل هذا هو الأصل ويتكلم على هذا الأمر كان هؤلاء النسوة هنّ الأصل
د. الخضيري: أيضًا عند نزول المصائب, انظر كيف صبر النساء؟ّ! بل عند حلول بعض الإشكالات الآن, الآن عندما يصير بس في التماس كهربائي في بعض المدارس النسائية تسمع الصراخ والصياح وتصعق بعض النساء ويطأ بعض النساء بعضهن, وحصل هذا مره في حيّنا والله, حصل التماس كهربائي بسبب المطر انقلبت المدرسة, ووطئ بعض النساء بعضهن من كثرة العجلة, ومنهن كانت امرأة حامل ودُعيَ الإسعاف وإلى آخره في النهاية كان هناك شوشرة خفيفة. بل هناك أمر غريب جدًا حدثني أحد الأزواج زوجته طبيبة نساء وولادة, يقول لي زوجتي تقول بالخبرة تبين لنا أنّه في الشدائد ما يصلح لها إلا الرجال, أحيانًا عندما تُجري المرأة عملية شقّ البطن عند الولادة للمرأة "العملية القيصرية" يقول أحيانًا المرأة ما تستطيع سحب الولد من بطن المرأة, يحتاج إلى قوة, أحيانًا هذه القوة ليست مفقودة عند المرأة بقدر ما هي قوة العزيمة، تخاف، خصوصًا عندما تنبعث الدماء أو يكون هناك نزف تقول لا بد ونضطر اضطرارًا إلى دخول الرجال مع أننا قد نكون نُجري عمليات أكثر ونُزاول هذه المهنة بشكل أكبر ولكن مع ذلك لا غنى لنا عن الرجال لأنهم أقدر وأقوى وأثبت قلوبًا وخصوصًا عندما تكون مسألة فيها نزف. عندما يأتي النزف المرأة تخرج, طبيبة على قدرتها وإمكاناتها وخبرتها الواسعة تخور! بينما الرجل يجري هذه الأمور وهو ثابت أو رابط الجأش ثابت القلب, أنا لا أقصد بهذا التهوين يا جماعة ولكن
د. الشهري: فطرة الله التي فطر الناس عليها
د. الخضيري: هذي طبيعة وهذي طبيعة, مثل ما قال عمر بن الربيعة: كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جرُّ الذيول
د. الشهري: جميل, هذا مما فضّل الله به الرجال أولا: بالتكوين والتركيب والخِلْقة والفطرة فطرة الرجل والعقل كمال العقل ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم جعل شهادة المرأة أو المرأتين تعادل شهادة الرجل هذا أيضًا من كمال عقله
د. الطيار: (فرجل وامرأتان). إن تكرمتم أبو عبد الله المعني الثاني: (وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ) نقف عندها مثل ما ذكر الدكتور محمد سابقًا بإشارة مهمة جدًا أنّ من مشكلاتنا ونحن نعالج بعض القضايا الشرعية, أنا نتصور واقعنا الذي نعتبره استثناء, مثال ذلك الآن الأصل الآن في النفقة هل المرأة هي التي تنفق على الرجل؟ أو الرجل الذي ينفق على المرأة؟!
د. الخضيري: طبعًا في شرع الله الرجل هو الذي ينفق
د. الطيار: الرجل هو الذي ينفق, ويدل عليه أو يشير إليه قول الله بحانه وتعالى في سورة طه: (فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى) ولم يقل تشقيان, والعلماء يقفون عند هذه وينبّهون إلى أنّه قال (فتشقى) قال لأنّ على الرجل الحرث والزرع والبحث عن المال والطعام وجلبه للمرأة يعني المرأة ماذا؟! مخدومة
د. الخضيري: وأيضا لأنّ شقاؤه شقاء لها، إذا شقيَ هو شقيت هي أيضًا
د. الطيار: فلو جئنا الآن لهذا الوقت, العصر الذي نعيشه الآن, الحمد لله الكثير من النساء حتى في جميع العالم كثير من النساء بدأنَ يتوظفن ويستلمن رواتب. نقول للمرأة أنتِ إذا أخذتِ الراتب لستِ ملزمة بدفع قرش واحد لزوجك ولا أن تدفعي في هذا البيت أي شيء لو اكتنزتيه وقلتِ لن أدفع شيئًا سأجعل مالي هذا لي أتصرف به ما أشاء وأنت يلزمك عليّ النفقة, يقول لها على العين والرأس كلامك هو لك, وهذا هو شرع الله بمعنى
د. الشهري: لكن ينفق وهو مقهور!
د.الطيار: هذه قضية ترجع إليه! لكن المقصود أنّه مع وجود المال بين يدي المرأة أو قد تكون المرأة ورثت إرثًا, فالرجل هو المطالب بالنفقة, وتدّخل الزوجة إذا كان الله أعطاها مالًا, تدّخلها مع زوجها في النفقة هذا كرم منها لكنه ليس هو الأصل, فعودة لما ذكره د. محمد وهي مهمة جدا أننا أحيانًا نتصور الواقع الذي نعيشه ونحن نفسر الآيات وننسى تاريخ طويل جدًا عاشته المرأة وهي قعيدة في البيت والذين كنّ يشتغلن قليل وإنما كانت المرأة تجلس في بيتها وتُربّي الأطفال
د. الشهري: هذا المعنى يامشايخ ما أذكر أننا توقفنا عنده لمّا مررنا بآيات المواريث عندما قال الله سبحانه وتعالى: (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) والإشارة إلى ما يُتهم به الإسلام أنّه عنصري يفضّل جنس الرجال على جنس النساء فيعطي الذكر مثل حظ الأنثيين ولم نتوقف عند المسؤوليات
د. الطيار: لا أشرنا إليها, أذكر إننا أشرنا قد لا نكون أطلنا
د. الشهري: لأن أيضًا هذه الآية ترتبط بها (وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ) يعني الزوج ينفق والأخ ينفق والوالد ينفق والمهر فيستحق أن يُعطى الضعف
د. الطيار: هذا أشرنا إليه
د. الخضيري: ولذلك قال: (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) مثل حظّ لما قلنا حظ الأنثيين الذي أعطاه للمرأة هو أقرب مايكون إلى أنّه حظّ لأنها لا تُكلّف, يأتيها كل شيء
د. الشهري: سبحان الله العظيم! يعني ما في فعلًا أنت عندما تتأمل المرأة ما هي مطالبة تنفق في الشرع في أي وجه في الأسرة يعني
د. الخضيري: في قضية الأدوات الموجودة في قوله: (بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا) الباء هذه طبعًا سببية أي بسبب و" ما" هنا يمكن أن تكون موصولة ويمكن أن تكون مصدرية أي بتفضيل الله بعضهم على بعض وبإنفاقهم أموالهم
د. الشهري: هذا يدل على أهمية المال في حياة الأسرة المسلمة أليس كذلك؟! في حياة المسلم, تذكرون في أول السورة قال: (وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً) لاحظ فعلًا أنّ المال مهم جدًا لدرجة جعله الله من أسباب تفضيل جنس الرجال على جنس النساء, فهذا فيه إشارة على إن الواحد يحاسب صح أم لا؟
د. الخضيري: صحيح
د. الشهري: وهذا أنا ألاحظ في حياة الأسرة أو في حياة كثير من الأسر المسلمة المرأة مبذِّرة, وغالبًا تكون من أسباب افتقار الأسرة
د. الخضيري: وتبديد لمدخراتها
د. الشهري: وعندها في ذلك وجهة نظر يعني النساء يتواصين بأن يُحرص على تفليس الزوج أولًا بأول يعني حتى لا يجتمع عنده شيء من المال فيفكر في الزواج وتطمح نفسه في أن يتزوج زوجة ثانية وثالثة وكذا
د. الخضيري: ولكن الزوج الحكيم يستطيع أن يُلبّي حاجات المرأة وينفق عليها دون أن يجعل للمرأة سلطاناً على ماله فتبدده, ونحن نقول سبحان الله وأنا أقول هذا من نظرة اجتماعية ظاهرة جدًا مع كثرة من توظفن في المجتمع من المدرِّسات وغيرهن من الموظفات إلا أنّ مدخراتهن قليلة جدًا ولا يكاد يُعرف فيهنّ ما يسمّى برجال أعمال سيدات أعمال إلا قليل قليل جدًا
د. الطيار: غالب هؤلاء سيدات أعمال ممن
د. الخضيري: لأنهن لا يحسنّ التصرف في المال. تقول لي إحدى الأخوات أنّ كثيرًا من المعلمات معنا لا يأتي نصف الشهر ومعها من مالها شيء, وإني أسألهن أقول ماذا تصنعون بالمال؟ تقول والله لازم أطلع للسوق باستمرار واشتري وهدايا للأصحاب والصاحبات والصديقات والأخوات ومن أنجبت ومن أعرست ومن..
د. الشهري: ومن أوصانا بالدعاء
د. الخضيري: يعني ما تترك وفي النهاية سبحان الله هذا المال يذهب في غير الأشياء التي تقوم الحياة بها. يعني في نوافل الأمور بل في توافه بل في سفاسف الأمور, يعني كونها في كل يوم تبدو, تقول لي إحدى النساء عندنا بعض المدرسات في كل يوم تُرى في لبس لا تُرى عليه سائر العام طبعًا معنى هذا أنه إذا لُبس لا يُلبس مرة أخرى
د. الشهري: أي ميزانية تصمد لمثل هذه المرأة؟!
د. الخضيري: يا أخي يحدثني بعض الباعة يقول إنّ بعض المدرسات تأتي إلينا ومعها الراتب عندما كان الراتب يُصرف نقدًا ربطة وحدة, فعندما تشتري مجموعة من الأشياء, أقول لها الحساب كذا ما تحسن أن تُحاسبني
د. الشهري: تعطيني الراتب كاملًا
د. الخضيري: تقول خذ حقك وردّ لي الباقي. فيقول لولا أن يجعل الله في قلبي خوف وأمانة منه لكنت آخذ شيئًا زائدًا ولا تستطيع أن تحاسبني على ذلك! وهذا يدلك على ما طبعت عليه المرأة لأن هذه ليست شغلتها أصلًا
د. الشهري: (أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ)
د. الخضيري: وهذا يا إخواني ما نقوله ونقسم بالله على ذلك انتقاصًا لقدر المرأة نحن نقول الرجل لا يُحسن أن يرعى طفلاً ,الرجل لا يُحسن أن يسوس البيت من داخله
د. الشهري: والله يوم تقول أنت إنك تقدر ترعى الأطفال والله حتى أنا نفسي أتورط في نفسي إذا غابت زوجتي, لا تُحسن تصنع طعام ولا تصنع
د. الخضيري: تبقى كأنك يتيم
د. الشهري: هذا والله إنه من كمال المرأة. أن تكون بهذه المثابة وترعى للرجل حقه وقوامته ومسؤوليته وتبقى هي في حدود مسؤوليتها والله إنّ هذا من كمالها ومن كمال جمالها ومن كمال مكانتها في حياة الأسرة
د. الخضيري: أنا أقول الأسرة يا أبو عبد الله يمكن ذكرت ذلك قبل, الأسرة يعني النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما النساء شقائق الرجال) والشقيق يعني من يكون في شق وأنت في شق, يعني هو له جوانب يكملها لا تستطيع أنت القيام بها, وأنت كذلك أيضًا لك جوانب تكملها لا يستطيع الآخر أن يقوم بها. كذلك الرجل والمرأة في البيت فالرجل عليه أن يوجد هذا البيت وأن يحفظ هذا البيت وأن يؤمنّ لهذا البيت سبل العيش الكريم, من أراد أو سولّت له نفسه أن يمدّ يد السوء إلى هذا البيت و إلى أحد مما فيه فهذه مهمة من؟! الرجل. أما المرأة فهي التي تصنع من هذا البيت جنّة سكن يأوي جميع أفراد الأسرة بمن فيهم هي إليه فيسكنون ويرتاحون ويستترون ويطمئنون. المرأة إذا فهمت هذا الدور وقامت به, والرجل إذا فهم ذلك الدور وقام به هنا استقامت الأمور وأنّ السعادة لا بدّ وأن ترفرف على هذا البيت. لكن إذا كان الرجل يتدخل في الداخل تدخلاً سافراً بمعنى أنه يتدخل في شئون المرأة كيف رتبت الأواني في المطبخ مثلًا أو كيف تطبخ أو أعطيك مثالًا آخر وهي قصة وقعت في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل كان عسكريًا فتقاعد ولما تقاعد جلس في البيت, طبعًا هو لا ينام بعد الفجر, لمّا جلس المرأة أعدّت قهوة وكذا وأعدّت لأطفالها الطعام والشراب ثم ذهبت لتنام, هو طبعًا ما جاءه النوم لأنه معتاد أن يخرج إلى العمل بعد ما يذهب بالأطفال, فاستغرب أنّ بقايا الإفطار والسفرة بقيت على ما هي عليه والمرأة ذهبت للنوم, يا حرمة كيف تجعلين هذا باقي على ما هو عليه؟! المرأة تذمّرت أنّ الرجل تدخّل في شيء هو من شأنها ومن شغلها, الأمور بدأت تزداد سوءا, الرجل شعر أو اكتشف بعد الخمسين أنّ المرأة تعمل أشياء منكرة في البيت ما كان يراها من قبل! فالمهم بدأت الإشكالات وارتفعت الأصوات وحصلت الخصومات وذهبوا إلى القاضي, القاضي سأل المرأة ما القصة؟ ما جوابك عمّا يقول هذا الرجل؟! قالت يا شيخ أنا كنت أفطّر أولادي ثمّ أروح أرتاح وبعد ما أستيقظ الساعة التاسعة التاسعة والنصف أقوم أضفّ العفش وأزيّن كل حاجة ثمّ أذهب إلى جيراني, قبل ما يأتي زوجي الساعة الثانية أو الثانية والنصف أكون أعددت الغداء وهيّأت البيت وزينّت كل حاجة, فهو عندما ذهب رأى خيرًا وعندما جاء رأى خيرًا, الآن بدأ يدخل هذه ما يدخل فيها وليست من شأنه, فالشيخ أدرك بفطنته أنّ المشكلة في فراغ الزوج وبقاءه في البيت بدأ يتدخل داخل هذه الجنّة يُريد أن يُديرها هي ليست من شأنه, إدارتها من شأن المرأة فحَكَم على الزوج بوجوب الخروج من البيت الساعة السابعة صباحًا قال يا شيخ أين أروح؟! قال له إذهب للحرم هو في المدينة قال إذهب للحرم أقرأ قرآن وانفع نفسك أنت الآن مقبل على الآخرة
د. الشهري: متقاعد؟!
د. الخضيري: نعم متقاعد مقبل على الآخرة انفع نفسك ولا تأتي إلا بعد صلاة الظهر قالت المرأة إذا كان الأمر كذلك فلن يرى مني إلا خيرًا لأن الفترة هذه أنا التي أتصرف
د. الشهري: عنيدة زوجته كانت رتبت السفرة وانتهت المشكلةَ
د. الخضيري: لا في شي آخر هو النوم هو يقولها قومي صلحي الغذاء، وزيني كذا واصنعي كذا بدأ يتدخل طبعًا عسكري حياته كلها قائمة على الأوامر
د. الشهري: جميل جدًا, نحن أطلنا في حقيقة القوامة كثيرا لكنها كانت مهمة الحقيقة لأنها من الأشياء التي تُفهم الآن فهماً خاطئاً والآن بدأت المؤتمرات التي تريد أنها تنتصف للمرأة كما يقولون, بدأت تُثير هذه القضية تقول يجب عليك أن تطالبي بحقك والرجل ينبغي أن يُوقف عند حدّه وفعلًا والله
د. الطيار: هي سمعت للرجل الآن هي في هذا القول سمعت للرجل الآن هو الذي يقول لها طالبي بحقك
د. الشهري: لا، المرأة نفسها النساء مجموعة من النساء يأتمرون
د. الطيار: الذي بدأها هو رجل
د. الشهري: ممكن. نعود إلى قوله: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ) كأنّ هذه الآية تقسم النساء إلى قسمين: قسم من النساء صالحات يتقبلنّ هذه القوامة بصدر رحب ويرضينَ بهذه القوامة التي جعلها الله سبحانه وتعالى فطرة فطر الناس عليها لأنّ الله قال: (بما فضّل الله) فرضيت بهذا التفضيل الإلهي، (قانتات) والقانتات المقصود بها مطيعات هذا النوع الأول وسكت عن النوع الثاني
د. الخضيري: لا، ما سكت، بل جاء به
د. الشهري: في الآية التي بعدها
د. الخضيري: لا، (واللاتي تخافون نشوزهن)
د. الشهري: صح هذا النوع الثاني صحيح!
د. الخضيري: الآن تجد بعض النساء تؤذي زوجها مثلًا بكونها تصوم الاثنين والخميس أو تقوم من الليل ما قامت أو تتصدق أو تذهب للعمرة أو تعتكف أو غير ذلك, وما تدري إن صلاح المرأة في اجتهادها في أن تُطيع زوجها وتتحبّب إليه, كما في حديث أسماء بنت خارجة هي أليس كذلك؟! لمّا جاءت وقالت يا رسول الله فضّل الله الرجال بالجهاد والجمعة والجماعة وذكرت أشياء فما لنا نحن النساء ونحن قاعدات في بيوتكم طابخات طعامكم مغسلات ثيابكم ويعني حاضنات أطفالكم ما لنا نحن يا رسول الله؟! فقام الرسول صلى الله عليه وسلم مُتعجّباً من حسن السؤال, هل سمعتم سؤالاً أحسن من هذا السؤال؟! أو امرأة تفوّهت بمثل هذا؟! قالوا يا رسول الله ما سمعنا!, قال أبلغي مَنْ وراءك من النساء (أنّ حُسن تبعُّل إحداكن لزوجها يعدل ذلك كله) فنقول يا أختي المسلمة الصالحة هي التي ذكرها القرآن بهذا الوصف وذكرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة التي إذا نظر إليها سرّته وإن أمرها أطاعته وان غاب عنها حفظته في نفسها وماله) لاحظ، فحدد النبي صلى الله عليه وسلم من هي المرأة الصالحة. طبعًا نحن نقول أن هذه أسس صلاح في المرأة, ما جاء بعدها من حرص المرأة على التلاوة والتعلم والقيام والدعوة وغير ذلك هذا أمر تشكر عليه المرأة ولن يضيع عند الله لكن بشرط أن لا تُضيّع في الواجبات. وهنا قال (قانتات) دكتور مساعد قال قانتات: مطيعات لأزواجهن نحن نؤكدّ على هذا المعنى لماذا؟! لأنّ السياق يدلّ عليه, ماذا قال الله في أول الآية؟ قال : (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء) لما يكونون قوامّين يحتاجون إلى نساء مطيعات هذا واحد
د. الطيار: لا ناشزات
د. الخضيري: ثم قال بعدها (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ) إذن ضدّ الصالحات من تخافون نشوزهن, إذن القانتة هي التي تطيع, والسنة تؤيد هذا المعنى قال: ((الدنيا متاع وخير متاع المرأة الصالحة التي إذا نظر إليها سرّته وان أمرها أطاعته) هل يمنع هذا أن يكون القنوت بمعناه العام؟! لا يمنع، وهو أن القانتة هي المطيعة لله والمطيعة لزوجها لا يمنع ذلك لكن هذا هو الأخصّ
د. الشهري: طبعا إنتهى الوقت, لكن قبل أن أختم اللقاء أشير إلى مفهوم خاطئ يتداوله الكثير من النساء يظنّون أنّ المرأة إذا كانت مطيعة لزوجها أنّها إنسانة ضعيفة الشخصية
د. الخضيري: وهذا غاية الخطأ
د. الشهري: مع أنّ الله سبحانه وتعالى أكدّ على هذا الوصف وجعل من صفات المرأة الصالحة أنّها قانتة مطيعة لزوجها وأنّ ليس ذلك لا من ضعف شخصيتها ولا من جهلها ولا من قلة حيلتها, ولعلّنا نفيض في هذا المعنى إن شاء الله ونُكمل الحديث حول هذه الآية في المجلس القادم بإذن الله تعالى. حتى نلقاكم أيّها الإخوة المشاهدون في اللقاء القادم من "بينات" نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بُثّت الحلقة بتاريخ 17 رمضان 1431 هـ[FONT=&quot][/FONT]
 
الحلقة 18 هي نفس الحلقة 17 وهذا تفريغ الحلقة التاسعة عشر:
[FONT=&quot]الحلقة 19[/FONT]
[FONT=&quot]تأملات في سورة النساء ( الآيات 34 [/FONT][FONT=&quot] 35)[/FONT]
[FONT=&quot]د: عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الإخوة المشاهدون الكرام في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وأهلًا وسهلًا بكم في هذه المجالس القرآنية التي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلها في موازين حسناتنا وحسناتكم أجمعين يوم نلقى الله سبحانه وتعالى[/FONT].[FONT=&quot] كنا قد وقفنا في اللقاء الماضي عند آية القوامة في سورة النساء وهي قول الله تعالى (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ (34)), وتحدثت مع الشيخ الدكتور محمد والشيخ الدكتور مساعد عن بعض المعاني واللفتات في هذه الآية الكريمة. وقد توسع بنا الحديث عن بعض الوقفات في هذه الآية, ولعلنا نكمل بإذن الله في هذا اللقاء الحديث حول هذه الآية وقبل أن نبدأ نستمع إلى هذه التلاوة: [/FONT]
[FONT=&quot](الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35))[/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] وبعد أن استمعنا إلى هذه الآيات العظيمة التي تتحدث عن جانب الحياة الزوجية, وجانب إدارة وقوامة الرجل في حياته اليومية, وموقف الإسلام من هذا الموضوع في هذه الآية وفي الآية التي تليها, ولعلنا إن شاء الله في هذه الحلقة نختم الحديث يا إخوان حول هذه الآية لأننا ربما أطلنا في اللقاء الماضي في الحديث حولها وهي جديرة في الحقيقة بأن نفيض ونطيل الحديث حولها لأنه كثر في الآونة الأخيرة الطعن في مبدأ قوامة الرجل على المرأة, وكأنه أمر ابتدعه الرجل, أو أخذه عنوة من المرأة, في حين هو تفضيل من الله سبحانه وتعالى بنص الآية (بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ), وكما ذكرتم في الحلقات الماضية أن مبدأ التفضيل هذا تفضيل الرجل أو جنس الرجال على جنس النساء، تفضيل الأنبياء بعضهم على بعض، تفضيل بعض الأماكن على بعض هو أمر اختص الله سبحانه وتعالى به (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ (253) البقرة)[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]وقفنا في اللقاء الماضي عند قوله سبحانه وتعالى (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ) وقلنا هذا هو النوع الأول من أنواع النساء حيال هذه القوامة, النساء حيال قوامة الرجل وهذا الحق الذي أعطاه الله إياه نوعان, فالنوع الأول: مستجيبات مذعنات لأمر الله سبحانه وتعالى, والنوع الآخر انحرف عن هذه الاستجابة وعن هذه الطاعة, ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية كيف يتعامل الرجل مع هذا النوع من النساء, نبدأ معك دكتور مساعد حول هذه النقطة: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ)[/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد:[/FONT][FONT=&quot] طرحت سؤالًا دكتور عبد الرحمن قبل نهاية الحلقة الماضية ونريد الإجابة عليه, قلت أن المرأة التي تطيع زوجها تتهم بأنها لا شخصية لها, فأود الإجابة[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] أعطنا الجواب, بعد إذنك دكتور مساعد[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد:[/FONT][FONT=&quot] لا بأس، لا بأس.[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد:[/FONT][FONT=&quot] أقول المرأة العاقلة هي التي تستطيع الوصول إلى ما تشتهيه وتطلبه وترغب فيه من زوجها من بوابته, تأتي البيت من بابه, وإتيانها لتحقيق مطالبها من بابه هو أن تلين وتخضع وتذل لزوجها وتطيعه فيكون زوجها أطوع ما يكون وأسرع ما يكون في تحقيق مرادها, وهذا يكاد يكون مضطردًا في الأزواج الذين يجدون من زوجاتهم مسارعة في تحقيق طلباتهم, وإسعادهم في بيوتهم, وتلمّس حاجاتهم, والتحببّ إليهم, كما تسمى المرأة عروبًا، [/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] العروب هي المتحببة إلى زوجها [/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد: [/FONT][FONT=&quot]تلك المرأة هي التي تستطيع أن تحصّل ما تشاء من زوجها بحسن تبعُّلها وطيب كلامها ووصولها إلى ما يرغبه زوجها, ولذلك لا يعتبر هذا ضعف شخصية بل يعتبر حُسن سياسة وذكاء في الوصول إلى المراد بالأسلوب المناسب. يمكن للمرأة أن تصل إلى مرادها بطريقين: طريق القوة والعناد, مثلًا: المرأة تقول لزوجها: أريد الذهاب إلى أهلي, الزوج: لا، أنا مشغول وتعبان, الزوجة: أنت ظالمني, فتزنّ عليه وتتكلم وفي النهاية الزوج يضجر ويوصلها إلى بيت أهلها وعندما تصل تخرج من السيارة ونزلت بدون سلام ولا كلام وتزاعلوا وفي الليل تريد المرأة العودة إلى بيتها فيقول الرجل أنا مشغول ويتركها عدة أيام فتتعبه ويتعب معها والسبب هو طريقة الطلب لكن لو أنها قدّمت له وجبة جميلة وتجمّلت له وقالت له إذا لم يكن عندك شغل ولا عندك ارتباط ولا يؤذيك أريد أن أزور أهلي، ماذا تتوقع أن يقول لها؟! يقول لها من عيوني، واحدة غطاء وواحدة فراش. ولذلك نحن نقول بالعكس كون المرأة تتحبب لزوجها, وتلين له وتسمع كلامه وتعاشره المعاشرة الحسنة هذا أقرب الطرق لكونها تسعد في حياتها وتصل إلى مطالبها[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد: [/FONT][FONT=&quot]هذا صحيح[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] جميل جدًا. إذاً هذا جواب على قولنا أن من يتهم المرأة المطيعة لزوجها أنها ضعيفة الشخصية هذا غير صحيح بل إنها الإنسانة القوية الشخصية فعلًا. [/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد:[/FONT][FONT=&quot] حديث أم زرع في هذا المقام أيضًا يُنصح النساء بمراجعة هذا الحديث وشروحه, [/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] الذي روته عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم [/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد:[/FONT][FONT=&quot] الذي روته عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم : " فتذاكرن أزواجهن.....فقال لها كنت لك كأبي زرع لأم زرع غير أني لا أطلقك", حديث رائع, وفيه معاني كثيرة جدًا.(1)[/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] هذا الباب الأول. والباب الثاني: (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ). النشوز في اللغة هو الارتفاع, ومنه قوله تعالى (وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا (259) البقرة)[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد:[/FONT][FONT=&quot] (وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا (11) المجادلة), إي غرتفعوا عن المكان[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا علا نشز أي مكان مرتفع, وهنا معنى جميل فالمرأة لا يكفي أنها تعصي زوجها, وإنما تترفع عليه, وتتعالى عليه وهذا من أشد ما يكون إيلامًا للزوج احتقارًا له, أو تمردًا عليه. قال (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ) والسؤال هنا هل مجرد أنك تخاف النشوز أو أنها تنشز فعلًا فتبدأ في اتباع هذه التوجيهات؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد:[/FONT][FONT=&quot] كما سبق في أننا ذكرنا أن الخوف يأتي بمعنى العلم وسبق في هذه السورة, (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ) أي تعلمون نشوزهن بمعنى أن النشوز قد وقع فهذا احتمال, والاحتمال الثاني بوادر النشوز, لكن التيقن منه أو وقوعه هو الذي يأتي عليه هذا الترتيب (فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ), فهذا الأقرب أن يكون النشوز قد حدث ووقع. قال: "فعظوهن" أي واللاتي تخافون نشوزهن, أي علوهن وارتفاعهن عليكم, وعدم استجابتهن لكم فعظوهن، فهذا هو الأمر الأول. ولاحظ أن التربية كيف تبدأ بالأقل فالأغلظ, والوعظ كما هو معلوم أن يذكّرها بالله سبحانه وتعالى, ويذكّرها بمنزلة الزوج, وأن طاعة الزوجة عبادة, ويذكّرها بأن المرأة التي تعصي زوجها وتبات وزوجها غضبان عليها تلعنها الملائكة حتى تصبح, يذكرها بهذه الأمور الشرعية فإذا هي رجعت فلا يتعدى إلى ما بعد ذلك, ولذا قال (فعظوهن) فهذه هي المرحلة الأولى[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد:[/FONT][FONT=&quot] في قوله "فعظوهن" كما أسلف الدكتور مساعد يعني يأتي بالكلام الذي يرقق قلبها ويعيدها إلى جادة الصواب, مثال ذلك التذكير بالجنة بالنار بالأحاديث الدالّة على وجوب طاعتها لزوجها وإذعانها وقبولها لأمر الله عز وجل, ويذكّرها بنعمة الله عليها, أُنظري إلى فلانة وفلانة وفلانة قاعدات في بيوتهن بلا أزواج يتمنين أن يكنّ ذوات أسر وعندهن بيوت وأولاد فاحمدي الله على ما أنت فيه من نعمة وإياك أن تكوني مثل فلانة التي كانت في بيت وزوج فعصت وتمردت على زوجها فآل أمرها إلى ما آلت إليه. فالمقصود أن وسائل الوعظ كثيرة جدًا ولذلك أنا أقول قد يكون الزوج لا يحسن هذا فلا يلزمه أن يقوم بهذا الأمر بنفسه لأنه لا يحسنه, بل يأتي بكتب أو أشرطة والحمد لله كثرت هذه الأشرطة أو يسمعها برنامجًا معيناً أو يرسل لها رسالة نصية بالجوال, يطلب من إمام المسجد مثلًا أن يكتب له خمسة أو ستة أسطر يعظ به زوجته أو يكِل هذا الأمر إلى رجل من أهل العلم يكلمها عبر العاتف أو يأتي لزيارتهم, ولو كان الوعظ بشكل غير مباشر لكان أجدى, لأن الوعظ المباشر قد يحمل الإنسان أحيانًا على العناد خصوصًا إذا خفّت التقوى. يقول لي أحدهم أنه إذا أراد أن يعظ امرأته جعل أحد أصدقائه يتصل عليه بالجوال وهو في السيارة مع امرأته, فكأنه يحكي له ما فعلت به زوجته, وهذا يرشده إلى الحل فيقول له المفروض أن تفعل كذا واتق الله في هذا الأمر فيتحدث مع صاحبه على أنهم يحلون مشكلة ذلك الرجل, ويقول: إياك أعني واسمعي يا جارة!. فيقول: جربت هذا في عدد من المواطن مع امرأتي فوجدته ناجحًا, وبعد الانتهاء من المكالمة أجد أن امرأتي قد سمعت الكلام بتفاضيله من دون أن أجرحها بكلمة أو أن أتجشم عناء فتح الموضوع معها[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد:[/FONT][FONT=&quot] كشفتم الأسرار للنساء, فالنساء سيعلمن أنهن المقصودات في أي نصيحة[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد:[/FONT][FONT=&quot] أبدًا، لا يضر ذلك[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] بالعكس، هذا من استخدام الحيلة في موضعها, أولًا هو فيه مراعاة لمشاعر الزوجة, لأن الحقيقة الوعظ المباشر أحيانًا يكون قاسي, وبعض الأزواج لا يوفق في نصح زوجته, ولا في نصح غيرها, فمن المفترض أن يستخدم مثل هذه الأساليب غير المباشرة, ويستفيد من خبرات الآخرين, ويستعين بالأشرطة, والاستعانة بالأصدقاء, هذه الحقيقة طريقة مفيدة في الوعظ, لأن البعض يفهم من الوعظ هنا (فعظوهن) أي الوعظ المباشر, فيقول لها الحديث في صحيح البخاري: " إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح", ويجلس يهددها بهذا الحديث، هذا أسلوب غير مقبول![/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد:[/FONT][FONT=&quot] أو إذا أراد أن يذكرها بالنعمة يقول لها: لو كنت في بيت أهلك لكنت في فقر شديد وانظري إلى أختك وأنا الذي رفعت من شأنكم، ولولا الله ثم أنا لما كان شأنك وأهلك هكذا, يهيّج المرأة ويمنّ عليها بما أعطاها وبما حصل لها منه, فهذا لا يليق[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] هذا ليس وعظًا إنما هي شتيمة وتعيير![/FONT].[FONT=&quot] [/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد:[/FONT][FONT=&quot] ولذلك نقول لئلا يعود الوعظ بنقيض قصده ينبغي أن يكون الإنسان ذا حكمة في استخدام هذا الأسلوب الرباني, فإن كنت تعرف فالحمد لله, وإن كنت لا تعرف ولا تُحسِن فأعط الأمر لمن يحسنه[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] قبل أن ننتقل عن الموعظة في نفس السورة، الله سبحانه وتعالى ذكر فوائد الاستجابة للموعظة, حتى تعرف الزوجة فائدة الاستجابة لأمر الله سبحانه وتعالى, لأنك أحيانًا عندما ينصحك شخص ثم تستجيب لنصيحته يُفسر ذلك بشكل أو بآخر على أنه ضعف في شخصيتك, واستجابة لإملاءات الآخرين وهذا غير صحيح, الله سبحانه وتعالى يقول: "فعظوهن", استجابة المرأة للموعظة التي أمر الله سبحانه وتعالى بها فيها خمس فوائد ذكرها الله سبحانه وتعالى في السورة نفسها (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (68)), فماذا تريد أكثر من ذلك؟[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد:[/FONT][FONT=&quot] (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا (69))[/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] فهذه فائدة الاستجابة للموعظة, نحن نأمر الزوج ونشير عليه بأن يحسن عرض الموعظة, لكن لنفرض أن الزوج كان أحمقًا غير بصير بعرض الموعظة فنحن نخاطب الزوجة أن تكون أعقل منه, وأن تتقبل النصيحة على مرارتها, لكي تظفر بهذه النتائج التي ذكرها الله للموعظة[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد:[/FONT][FONT=&quot] لكن هناك أسلوب يحسنه كل أحد في الموعظة وهو أسلوب القصة, لما يجلس الزوج مع زوجته وهو يعلم أن عندها مشكلة في هذا الجاني نشوز أو ترفع فيستفيد من قصة حصلت مع أحد من جماعته فيقص هذه القصة، فلان كنا جالسن البارحة وقال حصل كذا وكذا, فالقصة بذاتها تؤثر بدون أن تضيف لها أي إضافة, خصوصًا إذا كان عند المرأة شيء من التعقل ستعرف أنها قد يؤول أمرها [/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] هذا بما يتعلق بالمرتبة الأولى من مراتب إصلاح الزوجة الناشز, أولًا تلاحظون أنه بدأ بإصلاح الموضوع من الداخل. في الخلافات الزوجية إذا وقع الخلاف بين الزوج وزوجته فالأوْلى أن لا يخرج الموضوع عنهما, فلا يتدخل فيه لا والد الزوجة, ولا أم الزوجة ولا والدة الزوج ولا أخت الزوج, بينك وبين الزوجة وهي "فعظوهنّ" هذه المرحلة الأولى مما يدلك على أن الحياة الزوجية لها كما ذكرنا في الحلقة الماضية حصن يجمعك أنت وهذه الزوجة, المفترض أن تحافظ عليه, وعلى سريته وعلى صيانته, لأنه غالبًا عندما تستعين بشخص ليصلح بينك وبين زوجتك فأنت تضعف وتنزل مرتبة في عين هذا المصلح, لأنه سيعرف أنك وزوجتك لستم بأكفاء وعندكم مشاكل [/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد:[/FONT][FONT=&quot] وسينظر إلى المشكلة من زاوية ما أُملي عليه، مثلًا يقول طلبت منها كذا ولم تفعله والقصة ليست هنا وإنما طويلة جداً ولها ذيول ولم يُحكى لك كل شيء وإنما حكي لك حدث معين مجرد يراد منك أن تصلح بناء على هذا الفهم وهذا لا يمكن أن يُصلح. هناك قصة تتعلق بموضوع سرّية الحياة الزوجية رجل حصل بينه وبين زوجته خلاف, غضبت الزوجة وهربت إلى بيت أهلها فسأل الأب وكان حكيمًا هل جاءت زائرة؟ قالوا لا، بينها وبين زوجها خلاف, فاستدعى الأب الزوج فجاء، فلما جاء وكان الإخوة قد علموا بالموضوع لأن الزوجة ما صبرت فحكت لهم ما حصل من زوجها, وكان هذا هو نقطة الإشكال في الموضوع كيف تتحدث الزوجة عما يحدث بينها وبين زوجها أمام هؤلاء الذين لا يدرون ما هي ملابسات هذا الحدث ولا مقدماته ولا مسبباته؟! فلما اجتمعوا قال الأب في اختبار صعب جدًا لم يتوقعه أحد من الجالسين قال للبنت وكان زوجها موجودًا وإخوتها فكانوا منتفخين غضبًا يريدون أن ينتصروا لأختهم, المهم قال الأب لابنته الشاكية يا فلانة إخلعي عباءتك هذه, فخلعت عباءتها التي كانت عليها فقال لها الأب: إخلعي ثوبك الذي عليك الجميع استنكر، كيف تخلع ثوبها؟! فلما رآها مترددة صرخ في وجهها قال لها أقول لك إخلعي ثوبك! الناس بين مصدِّق ومكذِّب، وطبعًا من العادة خصوصًا في النساء تلبس ثوبًا فوق ثوب, ومن خوفها من أبيها وهيبة الموقف خلعت ثوبها, وهنا حصل أن بدى منها مما لا تحب أن يراه أحد إلا الزوج مثل الذراعين وغير ذلك من الأمور التي تحب أن تسترها عن أعينهم، فلما فعلت ذلك لاذت بالفرار خلف زوجها ليسترها, فقال الأب لأولاده: أرأيتم أختكم أين ذهبت؟ ذهبت خلف زوجها, حلّ الموضوع عند زوجها، ثم أمر الحميع بالانصراف, ثم قال للزوج: هذه ابنتنا وهي ضعيفة وقد وكلنا أمرها إليك, فلا يليق بك أن تفعل معها إلا الجميل, احتملها واستر عليها, ولا تخرج مشاكلكم من بيتكما, فأخذ الرجل بيد زوجته وعادا إلى بيتهما راشدين, ولم يعودوا بمشكلة بعد ذلك اليوم![/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] جميل جدًا! وكثير من الزوجات أنبه إلى هذا تخطئ خطأ فاحشاً عندما تنقل كل المشاكل الخاصة لأنها مباشرة، فبعض الزوجات بينها وبين أمها خط ساخن مباشر أربع وعشرون ساعة, تخبرها بكل ما يحدث مما هو خاص بينها وبين زوجها, قال لي، لم يقل، فعل، ما فعل، والأم من منطلق حرصها على ابنتها تؤجج النار وهي لا تدري, فتفسد حياة ابنتها, فكم من حياة زوجية ليس فيها مشاكل تدخلت أم الزوجة, أو أخت الزوجة, فتفسد حياة زوجية من أهنأ ما يكون بسبب خروج المشاكل عن الزوجين[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد:[/FONT][FONT=&quot] أنا بفضل الله عز وجل إستنصحني عدد كبير من الشباب قبل زواجهم يقولون انصحنا بما ترى أنه يصلحنا في زواجنا، فنصحتهم بأمور كثيرة تقوى الله وغير ذلك, ثم نصحتهم بأن يعاهد زوجته من أول زواجكما بأن تكون مشاكلهما بينهما, فإن تدخّل أي أطراف أخرى في المشاكل المعهودة المعروفة التي لا يخلو منها بيت, حتى بيت النبوة ما خلا منها, ينبغي أن تحلوها أنتم بأنفسكم، يا زوجتي خلافاتنا ما تصل إلى أمك ولا إلى أبيك ولا إخوتك ولا أخواتك ولك عليّ أن لا أوصل شيئًا مما أراه منك أو مما يقع بيننا لا لأمي ولا لأبي ولا لأخواني ولا إخواتي وبهذا تنسجم الحياة, وكثير منهم قالوا أن هذه النصيحة عادت عليهم بالخير الكثير[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] طبعًا أنت قضيت بذلك على 60% من الإشكالات, وهذا كله يدخل تحت قوله تعالى "فعظوهن", نريد أن نفصّل في معنى الوعظ, لأنها ليست مجرد كلمة تقول أنا وعظتها, بعضهم يلقي كلمة الوعظ والعصا في يده من أجل مراعاة الترتيب![/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد:[/FONT][FONT=&quot] كأنه يستحلّ بالموعظة الضرب, [/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] بالمناسبة الموعظة تحتاج إلى وقت[/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد:[/FONT][FONT=&quot] فالموعظة ليست تعليمًا فهي ليست معلومات, المعلومات تكون للجاهل, أما الموعظة فهي التذكير, [/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد:[/FONT][FONT=&quot] لأن أصل العلم موجود [/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد:[/FONT][FONT=&quot] العلم موجود، المرأة تعرف هذه الأمور كلها والرجل أيضًا يعرفها, فالمقصود إعادة الذكرى للإنسان, لأن الإنسان من طبعه أن ينسى ويغفل فالزوج يقوم بهذه الذكرى (فعظوهنّ)[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ) ما المقصود بالهجر يا شيخ مساعد؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد:[/FONT][FONT=&quot] لاحظ أنه خصص الهجر بالمضاجع, أي قيّده به[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] يعني ليس المقصود واهجروهن مطلقًا[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.مساعد:[/FONT][FONT=&quot] معم وإنما الهجر في المضاجع، لذا قال ابن عباس رضي الله عنه: أي يجامعها ولا يكلمها فذلك أقسى ما يكون على المرأة, وهذا أحد أنواع الهجر[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] أو أن يستدبرها بظهره في فراشه, [/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] أي يبيت معها في فراش واحد ولكن لا يكلمها[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد:[/FONT][FONT=&quot] وقد يضطر إلى أن لا يبيت معها في فراشها ولا في حجرتها, ففمنهم من يرى أن هذا مما يحق للرجل, على أن لا يتجاوز بذلك ثلاثة أيام[/FONT].[FONT=&quot] ويقولون هذا من أشد ما يكون على المرأة وأقساه[/FONT]
[FONT=&quot]د.عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] والسبب؟[/FONT]
[FONT=&quot]د.محمد:[/FONT][FONT=&quot] لأن المرأة ما تتحمل هذا سبحان الله! المرأة ملاذها وحصنها هو الرجل, فإذا رأت أن هذا الحصن صدّ عنها شعرت بالخطر, هذا إذا كان لها عقل, ولم يكن الشيطان قد ركبها ولا صويحبات السوء قد أججن نار الحقد في قلبها[/FONT].[FONT=&quot] فإن هذا يؤذيها ويردها إلى جادة الطاعة ولكن لا ينبغي للإنسان أن يستعمل أسلوب الهجر القاسي بترك البيت أو بترك الحجرة, إلا عندما يضطر لذلك الأصل كما قال الدكتور مساعد[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] جميل جدًا, إذا هذه المرحلة الثانية (واهجروهن في المضاجع), والمقصود بهذه المعاني هو تأديبها في المضجع بهجرانها وإبداء شيء من الصدود عنها, لعلها تلين وتعود[/FONT].[FONT=&quot] ثم ذكر الحل الأخير "آخر الدواء الكيّ" كما يقولون قال (واضربوهنّ)[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد:[/FONT][FONT=&quot] من الذي أمر بالضرب؟![/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] الله سبحانه وتعالى[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد:[/FONT][FONT=&quot] نعم، هذه قضية مهمة جدًا, أنا أذكر أول سنة درّست في كلية المعلمين, كنا ندرّس من معهم بكالوريوس, ففي أحد الدروس درس التلاوة كنا نقرأ هذه الآية, فلما جئنا عند "واضربوهن", قال أحد الطلاب وكان كبيرًا في السن: والله ما أرفع يدي على زوجتي, قلت له: هذا أمر إلهي إذا أنت لم تعمل به هذه قضيتك أنت! قال: لا يمكن, قلت: يا أخي فرّق بين أمرين: أولًا إعرف ما معنى الضرب, ثم كونه أمر إلهي يجب علينا الالتزام به, لا يلزم تنفيذه لكني لست أنا من أمرت بهذا ولا من غيري, إنما هو من أمر الله ، الله سبحانه وتعالى يقول: (فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ), إذا كانت زوجتك يكفيها الوعظ فالحمد لله وإذا ما كفى انتقلت إلى الهجر, فإن لم يكفها انتقلت إلى الضرب وإنما ضرب غير مبرِّح, بل ضرب فيه إشارة إلى عدم رضا الزوج عن زوجته وليس كما يفعل بعض الناس[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد:[/FONT][FONT=&quot] أما بالسياط والكسر وشق الجلد والجرح فلا يجوز![/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد:[/FONT][FONT=&quot] وكأنه محمد علي كلاي! والشيطان سبحان الله في مثل هذا يحضر, تجد المسكينة تبكي وهو يزيد في إيلامها[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد:[/FONT][FONT=&quot] كأنه يفرِّغ شحنات الحقد, والسؤال هنا: هل هذا واجب على الزوج أم أن المقصود به تخييره؟ أنا أظن والله أعلم أن هذا مباح للزوج أن يفعله فإن تركه فالأمر له, بمعنى أنه يقال له عظها, فإن انتفعت وإلا فاهجرها في المضجع, فإن ضربتها فذلك من حقك, وإن لم تضربها وصبرت على نشوزها فهذا من كمال خلقك, ولذلك النبي صلى اله عليه وسلم لما ذكر الذين يضربون أهليهم قال:" ليسوا بخياركم" , والنبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع يده على جارية ولا امرأة من كمال خلقه عليه الصلاة والسلام[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] هناك مسألة دائما نقرأها في هذا الموضوع, بأن الضرب يكون بطرف الرداء أو الثوب, أو تضرب بعود آراك, وأنا في تصوري أنها ما دامت أنها استعصت على الوعظ والهجر فلن ينفعها هذا النوع من الضرب الخفيف![/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد: [/FONT][FONT=&quot]المراد أن فيه نوعًا من الإهانة[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] في نفس الوقت يحرم الضرب العنيف كشق الجلد وكسر العظم, لكن أعتقد أن التوسط في هذا هو المطلوب, بأن تمسّ المرأة بضرب خفيف لكن يكون ضربًا موجعًا حتى يؤدبها وحتى تستقيم[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد:[/FONT][FONT=&quot] لا, ضربًا غير موجع[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد:[/FONT][FONT=&quot] التأديب بالضرب يكاد يطبق التربويون الذين يتسنمون ذروة هذا العلم وتدريسه على أن الضرب أمر لا يليق بالبشر, نقول: هذا مخالف لشرع الله, ولا يجوز أن ننساق وراء مثل هذه الدعوة, لأن الذي خلقنا أعلم بنا [/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد:[/FONT][FONT=&quot] أحسنت[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد:[/FONT][FONT=&quot] وإذا كان هذه الآية فيها إشكال في فهمها فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: "مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر", الضرب بحد ذاته نحن عندنا له صفة شرعية, والعلماء مطبقون على هذه الصفة لا يختلفون فيها, وهو أن يكون ضربًا غير مبرِّح, لا يراد به تفريغ شحنات الحقد, ولا يراد به الإيجاع وإنما يراد به التعبير عن عدم الرضا بما يفعله ذلك الشخص من ترك للصلاة إذا كان طفلاً أو هذا المرأة من نشوزها عن زوجها, وإذا كان الله قد حكم بذلك فلا يجوز أن نتكلم في حكم الله, ولو لم تستسغه عقولنا, ولو لم يرضه غيرهم أو أعداؤنا, ولو خشوا بأن يكون ذلك عيبًا عليهم, نقول اتقوا الله, إن كنتم تستحون من هؤلاء, ألا تستحيون من الله عزّ وجل أن تردوا عليه أمره, ألا تستحيون من النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن تقولوا الضرب لا يليق بالبشر, لا، يليق لكن الضرب المشروع[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] وأيضًا كون أن الله جعله آخر الخيارات فيه دلالات, الدلالة الأولى أن المرأة التي تضطر زوجها للوصول إلى هذه المرحلة لا تنفع فيها الموعظة ولا ينفع فيها الهجر, فالحقيقة أنها تستحق أن ينتقل بها إلى هذه المرحلة, لأن الغالب على المرأة أنها حساسة تؤثر فيها الكلمة والموعظة, والهجر أيضًا يؤثر فيها, فإن كانت المرأة لم تتأثر بالموعظة ولم تتأثر بالهجر فيبدو أنها تستحق المرحلة الثالثة تحتاج إلى التأديب, والهدف في النهاية هو استصلاحها لزوجها[/FONT].[FONT=&quot] ونحن قد قلنا في بداية السورة أن السبب في تسميتها سورة النساء قضية الإنصاف والاستصلاح للمرأة[/FONT].[FONT=&quot] ومن إصلاحها هذا التقويم.[/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد:[/FONT][FONT=&quot] لاحظ أبا عبد الله أن الطبيب عندما يريد العلاج إذا رأى في طرفه إصبع المريض مثلًا سرطان أو نحوه فإنه أو ما يبدأ العلاج بالأدوية, فإن استجاب الجسد وبدأ المرض يذهب وإذا لم يستجب تجده اضطر للقطع, ولا يمكن لأحد أن يقول للطبيب بأنه طبيب قاسي القلب أو إنسان ما عنده قلب! لا، لأن هذا مرض ولابد للطبيب أن يتصرف وهذا التصرف مع شدته كوته صعبا على النفوس, إلا أنه في النهاية لابد منه لقطع دابر الفساد[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] جميل, أيضًا لاحظوا يا إخوان أن المقصود من هذه المراحل كلها إصلاح الزوجة والمحافظة على الأسرة, وإلا فإن أسهل حلّ للزوج إذا لم تعجبه زوجته طلقها, هذا أسهل حل, ولكن هذا أشد ما يكون على الزوجة, والإسلام عندما جعل الزواج حصنًا حصينًا ولتكوين الأسرة لا يريد أن يهدمه لمجرد الاختلاف في وجهات النظر, كما يحصل الآن حيث تنتهي الحياة الزوجية ويختلفون لأسباب تافهة, فلم يبق للحياة الزوجية تلك المكانة وتلك المتانة[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد:[/FONT][FONT=&quot] لكن لاحظ أبا عبد الله أن إصلاح الزوجة الناشزة أربع طرق: الوعظ, الهجر, الضرب, الطلاق, لكن الطلاق لم يذكره الله عز وجل في الآية لأنه بغيض لله, وإلا فالله قال (وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ (130)), فذكر الطلاق[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] في قوله هنا (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا), نريد أن نتحدث عن هذه أن الله سبحانه وتعالى أشار بالفاء " فإن " إلى أن بمجرد عودة المرأة إلى الطريق الصحيح[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د محمد:[/FONT][FONT=&quot] أي لا يحل لكم حينها أن تبغوا عليهن سبيلًا, قف أيها الزوج!. والعجيب أن قوله " سبيلًا " يشمل حتى الكلمة التي فيها تذكير بتلك المشكلة، ليس لك حقّ في أن تؤلمها حتى بتذكيرها بأخطائها, (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) والمعنى: لا طريق لك عليها ولا على ماضيها الذي مرّ بها[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د.عبد الرحمن: [/FONT][FONT=&quot]ولا يلتفت منكم أحد، تطوي هذه الصفحة![/FONT]
[FONT=&quot]د مساعد:[/FONT][FONT=&quot] لاحظ: (فإن أطعنكم) ترجع إلى كل حدث. والمعنى[/FONT]:[FONT=&quot] فعظوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلًا، فعظوهن واهجروهن في المضاجع فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلًا، فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلًا[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] إذاً معناه أن الحد الذي ينبغي أن تتوقف عنده عندما تطيعك وترجع عما كانت عليه, ثم يتوقف الأمر. وفي هذا إشارة إلى أنه ليس المقصود من وراء هذا أن تذلها وأن تعود ذليلة صاغرة وإنما إذا لمست منها أنها ندمت, تخيّل واحد يضرب زوجته حتى تعود راغمة إلى ما كان يأمرها به وتتأبى عليه وفي نفسه الزوج الشعور بالنشوة والانتصار فذكّره الله بقوله (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا), أي إن كنت ترى نفسك وأن أنت متعالي على زوجتك فإن هناك من هو أقوى منك وأقدر عليك من قدرتك على هذه الزوجة المسكينة[/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد: [/FONT][FONT=&quot]هذا من اختيار الأسماء المناسبة للحدث[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد:[/FONT][FONT=&quot] ومناسب أيضًا لقضية " واضربوهن " أي إذا ضربتم فإياكم أن تظلموا, فإن إحساسكم بأنكم أعلى منهن وأقدر لا يعني ذلك أن أبدًا الأمر مفتوح فاعلموا أن الله أعلى وأقدر منكم[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد:[/FONT][FONT=&quot] وسبق أن ذكرنا مرارًا أن على تالي القرآن أن يتأمل مثل هذه الفواصل, فيتأمل (عليا كبيرا) ويتأمل الأخطاء التي يقع فيها بعض الأزواج الذين يبغون, فذكّرهم تعالى بقوله: (فلا تبغوا عليهن سبيلا), وذكرهم بقوله (إن الله كان عليا كبيرا)[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] بقي معنا دقيقتان ونريد نتحدث فيها عن الآية التي بعدها[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد:[/FONT][FONT=&quot] كان عندي ملاحظة, في قوله (سبيلا) في الوقف عليها عندك (قلي) أو (ج)؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] (قلي)[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد:[/FONT][FONT=&quot] وأنا عندي نفسها, ومعنى ذلك أنهم اختاروا الاستئناف, أي: فلا تبغوا عليهن سبيلا لأن الله كان عليًا كبيرًا, هذا موجِب الوصل[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] تلاحظون الآية التي كنا نتحدث عنها هنا كانت المسألة كلها مقتصرة على بيت الزوج يعني الموعظة والهجر والضرب كلها لم تُرفَع إلى الجهات المختصة، أما الآن (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)), لمن الخطاب في الآية؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد:[/FONT][FONT=&quot] الأولياء،[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد:[/FONT][FONT=&quot] المقصود من يلي أمر المسلمين من حاكم أو قاضي ونحوه, يتولى أن يختار رجلًا من أهل الزوج, ورجلًا من أهل الزوجة[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] كأن القضية رفعت للقاضي؟[/FONT]
[FONT=&quot]د محمد:[/FONT][FONT=&quot] نعم, [/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد:[/FONT][FONT=&quot] أولياء الزوجين من آبائهم وإخوانهم ، العقلاء [/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد:[/FONT][FONT=&quot] الغالب طبعًا أن الناس يترافعون للمحاكم في هذه القضايا والقاضي يختار من يبعث من هؤلاء من هؤلاء, ولكن ما سبب كون الأمر يحتاج إلى الوالي أو القاضي ليترتب على ذلك لوازمه من تنفيذ الحكم, سواء حكموا بالطلاق أو الوفاق فقال (فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا) قيل يريد هذان الحكمان, وقيل إن يريد الزوجان, ولا مانع من إرادة الأمرين, يريد الزوجان إصلاحاً ويريد الحكمان إصلاحًا يوفق الله بينهما، بين الزوجين. ولعل المعنى أعم من كونه يُجمع بينهما, وإنما يوفق الله بأن يرشدهما إلى الصواب لحل هذه الإشكالية التي وقعت بين الزوجين إما أن يجمع وإما أن يفرق[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] في أقل من نصف دقيقة لماذا ختمت الآية بقوله (إن الله كان عليمًا خبيرًا)؟[/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد:[/FONT][FONT=&quot] لما ذكر الشقاق وكيفية حلّه بهذا الأسلوب ذكّر بأنه هو العالِم بكل شيء, وأن هذا الأسلوب هو الذي يحل الإشكال بإذن الله عز وجل, فذكّر بعلمه وأنه لا أعلم منه جل وعلا, ثم ذكّر بخبرته, والخبرة هي العلم بدقائق الأمور, لما كان هذا أمرًا دقيقًا يتصل بأمر الزوجين في قضية خاصة قال (خبيرا), والله أعلم[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن:[/FONT][FONT=&quot] نسأل الله أن ينفعنا وإياكم والإخوة المشاهدين بما قلنا وسمعنا في هذا اللقاء[/FONT].[FONT=&quot] أيها الإخوة انتهى وقت هذا اللقاء, لعلنا نلقاكم إن شاء الله وأنتم على خير في اللقاء القادم, نستودعكم الله, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[1][FONT=&quot]الحديث: عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لاَ يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئًا قَالَتِ الأُولَى زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٌّ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ لاَ سَهْلٍ فَيُرْتَقَى ، وَلاَ سَمِينٍ فَيُنْتَقَلُ قَالَتِ الثَّانِيَةُ زَوْجِي لاَ أَبُثُّ خَبَرَهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ لاَ أَذَرَهُ إِنْ أَذْكُرْهُ أَذْكُرْ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ قَالَتِ الثَّالِثَةُ زَوْجِي الْعَشَنَّقُ إِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ وَإِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ قَالَتِ الرَّابِعَةُ زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ لاَ حَرٌّ ، وَلاَ قُرٌّ ، وَلاَ مَخَافَةَ ، وَلاَ سَآمَةَ قَالَتِ الْخَامِسَةُ زَوْجِي إِنْ دَخَلَ فَهِدَ وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ ، وَلاَ يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ قَالَتِ السَّادِسَةُ زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَّ وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ وَإِنْ اضْطَجَعَ الْتَفَّ ، وَلاَ يُولِجُ الْكَفَّ لِيَعْلَمَ الْبَثَّ قَالَتِ السَّابِعَةُ زَوْجِي غَيَايَاءُ ، أَوْ عَيَايَاءُ طَبَاقَاءُ كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَاءٌ شَجَّكِ ، أَوْ فَلَّكِ ، أَوْ جَمَعَ كُلاًّ لَكِ قَالَتِ الثَّامِنَةُ زَوْجِي الْمَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ وَالرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ قَالَتِ التَّاسِعَةُ زَوْجِي رَفِيعُ الْعِمَادِ طَوِيلُ النِّجَادِ عَظِيمُ الرَّمَادِ قَرِيبُ الْبَيْتِ مِنَ النَّادِ قَالَتِ الْعَاشِرَةُ زَوْجِي مَالِكٌ وَمَا مَالِكٌ مَالِكٌ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكِ لَهُ إِبِلٌ كَثِيرَاتُ الْمَبَارِكِ قَلِيلاَتُ الْمَسَارِحِ ، وَإِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ الْمِزْهَرِ أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ قَالَتِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ فَمَا أَبُو زَرْعٍ أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ وَمَلأَ مِنْ شَحْمٍ عَضُدَيَّ وَبَجَّحَنِي فَبَجِحَتْ إِلَيَّ نَفْسِي وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقٍّ فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صَهِيلٍ وَأَطِيطٍ وَدَائِسٍ وَمُنَقٍّ فَعِنْدَهُ أَقُولُ فَلاَ أُقَبَّحُ وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ وَأَشْرَبُ فَأَتَقَنَّحُ أُمُّ أَبِي زَرْعٍ فَمَا أُمُّ أَبِي زَرْعٍ عُكُومُهَا رَدَاحٌ وَبَيْتُهَا فَسَاحٌ ابْنُ أَبِي زَرْعٍ فَمَا ابْنُ أَبِي زَرْعٍ مَضْجِعُهُ كَمَسَلِّ شَطْبَةٍ وَيُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الْجَفْرَةِ بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ فَمَا بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ طَوْعُ أَبِيهَا وَطَوْعُ أُمِّهَا وَمِلْءُ كِسَائِهَا وَغَيْظُ جَارَتِهَا جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ فَمَا جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ لاَ تَبُثُّ حَدِيثَنَا تَبْثِيثًا ، وَلاَ تُنَقِّثُ مِيرَتَنَا تَنْقِيثًا ، وَلاَ تَمْلأُ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا قَالَتْ خَرَجَ أَبُو زَرْعٍ وَالأَوْطَابُ تُمْخَضُ فَلَقِيَ امْرَأَةً مَعَهَا وَلَدَانِ لَهَا كَالْفَهْدَيْنِ يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِهَا بِرُمَّانَتَيْنِ فَطَلَّقَنِي وَنَكَحَهَا فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ رَجُلاً سَرِيًّا رَكِبَ شَرِيٍّا وَأَخَذَ خَطِّيًّا وَأَرَاحَ عَلَيَّ نَعَمًا ثَرِيًّا وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ زَوْجًا وَقَالَ كُلِي أُمَّ زَرْعٍ وَمِيرِي أَهْلَكِ قَالَتْ فَلَوْ جَمَعْتُ كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَانِيهِ مَا بَلَغَ أَصْغَرَ آنِيَةِ أَبِي زَرْعٍ قَالَتْ عَائِشَةُ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لأُمِّ زَرْعٍ[/FONT].[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]أخرجه البخاري في صحيحه, كتاب بدء الوحي, باب حسن المعاشرة مع الأهل, حديث رقم 5189[/FONT]
[FONT=&quot]بُثّت الحلقة بتاريخ 19 رمضان 1431 هـ[/FONT]
 
[FONT=&quot]الحلقة العشرون:[/FONT]
[FONT=&quot]د. محمد الخضيري : [/FONT][FONT=&quot]السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مشاهدي الكرام مازلنا في هذه السورة العظيمة سورة النساء نتفيأ ظلالها وننهل من معينها ونقبس من أنوارها ونسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بها وسائر كتابه العظيم. وصلنا إلى قول الله عز وجل ([/FONT][FONT=&quot]وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا[/FONT][FONT=&quot]). قبل أن نتحدث عن هذه الآية ونقف على معالمها ونفسر معانيها ونقبس من أنوارها نستمع نحن وإياكم إلى تلاوتها فإلى هناك[/FONT]
[FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا[/FONT][FONT=&quot] (36)).[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]بعد أن استمعنا إلى تلاوة هذه الآية الكريمة نريد أن ندير الحديث حولها مع الشيخين الفاضلين د. عبد الرحمن الشهري ود. مساعد الطيار الأستاذين الكريمين بجامعة الملك سعود، د. عبد الرحمن استفتح الحديث حول هذه الآية.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن الشهري : [/FONT][FONT=&quot]بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. تقدم الحديث معنا في الآيات السابقة عن الحقوق، ومرّ معنا حقوق اليتامى وحقوق الزوجات وحقوق الأزواج على بعضهم البعض وحقوق الورثة، ثم جاء الحديث هنا عن حق الله سبحانه وتعالى في قوله سبحانه وتعالى ([/FONT][FONT=&quot]وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا[/FONT][FONT=&quot]).[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري : [/FONT][FONT=&quot]أنت تتكلم عن جملة الآية أم تتكلم عن هذا الموطن ؟[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن : [/FONT][FONT=&quot]هذا المقطع بالذات، افتتاح الآية بالذات ، وإلا الآية كل كلمة منها تصلح أن تكون ديواناً .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري : [/FONT][FONT=&quot]تسمى آية الحقوق.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن : [/FONT][FONT=&quot]نعم، آية الحقوق العشرة ، علماً بأن السورة كلها هي سورة الحقوق لكن هذه أيضاً خاصة من خاصة، أنها ركزت على حقوق عشرة كل حق منها يستحق أن تفرد فيه الحديث.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري : [/FONT][FONT=&quot]دعنا نتحدث عن أنه من طرائق القرآن أبو عبد الله أنه يأتي بالأشياء أحياناً مجملة ويأتي بها أحياناً مفصلة وكل ذلك من أجل أن يصل هذا الخير والهدى للعباد فأحياناً تجمله ليجتمع وأحياناً تفصله لتعرف حدوده ويضبط إلى آخره .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن : [/FONT][FONT=&quot]هذه الآية وهي آية الحقوق العشرة في سورة النساء وهي قوله ([/FONT][FONT=&quot]وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا[/FONT][FONT=&quot]) هذا الحق الأول قدّمه الله سبحانه وتعالى لأنه هو أَولَى الحقوق وهو توحيد الله سبحانه وتعالى وأول ما يدخل الإنسان في دينه هو بهذه الشهادة.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد الطيار: [/FONT][FONT=&quot]وهو أول واجب على المكلَّف.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري : [/FONT][FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ[/FONT][FONT=&quot] (36)النحل) .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد : [/FONT][FONT=&quot]وليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة ألا إله إلا الله .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري : [/FONT][FONT=&quot]وهو أول أمر في القرآن، قال ([/FONT][FONT=&quot]يَا[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[/FONT][FONT=&quot] (21) البقرة).[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن : [/FONT][FONT=&quot]تلاحظون أن هذه الآية لم تبدأ بالنداء، فلم يقل الله فيها يا أيها الذين آمنوا اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وإنما جاء الأمر مباشرةً ([/FONT][FONT=&quot]وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا[/FONT][FONT=&quot]) والواو هنا قد تكون عاطفة على ما سبق ([/FONT][FONT=&quot]وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا [/FONT][FONT=&quot](35) [/FONT][FONT=&quot]وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا[/FONT][FONT=&quot]) فعطف الحديث عن الإصلاح بين الأزواج وهي مسألة أسرية إلى مسألة عبادة الله سبحانه وتعالى لا شريك له، ما هو الرابط يا شيخ مساعد برأيك بين هذه المسألة الأسرية وبين عبادة الله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له؟[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد الطيار : [/FONT][FONT=&quot]لاشك أن من الروابط أن عبادة الله سبحانه وتعالى لا شك أو تمام العبودية هو الذي يحقق حسن المعاملة التي ذكرها الله سبحانه تعالى .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري : [/FONT][FONT=&quot]واستقبال أيضاً هذه الأوامر وتنفيذها على وجه التمام والكمال .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد : [/FONT][FONT=&quot]والتعبد يكون لمن حقق التوحيد أيضاً.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري : [/FONT][FONT=&quot]أيضاً تذكرت آيات سورة البقرة ([/FONT][FONT=&quot]وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ[/FONT][FONT=&quot] (237)) ماذا بعدها؟ ([/FONT][FONT=&quot]حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ [/FONT][FONT=&quot](238) [/FONT][FONT=&quot]فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ [/FONT][FONT=&quot](239) [/FONT][FONT=&quot]وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ[/FONT][FONT=&quot]) لاحظ جاء بالأمر بالصلاة وسط المعمعة [/FONT][FONT=&quot] معمعة الحديث عن العدد والطلاق وما يحصل بين الأزواج والزوجات [/FONT][FONT=&quot] لأجل أن يذكّر الناس بأنهم عبيد لله في كل الأحوال وعليهم أن يتقبلوا هذه الأوامر من أوامر الله في المعاملات الزوجية كما يتقبلوها في عبوديتهم لله عز وجل عندما يسجدون له ويعبدونه .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن : [/FONT][FONT=&quot]جميل جداً، وهذا هو رابط رائع جداً بين هذه الآية العظيمة لأن الأمر بعبادة الله وعدم الإشراك به أمر عظيم قامت عليه الديانة كلها، والنبي صلى الله عليه وسلم عندما جاء بالإسلام جاء بهذا [/FONT][FONT=&quot] بتوحيد الله وعدم الإشراك به [/FONT][FONT=&quot] لكن أن يُقرن هذا بالأخلاق وبالمعاملات التي تقع بين الناس والتعاملات، هذه الحقيقة نحن نغفل عنها كثيراً .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]ولهذا استمعت الحقيقة إلى ألبوم أشرطة قديماً بعنوان الأخلاق في القرآن الكريم للشيخ الأستاذ الدكتور عبد الستار فتح الله سعيد - ود. عبد الستار من أساتذة التفسير المتميزين حقيقة جزاه الله خيراً - فكان تكلم في هذا الألبوم يمكن عشرة أشرطة عن الأخلاق في القرآن الكريم وكيف جاء سياقها وقبل ذلك تكلم الأستاذ الدكتور محمد عبد الله دراز في كتابه دستور الأخلاق في القرآن الكريم تكلم كلامًا عظيمًا جداً ومن ضمن النقاط الأساسية التي ذكرها دراز في كتابه قضية أنه القرآن الكريم يأتي فيمزج الأخلاق بالعقيدة والعبادة، فبينما يتحدث عن التعامل الآن مع الزوج وزوجته والخلافات الزوجية يأتي مباشرةً بتوحيد الله وعدم الإشراك به، بينما يتحدث عن الطلاق يأتيك بالمحافظة على الصلاة، فيها دلالة وإشارة إلى أن أمور الإسلام كُلٌّ لا يتجزأ .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد.: [/FONT][FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً[/FONT][FONT=&quot] (208) البقرة).[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن: [/FONT][FONT=&quot]نعم، ([/FONT][FONT=&quot]أَفَتُؤْمِنُونَ[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ[/FONT][FONT=&quot] (85)البقرة) وأن هذا الصنيع الذي يصنعه البعض يأخذ ما يشاء ويترك ما يشاء ليس من الدين في شيء، حتى في قوله سبحانه وتعالى في سورة المطففين ([/FONT][FONT=&quot]وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ[/FONT][FONT=&quot] (1)) يتكلم عن التعاملات في البيع والشراء ([/FONT][FONT=&quot]وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ[/FONT][FONT=&quot] (1) [/FONT][FONT=&quot]الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ [/FONT][FONT=&quot](2) [/FONT][FONT=&quot]وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]يُخْسِرُونَ[/FONT][FONT=&quot](3)) ثم انظر كيف ينقلك ([/FONT][FONT=&quot]أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ[/FONT][FONT=&quot] (4) [/FONT][FONT=&quot]لِيَوْمٍ عَظِيمٍ [/FONT][FONT=&quot](5) [/FONT][FONT=&quot]يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [/FONT][FONT=&quot](6)) مباشرة نقلك من الموازين في السوق إلى يوم القيامة، ربطك باليوم الآخر والبعث ويوم القيامة .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري : [/FONT][FONT=&quot]لاحظوا معي يا مشايخ، ما قال في هذه الآية اعبدوا ربكم ولا تشركوا به شيئاً، الذي يظهر لي في التذكير بالألوهية، ولذلك جاء النهي عن الضد ([/FONT][FONT=&quot]وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا[/FONT][FONT=&quot]) فلما جاء النهي عن الضد ناسب أن يُختار اسم الألوهية دون الربوبية. مثلها قوله ([/FONT][FONT=&quot]قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ[/FONT][FONT=&quot] (64) آل عمران) لاحظ أنه جاء بلفظ الجلالة الله .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن : [/FONT][FONT=&quot]قد تكون مضطردة في القرآن الكريم سبحان الله! ، ألحظ هنا أيضاً أنه لم يكتف بالأمر بالعبادة الذي هو يستلزم معه التوحيد ([/FONT][FONT=&quot]وَاعْبُدُواْ اللّهَ[/FONT][FONT=&quot]) ما وقف وإنما قال ([/FONT][FONT=&quot]وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا[/FONT][FONT=&quot]) ولذلك سبحان الله العظيم اجتناب الطاغوت واجتناب الشرك دائما يُقرن بالأمر بالتوحيد ولا يقتصر على الأمر بالتوحيد مثل قوله سبحانه وتعالى ([/FONT][FONT=&quot]فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ[/FONT][FONT=&quot] (256) البقرة) ما يدلك على أن الاستمساك بالعروة الوثقى لا يتم إلا بهذين الأمرين التحلية والتخلية .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري: [/FONT][FONT=&quot]وهو مقتضى (لا إله إلا الله)، ما قال أنا أعبد الله فقط، وإنما (لا إله) ينفي ثم يثبت.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد : [/FONT][FONT=&quot]نقول أيضاً في قوله ([/FONT][FONT=&quot]وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا[/FONT][FONT=&quot] ) يمكن إضافة تنبيه أنه قد تقع عبادة الله لكن فيها شرك.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري: [/FONT][FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ [/FONT][FONT=&quot](106) يوسف).[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد: [/FONT][FONT=&quot]فيمكن أن يقال أن هذه أيضاً من فوائد عطف النهي على الأمر ([/FONT][FONT=&quot]وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا[/FONT][FONT=&quot]) إذاً المراد هو خلوص العبادة لله وحده وهو مقتضى (لا إله إلا الله).[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري: [/FONT][FONT=&quot]قوله ([/FONT][FONT=&quot]شَيْئًا[/FONT][FONT=&quot]) في سياق النهي نكرة يدل على العموم، ولذلك قال الله في الحديث القدسي " أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه " وفي رواية " فهو للذي أشرك وليس لي منه شيء" ونحن ننبِّه أنفسنا وإخواننا على أن نجتهد في إخلاص العمل لله في ألا يكون فيه ذرة من حظ لأحدٍ سوى الله سبحانه وتعالى، من حظٍّ لنفسك أو للناس، ومنه وبالمناسبة من دقائق الشرك العُجْب وهو أن يعجب الإنسان بعمله ولو أنه ما اطلع عليه أحدٌ من خلق الله، تقوم في جوف الليل المظلم ما يراك أحد تتوضأ وتقوم تصلي ثم تشرك نفسك مع الله، تقول الآن من يصلي غيرى؟! أنا الوحيد من هؤلاء الذي يقوم وكلهم كسالى ونائمين! يصيبك العُجب، أشركت نفسك مع الله! ورأيت أن لنفسك شيء من الحظ في هذه العبادة، ولقد يحبط عملك.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد: [/FONT][FONT=&quot]نرجع قليلاً، الآن لما نقول ([/FONT][FONT=&quot]إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا[/FONT][FONT=&quot] (34)) هذه محل للركوع، قوله ([/FONT][FONT=&quot]وَاعْبُدُواْ اللّهَ[/FONT][FONT=&quot]) جملة مساندة، يعني تسمى قصة جديدة قطعة جديدة ، هي صحيح مرتبطة بالموضوع السابق لكنها قطعة جديدة، معناه أنه لو قرأنا ([/FONT][FONT=&quot]وَاعْبُدُواْ[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا[/FONT][FONT=&quot]) نلحظ أنها استئناف واضح جداً ولهذا ننبه على أن السورة فيها مقاطع وهذا يعتبر مقطع جديد، فيصلح أن يوضع على ([/FONT][FONT=&quot]خَبِيرًا[/FONT][FONT=&quot]) "ع" ركوع هنا لأنه قد تم المعنى .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن: [/FONT][FONT=&quot]بمناسبة الركوع، في مركز التفسير إن شاء الله ننتج الآن مصحف هو من المصاحف الموجودة لكن نقطّع الصوت على حسب الركعات مثلما هو مكتوب في مصحف الباكستانى ومصحف الكويت الذي طُبع مؤخراً يضعون علامة الركوع وهذه تساعد الأئمة حيث أنه يستمع الإمام كل مقطع يصلح ركعة .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري: [/FONT][FONT=&quot]في قوله ([/FONT][FONT=&quot]وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا[/FONT][FONT=&quot] ) أولاً دلالة هذا الاقتران بين ([/FONT][FONT=&quot]وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا[/FONT][FONT=&quot]) وبين الأمر بالإحسان للوالدين، هذا واحد، ثانياً معنى الإحسان يا أبا عبد الملك.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد: [/FONT][FONT=&quot]أولاً سأجيب على الأول وأقف على الثاني. أما الأول فنلاحظ أنه لو تأملنا أنه طبعاً قَرَنَ الله تعالى الأمر بعبادته بالأمر بالإحسان إلى الوالدين مثل قوله ([/FONT][FONT=&quot]وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [/FONT][FONT=&quot](23)الإسراء) هي نفس الآية التي عندنا في هذا المقطع. [/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري: [/FONT][FONT=&quot]وفي وصية لقمان أيضاً ([/FONT][FONT=&quot]وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ[/FONT][FONT=&quot] (13) [/FONT][FONT=&quot]وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ[/FONT][FONT=&quot] (14) لقمان) .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد: [/FONT][FONT=&quot]وفي وصية لقمان، الآية الأولى في التوحيد، الله سبحانه وتعالى هو المنشئ والخالق لك ابتداءاً، والوالدان هما سببا الإيجاد، فهناك صار نوع من ماذا ؟ من المشابهة، وبناءً على هذا جعل الله سبحانه وتعالى حق الوالدين بعد حقه أو أقرب لحقه سبحانه وتعالى.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري : [/FONT][FONT=&quot]وهذا من عظيم رحمة الله تعالى بعباده أن يذّكر بحق هذين، وإلا لو شاء سبحانه وتعالى لقال لا حقّ إلا لي ولا يُعبد أحد سواي وانتهى الموضوع عند هذا الحد، أليس هذا من حق الله سبحانه وتعالى؟[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد: [/FONT][FONT=&quot]بلى .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري: [/FONT][FONT=&quot]لكن الله أرحم بنا من أنفسنا فيذكّرنا بحقوق من لهم حقٌ علينا لأنهم شاركوا في إيجادنا وكانوا سبباً في وصولنا إلى هذه الدنيا، وهذا لا شك أنه من عظيم رحمة الله بنا.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن: [/FONT][FONT=&quot]هذا الحقيقة من كمال ربوبية الله سبحانه وتعالى لأنه من معنى الربوبية التربية، تربية الخلق على كمالات الأخلاق وعلى كمالات السلوك والاعتقادات، فعندما ذكر لك كمال الاعتقاد وهو توحيد الله سبحانه وتعالى وعدم الشرك به ناسب أن يذكر كمال الأخلاق .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري: [/FONT][FONT=&quot]وهو رد الجميل إلى من أحسن إليك.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن: [/FONT][FONT=&quot]نعم، ثم بدأ بأولى الناس بالبر وهو الوالدان، ولذلك عندما جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ فقال: أمك، قال: ثم من؟ ثم كررها قال: أمك حتى قال: ثم أبوك.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]فأولى الناس ببرّك وبإحسانك وبعطفك وبشفقتك هما والداك، ولذلك يخطئ أشد الخطأ من يقدِّم غيرهما عليهما لأي سبب من الأسباب. فإنه ينبغي أن يكون الوالد والوالدة هما رقم واحد في حياة الرجل وفي حياة المرأة براً وإحساناً وإكراماً وسؤالاً وصلةً. ولاحظ أنه قال ([/FONT][FONT=&quot]وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا[/FONT][FONT=&quot]) والإحسان هذه كلمة جميلة جداً يعني تذهب النفس في تفسيرها كل مذهب، وكل ما يدخل تحت هذا الوصف من خُلُق فهم أولى الناس به، أولى الناس بابتسامتك هو والداك، أولى الناس بكلمة المعروف منك هم والداك، أولى الناس بالمال الذي في يدك هم والداك، أولى الناس بصلتك، حتى لو تعارضت مصلحتهما مع مصلحتك أنت تقدم مصلحتهما .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري: [/FONT][FONT=&quot]انظر إلى يوسف عليه السلام لما جاء أبواه إليه وهو في مصر ([/FONT][FONT=&quot]وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا[/FONT][FONT=&quot] (100) يوسف) كان في الإمكان أن يضعهم في مجلس جانبي أو يجتمع بهم ويجلس هو على العرش، لكن أراد أن يعبّر عن جميل امتنانه لهما وحسن استقبالهما، رفعهما على العرش، الذي هو في الأصل موضوع للملك أو لعزيز مصر أو لمن يتولى مثلاً وزارة المالية، رفعهما على العرش ([/FONT][FONT=&quot]وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا[/FONT][FONT=&quot]).[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن : [/FONT][FONT=&quot]أيضاً من معاني البر بعض الناس يظن أن المقصود ببر الوالدين فقط في الحياة وكثير من الناس لا ينتبه إلا إلى هذا المعنى، بر الوالدين مادام أن الوالد موجود أو الوالدة موجودة الاتصال بالهاتف، مثلاً عطية، يعني شيء من المال، وينتهي الأمر عند هذا الحد، لكن لاحظ واحد من الصحابة انتبه إلى هذه النقطة فقال يا رسول الله هل بقي من بر والديّ شيء أبرهما به بعد موتهما؟ يا سلام! ما أجمل هذا السؤال! يا أخي بعض الأسئلة التي يسألها بعض الناس بركة، يعني المرأة التي ذكرتها قبل حلقة أو حلقتين التي جاءت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقالت يارسول الله الرجال ذهبوا بكل شيء ونحن في البيوت نغسل ونطبخ وكذا، فقال هل سمعتم أجمل من هذا السؤال؟. [/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]فأنا أقول مثل هذا السؤال فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: إكرام صديقهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإنفاذ عهدهما والاستغفار لهما، يا سلام! معناه أن البر بالوالدين يستمر حتى تموت أنت أيضاً.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري: [/FONT][FONT=&quot]ولاحظ مثل ما ذكرت يا د. عبد الرحمن عبّر عن البرّ بالإحسان، والإحسان مثل ما ذكرت أي لا حدود له، تحسن ثم تحسن ثم تحسن ولم يحدّ الله له حداً.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد: [/FONT][FONT=&quot]أطلقه دون قيد .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري: [/FONT][FONT=&quot]لأجل أن يتبارى الناس في هذا الإحسان، وبالفعل تجد ذوي المروءات والمكارم يتبارون في أن يوصلوا إلى والديهم من الإحسان ما لا يغالب عليه.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن: [/FONT][FONT=&quot]هو مفعول مطلق (وأحسنوا بالوالدين إحساناً). [/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري: [/FONT][FONT=&quot]لكن السؤال هنا هل المقصود إنه إذا الإنسان لم يعقّ والديه فقط برئت ذمته؟ منطوق الآية يدل على أنه لا بد أن توصل إليهما إحساناً، ولذلك يكون محرّماً عليك شيئان: محرّمٌ العقوق والمحرّم أيضاً عدم الإحسان، لو أن إنساناً قال أنا والله الحمد لله ما سبق أن سببت والديّ ولا سبق أن ضربتهما ولا آذيتهما، نقول ولكنك آثِمٌ بترك الإحسان إليهما، الله أمرك بأن تحسن، ما أمرك بألا تعقّ فقط. دعنا ننتقل إلى من يُحسَن إليهما بعد الوالدين ([/FONT][FONT=&quot]وَبِذِي الْقُرْبَى[/FONT][FONT=&quot] ) د. مساعد من هم ذوو القربى؟[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد: [/FONT][FONT=&quot]طبعاً القرابة كما سبق أن تكلمنا هناك أقربون وهناك قرابة، الإخوان والأعمام والأخوال وأبناء العمومة، عشيرة الرجل وكل من له بهم رحم يدخلون في القرابة، وهؤلاء أقرب من يرجع إليهم، عشيرته وعصبته التي تعصّب بها ثم يليهم من هم أبعد .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري: [/FONT][FONT=&quot]فلهم حق في الإحسان. يا شيخ ما هذا الإحسان بالنسبة لهم؟ [/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد: [/FONT][FONT=&quot]هو طبعاً مثلما ذكرنا في حق الوالدين الإحسان عام لكن لا شك أن الإحسان الأقرب لذي القربى ليس كالإحسان إلى الوالدين فمثلاً رعاية المحتاج منهم، إعانتهم بجاهه، السلام عليهم، التبسم، إجابة دعوتهم، أعمال كثيرة جداً .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري: [/FONT][FONT=&quot]السؤال عليهم، تفريج كرباتهم، زيارتهم إذا كان يستطيع الزيارة الآن بفضل الله عز وجلّ لما جاءت وسائل الاتصال الحديثة كانت فرصة كبيرة جداً لأن يصل الإنسان الكثير من أرحامه الذين لم يكن بإمكانه أن يصلهم على الوجه المطلوب، الآن ترفع السماعة وتسأل على عمك الذي في أمريكا أو في الصين وتسلم عليه ما الذي يمنعك؟ وتكون بذلك أديت حقاً عظيماً من حقوقه، ونحن الآن في زمن يا إخواني أصبحت المصالح هي التي تحكم تصرفات الناس، فما الذي يمنعني ويمنعك ويمنعك أخي المشاهد من أن تغير هذه النظرة؟! اتصل بابن عمي وأقول له إنما اتصلت لأجل السلام عليك فقط، قال النبي صلى الله عليه وسلم "بلّوا أرحامكم ولو بالسلام" يعني تبلّ الرحم ولو فقط ترفع السماعة وتقول أحببت أسلم عليك حتى تذهب هذه النظرة المادية البغيضة التي طغت على حياة الناس، إذا اتصلت على واحد يترقب أن تقول له لو سمحت خدمة أحضِر كذا، صلّح كذا، إشتر كذا .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد: [/FONT][FONT=&quot]وأحياناً لغلبة هذا الأمر تجد إن يتصل عليك أحد أو تتصل على أحد من أجل السلام يقع في نفسي أو في نفسك استغراب لأنك اعتدت أن الناس يتصلون لحاجات حتى ولو كانوا الأقربينّ. أنا كان بودّي أن نقف حقيقةً في قوله ([/FONT][FONT=&quot]وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا[/FONT][FONT=&quot] ) إلى جانب ذكرناه سابقاً وهو موازنة بين حال المسلمين في هذا الجانب وحال الغرب في هذا الجانب ، وذكرت سابقاً قصة أو خبر عن أحد الأخوة ذكرت بعض العادات التي هي من غيرنا والتي كانت تؤثر أو أثّرت فيه، أنا أذكر من ذكر لي هو الأخ البرازيلي يقول تصور أنني أذهب أنا وأبي إلى محل القهوة فأبي ليس معه مال فيفتش ويقول يا ابني أنا أعتذر أنا سأشرب ماء، يقول وأنا أذهب وأشرب قهوة ولا يجرؤ أبي أن يطلب مني أن أشتري له [/FONT][FONT=&quot] يقول لا يجرؤ- صدقني يقول هذا الكلام لا يجرؤ أن يقول لي يا ابني أعطني كوبًا من القهوة!.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري: [/FONT][FONT=&quot]ولذلك نعلّم الأبناء إذا كان المجلس فيه جماعة من الناس ولو من ذوي الجاه وكان فيهم أبوك أول ما تبدأ بأبيك، فإن وجّهك فذاك من حقه، وإن لم يوجّهك إلى أن تعطي أحداً غيره فهذا حقه، لو قدّمت عليه غيره لكان فيه غلظة عليه، يقولون مرة دخل أحد الملوك وأظنه من هنا على رجلٍ كان براً بأبيه ومعروفٌ ببره بأبيه وأراد أن يمتحنه في هذا الأمر عندما يصب القهوة من يعطيه فلما صبّ فنجان القهوة قدّمه لأبيه ، فقال له ذاك: كيف تقدم أبيك على الملك أو المسؤول أو الأمير؟ قال ما أقدّم على أبي أحداً من خلق الله إلا إذا قال لي أبي رائي فلاناً، فأدوا هذا من مناكبه، لأنه وضع الإحسان في محله . حتى نتجاوز الآية يا إخواني نريد أن نستوعبها في هذه الحلقة ([/FONT][FONT=&quot]وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى[/FONT][FONT=&quot]) .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد: [/FONT][FONT=&quot]رجعنا مرة أخرى لليتامى . [/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري: [/FONT][FONT=&quot]رجعنا مرة أخرى لليتامى الذين جاء الله تعالى بحقهم في أول السورة ([/FONT][FONT=&quot]وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ[/FONT][FONT=&quot] (2)) ، ([/FONT][FONT=&quot]إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا[/FONT][FONT=&quot] (10)) وهنا يأمر بإكرامهم ويجعل لهم حقاً عظيماً. من هو اليتيم يا د. عبد الرحمن؟[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن: [/FONT][FONT=&quot]اليتيم من الناس هو الذي مات والده قبل أن يبلغ سن البلوغ والرشد، فيقال له يتيم لأنه كأنه انفرد وأنه مات عائله ومات الذي يدافع عنه وأصبح في حاجة إلى من يكرمه ويحسن إليه .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري : [/FONT][FONT=&quot]والإحسان بالمناسبة مثل ما ذكرت قبل قليل في الذوقيات النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن من صور الإحسان مسح الرأس يعني يدعو الناس إلى الترحم، رحمتهم ووالإحسان إليهم، هؤلاء اليتامى. ثم قال بعدها ([/FONT][FONT=&quot]وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]وَالْمَسَاكِينِ[/FONT][FONT=&quot]) من هم المساكين يا د. مساعد؟[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد: [/FONT][FONT=&quot]طبعاً لا شك أنه وقع خلاف كبير جداً في المساكين، والواضح أنه مأخوذ من المسكنة وهي الذُلّ الذي يحصل له بسبب الفقر وكما قالوا الذي لا يكاد يجد قوت يومه، يعني محتاج.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري: [/FONT][FONT=&quot]طبعاً وهذا إذا انفرد يشمل الفقير والمسكين؟[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد: [/FONT][FONT=&quot]نعم يشمل الفقير والمسكين، لكنه في قوله ([/FONT][FONT=&quot]إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ[/FONT][FONT=&quot] (60)التوبة) لا بد من معرفة من هو الفقير ومن هو المسكين؟. وهذا الذي يدخل فيه (إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا) .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري: [/FONT][FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى[/FONT][FONT=&quot]) والجوار لم يحدد في الشرع بحدّ معين، فما تعارف الناس على أنه من الجيران دخل في هذا الباب وهو وجوب الإحسان إليه، وبدأ الله سبحانه وتعالى بمن كان مجتمعاً مع جواره وصف آخر وهو القرابة، الجار الذي يكون من قرابتك يكون له من الحق عليك أكثر من الجار الذي لا تجمعك به قرابة، وكلاهما له حق. والله أعلم سبب ذكر الجار ذي القربى أنه يكثر وخصوصاً في قبائل الأعراب وسكنى العشائر متجاورين فأبناء الأب الواحد تجدهم يأخذون قطعة أو مكانًا من الأرض فيتجاورون فيها فذكّر بحقهم قال ([/FONT][FONT=&quot]وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى[/FONT][FONT=&quot]) والنبي صلى الله عليه وسلم بيّن أن جبريل ما زال يوصيه بالجار حتى ظن أنه سيورثه، وقال " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرِم جاره " وقال "والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه" من لا يأمن جاره بوائقه فنفى عنه الإيمان من باب التهديد والتحذير.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد: [/FONT][FONT=&quot]لكن لماذا لا يكون الجار ذي القربى بمعنى القريب في المسكن ؟[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري: [/FONT][FONT=&quot]لأنه قال بعدها ([/FONT][FONT=&quot]وَالْجَارِ الْجُنُبِ[/FONT][FONT=&quot] ) يعني الجار البعيد يعني الذي ليس بينك وبينه قرابة .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن: [/FONT][FONT=&quot]يعني هو جار ولكنه ليس قريباً.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري: [/FONT][FONT=&quot]فذاك تبع وصفين.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد: [/FONT][FONT=&quot]إذن الآن قصدي من ذاك لكي ينتبه السامع أن ذوي القربى ذكروا في الآية مرتين مرة بوصف القرابة ومرة بوصف الجيرة، فالإحسان للجار ذي القربى سيكون أكثر من الإحسان إلى ذي القربى البعيد عنك في الجوار .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن: [/FONT][FONT=&quot]لأن هذا اجتمع فيه وصفان.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد: [/FONT][FONT=&quot]نعم، القرابة والجيرة.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري: [/FONT][FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]وَالْجَارِ الْجُنُبِ[/FONT][FONT=&quot]) يعني الجار البعيد عنك، كلمة ([/FONT][FONT=&quot]الْجُنُبِ[/FONT][FONT=&quot]) هذه ما يمكن تحمل معنى الجنابة بمعنى الحدث الأكبر؟[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن: [/FONT][FONT=&quot]السياق ليس له أي علاقة بالموضوع.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري: [/FONT][FONT=&quot]الكلمة وردت بهذا المعنى (([/FONT][FONT=&quot]وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ[/FONT][FONT=&quot] (6)المائدة) ستأتينا في سورة النساء ؟[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن: [/FONT][FONT=&quot]لاحظ سبحان الله هذه من الألفاظ التي إن صح التعبير المشترك اللفظي وهو أن لفظة واحدة نفس اللفظة ولكنها تطلق على عدة معاني، الجار الجنب أي الجار غير القريب، أي واحد من عرض الناس، (فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ (11) القصص) أي عن بعد، وأما ([/FONT][FONT=&quot]وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ[/FONT][FONT=&quot]) الجنب هو الذي وقعت عليه الجنابة وهي الحدث الأكبر فابتعد بها عن الطهارة وابتعد بها عن المسجد وقراءة القرآن والصلاة، فالسياق يحدد. لغة القرآن هنا ([/FONT][FONT=&quot]وَالْجَارِ الْجُنُبِ[/FONT][FONT=&quot]) لا يخطر ولا يصح أن يقال فيها الجار الذي وقعت عليه الجنابة .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري: [/FONT][FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ[/FONT][FONT=&quot]) من هو الصاحب بالجنب يا أبا عبد الملك؟[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد: [/FONT][FONT=&quot]طبعاً الصاحب بالجنب هو الذي يرافقك في السفر أو في العمل أو انتظار.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري: [/FONT][FONT=&quot]أو كل من جمعك به مناسبة معينة له حق عليك، أنا أقول حتى في مخبز أو في مستوصف أو في أي مكان أو حتى في المطار فقال لك الذي أمامك عن إذنك لو سمحت القلم، له حق عليك، هذا واحد. اثنين: قال لك سأذهب إلى دروة المياه احفظ حقيبتي، أتقول له لا، معذرة؟ لا، له حق عليك أحسن إليه لأن هذا الإحسان متبادل وفيه منفعة للجميع ، أنت قد تحتاج لهذا.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن: [/FONT][FONT=&quot]تماماً.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد: [/FONT][FONT=&quot]هل يوجد هذا في دساتير الدنيا اليوم؟ [/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري: [/FONT][FONT=&quot]لا يوجد.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد: [/FONT][FONT=&quot]حتى لاحِظ هذا الطارئ والعارض من هؤلاء الجيرة أُعطُوا حقاً، لأن الجار ذي القربى والجار الجنب ثابت لكن الصاحب بالجنب هذا لا.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري: [/FONT][FONT=&quot]د. عبد الرحمن أشار إلى العمل وهذا صحيح وكثير لأنه ما منا من أحد إلا وله عمل يعمله سواء في شركة أو مؤسسة أو دائرة حكومية أو غيرها، هذا العمل يجمعك أو يربطك بأناس، هؤلاء لهم حق عليك، مرِض تعوده، مات أحد له تذهب وتعزيه، إحتاج تواسيه، إستعان بك تعينه، إستشارك.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن: [/FONT][FONT=&quot]الطلاب في مدارسهم أيضاً .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري: [/FONT][FONT=&quot]هؤلاء كلهم أصحاب بالجنب، المرأة مع زوجها أيضاً داخلة في هذا هي صاحب بالجنب لأنها ليست من القرابة، قال بعضهم أنها داخلة في هذا، ودخولها في هذا لا إشكال فيه.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد: [/FONT][FONT=&quot]وقد خُصصت في آيات خاصة بها.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري: [/FONT][FONT=&quot]وهي سميت أيضاً صاحب .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن: [/FONT][FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ[/FONT][FONT=&quot] (36) عبس) [/FONT][FONT=&quot] ([/FONT][FONT=&quot]وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ [/FONT][FONT=&quot](101) الأنعام).[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري: [/FONT][FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ[/FONT][FONT=&quot]) من هو ابن السبيل د. عبد الرحمن؟[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن: [/FONT][FONT=&quot]المسافر المحتاج، ثم أجمل التعبير القرآني بابن السبيل .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري: [/FONT][FONT=&quot]هل يلزم أن يكون محتاجًا؟[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن: [/FONT][FONT=&quot]هو طبعاً الأصل أنه لا يطلب الحاجة إلا إذا كان محتاجاً .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد: [/FONT][FONT=&quot]لكنه هنا في رعاية حقه.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري: [/FONT][FONT=&quot]في رعاية الحق أعمّ من كونه محتاجاً لكن في الزكاة ([/FONT][FONT=&quot]إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ[/FONT][FONT=&quot] (60)التوبة) .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد: [/FONT][FONT=&quot]الإحسان أعمّ من الإنفاق .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن : [/FONT][FONT=&quot]لاحظ هنا أنهم فسروا ابن السبيل بالمسافر المحتاج، لكن دعنا من هذا دعنا نتحدث عن قضية تسميته بابن السبيل. السبيل هو الطريق لكن كأنه من كثرة ملازمته لهذا الطريق والسفر كأنه ابناً له، فهذا من اللفتات الجميلة في القرآن الكريم أنه سمى المسافر ابن السبيل لذلك تعجبني أبيات جميلة لأحمد شوقي من قصائده الرمزية في ديوانه يتحدث فيها عن الوطن وحب الوطن، كأن الريح تخاطب الحمامتين على شجرة وتحبب لها السفر إلى الوطن ، فيقول - كأن الحمامتين تكلمان الريح -:[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]ياريح أنت ابن السبيل ما عرفت ما السكن هب جنة الدنيا (اليمن) لا شئ يعدل الوطن[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]فالشاهد أن وصف المسافر المنقطع بابن السبيل فيه بلاغة عالية الحقيقة، فالله سبحانه وتعالى ذكره هنا ممن أُمرنا بالإحسان إليهم المسافر، سواء كان محتاجاً أو غير محتاج، لكن لا شك أن المسافر المحتاج الإحسان في حقه آكد. ثم قال ([/FONT][FONT=&quot]وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ[/FONT][FONT=&quot]) .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري : [/FONT][FONT=&quot]ما ملكت أيمانك يشمل طبعاً ملك اليمين من العبيد والإماء هؤلاء يجب على الإنسان أن يحسن إليهم فيطعمهم ويكسوهم ويقوم على حوائجهم ولا يقصّر، وإن كان الله سبحانه وتعالى قد سخرهم لك فيجب عليك أن تؤدي إليهم حقهم، ويدخل فيما ملكت أيمانكم حتى الحيوانات أيضاً، فلا يجوز لك في الحيوانات التي تمتلكها من شياه أو أكرمكم الله حمير أو جِمال أو غيرها أن تسيء إليها وتقلل في نفقتها .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن : [/FONT][FONT=&quot]فأنت مأمورٌ بالإحسان إليها .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري: [/FONT][FONT=&quot]نعم، ([/FONT][FONT=&quot]وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ[/FONT][FONT=&quot]) انتهى .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن : [/FONT][FONT=&quot]ذكر الله عشرة أصناف أو عشرة حقوق.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري: [/FONT][FONT=&quot]نعم، ثم ([/FONT][FONT=&quot]إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا[/FONT][FONT=&quot]).[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد: [/FONT][FONT=&quot]هذه فاصلة عجيبة![/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري: [/FONT][FONT=&quot]ما وجه العجب فيها يا دكتور ؟[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد: [/FONT][FONT=&quot]لاحظ أن الحقوق تدرجت لو تأملت تدرجاً من حق الله إلى حق الوالدين ربما يكون بالأكثر لزوماً، لما جاء إلى هذه الحقوق كلها قال ([/FONT][FONT=&quot]إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا[/FONT][FONT=&quot]) الاختيال هو الكبر و العجب بالنفس، والفخور قريبة منه، وهو كما ذكرنا سابقاً أن يأتي لفظان متقاربان في المعنى المختال والفخور، ورد طبعاً كثيراً في القرآن في غير هذا الموطن.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري: [/FONT][FONT=&quot]هما طبعاً مؤدّاهما واحد لكن فيه فرق من ناحية الاختيال بالأفعال والفخر بالأقوال .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد: [/FONT][FONT=&quot]هذا ممكن أن يكون.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن : [/FONT][FONT=&quot]أنا عندي لفتة يا د. مساعد في ختم هذه الآية بهذا المعنى، أن هذه الحقوق تحتاج إلى شيء من التواضع وطهر النفس، يعني الآن الإحسان إلى الوالدين يحتاج منك إلى أن تتواضع لهما ([/FONT][FONT=&quot]وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ[/FONT][FONT=&quot] (24) الإسراء) واضحة فيها، لأنه يترفع الإنسان عن هذه الحقوق لهذا السبب .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. مساعد: [/FONT][FONT=&quot]حتى في عبودية الله.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري: [/FONT][FONT=&quot]لأنه ما يريد أن يستصغر نفسه.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن : [/FONT][FONT=&quot]وفعلاً ترى عندما تريد أن تقوم بهذه الحقوق على وجهها وتحسن إلى الناس تحتاج إلى أنك تضع من نفسك وتتواضع للناس وتكرم الناس. أما أن تجلس هكذا وتظن نفسك شيخ الشيوخ وتقول والله أنا أحسنت إليهم، لا والله يا أخي!. [/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري: [/FONT][FONT=&quot]كثير من الناس بعد ما تتبعنا أسباب قطيعتهم وعدم قيامهم بهذا الخير والإحسان ومساعدة المخلوقين وجدنا أن السبب والسر يدور حول أن له حقٌ على الآخرين وأنه يجب أن يكرَم وأنه لا يمكن أن يهين نفسه في هذه الأمور، أنا أخدم مملوكاً؟! لماذا أصير عبداً عند ابن السبيل وأخدمه؟! وأشياء من هذا القبيل.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]إذن نحن يا إخواني نقول ونوجه رسالتنا لإخواننا جميعاً: يا إخواننا لينوا وتواضعوا فإن الإنسان بالتواضع يكسب خيراً كثيراً، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"ما تواضع عبدٌ لله إلا رفعه الله " فالتواضع رفعة بين المخلوقين ورفعة عند الله سبحانه وتعالى ، يقول الشاعر :[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]تواضع تكن كالنجم لاح لناظرٍ على صفحات الماء وهو كثير[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]ولا تكن كالدخان يعلو بنفسه إلى طبقات الجو وهو وضيع[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. عبد الرحمن : [/FONT][FONT=&quot]هناك لفتة في الآية في قولة ([/FONT][FONT=&quot]لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا[/FONT][FONT=&quot]) المختال هو في تصوير لهيئته وهو يمشي مشية الخيل متبختر، والفخور هو الذي دائماً يقول أنا فلان أنا أفعل فيرفع من نفسه ومن شهاداته ويقلل من شأن الآخرين .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]د. الخضيري: [/FONT][FONT=&quot]نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من القائمين بهذه الحقوق وأن يعيننا على أدائها و تكميلها وأن يرزقنا الإخلاص في كل ذلك. بهذا نصل وإياكم مشاهديّ الكرام إلى ختام هذه الحلقة، وإلى لقاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]بُثّت الحلقة بتاريخ 20 رمضان 1431 هـ[/FONT]
 
لو وضعت في ملف ورود حتى تنسخ وتطبع لمن أرادها
وجزاك ربي كل خير سمر وسدد الله دربك لكل خير
 
شكر الله لكم. ستتم إضافة كل حلقة من الحلقات بصيغة وورد ثم الحلقات كلها في ملف واحد عند انتهائي من تنقيحها وقد تبقى لدي حلقتان بإذن الله تعالى فأبشروا بالخير وصبرًا جميلًا.
 
جزااااااااااااااكم الله خيرا لو يعرض التفريغ المشايخ ثم تحذف منه المقدمة ثم ينزل في الملتقى.

هلّا وضحت مقصدك أختي الكريمة إشراقة أمل فلم أفهم ماذا تقصدين بالضبط بارك الله فيك
 
الحلقة الحادية والعشرون:
تأملات في سورة النساء (الآيات 37 – 39)
د. عبد الرحمن: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الإخوة المشاهدون الكرام في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ةحياكم الله في هذا اللقاء القرآني المتجدد برنامج بينات. ولا يزال الحديث متصلًا مع إخواني المشايخ الفضلاء الدكتور محمد الخضيري والدكتور مساعد الطيار ونحن في هذا المجلس في مدينة النماص في هذه الأجواء الجميلة الصباحية. وقد وقف بنا الحديث في المجلس السابق في الآية في سورة النساء التي تسمى آية الحقوق العشرة. وقد انتهينا من هذه الآية وهي قول الله سبحانه وتعالى (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا (36)) وخصصنا الحلقة الماضية كلها في الحديث عن هذه الحقوق العشرة التي في هذه الآية العظيمة وكنا قلنا في بداية الحديث عن سورة النساء أنها كلها تسمى سورة الحقوق إلا أن هذه الآية هي آية الحقوق في سورة الحقوق فتميزت بهذه الميزة على سائر الآيات في هذه السورة العظيمة. ولعلنا في هذا اللقاء نبدأ الحديث عن الآية التي تليها وهي قوله سبحانه وتعالى (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا (37)) ولعلنا قبل أن نبدأ في الحديث عن تفسيرها أن نستمع إليها مع الإخوة المشاهدين مرتلة ثم نعود للحديث عنها بإذن الله تعالى.
(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا (37) وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاء قِرِينًا (38) وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ اللّهُ وَكَانَ اللّهُ بِهِم عَلِيمًا (39))
وبعد أن استمعنا أيها الإخوة المشاهدون لهذه الآيات العظيمة من سورة النساء نبدأ الحديث معًا دكتور محمد وكنا تحدثنا في الآية التي قبلها عن سرّ ختم الآية السابقة بقول الله تعالى (إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا (36)) ولماذا ذكر الله سبحانه وتعالى صفة الخيلاء وصفة الفخر والكِبر في نهاية الحديث عن هذه الحقوق العشرة؟
د. محمد: الحقيقة أشرنا في الحلقة الماضية إلى أن سر ذلك -والعلم عند الله سبحانه وتعالى- أن هذه الحقوق لن يقوم بها من كان متصفًا بصفة الكِبر الذي تجتمع فيمن هو فخور بنفسه ومختال في تصرفاته ومشيته وأفعاله، فالكِبر مانع من القيام بالحقوق وكما أن الكِبر مانع من القيام بالحقوق فكذلك البخل ولذلك قرنهما الله سبحانه وتعالى معًا فجاء بالبخل بعد أن ذكر الكِبر لأن أعظم ما يمنع الإنسان من أداء الحقوق هو أن يتكبر على الآخرين وأن يمسك ما بيده وما آتاه الله من فضله علمًأ وجاهًا وقوة ومالًا فلا ينفقه عليهم فهذان أعظم أسباب منع الحقوق.
د. عبد الرحمن: هل هذه الآية يا دكتور مساعد (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا) السلف عندما حملوا هذه الآية على اليهود خاصة ما هو وجه هذا التفسير الذي ذهب إليه السلف؟
د. مساعد: إذا نظرنا للأوصاف في الآية عندنا ثلاثة أوصاف (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) هذه واحدة و(وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) (وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ) السلف توجه حديثهم في هذه الآية على أنه مقصود بها اليهود واختلفت محامل الآية عندهم بمعنى القول الأول والذي عليه جمهورهم أنهم الذين يبخلون بذكر صفة محمد صلى الله عليه وسلم ويأمرون قومهم بالبخل بالإخبار عن محمد صلى الله عليه وسلم ويكتمون صفة محمد صلى الله عليه وسلم وهو ما آتاهم الله من فضله. والوجه الثاني الذين يبخلون بأموالهم ويأمرون الناس أن يبخلوا بأموالهم ويكتمون ما آتاهم الله من فضله من الأموال والأرزاق فلا يحدّثون بها على باب التحديث بالنِعَم. فهذان الآن وجهان وكلا الوجهين له من قال به وإن كان القول الثاني ورد عن ابن عباس وابن زيد فقط، والقول الأول هو قول الجمهور. في الوجه الأول من حملها على العلم بأن معناه الذين يبخلون ويأمرون قومهم فقط بالبخل لأنه خاصة باليهود .
د. عبد الرحمن: فتكون كلمة الناس هنا من العام المُراد به الخصوص
د. مساعد: المراد به الخصوص. والثانية سبب النزول يشير إلى أن اليهود يبخلون بأموالهم ويأمرون الأنصار بأن يبخلوا بأموالهم ويخوفونهم من الفقر لا تدري ماذا يصير لك غدًا! لا تنفق مالك لأنك لا تدري ماذا سيكون عليك غدًا!
د. عبد الرحمن: ألا يمكن أن تكون هذه الآية في قوله (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) امتدادًا للصفة التي قبلها في قوله (إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا)؟ ألا يمكن أن تُحمل هذه الاية وإن كانت نزلت أو كان المقصود بها أصالة هم اليهود ألا يمكن أن يستشهد بها على من يتصف بهذه الصفة من المسلمين؟!
د. محمد: بلى، بل كان ديدن السلف رحمهم الله أن يتخوفوا وأن يذكروا الآيات التي وردت في حق الكفار الخُلّص في مقام التهديد والوعيد وفي مقام تحذير المؤمنين من الإتصاف بهذه الخصلة. صحيح أن الإنسان يعاقَب العقوبة الكاملة على الاتّصاف بالخصلة إذا اكتملت شروطها وانتفت موانعها لكن لا يمنع ذلك من أن يكون قد اتصف بشيء منها أن يكون له جزء من عقوبتها. ولذلك كان الصحابة يستدلون بالآيات التي نزلت في حق الكفار على أحوالٍ يطبقونها على أنفسهم ليس من جهة أنهم سينالون نفس العقوبة التي ستكون لأولئك ولكن لأن الله تعالى يكره هذه الخصلة ويذمّ ذلك الفعل إذن فكل من أشبه هؤلاء بشيء من أفعالهم فربما يُعطَى شيئًا من جزائه.
د. عبد الرحمن: وختم الآية بقوله (وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا)؟
د. مساعد: أفادنا هنا الآن أن هذا الوصف الذي هو في اليهود أيضًا يكون في الكفار. كأنه من أوصاف الكفار وسيأتينا فيما بعد أوصاف أخرى لكنه واضح جدًا أنه في مقام الظاهر مقام المضمر، لكن واضح عندنا أنه في اليهود وكذلك في الكفار. وعندي ملحظ آخر في قوله (إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا) أعني الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل، طبعًا هذا أحد وجوه الإعراب فيها ولو تأملنا هذا الوجه الإعرابي سيكون من باب تفسير القرآن بالقرآن. لكن السؤال الذي يرد لو ورد عندنا وصف المختال الفخور في غير هذه الآية فهل يصلح حمل ذاك على هذا؟
د. محمد: لا يظهر
د. مساعد: عندنا مثلًا في سورة لقمان (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18)) والمختال الفخور في قصة لقمان -في نظري- لا يصلح أن تحمل على هذا المعنى فهناك هي أعمّ ومع ذلك نقول هذا من باب تفسير القرآن بالقرآن لكنه تفسير سياقي بمعنى أن المختال الفخور هذا مثّل لهم بمثال وهم اليهود. وإلا لو تأملنا الآية التي قبلها كما قلنا آية الحقوق.
د. عبد الرحمن: فيها فائدة أو ملحظ أحب أن أنبّه إليه الإخوة المشاهدين، في القرآن الكريم غالبًأ يعلِّل يذكر لك علة العقوبة أو على الجزاء. في قوله سبحانه وتعالى هنا (وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا) لماذا أعتدنا لهم عذابًا مهينًأ؟ لكفرهم، فقوله (وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا) إشارة إلى أن هذا الكفر هو سبب العذاب فبقدر اتصاف الإنسان بهذه الصفة وهي الكفر بقدر ما يُشدد عليه العقوبة التي ذكرها الله كما في قوله (إن الأبرار لفي نعيم) لبرّهم وقال (وإن الفجار لفي جحيم) لفجورهم
د. محمد: ولذلك يقولون إن ذكر الظاهر في محل المُضمر يفيد فوائد: الأولى تعليم الحُكم لو قال "وأعتدنا لهم" أي لهم خاصة لكن لما قال الكافرين هذه شملت كل من اتصف بهذه الصفة.
د. مساعد: سواء لهذا السبب أو لغيره
د. محمد: ثانيًا الحكم على هؤلاء بما يقتضيه الوصف لأن هؤلاء الذين فعلوا هذه الأشياء ما حكمهم؟ لما قال (للكافرين) عرفنا حكمهم. الثالث لأسباب إفادة العليّة وهي التي ذكرها أبو عبد الله قبل قليل بمعنى أن يربط الحكم بها، لماذا أعتدنا لهم عذابًا أليمًا؟ لكفرهم، لماذا الأبرار في نعيم؟ لبرّهم، لماذا الفجار في جحيم؟ لفجورهم.
د. عبد الرحمن: وهي كثيرة في القرآن.
د. مساعد: هناك ملحظ بلاغي آخر إن تكرمتم وهو تقديم للكافرين على عذابًا مهينًا، الترتيب: وأعتدنا عذابًا مهينًا للكافرين وهذا كما سبق أن ذكرنا أن الفائدة الكبرة فيه رعاية الفاصلة ورعاية الفاصلة مقصد من المقاصد البليغة هذه أولًأ ثم يأتي النظر إلى أنه لما قدّم للكافرين (أعتدنا للكافرين) يجعل هذه علة خاصة بهذا السياق، لماذا قدّم الكافرين قبل ذكر عذابهم؟
د. عبد الرحمن: تبشيعًا لهذه الصفة وأنهم هم أولى الناس بهذا العذاب
د. مساعد: فيمكن أن يكون له أكثر من فائدة بلاغية في تقديم الجار والمجرور
د. عبد الرحمن: بمناسبة ذكر التقديم والتأخير يا دكتور مساعد، الحقيقة هذا التدبر في دلالات التقديم والـتأخير ضرب من ضروب العلم وضرب من ضروب تدبر القرآن الكريم وفهمه رائع جدًا أنا أنصح الإخوة عندما يقرأون القرآن الكريم أن يتأملوا في مثل هذه المواطن وهي كثيرة في القرآن الكريم.
د. محمد: مرّ بنا في الآيات في أول السورة (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ (12)) مع أن الدَيْن مقدّم عندنا على الوصية لكن قُدِّمت الوصية في القرآن لأجل العناية بها وأنه لا يوجد من يقوم بها في الغالب وصاحب الدين يحفظ دَيْنه.
د. عبد الرحمن: وجدت أن العلماء المتقدمين والمتأخرين يتفاوتون تفاوتًا كبيرًا في إدراك دلالات أسرار القرآن الكريم وأن الله سبحانه وتعالى يفتح على بعضهم ما لا يفتح على آخر في مثل هذا الموضع, لماذا قدم " وأعتدنا للكافرين عذابًا مهينًا", وفي موضع آخر: " وأعتدنا لهم عذابًا مهينًا", فيضمر, يعني يذكر الضمير. وأيضًا في الآية التي ستأتي معنا (وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ (38)), لماذا قدّم الإيمان بالله على الإيمان باليوم الآخر؟, ولماذا قدم هذه العلة "الذين ينفقون أموالهم" , قدمها ثم جاء بعدها " ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر", مع أن الإيمان بالله حقه التقديم لأنه أعظم وهكذا, فالبحث عن دلالات التقديم والتأخير في القرآن الكريم من أهم ما ينبغي على طالب العلم أن يعتني به, وأنا أنصح الإخوة الذين لهم حظ من العلم والبلاغة, أن يقربوا هذا للناس, لأن العبرة الآن فإننا مللنا من الفلسفة, أحيانًا عندما تعرض للناس مسألة علمية بصعوبة وتستخدم فيها المصطلحات العلمية التي لا يدركها إلا المتخصصون هذه سهلة, ولكن الصعوبة والتميز الآن هو أنك تقرّب هذه المعاني للناس لعامة الناس حتى يفهمونها.
د. مساعد: والأعجب أبا أعبد الله في قضية التقديم والتأخير حينما تنظر لهذه الآية والتي تليها (وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ (38)), بعدها قال (وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ اللّهُ (39))
د. عبد الرحمن: جاءت عكس الأولى.
د. مساعد: لاحظ مثال آخر حين يأتي التقديم والتأخير في آيات متوالية, لما قال (طه (1) مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى (3) تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6)), السماوات والأرض, وهناك قال ماذا؟ قدم الأرض على السماوات, فالنظر هنا يجعل المتدبر ينظر لماذا قدم الأرض على السماء هناك؟, وقدم السماء على الأرض هنا؟ في آيات متوالية, واضح هذا؟
د عبد الرحمن: واضح.
د مساعد: فأنا عندي أنه أيضًا قد ندرك أحيانًا أسرار للتقديم والتأخير وقد ذكر العلماء عشرة أسرار للتقديم والتأخير لكن أن تدرك في سياق كل واحدة سر التقديم والتأخير بين لفظتين فهذا لا شك أنه يحتاج إلى تأمل. وأنا أذكر أن هذه الآية في برنامج بينات, وهو أول برنامج قدمناه, فذكرنا سر تقديم الأرض على السماء والسماء على الأرض, لعلنا نحيل إليها.
د. عبد الرحمن: حلقات البرنامج موجودة بالمناسبة في ملتقى أهل التفسير كاملة, 1428هـ, 1429هـ, 1430هـ, والآن هذه السنة الرابعة.
د. محمد: أشير أيضًا إلى آية الحقيقة ورد فيها هذا ولها نظائر, ولكنها مرت بي قريبًا, وهي (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11) الجمعة), أولًا قدّم التجارة, ثم قدم اللهو.
د. مساعد: نفس الفكرة, إذا هل يمكن أن نقول للمشاهدين أن هذا موطن بحث أن يجتهد أحدهم في جمع صورة هذا التقديم والتأخير المتوالي الذي يقدم لفظة على لفظة, ثم يأتي بعدها في نفس السياق تقديم اللفظة المتأخرة على اللفظة المتقدمة، عندنا الآن ثلاث مواطن ذكرناها.
د عبد الرحمن: هذا الحقيقة بحثه ممن رأيته تحدث عنه باحث -المشكلة أني نسيت اسمه- لكن له كتاب قيّم, رسالة دكتوراه : "دلالات التقديم والتأخير في القرآن الكريم"
د مساعد: ثلاث مجلدات؟
د عبد الرحمن: لا, هو مجلد واحد, وهناك أيضًا كتاب: "بلاغة التقديم والتأخير", في ثلاث مجلدات.
د مساعد: وهناك رسالة صغيرة: "أسرار التقديم والتأخير".
د عبد الرحمن: وهذا الكتاب موجود على ملتقى التفسير, دلالات التقديم والتأخير في القرآن الكريم قدّم له الدكتور عبد العظيم المطري رحمه الله, توقف الحقيقة لأن موضوع التقديم والتأخير من الموضوعات التي اعتنى بها العلماء قديما حتى سبيويه في كتابه "الكتاب" أشار إليه ولكن إشارات دقيقة وعامة.
د. محمد: تقليد.
د. عبد الرحمن: نعم, فلما جاء عبد القاهر الجرجاني رحمه الله في كتابه: دلائل الإعجاز, فصل تفصيلًا رائعًا في دلالات التقديم وأسراره في اللغة العربية, وفي البلاغة العربية, وجاء الزمخشري في كتابه الكشاف وأبدع أيما إبداع في استخراج دلالات التقديم في القرآن الكريم.
د. مساعد: ومثله صاحب كتاب نتائج الفكر السهيلي, وهذا أنا أرى أنه رجل لم يُبرز ما عنده من العلم, وأخونا الدكتور محمد بن فوزان العمر بحث مسألة التفسير وعلوم القرآن عند السهيلي, والحقيقة نصحته بطباعته لأن كثيرًا من طلاب العلم لا يعلمون ما عند هذا الرجل من البلاغة, ومثله أيضًا وعندي أنه من أنفس من يشير إلى هذا الطيبي, صاحب الحاشية على الكشاف.
د. عبد الرحمن: لكنه غير مطبوع.
د. مساعد: لكنه الآن موجود على النت الآن في رسائل جامعية قرابة ثمانية رسائل ممكن تُقرأ, واستخراج هذه المواطن الحقيقة مهمة جدًا لأنها نوع من إدراك أسرار الإعجاز, وأن الله حين تكلم بهذا الوحي يضع الكلمة في مكانها المناسب, لأنه أعلم بالكلام, وهو سبحانه وتعالى الذي علم الإنسان ما لم يعلم.
د. محمد: وهذا كتاب حكيم, أحكمت آياته ثم فصلت.
د. عبد الرحمن: بمناسبة ذكرك للسهيلي رحمه الله صاحب نتائج الفكر في النحو, ابن القيم رحمه الله في كتابه بدائع الفوائد نقل نقولات كثيرة عن السهيلي, وهي من أبرز وأجمل ما ذكره ابن القيم, مع أنه لا يشير إلى المصدر
د. مساعد: أحيانًا يشير.
د. عبد الرحمن: لكن الغالب أنه لا يشير ولذلك أذكر أن الذي حققه الشيخ محمد البنا محمد إبراهيم البنا هو الذي حقق كتاب نتائج الفكر فحمل حملة شديدة على ابن القيم
د. محمد: مع العلم أن منهج كثير من المتقدمين أنهم لا يشيرون إلا نادرًا.
د. عبد الرحمن: صحيح, لكن الشاهد أن البنا ذكر أن معظم ما في كتاب بدائع الفوائد من الاستنباطات والفوائد مأخوذ من كتاب نتائج الفكر, وغيرها من كتب السهيلي رحمه الله .
د. محمد: نعود إلى أصل الفكرة التي أنتم طرحتموها وهي قضية التقديم والتأخير وتطبيقها على الآية التي معنا، هنا يقول (وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ (38)), كأنه أشار إلى سبب حصول هذه الخصلة منهم, وهي أنهم إذا أنفقوا أنفقوا رئاء كأن ذلك لأنهم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر, فالذي لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر يُتوقع منه إذا أنفق أنه يريد المفاخرة والمكاثرة والجاه والمنزلة مع أنه يبذل المال ويخرجه, والمال عزيز على النفس يعني ما يخرج إلا بقوة وجهد, ولكنه يريد به الجزاء العاجل وهو مراءاة الناس, فأشار إلى هذا بهذه الطريقة, لكن لما جاء إلى بيان الحقيقة كيف تبدأ مع الإنسان قال (وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ اللّهُ (39)).
د. عبد الرحمن: أي أن هذا هو الترتيب الطبيعي.
د. مساعد: أن الإيمان أثره أن ينفقوا مما رزقهم الله. أبو عبد الله لو قلنا بما قاله سيبويه أن العرب تقدم ما لهم به عناية, وهذه عبارة قريبة من عبارته, الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس هم الآن عنايتهم بالناس ومراءاتهم, ويغيب عنهم الإنفاق لوجه الله, أيضًا هذا قد يكون فائدة أخرى.
د. محمد: والفوائد البلاغية يقولون لا تتزاحم, يمكن اجتماعها على معنى واحد. نعود يا إخواني إلى شيء مهم جدًا في الآية لم نفصله ولم نبين معناه وإن كان كثير من الإخوة المشاهدين يفهمونه, لما قال "يبخلون", ما معنى البخل؟
د. عبد الرحمن: هو قبض اليد وإمساكها عن الإنفاق.
د. محمد: في الأمر الذي يجب على الإنسان, لأنه ما يستحب إن بذل الإنسان فهو محمود, وإن لم يبذل لم يُذَّم, فالمقصود إمساك عن أمر واجب, سواء كان إمساك المال أو إمساك العلم أو إمساك الجاه والمنزلة.
د. عبد الرحمن: كلها تسمى بخلًا.
د. محمد: كلها تسمى بخلًا, والنبي صلى الله عليه وسلم ورد عنه أنه قال: "وأي داء أدوأ من البخل", وكان يستعيذ بالله من البخل, وكثير من الأحاديث التي تتبعتها في استعاذاته عليه الصلاة والسلام أجد أن الكبر والجبن والبخل والهمّ والحزَن هذه الخمسة والكفر والفقر وعذاب القبر أو هذه السبعة من أكثر الأشياء التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يركز عليها في تعوذه بالله عز وجل, لأنه إذا أصيب الإنسان بشيء منها حصل بسببها شر كثير على الإنسان, فنحن نقول الذين يبخلون, هناك أناس آخرون أشد منهم وهم من يبخل ويضيف إلى ذلك أن يريد أن يشاركه الناس في هذا البخل, فهو يمنعهم.
د. عبد الرحمن: حشف وسوء كيلة.
د. محمد: أعوذ بالله.
د. عبد الرحمن: لا هو يعطي ولا يترك الناس يعطون.
د. محمد: نعم, فإذا جاء الناس يعطون أو يتصدقون هددهم ونصب نفسه واعظًا لئلا يتصدقوا, وسبحان الله طبيعة من يقع في فاحشة أو منكر يحب أن يكون الناس مثله لئلا يكونوا أفضل منه. لذلك يقولون أن الفتاة التي تقع في الزنا نسأل الله العافية, أحب شيء إليها هو أن يشاركها بنات الحي في الزنا حتى لا تنفرد بهذه الخصلة الذميمة.
د. عبد الرحمن: لذلك قال (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا (19) النور), لاحظ البخل الله سبحانه وتعالى نهى عنه, وذمه في القرآن الكريم ذمًا شديدًا, والنبي صلى الله عليه وسلم استعاذ منه, وكان يحب مكارم الأخلاق عليه الصلاة والسلام, ويرى أن الإكرام من علامات الإيمان, فقال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ", فهو خلق من الأخلاق, وكان عليه الصلاة والسلام يثني على الكرماء حتى في الجاهلية فكان يذكر عبد الله بن جدعان, ولما وقعت سفّانة رضي الله عنها بنت حاتم الطائي في الأسر فقالت: "يا رسول الله أنا ابنة حاتم الطائي", فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أطلقوها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق", ويكرم الضيف, والنبي صلى الله عليه وسلم عندما نزل عليه الوحي, لاحظوا يا إخواني سبحان الله العظيم مثل هذه المعاني العظيمة والأخلاقيات أخلاق الكرم والشجاعة والحلم هي من الأخلاق التي اجتمعت عليها الفطر في الجاهلية وفي الإسلام, بل وحتى في الديانات الأخرى, فالنبي صلى الله عليه وسلم لما نزل عليه الوحي فخاف عليه الصلاة والسلام خوفًا شديدًا, فجاء إلى خديجة رضي الله عنها وهو يرجف فؤاده, صح؟
د. محمد: لا شك.
د. عبد الرحمن: فلما قصّ عليها القصة, قالت له: "والله لا يخزيك الله أبدًا ".
د. محمد: لماذا لا يخزيه الله أبدًا؟
د. عبد الرحمن: لماذا؟ استنبطت ذلك: " والله لا يخزيك الله أبدًا, إنك لتقري الضيف, وتحمل الكلّ, وتغيث الملهوف, وتعين على نوائب الدهر",.
د. محمد: ومن كانت هذه حاله فلن يخزيه الله أبدًا.
د. عبد الرحمن: كلها أخلاقيات, إكرام الضيف وإغاثة الملهوف, وغيره. الشاهد أن في قوله: " الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل", هنا إشارة إلى ذم هذا الخلق, سواء كان بخلًا يا دكتور مساعد بالمال وهو أول ما يتبادر إلى الذهن عندما يقال هذا إنسان بخيل, أو بخلًا بالجاه, أو بخلًا بالعلم, أو بخلًا بكل ما يمكن للإنسان تقديمه.
د. محمد: والقوة البدنية البخل بها, داخل في هذا الأمر. قال النبي صلى الله عليه وسلم : "البخيل من ذكرت عنده فلم يصلّ علي", مما يدل على أنه وسع معنى البخل حتى جعلها في الصلاة عليه, عليه الصلاة والسلام.
د عبد الرحمن: وإن كان تلاحظون أنه قال: "ينفقون أموالهم", فصرح بالمال, مما يشير إلى أن البخل الذي ذكر ينصب أول ما ينصب على البخل بالمال, لكنه أعم أيضًا, فالبخيل بجاهه أحيانًا يكون أشد إثمًا من البخيل بماله لحاجة الناس للجاه, والعلم.
د. محمد: بعد الانتهاء من البخل دعونا نتحدث يا أبا عبد الملك عن الكتمان (ويكتمون ما آتاهم الله من فضله), ما المقصود بهذه الصفة؟.
د. مساعد: طبعا إن كانت في اليهود فأكبر ما كتموه من الفضل هو ما ذكره الله سبحانه وتعالى في كتابه, ولهذا كانوا هم يتوقعون أو كانوا يتمنون أن يخرج منهم, فلما خرج من العرب حسدوهم على ذلك وكتموا.
د. عبد الرحمن: الله سبحانه وتعالى اختص بني إسرائيل وأكرمهم بأن بيّن لهم صفات النبي المنتظر رجاء أن يكونوا أول الناس إسلامًا وإيمانًا به.
د مساعد: يعني يسّر لهم طريق الإيمان به.
د عبد الرحمن: وهذا من فضل الله عليهم ولكن كانت النتيجة أنهم كانوا أول من جحد به عليه الصلاة والسلام, ولذلك أذكر صفية رضي الله عنه عندما أخبرت أول ما دخل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فجاء اليهود وجاء شيوخ المدينة ينظرون في حال النبي صلى الله عليه وسلم تذكرون أيضًا قصة عبد الله بن سلام عندما نظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم أول مرة, وكان من زعماء اليهود ومن علمائهم, قال فلما رأيت وجهه علمت أن هذا ليس بوجه كذّاب, وهو عالم من علمائهم! فتذْكر عن حيي بن أخطب والدها أنها سمعته وهو يتحدث مع عمها مع أخيه فيسأله فيقول له: هل هذا الرجل هو هو؟ هل هذا هو النبي المنتظر؟, قال: نعم إي وربي إنه هو هو. فقال: فماذا أعددت له, أو ماذا ترى؟ فقال: معاداته حتى الموت, أو عداوته ما بقيت, وأنكره وأصبح حتى مات على اليهودية.
د. مساعد: أعوذ بالله, بعض الناس قد يسأل: كيف كتم اليهود أمر محمد صلى الله عليه وسلم والله سبحانه وتعالى قد نصّ (النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة), (ومبشرًا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد), مكتوبًا عندهم, يجدونه.
د. عبد الرحمن: مكتوبا عندهم في النسخ الموجودة بين أيديهم.
د مساعد: ولهذا تجد أمر محمد صلى الله عليه وسلم مصرحًا باسمه ولكنهم حذفوه بطريقة طبعًا بطريقة وهذه طبعًا عبارات أخينا عبد الرحمن احترافية.
د. محمد: يذكر بعض الأناجيل التي وجد فيها التصريح مثل إنجيل برنابا ألغي من الأناجيل المعتمدة.
د. مساعد: ليس من الأناجيل عندهم المعتمدة, فيبدلونه بكلمة هم يعرفون المراد منها وغيرهم لا يعرف, مثل بدل كلمة محمد كتبوا مشتهيات في سفر إذا ما كنت واهمًا يعقوب, وكتبوا في بعض يعني حذفوا أخذوا اسمه ووضعوا إسمًا آخر يوافق إسمه بحساب الجمّل, وطبعا هذه لها قضية أخرى حساب الجمّل, ليس هذا طبعًا وقت عرضها, لكن من باب الفائدة أن حساب الجمّل المعتبر عند اليهود في علمهم وكتابهم فاستخدامه في كتبهم هو الموطن الصحيح أما استخدامه عندنا فليس كذلك لأنه ليس من علوم العرب فلا يصح استخدامه. أو أن يوجد صفته صلى الله عليه وسلم بحيث هذه الصفة لا تنطبق إلا عليه فقط وهذه كثيرة جدًا في التوراة والإنجيل. أو أن توجد ذكر أحوال أمته أحوال لأمته ولا تنطبق هذه الأحوال إلا على أمة محمد صلى الله عليه وسلم مثل ما ورد في سفر داوود يسمى المزامير وهو يتكلم عن الحُجّاج الحمّادون والحجاج الحمادون الذين يأتون إلى الأرض إلى وادي بكة طبعًا حرفوه إلى وادي البكاء, ليس هناك أمة فيها حجّاج وحمّادون ويأتون إلى وادي بكة إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
د. عبد الرحمن: صحيح.
د. مساعد: وأين الحمّادون؟ كثيرو الحمد لله؟ فإذا المقصود أنه له وجود واضح جدًا عندهم ولكنهم يحرفونه, إما بتحريف الاسم, أو بتحريف الدلالة فيتأولونه على غير المراد منه.
د. عبد الرحمن: سبحان الله حتى بعد تحريفهم وبعد حذفهم لدلالات النبي صلى الله عليه وسلم في كتبهم بقي فيه, وأذكر أنك ذكرت لي أحدًا.
د. محمد: نعم, أنا أذكر أني قابلت رجلًا كان قسيسًا كبيرًا من قسس أثيوبيا كان يتبعه خلق كثير, فالرجل لما طبعًا تعلّم حتى تعلم في إسرائيل تعلم العبرية, وكان يقرأ الكتاب المقدس بها.
د. عبد الرحمن: نصراني هو أم يهودي؟
د. محمد: لا, نصراني.
د. عبد الرحمن: سبحان الله!, هناك تعاون بين النصارى واليهود في الدراسة؟
د. محمد: طبعًا وعندهم معاهد هناك متخصصة, والنصارى كما تعلم يؤمنون بالعهد القديم والعهد الجديد. فهذا الرجل أنا سألته سؤالًا محددًا وكان ذلك في مسجدي لأنه زارني في المسجد جزاه الله خيرًا, فقلت له: هل تجدون في الكتاب المقدس عندكم ذكْرًا النبي صلى الله عليه وسلم؟, فقال لي بالحرف الواحد: أنا وجدت في الكتاب المقدس أكثر من سبعين موضعًا لا يمكن أن تنطبق إلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم, حتى لو استطعت أن تحرف واحدًا أو اثنين أو ثلاثًا منها لغيره فإنها منطبقة جميعًا, ومجتمعة لا يمكن على أحد من خلق الله أن تجتمع إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن القوم قوم بُهْت أنكروا وكتموا كما ذكر الله عز وجل في هذه الآية. وهذا الرجل لما أسلم بالمناسبة أسلم معه إثنا عشر ألف إنسان وقصته مشهودة وقد كتبت في جرائدنا نحن, لأنهم تقابلوا معه بعد مجيئه لمكة والمدينة.
د. عبد الرحمن: ما شاء الله! تلاحظون يا إخواني حتى في اليهود والنصارى حرفوا الكلم عن مواضعه, وتأولوا تأويلات هي تحريفات في الحقيقة, وكان هذا سببًا من أسباب الانحراف عندهم في اليهودية والنصرانية, أيضًا في الإسلام وقعت كثير من الطوائف في التأويل الذي هو بمعنى التحريف في الحقيقة فحرفوا معاني الصفات وحرفوا دلالاتها لمعاني باطلة, فكان هذا سببًا أيضا من أسباب انحرافهم وضلالهم وبُعدهم عن الحق, ولذلك ليس هناك مثل منهج أهل السنة والجماعة في إثبات ما أثبته الله سبحانه وتعالى لنفسه من الأسماء ومن الصفات دون تأويل أو تحريف أو تعطيل أو تشويه.
د. مساعد: إذا سمحت يا شيخ عبد الرحمن في قوله (وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاء قِرِينًا (38)), يعني أيضًا لاحظوا من يكن الشيطان قرينًا له, فهذا أيضًا فيه تقديم مع كثرة التقديم والتأخير, طبعًا القرين بمعنى ماذا؟
د. عبد الرحمن: المقارن المصاحب الملازم.
د. مساعد: من قرن الشيء بالشيء كأنه ربط شيئًا بشيء, ومنه أُخذ قرن الشاة وغيره, فمادة قَرَن كما نلاحظ أنها في الأصل تدل على ربط شيء بشيء, طبعًا الآن تستخدم المقارَن بمعنى الموازَن, نقول مثلًا: الفقه المقارن, الفقه الموازن, والمصححون اللغويون يقولون هذا خطأ, وإنما الصواب الفقه الموازَن, التفسير الموازَن, وهكذا, فلأن المقارن لا يؤدي مدلول الموازنة, والعمل الذي يقوم به من يقول الفقه المقارن, أو التفسير المقارن, هو عمل موازنة, موازنة بين أقوال أو بين مذاهب وغيرها, لكن كما يقولون, يقولون ماذا؟ خطأ مشهور خير من صواب .....
د. عبد الرحمن: هذا تصدق حتى من الدلالات اللغوية عند العرب أن القرين المقارِن عندما تقرن جمل بجمل, ونحن عندنا هنا في النماص عندما نستخدم البقر في الحرث عندما تأتي إلى الثورين اللذين تعمل عليهما تضع بينهما مِقْرنة, هذه الخشبة هذه تسمى مقرنة, فيقول الفرزدق:
وابن اللبون إذا ما لُزَّ بقَرَنٍ (هذا هو) لم يستطع صَولة البُزْل القناعيس
يعني جمل كبير بازل مع جمل صغير لا يستطيع أن يجاريه!, يعني أن المقارنة فعلًا فيها هذا المعنى الربط, ليست الموازنة, لكن كما تفضلت أصبحت كلمة شائعة الآن, دراسة مقارنة, فقه مقارن.
د. مساعد: أيضا في دلالات الأفعال أولًا قال "والذين ينفقون", فجاء بها بماذا؟
د. عبد الرحمن: بصيغة المضارع التي تدل على التجدد والحدوث.
د. مساعد: ثم في الآخر نفى قال: "ولا يؤمنون " للدلالة على الاستمرار, إذا نُفي الفعل دل على استمرار نفيه في الزمان لأنه أطلق قال: " ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ", طبعًا لما يقول: " بالله ولا باليوم الآخر ", هذا تكون ماذا؟ من باب...
د. عبد الرحمن: أليس الإيمان بالله يشمل الإيمان باليوم الآخر؟.
د. مساعد: بلى.
د. عبد الرحمن: لماذا خصص اليوم الآخر؟
د. مساعد: استقلالًا, وللدلالة على استقلاله جاء بقوله "ولا", فاستقلاله يدل على أهميته, ودلالة على أيضًا أن الإيمان باليوم الآخر استقلالًا, لو كانوا يؤمنون باليوم الآخر لكان من لوازمه أنهم يؤمنون بمن؟
د عبد الرحمن: بالله.
د مساعد: ولكن إيمانهم بالله لا يلزم منهم الإيمان باليوم الآخر مثل ما حصل من كفار مكة, يعني كفار مكة كانوا يؤمنون بالله وإن كانوا مشركين, ولكنهم لا يؤمنون باليوم الآخر, لكن من آمن باليوم الآخر فالأصل أنه يؤمن بالله.
د. محمد: والإيمان باليوم الآخر بالمناسبة يتردد ذكره في القرآن كثيرًا, بل هو أكثر أركان الإيمان ذكرًا بعد ذكر الإيمان بالله, والسبب في ذلك أنه لا يمكن أن تستقيم الحياة إلا به, ولا يمكن أن يسعد الناس إلا به, عندما يصبر الإنسان على الأذى, يصبر على الظلم, عندما يصبر على العبادة والطاعة, عندما يجد أنه قد فُضِّل عليه آخرون بأشياء قد أوتوها من مال وجاه وبنين وإلى آخره, كل ذلك الذي يصبره عليه ويجعله يتحمل ولا يحسد الآخرين ولا يتكبر عليهم إيمانه بأنه سيلقى جزاء صبره وتواضعه وإنفاقه وصلاته وقيامه بالليل في الدار الآخرة. ما الذي يمنع أنا أقول لطلابي دائمًا المؤمن عندما يجد 500 ريال ملقاة في مكان لا يراه فيها أحد إلا الله, من الذي يمنعه من أخذها؟!
د. عبد الرحمن: مراقبة الله ورجاء اليوم الآخر.
د. محمد: نعم, يخاف لأنه سيحاسب عليها, كل درهم ستدخله في جوفك هناك حساب وعقاب وعذاب.
د. عبد الرحمن: وانظر إلى إشارة الله إلى هذا المعنى في قوله في سورة المطففين في أولها (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3)) ثم ترك كل شيء وركز على اليوم الآخر (أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6))
د. محمد: ذكرهم باليوم الآخر.
د. عبد الرحمن: يا سلام! يعني كأنهم لو كانوا تذكروا اليوم الآخر ما كانوا طففوا المكيال والميزان.
د. محمد: لأنه شيء معلوم, يُعلم أنه من الظلم البيّن, فالله ذكرهم ووعظهم, والموعظة كانت في مكانها.
د. مساعد: أيضًا قرْن الإيمان بالله مع الإيمان باليوم الآخر في القرآن كثير, مما يدل على أهمية هذين الأمرين وارتباطهما ببعض, الذي هو الإيمان بالله واليوم الآخر, وهذا ورد في القرآن في آيات كثيرة. مقارنة الشيطان لمّا قال "ومن يكن الشيطان له قرينًا فساء قرينًا", يعني ماذا يُتصور ممن يكون الشيطان له قرينًا؟! ولهذا نقول سبحان الله لو تأملت أحوال بعض الناس لوجدت بالفعل أن قرينه هو الشيطان لأنه لا يصدر منه إلا الشر.
د. عبد الرحمن: إلا الأعمال السيئة.
د. مساعد: مثل الساحر والكاهن, هؤلاء لا يمكن أن يصدر عنهم خير لا يمكن, لأنهم لا يستطيعون, لماذا؟ لأن قرينه هو من؟
د. عبد الرحمن: الشيطان, يأمره بالبخل وينهاه عن المعروف.
د. محمد: أنظر يا أبا عبد الملك ويا أبا عبد الله, تجد الرجل هذا الذي قرنه الشيطان عندما يأتي بذل المال في خير, افترض هؤلاء المساجين بسبب ديون عليهم, تقول له: يا فلان استنقذ هؤلاء, يقول لك: أتركهم, هؤلاء تخرجهم ويعودون غدًا لنفس عادتهم, أتركهم يتأدبون.
تقول له: فيهم أناس مضطرين, هو يعظك!. نريد عمل حفلة سمر تكلف مائة ألف ريال, أو مائتا ألف, أول من يساهم فيها هو, هنا يكون أول المساهمين وهنا يكون أول الذابّين المنافحين عن عدم فعل الناس للخير, ومن يكن الشيطان له قرينًا فساء قرينًا.
د. عبد الرحمن: بارك الله فيكم يا إخوان يبدو أن الوقت أدركنا في هذا المجلس لعلنا نستكمل الحديث عن هذه الآيات في المجلس القادم بإذن الله تعالى. أيها الإخوة المشاهدون الكرام إنتهى وقت هذا اللقاء, تقبلوا تحياتي وتحيات المشايخ الدكتور محمد الخضيري, والدكتور مساعد الطيار, وتحياتي أنا أيضًا من هذا المكان في مدينة النماص, حتى نلقاكم إن شاء الله في اللقاء القادم وأنتم على خير. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بُثّت الحلقة بتاريخ 21 رمضان 1431 هـ
 
الحلقة الحادية والعشرون:
تأملات في سورة النساء (الآيات 37 – 39)
د. عبد الرحمن: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الإخوة المشاهدون الكرام في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ةحياكم الله في هذا اللقاء القرآني المتجدد برنامج بينات. ولا يزال الحديث متصلًا مع إخواني المشايخ الفضلاء الدكتور محمد الخضيري والدكتور مساعد الطيار ونحن في هذا المجلس في مدينة النماص في هذه الأجواء الجميلة الصباحية. وقد وقف بنا الحديث في المجلس السابق في الآية في سورة النساء التي تسمى آية الحقوق العشرة. وقد انتهينا من هذه الآية وهي قول الله سبحانه وتعالى (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا (36)) وخصصنا الحلقة الماضية كلها في الحديث عن هذه الحقوق العشرة التي في هذه الآية العظيمة وكنا قلنا في بداية الحديث عن سورة النساء أنها كلها تسمى سورة الحقوق إلا أن هذه الآية هي آية الحقوق في سورة الحقوق فتميزت بهذه الميزة على سائر الآيات في هذه السورة العظيمة. ولعلنا في هذا اللقاء نبدأ الحديث عن الآية التي تليها وهي قوله سبحانه وتعالى (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا (37)) ولعلنا قبل أن نبدأ في الحديث عن تفسيرها أن نستمع إليها مع الإخوة المشاهدين مرتلة ثم نعود للحديث عنها بإذن الله تعالى.
(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا (37) وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاء قِرِينًا (38) وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ اللّهُ وَكَانَ اللّهُ بِهِم عَلِيمًا (39))
وبعد أن استمعنا أيها الإخوة المشاهدون لهذه الآيات العظيمة من سورة النساء نبدأ الحديث معًا دكتور محمد وكنا تحدثنا في الآية التي قبلها عن سرّ ختم الآية السابقة بقول الله تعالى (إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا (36)) ولماذا ذكر الله سبحانه وتعالى صفة الخيلاء وصفة الفخر والكِبر في نهاية الحديث عن هذه الحقوق العشرة؟
د. محمد: الحقيقة أشرنا في الحلقة الماضية إلى أن سر ذلك -والعلم عند الله سبحانه وتعالى- أن هذه الحقوق لن يقوم بها من كان متصفًا بصفة الكِبر الذي تجتمع فيمن هو فخور بنفسه ومختال في تصرفاته ومشيته وأفعاله، فالكِبر مانع من القيام بالحقوق وكما أن الكِبر مانع من القيام بالحقوق فكذلك البخل ولذلك قرنهما الله سبحانه وتعالى معًا فجاء بالبخل بعد أن ذكر الكِبر لأن أعظم ما يمنع الإنسان من أداء الحقوق هو أن يتكبر على الآخرين وأن يمسك ما بيده وما آتاه الله من فضله علمًأ وجاهًا وقوة ومالًا فلا ينفقه عليهم فهذان أعظم أسباب منع الحقوق.
د. عبد الرحمن: هل هذه الآية يا دكتور مساعد (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا) السلف عندما حملوا هذه الآية على اليهود خاصة ما هو وجه هذا التفسير الذي ذهب إليه السلف؟
د. مساعد: إذا نظرنا للأوصاف في الآية عندنا ثلاثة أوصاف (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) هذه واحدة و(وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) (وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ) السلف توجه حديثهم في هذه الآية على أنه مقصود بها اليهود واختلفت محامل الآية عندهم بمعنى القول الأول والذي عليه جمهورهم أنهم الذين يبخلون بذكر صفة محمد صلى الله عليه وسلم ويأمرون قومهم بالبخل بالإخبار عن محمد صلى الله عليه وسلم ويكتمون صفة محمد صلى الله عليه وسلم وهو ما آتاهم الله من فضله. والوجه الثاني الذين يبخلون بأموالهم ويأمرون الناس أن يبخلوا بأموالهم ويكتمون ما آتاهم الله من فضله من الأموال والأرزاق فلا يحدّثون بها على باب التحديث بالنِعَم. فهذان الآن وجهان وكلا الوجهين له من قال به وإن كان القول الثاني ورد عن ابن عباس وابن زيد فقط، والقول الأول هو قول الجمهور. في الوجه الأول من حملها على العلم بأن معناه الذين يبخلون ويأمرون قومهم فقط بالبخل لأنه خاصة باليهود .
د. عبد الرحمن: فتكون كلمة الناس هنا من العام المُراد به الخصوص
د. مساعد: المراد به الخصوص. والثانية سبب النزول يشير إلى أن اليهود يبخلون بأموالهم ويأمرون الأنصار بأن يبخلوا بأموالهم ويخوفونهم من الفقر لا تدري ماذا يصير لك غدًا! لا تنفق مالك لأنك لا تدري ماذا سيكون عليك غدًا!
د. عبد الرحمن: ألا يمكن أن تكون هذه الآية في قوله (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) امتدادًا للصفة التي قبلها في قوله (إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا)؟ ألا يمكن أن تُحمل هذه الاية وإن كانت نزلت أو كان المقصود بها أصالة هم اليهود ألا يمكن أن يستشهد بها على من يتصف بهذه الصفة من المسلمين؟!
د. محمد: بلى، بل كان ديدن السلف رحمهم الله أن يتخوفوا وأن يذكروا الآيات التي وردت في حق الكفار الخُلّص في مقام التهديد والوعيد وفي مقام تحذير المؤمنين من الإتصاف بهذه الخصلة. صحيح أن الإنسان يعاقَب العقوبة الكاملة على الاتّصاف بالخصلة إذا اكتملت شروطها وانتفت موانعها لكن لا يمنع ذلك من أن يكون قد اتصف بشيء منها أن يكون له جزء من عقوبتها. ولذلك كان الصحابة يستدلون بالآيات التي نزلت في حق الكفار على أحوالٍ يطبقونها على أنفسهم ليس من جهة أنهم سينالون نفس العقوبة التي ستكون لأولئك ولكن لأن الله تعالى يكره هذه الخصلة ويذمّ ذلك الفعل إذن فكل من أشبه هؤلاء بشيء من أفعالهم فربما يُعطَى شيئًا من جزائه.
د. عبد الرحمن: وختم الآية بقوله (وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا)؟
د. مساعد: أفادنا هنا الآن أن هذا الوصف الذي هو في اليهود أيضًا يكون في الكفار. كأنه من أوصاف الكفار وسيأتينا فيما بعد أوصاف أخرى لكنه واضح جدًا أنه في مقام الظاهر مقام المضمر، لكن واضح عندنا أنه في اليهود وكذلك في الكفار. وعندي ملحظ آخر في قوله (إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا) أعني الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل، طبعًا هذا أحد وجوه الإعراب فيها ولو تأملنا هذا الوجه الإعرابي سيكون من باب تفسير القرآن بالقرآن. لكن السؤال الذي يرد لو ورد عندنا وصف المختال الفخور في غير هذه الآية فهل يصلح حمل ذاك على هذا؟
د. محمد: لا يظهر
د. مساعد: عندنا مثلًا في سورة لقمان (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18)) والمختال الفخور في قصة لقمان -في نظري- لا يصلح أن تحمل على هذا المعنى فهناك هي أعمّ ومع ذلك نقول هذا من باب تفسير القرآن بالقرآن لكنه تفسير سياقي بمعنى أن المختال الفخور هذا مثّل لهم بمثال وهم اليهود. وإلا لو تأملنا الآية التي قبلها كما قلنا آية الحقوق.
د. عبد الرحمن: فيها فائدة أو ملحظ أحب أن أنبّه إليه الإخوة المشاهدين، في القرآن الكريم غالبًأ يعلِّل يذكر لك علة العقوبة أو على الجزاء. في قوله سبحانه وتعالى هنا (وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا) لماذا أعتدنا لهم عذابًا مهينًأ؟ لكفرهم، فقوله (وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا) إشارة إلى أن هذا الكفر هو سبب العذاب فبقدر اتصاف الإنسان بهذه الصفة وهي الكفر بقدر ما يُشدد عليه العقوبة التي ذكرها الله كما في قوله (إن الأبرار لفي نعيم) لبرّهم وقال (وإن الفجار لفي جحيم) لفجورهم
د. محمد: ولذلك يقولون إن ذكر الظاهر في محل المُضمر يفيد فوائد: الأولى تعليم الحُكم لو قال "وأعتدنا لهم" أي لهم خاصة لكن لما قال الكافرين هذه شملت كل من اتصف بهذه الصفة.
د. مساعد: سواء لهذا السبب أو لغيره
د. محمد: ثانيًا الحكم على هؤلاء بما يقتضيه الوصف لأن هؤلاء الذين فعلوا هذه الأشياء ما حكمهم؟ لما قال (للكافرين) عرفنا حكمهم. الثالث لأسباب إفادة العليّة وهي التي ذكرها أبو عبد الله قبل قليل بمعنى أن يربط الحكم بها، لماذا أعتدنا لهم عذابًا أليمًا؟ لكفرهم، لماذا الأبرار في نعيم؟ لبرّهم، لماذا الفجار في جحيم؟ لفجورهم.
د. عبد الرحمن: وهي كثيرة في القرآن.
د. مساعد: هناك ملحظ بلاغي آخر إن تكرمتم وهو تقديم للكافرين على عذابًا مهينًا، الترتيب: وأعتدنا عذابًا مهينًا للكافرين وهذا كما سبق أن ذكرنا أن الفائدة الكبرة فيه رعاية الفاصلة ورعاية الفاصلة مقصد من المقاصد البليغة هذه أولًأ ثم يأتي النظر إلى أنه لما قدّم للكافرين (أعتدنا للكافرين) يجعل هذه علة خاصة بهذا السياق، لماذا قدّم الكافرين قبل ذكر عذابهم؟
د. عبد الرحمن: تبشيعًا لهذه الصفة وأنهم هم أولى الناس بهذا العذاب
د. مساعد: فيمكن أن يكون له أكثر من فائدة بلاغية في تقديم الجار والمجرور
د. عبد الرحمن: بمناسبة ذكر التقديم والتأخير يا دكتور مساعد، الحقيقة هذا التدبر في دلالات التقديم والـتأخير ضرب من ضروب العلم وضرب من ضروب تدبر القرآن الكريم وفهمه رائع جدًا أنا أنصح الإخوة عندما يقرأون القرآن الكريم أن يتأملوا في مثل هذه المواطن وهي كثيرة في القرآن الكريم.
د. محمد: مرّ بنا في الآيات في أول السورة (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ (12)) مع أن الدَيْن مقدّم عندنا على الوصية لكن قُدِّمت الوصية في القرآن لأجل العناية بها وأنه لا يوجد من يقوم بها في الغالب وصاحب الدين يحفظ دَيْنه.
د. عبد الرحمن: وجدت أن العلماء المتقدمين والمتأخرين يتفاوتون تفاوتًا كبيرًا في إدراك دلالات أسرار القرآن الكريم وأن الله سبحانه وتعالى يفتح على بعضهم ما لا يفتح على آخر في مثل هذا الموضع, لماذا قدم " وأعتدنا للكافرين عذابًا مهينًا", وفي موضع آخر: " وأعتدنا لهم عذابًا مهينًا", فيضمر, يعني يذكر الضمير. وأيضًا في الآية التي ستأتي معنا (وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ (38)), لماذا قدّم الإيمان بالله على الإيمان باليوم الآخر؟, ولماذا قدم هذه العلة "الذين ينفقون أموالهم" , قدمها ثم جاء بعدها " ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر", مع أن الإيمان بالله حقه التقديم لأنه أعظم وهكذا, فالبحث عن دلالات التقديم والتأخير في القرآن الكريم من أهم ما ينبغي على طالب العلم أن يعتني به, وأنا أنصح الإخوة الذين لهم حظ من العلم والبلاغة, أن يقربوا هذا للناس, لأن العبرة الآن فإننا مللنا من الفلسفة, أحيانًا عندما تعرض للناس مسألة علمية بصعوبة وتستخدم فيها المصطلحات العلمية التي لا يدركها إلا المتخصصون هذه سهلة, ولكن الصعوبة والتميز الآن هو أنك تقرّب هذه المعاني للناس لعامة الناس حتى يفهمونها.
د. مساعد: والأعجب أبا أعبد الله في قضية التقديم والتأخير حينما تنظر لهذه الآية والتي تليها (وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ (38)), بعدها قال (وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ اللّهُ (39))
د. عبد الرحمن: جاءت عكس الأولى.
د. مساعد: لاحظ مثال آخر حين يأتي التقديم والتأخير في آيات متوالية, لما قال (طه (1) مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى (3) تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6)), السماوات والأرض, وهناك قال ماذا؟ قدم الأرض على السماوات, فالنظر هنا يجعل المتدبر ينظر لماذا قدم الأرض على السماء هناك؟, وقدم السماء على الأرض هنا؟ في آيات متوالية, واضح هذا؟
د عبد الرحمن: واضح.
د مساعد: فأنا عندي أنه أيضًا قد ندرك أحيانًا أسرار للتقديم والتأخير وقد ذكر العلماء عشرة أسرار للتقديم والتأخير لكن أن تدرك في سياق كل واحدة سر التقديم والتأخير بين لفظتين فهذا لا شك أنه يحتاج إلى تأمل. وأنا أذكر أن هذه الآية في برنامج بينات, وهو أول برنامج قدمناه, فذكرنا سر تقديم الأرض على السماء والسماء على الأرض, لعلنا نحيل إليها.
د. عبد الرحمن: حلقات البرنامج موجودة بالمناسبة في ملتقى أهل التفسير كاملة, 1428هـ, 1429هـ, 1430هـ, والآن هذه السنة الرابعة.
د. محمد: أشير أيضًا إلى آية الحقيقة ورد فيها هذا ولها نظائر, ولكنها مرت بي قريبًا, وهي (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11) الجمعة), أولًا قدّم التجارة, ثم قدم اللهو.
د. مساعد: نفس الفكرة, إذا هل يمكن أن نقول للمشاهدين أن هذا موطن بحث أن يجتهد أحدهم في جمع صورة هذا التقديم والتأخير المتوالي الذي يقدم لفظة على لفظة, ثم يأتي بعدها في نفس السياق تقديم اللفظة المتأخرة على اللفظة المتقدمة، عندنا الآن ثلاث مواطن ذكرناها.
د عبد الرحمن: هذا الحقيقة بحثه ممن رأيته تحدث عنه باحث -المشكلة أني نسيت اسمه- لكن له كتاب قيّم, رسالة دكتوراه : "دلالات التقديم والتأخير في القرآن الكريم"
د مساعد: ثلاث مجلدات؟
د عبد الرحمن: لا, هو مجلد واحد, وهناك أيضًا كتاب: "بلاغة التقديم والتأخير", في ثلاث مجلدات.
د مساعد: وهناك رسالة صغيرة: "أسرار التقديم والتأخير".
د عبد الرحمن: وهذا الكتاب موجود على ملتقى التفسير, دلالات التقديم والتأخير في القرآن الكريم قدّم له الدكتور عبد العظيم المطري رحمه الله, توقف الحقيقة لأن موضوع التقديم والتأخير من الموضوعات التي اعتنى بها العلماء قديما حتى سبيويه في كتابه "الكتاب" أشار إليه ولكن إشارات دقيقة وعامة.
د. محمد: تقليد.
د. عبد الرحمن: نعم, فلما جاء عبد القاهر الجرجاني رحمه الله في كتابه: دلائل الإعجاز, فصل تفصيلًا رائعًا في دلالات التقديم وأسراره في اللغة العربية, وفي البلاغة العربية, وجاء الزمخشري في كتابه الكشاف وأبدع أيما إبداع في استخراج دلالات التقديم في القرآن الكريم.
د. مساعد: ومثله صاحب كتاب نتائج الفكر السهيلي, وهذا أنا أرى أنه رجل لم يُبرز ما عنده من العلم, وأخونا الدكتور محمد بن فوزان العمر بحث مسألة التفسير وعلوم القرآن عند السهيلي, والحقيقة نصحته بطباعته لأن كثيرًا من طلاب العلم لا يعلمون ما عند هذا الرجل من البلاغة, ومثله أيضًا وعندي أنه من أنفس من يشير إلى هذا الطيبي, صاحب الحاشية على الكشاف.
د. عبد الرحمن: لكنه غير مطبوع.
د. مساعد: لكنه الآن موجود على النت الآن في رسائل جامعية قرابة ثمانية رسائل ممكن تُقرأ, واستخراج هذه المواطن الحقيقة مهمة جدًا لأنها نوع من إدراك أسرار الإعجاز, وأن الله حين تكلم بهذا الوحي يضع الكلمة في مكانها المناسب, لأنه أعلم بالكلام, وهو سبحانه وتعالى الذي علم الإنسان ما لم يعلم.
د. محمد: وهذا كتاب حكيم, أحكمت آياته ثم فصلت.
د. عبد الرحمن: بمناسبة ذكرك للسهيلي رحمه الله صاحب نتائج الفكر في النحو, ابن القيم رحمه الله في كتابه بدائع الفوائد نقل نقولات كثيرة عن السهيلي, وهي من أبرز وأجمل ما ذكره ابن القيم, مع أنه لا يشير إلى المصدر
د. مساعد: أحيانًا يشير.
د. عبد الرحمن: لكن الغالب أنه لا يشير ولذلك أذكر أن الذي حققه الشيخ محمد البنا محمد إبراهيم البنا هو الذي حقق كتاب نتائج الفكر فحمل حملة شديدة على ابن القيم
د. محمد: مع العلم أن منهج كثير من المتقدمين أنهم لا يشيرون إلا نادرًا.
د. عبد الرحمن: صحيح, لكن الشاهد أن البنا ذكر أن معظم ما في كتاب بدائع الفوائد من الاستنباطات والفوائد مأخوذ من كتاب نتائج الفكر, وغيرها من كتب السهيلي رحمه الله .
د. محمد: نعود إلى أصل الفكرة التي أنتم طرحتموها وهي قضية التقديم والتأخير وتطبيقها على الآية التي معنا، هنا يقول (وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ (38)), كأنه أشار إلى سبب حصول هذه الخصلة منهم, وهي أنهم إذا أنفقوا أنفقوا رئاء كأن ذلك لأنهم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر, فالذي لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر يُتوقع منه إذا أنفق أنه يريد المفاخرة والمكاثرة والجاه والمنزلة مع أنه يبذل المال ويخرجه, والمال عزيز على النفس يعني ما يخرج إلا بقوة وجهد, ولكنه يريد به الجزاء العاجل وهو مراءاة الناس, فأشار إلى هذا بهذه الطريقة, لكن لما جاء إلى بيان الحقيقة كيف تبدأ مع الإنسان قال (وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ اللّهُ (39)).
د. عبد الرحمن: أي أن هذا هو الترتيب الطبيعي.
د. مساعد: أن الإيمان أثره أن ينفقوا مما رزقهم الله. أبو عبد الله لو قلنا بما قاله سيبويه أن العرب تقدم ما لهم به عناية, وهذه عبارة قريبة من عبارته, الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس هم الآن عنايتهم بالناس ومراءاتهم, ويغيب عنهم الإنفاق لوجه الله, أيضًا هذا قد يكون فائدة أخرى.
د. محمد: والفوائد البلاغية يقولون لا تتزاحم, يمكن اجتماعها على معنى واحد. نعود يا إخواني إلى شيء مهم جدًا في الآية لم نفصله ولم نبين معناه وإن كان كثير من الإخوة المشاهدين يفهمونه, لما قال "يبخلون", ما معنى البخل؟
د. عبد الرحمن: هو قبض اليد وإمساكها عن الإنفاق.
د. محمد: في الأمر الذي يجب على الإنسان, لأنه ما يستحب إن بذل الإنسان فهو محمود, وإن لم يبذل لم يُذَّم, فالمقصود إمساك عن أمر واجب, سواء كان إمساك المال أو إمساك العلم أو إمساك الجاه والمنزلة.
د. عبد الرحمن: كلها تسمى بخلًا.
د. محمد: كلها تسمى بخلًا, والنبي صلى الله عليه وسلم ورد عنه أنه قال: "وأي داء أدوأ من البخل", وكان يستعيذ بالله من البخل, وكثير من الأحاديث التي تتبعتها في استعاذاته عليه الصلاة والسلام أجد أن الكبر والجبن والبخل والهمّ والحزَن هذه الخمسة والكفر والفقر وعذاب القبر أو هذه السبعة من أكثر الأشياء التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يركز عليها في تعوذه بالله عز وجل, لأنه إذا أصيب الإنسان بشيء منها حصل بسببها شر كثير على الإنسان, فنحن نقول الذين يبخلون, هناك أناس آخرون أشد منهم وهم من يبخل ويضيف إلى ذلك أن يريد أن يشاركه الناس في هذا البخل, فهو يمنعهم.
د. عبد الرحمن: حشف وسوء كيلة.
د. محمد: أعوذ بالله.
د. عبد الرحمن: لا هو يعطي ولا يترك الناس يعطون.
د. محمد: نعم, فإذا جاء الناس يعطون أو يتصدقون هددهم ونصب نفسه واعظًا لئلا يتصدقوا, وسبحان الله طبيعة من يقع في فاحشة أو منكر يحب أن يكون الناس مثله لئلا يكونوا أفضل منه. لذلك يقولون أن الفتاة التي تقع في الزنا نسأل الله العافية, أحب شيء إليها هو أن يشاركها بنات الحي في الزنا حتى لا تنفرد بهذه الخصلة الذميمة.
د. عبد الرحمن: لذلك قال (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا (19) النور), لاحظ البخل الله سبحانه وتعالى نهى عنه, وذمه في القرآن الكريم ذمًا شديدًا, والنبي صلى الله عليه وسلم استعاذ منه, وكان يحب مكارم الأخلاق عليه الصلاة والسلام, ويرى أن الإكرام من علامات الإيمان, فقال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ", فهو خلق من الأخلاق, وكان عليه الصلاة والسلام يثني على الكرماء حتى في الجاهلية فكان يذكر عبد الله بن جدعان, ولما وقعت سفّانة رضي الله عنها بنت حاتم الطائي في الأسر فقالت: "يا رسول الله أنا ابنة حاتم الطائي", فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أطلقوها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق", ويكرم الضيف, والنبي صلى الله عليه وسلم عندما نزل عليه الوحي, لاحظوا يا إخواني سبحان الله العظيم مثل هذه المعاني العظيمة والأخلاقيات أخلاق الكرم والشجاعة والحلم هي من الأخلاق التي اجتمعت عليها الفطر في الجاهلية وفي الإسلام, بل وحتى في الديانات الأخرى, فالنبي صلى الله عليه وسلم لما نزل عليه الوحي فخاف عليه الصلاة والسلام خوفًا شديدًا, فجاء إلى خديجة رضي الله عنها وهو يرجف فؤاده, صح؟
د. محمد: لا شك.
د. عبد الرحمن: فلما قصّ عليها القصة, قالت له: "والله لا يخزيك الله أبدًا ".
د. محمد: لماذا لا يخزيه الله أبدًا؟
د. عبد الرحمن: لماذا؟ استنبطت ذلك: " والله لا يخزيك الله أبدًا, إنك لتقري الضيف, وتحمل الكلّ, وتغيث الملهوف, وتعين على نوائب الدهر",.
د. محمد: ومن كانت هذه حاله فلن يخزيه الله أبدًا.
د. عبد الرحمن: كلها أخلاقيات, إكرام الضيف وإغاثة الملهوف, وغيره. الشاهد أن في قوله: " الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل", هنا إشارة إلى ذم هذا الخلق, سواء كان بخلًا يا دكتور مساعد بالمال وهو أول ما يتبادر إلى الذهن عندما يقال هذا إنسان بخيل, أو بخلًا بالجاه, أو بخلًا بالعلم, أو بخلًا بكل ما يمكن للإنسان تقديمه.
د. محمد: والقوة البدنية البخل بها, داخل في هذا الأمر. قال النبي صلى الله عليه وسلم : "البخيل من ذكرت عنده فلم يصلّ علي", مما يدل على أنه وسع معنى البخل حتى جعلها في الصلاة عليه, عليه الصلاة والسلام.
د عبد الرحمن: وإن كان تلاحظون أنه قال: "ينفقون أموالهم", فصرح بالمال, مما يشير إلى أن البخل الذي ذكر ينصب أول ما ينصب على البخل بالمال, لكنه أعم أيضًا, فالبخيل بجاهه أحيانًا يكون أشد إثمًا من البخيل بماله لحاجة الناس للجاه, والعلم.
د. محمد: بعد الانتهاء من البخل دعونا نتحدث يا أبا عبد الملك عن الكتمان (ويكتمون ما آتاهم الله من فضله), ما المقصود بهذه الصفة؟.
د. مساعد: طبعا إن كانت في اليهود فأكبر ما كتموه من الفضل هو ما ذكره الله سبحانه وتعالى في كتابه, ولهذا كانوا هم يتوقعون أو كانوا يتمنون أن يخرج منهم, فلما خرج من العرب حسدوهم على ذلك وكتموا.
د. عبد الرحمن: الله سبحانه وتعالى اختص بني إسرائيل وأكرمهم بأن بيّن لهم صفات النبي المنتظر رجاء أن يكونوا أول الناس إسلامًا وإيمانًا به.
د مساعد: يعني يسّر لهم طريق الإيمان به.
د عبد الرحمن: وهذا من فضل الله عليهم ولكن كانت النتيجة أنهم كانوا أول من جحد به عليه الصلاة والسلام, ولذلك أذكر صفية رضي الله عنه عندما أخبرت أول ما دخل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فجاء اليهود وجاء شيوخ المدينة ينظرون في حال النبي صلى الله عليه وسلم تذكرون أيضًا قصة عبد الله بن سلام عندما نظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم أول مرة, وكان من زعماء اليهود ومن علمائهم, قال فلما رأيت وجهه علمت أن هذا ليس بوجه كذّاب, وهو عالم من علمائهم! فتذْكر عن حيي بن أخطب والدها أنها سمعته وهو يتحدث مع عمها مع أخيه فيسأله فيقول له: هل هذا الرجل هو هو؟ هل هذا هو النبي المنتظر؟, قال: نعم إي وربي إنه هو هو. فقال: فماذا أعددت له, أو ماذا ترى؟ فقال: معاداته حتى الموت, أو عداوته ما بقيت, وأنكره وأصبح حتى مات على اليهودية.
د. مساعد: أعوذ بالله, بعض الناس قد يسأل: كيف كتم اليهود أمر محمد صلى الله عليه وسلم والله سبحانه وتعالى قد نصّ (النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة), (ومبشرًا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد), مكتوبًا عندهم, يجدونه.
د. عبد الرحمن: مكتوبا عندهم في النسخ الموجودة بين أيديهم.
د مساعد: ولهذا تجد أمر محمد صلى الله عليه وسلم مصرحًا باسمه ولكنهم حذفوه بطريقة طبعًا بطريقة وهذه طبعًا عبارات أخينا عبد الرحمن احترافية.
د. محمد: يذكر بعض الأناجيل التي وجد فيها التصريح مثل إنجيل برنابا ألغي من الأناجيل المعتمدة.
د. مساعد: ليس من الأناجيل عندهم المعتمدة, فيبدلونه بكلمة هم يعرفون المراد منها وغيرهم لا يعرف, مثل بدل كلمة محمد كتبوا مشتهيات في سفر إذا ما كنت واهمًا يعقوب, وكتبوا في بعض يعني حذفوا أخذوا اسمه ووضعوا إسمًا آخر يوافق إسمه بحساب الجمّل, وطبعا هذه لها قضية أخرى حساب الجمّل, ليس هذا طبعًا وقت عرضها, لكن من باب الفائدة أن حساب الجمّل المعتبر عند اليهود في علمهم وكتابهم فاستخدامه في كتبهم هو الموطن الصحيح أما استخدامه عندنا فليس كذلك لأنه ليس من علوم العرب فلا يصح استخدامه. أو أن يوجد صفته صلى الله عليه وسلم بحيث هذه الصفة لا تنطبق إلا عليه فقط وهذه كثيرة جدًا في التوراة والإنجيل. أو أن توجد ذكر أحوال أمته أحوال لأمته ولا تنطبق هذه الأحوال إلا على أمة محمد صلى الله عليه وسلم مثل ما ورد في سفر داوود يسمى المزامير وهو يتكلم عن الحُجّاج الحمّادون والحجاج الحمادون الذين يأتون إلى الأرض إلى وادي بكة طبعًا حرفوه إلى وادي البكاء, ليس هناك أمة فيها حجّاج وحمّادون ويأتون إلى وادي بكة إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
د. عبد الرحمن: صحيح.
د. مساعد: وأين الحمّادون؟ كثيرو الحمد لله؟ فإذا المقصود أنه له وجود واضح جدًا عندهم ولكنهم يحرفونه, إما بتحريف الاسم, أو بتحريف الدلالة فيتأولونه على غير المراد منه.
د. عبد الرحمن: سبحان الله حتى بعد تحريفهم وبعد حذفهم لدلالات النبي صلى الله عليه وسلم في كتبهم بقي فيه, وأذكر أنك ذكرت لي أحدًا.
د. محمد: نعم, أنا أذكر أني قابلت رجلًا كان قسيسًا كبيرًا من قسس أثيوبيا كان يتبعه خلق كثير, فالرجل لما طبعًا تعلّم حتى تعلم في إسرائيل تعلم العبرية, وكان يقرأ الكتاب المقدس بها.
د. عبد الرحمن: نصراني هو أم يهودي؟
د. محمد: لا, نصراني.
د. عبد الرحمن: سبحان الله!, هناك تعاون بين النصارى واليهود في الدراسة؟
د. محمد: طبعًا وعندهم معاهد هناك متخصصة, والنصارى كما تعلم يؤمنون بالعهد القديم والعهد الجديد. فهذا الرجل أنا سألته سؤالًا محددًا وكان ذلك في مسجدي لأنه زارني في المسجد جزاه الله خيرًا, فقلت له: هل تجدون في الكتاب المقدس عندكم ذكْرًا النبي صلى الله عليه وسلم؟, فقال لي بالحرف الواحد: أنا وجدت في الكتاب المقدس أكثر من سبعين موضعًا لا يمكن أن تنطبق إلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم, حتى لو استطعت أن تحرف واحدًا أو اثنين أو ثلاثًا منها لغيره فإنها منطبقة جميعًا, ومجتمعة لا يمكن على أحد من خلق الله أن تجتمع إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن القوم قوم بُهْت أنكروا وكتموا كما ذكر الله عز وجل في هذه الآية. وهذا الرجل لما أسلم بالمناسبة أسلم معه إثنا عشر ألف إنسان وقصته مشهودة وقد كتبت في جرائدنا نحن, لأنهم تقابلوا معه بعد مجيئه لمكة والمدينة.
د. عبد الرحمن: ما شاء الله! تلاحظون يا إخواني حتى في اليهود والنصارى حرفوا الكلم عن مواضعه, وتأولوا تأويلات هي تحريفات في الحقيقة, وكان هذا سببًا من أسباب الانحراف عندهم في اليهودية والنصرانية, أيضًا في الإسلام وقعت كثير من الطوائف في التأويل الذي هو بمعنى التحريف في الحقيقة فحرفوا معاني الصفات وحرفوا دلالاتها لمعاني باطلة, فكان هذا سببًا أيضا من أسباب انحرافهم وضلالهم وبُعدهم عن الحق, ولذلك ليس هناك مثل منهج أهل السنة والجماعة في إثبات ما أثبته الله سبحانه وتعالى لنفسه من الأسماء ومن الصفات دون تأويل أو تحريف أو تعطيل أو تشويه.
د. مساعد: إذا سمحت يا شيخ عبد الرحمن في قوله (وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاء قِرِينًا (38)), يعني أيضًا لاحظوا من يكن الشيطان قرينًا له, فهذا أيضًا فيه تقديم مع كثرة التقديم والتأخير, طبعًا القرين بمعنى ماذا؟
د. عبد الرحمن: المقارن المصاحب الملازم.
د. مساعد: من قرن الشيء بالشيء كأنه ربط شيئًا بشيء, ومنه أُخذ قرن الشاة وغيره, فمادة قَرَن كما نلاحظ أنها في الأصل تدل على ربط شيء بشيء, طبعًا الآن تستخدم المقارَن بمعنى الموازَن, نقول مثلًا: الفقه المقارن, الفقه الموازن, والمصححون اللغويون يقولون هذا خطأ, وإنما الصواب الفقه الموازَن, التفسير الموازَن, وهكذا, فلأن المقارن لا يؤدي مدلول الموازنة, والعمل الذي يقوم به من يقول الفقه المقارن, أو التفسير المقارن, هو عمل موازنة, موازنة بين أقوال أو بين مذاهب وغيرها, لكن كما يقولون, يقولون ماذا؟ خطأ مشهور خير من صواب .....
د. عبد الرحمن: هذا تصدق حتى من الدلالات اللغوية عند العرب أن القرين المقارِن عندما تقرن جمل بجمل, ونحن عندنا هنا في النماص عندما نستخدم البقر في الحرث عندما تأتي إلى الثورين اللذين تعمل عليهما تضع بينهما مِقْرنة, هذه الخشبة هذه تسمى مقرنة, فيقول الفرزدق:
وابن اللبون إذا ما لُزَّ بقَرَنٍ (هذا هو) لم يستطع صَولة البُزْل القناعيس
يعني جمل كبير بازل مع جمل صغير لا يستطيع أن يجاريه!, يعني أن المقارنة فعلًا فيها هذا المعنى الربط, ليست الموازنة, لكن كما تفضلت أصبحت كلمة شائعة الآن, دراسة مقارنة, فقه مقارن.
د. مساعد: أيضا في دلالات الأفعال أولًا قال "والذين ينفقون", فجاء بها بماذا؟
د. عبد الرحمن: بصيغة المضارع التي تدل على التجدد والحدوث.
د. مساعد: ثم في الآخر نفى قال: "ولا يؤمنون " للدلالة على الاستمرار, إذا نُفي الفعل دل على استمرار نفيه في الزمان لأنه أطلق قال: " ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ", طبعًا لما يقول: " بالله ولا باليوم الآخر ", هذا تكون ماذا؟ من باب...
د. عبد الرحمن: أليس الإيمان بالله يشمل الإيمان باليوم الآخر؟.
د. مساعد: بلى.
د. عبد الرحمن: لماذا خصص اليوم الآخر؟
د. مساعد: استقلالًا, وللدلالة على استقلاله جاء بقوله "ولا", فاستقلاله يدل على أهميته, ودلالة على أيضًا أن الإيمان باليوم الآخر استقلالًا, لو كانوا يؤمنون باليوم الآخر لكان من لوازمه أنهم يؤمنون بمن؟
د عبد الرحمن: بالله.
د مساعد: ولكن إيمانهم بالله لا يلزم منهم الإيمان باليوم الآخر مثل ما حصل من كفار مكة, يعني كفار مكة كانوا يؤمنون بالله وإن كانوا مشركين, ولكنهم لا يؤمنون باليوم الآخر, لكن من آمن باليوم الآخر فالأصل أنه يؤمن بالله.
د. محمد: والإيمان باليوم الآخر بالمناسبة يتردد ذكره في القرآن كثيرًا, بل هو أكثر أركان الإيمان ذكرًا بعد ذكر الإيمان بالله, والسبب في ذلك أنه لا يمكن أن تستقيم الحياة إلا به, ولا يمكن أن يسعد الناس إلا به, عندما يصبر الإنسان على الأذى, يصبر على الظلم, عندما يصبر على العبادة والطاعة, عندما يجد أنه قد فُضِّل عليه آخرون بأشياء قد أوتوها من مال وجاه وبنين وإلى آخره, كل ذلك الذي يصبره عليه ويجعله يتحمل ولا يحسد الآخرين ولا يتكبر عليهم إيمانه بأنه سيلقى جزاء صبره وتواضعه وإنفاقه وصلاته وقيامه بالليل في الدار الآخرة. ما الذي يمنع أنا أقول لطلابي دائمًا المؤمن عندما يجد 500 ريال ملقاة في مكان لا يراه فيها أحد إلا الله, من الذي يمنعه من أخذها؟!
د. عبد الرحمن: مراقبة الله ورجاء اليوم الآخر.
د. محمد: نعم, يخاف لأنه سيحاسب عليها, كل درهم ستدخله في جوفك هناك حساب وعقاب وعذاب.
د. عبد الرحمن: وانظر إلى إشارة الله إلى هذا المعنى في قوله في سورة المطففين في أولها (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3)) ثم ترك كل شيء وركز على اليوم الآخر (أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6))
د. محمد: ذكرهم باليوم الآخر.
د. عبد الرحمن: يا سلام! يعني كأنهم لو كانوا تذكروا اليوم الآخر ما كانوا طففوا المكيال والميزان.
د. محمد: لأنه شيء معلوم, يُعلم أنه من الظلم البيّن, فالله ذكرهم ووعظهم, والموعظة كانت في مكانها.
د. مساعد: أيضًا قرْن الإيمان بالله مع الإيمان باليوم الآخر في القرآن كثير, مما يدل على أهمية هذين الأمرين وارتباطهما ببعض, الذي هو الإيمان بالله واليوم الآخر, وهذا ورد في القرآن في آيات كثيرة. مقارنة الشيطان لمّا قال "ومن يكن الشيطان له قرينًا فساء قرينًا", يعني ماذا يُتصور ممن يكون الشيطان له قرينًا؟! ولهذا نقول سبحان الله لو تأملت أحوال بعض الناس لوجدت بالفعل أن قرينه هو الشيطان لأنه لا يصدر منه إلا الشر.
د. عبد الرحمن: إلا الأعمال السيئة.
د. مساعد: مثل الساحر والكاهن, هؤلاء لا يمكن أن يصدر عنهم خير لا يمكن, لأنهم لا يستطيعون, لماذا؟ لأن قرينه هو من؟
د. عبد الرحمن: الشيطان, يأمره بالبخل وينهاه عن المعروف.
د. محمد: أنظر يا أبا عبد الملك ويا أبا عبد الله, تجد الرجل هذا الذي قرنه الشيطان عندما يأتي بذل المال في خير, افترض هؤلاء المساجين بسبب ديون عليهم, تقول له: يا فلان استنقذ هؤلاء, يقول لك: أتركهم, هؤلاء تخرجهم ويعودون غدًا لنفس عادتهم, أتركهم يتأدبون.
تقول له: فيهم أناس مضطرين, هو يعظك!. نريد عمل حفلة سمر تكلف مائة ألف ريال, أو مائتا ألف, أول من يساهم فيها هو, هنا يكون أول المساهمين وهنا يكون أول الذابّين المنافحين عن عدم فعل الناس للخير, ومن يكن الشيطان له قرينًا فساء قرينًا.
د. عبد الرحمن: بارك الله فيكم يا إخوان يبدو أن الوقت أدركنا في هذا المجلس لعلنا نستكمل الحديث عن هذه الآيات في المجلس القادم بإذن الله تعالى. أيها الإخوة المشاهدون الكرام إنتهى وقت هذا اللقاء, تقبلوا تحياتي وتحيات المشايخ الدكتور محمد الخضيري, والدكتور مساعد الطيار, وتحياتي أنا أيضًا من هذا المكان في مدينة النماص, حتى نلقاكم إن شاء الله في اللقاء القادم وأنتم على خير. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بُثّت الحلقة بتاريخ 21 رمضان 1431 هـ
 
الحلقة 22
تأملات في سورة النساء (الآيات 38 – 42)
د. الشهري: بسم الله الرّحمن الرّحيم،الحمدلله ربّ العالمين وصلَّى الله وسلّم وبارك على سيِّدنا ونبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أيُّها الإخوةُ المشاهدون الكِرام في كُلِّ مكان، السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته وحيَّاكم الله في هذا اللِّقاء القُرآني الـــمُتَّجِدّد في برنامجكم " بيّنات". وأُرَّحِب باسمكم أيُّها الإخوة المشاهدون بإخواني الفُضَلاء في هذا المجلس الدُّكتور/ مساعد بن سليمان الطيَّار، والدُّكتور/ محمد بن عبد العزيز الخضيري. وقد توَقَّفنا في اللِّقاء الماضي أيُّها الإخوة في هذا المكان الذِّي نتحَدَّثُ فيه ونجلس فيه اليوم في هذا الصَّباح الجميل في مدينة النَّماص، كُنَّا تَوَقَّفنا عند قوله تعالى (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (٣٨) وتوقَّفَ بِنَا الحديث عند الآية التِّي تليها (وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (٣٩)). وتحدَّثنا في معاني هذه الآيات وفي بعض الاستنباطات والدِّلالات فيها والمعاني التَّربوية، ولعلَّنا نبدأ في هذا اللِّقاء بالحديث عن الآيات التي تليها، ونستمِع إلى هذه الآيات والآيات التي تليها مُرَتَّلةً، ثُمَّ نعود إلى الحديث حولها بإذن الله تعالى.
تلاوة من سوة النِّساء من الآية ( 38- 42)
(وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (٣٨) وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (٣٩) إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (٤٠) فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (٤١) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (٤٢))
وبعد أَنِ استمعنا أيُّها الإخوة لهذه الآيات العظيمة من سورة النِّساء، نُدير الحديث مع إخواني في هذا المجلس. كُنّا تَحدّثنا يا دكتور مساعد في الحلقة الماضية عن التّقديم والتَّأخير في قوله (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ) ثمّ جاء في الآية التي بعدها وقال (وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ). فَعَكَسَ التَّرتيب لعلَّك تُذَّكِرنا بِهذه الدِّلالة، ثُمَّ نَنطَلِق إلى الآيات التي بعدها يا شيخ مساعد
د. الطيّار: طبعاً قبل - إن تكَرَّمت - طبعاً قلنا نحن إنَّ الآية الأولى (الذِّين يَبخَلُونَ ويأمُرُونَ النَّاس بالبُخل ....) أنَّها من وصف من كان مُختالاً فخوراً، وكان فِيه حُسُن تَخَلُّص عن ذِكر الـــمُختال الفَخُور إلى مثال لهما من اليهود. ثمّ مثال آخر نسينا أن نذكر هذه الفائدة المثال الآخر في (والذين يُنفقون) أيّ صنف آخر من المختال الفخور (الذِّين يُنفقون أموالهم رئاء النَّاس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) وهذه تشمل الكُفّار والمنافقين.
د. الشِّهري: جميل، يعني يكون في الآية التي قبل ذَكَرَ (الذِّين يَبخَلُون ويأمرون النَّاس بالبُخل) يعني يُمسِكُونَ أيديهم، وهُنا ذَكَرَ صِنفًا آخر هُم يُنفقون ولا يبخلون ينفقون ولكنَّهُم يُنفِقُون لغير وجه الله رئاءً للنَّاس.
د. الطيّار: لذا لاحظ لـــمَّا قال ( وأعتدنا للكاَفِرين عذاباً مُهِيناً . والذِّين يُنفِقون) أيّ أعتدنا لهم أيضاً عذاباً مُهِيناً إشترك الجميع في صِفَة الــــكُفُر هنا. في الآية الأخرى التِّي سألت عنه لــمَّا قَدَّم الإيمان لأنَّه من لوازم الإيمان الإنفاق ولهذا قال (وماذا عليهم لو آمنوا) فجاءَ بالأصل وهو الإيمان فقدَّمه لأنَّه هُوَ الأَصل. وهُنَاك قدَّم الرِّياء الذِّي هو إنفاق المال رياءً لأنّه بالنِّسبة لهم هو الـــمُبتَغَى وهُوَ الــمُراد وأَخَّرَ الــإيمان لأنَّه قال (يُنفِقُون ولا يُؤمنون) فَقَدَّم مَا هُو من صِفتهم وعنايتهم به أكثر، وأَخَّرَ الإيمان لأنّهم لا يُؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، وعَكس هنا فبيِّن أنّهَم لو كانوا يُؤمنون لحصَلَ منهم الإنفاق لوجه الله تعالى وَلَيس رئاء النَّاس.
د. الشِّهري: بهذه المناسبة كُنت أقرأ في كتاب عن ( الإِنفاق في الــمُنَظَّمات التنصيرية) طبعاً هُم لديهم إنفاق كبير جِدّاً، ويُنفِقُون إنفاقاً أَضخم من إنفاق المسلمين في خدمة العمل الخيري، فيذكُر البَّاحث يقول: بالرَّغم من هذا الإنفاق الذِّي يُنفقه النَّصارى وغيرهم إلاّ أنّ الذِّي يَتَتبّع الدَّافع إلى الإنفاق يجد أنّه التَّهَرُّب من الضَّرائب، غَسيل الأموال يعني من هذا النُّوع الذِّي لا يُرَاد به وجه الله سبحانه وتعالى كما قال الله هُنا (يُنفِقُون أموالهم رئاء النَّاس). وَلاحِظ أنَّه قال أموالهم فأشار إلى أنَّه أموالهم فهم يُفترض أن يحرصوا عليها وأنّها قرينةُ النَّفس، المال في يَدِ الإنسان ولكن بالرَّغم من ذلك لأنّهم يبتغون هذه الدِّعاية وَهَذه السُّمعة فإنَّهُم يُنفِقونها. ولذَلِك أنا قرأت مرَّة عن أحد الأَثرياء - أمريكي- تبَّرع بــما أتصَّور أنّه وصل إلى 15 مليار دُولار أمريكي، وَأَوقَفَها لمؤسسة خيرية. تأتي إلى هذا البَّاحث - وهُوَ بَاحِث يعمل في العمل الخيري بكثرة وفي دِراساته يقول: تَجِد الثَّمرة التِّي تَنتُج عن هذا الإنفاق الذِّي يُنفِقُونه على مُنَظَّمات التَّنصير وعلى جُهُودهم يتصَدَّى له إنفاق بسيط جِدّاً من إنفاق المؤمنين الصَّادقين لوجه الله سبحانه وتعالى مـِـمَّن ينطبق عليهم قول الله تعالى (إنّما نُطعِمُكُم لوجه الله لا نُريدُ منكم جزاءً ولا شُكُوراً)، تُوازِن بين هذا المعنى وهذا التَّصَرُّف (الذِّين يُنفقون أموالهم رئاءَ النَّاس) وبين الذِّين يُنفِقُون أموالهم ولا يريدون جَزاءً ولا شُكُوراً إلاَّ رِضَا الله سبحانه وتعالى.
د. الخضيري: تأكيداً لِكَلامِك سُبحَان الله، هؤلاء إذا أنفقوا يُنفِقون ويُجزِلُون في العطاء، لكن إذا عَرَفت الأسباب اتَّضَحت لك القضيِّة، العَجِيب أنَّ النَتَائِج ما هِيَ؟ النتَّائج خمسة وثمانين بالمائة من هذا الإنفاق يذهب في جُيُوب الذِّين يُدِيرون ذلك العمل، يعني الذِّي يتَبَقَّى للفُقَراء المقصُودين أوالــمُستَهدَفين أيًّا كانُوا هِي خمسةَ عشرَ بالمائة من مُجمل التَّبَرُع، وهذه كَشَفَها أحد البَّاحثين الغَربيِّين في مَقالة تَزدَرِي المجتمع الغَربيِّ كيف نَحن نبذُل هذه الأموال الطَّائلة، وفي النِّهاية يعني مائة مليار لا يصل إلى الفُقَراء منها إلا (15) مليار و (85) مِليار تذهب في جيوب هؤلاء في إدارة العمل! لا بَرَكَةَ فيها.
د. الشِّهري: ما عندهم احتساب يا شيخ .
د. الخضيري: هناك ناس يَحتسبون، لَكِن في الجُملة هُناك خَلق كثير يَسترزِقُون من وَراء هذه الأشياء ويُبَّذِرونها ويُبَدِّدُونها وهذا جزاء من الله سبحانه وتعالى لهم عاجل في الدُّنيا. المؤسسات الخيرية الإسلامية تدخل إلى بعض الدُّول بملايين يسيرة جِدًّا بل مُتواضعة، ويمكن يُعدّ على أصابع اليد الواحدة ومع ذلك تُحدِث من الأثر شيئًا هائِلًا جِدّاً ولذلِك أنا أقول الحملة على الإرهاب من أعظم أسبابها هو هذه الغَيرة مِن المؤسسات الخَيرية الإسلامية التي تعمل في العَالم الإسلامي وفي غيره لأنّهم وَجَدُوا أنَّ لها آثار بالغة مع قِلَّتها لأنَّ غَالِب من يعمل فيها هم ناس مُحتَسِبون. وانظر مثلاً تَجِد ملجأ للأيتام يُديره الغَربيُّون تكلفِتهُ في السَنّة مليون دولار، مثله وأكثر عدداً من الأيتام يُديره المسلمون بمائة ألف دولار، انظر الفرق! يعني عشرة أضعاف
د. الطيّار: الصِّيغة في قوله (وماذا عليهم ...)
د. الشِّهري: استفهام استنكاري.
د. الطيّار: يعني هناك براعة في استخدام هذا الأسلوب، الذِّي إذَا نَظَرت إليه لأوَّل مرّة لا يُعطيك هذا المعنى.
د. الخضيري: لكنّه يُحَفِّز. والغَريب هذا الأسلوب موجود في القرآن في مواطن منها قول الله عزَّ وجل (وما أُمِروا إلاّ ليعبُدُوا الله مُخلصين له الدِّين حُنَفاء) يعني الذِّي أَمرناهم به مــمَّا أعرضوا عنه وكفروا به هو شيءٌ ظاهر وواضح تُقِّرُهُ العقول، وهو من دينهم (وما أُمِروا إلاّ ليعبُدُوا الله مُخلصين له الدِّين حُنَفاء ويُقيموا الصّلاة ويُؤتوا الزّكاة وذلك دينُ القيِّمة) يعني هل محمد صلى الله عليه وسلم جاء إليكم لِيقُول لكم إجمعوا لي أموالكم، أو أعطوني نساءكم، أو غيَّر في ما جاء به الأنبياء؟! إنّما جاء بشيء جاء به من قَبلَه، فلماذا أنكرتُم؟ ولماذا لا تؤمنوا؟
د. الشِّهري: الحقيقة لفت نَظَري في الآيتين أيضاً الامتنان من الله سبحانه وتعالى في الآية الأولى وفي الآية الثَّانية في قوله ( ويكتُمُونَ ما آتاهُم الله من فضله) يعني هل جزاءُ الإحسانِ إلاَّ الإحسان؟ أنَّ الله ما دام تفَضَّل عليك وأَعطاك إن لم يكن الجزاء أنّك تُقَدِّم وتبذل. وأيضاً في الآية التي بعدها في قوله (وأنفقوا ممّا رزَقَهُم الله) تُلاحِظُون الامتنان على الآخرين بما تُعطِيهم لا شَكّ أنّه ليس من مكارِم الأخلاق.
د. الطيّار: ولكنَّه من الله
د. الشِّهري: نعم، وأنَّ الله قد ذَمَّهُ وقال (ولا تُبطِلُوا صدقاتِكُم بالمنّ والأذى) لَكِنَّه من الله سبحانه وتعالى مقبول أليس كذلك؟! فالله سبحانه وتعالى يَـــمتَنّ علينا بخَلقِنا، يمتن علينا بالصِّحة، يــمتنّ عليك بالرِّزق، يــمتنّ عليك بالفضل، يــمتَنّ عليك بالعلم، وأنت لا تملك إلا ّ أن تُذعِن لهذا الامتنان، لأنّ الله سبحانه وتعالى هو الــمُتَفَضِّل به ابتداءً.
د. الخضيري: في هذه الآية (وأنفقوا مــمَّا رَزَقَهُم الله) فائدة عظيمة جِدّاً وهي أنّ الإنسان يسعى في طلب الرِّزق، لكن يعلم أنّ الرزَّاق هُو الله، وأنَّه لا رزق إلا إِذا أَذِنَ الله، وعليه وأنت تسعى إعلم أنَّ هذه الوسائل والأسباب التِّي تفعلها ما هي إلاَّ أسباب إذا لم يأذَن الــمُسَبِّب بإبلاغك أو إِيصالك إلى المقصود لن يحصُل شيء. ولذلك اسعى في طلب الرِّزق وابحث عنه، واجتهد لكن إجعل قلبك بين يَدِيّ الله – عزَّ وجل – واعلم أنّه لا رزق إلا من عنده، انظُر قال (وأنفَقُوا ممّا رَزَقَهُمُ الله) ولم يَقُل (كَسَبُوا ) أو (اجتهدوا) أو (حَصَّلُوا) بل قال (رزقهم الله) .
د. الطيّار: قوله (وكان الله بــــهِم عليماً) جاء بالضّمير هُنا ، مع انّه سَبَق قال (وأعتدنا للكافرين) هو يتكّلم الآن عن هذه الأصناف الذِّين يبخَلُون، والذِّين يُنفقون أموالهم رئاءَ النّاس قال عنهم (وكانَ الله بهم عليماً) اسم الله العليم الــمُتَضَّمِن لصفة العلم، طبعاً مقامه الآن هنا هُو مقام المراقبة والتّهديد، لأنَّ السِّياق مَعَ أُناس يَبخَلُون، ويأمُرون النّاس بالبُخُل، ويكتُمُون ما آتاهم الله من فضله، وأُنَاس (يُنفِقُون أموالهم رئاء النّاس ولا يُؤمنون بالله و لا باليوم الآخر وكان الله بهم عليماً). أيّ وكان الله عليماً بهم.
د. الخِضِيري: طبعاً رِعَاية الفَاصلة من جِهة، وأيضاً المعنى البلاغي يُقَدَّم هؤلاء للدَّلالة على أنّهم هُـــمُ المقصُودون دونَ أحَدٍ سِوَاهُم.
د. الطيَّار: أيضاً تُلاحِظُون، وهذه فائدة ذكرناها سابقاً من باب التّأكيد عليها، تكرار الاسم الجليل (الله)، لو نظرنا في الآيات السَّابقة قوله (آتاهُم الله من فضله) (لا يؤمنون بالله) (وماذا عليهم لو آمنوا بالله) (مما رَزَقهم الله) (وكان الله بهم عليماً) ويتكّرر هذا الاسم الجليل في الآيات القادمة.
د. الشِّهري: الآيات التي نتحَدَّث عنها يا إخواني الآن آيات الحقيقة عظيمة، والنّبي صلى الله عليه وسلّم قد طلب من عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن يقرأ عليه سورة النِّساء، فكان رضوان الله عليه يقرأ هذه الآيات حتى وصل إلى الآيات التّي نتحَدّث عنها الآن. الآيات التي بعدها (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (٤٠) فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ) أيّ يا محمّد عليه الصّلاة والسلام (عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (٤١)) عبد الله بن مسعود يقول فقال النبي صلى الله عليه وسلم حسبُك، فقال عبد الله بن مسعود فَنَظرتُ إليه فإذا هُو عيناه تَذرِفان عليه الصّلاة والسَّلام، والعُلماء يتحَدَّثون عن بُكاء النَّبي صلى الله عليه وسلّم عند هذه الآيات، وسبب بكائه النّبي صلى الله عليه وسلّم هل هُوَ من هذه الآية (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هؤلاء شهيداً) أو أنّه عمّا تقدَّم حتى الذِّي نتحدَّث عنه الآن من الآيات؟ والنَّبي صلّى الله عليه وسلَّم يَستحضِر وهُو يَسمع هَذه الآيات ما لَقِيَه النَّبي صلى الله عليه وسلم من المشركين من العَنَت ومن العَدَاء، ثمّ ما لَقِيَهُ من اليهود في المدينة ومن المنافقين، وكيف كان النّبي صلى الله عليه وسلّم يفهم القرآن الكريم، يعني نتخيَّل الآن نقول عبدالله بن مسعود ترجمان القرآن وأنه كان رضوان الله عليه من أعلم النّاس بالتفسير، يا أخي تخَيّل النّبي صلى الله عليه وسلّم وهُو أعلم النّاس بمعاني القرآن الكريم الذِّي أُنزِل عليه، كيف كان عليه الصّلاة والسّلام يتأَثَّر، ويتصَرّف مع هذا القرآن الكريم، كيف كان يفهم، كيف كان يتفاعل معها، كيف كان يقوم بها اللّيل، كيف كان يبكي من بعضها عليه الصَّلاة والسَّلام مِثل هذه الآية؟ ولا أدري هل هُناك آيات أخرى لها نظير في القرآن الكريم ثَبَت أنّ النّبي صلى الله عليه وسلّم بَكَى عندها؟
د. الطيّار: لا، إذا كان توَقّف عندها فَنَعم.
د. الشِّهري: مثل ماذا؟
د. الطيّار: مثل في قصة عيسى عليه السلام في آخر سورة المائدة (إن تُعَذِّبهُم فإنّهم عبادُك وإن تغفر لهم فإنّك أنت العزيز الحكيم) كرَرّها في وِتره عليه الصّلاة والسّلام.
د. الشّهري: في قوله (إنّ الله لا يظلم مثقال ذرّة) والحديث هنا عن الإنفاق يا شيخ محمد، ما علاقة هذه الآية بما قبلها من الآيات؟
د. الخضيري: أنا أقول هذه ممّا يُؤَكِّد ما ذكَرتَهُ قبل قليل يا دكتور مساعد (وكان الله بهم عليماً) أنَّه يُراد بها التّرَهيب لأولئك الذِّين أنفقوا رئاءً، أو بَخِلُوا، والتّرغيب في أنَّ ما أنفَقَهُ الإنسان فسيُخلِفُه الله عليه ولذلك قال (إنّ الله لا يظلمُ مثقال ذَرّة) يعني من علمه جلّ وعلا أنّ ما تُنفِقُه ولو كان مثقال ذَرّة وهذا غير حتّى مُتَصَّور لكن يُراد به في القلّة (لا يَظلِمُ مثقال ذَرّة) وإن كان شيئاً قليلاً لا يكاد يُرى بالعين الــمُجَرَّدة فالله عزّ وجل يُحصيه لك، ويُجازيكَ به، ويُعطيك أجره.
د. الشِّهري: (فمن يعمل مثقال ذَرّةٍ خيراً يَرَه . ومن يعمل مثقال ذَرّة شرّاً يره)
د. الخضيري: وبالمناسبة ما يأتي في مثل هذه الأساليب في ذِكر أقلّ القليل أوّ الكثير لا مفهوم له، لا يعني إنَّ الله لا يظلم مثقال ذرّة، أنَّ ما دون مثقال الذّرة يظلمه! لا، أستغفر الله، إنّما المراد المبالغة.
د. الشهري: ولذلك قال في آية أخرى (إنَّ الله لا يظلم النّاس شيئاً)
د. الخضيري: وفي الكَثرة قال (إن تستغفر سبعين مرّة) فلا يعني هذا انّه لو استغفر لهم واحداً وسبعين أو سبعمائة لَغَفَرَ الله لهم
د. الطيَّار: طبعاً الذَّرة هنا، بعض السَّلف مثل ابن عباس قال: رأس النَّملة أو عين النّملة الحمراء، وبعضهُم قال: النَّملة، وبعضهم قال الهَباءة، وبعضُهُم قال الخَردلة التِّي تكون مُتناهية في الصَّغر. في قراءة لابن مسعود (إنّ الله لا يظلم مثقال نملة).
د. الشِّهري: عجيب!.
د. الخضيري: إذا فتُفَسَّر الذَرّة على أنَّها النَّملة بهذه القراءة.
د. الطيّار: نعم، كُلّ هذه التَّعبيِرات التِّي وردتها عن السَّلف، فيها إشارة إلى القلّة شيء قليل جِدّاً لا يكاد يُوزن.
د. الخضيري: وإن كُلّ ما يعمله الإنسان يُمكن أن يكون فوقه، وهذا ملحظ مهم جِدّاً
د. الطيّار: نعم ، ولهذا لما قال لقمان (يا بُنيَّ إنّها إن تَكُ مثقالَ حبَّةٍ من خردلٍ فَتَكُن في صخرةٍ أو في السَّموات أو في الأرض يأتِ بها الله) بِــمَعنى أنَّ عِلمَ الله سبحانه وتعالى يَتَنَاهي إلى هَذا الشَّيء الحَقير الذِّي لا يَكاد يُرى ويأتِي به سبحانه وتعالى في أيّ مكان كان.
د. الشِّهري: هل يَصِّح يا شيخ أننّا نُفَسِّر الآية هنا الذّرة بأنَّها أصغر جزء من المادة التّي تتكّون من البُروتونات والنيّترونات...
د. الخضيري: ما هُنَاك شيء يمنع من ذلك، لأنَّ هذا الأُسلُوب عند العرب، هو أصلاً لو عبَّر الله سبحانه وتعالى بغير هذا ممّا اكتشفه النّاس الآن ما فَهمِه العرب، فالله عبَّر بما يُعَبِّر به العرب من الدّلالة على الصِّغَر، فالمقصود ذكر اللّفظة التي تدُلّ على هذا المعنى. قوله تعالى (إنَّ الله لا يظلم مثقال ذرّة) طبعاً لا يُراد بها نفي الظُّلم عن الله مُجردَّاً دون إثبات ضِدَّه وهو كَمَال العَدل، لأنّ النّفي الــمُجَرَّد ليس كَمَالاً ولا مدحاً.
د. الشّهري: مثل ما أقول والله أنت لستَ بخيلاً، وَلَستَ أحمقاً، وَلَستَ مُغفّلاً، وَلَست جاهلاً، وَلَست ....
د. الخضيري: لا، هذا بالمناسبة يكُون مَدحاً
د. الشهري: لا، بالعكس.
د. الخضيري: لأنَّ الــمُراد منه إثبات – إن شاء الله – الكمال، لكِن قــُل هذا التُّراب وهذا الجِدار ليس بخيلاً، ولا جَواداً ولا شُجاعاً، ليس مدحاً له، لأنَّه لا يتضَّمن كَمَال ضِدِّهِ.
د. الشِّهري:ولكن أحيانًا عندما آتي وأقول يا شيخ محمد الرَّجل ليس أحمقاً وليس مغَفّلاً هذا الحقيقة أشبه ما يكون بالتَّطويل
د. الطيّار: تطويل في غير مَحِلّه.
د. الخضيري: قُبيِّلة لا يَغدرُون بِذِّمَةٍ ولا يَظلِمون النَّاسَ حبة خردل
د. الشهري: المدح بنفي النّقص ليس في الحقيقة أسلوب مقبول يدلّ على المدح.
د. الخضيري: ولذلك نحن نقول لا يظلم لِكَمَال عَدلِه، لَيس لِعَجزه ولا لعدم قدرته
د. الطيّار: أحسنت، (وإن تَكُ حسنةً) بالفتح، وفي قراءة (وإن تَكُ حسنةٌ) بالضَّم فتكون كانَ تامّة، هذه من أمثلة (كان) التامة وقلنا أن كانَ التّامة قليلة.
د. الخضيري: يعني وإن تُوجد حسنةً أو تحدُث حسنةٌ يُضاعفها ويُؤتِ مِن لدُنهُ أجراً عظيماً.
د. الطيّار: وعلى القراءة الثَّانية (وإن تَكُ مِثقَال الذَرّة حسنةً (وأنَّثَها)
د. الخضيري: أو يُقال وإِن تَكُنُ الفَعلَةُ حسنةً يُضاعفها
د. الطيّار: لكنّه قال (وإن تكُ) يُرَدّها إلى مثقال الذّرة.
د. الشّهري: جميل، الفكرة التّي أردت أن أقولها إلى فضل الله سبحانه وتعالى في تعامله مع النّاس، وكيف أنّ الله سبحانه وتعالى يُضَاعِف الحسنة، ويَتَفَضَّل على الإنسان بمُضاعفتها، في حين أنَّ السَّيئة تبقى كما هي.
د. الخضيري: هذا من كَرَمِ الله .
د. الشِّهري: نعم، لاحظ أنّه قال في الآية التّي قبلها قال (ويكتُمُون ما آتاهم الله من فضله) هُنا يشير إلى هذا الفضل فيقول (وإن تَكُ حسنةً يُضاعفها ويُؤتِ من لدُنُه أجراً عظيماً)
د. الطيّار: ولم يُقِّيد التَّضعِيف بِشَيء فدلّ على
د. الخضيري: نعم، فَدَلَّ على أنَّ الــمُضاعفة في كُلِّ ما يَكُون في جانب الحسنات، لكن مضاعفة الله عَزَّ وَجل مَحضُ فضلٍ من الله، لذلك يُضَاعِف لهذا بعشر حسنات، وذاك بسبعين، وذاك بسبعمائة، وذلك على حسب ما يَحتَفّ بالعمل من الأحوال، رجُل يُنفِق من قِلَّة ريالاً، ورَجُلٌ يُنفِق مِن سَعَة ريالاً، ليسُوا سواءً!. قال النّبي صلى الله عليه وسلّم: سَبَقَ درهمٌ مائة ألف درهم، قالوا :وكيف يَسبِق يا رسول الله درهَمٌ، مائة ألف درهم؟ قال : أنفق رجُلٌ من عُرضِ ماله مائة ألف (طَرف ماله) ورجُلٌ له درهمان أنفق أحدهُما وأبقى الآخر، اُنظُر كأنّه أنفق نصفَ ماله!
د. الشِّهري: حدِّثنا يا شيخ محمّد عن هذه الآية التي بكى عندها النّبي صلى الله عليه وسلّم (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (٤١))
د. الطَيَّار: هناك آية شبيهة لها في سورة النّحل (ويوم نبعثُ في كُلّ أمَّة شهيداً عليهم من أنفسهم وجِئنا بكَ شهيداً على هؤلاء)
د. الخضيري: طبعاً هذا تذكير بــــموقف رسول الله صلى الله عليه وسلّم في ذَلِك الــموطِنّ الذِّي يَظهر فيه شرَفُ رسول الله صلى الله عليه وسلّم على كُلِّ وَلَدِ آدم، يبقى الخَليقة كُلُّهُم ينظرون إليه لأنّهَم في ذلك اليوم عندما يطُول بهم الموقف ويشتدّ عليهم الأمر، يُطالبون بفصل القضاء من طول اليوم ومن شِدَّة الهَول، فيذهَبُون إلى الأَنبياء وَيبدَأُون بآدم عليه السَّلام، ثمّ يَــــمُرُّون على نوح، ثمّ إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى وكلهم يعتذر إلى أن يقال لهم: اذهبوا إلى محمّد، اذهبوا إلى محمّد ولم يذكُر ذنباً ، ثمّ يذهب فيسجُد تحت قائمة العَرش، ويسجد فيفتح الله عليه من المحامد ما لم يفتحُه عليه من قبل، ثمّ يُقال: إرفع رأسك، وسَلْ تُعطه، واشفّع تُشَّفَع . هذا الموقف الذّي يحدُث للنّبي صلى الله عليه وسلّم موقف مهيب وهو المقام المحمود الذّي ذَكَرَه الله عز وجل له. فيقول الله عز وجل: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ ( يا محمد) عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (٤١) يعني تشهد عليهم.
د.الشّهري: يعني كأنّ المقصود بالشّهيد هنا النّبي.
د. الخضيري: نعم.
د. الطيّار: ولكنّه بمعنى الشّهادة وليست الحضور، وإنّما الشهادة عليهم، الحُكم عليهم بما عملوه
د. الخضيري: أو بالشّهادة أنّه بلّغهم، لذلك النبي صلى الله عليه وسلّم كان يحرص في مواطن التبليغ أن يقول: ألا هل بلّغت، اللهم فاشهد، ألاّ هل بلّغت. اللهمّ فاشهد. وينكُت بإصبعه الشريفة عليه الصّلاة والسّلام إلى النّاس.
د. الطيّار: طبعاً الشِّيخ عبد الرّحمن يقصد أنّ الشِّهيد هنا هو النّبي (من كُلِّ أُمّةٍ بشهيد) أيّ بِنــبيّ يشهد على قومه أنّه قد بلّغهُم رسالة الله إليهم، وبلَّغّهُم نُبُوَّة محمد صلى الله عليه وسلّم، (وجِئنا بكَ على هؤلاء شهيداً) فَعَمَمّ يحتمل (هؤلاء) على أُمَّتِك، أو على أنبياء الأمم، وهذا لا شكَّ أنّه من شَرَفه عليه الصّلاة والسّلام.
د. الشهري: التَّنوين هنا في قوله (يومئذٍ) ماذا يُسمّى شيخ محمّد؟
د. الخضيري: تنوين عِوض يكون عن حرف، يكون عن كلمة، ويكون عن جُملة.
د. الشِّهري: هُنا التَّنوين عِوَض عن جملة.
د. الخضيري: (يومئذٍ يَوَدُّ الذِّينَ كَفَروا) وهُنُا عَطَف، وقال (وعَصَوُا الرَّسول ) هو الذِّي يَعصِي الرَّسول قد كفر، لكن من باب التَّنصيص على أنّ مخالفة الرّسول مؤدِّية إلى الكُفُر .
د. الشّهري: وأيضاً مناسبة لقوله (وجِئنا بِكَ على هؤلاءِ شهيداً).
د. الطيّار: وفيه تكريم للرّسول صلى عليه وسلّم بذكر الرّسالة
د. الخضيري: وفيه دلالة – مثل ما ذكر دكتور عبدالرّحمن- على أنَّ المقصود بالشّهادة الشَّهادة على أنَّه بَلَّغ وأدَّى ما أُوحِي َإليه. إذاً أنتم عصيتم وهُو قد بلَّغكم، يعني بذَلَ كُلّ مَا في وِسعه من أجل ان يُوصِلَ رسالةَ ربّه إليكم، فليست خافية عليكم، ولا حُجّة لكم، وقد عصيتم!.
د. الشِّهري:الحقيقة أنا أوّل مرّة أتوَقّف مع أنّ هذه الآية قرأت حديث عبد الله بن مسعود قرأته كثيراً، ولكن لم أتوقف يوماً عند معرفة سبب بُكاء النَّبي صلى الله عليه وسلّم، يعني لماذا بكى عليه الصّلاة والسّلام عند هذه الآية بالضّبط؟ لكن الآن عندما تُدَّقِق فيها تظهر لك فعلاً، أوّلاً بُكاءه صلى الله عليه وسلّم شَفقَةً على أمته، لأنّه كان عليه الصّلاة والسّلام شديد الشَّفقة على الأمة، وقصّة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مع النَّبي صلى الله عليه وسلّم عندما قال له: اقرأ عليَّ القرآن، لم أتّوقف عند سبب بُكاء النّبي صلى الله عليه وسلّم مثل هذه المرّة، يعني لماذا بكى النَّبي صلى الله عليه وسلّم؟ كان يتبادر إلى ذِهني، بُكاء النّبي صلى الله عليه وسلّم شفَقَةً على أُمَّته، عندما يذكر الله سبحانه وتعالى أنّه سوف يأتي شهيداً يوم القيامة على هَذه الأُمّة، ويأتي شهيداً على الأمم، فكأَنّ النّبي صلى الله بكى على حال هؤلاء الذّين عَصَوه، شَفَقَةً بهم ورحمةً بهم، ولكن الآن تبيَّن لي - ما ذكرتموه يا شيخ محمّد- من قضيّة تذّكُرَه لمهابة ذلك اليوم وكونه يأتي عليه الصّلاة والسّلام يشهد على هؤلاء الأُمم جميعاً، ثمّ من هُم؟ فيهم آدم، فيهم إبراهيم، وفيهم نوح، وفيهم إدريس، وفيهم موسى، وفيهم عيسى.يعني موقف مهيب.
د. الخضيري: وفيها شيءٍ آخر، في قوله في اليَّهُود (ويكتُمُونَ ما آتاهُم الله من فضله) هُنَا يُظهر الله عزّ وجل فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويظهر هذا الفَضل في كتاب الله، ويَعترف به رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ويُشيعه بين النّاس، ويتحَدّث بنعمة الله، ويقول (أنا سيّد وَلَدِ آدم ولا فَخَر) وأنا الشَّافع والــمُشَّفع والحاشِر والــمُقَفَّى إلى آخر ما ذكر من أوصافه لِيَتَحدَّث عن نعمة الله .
د. الشّهري: ما أجمل هذا! وما أجمل ما سيأتي أيضاً في قوله تعالى (أم يحسُدون النّاس على ما آتاهُم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم (والنّبي صلى الله عليه وسلم من آل إبراهيم) الكتابَ والحُكم والنبّوة وآتيناهم مُلكاً عظيماً) باللّه يا إخواني من الذّي أُوتِيَ مثل ما أُوتِيَ آل إبراهيم؟! يعني امتنان من الله سبحانه وتعالى.
د. الطيَّار: في بعض الطُّرُق في رواية ابن مسعود ورد أنّه لما قال (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (٤١)) قال أقول كما قال العبد الصّالح (وكنُت عليهم شهيداً ما دُمتُ فيهم فلمّا توَّفيتني كنت أنت الرَّقيب عليهم)
د. الخضيري: لعلّ هذا يُشعِر بأنّ هذا المقام مقام خوف صلى الله عليه وسلّم أنّه إذا شَهِد على أمّته بالبلاغ أنّه سيُفرز الذّين عَصَوا وكَذَّبُوا فيُعَذَّبُوا وأنّه يَخاف على أمّته وهذا من كمال شفقته كما أسلفتم .
د. الطيّار: في قوله (لو تُسَوَّى بهم الأرض)
د. الخضيري: هذا الآن جواب (يَوَدُّ الذّين كفروا وعَصَوا الرَّسول لو تُسوّى بهم الأرض)
د. الطيّار: نعم، (تُسَوَّى ) قُرِئت هكذا، وقراءة أخرى (تسَّوى) أيّ تتسوى بهم الأرض
د. الشِّهري: وفي كلام النّاس قولهم: سأُدّمّر هذه القرية وأُسوِّيها بالأرض يعني ألغيها
د. الطيّار: نعم، قاعاً صفصفًا، ففيها هذا الاحتمال وهذا الاحتمال. وأنت لو تأمّلت الملمح الدّقيق في قوله (لو تُسَوَّى بهم الأرض) أيّ يُجعلون هم والأرض سواء فيكونون ترابًا كما قال الله سبحانه وتعالى في آخر سورة النّبأ، أو تسوى بهم الأرض يعني يكونون تحت الأرض بمعنى أنّهم يموتون ولهذا هُم يتمنُّون الموت.
د. الشّهري: طيِّب لماذا يتمنَّون هذا؟ ما معنى قوله: (ولا يكتُمونَ الله حديثاً)
د. الطيّار: لأنّه ظهر لهم مَا كان خافياً.
د. الشِّهري: يعني هُم يتمنُّون أنّها تُسَّوَى بهم الأرض وكأنّهَم لم يكونوا، حتى لا يَقِفُوا في هذا الموقف الذِّي لا يستطيعون فيه أن يكتُموا الله حديثاً، انفضَحُوا كما قال الله (وَوُضِعَ الكتاب وترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مالِ هذا الكتابِ لا يُغادرُ صغيرةً ولا كبيرةً إلاّ أحصاها ووجَدوا ما عَمِلُوا حاضراً ولا يظلمُ ربُّكَ أحداً). وهذه من مهارات ودقائق تفسير القرآن بالقرآن تحتاج الحقيقة إلى بحث دقيق. يعني الآن عندما يحمل بعض السَّلَف معنى آية على معنى آية أخرى يأتي بعض الباحثين أحياناً فلا يفهم وجه الرَّبط يظُنّ أنّ الصّحابي يحملها عليها بكُلّ المعاني وإنّما هو يلمح إلى المعنى اللُّغَويّ. يعني مثلاً في قوله: (ويلٌ للمُطَفِّفين. الذّين إذا اكتالوا على النَّاس يستَوفُون) فيأتي سلمان الفارسي ويرى رجُلاً ينقر صلاته فيقول (ويلٌ للمُطَفِّفين) وسّع المعنى واعتبر الذّي يُصلّي وينقُر صلاته مُطَفّف مع أنّ الآية وردت في الذّين إذا اكتالوا على النّاس يستوفون.
د. الخضيري: في قوله (ولا يكتمُونَ الله حديثاً) طبعاً هذه ليست معطوفة على قوله (لو تُسَوَّى بهم الأرض) بل هي معطوفة على قوله (يومئذٍ يَوَدُّ الذِّين كفروا لو تُسَوّى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا) الواو عاطفة على أول جملة وليس على (تسوى) أحياناً القارئ قد تُشكل عليه الآية لو عَطَف على القريب (يومئذٍ يَوَدُّ الذِّين كفروا لو تُسَوّى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا)
د. الشّهري: ولا شكّ أنّه استدلال ممتاز جِدّاً الحقيقة قلّ من يتَنَبَه إليه في هذا الحديث يربطَهُ بعلم الوقف والابتداء.
د. الطيّار: هل في قوله (ولا يكتُمُونَ الله حديثاً) هل له ارتباط بقوله (ويكتُمُون ما آتاهم الله من فضله)؟
د. الشّهري: هي تشترك في الكتمان.
د. الخضيري: وأيضاً إن كتمت فإنه سيأتي يوم لن تستطيع أن تكتُمه
د. الطيّار: لأننا قُلنا قبل قليل لــمّا تكلّمتم أنّه قال (وَجِئنا بِكَ على هؤلاء شهيداً) أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلّم يُظهر ما أخفاه وكتَمهُ هؤلاء اليهود.
د. الخضيري: في قوله (وعَصَوا الرَّسول) الرّسول هنا يمكن أن نحملها على الجِنسية يعني الألف واللاّم على الجِنس عَصَوا كُلّ رسول، وليست خاصَّة برسول صلى الله عليه وسلّم، ويُمكُن تُحمل على العهد أيضاً وعَصَوا الرّسول هذا
د. الشّهري: وأيضاً يُمكن أن تُحمل على أنَّ من عصى النبي صلى الله عليه وسلّم فكأنّه عصَى كُل الرُّسُل كما ورد في قصّة قوم نوح وقوم إبراهيم قال (كَذَّبُوا الرُّسُل)
د. الطيّار: (كذّبت قوم نوح ٍ المرسلين).
د. الشّهري: ومَا أُرسِلَ لهم إلا نوح، وما كان قبله رسول
د. الخضيري: لأنَّ تكذيب الواحد يعدل تكذيب للجميع
د. الشّهري: بقي معنا يا إخواني دقيقة لعلّنا نُلَّخص فيها هذه الآيات لعلَّك يا دكتور محمّد تُلَّخص لنا ما تحدّثنا به سابقاً.
د. الخضيري: يعني هذه الخِصال التّي ذكرها الله جلّ وعلا كيف أنّ الإنسان يُمكنه ان يَعُدَّها ثُــمَّ ينظر إذا كانت مذمومة أن يتَّقيها ويعلم أنّ الله قد ذمّها وتوعّد عليها بهذا الوعيد العظيم. وإن كانت طيّبة وإذا به يحرص على الاتّصاف بها، مثلًا البخل، أمر النّاس بالبُخُل، كتمان ما آتاك الله من فضله، الإنفاق رئاءً، ترك الإيمان بالله واليوم الآخر، هذه كُلُّها خصال ذمّها الله. وفي المقابل أمَرَ الله بالإيمان، والإنفاق ممّا رزَقَنا الله، والتّحدّث بنعمة الله، والكرم، فيجب على الإنسان أن يَعرِض نفسه على القرآن ويجتهد في أن يَتَخَلّق بأخلاقه.
د. الشّهري: نسأل الله أن يرزُقُنا وإيّاكم العمل بكتاب الله تعالى، وما أحوجنا فعلاً يا إخواني أن نعرِض أعمالنا على كتاب الله كل ّيوم، حتى ينظر الإنسان أين مكانك من كتاب الله، نسأل الله أن يجعلنا وإيّاكم من أهل القرآن.
إنتهى الوقت في هذا اللّقاء أيّها الإخوة، ولعلّنا بإذن الله تعالى نُكمل معكم المجلس القادم في سورة النّساء في هذا المكان من مَدينة النَّماص، إلى ذلك الحين نستودعكم الله، والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بُثّت الحلقة بتاريخ 22 رمضان 1431 هـ
 
الحلقة 22
تأملات في سورة النساء (الآيات 38 – 42)
د. الشهري: بسم الله الرّحمن الرّحيم،الحمدلله ربّ العالمين وصلَّى الله وسلّم وبارك على سيِّدنا ونبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أيُّها الإخوةُ المشاهدون الكِرام في كُلِّ مكان، السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته وحيَّاكم الله في هذا اللِّقاء القُرآني الـــمُتَّجِدّد في برنامجكم " بيّنات". وأُرَّحِب باسمكم أيُّها الإخوة المشاهدون بإخواني الفُضَلاء في هذا المجلس الدُّكتور/ مساعد بن سليمان الطيَّار، والدُّكتور/ محمد بن عبد العزيز الخضيري. وقد توَقَّفنا في اللِّقاء الماضي أيُّها الإخوة في هذا المكان الذِّي نتحَدَّثُ فيه ونجلس فيه اليوم في هذا الصَّباح الجميل في مدينة النَّماص، كُنَّا تَوَقَّفنا عند قوله تعالى (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (38) وتوقَّفَ بِنَا الحديث عند الآية التِّي تليها (وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (39)). وتحدَّثنا في معاني هذه الآيات وفي بعض الاستنباطات والدِّلالات فيها والمعاني التَّربوية، ولعلَّنا نبدأ في هذا اللِّقاء بالحديث عن الآيات التي تليها، ونستمِع إلى هذه الآيات والآيات التي تليها مُرَتَّلةً، ثُمَّ نعود إلى الحديث حولها بإذن الله تعالى.
تلاوة من سوة النِّساء من الآية ( 38- 42)
(وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (38) وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (39) إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40) فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42))
وبعد أَنِ استمعنا أيُّها الإخوة لهذه الآيات العظيمة من سورة النِّساء، نُدير الحديث مع إخواني في هذا المجلس. كُنّا تَحدّثنا يا دكتور مساعد في الحلقة الماضية عن التّقديم والتَّأخير في قوله (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ) ثمّ جاء في الآية التي بعدها وقال (وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ). فَعَكَسَ التَّرتيب لعلَّك تُذَّكِرنا بِهذه الدِّلالة، ثُمَّ نَنطَلِق إلى الآيات التي بعدها يا شيخ مساعد
د. الطيّار: طبعاً قبل - إن تكَرَّمت - طبعاً قلنا نحن إنَّ الآية الأولى (الذِّين يَبخَلُونَ ويأمُرُونَ النَّاس بالبُخل ....) أنَّها من وصف من كان مُختالاً فخوراً، وكان فِيه حُسُن تَخَلُّص عن ذِكر الـــمُختال الفَخُور إلى مثال لهما من اليهود. ثمّ مثال آخر نسينا أن نذكر هذه الفائدة المثال الآخر في (والذين يُنفقون) أيّ صنف آخر من المختال الفخور (الذِّين يُنفقون أموالهم رئاء النَّاس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) وهذه تشمل الكُفّار والمنافقين.
د. الشِّهري: جميل، يعني يكون في الآية التي قبل ذَكَرَ (الذِّين يَبخَلُون ويأمرون النَّاس بالبُخل) يعني يُمسِكُونَ أيديهم، وهُنا ذَكَرَ صِنفًا آخر هُم يُنفقون ولا يبخلون ينفقون ولكنَّهُم يُنفِقُون لغير وجه الله رئاءً للنَّاس.
د. الطيّار: لذا لاحظ لـــمَّا قال ( وأعتدنا للكاَفِرين عذاباً مُهِيناً . والذِّين يُنفِقون) أيّ أعتدنا لهم أيضاً عذاباً مُهِيناً إشترك الجميع في صِفَة الــــكُفُر هنا. في الآية الأخرى التِّي سألت عنه لــمَّا قَدَّم الإيمان لأنَّه من لوازم الإيمان الإنفاق ولهذا قال (وماذا عليهم لو آمنوا) فجاءَ بالأصل وهو الإيمان فقدَّمه لأنَّه هُوَ الأَصل. وهُنَاك قدَّم الرِّياء الذِّي هو إنفاق المال رياءً لأنّه بالنِّسبة لهم هو الـــمُبتَغَى وهُوَ الــمُراد وأَخَّرَ الــإيمان لأنَّه قال (يُنفِقُون ولا يُؤمنون) فَقَدَّم مَا هُو من صِفتهم وعنايتهم به أكثر، وأَخَّرَ الإيمان لأنّهم لا يُؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، وعَكس هنا فبيِّن أنّهَم لو كانوا يُؤمنون لحصَلَ منهم الإنفاق لوجه الله تعالى وَلَيس رئاء النَّاس.
د. الشِّهري: بهذه المناسبة كُنت أقرأ في كتاب عن ( الإِنفاق في الــمُنَظَّمات التنصيرية) طبعاً هُم لديهم إنفاق كبير جِدّاً، ويُنفِقُون إنفاقاً أَضخم من إنفاق المسلمين في خدمة العمل الخيري، فيذكُر البَّاحث يقول: بالرَّغم من هذا الإنفاق الذِّي يُنفقه النَّصارى وغيرهم إلاّ أنّ الذِّي يَتَتبّع الدَّافع إلى الإنفاق يجد أنّه التَّهَرُّب من الضَّرائب، غَسيل الأموال يعني من هذا النُّوع الذِّي لا يُرَاد به وجه الله سبحانه وتعالى كما قال الله هُنا (يُنفِقُون أموالهم رئاء النَّاس). وَلاحِظ أنَّه قال أموالهم فأشار إلى أنَّه أموالهم فهم يُفترض أن يحرصوا عليها وأنّها قرينةُ النَّفس، المال في يَدِ الإنسان ولكن بالرَّغم من ذلك لأنّهم يبتغون هذه الدِّعاية وَهَذه السُّمعة فإنَّهُم يُنفِقونها. ولذَلِك أنا قرأت مرَّة عن أحد الأَثرياء - أمريكي- تبَّرع بــما أتصَّور أنّه وصل إلى 15 مليار دُولار أمريكي، وَأَوقَفَها لمؤسسة خيرية. تأتي إلى هذا البَّاحث - وهُوَ بَاحِث يعمل في العمل الخيري بكثرة وفي دِراساته يقول: تَجِد الثَّمرة التِّي تَنتُج عن هذا الإنفاق الذِّي يُنفِقُونه على مُنَظَّمات التَّنصير وعلى جُهُودهم يتصَدَّى له إنفاق بسيط جِدّاً من إنفاق المؤمنين الصَّادقين لوجه الله سبحانه وتعالى مـِـمَّن ينطبق عليهم قول الله تعالى (إنّما نُطعِمُكُم لوجه الله لا نُريدُ منكم جزاءً ولا شُكُوراً)، تُوازِن بين هذا المعنى وهذا التَّصَرُّف (الذِّين يُنفقون أموالهم رئاءَ النَّاس) وبين الذِّين يُنفِقُون أموالهم ولا يريدون جَزاءً ولا شُكُوراً إلاَّ رِضَا الله سبحانه وتعالى.
د. الخضيري: تأكيداً لِكَلامِك سُبحَان الله، هؤلاء إذا أنفقوا يُنفِقون ويُجزِلُون في العطاء، لكن إذا عَرَفت الأسباب اتَّضَحت لك القضيِّة، العَجِيب أنَّ النَتَائِج ما هِيَ؟ النتَّائج خمسة وثمانين بالمائة من هذا الإنفاق يذهب في جُيُوب الذِّين يُدِيرون ذلك العمل، يعني الذِّي يتَبَقَّى للفُقَراء المقصُودين أوالــمُستَهدَفين أيًّا كانُوا هِي خمسةَ عشرَ بالمائة من مُجمل التَّبَرُع، وهذه كَشَفَها أحد البَّاحثين الغَربيِّين في مَقالة تَزدَرِي المجتمع الغَربيِّ كيف نَحن نبذُل هذه الأموال الطَّائلة، وفي النِّهاية يعني مائة مليار لا يصل إلى الفُقَراء منها إلا (15) مليار و (85) مِليار تذهب في جيوب هؤلاء في إدارة العمل! لا بَرَكَةَ فيها.
د. الشِّهري: ما عندهم احتساب يا شيخ .
د. الخضيري: هناك ناس يَحتسبون، لَكِن في الجُملة هُناك خَلق كثير يَسترزِقُون من وَراء هذه الأشياء ويُبَّذِرونها ويُبَدِّدُونها وهذا جزاء من الله سبحانه وتعالى لهم عاجل في الدُّنيا. المؤسسات الخيرية الإسلامية تدخل إلى بعض الدُّول بملايين يسيرة جِدًّا بل مُتواضعة، ويمكن يُعدّ على أصابع اليد الواحدة ومع ذلك تُحدِث من الأثر شيئًا هائِلًا جِدّاً ولذلِك أنا أقول الحملة على الإرهاب من أعظم أسبابها هو هذه الغَيرة مِن المؤسسات الخَيرية الإسلامية التي تعمل في العَالم الإسلامي وفي غيره لأنّهم وَجَدُوا أنَّ لها آثار بالغة مع قِلَّتها لأنَّ غَالِب من يعمل فيها هم ناس مُحتَسِبون. وانظر مثلاً تَجِد ملجأ للأيتام يُديره الغَربيُّون تكلفِتهُ في السَنّة مليون دولار، مثله وأكثر عدداً من الأيتام يُديره المسلمون بمائة ألف دولار، انظر الفرق! يعني عشرة أضعاف
د. الطيّار: الصِّيغة في قوله (وماذا عليهم ...)
د. الشِّهري: استفهام استنكاري.
د. الطيّار: يعني هناك براعة في استخدام هذا الأسلوب، الذِّي إذَا نَظَرت إليه لأوَّل مرّة لا يُعطيك هذا المعنى.
د. الخضيري: لكنّه يُحَفِّز. والغَريب هذا الأسلوب موجود في القرآن في مواطن منها قول الله عزَّ وجل (وما أُمِروا إلاّ ليعبُدُوا الله مُخلصين له الدِّين حُنَفاء) يعني الذِّي أَمرناهم به مــمَّا أعرضوا عنه وكفروا به هو شيءٌ ظاهر وواضح تُقِّرُهُ العقول، وهو من دينهم (وما أُمِروا إلاّ ليعبُدُوا الله مُخلصين له الدِّين حُنَفاء ويُقيموا الصّلاة ويُؤتوا الزّكاة وذلك دينُ القيِّمة) يعني هل محمد صلى الله عليه وسلم جاء إليكم لِيقُول لكم إجمعوا لي أموالكم، أو أعطوني نساءكم، أو غيَّر في ما جاء به الأنبياء؟! إنّما جاء بشيء جاء به من قَبلَه، فلماذا أنكرتُم؟ ولماذا لا تؤمنوا؟
د. الشِّهري: الحقيقة لفت نَظَري في الآيتين أيضاً الامتنان من الله سبحانه وتعالى في الآية الأولى وفي الآية الثَّانية في قوله ( ويكتُمُونَ ما آتاهُم الله من فضله) يعني هل جزاءُ الإحسانِ إلاَّ الإحسان؟ أنَّ الله ما دام تفَضَّل عليك وأَعطاك إن لم يكن الجزاء أنّك تُقَدِّم وتبذل. وأيضاً في الآية التي بعدها في قوله (وأنفقوا ممّا رزَقَهُم الله) تُلاحِظُون الامتنان على الآخرين بما تُعطِيهم لا شَكّ أنّه ليس من مكارِم الأخلاق.
د. الطيّار: ولكنَّه من الله
د. الشِّهري: نعم، وأنَّ الله قد ذَمَّهُ وقال (ولا تُبطِلُوا صدقاتِكُم بالمنّ والأذى) لَكِنَّه من الله سبحانه وتعالى مقبول أليس كذلك؟! فالله سبحانه وتعالى يَـــمتَنّ علينا بخَلقِنا، يمتن علينا بالصِّحة، يــمتنّ عليك بالرِّزق، يــمتنّ عليك بالفضل، يــمتَنّ عليك بالعلم، وأنت لا تملك إلا ّ أن تُذعِن لهذا الامتنان، لأنّ الله سبحانه وتعالى هو الــمُتَفَضِّل به ابتداءً.
د. الخضيري: في هذه الآية (وأنفقوا مــمَّا رَزَقَهُم الله) فائدة عظيمة جِدّاً وهي أنّ الإنسان يسعى في طلب الرِّزق، لكن يعلم أنّ الرزَّاق هُو الله، وأنَّه لا رزق إلا إِذا أَذِنَ الله، وعليه وأنت تسعى إعلم أنَّ هذه الوسائل والأسباب التِّي تفعلها ما هي إلاَّ أسباب إذا لم يأذَن الــمُسَبِّب بإبلاغك أو إِيصالك إلى المقصود لن يحصُل شيء. ولذلك اسعى في طلب الرِّزق وابحث عنه، واجتهد لكن إجعل قلبك بين يَدِيّ الله – عزَّ وجل – واعلم أنّه لا رزق إلا من عنده، انظُر قال (وأنفَقُوا ممّا رَزَقَهُمُ الله) ولم يَقُل (كَسَبُوا ) أو (اجتهدوا) أو (حَصَّلُوا) بل قال (رزقهم الله) .
د. الطيّار: قوله (وكان الله بــــهِم عليماً) جاء بالضّمير هُنا ، مع انّه سَبَق قال (وأعتدنا للكافرين) هو يتكّلم الآن عن هذه الأصناف الذِّين يبخَلُون، والذِّين يُنفقون أموالهم رئاءَ النّاس قال عنهم (وكانَ الله بهم عليماً) اسم الله العليم الــمُتَضَّمِن لصفة العلم، طبعاً مقامه الآن هنا هُو مقام المراقبة والتّهديد، لأنَّ السِّياق مَعَ أُناس يَبخَلُون، ويأمُرون النّاس بالبُخُل، ويكتُمُون ما آتاهم الله من فضله، وأُنَاس (يُنفِقُون أموالهم رئاء النّاس ولا يُؤمنون بالله و لا باليوم الآخر وكان الله بهم عليماً). أيّ وكان الله عليماً بهم.
د. الخِضِيري: طبعاً رِعَاية الفَاصلة من جِهة، وأيضاً المعنى البلاغي يُقَدَّم هؤلاء للدَّلالة على أنّهم هُـــمُ المقصُودون دونَ أحَدٍ سِوَاهُم.
د. الطيَّار: أيضاً تُلاحِظُون، وهذه فائدة ذكرناها سابقاً من باب التّأكيد عليها، تكرار الاسم الجليل (الله)، لو نظرنا في الآيات السَّابقة قوله (آتاهُم الله من فضله) (لا يؤمنون بالله) (وماذا عليهم لو آمنوا بالله) (مما رَزَقهم الله) (وكان الله بهم عليماً) ويتكّرر هذا الاسم الجليل في الآيات القادمة.
د. الشِّهري: الآيات التي نتحَدَّث عنها يا إخواني الآن آيات الحقيقة عظيمة، والنّبي صلى الله عليه وسلّم قد طلب من عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن يقرأ عليه سورة النِّساء، فكان رضوان الله عليه يقرأ هذه الآيات حتى وصل إلى الآيات التّي نتحَدّث عنها الآن. الآيات التي بعدها (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40) فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ) أيّ يا محمّد عليه الصّلاة والسلام (عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41)) عبد الله بن مسعود يقول فقال النبي صلى الله عليه وسلم حسبُك، فقال عبد الله بن مسعود فَنَظرتُ إليه فإذا هُو عيناه تَذرِفان عليه الصّلاة والسَّلام، والعُلماء يتحَدَّثون عن بُكاء النَّبي صلى الله عليه وسلّم عند هذه الآيات، وسبب بكائه النّبي صلى الله عليه وسلّم هل هُوَ من هذه الآية (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هؤلاء شهيداً) أو أنّه عمّا تقدَّم حتى الذِّي نتحدَّث عنه الآن من الآيات؟ والنَّبي صلّى الله عليه وسلَّم يَستحضِر وهُو يَسمع هَذه الآيات ما لَقِيَه النَّبي صلى الله عليه وسلم من المشركين من العَنَت ومن العَدَاء، ثمّ ما لَقِيَهُ من اليهود في المدينة ومن المنافقين، وكيف كان النّبي صلى الله عليه وسلّم يفهم القرآن الكريم، يعني نتخيَّل الآن نقول عبدالله بن مسعود ترجمان القرآن وأنه كان رضوان الله عليه من أعلم النّاس بالتفسير، يا أخي تخَيّل النّبي صلى الله عليه وسلّم وهُو أعلم النّاس بمعاني القرآن الكريم الذِّي أُنزِل عليه، كيف كان عليه الصّلاة والسّلام يتأَثَّر، ويتصَرّف مع هذا القرآن الكريم، كيف كان يفهم، كيف كان يتفاعل معها، كيف كان يقوم بها اللّيل، كيف كان يبكي من بعضها عليه الصَّلاة والسَّلام مِثل هذه الآية؟ ولا أدري هل هُناك آيات أخرى لها نظير في القرآن الكريم ثَبَت أنّ النّبي صلى الله عليه وسلّم بَكَى عندها؟
د. الطيّار: لا، إذا كان توَقّف عندها فَنَعم.
د. الشِّهري: مثل ماذا؟
د. الطيّار: مثل في قصة عيسى عليه السلام في آخر سورة المائدة (إن تُعَذِّبهُم فإنّهم عبادُك وإن تغفر لهم فإنّك أنت العزيز الحكيم) كرَرّها في وِتره عليه الصّلاة والسّلام.
د. الشّهري: في قوله (إنّ الله لا يظلم مثقال ذرّة) والحديث هنا عن الإنفاق يا شيخ محمد، ما علاقة هذه الآية بما قبلها من الآيات؟
د. الخضيري: أنا أقول هذه ممّا يُؤَكِّد ما ذكَرتَهُ قبل قليل يا دكتور مساعد (وكان الله بهم عليماً) أنَّه يُراد بها التّرَهيب لأولئك الذِّين أنفقوا رئاءً، أو بَخِلُوا، والتّرغيب في أنَّ ما أنفَقَهُ الإنسان فسيُخلِفُه الله عليه ولذلك قال (إنّ الله لا يظلمُ مثقال ذَرّة) يعني من علمه جلّ وعلا أنّ ما تُنفِقُه ولو كان مثقال ذَرّة وهذا غير حتّى مُتَصَّور لكن يُراد به في القلّة (لا يَظلِمُ مثقال ذَرّة) وإن كان شيئاً قليلاً لا يكاد يُرى بالعين الــمُجَرَّدة فالله عزّ وجل يُحصيه لك، ويُجازيكَ به، ويُعطيك أجره.
د. الشِّهري: (فمن يعمل مثقال ذَرّةٍ خيراً يَرَه . ومن يعمل مثقال ذَرّة شرّاً يره)
د. الخضيري: وبالمناسبة ما يأتي في مثل هذه الأساليب في ذِكر أقلّ القليل أوّ الكثير لا مفهوم له، لا يعني إنَّ الله لا يظلم مثقال ذرّة، أنَّ ما دون مثقال الذّرة يظلمه! لا، أستغفر الله، إنّما المراد المبالغة.
د. الشهري: ولذلك قال في آية أخرى (إنَّ الله لا يظلم النّاس شيئاً)
د. الخضيري: وفي الكَثرة قال (إن تستغفر سبعين مرّة) فلا يعني هذا انّه لو استغفر لهم واحداً وسبعين أو سبعمائة لَغَفَرَ الله لهم
د. الطيَّار: طبعاً الذَّرة هنا، بعض السَّلف مثل ابن عباس قال: رأس النَّملة أو عين النّملة الحمراء، وبعضهُم قال: النَّملة، وبعضهم قال الهَباءة، وبعضُهُم قال الخَردلة التِّي تكون مُتناهية في الصَّغر. في قراءة لابن مسعود (إنّ الله لا يظلم مثقال نملة).
د. الشِّهري: عجيب!.
د. الخضيري: إذا فتُفَسَّر الذَرّة على أنَّها النَّملة بهذه القراءة.
د. الطيّار: نعم، كُلّ هذه التَّعبيِرات التِّي وردتها عن السَّلف، فيها إشارة إلى القلّة شيء قليل جِدّاً لا يكاد يُوزن.
د. الخضيري: وإن كُلّ ما يعمله الإنسان يُمكن أن يكون فوقه، وهذا ملحظ مهم جِدّاً
د. الطيّار: نعم ، ولهذا لما قال لقمان (يا بُنيَّ إنّها إن تَكُ مثقالَ حبَّةٍ من خردلٍ فَتَكُن في صخرةٍ أو في السَّموات أو في الأرض يأتِ بها الله) بِــمَعنى أنَّ عِلمَ الله سبحانه وتعالى يَتَنَاهي إلى هَذا الشَّيء الحَقير الذِّي لا يَكاد يُرى ويأتِي به سبحانه وتعالى في أيّ مكان كان.
د. الشِّهري: هل يَصِّح يا شيخ أننّا نُفَسِّر الآية هنا الذّرة بأنَّها أصغر جزء من المادة التّي تتكّون من البُروتونات والنيّترونات...
د. الخضيري: ما هُنَاك شيء يمنع من ذلك، لأنَّ هذا الأُسلُوب عند العرب، هو أصلاً لو عبَّر الله سبحانه وتعالى بغير هذا ممّا اكتشفه النّاس الآن ما فَهمِه العرب، فالله عبَّر بما يُعَبِّر به العرب من الدّلالة على الصِّغَر، فالمقصود ذكر اللّفظة التي تدُلّ على هذا المعنى. قوله تعالى (إنَّ الله لا يظلم مثقال ذرّة) طبعاً لا يُراد بها نفي الظُّلم عن الله مُجردَّاً دون إثبات ضِدَّه وهو كَمَال العَدل، لأنّ النّفي الــمُجَرَّد ليس كَمَالاً ولا مدحاً.
د. الشّهري: مثل ما أقول والله أنت لستَ بخيلاً، وَلَستَ أحمقاً، وَلَستَ مُغفّلاً، وَلَست جاهلاً، وَلَست ....
د. الخضيري: لا، هذا بالمناسبة يكُون مَدحاً
د. الشهري: لا، بالعكس.
د. الخضيري: لأنَّ الــمُراد منه إثبات – إن شاء الله – الكمال، لكِن قــُل هذا التُّراب وهذا الجِدار ليس بخيلاً، ولا جَواداً ولا شُجاعاً، ليس مدحاً له، لأنَّه لا يتضَّمن كَمَال ضِدِّهِ.
د. الشِّهري:ولكن أحيانًا عندما آتي وأقول يا شيخ محمد الرَّجل ليس أحمقاً وليس مغَفّلاً هذا الحقيقة أشبه ما يكون بالتَّطويل
د. الطيّار: تطويل في غير مَحِلّه.
د. الخضيري: قُبيِّلة لا يَغدرُون بِذِّمَةٍ ولا يَظلِمون النَّاسَ حبة خردل
د. الشهري: المدح بنفي النّقص ليس في الحقيقة أسلوب مقبول يدلّ على المدح.
د. الخضيري: ولذلك نحن نقول لا يظلم لِكَمَال عَدلِه، لَيس لِعَجزه ولا لعدم قدرته
د. الطيّار: أحسنت، (وإن تَكُ حسنةً) بالفتح، وفي قراءة (وإن تَكُ حسنةٌ) بالضَّم فتكون كانَ تامّة، هذه من أمثلة (كان) التامة وقلنا أن كانَ التّامة قليلة.
د. الخضيري: يعني وإن تُوجد حسنةً أو تحدُث حسنةٌ يُضاعفها ويُؤتِ مِن لدُنهُ أجراً عظيماً.
د. الطيّار: وعلى القراءة الثَّانية (وإن تَكُ مِثقَال الذَرّة حسنةً (وأنَّثَها)
د. الخضيري: أو يُقال وإِن تَكُنُ الفَعلَةُ حسنةً يُضاعفها
د. الطيّار: لكنّه قال (وإن تكُ) يُرَدّها إلى مثقال الذّرة.
د. الشّهري: جميل، الفكرة التّي أردت أن أقولها إلى فضل الله سبحانه وتعالى في تعامله مع النّاس، وكيف أنّ الله سبحانه وتعالى يُضَاعِف الحسنة، ويَتَفَضَّل على الإنسان بمُضاعفتها، في حين أنَّ السَّيئة تبقى كما هي.
د. الخضيري: هذا من كَرَمِ الله .
د. الشِّهري: نعم، لاحظ أنّه قال في الآية التّي قبلها قال (ويكتُمُون ما آتاهم الله من فضله) هُنا يشير إلى هذا الفضل فيقول (وإن تَكُ حسنةً يُضاعفها ويُؤتِ من لدُنُه أجراً عظيماً)
د. الطيّار: ولم يُقِّيد التَّضعِيف بِشَيء فدلّ على
د. الخضيري: نعم، فَدَلَّ على أنَّ الــمُضاعفة في كُلِّ ما يَكُون في جانب الحسنات، لكن مضاعفة الله عَزَّ وَجل مَحضُ فضلٍ من الله، لذلك يُضَاعِف لهذا بعشر حسنات، وذاك بسبعين، وذاك بسبعمائة، وذلك على حسب ما يَحتَفّ بالعمل من الأحوال، رجُل يُنفِق من قِلَّة ريالاً، ورَجُلٌ يُنفِق مِن سَعَة ريالاً، ليسُوا سواءً!. قال النّبي صلى الله عليه وسلّم: سَبَقَ درهمٌ مائة ألف درهم، قالوا :وكيف يَسبِق يا رسول الله درهَمٌ، مائة ألف درهم؟ قال : أنفق رجُلٌ من عُرضِ ماله مائة ألف (طَرف ماله) ورجُلٌ له درهمان أنفق أحدهُما وأبقى الآخر، اُنظُر كأنّه أنفق نصفَ ماله!
د. الشِّهري: حدِّثنا يا شيخ محمّد عن هذه الآية التي بكى عندها النّبي صلى الله عليه وسلّم (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41))
د. الطَيَّار: هناك آية شبيهة لها في سورة النّحل (ويوم نبعثُ في كُلّ أمَّة شهيداً عليهم من أنفسهم وجِئنا بكَ شهيداً على هؤلاء)
د. الخضيري: طبعاً هذا تذكير بــــموقف رسول الله صلى الله عليه وسلّم في ذَلِك الــموطِنّ الذِّي يَظهر فيه شرَفُ رسول الله صلى الله عليه وسلّم على كُلِّ وَلَدِ آدم، يبقى الخَليقة كُلُّهُم ينظرون إليه لأنّهَم في ذلك اليوم عندما يطُول بهم الموقف ويشتدّ عليهم الأمر، يُطالبون بفصل القضاء من طول اليوم ومن شِدَّة الهَول، فيذهَبُون إلى الأَنبياء وَيبدَأُون بآدم عليه السَّلام، ثمّ يَــــمُرُّون على نوح، ثمّ إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى وكلهم يعتذر إلى أن يقال لهم: اذهبوا إلى محمّد، اذهبوا إلى محمّد ولم يذكُر ذنباً ، ثمّ يذهب فيسجُد تحت قائمة العَرش، ويسجد فيفتح الله عليه من المحامد ما لم يفتحُه عليه من قبل، ثمّ يُقال: إرفع رأسك، وسَلْ تُعطه، واشفّع تُشَّفَع . هذا الموقف الذّي يحدُث للنّبي صلى الله عليه وسلّم موقف مهيب وهو المقام المحمود الذّي ذَكَرَه الله عز وجل له. فيقول الله عز وجل: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ ( يا محمد) عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41) يعني تشهد عليهم.
د.الشّهري: يعني كأنّ المقصود بالشّهيد هنا النّبي.
د. الخضيري: نعم.
د. الطيّار: ولكنّه بمعنى الشّهادة وليست الحضور، وإنّما الشهادة عليهم، الحُكم عليهم بما عملوه
د. الخضيري: أو بالشّهادة أنّه بلّغهم، لذلك النبي صلى الله عليه وسلّم كان يحرص في مواطن التبليغ أن يقول: ألا هل بلّغت، اللهم فاشهد، ألاّ هل بلّغت. اللهمّ فاشهد. وينكُت بإصبعه الشريفة عليه الصّلاة والسّلام إلى النّاس.
د. الطيّار: طبعاً الشِّيخ عبد الرّحمن يقصد أنّ الشِّهيد هنا هو النّبي (من كُلِّ أُمّةٍ بشهيد) أيّ بِنــبيّ يشهد على قومه أنّه قد بلّغهُم رسالة الله إليهم، وبلَّغّهُم نُبُوَّة محمد صلى الله عليه وسلّم، (وجِئنا بكَ على هؤلاء شهيداً) فَعَمَمّ يحتمل (هؤلاء) على أُمَّتِك، أو على أنبياء الأمم، وهذا لا شكَّ أنّه من شَرَفه عليه الصّلاة والسّلام.
د. الشهري: التَّنوين هنا في قوله (يومئذٍ) ماذا يُسمّى شيخ محمّد؟
د. الخضيري: تنوين عِوض يكون عن حرف، يكون عن كلمة، ويكون عن جُملة.
د. الشِّهري: هُنا التَّنوين عِوَض عن جملة.
د. الخضيري: (يومئذٍ يَوَدُّ الذِّينَ كَفَروا) وهُنُا عَطَف، وقال (وعَصَوُا الرَّسول ) هو الذِّي يَعصِي الرَّسول قد كفر، لكن من باب التَّنصيص على أنّ مخالفة الرّسول مؤدِّية إلى الكُفُر .
د. الشّهري: وأيضاً مناسبة لقوله (وجِئنا بِكَ على هؤلاءِ شهيداً).
د. الطيّار: وفيه تكريم للرّسول صلى عليه وسلّم بذكر الرّسالة
د. الخضيري: وفيه دلالة – مثل ما ذكر دكتور عبدالرّحمن- على أنَّ المقصود بالشّهادة الشَّهادة على أنَّه بَلَّغ وأدَّى ما أُوحِي َإليه. إذاً أنتم عصيتم وهُو قد بلَّغكم، يعني بذَلَ كُلّ مَا في وِسعه من أجل ان يُوصِلَ رسالةَ ربّه إليكم، فليست خافية عليكم، ولا حُجّة لكم، وقد عصيتم!.
د. الشِّهري:الحقيقة أنا أوّل مرّة أتوَقّف مع أنّ هذه الآية قرأت حديث عبد الله بن مسعود قرأته كثيراً، ولكن لم أتوقف يوماً عند معرفة سبب بُكاء النَّبي صلى الله عليه وسلّم، يعني لماذا بكى عليه الصّلاة والسّلام عند هذه الآية بالضّبط؟ لكن الآن عندما تُدَّقِق فيها تظهر لك فعلاً، أوّلاً بُكاءه صلى الله عليه وسلّم شَفقَةً على أمته، لأنّه كان عليه الصّلاة والسّلام شديد الشَّفقة على الأمة، وقصّة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مع النَّبي صلى الله عليه وسلّم عندما قال له: اقرأ عليَّ القرآن، لم أتّوقف عند سبب بُكاء النّبي صلى الله عليه وسلّم مثل هذه المرّة، يعني لماذا بكى النَّبي صلى الله عليه وسلّم؟ كان يتبادر إلى ذِهني، بُكاء النّبي صلى الله عليه وسلّم شفَقَةً على أُمَّته، عندما يذكر الله سبحانه وتعالى أنّه سوف يأتي شهيداً يوم القيامة على هَذه الأُمّة، ويأتي شهيداً على الأمم، فكأَنّ النّبي صلى الله بكى على حال هؤلاء الذّين عَصَوه، شَفَقَةً بهم ورحمةً بهم، ولكن الآن تبيَّن لي - ما ذكرتموه يا شيخ محمّد- من قضيّة تذّكُرَه لمهابة ذلك اليوم وكونه يأتي عليه الصّلاة والسّلام يشهد على هؤلاء الأُمم جميعاً، ثمّ من هُم؟ فيهم آدم، فيهم إبراهيم، وفيهم نوح، وفيهم إدريس، وفيهم موسى، وفيهم عيسى.يعني موقف مهيب.
د. الخضيري: وفيها شيءٍ آخر، في قوله في اليَّهُود (ويكتُمُونَ ما آتاهُم الله من فضله) هُنَا يُظهر الله عزّ وجل فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويظهر هذا الفَضل في كتاب الله، ويَعترف به رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ويُشيعه بين النّاس، ويتحَدّث بنعمة الله، ويقول (أنا سيّد وَلَدِ آدم ولا فَخَر) وأنا الشَّافع والــمُشَّفع والحاشِر والــمُقَفَّى إلى آخر ما ذكر من أوصافه لِيَتَحدَّث عن نعمة الله .
د. الشّهري: ما أجمل هذا! وما أجمل ما سيأتي أيضاً في قوله تعالى (أم يحسُدون النّاس على ما آتاهُم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم (والنّبي صلى الله عليه وسلم من آل إبراهيم) الكتابَ والحُكم والنبّوة وآتيناهم مُلكاً عظيماً) باللّه يا إخواني من الذّي أُوتِيَ مثل ما أُوتِيَ آل إبراهيم؟! يعني امتنان من الله سبحانه وتعالى.
د. الطيَّار: في بعض الطُّرُق في رواية ابن مسعود ورد أنّه لما قال (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41)) قال أقول كما قال العبد الصّالح (وكنُت عليهم شهيداً ما دُمتُ فيهم فلمّا توَّفيتني كنت أنت الرَّقيب عليهم)
د. الخضيري: لعلّ هذا يُشعِر بأنّ هذا المقام مقام خوف صلى الله عليه وسلّم أنّه إذا شَهِد على أمّته بالبلاغ أنّه سيُفرز الذّين عَصَوا وكَذَّبُوا فيُعَذَّبُوا وأنّه يَخاف على أمّته وهذا من كمال شفقته كما أسلفتم .
د. الطيّار: في قوله (لو تُسَوَّى بهم الأرض)
د. الخضيري: هذا الآن جواب (يَوَدُّ الذّين كفروا وعَصَوا الرَّسول لو تُسوّى بهم الأرض)
د. الطيّار: نعم، (تُسَوَّى ) قُرِئت هكذا، وقراءة أخرى (تسَّوى) أيّ تتسوى بهم الأرض
د. الشِّهري: وفي كلام النّاس قولهم: سأُدّمّر هذه القرية وأُسوِّيها بالأرض يعني ألغيها
د. الطيّار: نعم، قاعاً صفصفًا، ففيها هذا الاحتمال وهذا الاحتمال. وأنت لو تأمّلت الملمح الدّقيق في قوله (لو تُسَوَّى بهم الأرض) أيّ يُجعلون هم والأرض سواء فيكونون ترابًا كما قال الله سبحانه وتعالى في آخر سورة النّبأ، أو تسوى بهم الأرض يعني يكونون تحت الأرض بمعنى أنّهم يموتون ولهذا هُم يتمنُّون الموت.
د. الشّهري: طيِّب لماذا يتمنَّون هذا؟ ما معنى قوله: (ولا يكتُمونَ الله حديثاً)
د. الطيّار: لأنّه ظهر لهم مَا كان خافياً.
د. الشِّهري: يعني هُم يتمنُّون أنّها تُسَّوَى بهم الأرض وكأنّهَم لم يكونوا، حتى لا يَقِفُوا في هذا الموقف الذِّي لا يستطيعون فيه أن يكتُموا الله حديثاً، انفضَحُوا كما قال الله (وَوُضِعَ الكتاب وترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مالِ هذا الكتابِ لا يُغادرُ صغيرةً ولا كبيرةً إلاّ أحصاها ووجَدوا ما عَمِلُوا حاضراً ولا يظلمُ ربُّكَ أحداً). وهذه من مهارات ودقائق تفسير القرآن بالقرآن تحتاج الحقيقة إلى بحث دقيق. يعني الآن عندما يحمل بعض السَّلَف معنى آية على معنى آية أخرى يأتي بعض الباحثين أحياناً فلا يفهم وجه الرَّبط يظُنّ أنّ الصّحابي يحملها عليها بكُلّ المعاني وإنّما هو يلمح إلى المعنى اللُّغَويّ. يعني مثلاً في قوله: (ويلٌ للمُطَفِّفين. الذّين إذا اكتالوا على النَّاس يستَوفُون) فيأتي سلمان الفارسي ويرى رجُلاً ينقر صلاته فيقول (ويلٌ للمُطَفِّفين) وسّع المعنى واعتبر الذّي يُصلّي وينقُر صلاته مُطَفّف مع أنّ الآية وردت في الذّين إذا اكتالوا على النّاس يستوفون.
د. الخضيري: في قوله (ولا يكتمُونَ الله حديثاً) طبعاً هذه ليست معطوفة على قوله (لو تُسَوَّى بهم الأرض) بل هي معطوفة على قوله (يومئذٍ يَوَدُّ الذِّين كفروا لو تُسَوّى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا) الواو عاطفة على أول جملة وليس على (تسوى) أحياناً القارئ قد تُشكل عليه الآية لو عَطَف على القريب (يومئذٍ يَوَدُّ الذِّين كفروا لو تُسَوّى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا)
د. الشّهري: ولا شكّ أنّه استدلال ممتاز جِدّاً الحقيقة قلّ من يتَنَبَه إليه في هذا الحديث يربطَهُ بعلم الوقف والابتداء.
د. الطيّار: هل في قوله (ولا يكتُمُونَ الله حديثاً) هل له ارتباط بقوله (ويكتُمُون ما آتاهم الله من فضله)؟
د. الشّهري: هي تشترك في الكتمان.
د. الخضيري: وأيضاً إن كتمت فإنه سيأتي يوم لن تستطيع أن تكتُمه
د. الطيّار: لأننا قُلنا قبل قليل لــمّا تكلّمتم أنّه قال (وَجِئنا بِكَ على هؤلاء شهيداً) أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلّم يُظهر ما أخفاه وكتَمهُ هؤلاء اليهود.
د. الخضيري: في قوله (وعَصَوا الرَّسول) الرّسول هنا يمكن أن نحملها على الجِنسية يعني الألف واللاّم على الجِنس عَصَوا كُلّ رسول، وليست خاصَّة برسول صلى الله عليه وسلّم، ويُمكُن تُحمل على العهد أيضاً وعَصَوا الرّسول هذا
د. الشّهري: وأيضاً يُمكن أن تُحمل على أنَّ من عصى النبي صلى الله عليه وسلّم فكأنّه عصَى كُل الرُّسُل كما ورد في قصّة قوم نوح وقوم إبراهيم قال (كَذَّبُوا الرُّسُل)
د. الطيّار: (كذّبت قوم نوح ٍ المرسلين).
د. الشّهري: ومَا أُرسِلَ لهم إلا نوح، وما كان قبله رسول
د. الخضيري: لأنَّ تكذيب الواحد يعدل تكذيب للجميع
د. الشّهري: بقي معنا يا إخواني دقيقة لعلّنا نُلَّخص فيها هذه الآيات لعلَّك يا دكتور محمّد تُلَّخص لنا ما تحدّثنا به سابقاً.
د. الخضيري: يعني هذه الخِصال التّي ذكرها الله جلّ وعلا كيف أنّ الإنسان يُمكنه ان يَعُدَّها ثُــمَّ ينظر إذا كانت مذمومة أن يتَّقيها ويعلم أنّ الله قد ذمّها وتوعّد عليها بهذا الوعيد العظيم. وإن كانت طيّبة وإذا به يحرص على الاتّصاف بها، مثلًا البخل، أمر النّاس بالبُخُل، كتمان ما آتاك الله من فضله، الإنفاق رئاءً، ترك الإيمان بالله واليوم الآخر، هذه كُلُّها خصال ذمّها الله. وفي المقابل أمَرَ الله بالإيمان، والإنفاق ممّا رزَقَنا الله، والتّحدّث بنعمة الله، والكرم، فيجب على الإنسان أن يَعرِض نفسه على القرآن ويجتهد في أن يَتَخَلّق بأخلاقه.
د. الشّهري: نسأل الله أن يرزُقُنا وإيّاكم العمل بكتاب الله تعالى، وما أحوجنا فعلاً يا إخواني أن نعرِض أعمالنا على كتاب الله كل ّيوم، حتى ينظر الإنسان أين مكانك من كتاب الله، نسأل الله أن يجعلنا وإيّاكم من أهل القرآن.
إنتهى الوقت في هذا اللّقاء أيّها الإخوة، ولعلّنا بإذن الله تعالى نُكمل معكم المجلس القادم في سورة النّساء في هذا المكان من مَدينة النَّماص، إلى ذلك الحين نستودعكم الله، والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بُثّت الحلقة بتاريخ 22 رمضان 1431 هـ
 
الحلقة 23
تأملات في الآية (43) من سورة النساء
د. الخضيري: السلام عليكم رحمة الله وبركاته, الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مشاهدي الكرام لا زلنا في سورة النساء نقبس من أنوارها ونهتدي بهديها, ونسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بها وبسائر كتابه العظيم, مشاهدي الكرام من هذا المكان الجميل استراحة الأستاذ ظافر بن حلبد في تنومه نقدم هذه الحلقة ومعي كلًا من الشيخ مساعد الطيار والشيخ عبد الرحمن الشهري ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لأن نقدم لكم شيئًا مفيدًا ونافعًا. قبل أن ندخل في حلقتنا ونُلقي الضوء على الآيات في هذه الحلقة نُريد أن نستمع وإياكم إلى تلاوتها فإلى هناك:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الغائط أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43))
بعد أن استمعنا إلى هذا الآيات العظيمة العطرة الكريمة نحب الآن أن نُلقي الضوء عليها ومعي كل من فضيلة الشيخ مساعد والشيخ عبد الرحمن. يقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ) دكتور عبد الرحمن حبّذا لو افتتحت الكلام حول هذه الآية
د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ) هذه الآية الحقيقة فيها وقفات, من الوقفات فيها أن البعض يستدل بهذه الآية على أنّ تحريم الخمر ليس تحريماً تاماً, وإنّما تحريم في أوقات محددة, وقد لقيت أحد الذين يستدلون بها بهذه الطريقة ويقول: أليس القرآن الكريم يصح الاستدلال بكل آية فيه؟ قلت: نعم, لكن طبعاً للاستدلال منهج, لكن أعطني مثالًا, فقال: مثل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ) هذا فيه إشارة أنّ هناك وقت يجوز فيه شرب الخمر, فأنا سأتجنب الأوقات التي يكون فيها وقت الصلاة وأشرب الخمر فيها, فقلت له لا بد أن تعرف ما يسمّى بالناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم, ماذا تقول في قول الله تعالى في سورة المائدة: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ) فاجتنبوه هذه ماذا تفهم منها؟! قال: هذه صح, هذه تحريم, لكن أنا لن أستدل بهذه الآية! أنا أستدل بالآية التي في سورة النساء
د. الخضيري: هذا متبّع لهواه!
د. الشهري: قلت: لا، الآن عندنا شي في القرآن الكريم إسمه الناسخ والمنسوخ, الخمر لم يأتي تحريمها دفعة واحدة في الإسلام وإنما جاء الأمر في أول الإسلام بالإشارة إلى كراهتها كما في قوله سبحانه وتعالى في سورة النحل: (تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا) يُشير إلى (ومن الأعناب) فسكت عن وصف اتخاذها سكراً يعني خمراً ما وصفها بشيء, (تتخذون منها سكراً) ورزقاً حسناً وصف الرزق بالحُسن ولم يقل تتخذون منه سكراً حسناً, فهذه فَهِم منها العقلاء أنّها مذمومة الخمر
د. الخضيري: لأنّه وصف هناك بالرزق الحسن
د. الشهري: وسكت عنها. ثم جاءت مرحلة أخرى في سورة البقرة في قوله سبحانه وتعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا) هذه الآية لم تحرِّم الخمر, وإنما أشارت إلى أنّ إثمها أكبر من نفعها, فالعاقل يتجنبها ما دامت بهذه الصورة. لكنّها بقيت هناك فرصة لمن أراد أن يشرب الخمر, ثم جاءت بعدها هذه الآية التي في سورة النساء وهي قوله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ) ماذا صنعت هذه الآية؟! قلّلت أوقات الشرب, يعني الآن أصبح الذين يُصرّون على شرب الخمر لا يشربونها إلاّ في أوقات يستطيعون بعدها أن يصحوا ويصلوا فأصبحوا لا يشربون إلا بعد الفجر وبعد العشاء لأنه وقت طويل يستطيع بعدها الذي يشرب الخمر أن يصحو من سكره ويصلي. ثم جاءت المرحلة النهائية في سورة المائدة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ) فاجتنبوه هنا هذا أمرٌ يدل على التحريم, الآن عندما تسأل أيّ واحد ما حكم الخمر؟! لا يستدل بالآيات الثلاثة الأولى وإنما يستدل بالآية النهائية, وهذه الحقيقة فيها فائدة تربوية وهي مسألة التدرج في التشريع. ومن أظهر صور التدرج التي يُمثل بها العلماء هذه الآيات التي هي تحريم الخمر أنه لم يأتِ مباشرة من أول ما نزل القرآن الكريم فيقول (فاجتنبوا الخمر) كما قالت عائشة رضي الله عنها لم يكن هناك, سوف تكون الاستجابة ضعيفة جدًا
د. الخضيري: وقد يكون سببًا في صدّ الناس عن الدخول في الإسلام أيضًا
د. الشهري: بالضبط ولذلك التدرج في التربية دائمًا والتدرج في التشريع مسألة لابد من مراعاتها من المربّين كما راعاها الله سبحانه وتعالى في كتابه, وإلا لو نزل الأمر من أول نزول القرآن بالتحريم لما كان يسع الناس إلا الاستجابة, لكن بالرغم من ذلك الله سبحانه وتعالى وهو الذي يعلم ما يصلح لهذه النفوس , تدرج في تحريم الخمر حتى قطعها وأصدر القرار النهائي بتحريمها
د. الخضيري: الحقيقة أنا ما كنت أتوقع أنه يوجد في أهل الإسلام من يسلك هذا المسلك في أنه يختار الآية التي يريد ويدع ما لا يريد. ولكن يظهر أنّ هذه السنّة تجري على الأمم كلها في المجتمعات والأزمان والقرون يوجد من يتخير, وهؤلاء لا شكّ أنّهم متبّعون للهوى. ولذلك قال الله عزو جل في سورة آل عمران -ونحن نبهّنا عليها في مجالس تلك السورة العظيمة- (هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) قف عندها، هو في قلبه زيغ (أَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا) فنحن أمام هذه الآيات التي تشكل علينا ويشكل علينا معناها ولا نعرف مراحلها وتدرجها يجب علينا أن نرجع فيها إلى الراسخين في العلم, ولا نرجع إلى واحد بضاعته من العلم مجموعة من الصحف يقرأها يوميًا ثم أحسن بعد ذلك كيف يكتب كلمتين ويرصف حرفين فهذا لا يجوز له أبداً أن يتكلم في مسائل العلم. الله عزوجل يقول (فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)
د. الطيار: طبعًا سبب نزول الآية كما هو معلوم أنّ بعض الصحابة الذين كانوا يشربون الخمر فحضرت صلاة المغرب فقيل أنهم قدّموا عليهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه يُصلي بهم فقرأ: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ)
د. الشهري: وقيل أنّ عبد الرحمن بن عوف الذي صلّى
د. الطيار: هو طبعاً قيل غيره, هو المقصود أنّ واحدًا من الصحابة صلّى بهم وهو سكران, طبعاً السكران كما هو معلوم أنّ السكر هو مخالطة العقل يعني اختلاط العقل، لكنّه لا يدل على ذهابٍ تام وإلا لو كان على ذهابه التام لما استطاع أن يقرأ ولا أن يصلي. ولكنه أحدث عنده هذا السكر ما جعله تختلط عليه القراءة. هذا هو سبب النزول الصريح في هذه الآية. ورد عن الضحّاك خلاف ذلك قال: لم يعني سكر الخمر وإنما عنى سُكر النوم, وورد أيضًا عن ابن عباس لكنّه ليس كنفي الضحّاك بمعنى أنّ ابن عباس قال: (لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى) قال: سُكر النوم, فما ذهب إليه الضحّاك ليس بصحيح في أنها لا يعني بها سكر الخمر, لو قال (لم) يعني سكر الخمر هذا المقطع ليس بصحيح, ودخول سكر النوم هذا سيأتي له تفصيل ولكن المقصد أنّ سبب النزول هذا واضح وصريح. لو تأمّلنا قول الضحّاك في كونه سكرًا له, أي لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى بسبب النوم أيضًا هذا صحيح يدخل لكن من باب القياس لأنّ حال من به شدة النوم يُشبه حال من به سكر الخمر, ولهذا الرسول الله صلى الله عليه وسلم نصح كما في صحيح البخاري المسلم إذا كان يصلي يعني إن أدركه
د. الشهري: إذا كان ينعس, إذا صلى أحدكم وهو ينعس فلينم
د. الطيار: لأنه لا يدري ماذا يقول
د. الشهري ود. الخضيري: فقد يدعو على نفسه
د. الطيار: فهذا إذن جانب ينتبه له في أنّ ما ذكره بعض السلف من كونه سكر النوم أنه يدخل في معنى الآية قياسًا.
د. الخضيري: في قوله: (حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ) هذه الحقيقة تدلنا على قاعدة عظيمة في العبادة وهي أنّ الإنسان ينبغي له أن لا يمارس شيئاً من العبادة حتى يكون حاضر القلب بها, ولذلك نُهيَ السكران مع أنّه يستطيع أن يصلي بل قد يقوم بالصلاة أنشط مما لو كان غير سكران, أحيانًا السكر يُعطي الإنسان دفعة من النشاط أكثر من لكن الإنسان يفقده التركيز والفهم لما يقول. ولهذا نقول ينبغي لمن أقبل على صلاته أن يعتني بحضور قلبه في الصلاة لأنّ المقصود في الصلاة أن يؤديها الإنسان على وجهٍ يكون قلبه مقبلاً فيها على الله سبحانه وتعالى. ولذلك قال أبو الدرداء إنّ من فِقْه الرجل أن يقبل على صلاته وقلبه فارغ ليس فيه شغل من شغل الدنيا حتى يتفقه في الصلاة ويفهم ما يقول وينطق وحتى يعود أثر هذه القراءة وهذه الأعمال والركوع والسجود عليه وهو يصلي. ونحن الآن يا إخواني نعاني كثيرًا والله وأنا أقولها بكل مرارة من أننا نؤدي صلواتنا لكن نسرح فيها كثيرًا ويأتينا الشيطان فيها ويلعب فينا لعبًا شديدًا لكن علينا أن لا نيأس ونعلم أن هناك مراتب, من الناس من هو في مرتبة -ما شاء الله- الصديقية التي وصل فيها إلى كمال الصفاء إذا دخل في الصلاة إنقطع عن كل الدنيا. ومن الناس من هو في مرتبة المجاهدة يعني يجاهد في هذه الصلاة ومرة يظفر بأكثر صلاته ومرة يظفر منه الشيطان بأكثر صلاته. ومن الناس من أهمل هذا الأمر تماماً وهذا لا يعنيه, يعني أنه يتصرف يركع ويقوم ويسجد دون أن يكون عنده عناية بإقبال قلبه على صلاته فيها. ونحن نقول هذه الآية تشير إلى هذا المعنى طبعًا هناك آيات أخرى أصرح من هذه مثل قول الله عز وجل (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) وأول صفة من صفات هؤلاء المؤمنين ذكر الخشوع قال (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ)
د. الشهري: أيضًا في الآية دلالة على أنّ علامة ذهاب السُكر وإمكانية الدخول في الصلاة معرفة ما يقول الإنسان بدليل قوله (حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ) وأنّ هذا أيضًا حدّ من حدود الخشوع الحدّ الأدنى من حدود الخشوع أن يعرف المُصلي ماذا يقول في صلاته؟! ماذا قرأ؟! أحيانًا تسأل بعض الناس ماذا قرأ الإمام في الصلاة؟! فلا يدري! وإنما يستمع إليه وهو يقول (ولا الضالين) فيقول (آمين) ولا يدري ماذا قرأ بعد ذلك! فهذا دلالة على أنّ قلبك كان معرضًا وأنّه لم يكن في تمام حضوره وخشوعه وإقباله على الصلاة كما ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية وأمر بوجوب عدم قربان الصلاة إلاّ بعد معرفة ما يقول الإنسان وما يتعبد لله سبحانه وتعالى به في صلاته. ولذلك حتى من الملاحظات التي ألاحظها وأنا أصلي بالناس, أحياناً أسهو في صلاتي وأنا إمام فلا أجد من المأمومين من يقول سبحان الله!
د. الخضيري: والسبب أنّ كل واحد
د. الشهري: أنّهم كلهم لا يعلمون ما يقولون, سُكر الدنيا
د. الخضيري: وهذه مصيبة!
د. الشهري: نعم, وهذه تتكرر كثيرًا أنك لا تكاد تجد من المصلين من ينبّه الإمام إذا سها أو اخطأ لغلبة السهو على الناس, وإنما ينتظر الإمام يقول الله أكبر فيركع, الله أكبر فيسجد ولا ينتبه لما يقرأ ولما يقع فيه من الأخطاء أحيانًا
د. الطيار: في قول الله (لا تقربوا الصلاة) هل المراد لا تقربوا الصلاة فقط أو لا تقربوا الصلاة ومواضع الصلاة؟!
د. الخضيري: الذي يظهر طبعًا من الآية أنّ اللفظ يشمل هذا وهذا, أمّا الأول لا تقربوا الصلاة فهذا نصها لا تأتي إلى الصلاة وأنت في سكر
د. الطيار: والمساجد؟!
د. الخضيري: المساجد الذي يدل عليها قوله سبحانه وتعالى في نفس الآية (لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا) فلمّا قال ولا جنباً عرفنا أنه قال أيضًا (لا تقربوا) لاحظ أنّ العبارة ترى كانت صالحة للاثنين لأنه لو قال لا تصلوا وأنتم سكارى لكان صالحاً للأول, فلما قال (لا تقربوا الصلاة) صلح للأول والثاني, لا تقربوا الصلاة بذاتها ولا تقربوا مواضعها وهي المساجد إلاّ وأنتم في طهر, خصوصاً هذا الطهر إذا كان من الحدث الأكبر لأنّه لا يجوز للجُنُب أن يلبث في المسجد قال (إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ) يعني يؤذن له ويباح للجنب أن يعبر في المسجد ولا يباح له المكث إلا كما ورد عن بعض الصحابة أنه إذا أصابته الجنابة استحلوا المكث بعد أن يتوضأوا هذا ورد عن العديد من الصحابة رضوان الله عنهم
د. الطيار: أيضا عابري السبيل ورد عن كثير من السلف أنه المراد به المسافر (وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ) مع أنّه قال بعدها (وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ) ولهذا اختار الطبري أنّ عابري السبيل أي المارّ بالمسجد المجتاز لأنّه سيرد في المسافر قوله (أَوْ عَلَى سَفَرٍ) فأخذوا من عابر السبيل أنها إشارة إلى المسافر
د. الخضيري: وهنا نشير الحقيقة إلى أدب ينبغي أن يتأدب الإنسان به مع المسجد وهو أن لا يجعل المسجد طريقاً, أن لا يُتخذ المسجد طريقاً, بمعنى إذا كان بيتك مثلاً في الجانب الآخر إذا كنت في شمال المسجد وبيتك في جنوب المسجد والمسجد بينك وبينه فما تتخذ المسجد طريقاً, ينبغي لك أن تذهب مع الطريق المعتاد حتى تصل إلى بيتك, فاتخاذ المساجد طرقات ورد في بعض الأحاديث أنّه من علامات آخر الزمان, فلا ينبغي أن يفعل ذلك. لكن لو أنّ الإنسان لحاجة أو شيء من هذا القبيل أو دخل المسجد منبّها إنساناً أو ليأخذ حاجة فإنّه هذا يعتبر ممن استطرق المسجد دون أن يكون مكث فيه. قوله (حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ) "حتى" هنا؟
د. الشهري: هذه "حتى" غائية, تدل على ابتداء الغاية أو على انتهاء الغاية
د. الخضيري: انتهاء الغاية
د. الشهري: فقوله (لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ) مع بداية العلم بما يقوله الإنسان يمكنه أن يقرب الصلاة
د. الخضيري: وتأتي "حتى" ننبّه عليه إخواننا تأتي للتعليل (لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا) أي: لأجل أن ينفضوا فـ"حتى" تأتي لهذا ولهذا. وفي هذه الآية كما ذكر الدكتور عبد الرحمن جاءت للغاية. (حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا) الجُنُب يا دكتور عبد الرحمن من هو؟!
د. الشهري: الجنب هو الذي يعني وقع في الحدث الأكبر وهي الجنابة من الجماع أو الاحتلام, فهذا لا يُباح له أن يدخل إلى المسجد ولا يقرب الصلاة إذا كان جنبًا (حتى تغتسلوا) فلا بد للجنب إذا وقعت عليه الجنابة سواء كان رجلًا أو امرأة, والمرأة تعتبر الجنابة أيضاً مثل الحيض, الحيض مثل الجنابة, أيضًا لا يجوز للحائض أن تبقى في المسجد ولا أن تدخل المسجد ولا أن تقرب الصلاة حتى تطهر. وكذلك الجُنُب لا يجوز له أن يقرب الصلاة ولا يقرب المسجد حتى يتطهر إلا إذا كان مضّطرًا أن يتخذ المسجد طريقًا لا بد منه يعبره مجرد عبور فقط فيباح له ذلك
د. الخضيري: ونحن هنا ننبّه لأني وجدت كثيرا من الناس يجهلون قضية الجنابة يظنّون أن الجنابة إما تكون بالجماع و الإنزال
د. الطيار: ولا يدخلون الاحتلام
د. الخضيري: لا، فبعضهم يظنّ أنّ الاحتلام لا يدخل في الجنابة، وبعضهم يظنّ أن الوطء من دون إنزال لا يدخل في الجنابة ويظنّ أنه بهذا لم يُجنب. فنقول الجنابة تشمل هذا كله: من احتلم فهو جُنُب. والثاني: من جامع دون أن يُنزِل فهو جنب. الثالث: من جامع وأنزل فهو أيضاً جنب, فكل هؤلاء لا يجوز لهم أن يصلّوا ولا أن يقربوا الصلاة ولا يقربوا مواطن الصلاة التي هي المساجد إلاّ بعد أن يغتسلوا من الجنابة، قال (وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ)
د. الشهري: هناك سؤال مرّ معنا في قوله سبحانه وتعالى (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) قصة عمرو بن العاص رضي الله عنه عندما كان في غزوة ذات السلاسل فاحتلم وأصبح جنباً صح؟! فأراد أن يتوضأ ويُصلي بالناس أو يغتسل فلم يستطع لشدة البرودة فتيمّم وصلّى بالناس, فلمّا رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم, قالوا يا رسول الله صلى بنا وهو جُنُب, فسأل عمرو بن العاص رضي الله عنه, قال عمرو: يا رسول الله كان الوقت شديد البرد وتذكرت قول الله تعالى (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) فتيمّمت وصلّيت, فضحك النبي صلى الله عليه سلم ممّا يدل على أنّ التيمّم في حال فقدان الماء يُجزئ عن الاغتسال
د. الخضيري: نعم، أو في حال الخوف من استخدامه لبردٍ أو نحوه
د. الشهري: يعني كلمة "تغتسلوا" هنا واضحة أنّها في الماء أليس كذلك؟! وليس فيها الإشارة إلى من ينوب عنه في حال عدم القدرة على استخدامه لأي سبب.
د. الخضيري: بعد أن ذكر الله عز وجل وجوب التطهر للصلاة, بيّن المواطن التي يحل فيها التيمّم فقال (وَإِن كُنتُم مَّرْضَى) هذه واحد، (أَوْ عَلَى سَفَرٍ) هذه الثانية. والعادة أنّ المسافر مظنّة لعدم وجود الماء أو لقِلتّه بحيث لا يكفي إلا لشربه وشرب دابته, كما كان الناس قديماً يفعلون. فإذا كان الإنسان مريضاً يخاف إستعمال الماء أن يزداد المرض أو يتأخر البُرء أو يخاف أيضًا من القتل مثل ما حصل لعمرو بن العاص رضي الله عنه الموت, (وإن كنتم مرضى أو على سفر) ثم قال الله عز وجل: (أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الغائط ) "أو جاء" ليست اسماً من الاثنين ولا نوعاً مفرعاً, وإنما هنا "أو" بمعنى "و" مثل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يقرأه من يصلي أو آسف يقرأه من به همّ أو حزن يقول: (اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماضٍ فيّ حكمك عدلُ فيّ قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميّت به نفسك أو أنزلته في كتابك...) فقوله (أو أنزلته) معناها وأنزلته فـ"أو" تأتي في هذا الموطن بمعنى الواو , قوله (أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ) ما معناها يا دكتور مساعد؟!
د. الطيار: طبعاً الغائط من حيث اللغة هو المكان المنخفض وكانوا يقصدون مثل هذه الأماكن لقضاء حاجتهم
د. الخضيري: نحن بالعامية نقول مكان غويط من هذا المعنى
د. الطيار: يبدو هذا قريب منه،
د. الخضيري: وعندنا ؟؟؟؟؟؟؟ في نجد تسمى الغائط يعني لاطمئنانها منخفضة تحت جبل
د. الطيار: طبعاً فسمّت العرب الشيء بما يقاربه باسم مكانه
د. الخضيري: وهذا من ماذا؟!
د. الطيار: هذا من الأدب وحسن العبارة
د. الخضيري: ومثلها البراز, أيضا البراز سمّي باسم مكانه, لأنّ الإنسان إذا أراد أن يقضي حاجته ذهب إلى براز من الأرض. (أوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء) دكتور عبد الرحمن؟
د. الشهري: الملامسة هنا الأصل فيها الجِماع, المقصود بها (أو لامستم النساء) بمعنى أو جامعتم النساء, فقوله هنا: (َأوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ) فالمقصود بالملامسة هنا يذكر المفسرون أنّ المقصود بها أو جامعتم النساء, وبعضهم يذكر القول الآخر أنّ مجرد الملامسة بشهوة تدخل في هذا
د. الخضيري: هم يستدلون بقراءة (أو لمستم النساء) لكن حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنه فسّر الملامسة هنا بالجماع, والمعنى يدل لذلك لماذا؟! لأنّ لو كان المراد لمس المرأة لكان من الحدث الأصغر. الحدث الأصغر جاء في قوله (أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ) فإذا ذكر مرة أخرى لم يكن في ذكره فائدة بينما إذا ذكر قسيمه وهو الحدث الأكبر دلّ ذلك على أنّ التيمّم يكون من الحدث الأصغر ويكون من الحدث الأكبر فحمْلُه على ما ذكر ابن عباس رضي الله عنه بأنّ معنى الملامسة على ما أسلفتم يا دكتور عبد الرحمن هو الجماع أولى، والقراءة الثانية لمستم تُفسّر بهذه لأنّه يأتي الجماع بمعنى الملامسة وبمعنى اللمس
د. الطيار: طبعا اللمس هو الأصل فيه اللمس باليد ويُفسّر بالملامسة على القراءة الثانية تُفسّر لمستم بقراءة لامستم أنّ المراد بها هي الجماع
د. الشهري: سؤال الآن عندما تقول هنا أنّ الملامسة للمرأة تنقض الوضوء وأنها تكون من الحدث الأصغر ألا يعارض هذا أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان ربّما يُقبّل زوجته؟
د. الطيار: هذا ما استدل به أصحاب هذا القول
د. الشهري: يُقبّل زوجته ثم يذهب إلى الصلاة دون أن يتوضأ أليس كذلك؟! وتقبيل الزوجة يعتبر أظهر من مجرد الملامسة
د. الطيار: هذا استدل به الطبري للردّ على من قال المراد به اللمس. يعني من طرائف التفسير كان سعيد بن جبير وعطاء بن رباح وعُميد بن عُمير كانوا في مكة فمرّوا بهذه الآية فاختلفوا في معناها, يقول سعيد: فدخلت على ابن عباس فقال: فيم كنتم؟! قالوا كنّا في قول الله تعالى (أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء) فقال فما قلتم؟! قال اختلفنا، فبعضنا قال الجماع, وبعضنا قال ما دون الجماع, فقالت الموالي ما دون الجماع, وقالت العرب الجماع يعني العرب عميد بن عمير ومن معه, قال فيمن كنت؟! قال كنت في الموالي, فقال: غُلبت الموالي، غُلبت الموالي، إنّما الملامسة الجماع
د. الخضيري: وهذا هو الذي يستقيم مع ما ذكره الدكتور عبد الرحمن في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنّه كان يُقبّل أهله ثم يُصلي ولا يتوضأ
د. الطيار: ولهذا نقول سبحان الله أنّ الحديث يفسّر القرآن, وهذا جانب من جوانب إبانة أحكام القرآن بفعل النبي صلى الله عليه وسلم
د. الخضيري: ومع ذلك تبقى هذه المسألة من المسائل الخلافية التي هي محل اجتهاد ونظر لأهل العلم بحيث لا يُنكر طالب العلم على من قال برأيه
د. الطيار: الشافعي رحمة الله عليه كان يرى بأن لامستم بمعنى اللمس
د. الخضيري: وفيه أيضا رأي الجمهور فيما يظهر هو رأي الجمهور, يعني جمهور العلماء على أنّ اللمس ناقض ويستدلون عليه بهذه الآية
د. الطيار: بعضهم توسط قال إذا كان لمساً بشهوة أو تقبيلاً بشهوة, قالوا إذا قاربت الشهوة أو كانت الشهوة ملازمة له مع لمس المرأة دون الجماع فإنّه ينقض الوضوء
د. الخضيري: قوله (فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء) الحقيقة أنا أتوقع أنّ قوله (أو لامستم النساء) مناسب لسورة النساء فهو حكم يتصل بالعلاقة مع المرأة فكونه ينصّ على هذا لو قال مثلاً أو جامعتم لاحظت؟ فكونه ينص على اسم النساء في سورة النساء له ارتباط بهذا الأمر. قوله (فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ)
د. الطيار: هذا يعود على (وان كنتم)
د. الشهري: جواب الشرط هنا يعني إن كنتم مرضى فلم تجدوا ماء أو وإن كنتم على سفر فلم تجدوا ماء أو جاء أحد منكم من الغائط فلم تجدوا ماء وإن لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمّمّوا صعيداً طيباً
د. الخضيري: الصعيد ما هو؟!
د. الشهري: لا، قبلها يادكتور, التيمّم لأنّ بعض الناس يظنّ أنّ التيمّم هو هذا أن تصنع بيدك تضرب بيدك في الأرض ثم تمسح بها كفيك هذا التيمم اصطلاحًا أو شرعًا, لكن التيمّم في اللغة هو القصد, تقول مثلاً يمّمّت وجهي شطر مدينة مكة مثلاً, بمعنى قصدتُ، فقوله هنا (فتيمّمّوا صعيدًا طيبًا) يعني اقصدوا وابحثوا عن صعيد طيب ثم اقصدوه وافعلوا به الكيفية التي أمركم بها النبي صلى الله عليه وسلم. فالصعيد الطيب هو التراب الذي له غبار, والصعيد في اللغة هو المكان المستوي لأنّ الأصل أنّ التراب الليّن لا يكون إلا في الأماكن المستوية, أمّا الأماكن الجبلية والصخرية لا يوجد فيها ما يسمّى الصعيد فالصعيد هو هذا
د. الخضيري: ويمكن أن يُقال مثل ما قال بعض أهل العلم وهو الحقيقة أليق بيُسْر الشريعة أنّ الصعيد ما صعد على وجه الأرض سواء كان تراباً أو غبارًا وهذا أكمل ما يكون, أو رملاً لا غبار فيه, أو صخوراً أو حتى في بعض الأماكن ما تجد حنى أثر التراب قد يكون شجر ففي هذه الحالة نقول للناس لا تتيمّمّوا؟! بل تيمّم لأنّ الله ذكر كلمة صعيد وهي شاملة لكل هذا. بل أحياناً تكون المنطقة جليدية وأنت محتاج إلى التيمّم فتتيمّم على هذا الجليد لأن الله قال صعيداً والصعيد ما صعد على وجه الأرض
د. الشهري: وإن كان المعنى الذي يذكرونه الصعيد الذي له غبار إشارة إلى كلمة تيمّمّوا إبذل جهدًا في البحث عن هذا النوع من التراب الذي له غبار يعني ولذلك يذكرون في كتب الفقه أنّ يكون الصعيد له غبار
د. الخضيري: هذه الحنابلة يذكرونها يستدلون بقوله: (فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ منه) الذي في سورة المائدة لكن في هذه السورة ما ذكر "منه "
د. الشهري: (فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا)
د. الخضيري: فنقول: إن ما أشرت إليه في "تيمموا" لعلّ ذكر التيمّم أنّ الإنسان عندما يفعل ذلك يقصد، أي لا يفعل هكذا ويكتفي ممكن الإنسان يلمس التراب ويتعفّر به لكنّه لا يقصد ذلك، نقول لا بد من القصد فيه
د. الشهري: أن يكون للتطهر بنية الطهارة
د. الخضيري: العجيب بل من أعجب ما مرّ بي أني قابلت الدكتور جعفر شيخ إدريس فقال أني كنت في جزر الكاريبي التي في..
د. الشهري: في أمريكا الشمالية
د. الخضيري: هي في أمريكا الشمالية؟! لا ما هي التي في شمال أوروبا؟
د. الشهري: الاسكندينافية قصدك؟!
د. الخضيري: لا، المهم إنهم كانوا في تلك لإلقاء محاضرات فقابلت امرأة قيل لي إنها أسلمت فسألتها ما سبب إسلامها؟! فقالت إني كنت أشاهد فيلماً عربياً وكان في أثناء هذا الفيلم هؤلاء الناس كانوا راكبين جِمال فحضر وقت عبادتهم فنزلوا وضربوا بأيديهم الأرض ومسحوا بوجوههم ثم استقبلوا جهة معينة ثم صلّوا فقلت: لماذا فعلوا هذا؟! قالوا: هؤلاء لا يدخلون الصلاة ولا يستحلونها إلا بعمل, يتطهرون بالماء فإن لم يجدوا الماء فإنهم يفعلون هذا الفعل, قالت: فسألت عن هذا الدين حتى دخلت فيه. فأنا كنت أقول سبحان الله التيمّم فيما يظهر لنا نحن أنّه شيء من التلويث يعني الإنسان يلوث نفسه بالتراب لكن انظر الحكمة العظيمة كان سبباً ملفتاً لانتباه هذه المرأة حتى كان قادها إلى الإسلام, تقول هذا دين عظيم يعني يجعل العبادات لها مقدمات ومداخل وليست المسألة فوضوية, بل منظمة مرتبة حتى لمن لم يجد الماء الذي يتطّهر به هناك بدائل أخرى توضع له والله أعلم
د. الشهري: ومع أنّه كما تفضلت ظاهرها أنّك تُلوث يدك بالغبار! لكن أتصور لو بُحث عن الحكمة لوُجد هناك حكم تخفى علينا في عملية التيمّم, ولذلك علي بن أبي طالب قال: "لو كان الدين بالعقل لكان باطن الخُفّ أولى بالمسح من ظاهره, لكن الدين بالتعبد والاستجابة"
د. الطيار: الطيب في قوله (صعيداً طيباً) المراد به هنا الطاهر
د. الخضيري: نعم، طاهراً غير نجس وأيضاً غير مغصوب يعني غير محرّم, وهذه لا بد أن نُراعيها حتى في أمور أخرى مثل الطعام الطيب يُراد به أن لا يكون نجسًا وأن يكون أيضًا من حلال
د. الطيار: لأنّه لمّا تلاحظ صعيداً طيباً يعني قد يتصور العقل أنّه لم يقل صعيداً طاهراً لأن المراد هو الطهارة فيدخل فيها
د. الشهري: الطيب يدخل فيه الطاهر
د. الطيار: نعم، الطيب والطاهر في ذاته
د. الخضيري: من الأشياء التي أريد حقيقة لو نطرحها على بعض الباحثين لو يشاركوننا الطيب في القرآن ما هو؟! (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) وعندنا ورد (فانكحوا ما طاب لكم من النساء)
د. الشهري: (وهدوا إلى الطيب من القول) (كلوا من الطيبات)
د. الخضيري: فما هي الطيبات؟ حقيقتها؟ معناها؟ مواردها في القرآن؟!
د. الشهري: قطعاً كُتب فيه, هذا من الموضوعات الظاهرة لا يتركونه الباحثين. (فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) هذا يشير إلى صفة المسح أليس كذلك؟!
د. الخضيري: بدأ بالوجه لأنّه مقدّم حتى في سنن الوضوء يغسل الإنسان وجهه ثم يديه إلى المرفقين, لكن هنا اليدين في القرآن إذا أُطلقت فإنما المراد بها الكفّان, وإذا أريد باليدين ما سوى ذلك يراد
د. الطيار: المرفقين
د. الخضيري: لا آسف فإذا أريد ما سوى ذلك فإنه يُقيّد, كما قال الله عز وجل في آية الوضوء
د. الشهري: (وأيديكم إلى المرافق)
د. الخضيري: (فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ)
د. الشهري: لو سكت لما كانت إلا
د. الخضيري: إلا الكفوف, لذلك في السرقة قال الله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا) فهذه قاعدة قرآنية أو مصطلح من مصطلحات القرآن في اليد, وإن كانت في الأصل تُطلق على الكف وتُطلق على كامل الذراع. إذن صفة المسح يا إخواني هو أن يضرب بيديه التراب ضربة واحدة ثم يمسح وجهه مسحاً تاماً ثم يمسح بيده اليسرى على يده اليمنى ثم بيده اليمنى على يده اليسرى، هذه الصفة الشرعية, هل يمسح إلى الذراع؟! ورد هذه عن بعض الصحابة, لكن الصحيح ما ثبت عن عمار بن ياسر وغيره من الصحابة وما دلّت عليه الآية من أنّ المسح يكون على الكفّ. والتيمّم أصلاً صفة تعبدية لا يراد منها أن يصل التراب إلى كل عضو من أعضاء الطهارة، هي صفة تعبدية لا يقصد منها النظافة يقصد بها التعبد.
د. الطيار: قائمة مقام الوضوء
د. الخضيري: قوله (بوجوهكم) الباء هنا يا مشايخ ما هي؟!
د. الطيار: باء الإلصاق يعني كأنّه يلصق الصعيد الذي بقي على يده واليد كما قال تعالى: (فامسحوا بوجوهكم)
د. الخضيري: ولذلك أنا أرى يا دكتور مساعد كنّا في الصغر يقولون لنا لمّا تضرب بيدك الأرض تفعل هكذا تمرّ بأصابعك ورأيت أنا عددًا من الناس يفعلون هذا وهذا غير صحيح, الصحيح أنّك تأتي بكفك وتمسح بها وجهك كأنّك يعني تغسلها يعني ثم تمسح بيدك هذه على يدك هذه وبيدك هذه على يدك هذه, هذه هي الصفة الشرعية.
د. الشهري: ثمّ ختم الآية بختام مناسب لهذا الفعل قال (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا) أليس فيه إشارة هنا إلى أنّ التيمّم فيه نوعٌ من التجوز والعفو أليس كذلك؟!
د. الطيار: لم لا تربطها من أول الآية؟ (لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ) ولا تقربوا أماكن الصلاة وأنتم جنبًا
د. الخضيري: يعني فإن فعلتم ذلك فإنّ الله عفو
د. الطيار: لأنه قد يحصل تقصير في هذا الجانب فلو حصل من تقصير فإنّ الله كان عفواً غفوراً
د. الخضيري: أليس أحد الاسمين يغني عن الآخر؟! إذا عفا عنك فهو قد غفر لك أو إذا غفر لك فقد عفا عنك
د. الطيار: لكن هذا أكمل
د. الشهري: في باب العفو وفي باب المغفرة فإنّه من البلاغة ذكر أكثر من صفة من صفات فتح باب الرجاء (عفوٌ حليم) (غفورٌ حليم) (عفوٌ غفور)
د. الطيار: وهذا أقوى، لكن العجيب أنّ "عفا" لمّا يقال عفت الشمس أو عفت الريح آثار الديار بمعنى أزالتها
د. الشهري: أزاحتها وأزالتها
د. الطيار: فالعفو إزالة والمغفرة ستر
د. الخضيري: هذا واحد, لكن أيضاً ممكن يُقال والله اعلم أنّهما إذا اجتمعا أنّ العفو لترك الواجب والغفر لفعل المحرّم, ولكن هذا يحتاج إلى دليل أليس كذلك؟!
د. الشهري: يعني هذه كما تقول من استنباطات المتأخرين وإلاّ فالقدماء من السلف كانوا لا يتوقفون عند مثل هذه الأشياء ويعتبرونها ظاهرة أم لا يا دكتور؟ عفواً غفوراً يبدو لي والله اعلم أنّ المسالة دايماً في القرآن الكريم عندما يأتي باب المغفرة وباب العفو فإنّ الله يذكر أسماءه وصفاته التي تدلّ على فتح باب المغفرة. يعني الآن الذي يتيمّم قد يدخل في يعني واقع بعض الناس اليوم بعضهم لا يستطيع أن يقف في الصلاة إلاّ بصعوبة وبمشقة فهذا مأذون له أن يُصلي جالساً أليس كذلك؟! ولكنّه لا يقبل ذلك ويرى أنّ صلاته ناقصة مع أنّ الله قد رخص له في ذلك, لأنّه يجد في نفسه مشقة أن يتقبل هذه الرخصة, كذلك بعض الناس وقد صحبت بعض الناس في السفر فتجد أنّه لا يتيمّم ويرضى بأن يذهب وينتظر مسافات طويلة حتى يجد الماء فإذا وجد الماء صلّى فقلت: يا أخي يمكن أن تتيمّم يا أخي, الله ذكر ذلك: (فلم تجدوا ماء) أنت ليس مطلوبًا منك إذا حلّ وقت الصلاة ولم تجد ماءً أن تذهب وتستنبط الماء وتحفر لك بئر حتى تُصلّي العصر! بعضهم يصنع ذلك فيذهب مسافات ويخرج عن الطريق ويُحرج رفقاء سفره من أجل أن يغتسل بالماء. فالله سبحانه وتعالى أراد أن يذهب هذا الحرج عن نفوس هؤلاء أنك تيمّم وأنّ الله قد فتح هذا الباب وهو باب التيمم عفواً منه سبحانه وتعالى
د. الخضيري: فاقبلوا من الله عفوه. وسيأتينا في آيات التخفيف في الصلاة وغيرها ما يدل ويؤكدّ على هذا المعنى. مشاهدي الكرام يعني في الآية معاني كثيرة لم نتطرق لها ولكن نرجو أن نكون وضعنا الأمور في نصابها وبيّنا كثيراً مما ينبغي أن يستبينه الإنسان من معاني هذه الآية الكريمة. نستميحكم العذر ونستودعكم الله, وإلى لقاء آخر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بُثّت الحلقة بتاريخ 23 رمضان 1431 هـ
 
الحلقة 23
تأملات في الآية (43) من سورة النساء
د. الخضيري: السلام عليكم رحمة الله وبركاته, الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مشاهدي الكرام لا زلنا في سورة النساء نقبس من أنوارها ونهتدي بهديها, ونسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بها وبسائر كتابه العظيم, مشاهدي الكرام من هذا المكان الجميل استراحة الأستاذ ظافر بن حلبد في تنومه نقدم هذه الحلقة ومعي كلًا من الشيخ مساعد الطيار والشيخ عبد الرحمن الشهري ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لأن نقدم لكم شيئًا مفيدًا ونافعًا. قبل أن ندخل في حلقتنا ونُلقي الضوء على الآيات في هذه الحلقة نُريد أن نستمع وإياكم إلى تلاوتها فإلى هناك:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الغائط أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43))
بعد أن استمعنا إلى هذا الآيات العظيمة العطرة الكريمة نحب الآن أن نُلقي الضوء عليها ومعي كل من فضيلة الشيخ مساعد والشيخ عبد الرحمن. يقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ) دكتور عبد الرحمن حبّذا لو افتتحت الكلام حول هذه الآية
د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ) هذه الآية الحقيقة فيها وقفات, من الوقفات فيها أن البعض يستدل بهذه الآية على أنّ تحريم الخمر ليس تحريماً تاماً, وإنّما تحريم في أوقات محددة, وقد لقيت أحد الذين يستدلون بها بهذه الطريقة ويقول: أليس القرآن الكريم يصح الاستدلال بكل آية فيه؟ قلت: نعم, لكن طبعاً للاستدلال منهج, لكن أعطني مثالًا, فقال: مثل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ) هذا فيه إشارة أنّ هناك وقت يجوز فيه شرب الخمر, فأنا سأتجنب الأوقات التي يكون فيها وقت الصلاة وأشرب الخمر فيها, فقلت له لا بد أن تعرف ما يسمّى بالناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم, ماذا تقول في قول الله تعالى في سورة المائدة: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ) فاجتنبوه هذه ماذا تفهم منها؟! قال: هذه صح, هذه تحريم, لكن أنا لن أستدل بهذه الآية! أنا أستدل بالآية التي في سورة النساء
د. الخضيري: هذا متبّع لهواه!
د. الشهري: قلت: لا، الآن عندنا شي في القرآن الكريم إسمه الناسخ والمنسوخ, الخمر لم يأتي تحريمها دفعة واحدة في الإسلام وإنما جاء الأمر في أول الإسلام بالإشارة إلى كراهتها كما في قوله سبحانه وتعالى في سورة النحل: (تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا) يُشير إلى (ومن الأعناب) فسكت عن وصف اتخاذها سكراً يعني خمراً ما وصفها بشيء, (تتخذون منها سكراً) ورزقاً حسناً وصف الرزق بالحُسن ولم يقل تتخذون منه سكراً حسناً, فهذه فَهِم منها العقلاء أنّها مذمومة الخمر
د. الخضيري: لأنّه وصف هناك بالرزق الحسن
د. الشهري: وسكت عنها. ثم جاءت مرحلة أخرى في سورة البقرة في قوله سبحانه وتعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا) هذه الآية لم تحرِّم الخمر, وإنما أشارت إلى أنّ إثمها أكبر من نفعها, فالعاقل يتجنبها ما دامت بهذه الصورة. لكنّها بقيت هناك فرصة لمن أراد أن يشرب الخمر, ثم جاءت بعدها هذه الآية التي في سورة النساء وهي قوله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ) ماذا صنعت هذه الآية؟! قلّلت أوقات الشرب, يعني الآن أصبح الذين يُصرّون على شرب الخمر لا يشربونها إلاّ في أوقات يستطيعون بعدها أن يصحوا ويصلوا فأصبحوا لا يشربون إلا بعد الفجر وبعد العشاء لأنه وقت طويل يستطيع بعدها الذي يشرب الخمر أن يصحو من سكره ويصلي. ثم جاءت المرحلة النهائية في سورة المائدة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ) فاجتنبوه هنا هذا أمرٌ يدل على التحريم, الآن عندما تسأل أيّ واحد ما حكم الخمر؟! لا يستدل بالآيات الثلاثة الأولى وإنما يستدل بالآية النهائية, وهذه الحقيقة فيها فائدة تربوية وهي مسألة التدرج في التشريع. ومن أظهر صور التدرج التي يُمثل بها العلماء هذه الآيات التي هي تحريم الخمر أنه لم يأتِ مباشرة من أول ما نزل القرآن الكريم فيقول (فاجتنبوا الخمر) كما قالت عائشة رضي الله عنها لم يكن هناك, سوف تكون الاستجابة ضعيفة جدًا
د. الخضيري: وقد يكون سببًا في صدّ الناس عن الدخول في الإسلام أيضًا
د. الشهري: بالضبط ولذلك التدرج في التربية دائمًا والتدرج في التشريع مسألة لابد من مراعاتها من المربّين كما راعاها الله سبحانه وتعالى في كتابه, وإلا لو نزل الأمر من أول نزول القرآن بالتحريم لما كان يسع الناس إلا الاستجابة, لكن بالرغم من ذلك الله سبحانه وتعالى وهو الذي يعلم ما يصلح لهذه النفوس , تدرج في تحريم الخمر حتى قطعها وأصدر القرار النهائي بتحريمها
د. الخضيري: الحقيقة أنا ما كنت أتوقع أنه يوجد في أهل الإسلام من يسلك هذا المسلك في أنه يختار الآية التي يريد ويدع ما لا يريد. ولكن يظهر أنّ هذه السنّة تجري على الأمم كلها في المجتمعات والأزمان والقرون يوجد من يتخير, وهؤلاء لا شكّ أنّهم متبّعون للهوى. ولذلك قال الله عزو جل في سورة آل عمران -ونحن نبهّنا عليها في مجالس تلك السورة العظيمة- (هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) قف عندها، هو في قلبه زيغ (أَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا) فنحن أمام هذه الآيات التي تشكل علينا ويشكل علينا معناها ولا نعرف مراحلها وتدرجها يجب علينا أن نرجع فيها إلى الراسخين في العلم, ولا نرجع إلى واحد بضاعته من العلم مجموعة من الصحف يقرأها يوميًا ثم أحسن بعد ذلك كيف يكتب كلمتين ويرصف حرفين فهذا لا يجوز له أبداً أن يتكلم في مسائل العلم. الله عزوجل يقول (فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)
د. الطيار: طبعًا سبب نزول الآية كما هو معلوم أنّ بعض الصحابة الذين كانوا يشربون الخمر فحضرت صلاة المغرب فقيل أنهم قدّموا عليهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه يُصلي بهم فقرأ: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ)
د. الشهري: وقيل أنّ عبد الرحمن بن عوف الذي صلّى
د. الطيار: هو طبعاً قيل غيره, هو المقصود أنّ واحدًا من الصحابة صلّى بهم وهو سكران, طبعاً السكران كما هو معلوم أنّ السكر هو مخالطة العقل يعني اختلاط العقل، لكنّه لا يدل على ذهابٍ تام وإلا لو كان على ذهابه التام لما استطاع أن يقرأ ولا أن يصلي. ولكنه أحدث عنده هذا السكر ما جعله تختلط عليه القراءة. هذا هو سبب النزول الصريح في هذه الآية. ورد عن الضحّاك خلاف ذلك قال: لم يعني سكر الخمر وإنما عنى سُكر النوم, وورد أيضًا عن ابن عباس لكنّه ليس كنفي الضحّاك بمعنى أنّ ابن عباس قال: (لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى) قال: سُكر النوم, فما ذهب إليه الضحّاك ليس بصحيح في أنها لا يعني بها سكر الخمر, لو قال (لم) يعني سكر الخمر هذا المقطع ليس بصحيح, ودخول سكر النوم هذا سيأتي له تفصيل ولكن المقصد أنّ سبب النزول هذا واضح وصريح. لو تأمّلنا قول الضحّاك في كونه سكرًا له, أي لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى بسبب النوم أيضًا هذا صحيح يدخل لكن من باب القياس لأنّ حال من به شدة النوم يُشبه حال من به سكر الخمر, ولهذا الرسول الله صلى الله عليه وسلم نصح كما في صحيح البخاري المسلم إذا كان يصلي يعني إن أدركه
د. الشهري: إذا كان ينعس, إذا صلى أحدكم وهو ينعس فلينم
د. الطيار: لأنه لا يدري ماذا يقول
د. الشهري ود. الخضيري: فقد يدعو على نفسه
د. الطيار: فهذا إذن جانب ينتبه له في أنّ ما ذكره بعض السلف من كونه سكر النوم أنه يدخل في معنى الآية قياسًا.
د. الخضيري: في قوله: (حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ) هذه الحقيقة تدلنا على قاعدة عظيمة في العبادة وهي أنّ الإنسان ينبغي له أن لا يمارس شيئاً من العبادة حتى يكون حاضر القلب بها, ولذلك نُهيَ السكران مع أنّه يستطيع أن يصلي بل قد يقوم بالصلاة أنشط مما لو كان غير سكران, أحيانًا السكر يُعطي الإنسان دفعة من النشاط أكثر من لكن الإنسان يفقده التركيز والفهم لما يقول. ولهذا نقول ينبغي لمن أقبل على صلاته أن يعتني بحضور قلبه في الصلاة لأنّ المقصود في الصلاة أن يؤديها الإنسان على وجهٍ يكون قلبه مقبلاً فيها على الله سبحانه وتعالى. ولذلك قال أبو الدرداء إنّ من فِقْه الرجل أن يقبل على صلاته وقلبه فارغ ليس فيه شغل من شغل الدنيا حتى يتفقه في الصلاة ويفهم ما يقول وينطق وحتى يعود أثر هذه القراءة وهذه الأعمال والركوع والسجود عليه وهو يصلي. ونحن الآن يا إخواني نعاني كثيرًا والله وأنا أقولها بكل مرارة من أننا نؤدي صلواتنا لكن نسرح فيها كثيرًا ويأتينا الشيطان فيها ويلعب فينا لعبًا شديدًا لكن علينا أن لا نيأس ونعلم أن هناك مراتب, من الناس من هو في مرتبة -ما شاء الله- الصديقية التي وصل فيها إلى كمال الصفاء إذا دخل في الصلاة إنقطع عن كل الدنيا. ومن الناس من هو في مرتبة المجاهدة يعني يجاهد في هذه الصلاة ومرة يظفر بأكثر صلاته ومرة يظفر منه الشيطان بأكثر صلاته. ومن الناس من أهمل هذا الأمر تماماً وهذا لا يعنيه, يعني أنه يتصرف يركع ويقوم ويسجد دون أن يكون عنده عناية بإقبال قلبه على صلاته فيها. ونحن نقول هذه الآية تشير إلى هذا المعنى طبعًا هناك آيات أخرى أصرح من هذه مثل قول الله عز وجل (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) وأول صفة من صفات هؤلاء المؤمنين ذكر الخشوع قال (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ)
د. الشهري: أيضًا في الآية دلالة على أنّ علامة ذهاب السُكر وإمكانية الدخول في الصلاة معرفة ما يقول الإنسان بدليل قوله (حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ) وأنّ هذا أيضًا حدّ من حدود الخشوع الحدّ الأدنى من حدود الخشوع أن يعرف المُصلي ماذا يقول في صلاته؟! ماذا قرأ؟! أحيانًا تسأل بعض الناس ماذا قرأ الإمام في الصلاة؟! فلا يدري! وإنما يستمع إليه وهو يقول (ولا الضالين) فيقول (آمين) ولا يدري ماذا قرأ بعد ذلك! فهذا دلالة على أنّ قلبك كان معرضًا وأنّه لم يكن في تمام حضوره وخشوعه وإقباله على الصلاة كما ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية وأمر بوجوب عدم قربان الصلاة إلاّ بعد معرفة ما يقول الإنسان وما يتعبد لله سبحانه وتعالى به في صلاته. ولذلك حتى من الملاحظات التي ألاحظها وأنا أصلي بالناس, أحياناً أسهو في صلاتي وأنا إمام فلا أجد من المأمومين من يقول سبحان الله!
د. الخضيري: والسبب أنّ كل واحد
د. الشهري: أنّهم كلهم لا يعلمون ما يقولون, سُكر الدنيا
د. الخضيري: وهذه مصيبة!
د. الشهري: نعم, وهذه تتكرر كثيرًا أنك لا تكاد تجد من المصلين من ينبّه الإمام إذا سها أو اخطأ لغلبة السهو على الناس, وإنما ينتظر الإمام يقول الله أكبر فيركع, الله أكبر فيسجد ولا ينتبه لما يقرأ ولما يقع فيه من الأخطاء أحيانًا
د. الطيار: في قول الله (لا تقربوا الصلاة) هل المراد لا تقربوا الصلاة فقط أو لا تقربوا الصلاة ومواضع الصلاة؟!
د. الخضيري: الذي يظهر طبعًا من الآية أنّ اللفظ يشمل هذا وهذا, أمّا الأول لا تقربوا الصلاة فهذا نصها لا تأتي إلى الصلاة وأنت في سكر
د. الطيار: والمساجد؟!
د. الخضيري: المساجد الذي يدل عليها قوله سبحانه وتعالى في نفس الآية (لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا) فلمّا قال ولا جنباً عرفنا أنه قال أيضًا (لا تقربوا) لاحظ أنّ العبارة ترى كانت صالحة للاثنين لأنه لو قال لا تصلوا وأنتم سكارى لكان صالحاً للأول, فلما قال (لا تقربوا الصلاة) صلح للأول والثاني, لا تقربوا الصلاة بذاتها ولا تقربوا مواضعها وهي المساجد إلاّ وأنتم في طهر, خصوصاً هذا الطهر إذا كان من الحدث الأكبر لأنّه لا يجوز للجُنُب أن يلبث في المسجد قال (إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ) يعني يؤذن له ويباح للجنب أن يعبر في المسجد ولا يباح له المكث إلا كما ورد عن بعض الصحابة أنه إذا أصابته الجنابة استحلوا المكث بعد أن يتوضأوا هذا ورد عن العديد من الصحابة رضوان الله عنهم
د. الطيار: أيضا عابري السبيل ورد عن كثير من السلف أنه المراد به المسافر (وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ) مع أنّه قال بعدها (وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ) ولهذا اختار الطبري أنّ عابري السبيل أي المارّ بالمسجد المجتاز لأنّه سيرد في المسافر قوله (أَوْ عَلَى سَفَرٍ) فأخذوا من عابر السبيل أنها إشارة إلى المسافر
د. الخضيري: وهنا نشير الحقيقة إلى أدب ينبغي أن يتأدب الإنسان به مع المسجد وهو أن لا يجعل المسجد طريقاً, أن لا يُتخذ المسجد طريقاً, بمعنى إذا كان بيتك مثلاً في الجانب الآخر إذا كنت في شمال المسجد وبيتك في جنوب المسجد والمسجد بينك وبينه فما تتخذ المسجد طريقاً, ينبغي لك أن تذهب مع الطريق المعتاد حتى تصل إلى بيتك, فاتخاذ المساجد طرقات ورد في بعض الأحاديث أنّه من علامات آخر الزمان, فلا ينبغي أن يفعل ذلك. لكن لو أنّ الإنسان لحاجة أو شيء من هذا القبيل أو دخل المسجد منبّها إنساناً أو ليأخذ حاجة فإنّه هذا يعتبر ممن استطرق المسجد دون أن يكون مكث فيه. قوله (حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ) "حتى" هنا؟
د. الشهري: هذه "حتى" غائية, تدل على ابتداء الغاية أو على انتهاء الغاية
د. الخضيري: انتهاء الغاية
د. الشهري: فقوله (لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ) مع بداية العلم بما يقوله الإنسان يمكنه أن يقرب الصلاة
د. الخضيري: وتأتي "حتى" ننبّه عليه إخواننا تأتي للتعليل (لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا) أي: لأجل أن ينفضوا فـ"حتى" تأتي لهذا ولهذا. وفي هذه الآية كما ذكر الدكتور عبد الرحمن جاءت للغاية. (حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا) الجُنُب يا دكتور عبد الرحمن من هو؟!
د. الشهري: الجنب هو الذي يعني وقع في الحدث الأكبر وهي الجنابة من الجماع أو الاحتلام, فهذا لا يُباح له أن يدخل إلى المسجد ولا يقرب الصلاة إذا كان جنبًا (حتى تغتسلوا) فلا بد للجنب إذا وقعت عليه الجنابة سواء كان رجلًا أو امرأة, والمرأة تعتبر الجنابة أيضاً مثل الحيض, الحيض مثل الجنابة, أيضًا لا يجوز للحائض أن تبقى في المسجد ولا أن تدخل المسجد ولا أن تقرب الصلاة حتى تطهر. وكذلك الجُنُب لا يجوز له أن يقرب الصلاة ولا يقرب المسجد حتى يتطهر إلا إذا كان مضّطرًا أن يتخذ المسجد طريقًا لا بد منه يعبره مجرد عبور فقط فيباح له ذلك
د. الخضيري: ونحن هنا ننبّه لأني وجدت كثيرا من الناس يجهلون قضية الجنابة يظنّون أن الجنابة إما تكون بالجماع و الإنزال
د. الطيار: ولا يدخلون الاحتلام
د. الخضيري: لا، فبعضهم يظنّ أنّ الاحتلام لا يدخل في الجنابة، وبعضهم يظنّ أن الوطء من دون إنزال لا يدخل في الجنابة ويظنّ أنه بهذا لم يُجنب. فنقول الجنابة تشمل هذا كله: من احتلم فهو جُنُب. والثاني: من جامع دون أن يُنزِل فهو جنب. الثالث: من جامع وأنزل فهو أيضاً جنب, فكل هؤلاء لا يجوز لهم أن يصلّوا ولا أن يقربوا الصلاة ولا يقربوا مواطن الصلاة التي هي المساجد إلاّ بعد أن يغتسلوا من الجنابة، قال (وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ)
د. الشهري: هناك سؤال مرّ معنا في قوله سبحانه وتعالى (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) قصة عمرو بن العاص رضي الله عنه عندما كان في غزوة ذات السلاسل فاحتلم وأصبح جنباً صح؟! فأراد أن يتوضأ ويُصلي بالناس أو يغتسل فلم يستطع لشدة البرودة فتيمّم وصلّى بالناس, فلمّا رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم, قالوا يا رسول الله صلى بنا وهو جُنُب, فسأل عمرو بن العاص رضي الله عنه, قال عمرو: يا رسول الله كان الوقت شديد البرد وتذكرت قول الله تعالى (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) فتيمّمت وصلّيت, فضحك النبي صلى الله عليه سلم ممّا يدل على أنّ التيمّم في حال فقدان الماء يُجزئ عن الاغتسال
د. الخضيري: نعم، أو في حال الخوف من استخدامه لبردٍ أو نحوه
د. الشهري: يعني كلمة "تغتسلوا" هنا واضحة أنّها في الماء أليس كذلك؟! وليس فيها الإشارة إلى من ينوب عنه في حال عدم القدرة على استخدامه لأي سبب.
د. الخضيري: بعد أن ذكر الله عز وجل وجوب التطهر للصلاة, بيّن المواطن التي يحل فيها التيمّم فقال (وَإِن كُنتُم مَّرْضَى) هذه واحد، (أَوْ عَلَى سَفَرٍ) هذه الثانية. والعادة أنّ المسافر مظنّة لعدم وجود الماء أو لقِلتّه بحيث لا يكفي إلا لشربه وشرب دابته, كما كان الناس قديماً يفعلون. فإذا كان الإنسان مريضاً يخاف إستعمال الماء أن يزداد المرض أو يتأخر البُرء أو يخاف أيضًا من القتل مثل ما حصل لعمرو بن العاص رضي الله عنه الموت, (وإن كنتم مرضى أو على سفر) ثم قال الله عز وجل: (أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الغائط ) "أو جاء" ليست اسماً من الاثنين ولا نوعاً مفرعاً, وإنما هنا "أو" بمعنى "و" مثل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يقرأه من يصلي أو آسف يقرأه من به همّ أو حزن يقول: (اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماضٍ فيّ حكمك عدلُ فيّ قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميّت به نفسك أو أنزلته في كتابك...) فقوله (أو أنزلته) معناها وأنزلته فـ"أو" تأتي في هذا الموطن بمعنى الواو , قوله (أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ) ما معناها يا دكتور مساعد؟!
د. الطيار: طبعاً الغائط من حيث اللغة هو المكان المنخفض وكانوا يقصدون مثل هذه الأماكن لقضاء حاجتهم
د. الخضيري: نحن بالعامية نقول مكان غويط من هذا المعنى
د. الطيار: يبدو هذا قريب منه،
د. الخضيري: وعندنا ؟؟؟؟؟؟؟ في نجد تسمى الغائط يعني لاطمئنانها منخفضة تحت جبل
د. الطيار: طبعاً فسمّت العرب الشيء بما يقاربه باسم مكانه
د. الخضيري: وهذا من ماذا؟!
د. الطيار: هذا من الأدب وحسن العبارة
د. الخضيري: ومثلها البراز, أيضا البراز سمّي باسم مكانه, لأنّ الإنسان إذا أراد أن يقضي حاجته ذهب إلى براز من الأرض. (أوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء) دكتور عبد الرحمن؟
د. الشهري: الملامسة هنا الأصل فيها الجِماع, المقصود بها (أو لامستم النساء) بمعنى أو جامعتم النساء, فقوله هنا: (َأوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ) فالمقصود بالملامسة هنا يذكر المفسرون أنّ المقصود بها أو جامعتم النساء, وبعضهم يذكر القول الآخر أنّ مجرد الملامسة بشهوة تدخل في هذا
د. الخضيري: هم يستدلون بقراءة (أو لمستم النساء) لكن حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنه فسّر الملامسة هنا بالجماع, والمعنى يدل لذلك لماذا؟! لأنّ لو كان المراد لمس المرأة لكان من الحدث الأصغر. الحدث الأصغر جاء في قوله (أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ) فإذا ذكر مرة أخرى لم يكن في ذكره فائدة بينما إذا ذكر قسيمه وهو الحدث الأكبر دلّ ذلك على أنّ التيمّم يكون من الحدث الأصغر ويكون من الحدث الأكبر فحمْلُه على ما ذكر ابن عباس رضي الله عنه بأنّ معنى الملامسة على ما أسلفتم يا دكتور عبد الرحمن هو الجماع أولى، والقراءة الثانية لمستم تُفسّر بهذه لأنّه يأتي الجماع بمعنى الملامسة وبمعنى اللمس
د. الطيار: طبعا اللمس هو الأصل فيه اللمس باليد ويُفسّر بالملامسة على القراءة الثانية تُفسّر لمستم بقراءة لامستم أنّ المراد بها هي الجماع
د. الشهري: سؤال الآن عندما تقول هنا أنّ الملامسة للمرأة تنقض الوضوء وأنها تكون من الحدث الأصغر ألا يعارض هذا أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان ربّما يُقبّل زوجته؟
د. الطيار: هذا ما استدل به أصحاب هذا القول
د. الشهري: يُقبّل زوجته ثم يذهب إلى الصلاة دون أن يتوضأ أليس كذلك؟! وتقبيل الزوجة يعتبر أظهر من مجرد الملامسة
د. الطيار: هذا استدل به الطبري للردّ على من قال المراد به اللمس. يعني من طرائف التفسير كان سعيد بن جبير وعطاء بن رباح وعُميد بن عُمير كانوا في مكة فمرّوا بهذه الآية فاختلفوا في معناها, يقول سعيد: فدخلت على ابن عباس فقال: فيم كنتم؟! قالوا كنّا في قول الله تعالى (أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء) فقال فما قلتم؟! قال اختلفنا، فبعضنا قال الجماع, وبعضنا قال ما دون الجماع, فقالت الموالي ما دون الجماع, وقالت العرب الجماع يعني العرب عميد بن عمير ومن معه, قال فيمن كنت؟! قال كنت في الموالي, فقال: غُلبت الموالي، غُلبت الموالي، إنّما الملامسة الجماع
د. الخضيري: وهذا هو الذي يستقيم مع ما ذكره الدكتور عبد الرحمن في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنّه كان يُقبّل أهله ثم يُصلي ولا يتوضأ
د. الطيار: ولهذا نقول سبحان الله أنّ الحديث يفسّر القرآن, وهذا جانب من جوانب إبانة أحكام القرآن بفعل النبي صلى الله عليه وسلم
د. الخضيري: ومع ذلك تبقى هذه المسألة من المسائل الخلافية التي هي محل اجتهاد ونظر لأهل العلم بحيث لا يُنكر طالب العلم على من قال برأيه
د. الطيار: الشافعي رحمة الله عليه كان يرى بأن لامستم بمعنى اللمس
د. الخضيري: وفيه أيضا رأي الجمهور فيما يظهر هو رأي الجمهور, يعني جمهور العلماء على أنّ اللمس ناقض ويستدلون عليه بهذه الآية
د. الطيار: بعضهم توسط قال إذا كان لمساً بشهوة أو تقبيلاً بشهوة, قالوا إذا قاربت الشهوة أو كانت الشهوة ملازمة له مع لمس المرأة دون الجماع فإنّه ينقض الوضوء
د. الخضيري: قوله (فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء) الحقيقة أنا أتوقع أنّ قوله (أو لامستم النساء) مناسب لسورة النساء فهو حكم يتصل بالعلاقة مع المرأة فكونه ينصّ على هذا لو قال مثلاً أو جامعتم لاحظت؟ فكونه ينص على اسم النساء في سورة النساء له ارتباط بهذا الأمر. قوله (فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ)
د. الطيار: هذا يعود على (وان كنتم)
د. الشهري: جواب الشرط هنا يعني إن كنتم مرضى فلم تجدوا ماء أو وإن كنتم على سفر فلم تجدوا ماء أو جاء أحد منكم من الغائط فلم تجدوا ماء وإن لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمّمّوا صعيداً طيباً
د. الخضيري: الصعيد ما هو؟!
د. الشهري: لا، قبلها يادكتور, التيمّم لأنّ بعض الناس يظنّ أنّ التيمّم هو هذا أن تصنع بيدك تضرب بيدك في الأرض ثم تمسح بها كفيك هذا التيمم اصطلاحًا أو شرعًا, لكن التيمّم في اللغة هو القصد, تقول مثلاً يمّمّت وجهي شطر مدينة مكة مثلاً, بمعنى قصدتُ، فقوله هنا (فتيمّمّوا صعيدًا طيبًا) يعني اقصدوا وابحثوا عن صعيد طيب ثم اقصدوه وافعلوا به الكيفية التي أمركم بها النبي صلى الله عليه وسلم. فالصعيد الطيب هو التراب الذي له غبار, والصعيد في اللغة هو المكان المستوي لأنّ الأصل أنّ التراب الليّن لا يكون إلا في الأماكن المستوية, أمّا الأماكن الجبلية والصخرية لا يوجد فيها ما يسمّى الصعيد فالصعيد هو هذا
د. الخضيري: ويمكن أن يُقال مثل ما قال بعض أهل العلم وهو الحقيقة أليق بيُسْر الشريعة أنّ الصعيد ما صعد على وجه الأرض سواء كان تراباً أو غبارًا وهذا أكمل ما يكون, أو رملاً لا غبار فيه, أو صخوراً أو حتى في بعض الأماكن ما تجد حنى أثر التراب قد يكون شجر ففي هذه الحالة نقول للناس لا تتيمّمّوا؟! بل تيمّم لأنّ الله ذكر كلمة صعيد وهي شاملة لكل هذا. بل أحياناً تكون المنطقة جليدية وأنت محتاج إلى التيمّم فتتيمّم على هذا الجليد لأن الله قال صعيداً والصعيد ما صعد على وجه الأرض
د. الشهري: وإن كان المعنى الذي يذكرونه الصعيد الذي له غبار إشارة إلى كلمة تيمّمّوا إبذل جهدًا في البحث عن هذا النوع من التراب الذي له غبار يعني ولذلك يذكرون في كتب الفقه أنّ يكون الصعيد له غبار
د. الخضيري: هذه الحنابلة يذكرونها يستدلون بقوله: (فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ منه) الذي في سورة المائدة لكن في هذه السورة ما ذكر "منه "
د. الشهري: (فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا)
د. الخضيري: فنقول: إن ما أشرت إليه في "تيمموا" لعلّ ذكر التيمّم أنّ الإنسان عندما يفعل ذلك يقصد، أي لا يفعل هكذا ويكتفي ممكن الإنسان يلمس التراب ويتعفّر به لكنّه لا يقصد ذلك، نقول لا بد من القصد فيه
د. الشهري: أن يكون للتطهر بنية الطهارة
د. الخضيري: العجيب بل من أعجب ما مرّ بي أني قابلت الدكتور جعفر شيخ إدريس فقال أني كنت في جزر الكاريبي التي في..
د. الشهري: في أمريكا الشمالية
د. الخضيري: هي في أمريكا الشمالية؟! لا ما هي التي في شمال أوروبا؟
د. الشهري: الاسكندينافية قصدك؟!
د. الخضيري: لا، المهم إنهم كانوا في تلك لإلقاء محاضرات فقابلت امرأة قيل لي إنها أسلمت فسألتها ما سبب إسلامها؟! فقالت إني كنت أشاهد فيلماً عربياً وكان في أثناء هذا الفيلم هؤلاء الناس كانوا راكبين جِمال فحضر وقت عبادتهم فنزلوا وضربوا بأيديهم الأرض ومسحوا بوجوههم ثم استقبلوا جهة معينة ثم صلّوا فقلت: لماذا فعلوا هذا؟! قالوا: هؤلاء لا يدخلون الصلاة ولا يستحلونها إلا بعمل, يتطهرون بالماء فإن لم يجدوا الماء فإنهم يفعلون هذا الفعل, قالت: فسألت عن هذا الدين حتى دخلت فيه. فأنا كنت أقول سبحان الله التيمّم فيما يظهر لنا نحن أنّه شيء من التلويث يعني الإنسان يلوث نفسه بالتراب لكن انظر الحكمة العظيمة كان سبباً ملفتاً لانتباه هذه المرأة حتى كان قادها إلى الإسلام, تقول هذا دين عظيم يعني يجعل العبادات لها مقدمات ومداخل وليست المسألة فوضوية, بل منظمة مرتبة حتى لمن لم يجد الماء الذي يتطّهر به هناك بدائل أخرى توضع له والله أعلم
د. الشهري: ومع أنّه كما تفضلت ظاهرها أنّك تُلوث يدك بالغبار! لكن أتصور لو بُحث عن الحكمة لوُجد هناك حكم تخفى علينا في عملية التيمّم, ولذلك علي بن أبي طالب قال: "لو كان الدين بالعقل لكان باطن الخُفّ أولى بالمسح من ظاهره, لكن الدين بالتعبد والاستجابة"
د. الطيار: الطيب في قوله (صعيداً طيباً) المراد به هنا الطاهر
د. الخضيري: نعم، طاهراً غير نجس وأيضاً غير مغصوب يعني غير محرّم, وهذه لا بد أن نُراعيها حتى في أمور أخرى مثل الطعام الطيب يُراد به أن لا يكون نجسًا وأن يكون أيضًا من حلال
د. الطيار: لأنّه لمّا تلاحظ صعيداً طيباً يعني قد يتصور العقل أنّه لم يقل صعيداً طاهراً لأن المراد هو الطهارة فيدخل فيها
د. الشهري: الطيب يدخل فيه الطاهر
د. الطيار: نعم، الطيب والطاهر في ذاته
د. الخضيري: من الأشياء التي أريد حقيقة لو نطرحها على بعض الباحثين لو يشاركوننا الطيب في القرآن ما هو؟! (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) وعندنا ورد (فانكحوا ما طاب لكم من النساء)
د. الشهري: (وهدوا إلى الطيب من القول) (كلوا من الطيبات)
د. الخضيري: فما هي الطيبات؟ حقيقتها؟ معناها؟ مواردها في القرآن؟!
د. الشهري: قطعاً كُتب فيه, هذا من الموضوعات الظاهرة لا يتركونه الباحثين. (فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) هذا يشير إلى صفة المسح أليس كذلك؟!
د. الخضيري: بدأ بالوجه لأنّه مقدّم حتى في سنن الوضوء يغسل الإنسان وجهه ثم يديه إلى المرفقين, لكن هنا اليدين في القرآن إذا أُطلقت فإنما المراد بها الكفّان, وإذا أريد باليدين ما سوى ذلك يراد
د. الطيار: المرفقين
د. الخضيري: لا آسف فإذا أريد ما سوى ذلك فإنه يُقيّد, كما قال الله عز وجل في آية الوضوء
د. الشهري: (وأيديكم إلى المرافق)
د. الخضيري: (فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ)
د. الشهري: لو سكت لما كانت إلا
د. الخضيري: إلا الكفوف, لذلك في السرقة قال الله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا) فهذه قاعدة قرآنية أو مصطلح من مصطلحات القرآن في اليد, وإن كانت في الأصل تُطلق على الكف وتُطلق على كامل الذراع. إذن صفة المسح يا إخواني هو أن يضرب بيديه التراب ضربة واحدة ثم يمسح وجهه مسحاً تاماً ثم يمسح بيده اليسرى على يده اليمنى ثم بيده اليمنى على يده اليسرى، هذه الصفة الشرعية, هل يمسح إلى الذراع؟! ورد هذه عن بعض الصحابة, لكن الصحيح ما ثبت عن عمار بن ياسر وغيره من الصحابة وما دلّت عليه الآية من أنّ المسح يكون على الكفّ. والتيمّم أصلاً صفة تعبدية لا يراد منها أن يصل التراب إلى كل عضو من أعضاء الطهارة، هي صفة تعبدية لا يقصد منها النظافة يقصد بها التعبد.
د. الطيار: قائمة مقام الوضوء
د. الخضيري: قوله (بوجوهكم) الباء هنا يا مشايخ ما هي؟!
د. الطيار: باء الإلصاق يعني كأنّه يلصق الصعيد الذي بقي على يده واليد كما قال تعالى: (فامسحوا بوجوهكم)
د. الخضيري: ولذلك أنا أرى يا دكتور مساعد كنّا في الصغر يقولون لنا لمّا تضرب بيدك الأرض تفعل هكذا تمرّ بأصابعك ورأيت أنا عددًا من الناس يفعلون هذا وهذا غير صحيح, الصحيح أنّك تأتي بكفك وتمسح بها وجهك كأنّك يعني تغسلها يعني ثم تمسح بيدك هذه على يدك هذه وبيدك هذه على يدك هذه, هذه هي الصفة الشرعية.
د. الشهري: ثمّ ختم الآية بختام مناسب لهذا الفعل قال (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا) أليس فيه إشارة هنا إلى أنّ التيمّم فيه نوعٌ من التجوز والعفو أليس كذلك؟!
د. الطيار: لم لا تربطها من أول الآية؟ (لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ) ولا تقربوا أماكن الصلاة وأنتم جنبًا
د. الخضيري: يعني فإن فعلتم ذلك فإنّ الله عفو
د. الطيار: لأنه قد يحصل تقصير في هذا الجانب فلو حصل من تقصير فإنّ الله كان عفواً غفوراً
د. الخضيري: أليس أحد الاسمين يغني عن الآخر؟! إذا عفا عنك فهو قد غفر لك أو إذا غفر لك فقد عفا عنك
د. الطيار: لكن هذا أكمل
د. الشهري: في باب العفو وفي باب المغفرة فإنّه من البلاغة ذكر أكثر من صفة من صفات فتح باب الرجاء (عفوٌ حليم) (غفورٌ حليم) (عفوٌ غفور)
د. الطيار: وهذا أقوى، لكن العجيب أنّ "عفا" لمّا يقال عفت الشمس أو عفت الريح آثار الديار بمعنى أزالتها
د. الشهري: أزاحتها وأزالتها
د. الطيار: فالعفو إزالة والمغفرة ستر
د. الخضيري: هذا واحد, لكن أيضاً ممكن يُقال والله اعلم أنّهما إذا اجتمعا أنّ العفو لترك الواجب والغفر لفعل المحرّم, ولكن هذا يحتاج إلى دليل أليس كذلك؟!
د. الشهري: يعني هذه كما تقول من استنباطات المتأخرين وإلاّ فالقدماء من السلف كانوا لا يتوقفون عند مثل هذه الأشياء ويعتبرونها ظاهرة أم لا يا دكتور؟ عفواً غفوراً يبدو لي والله اعلم أنّ المسالة دايماً في القرآن الكريم عندما يأتي باب المغفرة وباب العفو فإنّ الله يذكر أسماءه وصفاته التي تدلّ على فتح باب المغفرة. يعني الآن الذي يتيمّم قد يدخل في يعني واقع بعض الناس اليوم بعضهم لا يستطيع أن يقف في الصلاة إلاّ بصعوبة وبمشقة فهذا مأذون له أن يُصلي جالساً أليس كذلك؟! ولكنّه لا يقبل ذلك ويرى أنّ صلاته ناقصة مع أنّ الله قد رخص له في ذلك, لأنّه يجد في نفسه مشقة أن يتقبل هذه الرخصة, كذلك بعض الناس وقد صحبت بعض الناس في السفر فتجد أنّه لا يتيمّم ويرضى بأن يذهب وينتظر مسافات طويلة حتى يجد الماء فإذا وجد الماء صلّى فقلت: يا أخي يمكن أن تتيمّم يا أخي, الله ذكر ذلك: (فلم تجدوا ماء) أنت ليس مطلوبًا منك إذا حلّ وقت الصلاة ولم تجد ماءً أن تذهب وتستنبط الماء وتحفر لك بئر حتى تُصلّي العصر! بعضهم يصنع ذلك فيذهب مسافات ويخرج عن الطريق ويُحرج رفقاء سفره من أجل أن يغتسل بالماء. فالله سبحانه وتعالى أراد أن يذهب هذا الحرج عن نفوس هؤلاء أنك تيمّم وأنّ الله قد فتح هذا الباب وهو باب التيمم عفواً منه سبحانه وتعالى
د. الخضيري: فاقبلوا من الله عفوه. وسيأتينا في آيات التخفيف في الصلاة وغيرها ما يدل ويؤكدّ على هذا المعنى. مشاهدي الكرام يعني في الآية معاني كثيرة لم نتطرق لها ولكن نرجو أن نكون وضعنا الأمور في نصابها وبيّنا كثيراً مما ينبغي أن يستبينه الإنسان من معاني هذه الآية الكريمة. نستميحكم العذر ونستودعكم الله, وإلى لقاء آخر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بُثّت الحلقة بتاريخ 23 رمضان 1431 هـ
 
الحلقة 24
تأملات في سورة النساء من الآية ( 44) إلى الآية (46)
د. الخضيري: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه.
مشاهدي الكرام ما زلنا في هذه السورة العظيمة سورة النساء نقبس من أنوارها ونهتدي بهديها ونسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بها. في الحلقة الماضية مشاهدي الكرام تحدثّنا عن قول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ...) إلى آخر الآية, وبيّنا ما فيها من الحِكمِ والأحكام والمعاني الجليلة التي ينبغي لكل مؤمنٍ أن يتفطّن لها. اليوم أحبتي الكرام نواصل الحديث في الآيات التي تليها, وقبل أن نتحدث عن معاني تلك الآيات نستمع إليها منصتين خاشعين, ونسأل الله أن يتقبّل منّا ومنكم فإلى سماع الآيات:
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ (44) وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيرًا (45) مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (46))
من هذا المكان الطيّب المبارك وهذه الاستراحة الجميلة الماتعة استراحة الأستاذ الكريم ظافر بن حلبد في مدينة تنومه الباردة الضبابية ندلف إلى حلقتنا فهيّا بنا, تفضّل يا شيخ عبد الرحمن
د. الشهري: حيّاك الله وبيّاك يا شيخ محمد وأسأل الله أن يتقبّل منّا ومنكم ومن الإخوة المشاهدين. هذه الآيات تدخل بنا الآن في اليهود في سورة النساء, وكنتم تذكرون أنّنا في سورة البقرة كانت تحدثت كثيرًا عن اليهود وطوّلت في موضوع اليهود
د. الخضيري: لكن ذاك الجانب أشبه ما يكون بجانب تاريخي
د. الشهري: بالضبط, ثم جاءت سورة آل عمران بعدها جاءت عن النصارى كثيرًا. الآن بدأ الحديث عن اليهود مرةً أخرى في إشارة إلى عدواتهم هنا, الله سبحانه وتعالى يقول: ألم ترَ يا محمد (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ) يُخبر الله سبحانه وتعالى عن هؤلاء اليهود الذين آتاهم الله سبحانه وتعالى حظاً من العلم بالتوراة فيقول (ألم ترَ)، وإذا جاءت في القرآن الكريم قوله سبحانه وتعالى (ولو ترى) أو (ألم ترَ) فالمقصود بها العموم للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته من بعده
د. الخضيري: ولكل من يصلح له هذا الخطاب
د. الشهري: نعم ولذلك يقول السيوطي في ألفية البلاغة
وقوله سبحانه ولو ترى لكي يَعمّ كل شخص قد يرى
فقوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ) من هُم هؤلاء؟! هم اليهود, والمقصود بالكتاب هنا التوراة وهو كتاب اليهود
د. الخضيري: طبعاً وإن كان يا دكتور عبد الرحمن لما يقال (أوتوا نصيبًا من الكتاب) قد يحتمل النصارى لكن هنا عندنا السياق
د. الشهري: سوف تأتي الآية التي بعدها (مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ)
د. الخضيري: ليُحدد أنّ المقصود به هم اليهود
د. الطيار: وبناءً عليه تكون كلمة الكتاب تدخل في باب الوجوه والنظائر
د. الخضيري: يراد به هنا التوراة لا غير, لكن لا يعني ذلك أنّ المعنى مقصوراً عليهم في الجملة ولكن قياساً
د. الطيار: نعم هذا قياسي
د. الشهري: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ) أول شيء فيها الإشارة إلى أنّ اليهود قد أوتوا حظاً من العلم التوراة وأنهم قد كفروا على علم ومعرفة, ماذا يصنعون يا رب؟! قال (يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ)
د. الخضيري: لها معنيان
د. الشهري: نعم الله سبحانه وتعالى آتاهم العلم, وممّا آتاهم من العلم في التوراة خبرك يا محمد وصفتك يا محمد ولكنّهم لمّا تبيّن لهم الحق كفروا بك واشتروا الضلالة بالهدى, بمعنى أنّهم باعوا الهدى الذي يعرفونه في الكتاب وأخذوا بدلاً منه الضلالة. لاحظ أنّه عبّر بكلمة يشترون والبيع والشراء دائماً فيه مُقابل وأنت لا تدفع ثمناً إلا لشيء أنت تحبّه, فهم معناه أنهم راغبون في الضلالة رغبة المشتري في السلعة
د. الخضيري: يا الله! بلاغة هذه الكلمة
د. الشهري: يعني معناه ليس مجرد أنهم ضلّوا بالغلط
د. الخضيري: أو بالقهر أو بالإكراه
د. الشهري: لا هؤلاء ضلّوا على علم, واشتروا الضلالة عن معرفة وبيّنة
د. الطيار: مثل ما حصل من حييّ بن أخطب قال عداوته ما بقيت
د. الشهري: لذلك لاحظوا يا إخواني نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم الإخلاص, وأن يجعل ما تعلّمناه من كتاب الله وما تعلّمه الإخوة المشاهدين حجةً لنا لا حجةً علينا, لأن المشكلة أحياناً يا إخواني قد يؤتى الإنسان على علم ويضل على علم, ولاحظوا في القرآن الكريم تهديد واضح في هذا عندما قال الله سبحانه وتعالى (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا) أي أعطاه الله حظاً من العلم في الكتاب, قال: (فَانسَلَخَ مِنْهَا)
د. الخضيري: كأنّها كانت ثوباً عليه فخرج منه قصداً
د. الشهري: فخلعه, نعم (فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ) لاحظ الآية التي أخطر منها التي بعدها قال: (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ) وهذه المشكلة إتبّاع الهوى! قال: (أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ) أي تطرده, تحمل عليه بمعنى تلحقه (إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث) يعني لاهث لاهث سواء طردته أو تركته
د. الخضيري: وكذلك علماء السوء الذين ذكر الله هذا المثال لهم تجد الواحد منهم همّه الدنيا إن نام وإن قعد وإن تكلم وإن أفتى وإن كتب كتاباً لا يريد إلا هذه الدنيا ولا يدور إلا عليها ومستعد أن يُزوّر ويزيّف ويُضلّ من أجل أن يُحصّل منصباً أو جاهاً أو منزلةً
د. الشهري: ولذلك المسألة خطيرة, لذلك ذكر النبي صلى الله عليه وسلم (من أول من تُسعّر به النار رجلٌ تعلّم العلم لأجل الدنيا فيُقرّ بنعمة الله عليه, فيقال: تعلّمت العلم فماذا عملت به؟! فيقول تعلّمت العلم لك يا رب وفيك, فيُقال له كذبت, تعلمّت العلم ليُقال عالِم وقد قيل ثم يُسعر به والعياذ بالله إلى جهنم). ثم يقول في الصفة الأخرى من صفات اليهود قال (وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ)
د. الخضيري: لو جعلنا الدكتور مساعد يُعلّق عليها
د. الطيار: عندنا قبل، مرّ علينا في اليهود آية وهي قوله سبحانه وتعالى (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) بناءً على أنّها نزلت فيهم فتكون هذه الآية الأولى مقدمّة للدخول في التفصيل مع اليهود
د. الخضيري: على عادة القرآن في أنّه قبل أن يدخل في الشيء دخولًا تاماً يضع بعض المقدمات التي تُهيئ النفس للدخول إلى ذلك الشيء بتفاصيله ودقائقه. (وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ) ما معناها يا دكتور مساعد؟!
د. الطيار: لا، هناك فائدة قبل
د. الشهري: فائدة في التعامل مع اليهود , فهناك معالِم في الصراع مع اليهود, الدكتور مصطفى مسلم له كتاب اسمه "المعالم القرآنية في التعامل مع اليهود" أشار فيه إلى مثل هذه الآية في قول الله سبحانه وتعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ) ما قال الله سبحانه وتعالى اشتروا الضلالة في الماضي, اليهود هذه طبيعة مستمرّة هذه أخلاقهم أنّهم دائمًا يشترون الضلالة
د. الخضيري: ولذلك تجد كل ضلالة في الأرض لو تتبّعت أصولها وجذورها تجدها من اليهود
د. الشهري: قال (وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ) دائماً اليهود من صفاتهم المترسخة في نفوسهم إلى اليوم وإلى الغد, مهما حاولت أن تعقد معهم معاهدات سلام بلا فائدة, قال: (وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ) هم دائماً تتجدد هذه الإرادة في نفوسهم أن يُضلوا هذه الأمة (وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ) بالشهوات فيكبّوا الشهوات بكثرة بشكل ما تتصوره, وبالشهوات وبكل ما من شأنه أن يُضلك عن الطريق. وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم يعني هذا الصراط المستقيم عندما خطّ خطّاً قال هذا سبيل الله, وخطّ خُطوطًا وهذه طرق الشيطان, أليس كذلك؟! فهم يريدون بكل وسيلة ممكنة أن يُضلوك عن هذا السبيل, ولذلك قال (وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ) فالسبيل واحد, ما قال السُبُل، ليس هناك إلا هذا الطريق وهم ينظمون كل جهودهم ووسائل الإعلام والى آخره ويشترون كل هذا من أجل أن يضلّ المسلمون سبيل هذا القرآن
د. الخضيري: في هذا المعنى كما ذكرت في قوله: (وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) فجعل سبيله واحدًا, وهو السبيل الذي عليه الأنبياء جميعاً سبيل التوحيد والطاعة والإيمان بالله. الحقيقة أنا أريد أن أُعلّق على قوله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ) الآن نُلاحظ من أبناء المسلمين أوتوا نصيباً من الكتاب يعلمون الحلال والحرام, يعرفون ما أوجب الله وما حرّم الله, ومع ذلك يقصدون قصداً إلى الضلالة فيبيعون فيها أموالهم ويشترونها اشتراء بالمال حقيقة يعني تعبيراً عن محبتهم لهذه الضلالة وعن رغبتهم فيها مع علمهم التامّ بأنّ هذا مما حرمّه الله عليهم، وهذا لا شك أنه مُطابق لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لتتبعنّ سنن من كان قبلكم حذو القذّة بالقذّة حتى لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه) بما تفسّر لي أن الشاب المسلم يذهب ويقطع تذكرة ويذهب إلى أحد البلاد لكي يُمارس أنواع الرذيلة؟! أليس هذا اشتراء للضلالة؟! وبحثًا عنها وتحرّياً لمواضعها وولوغاً فيها؟!, مع أنّك لو تسأله هل هذا من دينك؟! يقول ليس هو من ديني, هل هذا مما أحله الله لك؟! يقول أبداً ليس ممّا أحلّه الله لي, فما لذي يدعوك لمثل هذا؟! هل تأمن مكر الله لك وعقوبته العاجلة لك وأن يُختم لك بسوء كما خُتم لجماعات من أبناء المسلمين أنّهم قبضت أرواحهم وهم والعياذ بالله يُمارسون الرذيلة ويفعلون المحرِّم ويُعاقرون ما حرّم الله سبحانه وتعالى؟! نحن نقول انتبهوا يا إخواننا إيّاكم أن تشابهوا هؤلاء, لم يذكر الله هذه الصفة عن أهل الكتاب من اجل أن نتحدث عن خبر من أخبارهم وإنّما من أجل أن نحذر وأن لا نقع, الذي يشتري المجلات الفاسدة ويدخلها بيته أو القنوات الفضائية الهابطة ويدخلها بيته ويدفع مالاً مقابل اشتراكه في إحدى هذه القنوات التي تبث الرذيلة وتضلّ الناس وتزيغهم عن دينهم بل وتُلبّس عليهم أمرهم ألا يمكن أن يكون داخل دكتور مساعد؟!
د. الطيار: نعم سيدخل, لاحظ أن الفعل يشترون يريدون وكأنّ هذه الصفة متجددة معهم وهذا التجدد أيضاً دالّ على الاستمرار يعني ليس تجدداً منقطعاً بل تجدداً مستمراً, ثم كما ذكرتم دكتور عبد الرحمن سبحان الله هذه قضيه غريبة جدا لأنّك لمّا تتأمّل تجد أنّ صفات اليهود واحدة, اليهود الذين عاشُوا قبل الرسالة واليهود الذين عاشوا مع النبي صلى الله عليه وسلم واليهود الذين عاشوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم ويهود اليوم هم هم بنفس الصفات, ولهذا تتعجب بالفعل مع وضوح هذا الأمر في كتابنا إلا أنّا نجد كثيراً من المسلمين يهرولون إلى السلام هرولة, يهرولون إلى السلام مع أُناس لا يؤمنون بالسلام والسلام الذي يريده هو أن تستسلم له وليس أن تُسالمَه
د. الخضيري: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)
د. الطيار: فرق بين المسالمة وبين الاستسلام هم يريدون منّا الاستسلام وليس السلام, ولهذا ما هو العهد الذي وفّى به اليهود؟!
د. الشهري: ما أظنّ لهم عهد، (لا يرقبون في مؤمنٍ إلاً ولا ذمة). لاحظوا الآية الثانية في قوله (وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيرًا) كأنّها جاءت جواباً لمعترض يقول اليهود يمكن المسالمة معهم ويمكن التطبيع معهم ويمكن التعاقد معهم والتحالف معهم
د. الخضيري: لا، ويمكن اليهود الذين كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم على شيء والظروف تغيرت, اليهود الآن متحضرّين وعندهم مبادئ وقيم
د. الشهري: وعندهم أفضل جامعة في الشرق الأوسط
د. الخضيري: فاليهود هؤلاء مختلفون عن اليهود السابقون, نقول لا
د. الشهري: (وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ) لم يقل الله سبحانه وتعالى والله أعلم بهم
د. الخضيري: وصرّح بالظاهر أو أظهر في مقام الإضمار
د. الشهري: وأنا أقول الحقيقة يعني الآية واضحة أنّ الله سبحانه وتعالى من رحمته بهذه الأمة يُبيّن لها تفاصيل نفسيات عدوّها وهذه رائعة جدًا. الآن الدول الآن مثل الولايات المتحدة على سبيل المثال تبذل المليارات أو الملايين من أجل دراسة نفسيات الشعوب التي تُريد أن تخضعها, الولايات المتحدة اليوم هي تريد أن تستعمر الجميع فهي تُنشئ دراسات للشرق الأوسط وتُنشئ معاهد وبحوث لدراسة الصينيين, ثقافة الصينيين, ما هي الأشياء التي يمكن أن تؤثر في الصينيين, العرب, من أجل ماذا؟! من أجل أن تعرف ما هي الطريقة المناسبة لإخضاعه, لإقناعه, للحصول على ما بيده, الله سبحانه وتعالى هنا قد شرح لك نفسيات أعداءك اليهود وقال (وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ) فأول شيء فيها فائدتين, الأمر الأول رحمة الله بهذه الأمة, الأمر الثاني قدم لك معلومات ومعلومات موثوقة مائة بالمائة
د. الخضيري: مركز دراسات ربّانية! يعني أستغفر الله نحن لا نقول هذه دراسات يكتشفها الرب لا، هذه نتائج والله أعلم بها
د. الشهري: الأمر الثاني أنه صرّح بأنهم أعداء لك , فمن الغباء أنك تظن في يوم من الأيام أن هؤلاء سيُسالمُونك
د. الخضيري: أو أنهم سيُحسنون أو يجلبون الخير
د. الشهري: فلماذا نحن الآن, وهذه مشكلتنا الآن من سنوات طويلة أننا نريد أن نُعيد اختراع العجلة من جديد, نبدأ مع اليهود ومحادثات سلام, طيب الله يقول هم أعداء (وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ) ثم قال (وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيرًا)
د. الخضيري: لا تتولوا أحدًا إلا الله ولا تطلبوا النصر إلا منه سبحانه وتعالى لأنه كفى به كفى هو حسبكم
د. الطيار: مع وجود هذا الحقيقة الظاهرة جداً أنّ الله سبحانه وتعالى الآن يسّر لنا السبيل, ما احتجنا نحن إلى التجارب لنكتشف هذه العداوة, مع أنه الآن والقران ينزل يبيّن لنا أن هذا الصنف من الناس باقٍ إلى يوم القيامة إلى أن ينزل عيسى عليه السلام ويقتل الدجال, هؤلاء يتصفون بهذه الصفات, قال لنا الله هذه صفاتهم ومع ذلك سبحان الله تجد أننّا نُخالف هذا!
د. الشهري: (وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ)
د. الخضيري: ضلال الناس يكون في العادة من جهتين ذُكرتا في سورة الفاتحة, الجهة الأولى أن يكون عند الناس علم لكنهم لا يعملون به, وهذه تتضح كثيرًا في اليهود, والثانية أن لا يكون عند الناس علم فهم يعملون بغير هدى, الآن نُلاحظ في هذه الآيات التركيز على هذا الجانب وهو جانب أن يكون عند الناس علم ولكنهم مع ذلك يغفلون عنه ولا يعملون به ولا يقومون به قياماً صحيحاً. كأنّ الآيات تريد منا أن نقول هذا هو العلم فاعملوا به وإياكم أن تزيغوا عنه أو تضلوا عنه فيكون لكم قدر ونصيب ممّا اتصف به أهل الكتاب
د. الشهري: في الآية الأولى وفي قوله (وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيرًا) فيها إشارة الآن عندما يُراد للمسلمين الآن أن يتصدوا لأعدائهم كما وصفهم الله سبحانه وتعالى ما أكثر ما يخرج من أبناء المسلمين من يقول أنتم لا تستطيعون محاربة هؤلاء! ما عندنا الإمكانيات، ما عندنا التقنيات, انظر كم عندهم رأس نووي وأنت كم عندك رأس نووي؟!, انظر كم عندهم طائرة أنت كم عندك طائرة؟! انظر عندهم إمكانيات في مجلس الأمن أنت ما عندك إمكانيات؟!, إذن ماذا نفعل؟! هل معناها أن ما دام عدوّي بهذه المثابة أن ألجأ إلى السلام خياراً استراتيجياً والمفاوضات, صح أو لا؟! فالله سبحانه وتعالى قال بكل بساطة ختم الآية فقال: (وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيرًا) رائعة جداً أليس كذلك؟! أنت إتخِذ الأسباب التي تستطيعها, لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها وسوف تأتيك الولاية والنصرة والتأييد من الله سبحانه وتعالى وهذا مجرّب سبحان الله. لاحظ في تاريخ المسلمين الطويل لا تكاد تجد معركة من المعارك التي خاضها المسلمون في التاريخ كان المسلمون فيها أكثر عدداً من أعدائهم حتى معركة حُنين هل كانت معركة حُنين عندما كان عدد المسلمون 12 ألف هل كانوا أكثر من ثقيف ومن معهم؟! الله أعلم, ما ندري, لكنّهم صحيح أنهم أعجب المسلمون تلك المعركة بكثرتهم قال (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ) سبحان الله! أنا أقول قد تكون معركة حُنين عدد المسلمين كان أكثر, لكنّ فيما عداها عدد المسلمين في اليرموك وفي بدر وفي أُحُد وفي مؤتة وفي القادسية وفي ذات الصواري أقل من عدد أعدائهم ولكنهم كانوا أصحاب قلوب مؤمنة, وكانوا أصحاب ثبات, وكانوا أصحاب صلاة, نصرهم الله سبحانه وتعالى. حتى في حطّين التي انتصر فيها صلاح الدين, لمّا خرج صلاح الدين بخمسة عشر ألفًا فقط وكان بعض وزرائه يُعارضه في الخروج, فخرج مُغاضباً وقال من أراد أن يخرج معي فليخرج وإلا فليبقى, فعارضه أقرب الناس من وزرائه وخرج ونصره الله سبحانه وتعالى. حتى المعارك التي خاضها المسلمون في عصرنا الحاضر نصر الله المسلمين في معارك لا مقارنة بينهم وبين أعدائهم في العدة والعتاد
د. الخضيري: بل يا دكتور عبد الرحمن الأمة ذات الإرادة والعزيمة الصادقة تستطيع أن تُمرّغ أنف عدوها ولو كان أكثر منها عدداً وأعظم منها عُدّة. انظر مثلًا إلى حرب أمريكا في فيتنام أمة كافرة تقاتل أمة كافرة, لكن هؤلاء الفيتناميون كانوا أصحاب إرادة وتصميم وعزيمة صادقة في أن لا يتمكن الأميركان منهم, واستطاع الفيتناميون في أن يُمرّغوا أنوف الأمريكان وأن يخُرجوهم أذلاء صاغرين, الصوماليون أسوأ بكثير من إمكانات الفيتناميين لما نزلت أمريكا تريد أن تستولي على الصومال وأن تجعل الصومال تابعة ومستعمرة لها, استطاع الصوماليون في غضون أشهر أن يردّوا المستعمر الأمريكي ذليلاً صاغراً مع قدرته وقوته وجلبة السلاح الذي عنده, لكن الإرادة والتصميم هذا إذا كان ما في نصر من الله نفترض ذلك, كيف إذا كان المؤمنين معتزين بالله منتصرين وكفى بالله وليًا وكفى بالله نصيراً؟! نحن نقول الحقيقة الكلمة التي أشرت إليها نحن نُعد العدة التي نستطيعها ونقدر عليها ونتمكن منها ثم ندخل على عدونا مستعينين بالله لعلمنا بأنّ النصر من عنده وحده وأنّ الله إنما أمرنا بتلك العدّة من أجل اتخاذ الأسباب
د. الطيار: قال: (مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ) وأعطانا الله سبحانه وتعالى صورة من صور تحريف الكلم عن مواضعه لما قال (وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ) تحريف الكلم عن مواضعه من اليهود, طبعاً قد يكون التحريف الكلم على وجهين: تحريف الكلم بذاته بما حصل منهم تحريف إسم محمد صلى الله عليه وسلم المكتوب عندهم في التوراة فحرّفوه وجعلوا بدلاً منه أشياء يعرفونها هم فيما بينهم, وهناك تحريف الكلم بتحريف تأويله, يعني تفريغ الكلم عن مضمونه الأصلي وعن معناه الأساس, وهذا خطير جدًا
د. الخضيري: يعني التحريف يكون لفظياً ويكون معنوياً
د. الطيار: وابن عباس أشار إلى التحريف المعنوي وأنّ الذي وقع عند اليهود التحريف المعنوي
د. الخضيري: مع أنه ورد في الإشارة أنه التحريف اللفظي (وَقُولُواْ حِطَّةٌ) (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) تحريف لفظي
د. الشهري: تحريف لفظي نعم
د. الطيار: إذ هم مشهورون بهذين النوعين من التحريف, تحريف اللفظ وتحريف المعنى
د. الخضيري: وما وقع في هذه الأمة من التحريف يرجع إليهم وشابههم
د. الطيار: لما قال: (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ) ما الذي يحصل من تحريف الكلم عن مواضعه؟! مثل ما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من غيّر منار الأرض) منار الأرض يُضلّ صاحبه
د. الشهري: إضلال من كان يعتمد عليه للإستدلال
د. الطيار: فكذلك هنا لمّا تحّرف الكلم عن مواضعه فمن سيقرأ هذا الكلم بعد تحريفه فإنه سيضلّ, من يكون جاهلاً بالمعنى لمّا يسألك عن المعنى فتُعطيه المعنى الخطأ هذا أيضاً تحريف للكلم عن مواضعه يعني جعلت الكلمة أو الجملة تدل على معنى جعلتها تدل على معنى آخر. ولا شك أنّ هذا من الخطورة بمكان. وهذا يقع فيه طبعًا التحريف في القرآن, التحريف الأول لا يمكن أن نقع فيه اللفظي مستحيل, والدليل على استحالته الواقع فها هو الكتاب منذ أن نزل على محمد صلى الله عليه وسلم إلى اليوم لم يستطع أحد أن يزيد فيه حرفًا ولا ينقص منه حرفاً
د. الخضيري: أراد بعض الناس فأخزاهم الله لمّا قالوا وكلّم اللهَ موسى تكليمًا, أرادوا نصب لفظ الجلالة من أجل أن تتوافق مع مذهبهم, لكنّ هذا لا ينطلي ولا حتى على السُذّج من المسلمين لأنّ الله قد حفظ القرآن بحفظٍ تام
د. الطيار: صحيح ولهذا نجد حتى الآن بعض المصاحف لمّا يقع بها خطأ ولو كان يسيراً, يُكتشف بسرعة وتصادر للمصاحف, والآن نسمع من شهر أو شهرين, أذكر في الملتقى كان فيه إشارة إلى مصحف فيه بعض الأخطاء فسُحِب. فكرة أخرى, وهي تحريف المعنى هذا لا تكاد تسلم منه أمّة
د. الخضيري: التحريف المقصود يا أبو عبد الملك أو التحريف الذي يقع على وجه الخطأ؟!
د. الطيار: لا، هو نوعان لكن أتكلم عن التحريف المقصود. فاليهود وقع عندهم تحريف في المعنى مقصود والنصارى وقع عندهم تحريف في المعنى مقصود, وكذلك الطوائِف ممّن ينتسب إلى الإسلام وقع عندهم تحريف المعنى المقصود مثل ضُلّال الباطنية والرافضة والقرامطة كل هؤلاء عندهم تحريفات تعتبر عندهم من التحريف الباطني المقصود, أمّا غير المقصود فهذا يقع عند بعض الطوائف أيضاً والحق كما يُقال عليه دليل
د. الخضيري: قبل أن نُغادر الجملة الأولى من الآية (منَ الَّذِينَ هَادُواْ) ممكن نُبيّن للإخوة المشاهدين من هم الذين هادوا وما معنى هذه الكلمة وأصلها؟!
د. الشهري: طبعاً هذا الكلمة فيها إشارة إلى الإنصاف, إنصاف الله سبحانه وتعالى لليهود بأنّه لم يجعلهم كلهم من المحرّفين وإنّما إنصافاً ذكر أنّ طائفة منهم هم الذين يفعلون ذلك (منَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ)
د. الخضيري: لكنّهم جميعهم أعداءنا لأنّ في الآية السابقة (وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ) لمّا جاء إلى ذكر صفات معيّنة منهم ميّز وذكر ذلك بالعدل والإنصاف وهذه إشارة جميلة جداً دكتور عبد الرحمن
د. الشهري: ممتاز, الأمر الثاني (هادوا) مأخوذة من الهَوْد وهو الرجوع, قال: (إنا هدنا إليك) يعني رجعنا إليك
د. الخضيري: الرجوع هنا طبعاً عن عبادة العجل
د. الشهري: نعم فاليهود سُمّوا باليهود لأنهم رجعوا عن عبادة العجل أحسنت وتابوا منها فسُمّوا يهوداً لهذا. هنا قال: (من الذين هادوا) والمقصود بهم اليهود
د. الخضيري: (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ) الكلِم ما معناها؟!
د. الشهري: يعني يُحرّفون كلام الله الذي أنزله في كتابه التوراة, انظر ما أجمل التعبير! (يحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ) يعني يُغيّرون دلالاته, هو يدل على شيء وهم يحملُونه على شيء آخر فكأنّهم وضعوه في غير موضعه (يحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ)
د. الخضيري: (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ) انظر هذا التحريف سمّاه الله كذباً (وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ). قوله (ويقولون) الآن هذا وصفٌ آخر لهم أنّهم يقولون سمعنا وعصينا, الغريب لو قالوا عصينا أو قالوا سمعنا وسننظر, لا، سمعنا وبلغتنا هذه الدعوة وقامت علينا الحجة ببلوغها إيّانا ومع ذلك نحن نُقابل هذا السماع بالعصيان, فهذا غاية ما يكون من الجحود والإصرار والعناد والإنكار
د. الشهري: وهذا يُؤكدّ ما في أول الآيتين (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ) على علم (وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا) يعني نحن سمعنا وعرفنا لكن بالرغم من ذلك عصينا
د. الخضيري: هناك خصلة أسوأ من هاتين الخصلتين يحرفون الكلم عن مواضعه هذه واحدة, الثانية يقولون سمعنا وعصينا, الثالثة إساءتهم الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما يقولون (اسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ) يعني اسمع يا محمد لا سمعت, يعني أصمّك الله, هذه مقالتهم قاتلهم الله! يعني في غاية الاحتقار والازدراء لرسول الله صلى الله عليه وسلم, يعني المفترض حتى لو جئت إلى عظيم قوم تتأدّب معه من باب السياسة واللّطف ومن باب المجاملة التي تتفق عليها الأمم لكن اليهود قوم بُهت ما عندهم دين ولا عندهم خلق, ولذلك ماذا يقولون؟ إسمع يا محمد, كيف تقول محمد؟! لا تعتبره نبيّاً لا تعتبر نبوته لا تعدّه نبيّاً, تأدّب معه على أنه سيدٌ في قومه يقولون (اسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ) فكيف وأنت تعلم أنّه رسول الله وخاتم الأنبياء كيف يليق بك أن تقول مثل هذا التعبير اسمع لا سمعت؟!, طبعاً ويمكن أن يُقال في معناها ما ذكره الدكتور مساعد اسمع لا سمعت, ويمكن اسمع غير مسمعٍ خيراً, يعني تصلح لهذا وتصلح لهذا
د. الطيار: قولهم: (وراعنِا) قد يسمعها القائل فيقول من الرعاية, وهم يريدون راعنا من الرعونة وهذا لون من التحريف, وأنا قلت لكم قبل قليل (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ ) يُشير إلى بعض التحريفات التي وقعت منهم, لاحظ لما نقول راعنا من الرعونة, (لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ)
د. الخضيري: ما هي الرعونة عندهم؟ ما المقصود بالرعونة؟! الجفاء والغلظ
د. الشهري: يقال رجل أرعن يعني أحمق
د. الطيار: قال: (لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ)
د. الخضيري: يلوون هذا بألسنتهم بحيث ما يُفهم منهم الأمر الذي يريدونه, فالصحابة كانوا يظنّون عندما يسمعون اليهود يقولون راعنا يظنون أنّهم يقولونها بالطريقة العربية المعروفة راعني يعني انتبه لي
د. الشهري: يعني ارعني نظرك وسمعك والتفت إليّ
د. الخضيري: فكان الصحابة يقولونها لرسول الله فأراد الله سبحانه وتعالى أن يُميّز, يا صحابة رسول الله لا تقولوا هذه الكلمة لأنّها تحتمل ولأن اليهود يحتجّون بها حتى يقولوها لرسول الله صلى الله عليه وسلم, أصحابك يقولونها نحن نقولها أيضاً مثلهم, فقال لا تقولوها يا أصحاب رسول الله حتى يُحرج اليهود (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
د. الشهري: وهذا فيه دلالة على أنّ بعض المصطلحات التي يحتمل دلالتها دلالة حسنة ودلالة سيئة يُغنى عن استخدامها يُجتنب, حتى يُغلق هذا الباب تماماً
د. الطيار: ثم يقولون إنت متشدد
د. الشهري: هذا أدب قرآني
د. الطيار: المشكلة الذي يقول متشدد تجده هو يتشدد في أمور أخرى, ولهذا سبحان الله أنا أقولها لماذا؟! لأنّ بعض الأحيان لمّا ترى بعض من ضعُف إيمانه وانبهر بالغرب لما تأتي بمثل هذه المعاني البديعة التي تدل على نوع من الأدب, نوع من حسن اللفظ, لا يأبه لها, لكن يقول واحدهم لما يريد منك شيئًا يقول please لما يتكلم, يعني أعجبته هذه ونسي ما عندنا, لماذا أعجبتك تلك ونسيت ما عندنا؟!
د. الشهري: صدقت والله, يعني حتى هذه الآية فيها تربية على ذوق الكلام واستخدام العبارات التي لا تحتمل أيّ معاني سيئة, وحُسن تخيّر الكلام, يعني هذه الآية ونظائرها في القرآن الكريم تدل على أنّ الله سبحانه وتعالى كان يحرص في تربيته لجيل الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم من الجيل الإسلامي حتى في اختيار الكلمات واستخدامها إستخدم هذه العبارة ولا تستخدم هذه العبارة, إستخدم هذا المصطلح ولا تستخدم هذا المصطلح, والمفترض فعلاً الآن عندما تُروّج لمصطلحات, لاحظوا الآن كيف تُوضع المصطلحات الآن في أفواهنا وضعاً, يصنعها أعداؤنا ويُلقونها لنا ونحن نستخدمها, فنقول مثلاً الشرق الأوسط وأصبحنا نستخدمها حتى في بُحوثنا مع أنّ هذا العبارة قيلت طُبخت في دوائر الاستعمار لأجل ماذا؟! حتى تدل على العالم العربي ومعه إسرائيل, إسرائيل ليست دولة عربية وإنّما دولة عبرية, فأنت إذا قلت الدول العربية تخرج إسرائيل وهم يريدون أن تتطبّع الدول العربية مع الدولة العبرية, فقالوا دعونا نعبّر بتعبير يتضمن إسرائيل "الشرق الأوسط", وهناك جريدة الشرق الأوسط وهناك مركز دراسات الشرق الأوسط, حتى نحن استمرأنا هذا المصطلح وأمثاله! ما أكثر المصطلحات
د. الخضيري: الآن حتى المصطلح دولة إسرائيل, يعني في أول الأمر كان الناس كلهم يقول دولة العدو الصهيوني أو العدو الصهيوني أو اليهود
د. الخضيري: في قوله (وَطَعْنًا فِي الدِّينِ) ما معناها دكتور مساعد؟!
د. الطيار: وطعناً في الدين, الدين هنا المراد به الإسلام, يعني كون هؤلاء أهل كتاب ويفعلون هذا الفعل ولم يُؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وحاربوه حتى بألسنتهم, يعني أقل ما يوصلوا إليه الأذى صلى الله عليه وسلم فعلوا, إنّما فعلوا هذا طعناً في دينكم دين الإسلام
د. الخضيري: يعني أنت الآن تتبّع العبارات من أوّلها يُحرّفون الكلم عن مواضعه طعناً في الدين , ويقولون سمعنا وعصينا طعناً في الدين, واسمع غير مسمع طعناً في الدين, وراعنا أيضاً طعناً في الدين
د. الشهري: وهذا فيه إشارة إلى أنّ سبّ النبي صلى الله عليه وسلّم طعنٌ في الدين لأنّ الذين يسبّون النبي صلى الله عليه وسلم اليوم هم يطعنون في الدين ولا يطعنون في النبي صلى الله عليه وسلم لذلك عندما نغضب نغضب لهذا ولهذا
د. الخضيري: في قوله (وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ ) يعني أرشدهم إلى ما ينبغي أن يكون منهم من الفعل الصحيح والحسن (وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا) الثانية أطعنا, لمّا سمعنا نُطيع وهذا هو مقتضى العقل, لمّا تسمع الكلام الطيب ثم تمتثل لأنّه ما ذكرتم في موطن واحد أنّ رسول الله جاء بشيء تعيبُونه عليه لا مناقض للعقل ولا منافي للفطرة ولا منافي لما جاءت به الأنبياء والرسل, فما هي حجتكم في ترك ما جاءكم به؟! الواجب أن تقولوا سمعنا وأطعنا
د. الشهري: يعني هذا الأدب الربّاني في هذه الآية العظيمة, كيف أنّ الله سبحانه يذكر مساوئ هؤلاء الأعداء ويذكر قبائحهم وأسلوبهم حتى في الكلام مع النبي صلى الله عليه وسلم ويُنبّهك حتى إلى لحن القول عندهم, إنهم يقولون (رَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ) يقصدون بها شيئاً غير ما يقصده المسلمون ثم يقترح البديل, وهذا في الحقيقة فيه فتحٌ لباب التوبة للعقلاء منهم, فقال الله سبحانه وتعالى (ولَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) بدل ما كانوا يقولون سمعنا وعصينا (وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا) بدل قولهم واسمع غير مسمعٍ, وبدل قولهم (وراعنا) قال (وانظرنا) يعني انظر إلينا بدل هذه الكلمة التي تحتمل الشتيمة وتحتمل غيرها (لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ)
د. الخضيري: الخيرية في الدنيا والآخرة وأقوم
د. الشهري: فيه أول شيء إشارة إلى العقلاء منهم أنّ هذا هو الطريق الأقوم إلى التوبة, وفيها إشارة إلى المسلمين عليهم رضوان الله الذين حول النبي صلى الله عليه وسلم لكي يتأدبّوا ويستخدموا الألفاظ الصحيحة, وهذا فيه إشارة إلى أنّك إذا منعت شيئاً فأوجد البديل
د. الخضيري: ينبغي لك أنت تُوجد البديل وتدلّ على الفعل الصحيح
د. الشهري: ثم قال الله سبحانه وتعالى (و َلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً) يعني ذكر علّة عدم استجابة هؤلاء اليهود وإصرارهم على هذه الأساليب في التعاون مع المسلمين ومع النبي صلى الله عليه وسلم
د. الخضيري: المعنى فلا يؤمنون إلا إيماناً قليلًا أو فلا يؤمنون هم إلا قليلاً منهم؟!
د. الطيار: فلا يؤمنون إلا إيماناً قليلاً لا ينفع, يعني هم عندهم إيمان لكنّه إيمان لا ينفع
د. الخضيري: ويمكن أن تكون أيضاً فلا يؤمنون إلا قليلًا أي لا يؤمن منهم إلا القليل لكثرة ما منهم
د. الطيار: هذا يذكرونه لكن احتمال أبعد, ويكثر القرآن هذا الأسلوب فلا يؤمنون إلا قليلًا
د. الخضيري: هذه الآية فيها دلالة على أنّ الإنسان ينبغي له أن يجتنب ملاعن الله سبحانه وتعالى, يعني أسباب التي توجب اللعنة من الله لأنّ الله يقول (ولَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ) فقوله لعنهم الله, أي كان هذا اللعن بسبب كفرهم, أي طردهم الله وأبعدهم, ولمّا طردهم وأبعدهم عن رحمته جلّ وعلا كان ذلك سبباً لأن تصدر منهم هذه التصرفات ويحصل منهم هذه الأخلاق المشينة ويُصرّون على الكفر.
الحقيقة الحديث في الآيات ممتع وعظيم أسأل الله أن ينفعنا بها, مشاهدي الكرام إلى هذا الحد نصل إلى نهاية الكلام في هذه الآية العظيمة ونُواصل ما تبّقى من هذه السورة في حلقات قادمة نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بُثّت الحلقة بتاريخ 24 رمضان 1431 هـ
 
الحلقة 24
تأملات في سورة النساء من الآية ( 44) إلى الآية (46)
د. الخضيري: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه.
مشاهدي الكرام ما زلنا في هذه السورة العظيمة سورة النساء نقبس من أنوارها ونهتدي بهديها ونسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بها. في الحلقة الماضية مشاهدي الكرام تحدثّنا عن قول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ...) إلى آخر الآية, وبيّنا ما فيها من الحِكمِ والأحكام والمعاني الجليلة التي ينبغي لكل مؤمنٍ أن يتفطّن لها. اليوم أحبتي الكرام نواصل الحديث في الآيات التي تليها, وقبل أن نتحدث عن معاني تلك الآيات نستمع إليها منصتين خاشعين, ونسأل الله أن يتقبّل منّا ومنكم فإلى سماع الآيات:
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ (44) وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيرًا (45) مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (46))
من هذا المكان الطيّب المبارك وهذه الاستراحة الجميلة الماتعة استراحة الأستاذ الكريم ظافر بن حلبد في مدينة تنومه الباردة الضبابية ندلف إلى حلقتنا فهيّا بنا, تفضّل يا شيخ عبد الرحمن
د. الشهري: حيّاك الله وبيّاك يا شيخ محمد وأسأل الله أن يتقبّل منّا ومنكم ومن الإخوة المشاهدين. هذه الآيات تدخل بنا الآن في اليهود في سورة النساء, وكنتم تذكرون أنّنا في سورة البقرة كانت تحدثت كثيرًا عن اليهود وطوّلت في موضوع اليهود
د. الخضيري: لكن ذاك الجانب أشبه ما يكون بجانب تاريخي
د. الشهري: بالضبط, ثم جاءت سورة آل عمران بعدها جاءت عن النصارى كثيرًا. الآن بدأ الحديث عن اليهود مرةً أخرى في إشارة إلى عدواتهم هنا, الله سبحانه وتعالى يقول: ألم ترَ يا محمد (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ) يُخبر الله سبحانه وتعالى عن هؤلاء اليهود الذين آتاهم الله سبحانه وتعالى حظاً من العلم بالتوراة فيقول (ألم ترَ)، وإذا جاءت في القرآن الكريم قوله سبحانه وتعالى (ولو ترى) أو (ألم ترَ) فالمقصود بها العموم للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته من بعده
د. الخضيري: ولكل من يصلح له هذا الخطاب
د. الشهري: نعم ولذلك يقول السيوطي في ألفية البلاغة
وقوله سبحانه ولو ترى لكي يَعمّ كل شخص قد يرى
فقوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ) من هُم هؤلاء؟! هم اليهود, والمقصود بالكتاب هنا التوراة وهو كتاب اليهود
د. الخضيري: طبعاً وإن كان يا دكتور عبد الرحمن لما يقال (أوتوا نصيبًا من الكتاب) قد يحتمل النصارى لكن هنا عندنا السياق
د. الشهري: سوف تأتي الآية التي بعدها (مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ)
د. الخضيري: ليُحدد أنّ المقصود به هم اليهود
د. الطيار: وبناءً عليه تكون كلمة الكتاب تدخل في باب الوجوه والنظائر
د. الخضيري: يراد به هنا التوراة لا غير, لكن لا يعني ذلك أنّ المعنى مقصوراً عليهم في الجملة ولكن قياساً
د. الطيار: نعم هذا قياسي
د. الشهري: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ) أول شيء فيها الإشارة إلى أنّ اليهود قد أوتوا حظاً من العلم التوراة وأنهم قد كفروا على علم ومعرفة, ماذا يصنعون يا رب؟! قال (يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ)
د. الخضيري: لها معنيان
د. الشهري: نعم الله سبحانه وتعالى آتاهم العلم, وممّا آتاهم من العلم في التوراة خبرك يا محمد وصفتك يا محمد ولكنّهم لمّا تبيّن لهم الحق كفروا بك واشتروا الضلالة بالهدى, بمعنى أنّهم باعوا الهدى الذي يعرفونه في الكتاب وأخذوا بدلاً منه الضلالة. لاحظ أنّه عبّر بكلمة يشترون والبيع والشراء دائماً فيه مُقابل وأنت لا تدفع ثمناً إلا لشيء أنت تحبّه, فهم معناه أنهم راغبون في الضلالة رغبة المشتري في السلعة
د. الخضيري: يا الله! بلاغة هذه الكلمة
د. الشهري: يعني معناه ليس مجرد أنهم ضلّوا بالغلط
د. الخضيري: أو بالقهر أو بالإكراه
د. الشهري: لا هؤلاء ضلّوا على علم, واشتروا الضلالة عن معرفة وبيّنة
د. الطيار: مثل ما حصل من حييّ بن أخطب قال عداوته ما بقيت
د. الشهري: لذلك لاحظوا يا إخواني نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم الإخلاص, وأن يجعل ما تعلّمناه من كتاب الله وما تعلّمه الإخوة المشاهدين حجةً لنا لا حجةً علينا, لأن المشكلة أحياناً يا إخواني قد يؤتى الإنسان على علم ويضل على علم, ولاحظوا في القرآن الكريم تهديد واضح في هذا عندما قال الله سبحانه وتعالى (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا) أي أعطاه الله حظاً من العلم في الكتاب, قال: (فَانسَلَخَ مِنْهَا)
د. الخضيري: كأنّها كانت ثوباً عليه فخرج منه قصداً
د. الشهري: فخلعه, نعم (فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ) لاحظ الآية التي أخطر منها التي بعدها قال: (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ) وهذه المشكلة إتبّاع الهوى! قال: (أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ) أي تطرده, تحمل عليه بمعنى تلحقه (إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث) يعني لاهث لاهث سواء طردته أو تركته
د. الخضيري: وكذلك علماء السوء الذين ذكر الله هذا المثال لهم تجد الواحد منهم همّه الدنيا إن نام وإن قعد وإن تكلم وإن أفتى وإن كتب كتاباً لا يريد إلا هذه الدنيا ولا يدور إلا عليها ومستعد أن يُزوّر ويزيّف ويُضلّ من أجل أن يُحصّل منصباً أو جاهاً أو منزلةً
د. الشهري: ولذلك المسألة خطيرة, لذلك ذكر النبي صلى الله عليه وسلم (من أول من تُسعّر به النار رجلٌ تعلّم العلم لأجل الدنيا فيُقرّ بنعمة الله عليه, فيقال: تعلّمت العلم فماذا عملت به؟! فيقول تعلّمت العلم لك يا رب وفيك, فيُقال له كذبت, تعلمّت العلم ليُقال عالِم وقد قيل ثم يُسعر به والعياذ بالله إلى جهنم). ثم يقول في الصفة الأخرى من صفات اليهود قال (وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ)
د. الخضيري: لو جعلنا الدكتور مساعد يُعلّق عليها
د. الطيار: عندنا قبل، مرّ علينا في اليهود آية وهي قوله سبحانه وتعالى (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) بناءً على أنّها نزلت فيهم فتكون هذه الآية الأولى مقدمّة للدخول في التفصيل مع اليهود
د. الخضيري: على عادة القرآن في أنّه قبل أن يدخل في الشيء دخولًا تاماً يضع بعض المقدمات التي تُهيئ النفس للدخول إلى ذلك الشيء بتفاصيله ودقائقه. (وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ) ما معناها يا دكتور مساعد؟!
د. الطيار: لا، هناك فائدة قبل
د. الشهري: فائدة في التعامل مع اليهود , فهناك معالِم في الصراع مع اليهود, الدكتور مصطفى مسلم له كتاب اسمه "المعالم القرآنية في التعامل مع اليهود" أشار فيه إلى مثل هذه الآية في قول الله سبحانه وتعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ) ما قال الله سبحانه وتعالى اشتروا الضلالة في الماضي, اليهود هذه طبيعة مستمرّة هذه أخلاقهم أنّهم دائمًا يشترون الضلالة
د. الخضيري: ولذلك تجد كل ضلالة في الأرض لو تتبّعت أصولها وجذورها تجدها من اليهود
د. الشهري: قال (وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ) دائماً اليهود من صفاتهم المترسخة في نفوسهم إلى اليوم وإلى الغد, مهما حاولت أن تعقد معهم معاهدات سلام بلا فائدة, قال: (وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ) هم دائماً تتجدد هذه الإرادة في نفوسهم أن يُضلوا هذه الأمة (وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ) بالشهوات فيكبّوا الشهوات بكثرة بشكل ما تتصوره, وبالشهوات وبكل ما من شأنه أن يُضلك عن الطريق. وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم يعني هذا الصراط المستقيم عندما خطّ خطّاً قال هذا سبيل الله, وخطّ خُطوطًا وهذه طرق الشيطان, أليس كذلك؟! فهم يريدون بكل وسيلة ممكنة أن يُضلوك عن هذا السبيل, ولذلك قال (وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ) فالسبيل واحد, ما قال السُبُل، ليس هناك إلا هذا الطريق وهم ينظمون كل جهودهم ووسائل الإعلام والى آخره ويشترون كل هذا من أجل أن يضلّ المسلمون سبيل هذا القرآن
د. الخضيري: في هذا المعنى كما ذكرت في قوله: (وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) فجعل سبيله واحدًا, وهو السبيل الذي عليه الأنبياء جميعاً سبيل التوحيد والطاعة والإيمان بالله. الحقيقة أنا أريد أن أُعلّق على قوله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ) الآن نُلاحظ من أبناء المسلمين أوتوا نصيباً من الكتاب يعلمون الحلال والحرام, يعرفون ما أوجب الله وما حرّم الله, ومع ذلك يقصدون قصداً إلى الضلالة فيبيعون فيها أموالهم ويشترونها اشتراء بالمال حقيقة يعني تعبيراً عن محبتهم لهذه الضلالة وعن رغبتهم فيها مع علمهم التامّ بأنّ هذا مما حرمّه الله عليهم، وهذا لا شك أنه مُطابق لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لتتبعنّ سنن من كان قبلكم حذو القذّة بالقذّة حتى لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه) بما تفسّر لي أن الشاب المسلم يذهب ويقطع تذكرة ويذهب إلى أحد البلاد لكي يُمارس أنواع الرذيلة؟! أليس هذا اشتراء للضلالة؟! وبحثًا عنها وتحرّياً لمواضعها وولوغاً فيها؟!, مع أنّك لو تسأله هل هذا من دينك؟! يقول ليس هو من ديني, هل هذا مما أحله الله لك؟! يقول أبداً ليس ممّا أحلّه الله لي, فما لذي يدعوك لمثل هذا؟! هل تأمن مكر الله لك وعقوبته العاجلة لك وأن يُختم لك بسوء كما خُتم لجماعات من أبناء المسلمين أنّهم قبضت أرواحهم وهم والعياذ بالله يُمارسون الرذيلة ويفعلون المحرِّم ويُعاقرون ما حرّم الله سبحانه وتعالى؟! نحن نقول انتبهوا يا إخواننا إيّاكم أن تشابهوا هؤلاء, لم يذكر الله هذه الصفة عن أهل الكتاب من اجل أن نتحدث عن خبر من أخبارهم وإنّما من أجل أن نحذر وأن لا نقع, الذي يشتري المجلات الفاسدة ويدخلها بيته أو القنوات الفضائية الهابطة ويدخلها بيته ويدفع مالاً مقابل اشتراكه في إحدى هذه القنوات التي تبث الرذيلة وتضلّ الناس وتزيغهم عن دينهم بل وتُلبّس عليهم أمرهم ألا يمكن أن يكون داخل دكتور مساعد؟!
د. الطيار: نعم سيدخل, لاحظ أن الفعل يشترون يريدون وكأنّ هذه الصفة متجددة معهم وهذا التجدد أيضاً دالّ على الاستمرار يعني ليس تجدداً منقطعاً بل تجدداً مستمراً, ثم كما ذكرتم دكتور عبد الرحمن سبحان الله هذه قضيه غريبة جدا لأنّك لمّا تتأمّل تجد أنّ صفات اليهود واحدة, اليهود الذين عاشُوا قبل الرسالة واليهود الذين عاشوا مع النبي صلى الله عليه وسلم واليهود الذين عاشوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم ويهود اليوم هم هم بنفس الصفات, ولهذا تتعجب بالفعل مع وضوح هذا الأمر في كتابنا إلا أنّا نجد كثيراً من المسلمين يهرولون إلى السلام هرولة, يهرولون إلى السلام مع أُناس لا يؤمنون بالسلام والسلام الذي يريده هو أن تستسلم له وليس أن تُسالمَه
د. الخضيري: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)
د. الطيار: فرق بين المسالمة وبين الاستسلام هم يريدون منّا الاستسلام وليس السلام, ولهذا ما هو العهد الذي وفّى به اليهود؟!
د. الشهري: ما أظنّ لهم عهد، (لا يرقبون في مؤمنٍ إلاً ولا ذمة). لاحظوا الآية الثانية في قوله (وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيرًا) كأنّها جاءت جواباً لمعترض يقول اليهود يمكن المسالمة معهم ويمكن التطبيع معهم ويمكن التعاقد معهم والتحالف معهم
د. الخضيري: لا، ويمكن اليهود الذين كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم على شيء والظروف تغيرت, اليهود الآن متحضرّين وعندهم مبادئ وقيم
د. الشهري: وعندهم أفضل جامعة في الشرق الأوسط
د. الخضيري: فاليهود هؤلاء مختلفون عن اليهود السابقون, نقول لا
د. الشهري: (وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ) لم يقل الله سبحانه وتعالى والله أعلم بهم
د. الخضيري: وصرّح بالظاهر أو أظهر في مقام الإضمار
د. الشهري: وأنا أقول الحقيقة يعني الآية واضحة أنّ الله سبحانه وتعالى من رحمته بهذه الأمة يُبيّن لها تفاصيل نفسيات عدوّها وهذه رائعة جدًا. الآن الدول الآن مثل الولايات المتحدة على سبيل المثال تبذل المليارات أو الملايين من أجل دراسة نفسيات الشعوب التي تُريد أن تخضعها, الولايات المتحدة اليوم هي تريد أن تستعمر الجميع فهي تُنشئ دراسات للشرق الأوسط وتُنشئ معاهد وبحوث لدراسة الصينيين, ثقافة الصينيين, ما هي الأشياء التي يمكن أن تؤثر في الصينيين, العرب, من أجل ماذا؟! من أجل أن تعرف ما هي الطريقة المناسبة لإخضاعه, لإقناعه, للحصول على ما بيده, الله سبحانه وتعالى هنا قد شرح لك نفسيات أعداءك اليهود وقال (وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ) فأول شيء فيها فائدتين, الأمر الأول رحمة الله بهذه الأمة, الأمر الثاني قدم لك معلومات ومعلومات موثوقة مائة بالمائة
د. الخضيري: مركز دراسات ربّانية! يعني أستغفر الله نحن لا نقول هذه دراسات يكتشفها الرب لا، هذه نتائج والله أعلم بها
د. الشهري: الأمر الثاني أنه صرّح بأنهم أعداء لك , فمن الغباء أنك تظن في يوم من الأيام أن هؤلاء سيُسالمُونك
د. الخضيري: أو أنهم سيُحسنون أو يجلبون الخير
د. الشهري: فلماذا نحن الآن, وهذه مشكلتنا الآن من سنوات طويلة أننا نريد أن نُعيد اختراع العجلة من جديد, نبدأ مع اليهود ومحادثات سلام, طيب الله يقول هم أعداء (وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ) ثم قال (وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيرًا)
د. الخضيري: لا تتولوا أحدًا إلا الله ولا تطلبوا النصر إلا منه سبحانه وتعالى لأنه كفى به كفى هو حسبكم
د. الطيار: مع وجود هذا الحقيقة الظاهرة جداً أنّ الله سبحانه وتعالى الآن يسّر لنا السبيل, ما احتجنا نحن إلى التجارب لنكتشف هذه العداوة, مع أنه الآن والقران ينزل يبيّن لنا أن هذا الصنف من الناس باقٍ إلى يوم القيامة إلى أن ينزل عيسى عليه السلام ويقتل الدجال, هؤلاء يتصفون بهذه الصفات, قال لنا الله هذه صفاتهم ومع ذلك سبحان الله تجد أننّا نُخالف هذا!
د. الشهري: (وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ)
د. الخضيري: ضلال الناس يكون في العادة من جهتين ذُكرتا في سورة الفاتحة, الجهة الأولى أن يكون عند الناس علم لكنهم لا يعملون به, وهذه تتضح كثيرًا في اليهود, والثانية أن لا يكون عند الناس علم فهم يعملون بغير هدى, الآن نُلاحظ في هذه الآيات التركيز على هذا الجانب وهو جانب أن يكون عند الناس علم ولكنهم مع ذلك يغفلون عنه ولا يعملون به ولا يقومون به قياماً صحيحاً. كأنّ الآيات تريد منا أن نقول هذا هو العلم فاعملوا به وإياكم أن تزيغوا عنه أو تضلوا عنه فيكون لكم قدر ونصيب ممّا اتصف به أهل الكتاب
د. الشهري: في الآية الأولى وفي قوله (وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيرًا) فيها إشارة الآن عندما يُراد للمسلمين الآن أن يتصدوا لأعدائهم كما وصفهم الله سبحانه وتعالى ما أكثر ما يخرج من أبناء المسلمين من يقول أنتم لا تستطيعون محاربة هؤلاء! ما عندنا الإمكانيات، ما عندنا التقنيات, انظر كم عندهم رأس نووي وأنت كم عندك رأس نووي؟!, انظر كم عندهم طائرة أنت كم عندك طائرة؟! انظر عندهم إمكانيات في مجلس الأمن أنت ما عندك إمكانيات؟!, إذن ماذا نفعل؟! هل معناها أن ما دام عدوّي بهذه المثابة أن ألجأ إلى السلام خياراً استراتيجياً والمفاوضات, صح أو لا؟! فالله سبحانه وتعالى قال بكل بساطة ختم الآية فقال: (وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيرًا) رائعة جداً أليس كذلك؟! أنت إتخِذ الأسباب التي تستطيعها, لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها وسوف تأتيك الولاية والنصرة والتأييد من الله سبحانه وتعالى وهذا مجرّب سبحان الله. لاحظ في تاريخ المسلمين الطويل لا تكاد تجد معركة من المعارك التي خاضها المسلمون في التاريخ كان المسلمون فيها أكثر عدداً من أعدائهم حتى معركة حُنين هل كانت معركة حُنين عندما كان عدد المسلمون 12 ألف هل كانوا أكثر من ثقيف ومن معهم؟! الله أعلم, ما ندري, لكنّهم صحيح أنهم أعجب المسلمون تلك المعركة بكثرتهم قال (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ) سبحان الله! أنا أقول قد تكون معركة حُنين عدد المسلمين كان أكثر, لكنّ فيما عداها عدد المسلمين في اليرموك وفي بدر وفي أُحُد وفي مؤتة وفي القادسية وفي ذات الصواري أقل من عدد أعدائهم ولكنهم كانوا أصحاب قلوب مؤمنة, وكانوا أصحاب ثبات, وكانوا أصحاب صلاة, نصرهم الله سبحانه وتعالى. حتى في حطّين التي انتصر فيها صلاح الدين, لمّا خرج صلاح الدين بخمسة عشر ألفًا فقط وكان بعض وزرائه يُعارضه في الخروج, فخرج مُغاضباً وقال من أراد أن يخرج معي فليخرج وإلا فليبقى, فعارضه أقرب الناس من وزرائه وخرج ونصره الله سبحانه وتعالى. حتى المعارك التي خاضها المسلمون في عصرنا الحاضر نصر الله المسلمين في معارك لا مقارنة بينهم وبين أعدائهم في العدة والعتاد
د. الخضيري: بل يا دكتور عبد الرحمن الأمة ذات الإرادة والعزيمة الصادقة تستطيع أن تُمرّغ أنف عدوها ولو كان أكثر منها عدداً وأعظم منها عُدّة. انظر مثلًا إلى حرب أمريكا في فيتنام أمة كافرة تقاتل أمة كافرة, لكن هؤلاء الفيتناميون كانوا أصحاب إرادة وتصميم وعزيمة صادقة في أن لا يتمكن الأميركان منهم, واستطاع الفيتناميون في أن يُمرّغوا أنوف الأمريكان وأن يخُرجوهم أذلاء صاغرين, الصوماليون أسوأ بكثير من إمكانات الفيتناميين لما نزلت أمريكا تريد أن تستولي على الصومال وأن تجعل الصومال تابعة ومستعمرة لها, استطاع الصوماليون في غضون أشهر أن يردّوا المستعمر الأمريكي ذليلاً صاغراً مع قدرته وقوته وجلبة السلاح الذي عنده, لكن الإرادة والتصميم هذا إذا كان ما في نصر من الله نفترض ذلك, كيف إذا كان المؤمنين معتزين بالله منتصرين وكفى بالله وليًا وكفى بالله نصيراً؟! نحن نقول الحقيقة الكلمة التي أشرت إليها نحن نُعد العدة التي نستطيعها ونقدر عليها ونتمكن منها ثم ندخل على عدونا مستعينين بالله لعلمنا بأنّ النصر من عنده وحده وأنّ الله إنما أمرنا بتلك العدّة من أجل اتخاذ الأسباب
د. الطيار: قال: (مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ) وأعطانا الله سبحانه وتعالى صورة من صور تحريف الكلم عن مواضعه لما قال (وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ) تحريف الكلم عن مواضعه من اليهود, طبعاً قد يكون التحريف الكلم على وجهين: تحريف الكلم بذاته بما حصل منهم تحريف إسم محمد صلى الله عليه وسلم المكتوب عندهم في التوراة فحرّفوه وجعلوا بدلاً منه أشياء يعرفونها هم فيما بينهم, وهناك تحريف الكلم بتحريف تأويله, يعني تفريغ الكلم عن مضمونه الأصلي وعن معناه الأساس, وهذا خطير جدًا
د. الخضيري: يعني التحريف يكون لفظياً ويكون معنوياً
د. الطيار: وابن عباس أشار إلى التحريف المعنوي وأنّ الذي وقع عند اليهود التحريف المعنوي
د. الخضيري: مع أنه ورد في الإشارة أنه التحريف اللفظي (وَقُولُواْ حِطَّةٌ) (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) تحريف لفظي
د. الشهري: تحريف لفظي نعم
د. الطيار: إذ هم مشهورون بهذين النوعين من التحريف, تحريف اللفظ وتحريف المعنى
د. الخضيري: وما وقع في هذه الأمة من التحريف يرجع إليهم وشابههم
د. الطيار: لما قال: (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ) ما الذي يحصل من تحريف الكلم عن مواضعه؟! مثل ما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من غيّر منار الأرض) منار الأرض يُضلّ صاحبه
د. الشهري: إضلال من كان يعتمد عليه للإستدلال
د. الطيار: فكذلك هنا لمّا تحّرف الكلم عن مواضعه فمن سيقرأ هذا الكلم بعد تحريفه فإنه سيضلّ, من يكون جاهلاً بالمعنى لمّا يسألك عن المعنى فتُعطيه المعنى الخطأ هذا أيضاً تحريف للكلم عن مواضعه يعني جعلت الكلمة أو الجملة تدل على معنى جعلتها تدل على معنى آخر. ولا شك أنّ هذا من الخطورة بمكان. وهذا يقع فيه طبعًا التحريف في القرآن, التحريف الأول لا يمكن أن نقع فيه اللفظي مستحيل, والدليل على استحالته الواقع فها هو الكتاب منذ أن نزل على محمد صلى الله عليه وسلم إلى اليوم لم يستطع أحد أن يزيد فيه حرفًا ولا ينقص منه حرفاً
د. الخضيري: أراد بعض الناس فأخزاهم الله لمّا قالوا وكلّم اللهَ موسى تكليمًا, أرادوا نصب لفظ الجلالة من أجل أن تتوافق مع مذهبهم, لكنّ هذا لا ينطلي ولا حتى على السُذّج من المسلمين لأنّ الله قد حفظ القرآن بحفظٍ تام
د. الطيار: صحيح ولهذا نجد حتى الآن بعض المصاحف لمّا يقع بها خطأ ولو كان يسيراً, يُكتشف بسرعة وتصادر للمصاحف, والآن نسمع من شهر أو شهرين, أذكر في الملتقى كان فيه إشارة إلى مصحف فيه بعض الأخطاء فسُحِب. فكرة أخرى, وهي تحريف المعنى هذا لا تكاد تسلم منه أمّة
د. الخضيري: التحريف المقصود يا أبو عبد الملك أو التحريف الذي يقع على وجه الخطأ؟!
د. الطيار: لا، هو نوعان لكن أتكلم عن التحريف المقصود. فاليهود وقع عندهم تحريف في المعنى مقصود والنصارى وقع عندهم تحريف في المعنى مقصود, وكذلك الطوائِف ممّن ينتسب إلى الإسلام وقع عندهم تحريف المعنى المقصود مثل ضُلّال الباطنية والرافضة والقرامطة كل هؤلاء عندهم تحريفات تعتبر عندهم من التحريف الباطني المقصود, أمّا غير المقصود فهذا يقع عند بعض الطوائف أيضاً والحق كما يُقال عليه دليل
د. الخضيري: قبل أن نُغادر الجملة الأولى من الآية (منَ الَّذِينَ هَادُواْ) ممكن نُبيّن للإخوة المشاهدين من هم الذين هادوا وما معنى هذه الكلمة وأصلها؟!
د. الشهري: طبعاً هذا الكلمة فيها إشارة إلى الإنصاف, إنصاف الله سبحانه وتعالى لليهود بأنّه لم يجعلهم كلهم من المحرّفين وإنّما إنصافاً ذكر أنّ طائفة منهم هم الذين يفعلون ذلك (منَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ)
د. الخضيري: لكنّهم جميعهم أعداءنا لأنّ في الآية السابقة (وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ) لمّا جاء إلى ذكر صفات معيّنة منهم ميّز وذكر ذلك بالعدل والإنصاف وهذه إشارة جميلة جداً دكتور عبد الرحمن
د. الشهري: ممتاز, الأمر الثاني (هادوا) مأخوذة من الهَوْد وهو الرجوع, قال: (إنا هدنا إليك) يعني رجعنا إليك
د. الخضيري: الرجوع هنا طبعاً عن عبادة العجل
د. الشهري: نعم فاليهود سُمّوا باليهود لأنهم رجعوا عن عبادة العجل أحسنت وتابوا منها فسُمّوا يهوداً لهذا. هنا قال: (من الذين هادوا) والمقصود بهم اليهود
د. الخضيري: (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ) الكلِم ما معناها؟!
د. الشهري: يعني يُحرّفون كلام الله الذي أنزله في كتابه التوراة, انظر ما أجمل التعبير! (يحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ) يعني يُغيّرون دلالاته, هو يدل على شيء وهم يحملُونه على شيء آخر فكأنّهم وضعوه في غير موضعه (يحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ)
د. الخضيري: (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ) انظر هذا التحريف سمّاه الله كذباً (وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ). قوله (ويقولون) الآن هذا وصفٌ آخر لهم أنّهم يقولون سمعنا وعصينا, الغريب لو قالوا عصينا أو قالوا سمعنا وسننظر, لا، سمعنا وبلغتنا هذه الدعوة وقامت علينا الحجة ببلوغها إيّانا ومع ذلك نحن نُقابل هذا السماع بالعصيان, فهذا غاية ما يكون من الجحود والإصرار والعناد والإنكار
د. الشهري: وهذا يُؤكدّ ما في أول الآيتين (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ) على علم (وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا) يعني نحن سمعنا وعرفنا لكن بالرغم من ذلك عصينا
د. الخضيري: هناك خصلة أسوأ من هاتين الخصلتين يحرفون الكلم عن مواضعه هذه واحدة, الثانية يقولون سمعنا وعصينا, الثالثة إساءتهم الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما يقولون (اسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ) يعني اسمع يا محمد لا سمعت, يعني أصمّك الله, هذه مقالتهم قاتلهم الله! يعني في غاية الاحتقار والازدراء لرسول الله صلى الله عليه وسلم, يعني المفترض حتى لو جئت إلى عظيم قوم تتأدّب معه من باب السياسة واللّطف ومن باب المجاملة التي تتفق عليها الأمم لكن اليهود قوم بُهت ما عندهم دين ولا عندهم خلق, ولذلك ماذا يقولون؟ إسمع يا محمد, كيف تقول محمد؟! لا تعتبره نبيّاً لا تعتبر نبوته لا تعدّه نبيّاً, تأدّب معه على أنه سيدٌ في قومه يقولون (اسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ) فكيف وأنت تعلم أنّه رسول الله وخاتم الأنبياء كيف يليق بك أن تقول مثل هذا التعبير اسمع لا سمعت؟!, طبعاً ويمكن أن يُقال في معناها ما ذكره الدكتور مساعد اسمع لا سمعت, ويمكن اسمع غير مسمعٍ خيراً, يعني تصلح لهذا وتصلح لهذا
د. الطيار: قولهم: (وراعنِا) قد يسمعها القائل فيقول من الرعاية, وهم يريدون راعنا من الرعونة وهذا لون من التحريف, وأنا قلت لكم قبل قليل (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ ) يُشير إلى بعض التحريفات التي وقعت منهم, لاحظ لما نقول راعنا من الرعونة, (لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ)
د. الخضيري: ما هي الرعونة عندهم؟ ما المقصود بالرعونة؟! الجفاء والغلظ
د. الشهري: يقال رجل أرعن يعني أحمق
د. الطيار: قال: (لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ)
د. الخضيري: يلوون هذا بألسنتهم بحيث ما يُفهم منهم الأمر الذي يريدونه, فالصحابة كانوا يظنّون عندما يسمعون اليهود يقولون راعنا يظنون أنّهم يقولونها بالطريقة العربية المعروفة راعني يعني انتبه لي
د. الشهري: يعني ارعني نظرك وسمعك والتفت إليّ
د. الخضيري: فكان الصحابة يقولونها لرسول الله فأراد الله سبحانه وتعالى أن يُميّز, يا صحابة رسول الله لا تقولوا هذه الكلمة لأنّها تحتمل ولأن اليهود يحتجّون بها حتى يقولوها لرسول الله صلى الله عليه وسلم, أصحابك يقولونها نحن نقولها أيضاً مثلهم, فقال لا تقولوها يا أصحاب رسول الله حتى يُحرج اليهود (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
د. الشهري: وهذا فيه دلالة على أنّ بعض المصطلحات التي يحتمل دلالتها دلالة حسنة ودلالة سيئة يُغنى عن استخدامها يُجتنب, حتى يُغلق هذا الباب تماماً
د. الطيار: ثم يقولون إنت متشدد
د. الشهري: هذا أدب قرآني
د. الطيار: المشكلة الذي يقول متشدد تجده هو يتشدد في أمور أخرى, ولهذا سبحان الله أنا أقولها لماذا؟! لأنّ بعض الأحيان لمّا ترى بعض من ضعُف إيمانه وانبهر بالغرب لما تأتي بمثل هذه المعاني البديعة التي تدل على نوع من الأدب, نوع من حسن اللفظ, لا يأبه لها, لكن يقول واحدهم لما يريد منك شيئًا يقول please لما يتكلم, يعني أعجبته هذه ونسي ما عندنا, لماذا أعجبتك تلك ونسيت ما عندنا؟!
د. الشهري: صدقت والله, يعني حتى هذه الآية فيها تربية على ذوق الكلام واستخدام العبارات التي لا تحتمل أيّ معاني سيئة, وحُسن تخيّر الكلام, يعني هذه الآية ونظائرها في القرآن الكريم تدل على أنّ الله سبحانه وتعالى كان يحرص في تربيته لجيل الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم من الجيل الإسلامي حتى في اختيار الكلمات واستخدامها إستخدم هذه العبارة ولا تستخدم هذه العبارة, إستخدم هذا المصطلح ولا تستخدم هذا المصطلح, والمفترض فعلاً الآن عندما تُروّج لمصطلحات, لاحظوا الآن كيف تُوضع المصطلحات الآن في أفواهنا وضعاً, يصنعها أعداؤنا ويُلقونها لنا ونحن نستخدمها, فنقول مثلاً الشرق الأوسط وأصبحنا نستخدمها حتى في بُحوثنا مع أنّ هذا العبارة قيلت طُبخت في دوائر الاستعمار لأجل ماذا؟! حتى تدل على العالم العربي ومعه إسرائيل, إسرائيل ليست دولة عربية وإنّما دولة عبرية, فأنت إذا قلت الدول العربية تخرج إسرائيل وهم يريدون أن تتطبّع الدول العربية مع الدولة العبرية, فقالوا دعونا نعبّر بتعبير يتضمن إسرائيل "الشرق الأوسط", وهناك جريدة الشرق الأوسط وهناك مركز دراسات الشرق الأوسط, حتى نحن استمرأنا هذا المصطلح وأمثاله! ما أكثر المصطلحات
د. الخضيري: الآن حتى المصطلح دولة إسرائيل, يعني في أول الأمر كان الناس كلهم يقول دولة العدو الصهيوني أو العدو الصهيوني أو اليهود
د. الخضيري: في قوله (وَطَعْنًا فِي الدِّينِ) ما معناها دكتور مساعد؟!
د. الطيار: وطعناً في الدين, الدين هنا المراد به الإسلام, يعني كون هؤلاء أهل كتاب ويفعلون هذا الفعل ولم يُؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وحاربوه حتى بألسنتهم, يعني أقل ما يوصلوا إليه الأذى صلى الله عليه وسلم فعلوا, إنّما فعلوا هذا طعناً في دينكم دين الإسلام
د. الخضيري: يعني أنت الآن تتبّع العبارات من أوّلها يُحرّفون الكلم عن مواضعه طعناً في الدين , ويقولون سمعنا وعصينا طعناً في الدين, واسمع غير مسمع طعناً في الدين, وراعنا أيضاً طعناً في الدين
د. الشهري: وهذا فيه إشارة إلى أنّ سبّ النبي صلى الله عليه وسلّم طعنٌ في الدين لأنّ الذين يسبّون النبي صلى الله عليه وسلم اليوم هم يطعنون في الدين ولا يطعنون في النبي صلى الله عليه وسلم لذلك عندما نغضب نغضب لهذا ولهذا
د. الخضيري: في قوله (وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ ) يعني أرشدهم إلى ما ينبغي أن يكون منهم من الفعل الصحيح والحسن (وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا) الثانية أطعنا, لمّا سمعنا نُطيع وهذا هو مقتضى العقل, لمّا تسمع الكلام الطيب ثم تمتثل لأنّه ما ذكرتم في موطن واحد أنّ رسول الله جاء بشيء تعيبُونه عليه لا مناقض للعقل ولا منافي للفطرة ولا منافي لما جاءت به الأنبياء والرسل, فما هي حجتكم في ترك ما جاءكم به؟! الواجب أن تقولوا سمعنا وأطعنا
د. الشهري: يعني هذا الأدب الربّاني في هذه الآية العظيمة, كيف أنّ الله سبحانه يذكر مساوئ هؤلاء الأعداء ويذكر قبائحهم وأسلوبهم حتى في الكلام مع النبي صلى الله عليه وسلم ويُنبّهك حتى إلى لحن القول عندهم, إنهم يقولون (رَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ) يقصدون بها شيئاً غير ما يقصده المسلمون ثم يقترح البديل, وهذا في الحقيقة فيه فتحٌ لباب التوبة للعقلاء منهم, فقال الله سبحانه وتعالى (ولَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) بدل ما كانوا يقولون سمعنا وعصينا (وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا) بدل قولهم واسمع غير مسمعٍ, وبدل قولهم (وراعنا) قال (وانظرنا) يعني انظر إلينا بدل هذه الكلمة التي تحتمل الشتيمة وتحتمل غيرها (لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ)
د. الخضيري: الخيرية في الدنيا والآخرة وأقوم
د. الشهري: فيه أول شيء إشارة إلى العقلاء منهم أنّ هذا هو الطريق الأقوم إلى التوبة, وفيها إشارة إلى المسلمين عليهم رضوان الله الذين حول النبي صلى الله عليه وسلم لكي يتأدبّوا ويستخدموا الألفاظ الصحيحة, وهذا فيه إشارة إلى أنّك إذا منعت شيئاً فأوجد البديل
د. الخضيري: ينبغي لك أنت تُوجد البديل وتدلّ على الفعل الصحيح
د. الشهري: ثم قال الله سبحانه وتعالى (و َلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً) يعني ذكر علّة عدم استجابة هؤلاء اليهود وإصرارهم على هذه الأساليب في التعاون مع المسلمين ومع النبي صلى الله عليه وسلم
د. الخضيري: المعنى فلا يؤمنون إلا إيماناً قليلًا أو فلا يؤمنون هم إلا قليلاً منهم؟!
د. الطيار: فلا يؤمنون إلا إيماناً قليلاً لا ينفع, يعني هم عندهم إيمان لكنّه إيمان لا ينفع
د. الخضيري: ويمكن أن تكون أيضاً فلا يؤمنون إلا قليلًا أي لا يؤمن منهم إلا القليل لكثرة ما منهم
د. الطيار: هذا يذكرونه لكن احتمال أبعد, ويكثر القرآن هذا الأسلوب فلا يؤمنون إلا قليلًا
د. الخضيري: هذه الآية فيها دلالة على أنّ الإنسان ينبغي له أن يجتنب ملاعن الله سبحانه وتعالى, يعني أسباب التي توجب اللعنة من الله لأنّ الله يقول (ولَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ) فقوله لعنهم الله, أي كان هذا اللعن بسبب كفرهم, أي طردهم الله وأبعدهم, ولمّا طردهم وأبعدهم عن رحمته جلّ وعلا كان ذلك سبباً لأن تصدر منهم هذه التصرفات ويحصل منهم هذه الأخلاق المشينة ويُصرّون على الكفر.
الحقيقة الحديث في الآيات ممتع وعظيم أسأل الله أن ينفعنا بها, مشاهدي الكرام إلى هذا الحد نصل إلى نهاية الكلام في هذه الآية العظيمة ونُواصل ما تبّقى من هذه السورة في حلقات قادمة نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بُثّت الحلقة بتاريخ 24 رمضان 1431 هـ
 
الحلقة 25
تأملات في سورة النساء (الآيات 47 – 49)
د. الخضيري : السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله والصَّلاة والسَّلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. مُشَاهِدِيِّ الكِرام، ما زلنا في هذه السُّورة العظيمة سورة النِّساء نتحدّث عن آياتها ونُبيِّن ما فيها من المعاني. وَقَد وَصَلنا إلى ِقَول الله عزّ وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (٤٧)). تعلَّمنَا فيما مضى أنَّ هذا المقطع يتحَدَّث عن اليَهُود، وَيَذكُر كَثيراً من خِصَالهم، ويُبَيِّن كثيراً من مَخازيهم، وهذه الآية تَبَعٌ لما قبلها. قبل أن نتحَدَّث في هذه الآية ونُبيِّن معانيها، نُحِب أن نستمع إليها، فإلى تِلاوتها نستمع جميعاً مُنصتين خاشعين.
تلاوة من سورة النِّساء آية (47-49)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (٤٧) إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (٤٨) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (٤٩))
بعد أنِ استمعنا إلى هذه الآيات العَطِرَة الكَرِيمة، نُحِبُّ أن ندخل في هذه الآيات، ومَعي كُلٌّ مِن فضيلة الشِّيخ/ الدُّكتور عبدالرحمن بن معاضة الشِّهري الأستاذ الـــمُساعِد بجامعة الملك سُعُود، والأستاذ الدكتور/ مساعد بن سليمان الطيَّار الأستاذ الــمُشارك بِكُليَّة الــمُعلِّمين بجامعة الملك سُعُود، فحيَّا الله الشَّيخين وبَارك فيهما.
المشايخ: حيَّاك الله، وبيَّاك.
د.الخضيري: الحقيقة لا يَفُوتَنِي أن أَشكركما، وأشكر أيضاً الطَّاقم الذِّي معنا يُصَوِّر في هذه اللّيالي قبلِ شهر رمضان من عام واحدٍ وثلاثين وأربعمائة وألف بعد الهجرة النَّبوية وفي هذه الاستراحة الجميلة المباركة لأخينا الأستاذ ظَافر بن حِلبد، ونحن الآن في هذه المدينة الرائعة الجَميلة البَارِدة الضَّبابية مدينة تَنُومة. دكتور مساعد هلاَّ أعطيتنا شيئاً عن هذه الآية الكريمة التِّي سمعناها قبل قليل.
د. الطَّيار: كما ذكرتم دكتور محمّد أَنَّ الآيات في اليَّهُود، لا تزال تتكلّم عن اليَهُود، يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) وهذا النِّداء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) يَتَكَّرر في القُرآن وهُو نوع من التَّشريف، وهُو أيضاً تنبيه لليهود بأنَّ من أُوتي الكتاب فحَقُّه أن يُؤمن بـِمَن سيُؤتى الكتاب بعدهم.
د.الخضيري: استدراك بسيط: النِّداء لأهل الكتاب ما وُجِد إلاّ في هذه الآية لكن وصفهم
د. الطيار: نعم، مثل قوله (قل يا أهل الكتاب)، أيضًا كونهم .
د. الخضيري: (قل يا أهل الكتاب) إذن نودوا هكذا
د. الشهري: النداء بـ (يا أيها الذين أوتوا الكتاب) لم ترد إلا في هذه الآية، لكن النداء موجود.
د. الخضيري: إذن أنا أخطأت. نحن ندير اللقاء بكل عفوية ونستدرك على بعضنا ونعطي إخواننا المشاهدين درسًا في أنه يجب أن تكون مجالسنا بهذا الشكل وليس إذا قال أخوك كلمة تسكت ولا تستدرك عليه.
د. الطيَّار: نعم، أيضًا للكتب التي قبلها، عندما قال (يَا أيُّها الذِّينَ أوتوا الكتاب) هو تشريفٌ لهم من جهة، تنبيهٌ إلى أنَّهم تَبَعٌ لمن أوتِيِ الكتابُ من قبلهم، وتنبيهٌ إلى أنَّهُم أيضاً عليهُم أن يُؤمنوا بمن سيُؤتى الكِتَاب بعدهم. فهذا الوصف الــمُتَّكَرِّر (أَهلَ الكتاب) (أهل الكتاب) يُشعِر بهذا الأمر، والذِّي يدلّ على ذلك أنّه قال بعدها (آمنوا بما نزَّلنا مُصَّدِقاً لما معكم) فهُو مُشعِر بأنَّ من جاء بعدكم معه كتابٌ مثل كِتَابكم، فحقيقٌ عليكم أن تُؤمنوا لأنَّ المصدر واحد، ومُنزِلُ الكُتُب واحد وهو الله - جلّ جلاله- هو الذِّي أنزَلَ الكتب التي قبلكم وأنزل الكتاب عليكم وأنزل الكُتُب التي بعدكم الذين هم طبعاً اليهود نزل بعدها مجموعة من الكُتُب مثل الزَّبور والإنجيل والقُرآن. وهَذه الحقيقة، وهي حقيقة مُهمّة جِدّاً، وأنا اطَّلَعت على بعض البحوث فيها في معنى (آمِنُوا بما نَزَّلنا مُصَّدِقاً لما معكم) وجه التصّديق
د. الخضيري: هل التَّصديق بمعنى الموافقة؟
د. الطيّار: نعم، الموافقة. هذا هو المعنى الأغلب فيها
د. الخضيري: موافقاً لما معكم
د. الطيَّار: نعم، ولهذا لو تأمّلت في مثل قوله تعالى في سورة البيِّنة (وما أُمِروا إلاَّ لِيعبدوا الله مُخلصين له الدِّين حُنَفاء) هذا أيضاً موافقة، ثمّ قال (ويُقيموا الصَّلاة ويُؤتُوا الزَّكاة وذلك دِينُ القيِّمة) فإذاً لــمَّا تتأمّل الأوامر الكُبرى هي نفس الأَوامر التِّي جاءت عندكم هي التِّي جاءَ بها محمّد صلى الله عليه وسلّم، فهذا كان أدعى إلى أَن تَتِّبُعُوه وليس إلى أن تُخالفوه لأنّكم تعلمون أنّه ما يجيءُ بهذا إلا نبي، ولعلّ هذا هو معنى قوله (آمنوا بــما نزَّلنا مُصَدِّقاً لما معكم).
د.الخضيري: مُصَّدِق، ما تأتي بمعنى آخر يا دكتور مساعد؟
د. الطيَّار: وهو؟
د. الخضيري: مُصَدِّق بمعنى موافق كما أسلفت، و(مصَّدقاً لما معكم) بمعنى أنّه يحُكم لها بالصِّدق. طبعاً المعنيان لا تعارض بينهُما يمكن اجتماعُهُمَا.
د.الطيَّار: نعم هُو مِن نفس معنى الموافقة، لكن أريد أن ننتبه إلى أنّ هذا الحديث جاء قال (بما نزَّلنا) فالذِّي يُخاطبهم هو الله سبحانه وتعالى، وهذا مَلحَظ أيضًا يَحسُن الانتباه له أنّه في كُلّ الآيات التِّي جاءت مع اليَّهُود لَيست مُحَاجَّة بين محمد صلى الله عليه وسلّم وبينهم، وإنّما مُحاجة بينهم وبين الله سبحانه وتعالى، يعني الله سبحانه وتعالى يُحَاجِّهُم ويُقَرِّرهم بما عندهم من كُتُبِهم.
د. الخضيري: في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا) هذا طبعاً تهديد. أوّلاً: ما معناه يا دكتور عبدالرَّحمن ؟ ثانياً: هل وقع؟.
د. الشِّهري: طبعاً الله سبحانه وتعالى يُهَدِّد اليَهُود الذِّين يَكفُرُون بالنَّبي صلى الله عليه وسلم في زَمانِه – هذه الآية خطاب لهم-وهم يعلمون بين أيديهم التَّوراة، وهذا النَّبي صلى الله عليه وسلّم جاء بالقرآن (مُصدِّقاً لما معهم) بمعنى أنّه يؤَّكِد كثيرًا ممّا جاء في كِتابهم من الأخبار، ومن الحقائق، ومن التَّشريعات، فَليس لهم عُذر في الكُفر بما جاء به النّبي صلى الله عليه وسلم وهم أكثر النَّاس علماً بما جاء به النَّبي صلى الله عليه وسلّم. ولذلك كان حتى قُريش عندما جاءها النَّبي صلى الله عليه وسلّم بالقرآن الكريم، أجمعت قريش على أنَّه من أفضل الوسائل التي يُحَارَب بها النَّبي صلى الله عليه وسلّم هي استشارة أهل الكتاب، قالوا إذهبوا إلى أهل الكتاب- اليهود في المدينة- فهم أهل كتاب يعرفون كيف يتعاملون مع هذه المواقف، فذهبوا فعلاً إلى اليَّهُود في المدينة فأملى عليهم اليهود أسئلة، فالخِطاب هنا لليهود لتذكيرهم بما بين أيديهم من العلم، ومن الكتاب الذّي يجعلهم أَولى النّاس بالإيمان بالنَّبي صلى الله عليه وسلّم لأنّهم أهل كتاب. في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ) يعني نحن لم نأتِ بشيء مُخالف ومُناقِض لما معكم وإنَّما هو يُؤَّكِدَهُ. قال (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا) طمس الوجوه هنا هو تسوية الوجوه حتى تُصبح مطموسة ما يظهر لها معالم، وهذا يُذَكِّرنا بما صنَعَهُ الله سبحانه وتعالى وعَاقَب به فئةً من اليَّهُود عندما مَسَخَهُم قِرَدةً وخنازير. وَطَمْس الوُجوه هنا هو نوع من العقوبة البدنية لليهود الــمُكَذِّبين كما هو في مسخهم قردةً وخنازير، مسخ وجوههم بحيث أنّها تُصبِح قطعة واحدة لا يظهر فيها أثر الخِلقة كما قال الله سبحانه وتعالى (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) هنا يُهدِّد الله سبحانه وتعالى بأنّه سوف يمسخ وجُوههم ويطمسها حتى لا يظهر فيها أي أثر من آثار الخِلقة.
د. الخضيري: جزاءً لهم على طَمسِ الحقائق، وعدم انتفاعهم بهذه الأشياء، الوسائل التي وضَعَها الله في الإنسان لاكتشاف الحقيقة: السَّمع، البَصر، اللّسان، الشَّهادة بالحقّ ما دام ما قامت بواجبها، ولا أدَّت الدَّور المنوط بها يطمسها الله فيجعلها كأنّها لم تكن.
د. الطيّار: قال الله (فنَرُدَّها على أدبارها) أيّ نقلِبها
د. الشِّهري: تشويه الصُّورة، يعني الله سبحانه وتعالى يُهدِّدَهُم بتشويه صُورَتِهم
د. الطيّار: لكن، هم لم ينتفعوا بما عندهم من العلم، فإذا قُلِب وإذا رُدَّ على أدباره لم ينتفع بهذه الخِلقة. إبن زيد عند هذه الآية قال (من قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا) قال: نَرُّدَها على أدبارها إلى بيت المقدس يريد الإشارة إلى الحشر. وجعلها مثل قوله سبحانه وتعالى في سورة الحشر (هو الذِّي أخرج الذِّين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأَوَّلِ الحشر) فجعل هذا المعنى بــمثابة ذلك المعنى، لكن طبعاً هذا قول وإن كان فيه لطافة، لكنَّه ليس هو الصَّحيح.
د. الخضيري: قال الله – عزَّ وجل- (أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ) طبعاً الأوَّل: عُقوبة بدنية، والثّاني: أيضاً اللَّعنة التي تَصِل بهم إلى ما وصل إليه أصحاب السَّبت بأن يكونوا قِردةً وخنازير، لأنَّ أصحاب السَّبت حصل لهم ذلك، ما هي قِصَّة أصحاب السَّبت يا دكتور عبد الرَّحمن؟ .
د. الشِّهري: هذه قرية من قُرى اليَّهُود التِّي كانت على الشَّاطئ - مدينة ساحلية يُقال أنّها أيلة أو أيلات- فنُهِيَ اليَّهود عن الصَّيد يوم السَّبت، وَقَد ابتلاهُم الله سبحانه وتعالى بأنَّ السَّمك يَظهَر ويَقترب مَنَ الشَّاطئ ومن ظَهر الماء يوم السَّبت، فهُم لــمَّا رَأَوا الصَّيد يتوَفَّر بكميات تجارية يوم السَّبت، يوم الجمعة لا شيء، يوم الأحد لا شيء فاخترعُوا فكرة جَهَنَّمِيَّة - أرادوا بها أن يتحايَلُوا على الله سبحانه وتعالى- فقالوا نحن سَنَضع الشَّبكة يوم الجُمعة، يوم السَّبت يظهر الصِّيد ويَعلَق في هذه الشِّباك، يوم الأحد نأتي ونأخذ الصِّيد، ونحنُ لم نَصِد يوم السَّبت!
د. الخضيري: هذا التحايل على أوامر الله بأدنى الحِيَل
د. الشِّهري: قال (إذ تأتيهم حِيتانهم يوم سَبتِهُم شُرَّعاً) شُرَّعاً: أيّ ظاهرة على سطح الماء (ويومَ لا يسبتُونَ لا تأتيهم) ابتلاءً لهم، فلمّا فعلوا هذه الفِعلة القبيحة وخالفوا أمر الله سبحانه وتعالى عَاقَبَهُم الله سبحانه وتعالى على اتِّخاذهم...
د. الخضيري: لكنَّهم قبل ذلك دكتور عبدالرّحمن انقسموا إلى ثلاث فِرَق، فرقة أنكرت (وإذ قالت أُمَّةٌ منهُم لــِمَ تَعِظُون قوماً الله مُهلِكُهُم أوّ مُعَذِّبهم عذاباً شديداً قالوا معذّرةً إلى ربّكم ولعلّهم يتَّقون (164) فلمّا نَسُوا ما ذُكِّروا به أنجينا الذِّين يَنهَونَ عن السُّوء وأخذنا الذِّين ظلموا بعذابٍ بئيسٍ بما كانُوا يفسقون (165)). فَجَعَلَهُم ثلاث فِرَق، فِرقَة نهت عن السُّوء، وفِرقَة وَقَعَت في السُّوء، وفِرقة سَكَتت وهِيَ التِّي قالت (لــِمَ تَعِظُون قوماً الله مُهلِكُهُم أوّ مُعَذِّبهم عذاباً شديداً) وبهذا نعلم أنَّ الواجب عَلى الإِنسان إذا رأى أمثال هؤلاء الذِّين يَتَحَايلون على شرائع الله عزّ وجل بأدني الحِيَل ويلعبون بالأحكام كأنّمَا يلعبون كما يلعب الصِّبيان بالكُرَة، فإنّه يجب الاحتساب عليهم وإِنكار ما هم فيه خَشيةَ أن يَعُمَّ العقاب السَّاكِت وَالفَاعِل، نسأل الله العافية والسَّلامة.
(أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (٤٧)) يعني نَافِذاً لا يَرُدُّه رادّ، ولا يتَعَّقَبَهُ أحد، لأنَّ أمر الله نَافِذ لا رادَّ له، ولا مُعَقِّبَ لِحُكمِه.
د. الشِّهري: تأتي الآن آية عظيمة من الآيات التي اشتملت عليها آيات سورة النِّساء .
د. الخضيري: بل إنَّ بَعَضَ السَّلف كان يقول إنَّها (أرجى آية)
د. الشِّهري: نعم، (إنَّ اللهَ لا يَغفِرَ أن يُشرَكَ به)
د. الخضيري: والغريب أنّها تكرَّرت في هذه السُّورة
د. الشِّهري: نعم، وهذه الحقيقة من قواعد القرآن (إنَّ الله لا يَغفِرُ أن يُشرَكَ به) ولِذلك بابُ الشِّرك مُغلق تماماً، لا يجوز بأيّ حال من الأحوال التَّساهل فيه ولا التَّغاضي عنه.
د.الخضيري: يعني هذا يا دكتور عبدالرَّحمن أنه إذا أَشرَك الإنسان لا تُقبَل توبته.
د. الشِّهري: بلى تُقبَل
د. الخضيري: أجل
د. الشِّهري: ولكنّ الله سبحانه وتعالى يشير إلى أنّه جلّ في علاه يوم القيامة أنّه لا يغفر هذا الذَّنب
د. الخضيري: نعم ، يعني من مات وهُو مشرك ومُصِرٌّ عليه.
د. الشِّهري: نعم (وماتُوا وهم كُفَّار)، قد يأتي الإنسان يوم القيامة وهُو مُرتَكِب لكبيرة من كبائر الذُّنوب دون الشِّرك فيغفُرها الله له لأنّه تحت المشيئة، أليس كذلك؟
د. الخضيري: بلى.
د. الشِّهري: لكنّ الذي يموت وهو مُشرك فهذا ليس تحت المشيئة وإنما هو كما قال الله (إنَّ الله لا يَغفرُ أن يُشركَ به ويَغفرُ ما دُونَ ذلك لمن يشاء). في زماننا اليوم، اُنظُر كم عدد سُكَّان الكُرَة الأرضية اليوم يمكن ستة مليار أو سبعة مليار، المسلمون لا يُشَّكِلُونَ رُبَّما إلاّ سُبعُ الكُرَة الأرضية أو سُدسُها، وبَقيِّة سُكَّان الأرض يُشرِكُون بالله سبحانه وتعالى، بل وحتى الذِّين يُؤمنُون بالله كما قال الله (وما يُؤمِنُ أكثَرُهُم بالله إلا وهُم مُشرِكُون). يعني يُخالِطُ الشِّرك كثيراً من أعمال المسلم. اُنظُر الآن، اِذهب إلى الهند وتأمَّل مظاهر الشِّرك في كُلِّ مكان تَرى، في مَعَابِدِهم، في حَضارتهم، في التَّماثيل، يُشركون بالله الحيوانات، يُشركون بالله الأصنام، يُشرِكُون بالله البقر يعبُدُونها من دُونِ الله سبحانه وتعالى!! .
د.الخضيري: بل يُقال يا دكتور عبدالرَّحمن إنَّ عَدَد الآلهة التِّي يدَّعِيها الهَنَادِكة ويعبدُونها من دون الله عزَّ وجل بَلَغَت ثلاثة وثلاثين مُليون إلهًا، فيُقولون كل ما يُحَب، أو يُخَاف، أو يُرجى فهُو إله. ومن هُنا والعياذ بالله عَبَدُوا البقر وعَبَدوا البَيَّض والدَّجاج وأشياء كثيرة. يقول لي أحد الإخوة دخلت عليهم في أحد معابدهم فَوَجَدت- نسأل الله العافية والسَّلامة – صُورة مُجَسَّمة للعورة – والنَّاس ساجدة عندهم، قلت ما هذا ، قال: إنَّهم يتَّعبَدُّون بهذا الذَكَر. ويقول دخلت معبدًا آخر فوجدت فيه مجسمًا لفرج امرأة، قلت ما هذا؟ قالوا هذا إله يُعبَد من دون الله!. اُنظر إلى أيَّ دَرَجة وَصَلُوا إليه من الانحطاط والضَّياع! نحمد الله على ما نحن فيه.
هذه الأُمّة كَان النبي صلى الله عليه وسلّم يَتخَوَّف عليها من الشِّرك، الشِّرك بجميع أَنواعِه وصُنُوفه، ولذلك نحن نقول يجب على المسلم أن يحذر من الشِّرك، ولا يَغتَرّ بأنّه لــمَّا بَانَت له علامة التَّوحيد أنّه بمنجاة عن الشِّرك. إذا كَان أبو الأنبياء وإمام الحُنَفاء (إبراهيم عليه الصَّلاة السَّلام) يخاف من الشِّرك ويقول (واجنُبني وبَنيَّ أن نَعبُد الأصنام. رَبِّ إنَّهُنّ أضللن كثيراً من النّاس) فنحنُ نخاف والله!. لذلك نحن نقُول يجب على الدُّعَاة والوُعَّاظ والعُلَماء ألاَّ يَفتَأُوا أبداً أن يُذَّكِرُّوا بهذا الحقّ لله عزَّ وجل، وأنَّ هذا من أعظم الأُصُول بل هو أجَّلُها وأعظَمُها، وأنَّ الشَّرائع كلُّها اتَّفقت عليه. ويُؤَّكِد هذا يا دكتور عبد الرَّحمن، أَننَّا نَجِد الخَلل في هذا الباب الآن ضاَرِب بأطنابه في الأُمَّة الإسلامية، تجد من الأمّة الآن من إذا حَلَّت به كُربة دَعَا السيِّد البَدوي، أو دَعَا عبدالقادر الجيلاني، أو دَعَا الحسن، أو الحُسين، أو العبَّاس، أو عليّ بن أبي طالب (رضي الله تعالى عن الجميع) يَدعُوهم من دون الله! تأتي كُربة بدلاً من أن يقولوا يا الله !. المشركون كانوا إذا رَكِبُوا في الفُلك (دَعَوُا الله مُخلصين لهُ الدِّين فَلمَّا نجّاهم إلى البَرّ إذا هُم يُشرِكُون) هؤلاء إذا نَزَل الضُّر أشركوا، يا عليّ، يا حَسن، يا حُسين، يا بدوي أنقذني أعوذ بالله، أين رَبُّك؟! هذا والله هو عين ُ الشِّرك وهذا وَقَع في الأمَّة الإسلامية نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتُوب عَلى هَذِه الأُمَّة وأن يُوقِظها من هذه الغفلة ومن هذه الغَلطة العظيمة في باب التَّوحيد والشِّرك.
د. الشِّهري: جميل، الحقيقة هذه الآية على أنّها آية قصيرة إلاَّ أنَّ الــمُتأَمِّل في أحوال الأُمَّة يَرَى أنَنَّا ما زِلنا بحاجة إلى نشر مثل هذه الآية، وإلى العِناية بها وإلى أنَّه ينبغي عدم التَّساهل فيها. يعني الآن نحن أحياناً نستنكِر على من يُبالغ في التَّحذير من ألفاظ شِركية، أو تصَّرُفات شِركية، أو أشياء قد تُفضي إلى الشِّرك، ونرى أنّ في هذا شيءٌ من التَشَّدُد، مع أنَّ هذه الآية أصلٌ في التَّشَدُد في باب التَّوحيد، وفي نفي الشِّرك، وفي محاربته بأيِّ صُورة من الصُّوَر، أو التِّي قد تُفضي إليه على سبيل المثال: مثل الآثار الموجودة الآن، التِّي يُشرِك النَّاس عندها في المدينة أو في مكّة. لا يحتاج إلى مُناقشة أصلاً، إلاّ أنَّهُ ينبغي سدِّ الذَّريعة بدون مُنَاقشة، لأنَّ الله يقول (إنّ الله لا يغفر أن يُشرك به) وعُمر رضي الله عنه كانت المسألة واضحة بالنِّسبة له لـــمَّا رأى بعضهم يطوف حول شجرة بيعة الرِّضوان التِّي كانت من الآثار النَّبوية – لها مكانة وعظيمة- فما توَقَّف – رضي الله عنه- ولم يُناقِش الـــموضوع أصلاً وأمر بِقَطعِها مباشرة، فلذلك ينبغي عدم التَّساهُل في الموضوع، وعدم الفَلسَفة من بعض الذِّين يُعارِضون هذا، لأنَّ المسألة لَسنَا نحن الآن نُنَاقِش حضارة أو بقاء حَضَارة نحن نناقش دين وشرك وعقيدة واضحة في آية سورة النِّساء (إنَّ الله لا يَغفِرُ أن يُشرَك به) بأيِّ شَكل من الأشكال، أو بأيِّ طَريقة من الطُرُق، أو بأيِّ وسيلة من الوسائل، فينبغي تجَاوُز هذه الخِلافات، والتَّحذير بِشكل واضح. وأيضاً القنوات الإسلامية ينبغي عليها أيضاً أن تُرَكِّز على هذا الجانب لأنَّني أَنَا رأيت الحقيقة أنا شخصيِّاً وَلَعلّكُم رأيتُم أكثر منّي مظاهر شِركية في العالم الإسلامي، ليس هناك نِقاش في كونها من الشِّرك بالله سبحانه وتعالى، رأيتُ من يسجُد للسيِّد من دون الله سبحانه وتعالى!، ورأيت من يسجد للقبر!، والنَّاس يضحكُون أحيانًا يقولون أنتم تُبالغون أنَّ النَّاس يسجُدُون للقبور، النَّاس يتَعبَّدون فِي مَساجد فيها قُبُور!.
د. الخضيري: أنا رأيت ذلك بنفسي والله، دَخَلت أحد الضَّرائح في إحدى الدُّول الإسلامية، فوجدت النَّاس حول القبر من كل جِهاته، قد سجدوا باتجاهه، قلت: هؤلاء ماذا يفعلون! والقُبَّة التِّي على هذا القبر – أُقسم بالله- أنَّني رفعت رأسي حتى كادت طاقيَّتي تسقط- لأنّي كُنت لابس طاقية دون شماغ – من عِظَمِهَا تقريبا طولها أزيد من يمكن ثلاثين أو خمس وثلاثين مترًا في السّماء القُبَّة!
د. الشِّهري: أليس هذا من الشِّرك؟! إذا لم يكن هذا من الشِّرك، إذن ما هو الشِّرك؟! يعني أنا أستغرب من بعض الزُّملاء وبعض الإخوان في بعض الدُّول الإسلامية عندما يُهَوِّنُون من شأن مثل هذه المظاهر، وكأنّ مسألة الشرك هذه مسألة خلافية بسيطة ممكن أن نتجاوزها ولا نُثير هذه القضايا، أجل إذا لم نُثير مثل هذه القضايا، فماذا إذاً سَنُثير؟!.
د. الخضيري: يقولون أنّ الإمام محمد بن عبدالوَّهاب – رحمه الله- لــمَّا كان يُدَّرِس كتابه التَّوحيد لِطُلاَّبه فانتهى من الكِتاب، واستشار الطُّلاب هل نُعيد قراءة الكتاب؟ فقالوا: خلاص، إنتهينا من الكتاب – ولا داعي- اتضَّحت لنا معالم الشِّرك بشكل جَليّ وبّيِّن بحيث لا نحتاج إلى أن يُعاد قراءة الكتاب. فالشِّيخ أراد أن يمتَحِنَهُم فقَصَّ عَليهم في نهاية الدَّرس قصَّة، وقال إنّه البارحة بلغني أنّ رجُلاً وَقَع على أُمِّهِ، فقالوا أعوذ بالله! هل هناك أَحَد يفعل ذلك؟! أو يُمكن أن يحصل مثل هذا في هذه المنطقة المسلمة؟!. فَمِن الغَد الشِّيخ قَال لهم الخَبَر الذّي قُلت لكم ليس على ما ذَكَرت، الشَّخص لم يقع على أُمّه وإنَّما ذَبَح ديكاً عند قبر، فقالوا هذا أهون. قال الشِّيخ: إذاً وقعتم في الخطأ، أيُّهما أعظم الوقوع في الفاحشة أو الشِّرك بالله عزَّ وجل؟! فقال لهم: أعيدوا قراءة الكتاب، ما بعد فهمتم التَّوحيد فهماً صحيحاً.
د. الشِّهري: نعم، اُنظُر والله كتاب التّوحيد يا إخواني مع أنّه كتاب بسيط وسهل، من أعظم وأروع الكُتُب التَّي مرَّت على الإطلاق، يوجد شَريط كَاسِيت بِصَوت الأخ / حَمَد الدِّريهم – جزاه الله خير- (كتابُ التَّوحيد) عِندي في السّيَارة من سنوات أُكَرِّر سماعه ، وأقول في نفسي لقد وُفِّق الشِّيخ محمد بن عبدالوهاب في تأليف هَذا الكتاب توفيقًا، وفيه إبداع -من وجهة نظري- أكثر من صحيح البخاري من جهة أنَّه يذكر البَاب ثمّ يذكر الفوائد: "بابٌ من الشِّرك الذّبحُ لغير الله)
د. الطيار: هذا غلوّ! لو قلت فيه إبداع ليس موجودًا في صحيح البخاري أما أكثر!
د. الشهري: بالله! على كل حال صحيح البخاري مؤلف على منهجية في جمع الأحاديث والآثار وأما كتاب التوحيد في جانب من الجوانب لكن فيه إبداع الحقيقة لم يُسبَق إليه في أنَّه جعل الآيات والأحاديث وما يُستَنبَط بِدون إضافات ولا تطويل. ولذلك هذا الكتاب جَدِير والله أنَّه يُحفظ، وأن يُكَرَّر لأنَّه الحقيقة يُناقش هذه الآية (إنّ الله لا يَغفر أن يُشرك به) ويأتيك بمظاهر الشِّرك والآيات والأحاديث والاستنباطات الدّقيقة في ذلك.
د. الخضيري: هذه الآية ستأتينا مرة أخرى – إن شاء الله - قبل خِتامِ السُّورة ولذلك نعيد ونكرر– إن شاء الله- بيان وتحليل هذه القضيّة كما كرر القرآن. (إنَّ اللهَ لا يَغفِرُ أن يُشرَكَ به ويَغفِرُ ما دُونَ ذلك لمن يشاء) شيخ الإسلام ابن تيمية، له وقفة في هذه الآية الحقيقة مُهم ان نُذَّكِر بها إخواننا المشاهدين، قال إنَّ هذه الآية عامَّة تشمل الشِّرك الأَكبَر والأَصغَر، بمعنى لا يغفر أنّ يُشرَك به الشرِّكين الشِّرك الأكبر والأصغر، فإن قيل إذا أشرك المسلم شركاً أصغر، لن يغفره الله؟ نقول: لن يغفره الله، وسيُعاقب العبد عليه حتى يُطَّهره منه، ليس واقعاً تحت المشيئة. ولذلك الشِّرك خطيرٌ كله، فهو أكبر من سائر الكبائر ولو كان من النُّوع الأصغر.
د. الشِّهري: يكفيه قُبحاً أنَّه يُسَّمى شِركاً!
د. الخضيري: وهذا رأيٌ لشيخ الإسلام، وَيَظهر أنَّ جماعة من أهل العلم يَرَون لا، أنَّ الشِّرك الأصغر مثل سائر الكبائر – هو واقِعٌ تحت المشيئة-.
د. الشِّهري: مثل الرِّياء.
د. الطيَّار: نصَّ الآية (ويغفِرُ ما دون ذلك لمن يشاء)
د. الخضيري: نعم، ولكن لما يقول (إنّ الله لا يغفر أن يُشرك به) الشِّرك الأكبر والأصغر، كُلّ ما سُمِّيَ شركاً فإنه ليس داخلاً تحت المشيئة.
د. الطيّار: لكن الآية الآن واضحة جِدَّاً، لما ساق الآية لما قال (إنّ الله لا يغفر ان يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) لو قال (إنّ الله لا يغفر أن يُشرك به) وسَكَت لكان الأكبر والأصغر. لكن لما قال(إنّ الله لا يغفر ان يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) دلّ على أنّه قَصِد نوعين من الشِّرك، (إنّ الله لا يغفر أن يُشرك به) الشِّرك الأكبر، (ويغفر ما دُون ذلك ) الشِّرك الأصغر. لمن يشاء.
المشايخ : ما دون ذلك أيّ ما دون الشِّرك من المعاصي، والذُّنوب ، واللّمم.
د. الطيّار: إذاً صار المعطوف ليس من جنس المعطوف عليه
د. الشّهري: لماذا؟ أين المستثنى؟
د. الخضيري: جنس الشِّرك أكبر من كلّ المعاصي
د. الطيّار: (إنّ الله لا يغفر أن يُشرك به) سواءً الشِّرك الأكبر والشِّرك الأصغر، (ويغفرُ ما دون ذلك) ما سوى الشِّرك من الذُّنوب والمعاصي.
د. الشِّهري: معذرةً، الشِّرك الأكبر والأصغر من الذّي قَسَّمهما؟.
د. الخضيري: الحديث النّبوي، النَّبي صلى الله عليه وسلّم قال: أخوف ما أخاف عليكم الشِّرك الأصغر. لــمَا ذكر الأصغر عرفنا أنّ الشِّرك نوعان. ونحن عندنا قاعدة كل هذه الأشياء أصلاً تنقسم إلى أصغر وأكبر، الكفر، والنِّفاق، والشِّرك، والفسق، والظُّلم، كلُّها أصغر وأكبر.
د. الشِّهري: كلُّ هذا ثابت بأدلة. ممتاز، عندي لفتة في الآية التي تليها في قوله هنا (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ) وعلاقتها بالآية التّي قبلها، كثيرٌ من النّاس عندما يُنهى عن بعض الألفاظ أو بعض المظاهر الشِّركية يغضب، ويقول هذا ليس من الشِّرك، وأنا لم أرتكب هذا، أنتم تُبالِغون في وصف هذه الأمور بالشِّرك! هذا تزكية للنَّفس وفيها نوع من الغُرور في الوقت الذِّي يأتي فيه إبراهيم عليه الصّلاة والسّلام فيقول (واجنُبني وبَنيَّ أن نعبُد الأصنام) ما قال أن نُشرك بك شِرك أصغر بل قال (أن نعبُد الأصنام) وهذا الشِّرك الأكبر وهو إبراهيم! وإبراهيم مشهور بين الأنبياء - عليه الصّلاة والسّلام - أنّه سَيِّد الحُنفاء، من الــمُوَحِّدين
د. الطيّار: إمام الــمُوقِنين.
د. الشِّهري: نعم – عليه الصَّلاة والسَّلام- هذا إبراهيم وهُوَ في هذه المكانة يسأل الله أن يُجَنِّبَهُ عبادة الأصنام! ويأتي بعضنا أحيانًا عندما يقول عبارة فيها شُبهة الشِّرك يُنهى عنها، فيقول يا أخي: نحن مُوَحِّدون، نحنُ كَذا، نحنُ كذا، بدلاً من أن يُبادر ويقول نعوذ بالله من الشِّرك، وأستغفر الله ممّا قُلت. فيقول الله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ) الذِّين يمدحُون أنفسهم ويرون أنّه ما هُم عليه خَير وبِرّ ويُبَالِغون في الغُرور بما هم فيه؟! الله سبحانه وتعالى يذكُرهُم في مساق الذَّم لصنيعهم (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ) على وجه الاستنكار لهذا الصَّنيع، وأنّه لا ينبغي للمسلم أن يُزَّكِي نفسه وأن يغتَّر بعمله، بل ينبغي على المؤمن دائماً أن يتواضع وأن يسأل الله سبحانه وتعالى القَبُول والإخلاص، والسِّتر، والعافية، والمعافاة، لعلّ الله سبحانه وتعالى أن يعفُوَ عنه ويُنَجِيّه.
د.الخضيري: التزَّكية يا دكتور مساعد ما هي صِفَتُها؟
د.الطيّار: طبعًا التَّزكية هُنا الآن بمعنى الثَّناء على النَّفس.
د. الخضيري: الثَّناء على النَّفس، أنا فعلت، وأفعل، وأنا من عادتي كذا، دائماً يُحاول أن يُحيط نفسه بِحَالة من الثَّناء!.
د. الطيَّار: صحيح، تُلاحظ أنّ الأصل ليس كُل من فعل هذا دخل في هذه الآية، لأنَّ يوسف – عليه السَّلام- قال (اجعلني على خزائن الأرض إنِّي حفيظٌ عليم). لكن أحوال الشَّخص وما يُحيط بِه من قرائن تَدُلّ على ما ذكره الدُّكتور عبدالرحمن قبل قليل من كون أنّه يُثني على نفسه، ويرى أنّه حقيقٌ بهذا العمل، ويرى أنّه قَدّم، فيُقال له (بل اللَّهُ يُزَّكي من يشاء) يعني يُثني على من يشاء.
د. الخضيري: فالثناء حقيقةً إنّما هو ثناء الله، وثناء رسوله صلى الله عليه وسلّم. السؤال يا إخواني (قد أفلح من تزَّكَى)، (قد أفلح من زكّاها)، (ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زَكَى منكم من أحدٍ أبداً ولكنَّ الله يُزَّكِي من يشاء) فالمقصود بالتزكية المطلوبة والمأمور بها هي تزكية الإنسان بالإيمان والعمل الصّالح، وليس بأن تُثنِيَ عليها وتمدحها وتُخّلِّيها وتذكرها على أنّها شيء خالي من الذُّنوب والمعاصي ومن الأخلاق الدَّنيئة وهذا لا يليق بالإنسان!. وكِرام النّاس يعلمون أنّ هذا من القبائح، ولذلك نحن عِشنا في جَوّ - وأنا أقولها صِدقاً- كان مشايخنا يأنفُون جِدّاً من أن يكون الإنسان في وقت من الأوقات يُكثِر من الثَّناء على نفسه، ولا يُرى منه إلاّ كثرة المديح لها، فيُقال هذه خَصلة لا تليق بالكِرام، لكن لو احتاج الإنسان إلى أن يُثني على نفسه لأنَّه هُضِم، أو ظُلِم، أو لأنّ النّاس ما عرفوا قدره، أو لأنّه أراد أن يُحَقّق بذلك أمراً من الخير، وكان هذا في حُدوده، هذا لا شيء فيه، ومنه ما جاء عن يوسف – عليه السَّلام- عندما قال (اِجعلني على خزائن الأرض إنِّي حفيظٌ عليم). إذاً هناك فرق بين الثناء على النّفس باللّسان، وبين تزكية الإنسان بالعمل الصّالح
د. الشِّهري: وهُوَ كَمَا تفضَّلت أنّها من الأخلاق المذمومة حتى في تعاملات النّاس، لو جلست مع شخص وهُو يقول أنا أذكى واحد في دُفعتي! أنا الأوّل! أنا الوحِيد الذِّي أخذت ممتاز! ولذلك أذكُر ونحن في الابتدائية كان هناك قصّة دُبّ أظن، أو قصّة رجُلين واحد منهم يمدح نفسه، وأنّه شجاع، وأنّه يستطيع ان يُقاتل الأسد وبينما هو في هذا الموقف، جاء دُبّ فهَرَب هُو وصاحبه إلى أعلى الشَّجرة خوفاً من هذا الدُّب فقال له صاحبه هذا – حِكمة جميلة جِدّاً ما زلت أذكُرها للآن وإن كنُت نسيت التفاصيل – قال : مادِحُ نفسه كَذَّاب، لا يُصَّدَق ولا يُعتمد عليه. الإنسان الذّي دائمًا يستعرض قُدراته وعَقلياته باللّسان.
د. الخضيري: سبحان الله! تأتي الوقائع والأقدار تُكَذِّب ذلك ويُبتلى، لذلك قال الشَّاعر:
إحذر لسانك أن تقول فتُبتلى إنَّ البلاءَ مُوَّكّلٌ بالمنطق.
يأتي الوَاحِد ويقول أنا أصلاً ما أخاف، أنا إنسان دائماً إذا جاءت المواقف الجَادّة أكون أوّل إنسان يُجيب الدَّاعي، ويُغيث الملهوف، في نفس اللّحظة يُبتلى، ثُمّ يَبين للناس أنه خِلاف ذلك!.
د. الشِّهري: ولذلك الذّي يُزَّكي الإنسان هو عملُه، أنت إعمل واجتهد في تزكية نفسك بالعمل الصَّالح، واسكُت، وسيُثني عليك عملُك. (وقُلِ اعملوا فسَيَرى الله عَمَلَكُم ورسوله والمؤمنون وسُتَرَدُونَ إلى عالم الغيب والشَّهادة فيُنَبئكُم). وليس هناك داعي أنّك تدَّعي وتستعرض دائما أنّك الفاعل التَّارك إلى آخره. لذلك حتى نُهينا عن المدح – لاحِظ سبحان الله العظيم- نهينا أنَّك تمدح الإنسان في وجهه فتقتُله بهذا، فكيف أن يُثني هو بنفسه على نفسه هذا أشَّدُ قُبحاً. أليس كذلك؟!
د. الخضيري: ولذلك أنا أقول الحقيقة للدَّاعية مثلًا، لا تبدأ بالنّاس عندما تأتي إليهم بأن تذكُر لهم ما عِندك من الخِصال والأَعمال، هذا يَمُجَّه النَّاس بطبيعتهم، إحرص على أن يكتشف النَّاس ذلك ليس من قولك، وإنّما من فِعلك، اجتهد معهم في الخُلُق الفاضل، قَدِّم، إخدم، أحسِن، أكرِم، سيَكتشف النَّاس تلك الخِصال..
ومهما تكن عند امرئٍ من خَليقةٍ ما خَالهَا تَخفَى على النَّاس تُعلَمِ.
بعض النّاس يجتهد في أن يُظهر العمل للنّاس، ويُحاول كذا بطريقة أو بأخرى، أو يُمَثِّل أمامهم من أجل أن يخدعهم والله سيكشفُه الله! ولذلك إن كان عندك من خُلُق وإن كُنت تُخفيه سيُظهِرُهُ الله، لأنَّ العَمل الصَّالح مثل الطِّيب لا بد أن تفُوح رائحته، لو معك قارورة طيب، أو قِطعة طِيب سَيَبين أثرها وإن لم يَرَها النّاس، يَشُّمَها النّاس من أيّ مكان.
د. الطيّار: أنا أتعجّب من البعض، أنا سمعتُه من أحدهم يقول أنا استوى عِندي التِّبرُ والتُّرب! يعني إن أُثنِيَ عليَّ ما ضَرَّني. أنا أقول هذا أحد أمرين: إمَّا أنَّه وَصلَ من الحُمق بحيث لا يُبالي ولا يُفَرِّق، وإمَّا أنَّه أراد أن يُثني عَلى نفسه من حيث لا يشعر لأنَّ هذا نَّوع في الحقيقة من الثَّناء على النَّفس، لو أنت تأمّلته هو نوعٌ من الثَّناء على النَّفس وهو والله أنَّه استوى عندي المدح والقَدح، ليس بصواب، وحينما يُوصف بعض النَّاس هذا ليس بحقيقة ولا يمكن إطلاقاً أن يكونَ موجوداً. فهذا نوع من التَّعبيرات التي تَدُلّ على قضية أنَّه أراد ان يَنفِيَ عن نفسه أنّه يُزَّكيَ نفسه وهو في النِّهاية يزكّي نفسه بهذه العِبارة.
د. الخضيري: طبعاً هذا يَجُرنا إلى حديثٍ آخر – وإن كُنّا نريد أن نختم به الحقيقة- وهُوَ مَدحَك وتزكيَّتك للآخرين، نقول إنَّ هذا أيضاً ينبغي أن يُعامَل مُعاملة على حَسَب الضَّوابط الشَّرعية. بمعنى تُزَّكي الآخر إذا كان في غَيبته، وتمدح الرَّجل أيضاً في وجهه إنِ احتاج الأَمر إلى ذلك دون أن يكون ذلك ديدناً لك، لأنّ النبي صلى الله عليه وسلّم: اُحثُوا في وجوه المدَّاحين التُراب ولم يقل (المادحين) أيّ الذِّين يُكثِروُن.بِالعَكس النَّبي صلى الله عليه وسلم ثَبَت عنه أنَّه مَدَح عَددًا من الصَّحابة بمدائح جَميلة، شَرُف بها هؤلاء الصَّحابة، وكانت سبباً لاِقتداء غيرهم بهم بما مُدِحُوا به، وخُصوصاً إذا كان لهذا المدح معنى، وكان له أثر عملي على الآخرين.
مشاهديّ الكِرام بهذا نصل إلى ختام حلقتنا هذه، نسأل الله - بمنِّه وكَرمه – أن ينفعنا وإيّاكم بما قيل فيها. أيُّها الإخوة المشاهدون هذه عِظات، وعِبَر، ودروس، وأحكام، وحِكَم، لا نريد أن تستمتعوا بها وأن تترنَّموا بسماع ما فيها، وإنّما نريد أن نَخرُج من حلقاتنا هذه بعلمٍ وعمل، أسأل الله أن يُعِينني، ويُعِين أَخَويَّ الفَاضليين، ويُعينكم على القيام بِحقِّ هذه الآيات وأن نكون ممّن يستمعون القول فيَتَّبِعُون أحسنه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بُثّت الحلقة بتاريخ 25 رمضان 1431 هـ
 
الحلقة 25
تأملات في سورة النساء (الآيات 47 – 49)
د. الخضيري : السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله والصَّلاة والسَّلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. مُشَاهِدِيِّ الكِرام، ما زلنا في هذه السُّورة العظيمة سورة النِّساء نتحدّث عن آياتها ونُبيِّن ما فيها من المعاني. وَقَد وَصَلنا إلى ِقَول الله عزّ وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (47)). تعلَّمنَا فيما مضى أنَّ هذا المقطع يتحَدَّث عن اليَهُود، وَيَذكُر كَثيراً من خِصَالهم، ويُبَيِّن كثيراً من مَخازيهم، وهذه الآية تَبَعٌ لما قبلها. قبل أن نتحَدَّث في هذه الآية ونُبيِّن معانيها، نُحِب أن نستمع إليها، فإلى تِلاوتها نستمع جميعاً مُنصتين خاشعين.
تلاوة من سورة النِّساء آية (47-49)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (47) إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (49))
بعد أنِ استمعنا إلى هذه الآيات العَطِرَة الكَرِيمة، نُحِبُّ أن ندخل في هذه الآيات، ومَعي كُلٌّ مِن فضيلة الشِّيخ/ الدُّكتور عبدالرحمن بن معاضة الشِّهري الأستاذ الـــمُساعِد بجامعة الملك سُعُود، والأستاذ الدكتور/ مساعد بن سليمان الطيَّار الأستاذ الــمُشارك بِكُليَّة الــمُعلِّمين بجامعة الملك سُعُود، فحيَّا الله الشَّيخين وبَارك فيهما.
المشايخ: حيَّاك الله، وبيَّاك.
د.الخضيري: الحقيقة لا يَفُوتَنِي أن أَشكركما، وأشكر أيضاً الطَّاقم الذِّي معنا يُصَوِّر في هذه اللّيالي قبلِ شهر رمضان من عام واحدٍ وثلاثين وأربعمائة وألف بعد الهجرة النَّبوية وفي هذه الاستراحة الجميلة المباركة لأخينا الأستاذ ظَافر بن حِلبد، ونحن الآن في هذه المدينة الرائعة الجَميلة البَارِدة الضَّبابية مدينة تَنُومة. دكتور مساعد هلاَّ أعطيتنا شيئاً عن هذه الآية الكريمة التِّي سمعناها قبل قليل.
د. الطَّيار: كما ذكرتم دكتور محمّد أَنَّ الآيات في اليَّهُود، لا تزال تتكلّم عن اليَهُود، يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) وهذا النِّداء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) يَتَكَّرر في القُرآن وهُو نوع من التَّشريف، وهُو أيضاً تنبيه لليهود بأنَّ من أُوتي الكتاب فحَقُّه أن يُؤمن بـِمَن سيُؤتى الكتاب بعدهم.
د.الخضيري: استدراك بسيط: النِّداء لأهل الكتاب ما وُجِد إلاّ في هذه الآية لكن وصفهم
د. الطيار: نعم، مثل قوله (قل يا أهل الكتاب)، أيضًا كونهم .
د. الخضيري: (قل يا أهل الكتاب) إذن نودوا هكذا
د. الشهري: النداء بـ (يا أيها الذين أوتوا الكتاب) لم ترد إلا في هذه الآية، لكن النداء موجود.
د. الخضيري: إذن أنا أخطأت. نحن ندير اللقاء بكل عفوية ونستدرك على بعضنا ونعطي إخواننا المشاهدين درسًا في أنه يجب أن تكون مجالسنا بهذا الشكل وليس إذا قال أخوك كلمة تسكت ولا تستدرك عليه.
د. الطيَّار: نعم، أيضًا للكتب التي قبلها، عندما قال (يَا أيُّها الذِّينَ أوتوا الكتاب) هو تشريفٌ لهم من جهة، تنبيهٌ إلى أنَّهم تَبَعٌ لمن أوتِيِ الكتابُ من قبلهم، وتنبيهٌ إلى أنَّهُم أيضاً عليهُم أن يُؤمنوا بمن سيُؤتى الكِتَاب بعدهم. فهذا الوصف الــمُتَّكَرِّر (أَهلَ الكتاب) (أهل الكتاب) يُشعِر بهذا الأمر، والذِّي يدلّ على ذلك أنّه قال بعدها (آمنوا بما نزَّلنا مُصَّدِقاً لما معكم) فهُو مُشعِر بأنَّ من جاء بعدكم معه كتابٌ مثل كِتَابكم، فحقيقٌ عليكم أن تُؤمنوا لأنَّ المصدر واحد، ومُنزِلُ الكُتُب واحد وهو الله - جلّ جلاله- هو الذِّي أنزَلَ الكتب التي قبلكم وأنزل الكتاب عليكم وأنزل الكُتُب التي بعدكم الذين هم طبعاً اليهود نزل بعدها مجموعة من الكُتُب مثل الزَّبور والإنجيل والقُرآن. وهَذه الحقيقة، وهي حقيقة مُهمّة جِدّاً، وأنا اطَّلَعت على بعض البحوث فيها في معنى (آمِنُوا بما نَزَّلنا مُصَّدِقاً لما معكم) وجه التصّديق
د. الخضيري: هل التَّصديق بمعنى الموافقة؟
د. الطيّار: نعم، الموافقة. هذا هو المعنى الأغلب فيها
د. الخضيري: موافقاً لما معكم
د. الطيَّار: نعم، ولهذا لو تأمّلت في مثل قوله تعالى في سورة البيِّنة (وما أُمِروا إلاَّ لِيعبدوا الله مُخلصين له الدِّين حُنَفاء) هذا أيضاً موافقة، ثمّ قال (ويُقيموا الصَّلاة ويُؤتُوا الزَّكاة وذلك دِينُ القيِّمة) فإذاً لــمَّا تتأمّل الأوامر الكُبرى هي نفس الأَوامر التِّي جاءت عندكم هي التِّي جاءَ بها محمّد صلى الله عليه وسلّم، فهذا كان أدعى إلى أَن تَتِّبُعُوه وليس إلى أن تُخالفوه لأنّكم تعلمون أنّه ما يجيءُ بهذا إلا نبي، ولعلّ هذا هو معنى قوله (آمنوا بــما نزَّلنا مُصَدِّقاً لما معكم).
د.الخضيري: مُصَّدِق، ما تأتي بمعنى آخر يا دكتور مساعد؟
د. الطيَّار: وهو؟
د. الخضيري: مُصَدِّق بمعنى موافق كما أسلفت، و(مصَّدقاً لما معكم) بمعنى أنّه يحُكم لها بالصِّدق. طبعاً المعنيان لا تعارض بينهُما يمكن اجتماعُهُمَا.
د.الطيَّار: نعم هُو مِن نفس معنى الموافقة، لكن أريد أن ننتبه إلى أنّ هذا الحديث جاء قال (بما نزَّلنا) فالذِّي يُخاطبهم هو الله سبحانه وتعالى، وهذا مَلحَظ أيضًا يَحسُن الانتباه له أنّه في كُلّ الآيات التِّي جاءت مع اليَّهُود لَيست مُحَاجَّة بين محمد صلى الله عليه وسلّم وبينهم، وإنّما مُحاجة بينهم وبين الله سبحانه وتعالى، يعني الله سبحانه وتعالى يُحَاجِّهُم ويُقَرِّرهم بما عندهم من كُتُبِهم.
د. الخضيري: في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا) هذا طبعاً تهديد. أوّلاً: ما معناه يا دكتور عبدالرَّحمن ؟ ثانياً: هل وقع؟.
د. الشِّهري: طبعاً الله سبحانه وتعالى يُهَدِّد اليَهُود الذِّين يَكفُرُون بالنَّبي صلى الله عليه وسلم في زَمانِه – هذه الآية خطاب لهم-وهم يعلمون بين أيديهم التَّوراة، وهذا النَّبي صلى الله عليه وسلّم جاء بالقرآن (مُصدِّقاً لما معهم) بمعنى أنّه يؤَّكِد كثيرًا ممّا جاء في كِتابهم من الأخبار، ومن الحقائق، ومن التَّشريعات، فَليس لهم عُذر في الكُفر بما جاء به النّبي صلى الله عليه وسلم وهم أكثر النَّاس علماً بما جاء به النَّبي صلى الله عليه وسلّم. ولذلك كان حتى قُريش عندما جاءها النَّبي صلى الله عليه وسلّم بالقرآن الكريم، أجمعت قريش على أنَّه من أفضل الوسائل التي يُحَارَب بها النَّبي صلى الله عليه وسلّم هي استشارة أهل الكتاب، قالوا إذهبوا إلى أهل الكتاب- اليهود في المدينة- فهم أهل كتاب يعرفون كيف يتعاملون مع هذه المواقف، فذهبوا فعلاً إلى اليَّهُود في المدينة فأملى عليهم اليهود أسئلة، فالخِطاب هنا لليهود لتذكيرهم بما بين أيديهم من العلم، ومن الكتاب الذّي يجعلهم أَولى النّاس بالإيمان بالنَّبي صلى الله عليه وسلّم لأنّهم أهل كتاب. في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ) يعني نحن لم نأتِ بشيء مُخالف ومُناقِض لما معكم وإنَّما هو يُؤَّكِدَهُ. قال (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا) طمس الوجوه هنا هو تسوية الوجوه حتى تُصبح مطموسة ما يظهر لها معالم، وهذا يُذَكِّرنا بما صنَعَهُ الله سبحانه وتعالى وعَاقَب به فئةً من اليَّهُود عندما مَسَخَهُم قِرَدةً وخنازير. وَطَمْس الوُجوه هنا هو نوع من العقوبة البدنية لليهود الــمُكَذِّبين كما هو في مسخهم قردةً وخنازير، مسخ وجوههم بحيث أنّها تُصبِح قطعة واحدة لا يظهر فيها أثر الخِلقة كما قال الله سبحانه وتعالى (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) هنا يُهدِّد الله سبحانه وتعالى بأنّه سوف يمسخ وجُوههم ويطمسها حتى لا يظهر فيها أي أثر من آثار الخِلقة.
د. الخضيري: جزاءً لهم على طَمسِ الحقائق، وعدم انتفاعهم بهذه الأشياء، الوسائل التي وضَعَها الله في الإنسان لاكتشاف الحقيقة: السَّمع، البَصر، اللّسان، الشَّهادة بالحقّ ما دام ما قامت بواجبها، ولا أدَّت الدَّور المنوط بها يطمسها الله فيجعلها كأنّها لم تكن.
د. الطيّار: قال الله (فنَرُدَّها على أدبارها) أيّ نقلِبها
د. الشِّهري: تشويه الصُّورة، يعني الله سبحانه وتعالى يُهدِّدَهُم بتشويه صُورَتِهم
د. الطيّار: لكن، هم لم ينتفعوا بما عندهم من العلم، فإذا قُلِب وإذا رُدَّ على أدباره لم ينتفع بهذه الخِلقة. إبن زيد عند هذه الآية قال (من قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا) قال: نَرُّدَها على أدبارها إلى بيت المقدس يريد الإشارة إلى الحشر. وجعلها مثل قوله سبحانه وتعالى في سورة الحشر (هو الذِّي أخرج الذِّين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأَوَّلِ الحشر) فجعل هذا المعنى بــمثابة ذلك المعنى، لكن طبعاً هذا قول وإن كان فيه لطافة، لكنَّه ليس هو الصَّحيح.
د. الخضيري: قال الله – عزَّ وجل- (أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ) طبعاً الأوَّل: عُقوبة بدنية، والثّاني: أيضاً اللَّعنة التي تَصِل بهم إلى ما وصل إليه أصحاب السَّبت بأن يكونوا قِردةً وخنازير، لأنَّ أصحاب السَّبت حصل لهم ذلك، ما هي قِصَّة أصحاب السَّبت يا دكتور عبد الرَّحمن؟ .
د. الشِّهري: هذه قرية من قُرى اليَّهُود التِّي كانت على الشَّاطئ - مدينة ساحلية يُقال أنّها أيلة أو أيلات- فنُهِيَ اليَّهود عن الصَّيد يوم السَّبت، وَقَد ابتلاهُم الله سبحانه وتعالى بأنَّ السَّمك يَظهَر ويَقترب مَنَ الشَّاطئ ومن ظَهر الماء يوم السَّبت، فهُم لــمَّا رَأَوا الصَّيد يتوَفَّر بكميات تجارية يوم السَّبت، يوم الجمعة لا شيء، يوم الأحد لا شيء فاخترعُوا فكرة جَهَنَّمِيَّة - أرادوا بها أن يتحايَلُوا على الله سبحانه وتعالى- فقالوا نحن سَنَضع الشَّبكة يوم الجُمعة، يوم السَّبت يظهر الصِّيد ويَعلَق في هذه الشِّباك، يوم الأحد نأتي ونأخذ الصِّيد، ونحنُ لم نَصِد يوم السَّبت!
د. الخضيري: هذا التحايل على أوامر الله بأدنى الحِيَل
د. الشِّهري: قال (إذ تأتيهم حِيتانهم يوم سَبتِهُم شُرَّعاً) شُرَّعاً: أيّ ظاهرة على سطح الماء (ويومَ لا يسبتُونَ لا تأتيهم) ابتلاءً لهم، فلمّا فعلوا هذه الفِعلة القبيحة وخالفوا أمر الله سبحانه وتعالى عَاقَبَهُم الله سبحانه وتعالى على اتِّخاذهم...
د. الخضيري: لكنَّهم قبل ذلك دكتور عبدالرّحمن انقسموا إلى ثلاث فِرَق، فرقة أنكرت (وإذ قالت أُمَّةٌ منهُم لــِمَ تَعِظُون قوماً الله مُهلِكُهُم أوّ مُعَذِّبهم عذاباً شديداً قالوا معذّرةً إلى ربّكم ولعلّهم يتَّقون (164) فلمّا نَسُوا ما ذُكِّروا به أنجينا الذِّين يَنهَونَ عن السُّوء وأخذنا الذِّين ظلموا بعذابٍ بئيسٍ بما كانُوا يفسقون (165)). فَجَعَلَهُم ثلاث فِرَق، فِرقَة نهت عن السُّوء، وفِرقَة وَقَعَت في السُّوء، وفِرقة سَكَتت وهِيَ التِّي قالت (لــِمَ تَعِظُون قوماً الله مُهلِكُهُم أوّ مُعَذِّبهم عذاباً شديداً) وبهذا نعلم أنَّ الواجب عَلى الإِنسان إذا رأى أمثال هؤلاء الذِّين يَتَحَايلون على شرائع الله عزّ وجل بأدني الحِيَل ويلعبون بالأحكام كأنّمَا يلعبون كما يلعب الصِّبيان بالكُرَة، فإنّه يجب الاحتساب عليهم وإِنكار ما هم فيه خَشيةَ أن يَعُمَّ العقاب السَّاكِت وَالفَاعِل، نسأل الله العافية والسَّلامة.
(أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (47)) يعني نَافِذاً لا يَرُدُّه رادّ، ولا يتَعَّقَبَهُ أحد، لأنَّ أمر الله نَافِذ لا رادَّ له، ولا مُعَقِّبَ لِحُكمِه.
د. الشِّهري: تأتي الآن آية عظيمة من الآيات التي اشتملت عليها آيات سورة النِّساء .
د. الخضيري: بل إنَّ بَعَضَ السَّلف كان يقول إنَّها (أرجى آية)
د. الشِّهري: نعم، (إنَّ اللهَ لا يَغفِرَ أن يُشرَكَ به)
د. الخضيري: والغريب أنّها تكرَّرت في هذه السُّورة
د. الشِّهري: نعم، وهذه الحقيقة من قواعد القرآن (إنَّ الله لا يَغفِرُ أن يُشرَكَ به) ولِذلك بابُ الشِّرك مُغلق تماماً، لا يجوز بأيّ حال من الأحوال التَّساهل فيه ولا التَّغاضي عنه.
د.الخضيري: يعني هذا يا دكتور عبدالرَّحمن أنه إذا أَشرَك الإنسان لا تُقبَل توبته.
د. الشِّهري: بلى تُقبَل
د. الخضيري: أجل
د. الشِّهري: ولكنّ الله سبحانه وتعالى يشير إلى أنّه جلّ في علاه يوم القيامة أنّه لا يغفر هذا الذَّنب
د. الخضيري: نعم ، يعني من مات وهُو مشرك ومُصِرٌّ عليه.
د. الشِّهري: نعم (وماتُوا وهم كُفَّار)، قد يأتي الإنسان يوم القيامة وهُو مُرتَكِب لكبيرة من كبائر الذُّنوب دون الشِّرك فيغفُرها الله له لأنّه تحت المشيئة، أليس كذلك؟
د. الخضيري: بلى.
د. الشِّهري: لكنّ الذي يموت وهو مُشرك فهذا ليس تحت المشيئة وإنما هو كما قال الله (إنَّ الله لا يَغفرُ أن يُشركَ به ويَغفرُ ما دُونَ ذلك لمن يشاء). في زماننا اليوم، اُنظُر كم عدد سُكَّان الكُرَة الأرضية اليوم يمكن ستة مليار أو سبعة مليار، المسلمون لا يُشَّكِلُونَ رُبَّما إلاّ سُبعُ الكُرَة الأرضية أو سُدسُها، وبَقيِّة سُكَّان الأرض يُشرِكُون بالله سبحانه وتعالى، بل وحتى الذِّين يُؤمنُون بالله كما قال الله (وما يُؤمِنُ أكثَرُهُم بالله إلا وهُم مُشرِكُون). يعني يُخالِطُ الشِّرك كثيراً من أعمال المسلم. اُنظُر الآن، اِذهب إلى الهند وتأمَّل مظاهر الشِّرك في كُلِّ مكان تَرى، في مَعَابِدِهم، في حَضارتهم، في التَّماثيل، يُشركون بالله الحيوانات، يُشركون بالله الأصنام، يُشرِكُون بالله البقر يعبُدُونها من دُونِ الله سبحانه وتعالى!! .
د.الخضيري: بل يُقال يا دكتور عبدالرَّحمن إنَّ عَدَد الآلهة التِّي يدَّعِيها الهَنَادِكة ويعبدُونها من دون الله عزَّ وجل بَلَغَت ثلاثة وثلاثين مُليون إلهًا، فيُقولون كل ما يُحَب، أو يُخَاف، أو يُرجى فهُو إله. ومن هُنا والعياذ بالله عَبَدُوا البقر وعَبَدوا البَيَّض والدَّجاج وأشياء كثيرة. يقول لي أحد الإخوة دخلت عليهم في أحد معابدهم فَوَجَدت- نسأل الله العافية والسَّلامة – صُورة مُجَسَّمة للعورة – والنَّاس ساجدة عندهم، قلت ما هذا ، قال: إنَّهم يتَّعبَدُّون بهذا الذَكَر. ويقول دخلت معبدًا آخر فوجدت فيه مجسمًا لفرج امرأة، قلت ما هذا؟ قالوا هذا إله يُعبَد من دون الله!. اُنظر إلى أيَّ دَرَجة وَصَلُوا إليه من الانحطاط والضَّياع! نحمد الله على ما نحن فيه.
هذه الأُمّة كَان النبي صلى الله عليه وسلّم يَتخَوَّف عليها من الشِّرك، الشِّرك بجميع أَنواعِه وصُنُوفه، ولذلك نحن نقول يجب على المسلم أن يحذر من الشِّرك، ولا يَغتَرّ بأنّه لــمَّا بَانَت له علامة التَّوحيد أنّه بمنجاة عن الشِّرك. إذا كَان أبو الأنبياء وإمام الحُنَفاء (إبراهيم عليه الصَّلاة السَّلام) يخاف من الشِّرك ويقول (واجنُبني وبَنيَّ أن نَعبُد الأصنام. رَبِّ إنَّهُنّ أضللن كثيراً من النّاس) فنحنُ نخاف والله!. لذلك نحن نقُول يجب على الدُّعَاة والوُعَّاظ والعُلَماء ألاَّ يَفتَأُوا أبداً أن يُذَّكِرُّوا بهذا الحقّ لله عزَّ وجل، وأنَّ هذا من أعظم الأُصُول بل هو أجَّلُها وأعظَمُها، وأنَّ الشَّرائع كلُّها اتَّفقت عليه. ويُؤَّكِد هذا يا دكتور عبد الرَّحمن، أَننَّا نَجِد الخَلل في هذا الباب الآن ضاَرِب بأطنابه في الأُمَّة الإسلامية، تجد من الأمّة الآن من إذا حَلَّت به كُربة دَعَا السيِّد البَدوي، أو دَعَا عبدالقادر الجيلاني، أو دَعَا الحسن، أو الحُسين، أو العبَّاس، أو عليّ بن أبي طالب (رضي الله تعالى عن الجميع) يَدعُوهم من دون الله! تأتي كُربة بدلاً من أن يقولوا يا الله !. المشركون كانوا إذا رَكِبُوا في الفُلك (دَعَوُا الله مُخلصين لهُ الدِّين فَلمَّا نجّاهم إلى البَرّ إذا هُم يُشرِكُون) هؤلاء إذا نَزَل الضُّر أشركوا، يا عليّ، يا حَسن، يا حُسين، يا بدوي أنقذني أعوذ بالله، أين رَبُّك؟! هذا والله هو عين ُ الشِّرك وهذا وَقَع في الأمَّة الإسلامية نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتُوب عَلى هَذِه الأُمَّة وأن يُوقِظها من هذه الغفلة ومن هذه الغَلطة العظيمة في باب التَّوحيد والشِّرك.
د. الشِّهري: جميل، الحقيقة هذه الآية على أنّها آية قصيرة إلاَّ أنَّ الــمُتأَمِّل في أحوال الأُمَّة يَرَى أنَنَّا ما زِلنا بحاجة إلى نشر مثل هذه الآية، وإلى العِناية بها وإلى أنَّه ينبغي عدم التَّساهل فيها. يعني الآن نحن أحياناً نستنكِر على من يُبالغ في التَّحذير من ألفاظ شِركية، أو تصَّرُفات شِركية، أو أشياء قد تُفضي إلى الشِّرك، ونرى أنّ في هذا شيءٌ من التَشَّدُد، مع أنَّ هذه الآية أصلٌ في التَّشَدُد في باب التَّوحيد، وفي نفي الشِّرك، وفي محاربته بأيِّ صُورة من الصُّوَر، أو التِّي قد تُفضي إليه على سبيل المثال: مثل الآثار الموجودة الآن، التِّي يُشرِك النَّاس عندها في المدينة أو في مكّة. لا يحتاج إلى مُناقشة أصلاً، إلاّ أنَّهُ ينبغي سدِّ الذَّريعة بدون مُنَاقشة، لأنَّ الله يقول (إنّ الله لا يغفر أن يُشرك به) وعُمر رضي الله عنه كانت المسألة واضحة بالنِّسبة له لـــمَّا رأى بعضهم يطوف حول شجرة بيعة الرِّضوان التِّي كانت من الآثار النَّبوية – لها مكانة وعظيمة- فما توَقَّف – رضي الله عنه- ولم يُناقِش الـــموضوع أصلاً وأمر بِقَطعِها مباشرة، فلذلك ينبغي عدم التَّساهُل في الموضوع، وعدم الفَلسَفة من بعض الذِّين يُعارِضون هذا، لأنَّ المسألة لَسنَا نحن الآن نُنَاقِش حضارة أو بقاء حَضَارة نحن نناقش دين وشرك وعقيدة واضحة في آية سورة النِّساء (إنَّ الله لا يَغفِرُ أن يُشرَك به) بأيِّ شَكل من الأشكال، أو بأيِّ طَريقة من الطُرُق، أو بأيِّ وسيلة من الوسائل، فينبغي تجَاوُز هذه الخِلافات، والتَّحذير بِشكل واضح. وأيضاً القنوات الإسلامية ينبغي عليها أيضاً أن تُرَكِّز على هذا الجانب لأنَّني أَنَا رأيت الحقيقة أنا شخصيِّاً وَلَعلّكُم رأيتُم أكثر منّي مظاهر شِركية في العالم الإسلامي، ليس هناك نِقاش في كونها من الشِّرك بالله سبحانه وتعالى، رأيتُ من يسجُد للسيِّد من دون الله سبحانه وتعالى!، ورأيت من يسجد للقبر!، والنَّاس يضحكُون أحيانًا يقولون أنتم تُبالغون أنَّ النَّاس يسجُدُون للقبور، النَّاس يتَعبَّدون فِي مَساجد فيها قُبُور!.
د. الخضيري: أنا رأيت ذلك بنفسي والله، دَخَلت أحد الضَّرائح في إحدى الدُّول الإسلامية، فوجدت النَّاس حول القبر من كل جِهاته، قد سجدوا باتجاهه، قلت: هؤلاء ماذا يفعلون! والقُبَّة التِّي على هذا القبر – أُقسم بالله- أنَّني رفعت رأسي حتى كادت طاقيَّتي تسقط- لأنّي كُنت لابس طاقية دون شماغ – من عِظَمِهَا تقريبا طولها أزيد من يمكن ثلاثين أو خمس وثلاثين مترًا في السّماء القُبَّة!
د. الشِّهري: أليس هذا من الشِّرك؟! إذا لم يكن هذا من الشِّرك، إذن ما هو الشِّرك؟! يعني أنا أستغرب من بعض الزُّملاء وبعض الإخوان في بعض الدُّول الإسلامية عندما يُهَوِّنُون من شأن مثل هذه المظاهر، وكأنّ مسألة الشرك هذه مسألة خلافية بسيطة ممكن أن نتجاوزها ولا نُثير هذه القضايا، أجل إذا لم نُثير مثل هذه القضايا، فماذا إذاً سَنُثير؟!.
د. الخضيري: يقولون أنّ الإمام محمد بن عبدالوَّهاب – رحمه الله- لــمَّا كان يُدَّرِس كتابه التَّوحيد لِطُلاَّبه فانتهى من الكِتاب، واستشار الطُّلاب هل نُعيد قراءة الكتاب؟ فقالوا: خلاص، إنتهينا من الكتاب – ولا داعي- اتضَّحت لنا معالم الشِّرك بشكل جَليّ وبّيِّن بحيث لا نحتاج إلى أن يُعاد قراءة الكتاب. فالشِّيخ أراد أن يمتَحِنَهُم فقَصَّ عَليهم في نهاية الدَّرس قصَّة، وقال إنّه البارحة بلغني أنّ رجُلاً وَقَع على أُمِّهِ، فقالوا أعوذ بالله! هل هناك أَحَد يفعل ذلك؟! أو يُمكن أن يحصل مثل هذا في هذه المنطقة المسلمة؟!. فَمِن الغَد الشِّيخ قَال لهم الخَبَر الذّي قُلت لكم ليس على ما ذَكَرت، الشَّخص لم يقع على أُمّه وإنَّما ذَبَح ديكاً عند قبر، فقالوا هذا أهون. قال الشِّيخ: إذاً وقعتم في الخطأ، أيُّهما أعظم الوقوع في الفاحشة أو الشِّرك بالله عزَّ وجل؟! فقال لهم: أعيدوا قراءة الكتاب، ما بعد فهمتم التَّوحيد فهماً صحيحاً.
د. الشِّهري: نعم، اُنظُر والله كتاب التّوحيد يا إخواني مع أنّه كتاب بسيط وسهل، من أعظم وأروع الكُتُب التَّي مرَّت على الإطلاق، يوجد شَريط كَاسِيت بِصَوت الأخ / حَمَد الدِّريهم – جزاه الله خير- (كتابُ التَّوحيد) عِندي في السّيَارة من سنوات أُكَرِّر سماعه ، وأقول في نفسي لقد وُفِّق الشِّيخ محمد بن عبدالوهاب في تأليف هَذا الكتاب توفيقًا، وفيه إبداع -من وجهة نظري- أكثر من صحيح البخاري من جهة أنَّه يذكر البَاب ثمّ يذكر الفوائد: "بابٌ من الشِّرك الذّبحُ لغير الله)
د. الطيار: هذا غلوّ! لو قلت فيه إبداع ليس موجودًا في صحيح البخاري أما أكثر!
د. الشهري: بالله! على كل حال صحيح البخاري مؤلف على منهجية في جمع الأحاديث والآثار وأما كتاب التوحيد في جانب من الجوانب لكن فيه إبداع الحقيقة لم يُسبَق إليه في أنَّه جعل الآيات والأحاديث وما يُستَنبَط بِدون إضافات ولا تطويل. ولذلك هذا الكتاب جَدِير والله أنَّه يُحفظ، وأن يُكَرَّر لأنَّه الحقيقة يُناقش هذه الآية (إنّ الله لا يَغفر أن يُشرك به) ويأتيك بمظاهر الشِّرك والآيات والأحاديث والاستنباطات الدّقيقة في ذلك.
د. الخضيري: هذه الآية ستأتينا مرة أخرى – إن شاء الله - قبل خِتامِ السُّورة ولذلك نعيد ونكرر– إن شاء الله- بيان وتحليل هذه القضيّة كما كرر القرآن. (إنَّ اللهَ لا يَغفِرُ أن يُشرَكَ به ويَغفِرُ ما دُونَ ذلك لمن يشاء) شيخ الإسلام ابن تيمية، له وقفة في هذه الآية الحقيقة مُهم ان نُذَّكِر بها إخواننا المشاهدين، قال إنَّ هذه الآية عامَّة تشمل الشِّرك الأَكبَر والأَصغَر، بمعنى لا يغفر أنّ يُشرَك به الشرِّكين الشِّرك الأكبر والأصغر، فإن قيل إذا أشرك المسلم شركاً أصغر، لن يغفره الله؟ نقول: لن يغفره الله، وسيُعاقب العبد عليه حتى يُطَّهره منه، ليس واقعاً تحت المشيئة. ولذلك الشِّرك خطيرٌ كله، فهو أكبر من سائر الكبائر ولو كان من النُّوع الأصغر.
د. الشِّهري: يكفيه قُبحاً أنَّه يُسَّمى شِركاً!
د. الخضيري: وهذا رأيٌ لشيخ الإسلام، وَيَظهر أنَّ جماعة من أهل العلم يَرَون لا، أنَّ الشِّرك الأصغر مثل سائر الكبائر – هو واقِعٌ تحت المشيئة-.
د. الشِّهري: مثل الرِّياء.
د. الطيَّار: نصَّ الآية (ويغفِرُ ما دون ذلك لمن يشاء)
د. الخضيري: نعم، ولكن لما يقول (إنّ الله لا يغفر أن يُشرك به) الشِّرك الأكبر والأصغر، كُلّ ما سُمِّيَ شركاً فإنه ليس داخلاً تحت المشيئة.
د. الطيّار: لكن الآية الآن واضحة جِدَّاً، لما ساق الآية لما قال (إنّ الله لا يغفر ان يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) لو قال (إنّ الله لا يغفر أن يُشرك به) وسَكَت لكان الأكبر والأصغر. لكن لما قال(إنّ الله لا يغفر ان يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) دلّ على أنّه قَصِد نوعين من الشِّرك، (إنّ الله لا يغفر أن يُشرك به) الشِّرك الأكبر، (ويغفر ما دُون ذلك ) الشِّرك الأصغر. لمن يشاء.
المشايخ : ما دون ذلك أيّ ما دون الشِّرك من المعاصي، والذُّنوب ، واللّمم.
د. الطيّار: إذاً صار المعطوف ليس من جنس المعطوف عليه
د. الشّهري: لماذا؟ أين المستثنى؟
د. الخضيري: جنس الشِّرك أكبر من كلّ المعاصي
د. الطيّار: (إنّ الله لا يغفر أن يُشرك به) سواءً الشِّرك الأكبر والشِّرك الأصغر، (ويغفرُ ما دون ذلك) ما سوى الشِّرك من الذُّنوب والمعاصي.
د. الشِّهري: معذرةً، الشِّرك الأكبر والأصغر من الذّي قَسَّمهما؟.
د. الخضيري: الحديث النّبوي، النَّبي صلى الله عليه وسلّم قال: أخوف ما أخاف عليكم الشِّرك الأصغر. لــمَا ذكر الأصغر عرفنا أنّ الشِّرك نوعان. ونحن عندنا قاعدة كل هذه الأشياء أصلاً تنقسم إلى أصغر وأكبر، الكفر، والنِّفاق، والشِّرك، والفسق، والظُّلم، كلُّها أصغر وأكبر.
د. الشِّهري: كلُّ هذا ثابت بأدلة. ممتاز، عندي لفتة في الآية التي تليها في قوله هنا (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ) وعلاقتها بالآية التّي قبلها، كثيرٌ من النّاس عندما يُنهى عن بعض الألفاظ أو بعض المظاهر الشِّركية يغضب، ويقول هذا ليس من الشِّرك، وأنا لم أرتكب هذا، أنتم تُبالِغون في وصف هذه الأمور بالشِّرك! هذا تزكية للنَّفس وفيها نوع من الغُرور في الوقت الذِّي يأتي فيه إبراهيم عليه الصّلاة والسّلام فيقول (واجنُبني وبَنيَّ أن نعبُد الأصنام) ما قال أن نُشرك بك شِرك أصغر بل قال (أن نعبُد الأصنام) وهذا الشِّرك الأكبر وهو إبراهيم! وإبراهيم مشهور بين الأنبياء - عليه الصّلاة والسّلام - أنّه سَيِّد الحُنفاء، من الــمُوَحِّدين
د. الطيّار: إمام الــمُوقِنين.
د. الشِّهري: نعم – عليه الصَّلاة والسَّلام- هذا إبراهيم وهُوَ في هذه المكانة يسأل الله أن يُجَنِّبَهُ عبادة الأصنام! ويأتي بعضنا أحيانًا عندما يقول عبارة فيها شُبهة الشِّرك يُنهى عنها، فيقول يا أخي: نحن مُوَحِّدون، نحنُ كَذا، نحنُ كذا، بدلاً من أن يُبادر ويقول نعوذ بالله من الشِّرك، وأستغفر الله ممّا قُلت. فيقول الله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ) الذِّين يمدحُون أنفسهم ويرون أنّه ما هُم عليه خَير وبِرّ ويُبَالِغون في الغُرور بما هم فيه؟! الله سبحانه وتعالى يذكُرهُم في مساق الذَّم لصنيعهم (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ) على وجه الاستنكار لهذا الصَّنيع، وأنّه لا ينبغي للمسلم أن يُزَّكِي نفسه وأن يغتَّر بعمله، بل ينبغي على المؤمن دائماً أن يتواضع وأن يسأل الله سبحانه وتعالى القَبُول والإخلاص، والسِّتر، والعافية، والمعافاة، لعلّ الله سبحانه وتعالى أن يعفُوَ عنه ويُنَجِيّه.
د.الخضيري: التزَّكية يا دكتور مساعد ما هي صِفَتُها؟
د.الطيّار: طبعًا التَّزكية هُنا الآن بمعنى الثَّناء على النَّفس.
د. الخضيري: الثَّناء على النَّفس، أنا فعلت، وأفعل، وأنا من عادتي كذا، دائماً يُحاول أن يُحيط نفسه بِحَالة من الثَّناء!.
د. الطيَّار: صحيح، تُلاحظ أنّ الأصل ليس كُل من فعل هذا دخل في هذه الآية، لأنَّ يوسف – عليه السَّلام- قال (اجعلني على خزائن الأرض إنِّي حفيظٌ عليم). لكن أحوال الشَّخص وما يُحيط بِه من قرائن تَدُلّ على ما ذكره الدُّكتور عبدالرحمن قبل قليل من كون أنّه يُثني على نفسه، ويرى أنّه حقيقٌ بهذا العمل، ويرى أنّه قَدّم، فيُقال له (بل اللَّهُ يُزَّكي من يشاء) يعني يُثني على من يشاء.
د. الخضيري: فالثناء حقيقةً إنّما هو ثناء الله، وثناء رسوله صلى الله عليه وسلّم. السؤال يا إخواني (قد أفلح من تزَّكَى)، (قد أفلح من زكّاها)، (ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زَكَى منكم من أحدٍ أبداً ولكنَّ الله يُزَّكِي من يشاء) فالمقصود بالتزكية المطلوبة والمأمور بها هي تزكية الإنسان بالإيمان والعمل الصّالح، وليس بأن تُثنِيَ عليها وتمدحها وتُخّلِّيها وتذكرها على أنّها شيء خالي من الذُّنوب والمعاصي ومن الأخلاق الدَّنيئة وهذا لا يليق بالإنسان!. وكِرام النّاس يعلمون أنّ هذا من القبائح، ولذلك نحن عِشنا في جَوّ - وأنا أقولها صِدقاً- كان مشايخنا يأنفُون جِدّاً من أن يكون الإنسان في وقت من الأوقات يُكثِر من الثَّناء على نفسه، ولا يُرى منه إلاّ كثرة المديح لها، فيُقال هذه خَصلة لا تليق بالكِرام، لكن لو احتاج الإنسان إلى أن يُثني على نفسه لأنَّه هُضِم، أو ظُلِم، أو لأنّ النّاس ما عرفوا قدره، أو لأنّه أراد أن يُحَقّق بذلك أمراً من الخير، وكان هذا في حُدوده، هذا لا شيء فيه، ومنه ما جاء عن يوسف – عليه السَّلام- عندما قال (اِجعلني على خزائن الأرض إنِّي حفيظٌ عليم). إذاً هناك فرق بين الثناء على النّفس باللّسان، وبين تزكية الإنسان بالعمل الصّالح
د. الشِّهري: وهُوَ كَمَا تفضَّلت أنّها من الأخلاق المذمومة حتى في تعاملات النّاس، لو جلست مع شخص وهُو يقول أنا أذكى واحد في دُفعتي! أنا الأوّل! أنا الوحِيد الذِّي أخذت ممتاز! ولذلك أذكُر ونحن في الابتدائية كان هناك قصّة دُبّ أظن، أو قصّة رجُلين واحد منهم يمدح نفسه، وأنّه شجاع، وأنّه يستطيع ان يُقاتل الأسد وبينما هو في هذا الموقف، جاء دُبّ فهَرَب هُو وصاحبه إلى أعلى الشَّجرة خوفاً من هذا الدُّب فقال له صاحبه هذا – حِكمة جميلة جِدّاً ما زلت أذكُرها للآن وإن كنُت نسيت التفاصيل – قال : مادِحُ نفسه كَذَّاب، لا يُصَّدَق ولا يُعتمد عليه. الإنسان الذّي دائمًا يستعرض قُدراته وعَقلياته باللّسان.
د. الخضيري: سبحان الله! تأتي الوقائع والأقدار تُكَذِّب ذلك ويُبتلى، لذلك قال الشَّاعر:
إحذر لسانك أن تقول فتُبتلى إنَّ البلاءَ مُوَّكّلٌ بالمنطق.
يأتي الوَاحِد ويقول أنا أصلاً ما أخاف، أنا إنسان دائماً إذا جاءت المواقف الجَادّة أكون أوّل إنسان يُجيب الدَّاعي، ويُغيث الملهوف، في نفس اللّحظة يُبتلى، ثُمّ يَبين للناس أنه خِلاف ذلك!.
د. الشِّهري: ولذلك الذّي يُزَّكي الإنسان هو عملُه، أنت إعمل واجتهد في تزكية نفسك بالعمل الصَّالح، واسكُت، وسيُثني عليك عملُك. (وقُلِ اعملوا فسَيَرى الله عَمَلَكُم ورسوله والمؤمنون وسُتَرَدُونَ إلى عالم الغيب والشَّهادة فيُنَبئكُم). وليس هناك داعي أنّك تدَّعي وتستعرض دائما أنّك الفاعل التَّارك إلى آخره. لذلك حتى نُهينا عن المدح – لاحِظ سبحان الله العظيم- نهينا أنَّك تمدح الإنسان في وجهه فتقتُله بهذا، فكيف أن يُثني هو بنفسه على نفسه هذا أشَّدُ قُبحاً. أليس كذلك؟!
د. الخضيري: ولذلك أنا أقول الحقيقة للدَّاعية مثلًا، لا تبدأ بالنّاس عندما تأتي إليهم بأن تذكُر لهم ما عِندك من الخِصال والأَعمال، هذا يَمُجَّه النَّاس بطبيعتهم، إحرص على أن يكتشف النَّاس ذلك ليس من قولك، وإنّما من فِعلك، اجتهد معهم في الخُلُق الفاضل، قَدِّم، إخدم، أحسِن، أكرِم، سيَكتشف النَّاس تلك الخِصال..
ومهما تكن عند امرئٍ من خَليقةٍ ما خَالهَا تَخفَى على النَّاس تُعلَمِ.
بعض النّاس يجتهد في أن يُظهر العمل للنّاس، ويُحاول كذا بطريقة أو بأخرى، أو يُمَثِّل أمامهم من أجل أن يخدعهم والله سيكشفُه الله! ولذلك إن كان عندك من خُلُق وإن كُنت تُخفيه سيُظهِرُهُ الله، لأنَّ العَمل الصَّالح مثل الطِّيب لا بد أن تفُوح رائحته، لو معك قارورة طيب، أو قِطعة طِيب سَيَبين أثرها وإن لم يَرَها النّاس، يَشُّمَها النّاس من أيّ مكان.
د. الطيّار: أنا أتعجّب من البعض، أنا سمعتُه من أحدهم يقول أنا استوى عِندي التِّبرُ والتُّرب! يعني إن أُثنِيَ عليَّ ما ضَرَّني. أنا أقول هذا أحد أمرين: إمَّا أنَّه وَصلَ من الحُمق بحيث لا يُبالي ولا يُفَرِّق، وإمَّا أنَّه أراد أن يُثني عَلى نفسه من حيث لا يشعر لأنَّ هذا نَّوع في الحقيقة من الثَّناء على النَّفس، لو أنت تأمّلته هو نوعٌ من الثَّناء على النَّفس وهو والله أنَّه استوى عندي المدح والقَدح، ليس بصواب، وحينما يُوصف بعض النَّاس هذا ليس بحقيقة ولا يمكن إطلاقاً أن يكونَ موجوداً. فهذا نوع من التَّعبيرات التي تَدُلّ على قضية أنَّه أراد ان يَنفِيَ عن نفسه أنّه يُزَّكيَ نفسه وهو في النِّهاية يزكّي نفسه بهذه العِبارة.
د. الخضيري: طبعاً هذا يَجُرنا إلى حديثٍ آخر – وإن كُنّا نريد أن نختم به الحقيقة- وهُوَ مَدحَك وتزكيَّتك للآخرين، نقول إنَّ هذا أيضاً ينبغي أن يُعامَل مُعاملة على حَسَب الضَّوابط الشَّرعية. بمعنى تُزَّكي الآخر إذا كان في غَيبته، وتمدح الرَّجل أيضاً في وجهه إنِ احتاج الأَمر إلى ذلك دون أن يكون ذلك ديدناً لك، لأنّ النبي صلى الله عليه وسلّم: اُحثُوا في وجوه المدَّاحين التُراب ولم يقل (المادحين) أيّ الذِّين يُكثِروُن.بِالعَكس النَّبي صلى الله عليه وسلم ثَبَت عنه أنَّه مَدَح عَددًا من الصَّحابة بمدائح جَميلة، شَرُف بها هؤلاء الصَّحابة، وكانت سبباً لاِقتداء غيرهم بهم بما مُدِحُوا به، وخُصوصاً إذا كان لهذا المدح معنى، وكان له أثر عملي على الآخرين.
مشاهديّ الكِرام بهذا نصل إلى ختام حلقتنا هذه، نسأل الله - بمنِّه وكَرمه – أن ينفعنا وإيّاكم بما قيل فيها. أيُّها الإخوة المشاهدون هذه عِظات، وعِبَر، ودروس، وأحكام، وحِكَم، لا نريد أن تستمتعوا بها وأن تترنَّموا بسماع ما فيها، وإنّما نريد أن نَخرُج من حلقاتنا هذه بعلمٍ وعمل، أسأل الله أن يُعِينني، ويُعِين أَخَويَّ الفَاضليين، ويُعينكم على القيام بِحقِّ هذه الآيات وأن نكون ممّن يستمعون القول فيَتَّبِعُون أحسنه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بُثّت الحلقة بتاريخ 25 رمضان 1431 هـ
 
الحلقة 26
تأملات في سورة النساء الآيات 49 - 55
د. مساعد الطيار: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. أرحب بكم أيها الإخوة المشاهدون، والأخوات المشاهدات ونحن في هذا الهزيع من الليل مع كتاب الله سبحانه وتعالى نقدم تفسير آيات من سورة النساء مع أخويّ الفاضلين الدكتور محمد الخضيري والدكتور عبد الرحمن الشهري. وقبل أن نبتدئ بتفسير هذه الآيات لعلنا نستمع للآيات ثم نبتدئ بتفسيرها.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (49) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا (50) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (51) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52) أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55)) .
بعد أن استمعنا إلى هذه الآيات الكريمة ننتقل إلى تفسيرها وكان قد بقي عندنا في الآية السابقة شيء يتعلق بهذه الثمرة
د. عبد الرحمن الشهري: التي هي التمرة
د. مساعد الطيار: نعم، التمرة وهي قوله تعالى (وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا) فلعلنا نستمع من الدكتور محمد نهاية هذا المقطع، ونحن نجهز الفتيل من هذه التمرة، تفضل يا شيخ محمد.
د. محمد الخضيري: طبعًا نذَّكر بمعنى الآية أولاً وهي قول الله – عز وجل - (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ) طبعًا هذا استفهام للتقرير يعني أرأيت هؤلاء الذين (يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ) أي يمدحونها ويثنون عليها، وهذا كان من خصال اليهود
د. عبد الرحمن الشهري: يعني استنكارًا لفعلهم
د. محمد الخضيري: اسستنكارًا لفعلهم نعم، فهؤلاء اليهود كانوا يزكون أنفسهم ويدعون أنهم أهل كتاب، وأن نبيهم موسى –عليه الصلاة والسلام –وأنهم أفضل ممن جاء بعده إلى آخر ما كانوا يقولونه من التزكية ولكنها لفظها عام، نزلت فيهم ولفظها عام، والعبرة بعموم اللفظ لابخصوص السبب. ثم إن التزكية هي مدح النفس، والثناء عليها، يعني الإدمان على ذلك بحيث يجعل الإنسان هذه الطريقة طبيعة له وسجية. ثم قال (بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ) التزكية والمدح الحقيقي إنما هو من عند الله –جل وعلا-فلا عبرة بما يفعله الإنسان مع نفسه عندما يزكيها، بل العبرة الحقيقة والفرح الحقيقي عندما يزكيك الله ويمدحك ويثني عليك أو يثني عليك رسول الله –صلى الله عليه وسلم –الذي لاينطق عن الهوى. قال (بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ) يعني لم ينقصوا من عملهم شيئًا، ولما أراد أن يبين أن الله –سبحانه وتعالى –سيحسب عليهم جميع أعمالهم بيَّن أن أعمالهم جميعها موصولة وأنهم لن يُنقَصوا منها شيئًا ولو قلّ ذلك الشيء. ثم قال (وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا) أشار إلى الفتيل لأن الفتيل شيء معروف عند العرب في قِلّته، وما هو؟ قيل إن الفتيل هو ما يحصل من فتل اليد، إذا فتل الإنسان يده أو عرك جسمه خرج شيء ينفتل بين أصبعيه أو في جسمه فهو لقلّته سمي فتيلاً. وقيل وهو أظهر وأكثر استعمالاً الفتيل هو ذلك الخط الذي يكون في بطن النواة
د. مساعد الطيار: نعم لعل المصور يخرج لنا، طبعًا هذه النواة .
د. عبد الرحمن الشهري: نواة التمرة
د. مساعد الطيار: نعم، هذا ظهرها
د. محمد الخضيري: نواة التمرة، نعم
د. مساعد الطيار: نواة التمرة, وهذا بطنها
د. محمد الخضيري: بطنها, الذي فيه الشق .
د. مساعد الطيار: وعلى الشق يكون الفتيل .
د. محمد الخضيري: إيه, هو هذا
د. مساعد الطيار: نعم
د. محمد الخضيري: إي، نعم
د. مساعد الطيار: يعني على الشق هذا يكون الفتيل
د. محمد الخضيري :إذن ما دمت جئت بالنواة يا دكتور مساعد نقول هذا هو الفتيل،
د. مساعد الطيار: هذا هو الفتيل
د. محمد الخضيري: وما يكون من قشر فوق هذه النواة هو القطمير
د. مساعد الطيار: هو القطمير وهو مثل العباءة
د. محمد الخضيري: إي، نعم قشرة خفيفة
د. عبد الرحمن الشهري: غطاء، إي نعم قشرة
د. محمد الخضيري: غطاء تكون قد لبست هذه النواة وأحاطت بها
د. مساعد الطيار: نعم هي الآن تخرج، لكن طبعًا هذه ما شاء الله حديثة! هذه مثل البِشْت على الإنسان وهذا القطمير
د. محمد الخضيري: هذا القطمير، بقي عندنا واحدة
د. مساعد الطيار: بقي عندنا واحدة وهي النقير
د. عبد الرحمن الشهري: وهي ستأتي في الآيات القادمة (وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا)
د. محمد الخضيري :إي نعم، (مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) كل الثلاثة جاءت في سورة النساء
د. عبد الرحمن الشهري: (لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا) تأتي بعدها الآن
د. محمد الخضيري: (لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا)، النقير هو نقرة تكون في ظهر النواة
د. مساعد الطيار: إي نعم
د. محمد الخضيري: الحقيقة أنا أشكر لك يا دكتور مساعد أنك بيّنت هذا الأمر للناس بشكل واقعي لأن العلم ما يرسخ في النفوس إلا إذا كان ملموسًا، أما العلم الذي يكون نظريًا ويلقى على الناس إلقاءً قد لا يتنبهون له، ولا يفطنون له
د. مساعد الطيار: هذا صحيح
د. محمد الخضيري: والنبي –صلى الله عليه وسلم –كان يحرص على مثل هذا كثيرًا عليه الصلاة والسلام .
د. مساعد الطيار: لما جيء له بعذق من التمر ألغز بالنخلة،
د. محمد الخضيري: قال "ما شجرة كالمؤمن لايتحاتُّ ورقها؟"، فخاض الناس في شجر البراري قال ابن عمر فوقع في نفسي أنها النخلة فسكت- تهيبًا –فقال النبي –صلى الله عليه وسلم –إنها النخلة
د. مساعد الطيار: فلما قال لأبيه عمر بعدها قال وددت لو أنك قلتها بالدنيا وما فيها
د. محمد الخضيري: إي نعم، صحيح
د. مساعد الطيار: لما قال (وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا) وكما ذكرتم إشارة إلى أنه وإن قلّ فإن الله سبحانه وتعالى لا يُنقِصه وقد سبق (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ)، قال (انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا) وسبق عندنا معنى هذه الآية فإن كان عند الدكتور عبد الرحمن تعليق عليها
د. عبد الرحمن الشهري: طبعًا قبل ذلك في قوله سبحانه وتعالى (وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا) يعني لا يُنقَصون من حقهم مقدار فتيل تلاحظون أنه قال (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ) وقال في آية أخرى (وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا) قال (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) في كل هذه الآيات لما تجمعها إشارة إلى أن ليس المقصود الجسم هذا الذي ذكرته الفتيل، أو القطمير أو النقير بذاته وإنما المقصود نفي مطلق الظلم عن الله –سبحانه وتعالى – وأنه لايمكن أن يظلم الله أحدًا شيئًا
د. مساعد الطيار: ما مقداره
د. عبد الرحمن الشهري: قال (وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا) وهذه أبلغ في الدلالة
د. مساعد الطيار: في التنوين وفي التعميم
د. عبد الرحمن الشهري: إي نعم، قال أنت سألت يا دكتور مساعد عن ماذا؟
د. مساعد الطيار: (أَلَمْ تَرَ)
د. عبد الرحمن الشهري: (إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ) ؟
د. مساعد الطيار: لا ( إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا) لا
د. مساعد الطيار ود. محمد الخضيري: (انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ )
د. عبد الرحمن الشهري: (وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا) طبعًا اليهود -والسياق يتحدث عنهم -في إشارة أن اليهود كانوا أهل بجاحة وكانوا يأتون إلى النبي –صلى الله عليه وسلم –ويتحدثون كما قال الله سبحانه وتعالى (وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا) فيظنون أنهم يخدعون بهذا النبي –صلى الله عليه وسلم –، فالله سبحانه وتعالى كان يطلع النبي –صلى الله عليه وسلم –على أخلاقياتهم الفاسدة هذه ويستعجب ويعجب النبي –صلى الله عليه وسلم من هذه الجرأة التي يفعلها اليهود في مثل هذه المواقف فيقول (انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) فقال (انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) وهذا نعود إلى الكلام الذي قلناه مرارًا أن هذه أخلاق اليهود، ما قال انظر كيف افتروا على الله الكذب وإنما قال (انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ) وهذا فيه
د. مساعد الطيار: معنى التجدد
د. عبد الرحمن الشهري: نعم، معنى التجدد، وفيه أيضًا توجيه للنبي -صلى الله عليه وسلم –وللمسلمين من بعده إلى دراسة أخلاق اليهود وطرقهم في الكذب وفي التزوير وفي التدليس وما أكثرها في زماننا! قال (يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا) وهذه الآية الحقيقة فيها تعظيم شأن الكذب مطلقًا، ولكنه إذا كان على الله فهو أشدّ جُرمًا
د. محمد الخضيري: نعم بلا شك
د. عبد الرحمن الشهري: بمعنى أن يقولوا أن الله قال كذا وهو لم يقل كذا، صحيح؟
د. محمد الخضيري: نعم
د. عبد الرحمن الشهري: ويقولون هذا حلال وهذا حرام وهم أيضًا كاذبون، ويقولون هذا من الكتاب وما هو من الكتاب، أليس كذلك؟
د. محمد الخضيري: بلى
د. عبد الرحمن الشهري: ففيه أيضًا تبشيع لأمر الكذب، وتحذير من خلق الكذب مطلقًا
د. محمد الخضيري: ومما يؤكد هذا أو يؤكد هذا المعنى في هذه الآية قول الله –عز وجل – (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) قال العلماء: أن هذا الآية جاءت بهذه المحرّمات على وجه الترتيب بدأ بالأدنى إلى الأعلى والأشدّ فجعل أعلاها القول على الله بغير علم، فإن قيل القول على الله بغير علم أشدّ من الشرك؟! قيل: نعم
د. مساعد الطيار: لأن الشرك جزء منها .
د. محمد الخضيري: إي نعم، لأن الشرك فرعٌ على القول على الله بغير علم. أنت إذا أشركت -نسأل الله العافية والسلامة- ما أشركت إلا لأنك ادّعيت لهذا الذي أشركته مع الله أن له حقًا في الألوهية، وذكرت له نصيبًا منها. تفضل أبو عبد الملك .
د. مساعد الطيار: في قوله (وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا) أي كفى بهذا الكذب والافتراء (إِثْمًا مُبِينًا) وصفه بأنه مبين بمعنى ماذا؟ ظاهر واضح لايحتاج إلى من يوضّحه، يعني كونك تدعي لله الشريك فهذا هو في ذاته دالٌ على أنه خطأ محض وأنه باطل بلا ريب، ولهذا وصفه بماذا؟ بأنه مبين. والعقل يدل على انتفائه، هذا هو الأصل. ولكن كم ضلت عقول بدعوى المشاركة؟! ولهذا مثلاً لاحظ لو قرأت في تاريخ اليونان وآلهة اليونان والأساطير يعني أساطير اليونان في آلهتهم ستجد سبحان الله أنهم جعلوا الإله بمنزلة الإنسان وجعلوا بين هذه الآلهة صراعًا كما يكون بين الناس، فإذن هل يتصور أن يكون أكثر من إله؟ (إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ).
د. محمد الخضيري: في قوله (انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) الحقيقة اليهود ذُكِرت أكاذيبهم يعني كأنها بشكل استقصائي وخصوصًافي الدعاوى, لما قالوا (نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) ولم يذكرها الله –عز وجل- ويتركها بل يرد عليها (قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ) لما قالوا في سورة الجمعة ما هي الآية يا أبو عبد الملك؟
د. مساعد الطيار: قل تمنوا الموت؟
د. محمد الخضيري: إي نعم، قوله (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ) انظر اختبرهم يعني أنتم زعمتم أنكم أولياء لله؟ ما تركهم، إذن تمنوا الموت إن كنتم صادقين! قال الله (وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) أخبر عنهم أنهم لايمكن أن يتمنوا الموت لأنهم كاذبون في دعواهم، ولو تمنوا الموت لماتوا ولِعِلْمِهم بأنهم كاذبون فإنهم لم يُقدِموا ولا خطوة واحدة
د. مساعد الطيار: إلى اليوم
د. محمد الخضيري: إلى اليوم لعلمهم بأنهم كَذَبة في دعواهم.
د. مساعد الطيار: في قوله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ) أيضًا رجعنا مرة أخرى إلى أهل الكتاب صراحة (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا) طبعًا هذه الآية كما نعلم هي نزلت في حيي بن الأخطب .
د. محمد الخضيري: أو في كعب بن الأشرف
د. مساعد الطيار: أو كعب بن الأشرف لما ذهب إلى مكة يجيّش الجيوش على النبي –صلى الله عليه وسلم –فكفار مكة-وأنا أتعجب الحقيقة لكن نذكر القصة ثم نذكر تعجبنا - كفار مكة يسألون كعب بن الأشرف من هو الذي على الصواب نحن أم محمد صلى الله عليه وسلم؟ فيأتي هذا الكاذب الأفّاك فيقول :بل أنتم، أنتم أهل بيت الله، وأنتم أهل حرمه، وأنتم خصكم الله بكرامته، من هذا الكلام المعسول وأنا يعني أحس أن كفار مكة يعلمون أنه كاذب، وهو يعلم أنهم يعلمون أنه كاذب
د. محمد الخضيري: لكن كل واحد منهم ينافق الآخر
د. مساعد الطيار: ينافق الآخر (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا) لأن هؤلاء خصوصًا كفار مكة خرج منهم محمد –صلى الله عليه وسلم –وهم يعلمون أنه نبي، فنعلم حال أبي جهل -طبعًا هو قتل في غزوة بدر ليس موجودًا – ولكن من جاء بعده كانوا يعلمون بأنه نبي لكنهم حاربوه، فتتعجب من هذه النفسية وهذا التواطؤ على الكذب في حال النبي –صلى الله عليه وسلم –من هذا الملأ من قريش ومن طبعًا كعب بن الأشرف ومن جاء معه من اليهود!.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) يعني جعل من أكبر أوصافهم الإيمان بالجبت والطاغوت فما هما الجبت والطاغوت دكتور عبد الرحمن؟
د. عبد الرحمن الشهري: المقصود هنا بالجبت كل ما يُعبَد من دون الله، فالله سبحانه وتعالى يُعَجِّب من شأن هؤلاء اليهود الذين يؤمنون بهذه الأصنام ويعبدونها من دون الله –سبحانه وتعالى- ويشركون به، وفي نفس الوقت يشهدون شهادة زور وكذب لهؤلاء المشركين الذين يعبدون الأصنام بأنكم أنتم على الهدى وأنتم على الحق وأما محمد وأتباعه من المسلمين فإنهم على الباطل في إشارة إلى -كما تفضلت- كعب بن الأشرف الذي شهد هذه الشهادة الباطلة قال (هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا).
د. مساعد الطيار: سبيلًا يعني طريقًا، الدكتور أبو عبدالله في الطاغوت وهو مأخوذ من الطغيان وكأن الجبت هو من عبد من دون الله وهو غير راض إما لعدم قدرته يعني مثل الأصنام كما ذكرت والطاغوت هو من دعا لنفسه أو تسلّط على الآخرين حتى وصل إلى الناس فعبدوه بسبب طغيانه
د. عبد الرحمن الشهري: يعني مأخوذ من الطغيان
د. مساعد الطيار: الطغيان وعمومًا هي محصلة الأمر أنهم
د. عبد الرحمن الشهري: كل معبود سوى الله
د. مساعد الطيار: أي نعم، عبدوا من دون الله. إذا قلنا أنها في كعب بن الأشرف كيف يوصف بأنه يؤمن بالجبت والطاغوت وهو من أهل الكتاب؟! أهل الكتاب الأصل فيهم ما هو؟ هو الإيمان بالله وإن كانوا قالوا أو قال بعضهم عزير ابن الله، فما معنى وصفهم بهذا الوصف؟
د. محمد الخضيري: طبعًا ذكر الدكتور أبو عبد الرحمن في الحلقة السابقة قول الله –عز وجل- (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) فاليهود يؤمنون بالله لكنهم يؤمنون مع ذلك بأشياء أخرى تناقض إيمانهم بالله فإيمانهم مثلاً بأن عُزير ابن الله هذا طغيان
د. مساعد الطيار: لا شك
د. محمد الخضيري: إيمانهم بالسحر واعتمادهم عليه، والسحر قد ذكر في تفسير الجبت كما ذُكِرت أيضًا الكهانة في تفسير الجبت، كل ذلك يدل على أنهم كانوا يعملون هذه الأعمال ويقومون بها ويصدقونها ويتزينون أيضًا بها ويدّعون أنهم علماء بالسحر، لازال موجودًا في اليهود، بل الذي سحر النبي-صلى الله عليه وسلم لبيد بن الأعصم اليهودي. فهم يؤمنون بهذه الأشياء وإيمانهم بها يناقض ما جاءهم في الكتاب، ولذلك جاءت السورة فيها شيء من التعجيب (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ)كيف يتم هذا؟! هذا مناقض لما أنزل الله سبحانه وتعالى، كيف تؤمن بالسحر، وتؤمن بالكهانة وتتخذهما أسلوبًا ودينًا وهي محرّمة عليك؟! وكذلك الطاغوت؟!.
د. مساعد الطيار: أنا عندي وجه آخر وهو أنهم لما كعب بن الأشرف لما صحّح عبادة كفار مكة صار كمن آمن بها، ولهذا يؤمنون (يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) يعني يؤمنون بعبادة الأصنام التي كان يعبدها كفار مكة، لما صحح دينهم صار كأنه ماذا؟ منهم، فقال (يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا) أي طريقًا.
د. محمد الخضيري: وهذا من التضليل العظيم، كيف يقال للكفار أن هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا؟! يعني هذا يدلك على أن اليهود يمارسون التضليل في العالم بمعنى أنهم يزيفون الحقائق فيأتون لمن أشرك ويجعلونه خيرًا ممن آمن وعندهم الدلالة والبينة على أن المؤمن على حق وبيّنة ولكن ممارسة التضليل تبقى من خِصال هؤلاء اليهود
د. عبد الرحمن الشهري: نعم صفة ثابتة فيهم
د. محمد الخضيري: والآن يا دكتور عبد الرحمن يلاحظ في الإعلام العربي يمارس هذا الدور في التضليل يعني عندما يزيف الحقائق وينشر أمورًا غير صحيحة مثلاً عن العلماء، والمشايخ، عن الدين الإسلامي، عن المجتمعات المسلمة، ويحاول أن يبيّن أن الغربيين خيرٌ منا وأنهم اهتدوا للأشياء وأنهم وصلوا للحقائق وأنهم أفضل من الأمة الإسلامية هذا لون من ألوان التضليل!.
د. عبد الرحمن الشهري: الله أكبر، لاحظوا القسوة في جزاء هؤلاء في الآيات حتى التي تقدمت في قوله سبحانه وتعالى (وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا) أعوذ بالله!، تشعر أن جلدك يقشعر عندما تسمع اللعن! انظر ثم يقول هنا في آخرالآية قال (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ)
د. مساعد الطيار: جميل، انظر التكرار
د. عبد الرحمن الشهري: (وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا) أعوذ بالله!! يعني تشعر أن هذا عقوبة في غاية القسوة (وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا). واللعن في اللغة هو الطرد والإبعاد، يقال رجل لعين بمعنى أنه بعيد، بعيد مطرود، مُبْعَد، ثم جاء اللعن في القرآن والمقصود به الطرد والإبعاد عن رحمة الله –سبحانه وتعالى-(أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ) (مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا) (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فلن تجد) أعوذ بالله!.
د. محمد الخضيري: لاحظوا هنا جاء الإظهار في مقام الإضمار قال (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ) ولم يقل ومن يلعنه، هذا فيه تربية المهابة وذكر أن الموقف خطير جدًا الذي يلعنه هنا من هو؟ الله! إذن ألا يخشى هذا الملعون من أن لا يبقى له مجال للرحمة أبدًا؟! ولاتدركه هذه الرحمة حتى وإن بانت له الحقائق وقامت له الحجج واتضح له الحق لايمكن أن ينصاع له هذا كله أثر من آثار لعنة الله التي أدركته نسأل الله العافية والسلامة!.
د. مساعد الطيار: في قوله (فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا) يعني هذه الخاتمة تتناسب مع قوله (وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ ) يعني إذا كان الذي لعنه هو الله فمن أين يأتيه النصير؟! يعني فلا ناصر له
د. عبد الرحمن الشهري: هذا يؤيد الآيات (وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا) في حق المؤمنين وهنا قال (وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا)
د. محمد الخضيري: نلاحظ هنا استعمل الضمير في مكانه قال (وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ) أظهر في مقام الإضمار
د. مساعد الطيار: (فَلَنْ تَجِدَ)
د. محمد الخضيري: (فَلَنْ تَجِدَ لَهُ)
د. مساعد الطيار: (نصِيرًا)
د. محمد الخضيري: لماذا لن تجد له نصيرا؟ لماذا أضمر هنا؟ إهمالاً لهم
د. عبد الرحمن الشهري: لهوانه
د. محمد الخضيري: لهوانه، مثلما قال –صلى الله عليه وسلم –" فمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ" لبيان ماذا؟ التعظيم والتفخيم. "وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَنكحها فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ" ولم يقل فهجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها من باب التحقير والتقليل من شأنه وهذا المقام هو المراد
د. مساعد الطيار: مقام التحقير. (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا) أي نعم فضيلة الشيخ الدكتور عبد الرحمن .
د. عبد الرحمن الشهري: طبعًا يشير الله سبحانه إلى بخل هؤلاء اليهود كما قال في الآية (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) وأنه خُلُق من أخلاق اليهود فيقول هنا أم لهؤلاء اليهود نصيب من الملك كيف لو كان لهم نصيب من الملك؟! (فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا) يعني بخلاً منهم وشُحًًّا
د. مساعد الطيار: (أم) تأتي بمعنى (بل ألهم).
د. عبد الرحمن الشهري: هذا يعني وارد واضح بل ألهم حظ؟ هذا تفسير المفسرين للآية، لكن الآية واضحة في سياقها طبعًا يعني الله -سبحانه وتعالى- يشير إلى بخل اليهود وحرصهم دائمًا على الاحتكار وعلى البخل بما آتاهم الله –سبحانه وتعالى- من فضله سواء كان ما أوتوه من المال أومن الملك أو من العلم، فكلها مما يبخل به اليهود. هنا قال (فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا) بخلاً منهم. والنقير أنتم شرحتموه قبل قليل وهو هذه النقرة الصغيرة في قفا النواة، نواة التمر فيها نَقرة كأنها نقرة برأس دبوس، هذه هي النقير، فالمقصود (لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا) يعني لايؤتون الناس شيئًا منهم يعني لبخلهم وشدة يعني حسدهم.
د. مساعد الطيار: هل الآية تشير إلى ما قبلها من حكمهم للكفارعلى المسلمين؟
د. عبد الرحمن الشهري: في قولهم (هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا)؟
د. مساعد الطيار: من باب ؟ وليس من باب التفسير ؟
د. محمد الخضيري: هذا واحد يظهر أنه يدخل هي تعقيب على ذلك الموقف بأنهم لا يمكن أن يقروا لأحد بفضل ولا يحكموا بالعدل ولو كان عندهم الملك ما آتوا أحدًا منه شيئًا لكن الله كتب عليهم الذل، لاحظ معي فتاريخهم منذ أن كتب الله في رقابهم الذل هم دائمًا مشتتون في الأرض لا مُلْك لهم ولا دولة تجمعهم إلا بحبل من الله وحبل من الناس، وهذا استثناء في التاريخ مثلما حصل لهم الآن من دولة هي الآن كيان منبوذ
د. مساعد الطيار: هي حبل الناس الآن لهم أمريكا وأوروبا
د. محمد الخضيري: قال (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) لاحظ لما جاء إلى الحسد عبّر عنه بصيغة ماذا؟
د. مساعد الطيار: المضارع
د. محمد الخضيري: المضارع، الفعلية، ليبين أن الحسد هذا مستمر معهم ولاينفكون عنه، كلما جاءت قضية أو جاءت منقبة للمسلمين فإن الحسد يتجدد لهم ويحاولون أن يُظهِروا أو يُبرِزوا هذا الحسد في كل المواطن ويظهر منهم.
د. مساعد الطيار: ما المقصود بالناس هنا؟
د. عبد الرحمن الشهري: طبعًا اليهود يحسدون غيرهم، يعني اليهود لا يعترفون بغيرهم، يعني كل من كان غير يهودي فهو عند اليهود في اللائحة السوداء ويسمونهم "الجويم" يعني غير اليهود ويبدو لي في قولهم (لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) هؤلاء الأميين هم غير اليهود،
د. محمد الخضيري: من العرب وغيرهم
د. عبد الرحمن الشهري: نعم، فاليهودي يتعامل مع غير اليهودي بشكل مختلف تمامًا عن تعامله مع اليهودي، يفعل ما يشاء مع غير اليهودي، أما مع اليهودي لا بد أن يلتزم بالقوانين وبالشرائع .
د. محمد الخضيري: هذا موجود بالمناسبة يظن بعض الناس أن هذه التعاليم أو هذه الأشياء التي ذكرتها دكتور عبد الرحمن أنها مما يقوله أعداء اليهود في اليهود هي موجودة في التلمود
د. مساعد الطيار: في التلمود عندهم
د. محمد الخضيري: نعم، من يقرأ هذا الكتاب أو لتفاسير لهذا الكتاب المقدس يجد هذه التعاليم بشكل قذر ولذلك يعتبرون هم أكبر عنصريين في العالم.
د. عبد الرحمن الشهري: ويتهموننا بالعنصرية!!.
د. محمد الخضيري: ويتهموننا بالعنصرية!
د. عبد الرحمن الشهري: وضد الساميّة والكلام الفارغ هذا
د. مساعد الطيار: وهو رمتني بدائها وانسلّت، وهم الآن أصحاب القوة يتحكمون بك من جهة القوة وليس من جهة العلم، ليست المسألة إحقاق الحق، الحق مع من؟ المسألة القوة مع من؟ والقوي هو الذي يحكم .
د. عبد الرحمن الشهري: لكن أدبيًا حتى أمام العالم أنهم في كتبهم هم أشد الكتب عنصرية وإقصاء للآخر، هو كتاب التلمود هذا
د. مساعد الطيار: لا شك، لكن المفسرون اتجهوا على أن الناس المراد به محمد –صلى الله عليه وسلم –وهذا يكون من العام الذي أريد به الخصوص (أَمْ يَحْسُدُونَ) كان المعنى أم يحسدون محمدًا على ما آتاه الله من فضله وهذا وقع منهم بلا ريب
د. عبد الرحمن الشهري: ما في ذلك شك، صحيح هو يدخل دخولاً أوليًا، نعم أنهم يحسدون النبي –صلى الله عليه وسلم –والصحابة الكرام –رضي الله عنهم- على ما آتاهم الله من الخير ومن الإسلام. ولاحظ أنه قال (عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) وقد أشار في الآيات السابقة قال (وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) والله تفضّل على اليهود وأعطاهم ورزقهم، فكتموا الحق، وأيضًا تفضل على محمد –صلى الله عليه وسلم –وعلى المسلمين فحسدوهم على هذا الفضل أيضًا فقال (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ). أيضًا في هذه الآية إشارة يا فضيلة الشيخ وهو في قوله (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهِ) كأن الذين يستحقون أن يوصفوا بأنهم ناس هم محمد –صلى الله عليه وسلم –وأصحابه، لأنهم هم الذين حققوا هذه الصفة، وما سواهم فإنهم كأنهم ما هم بناس، واضح هذا؟
د. محمد الخضيري: واضح
د. عبد الرحمن الشهري: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا* فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ) حتى اليهود هم من آل إبراهيم، أليس كذلك ؟
د. مساعد الطيار: بلى
د. عبد الرحمن الشهري: ذرية إسحاق عليه الصلاة والسلام يعقوب بن إسحاق وأبناء يعقوب هم أبناء إسرائيل، أليس كذلك؟
د. مساعد الطيار: نعم
د. عبد الرحمن الشهري: والله سبحانه لم يمتنّ عليهم بما صنعه إسماعيل هنا فلم يقل فقد آتينا آل إسماعيل الكتاب والحكم والنبوة وإنما قال آتينا آل إبراهيم الذين أنتم تدخلون فيه دخولاً أوليًا، ولذلك جاء في الآية التي بعدها فقال (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ) وهم محمد –صلى الله عليه وسلم-وصحابته الكرام ومن سبقهم إلى الإيمان، (وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ) ومن أمثال هؤلاء اليهود الذين كذبوا بالنبي-صلى الله عليه وسلم-
د. مساعد الطيار: كونه قال (فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) يقرِّب أن يكون الناس المراد به محمد –صلى الله عليه وسلم-لأن الكلام هنا واضح متناسق مع إبراهيم والنبوة .
د. محمد الخضيري: لو سمحتم !
د. مساعد الطيار: نعم .
د. محمد الخضيري: قبل قليل الدكتور عبد الرحمن تلا الآية فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكم والنبوة طبعًا هي الكتاب والحكمة، أيضًا في حلقة ماضية قلنا هذه الكلمة فقد آتينا آل إبراهيم واختلطت علينا بالتي في الأعراف (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ ) ففقط ننبه عليها حتى أيضًا تلك الحلقة أيضًا
د. مساعد الطيار: صدقت
د. محمد الخضيري: من سمع الآية فلينتبه.
د. مساعد الطيار: وأنا أكّدت قراءته هذه، فنعم فتصوب. الآن عندنا الكتاب والحكمة قال (وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا)
د. محمد الخضيري: الكتاب يعني الكتب
د. مساعد الطيار: الكتب المنزلة من الله –سبحانه وتعالى-صحف إبراهيم
د. عبد الرحمن الشهري ود. محمد الخضيري و د. مساعد الطيار: التوراة الإنجيل
د. محمد الخضيري: الزبور،كلها
د. عبد الرحمن الشهري: القرآن
د. مساعد الطيار: القرآن، الزبور هذه كلها ويدخل فيها بعد ذلك القرآن .
د. عبد الرحمن الشهري: القرآن لا شك أنه
د. محمد الخضيري: العجيب أننا لانعرف كتبًا غير هذه ولذلك هذا مصداق لقوله تعالى (فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ) فكلها كانت في آل إبراهيم، فهل هذا دلالة على أنها أشرف ما أنزل الله من الكتب واختصّت بالذِكر؟
د. مساعد الطيار: والله هذا صعب!
د. محمد الخضيري: ما يذكر، يعني نوح عليه الصلاة والسلام ما ذكر له
د. مساعد الطيار: لا، هو صعب، هو هناك فرق الآن بين أمرين يعني ما وصل إلينا وما لم يصل إلينا نحن نعلم يقينًا أن هناك رسل منهم من قصصنا عليك، ومنهم من لم نقصص عليك، وأن الله سبحانه وتعالى أنزل الكتب لكنه لم يبيّن لنا جميع الكتب وهذا هو الملاحظ
د. عبد الرحمن الشهري: لكنه بين لنا أنه لم يكن هناك نبي من الأنبياء أُرسِل إلا وآتاه الله –سبحانه وتعالى بينة ودلالة على صدق نبوته، وغالبًا أنها تكون هذه البينة من جنس الكتب مثل موسى العصا، لكن في الغالب أنه يكون في كتب تدل الناس
د. محمد الخضيري: لكن قصدي أنا لما ذُكِرت هنا (فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ) نحن الآن لايذكر عندنا في القرآن كتاب
د. مساعد الطيار: هو الحكمة أوتيت للأنبياء جميعًا
د. محمد الخضيري: لا، هذا، أقصد الكتاب الآن ما ذكر في القرآن إلا في آل إبراهيم، التوراة والإنجيل والزبور كلها في آل إبراهيم والله أعلم. الحكمة إذا قرنت بالكتاب المقصود بها
د. مساعد الطيار: سنة النبي الذي معه ذلك الكتاب
د. محمد الخضيري: إي النبوة
د. مساعد الطيار: أو النبوة يعني هما قولان للسلف إما تكون النبوة أو السُنّة فإذا كانت السنة فهي سنة كل نبي بحسبه وإذا كانت النبوة فانتهت يعني آتاه الكتاب والنبوة.
د. محمد الخضيري: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) الحكمة بمعنى السُنّة، قال بعض العلماء أن الحكمة إذا اقترنت الكتاب فالمراد بها السُنّة أما إذا خلت عن الكتاب فالأمر فيها أعم .
د. مساعد الطيار: أوسع
د. محمد الخضيري: (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا )
د. مساعد الطيار: (وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا)؟
د. محمد الخضيري: يعني بذلك آل إبراهيم
د. مساعد الطيار: آل إبراهيم، ولهذا آل إبراهيم يشمل من إبراهيم –عليه الصلاة والسلام –
د. عبد الرحمن الشهري: إلى محمد –صلى الله عليه وسلم –
د. مساعد الطيار: إلى محمد –صلى الله عليه وسلم –
د. عبد الرحمن الشهري: (ملكًا عظيما) ويدخل فيها طبعًا سليمان وداود
د. مساعد الطيار: كلهم، وهذا يشير إلى الوعد الإلهي لإبراهيم –عليه الصلاة والسلام –لأن الله –سبحانه وتعالى –اختص إبراهيم بالخُلّة ووعده بأن يجعل من نسله أمة عظيمة، والأمة العظيمة التي وردت في نسله أمتان أمة موسى -عليه الصلاة والسلام- وهي التي أخبر عنها الرسول –صلى الله عليه وسلم –في يوم القيامة أنه يرى تلك الأمة التي قد سدت الأفق فيظن أنه أمته فيقال له: هذا موسى وقومه، وأمة محمد –صلى الله عليه وسلم-وهي أعظم الأمم وأكمل الأمم وأشرف الأمم وأكثر الأمم تبعًا لنبيهم –صلى الله عليه وسلم-. فهذا الملك العظيم إذن الذي أوتيه آل إبراهيم جزء منه هو ما أوتيه محمد وهو أعظمها. طبعًا اليهود يعرفون هذا ويعرفون ما أوتيه موسى والمقدار الذي يؤتاه موسى ومن معه من تبعه، ويعرفون الوعد الإلهي للأمة الأخرى والأمة الأخرى هذه مرتبطة عندهم بالبكورية بمعنى أنه أول ولد بِكْر هو الذي يستلم ماذا؟ عندهم طبعًا أنه هو الذي يستلم الاصطفاء. لو رجعنا إلى تاريخهم سنجد أنه لما جاؤوا عند هذه المشكلة أرادوا أن يحلوها، كيف يستطيعون حلها وهم يعلمون أن اسماعيل هو ماذا؟ الإبن البكر، فحرّفوا أن أدخلوا في الذبح مثلًا "إذبح بكرك إسحاق" يعني ولهذا نقول من أراد أن يدرس كتب بني إسرائيل لا بد أن يعرف مصطلحاتهم، ماذا تعني البكورية والذكورة عند بني إسرائيل؟ ولذا لو قرأت أنت عندهم ما حصل من إسحاق وعيصو، وكيف سلب إسحق البكورية من عيصو، والخلاف الذي يريدونه في هذا، طبعًا على ما ورد في كتبهم لكن أقصد بذلك أن البكورية كان لها شأن عندهم، فهم أرادوا أن يسلبوا حق الأمة العظيمة التي أخبر عنها الله –سبحانه وتعالى -وهي أمة محمد بالتحريفات الكثيرة منها هذا التحريف "إذبح بِكْرك إسحاق" مع أننا نعلم أن البكر من هو؟
د. عبد الرحمن الشهري: هو إسماعيل
د. مساعد الطيار: إسماعيل بلا ريب، مما يدل على أنه وقع هنا تحريف وإنما أدخلوا إسحاق لكي يسلبوا ما يتعلق بالبكورية في اصطلاحاتهم. فإذن الآن لما أخبر الله سبحانه وتعالى في قوله (وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا) ويخبر عن آل إبراهيم، وأنهم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله مما حسدوا به هذا النبي الكريم هو هذا الملك العظيم الذي هو أعظم ملك أوتيه آل إبراهيم. يعني أعظم ملك أوتيه آل إبراهيم هو الملك الذي جاء لمحمد –صلى الله عليه وسلم –. ولهذا كل ما ورد في التوراة أو في أسفار بني إسرائيل بعدها عن هذا الملك العظيم وعن هذه الأمة العظيمة لايمكن أن تنطبق إلا على أمة محمد –صلى الله عليه وسلم –
د. عبد الرحمن الشهري: بالمناسبة ذكر الشيخ عبد الحميد الفراهي –رحمه الله – في كتاب له قيم جدًا الذي هو" القول الصحيح في تعيين الذبيح" وهو مطبوع في دار القلم ما أدري هل أطلعت عليه يا دكتور محمد؟
د. محمد الخضيري: لا، والله
د. عبد الرحمن الشهري: هذا الكتاب قيم جدًا تحدث فيه عن أوجه إثبات أن إسماعيل -عليه السلام – هو الذبيح من القرآن، ومن السنة، ومن كتب أهل الكتاب، ومن العقل فذكر مسألة مهمة جدًا قال: إن مسألة تحريف من هو الذبيح في التوراة والإنجيل هي أشد المسائل التي حرص اليهود على تحريفها، لأنهم يعلمون أن إثبات أن الذبيح هو إسماعيل يخرِّب عليهم كل عملهم
د. مساعد الطيار: وهذا صحيح ومنها هذه
د. عبد الرحمن الشهري: ولذلك يعني أنا كنت تنبهت في جلسة أذكرها في بينات ربما فكرت في قوله سبحانه وتعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ) في سورة آل عمران لماذا جاءت هذه الآية بعد قوله –سبحانه وتعالى-(إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ )
د. محمد الخضيري: سورة البقرة
د. عبد الرحمن الشهري: سورة البقرة، سورة البقرة نعم. فربط الفراهي هذه الكلمة هذا الموضوع بشكل رائع جدًاوقال إن الله سبحانه ذكر قال (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ) الصفا والمروة مرتبطة بمن؟
د. مساعد الطيار: بإسماعيل
د. عبد الرحمن الشهري: بإسماعيل، بإسماعيل وجاء بعدها (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ) فيه إشارة إلى اليهود لأن هذه المسألة وهي مسألة الذبيح من أشد المسائل التي حرصوا على طمسها من كتبهم لأنها هي التي تلخبط كل دراساتهم.
د. محمد الخضيري: عجيب والله.
د. عبد الرحمن الشهري: كلام رائع جدًا.
د. محمد الخضيري: استنباط بديع .
د. مساعد الطيار: لا، واضح في كتبهم، واضح جدًا جدًا وصف إسماعيل بأن الله ينميه وأنه يبعث له أمة عظيمة وهذا موجود عندهم لكنه كما ذكرت فكرة البكورية عندهم كانت لها أثر، وما أدري هل الفراهي إلتفت إلى هذه أم لا؟
د. عبد الرحمن الشهري: لا ما أذكر، فكرة البكورية.
د. محمد الخضيري: بعدما انتهى من ذكر هذه الأخلاق لليهود،كأن الآن انتهت فأنا أريد الحقيقة أن نحصيها إن رأيتم ذلك.
د. مساعد الطيار: لو فقط نكمل (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ) ثم بعد ذلك نرجع لها، لأنه حتى ما ندري عن الوقت
د. محمد الخضيري: أنت الآن يعني مدير الحلقة فنحن يعني
د. مساعد الطيار: والله حتى ننتهي على مقطع أحسن من أن نعيد في الحلقة القادمة فأعطنا يا أبا عبد الله في الآية
د. عبد الرحمن الشهري: طبعًا ذكر الله أنه آتى آل إبراهيم الملك والكتاب والحكم والنبوة، ثم انقسم الناس إلى فريقين منهم من آمن به وصدّق بما جاء به إبراهيم ومن جاء بعده مصدقًا له من الأنبياء، ومنهم من كفر به كما صنع هؤلاء اليهود المكذبون بالنبي –صلى الله عليه وسلم- وتلاحظ أنه قال (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ) ولاحظوا يا إخواني سبحان الله العظيم في القرآن الكريم قضية الإيمان والتسليم مسألة أساسية في حياة المؤمن، أليس كذلك؟ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا) (الَّذِينَ آمَنُوا) (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) سواء في عهد النبي إذا كان الحديث عن النبي –صلى الله عليه وسلم-وأمته أو كان الحديث عن الأنبياء السابقين وأممهم كيف أن وصف الإيمان ومعناه التسليم أليس كذلك؟ والانقياد والطاعة لله سبحانه وتعالى صفة مدح، لاحظ، قال (وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ) وأن الكفر هو صدود عن الحق وصد عن الباطل ويصدون عن سبيل الله، قال (وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا)
د. مساعد الطيار: قدّم أهل الإيمان يا شيخ محمد، هل في ملحظ في سبب تقديم أهل الإيمان؟
د. محمد الخضيري: لا شك أن التقديم تشريف في هذا المكان وأنه أراد أن يكرمهم وأن يعلي قدرهم ويبين أنهم هم الأحق فقال (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ )خصوصًا مع وضوح ذلك الحق وظهوره وأن الدلائل قائمة عليه. (وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ) حتى أيضًا فيها فائدة أخرى وهي حتى يصح عود الضمائر لما يقول (آمَنَ بِهِ) (وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ) أي عن الإيمان أيضًا
د. مساعد الطيار: في فائدة أعرض
د. محمد الخضيري: أعرض
د. عبد الرحمن الشهري: في فائدة يا فضيلة الشيخ في قوله سبحانه وتعالى (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) ثم أراد الله –سبحانه وتعالى-أن يذكر شيئًا من الفضل الذي آتاه آل إبراهيم فقال (فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا) سبحان الله العظيم يا إخواني فضل الله إذا فتحه ليس له حد، انظر إلى إبراهيم –عليه الصلاة والسلام-كان مطرودًا طرده والده أليس كذلك؟ فخرج على وجهه-عليه الصلاة والسلام- ثم انظر كيف كانت ذريته إلى اليوم هي التي آتاها الله الكتاب وقدّمه، الكتاب يا أخي تخيل!
د. مساعد الطيار: كلنا ننتسب إلى إبراهيم، أيّ مسلم من أي جنس كان في النهاية ينتسب لإبراهيم.
د. عبد الرحمن الشهري: وأجمعت عليه اليهود يعتبرونه ويؤمنون به، والنصارى يؤمنون به، لكن لاحظ فضل الله إذا اختص به (يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ) يعني آتيناه (الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا) الملك يعني ماذا وراء ذلك؟!
د. مساعد الطيار: والعجيب-وهذا لعله يفيدنا- في عدم تعجل النتائج إبراهيم لما وُعد هذه الوعود لم يرها–عليه الصلاة والسلام- في وقته وقد مات-عليه الصلاة والسلام- وأبناؤه كانوا قِلّة لم يذكر له –طبعًا على حسب ما عندنا -إلا إسماعيل وإسحاق، واليهود يذكرون في كتبهم أبناء آخرون لكن لم يرد إلا إسماعيل وإسحاق.
د. عبد الرحمن الشهري: ومتى جاؤوه؟! على كِبَر ومشقة
د. مساعد الطيار: وهذا والله نحتاج أن نتأمل ونعتبر في قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وأن الإنسان ليس مربوطًا بهذه الدنيا نحن مع الأسف ارتبطنا بالدنيا ارتباطًا كبيرًا جدًا وإنما الإنسان ينظر إلى ما سيأتي بعد. إعمل لكي يبقى عملك بعدك فهو الثمرة العظيمة وهو الذي يبقى بإذن الله في تمام الإخلاص لأنه خلاص انقطعت أنت عن كل شيء ويأتيك من جراء عملك، وكل فضل وفضيلة في هذه الأمة فهي ترجع إلى محمد –صلى الله عليه وسلم-وكذلك ترجع إلى إبراهيم -عليه الصلاة والسلام -. ولعلنا نقف عند هذه الآية ونبتدئ إن شاء الله مع الدكتور محمد-بإذن الله- في اللقاء القادم بذكر هذه الصفات التي ذكرت في بني إسرائيل، وأستميح أخوي الكريمين وأستميحكم أيها الإخوة والأخوات المشاهدون جميعًا أن نقف. فسبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لاإله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك .
بُثّت الحلقة بتاريخ 26 رمضان 1431 هـ
 
الحلقة 26
تأملات في سورة النساء الآيات 49 - 55
د. مساعد الطيار: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. أرحب بكم أيها الإخوة المشاهدون، والأخوات المشاهدات ونحن في هذا الهزيع من الليل مع كتاب الله سبحانه وتعالى نقدم تفسير آيات من سورة النساء مع أخويّ الفاضلين الدكتور محمد الخضيري والدكتور عبد الرحمن الشهري. وقبل أن نبتدئ بتفسير هذه الآيات لعلنا نستمع للآيات ثم نبتدئ بتفسيرها.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (49) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا (50) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (51) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52) أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55)) .
بعد أن استمعنا إلى هذه الآيات الكريمة ننتقل إلى تفسيرها وكان قد بقي عندنا في الآية السابقة شيء يتعلق بهذه الثمرة
د. عبد الرحمن الشهري: التي هي التمرة
د. مساعد الطيار: نعم، التمرة وهي قوله تعالى (وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا) فلعلنا نستمع من الدكتور محمد نهاية هذا المقطع، ونحن نجهز الفتيل من هذه التمرة، تفضل يا شيخ محمد.
د. محمد الخضيري: طبعًا نذَّكر بمعنى الآية أولاً وهي قول الله – عز وجل - (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ) طبعًا هذا استفهام للتقرير يعني أرأيت هؤلاء الذين (يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ) أي يمدحونها ويثنون عليها، وهذا كان من خصال اليهود
د. عبد الرحمن الشهري: يعني استنكارًا لفعلهم
د. محمد الخضيري: اسستنكارًا لفعلهم نعم، فهؤلاء اليهود كانوا يزكون أنفسهم ويدعون أنهم أهل كتاب، وأن نبيهم موسى –عليه الصلاة والسلام –وأنهم أفضل ممن جاء بعده إلى آخر ما كانوا يقولونه من التزكية ولكنها لفظها عام، نزلت فيهم ولفظها عام، والعبرة بعموم اللفظ لابخصوص السبب. ثم إن التزكية هي مدح النفس، والثناء عليها، يعني الإدمان على ذلك بحيث يجعل الإنسان هذه الطريقة طبيعة له وسجية. ثم قال (بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ) التزكية والمدح الحقيقي إنما هو من عند الله –جل وعلا-فلا عبرة بما يفعله الإنسان مع نفسه عندما يزكيها، بل العبرة الحقيقة والفرح الحقيقي عندما يزكيك الله ويمدحك ويثني عليك أو يثني عليك رسول الله –صلى الله عليه وسلم –الذي لاينطق عن الهوى. قال (بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ) يعني لم ينقصوا من عملهم شيئًا، ولما أراد أن يبين أن الله –سبحانه وتعالى –سيحسب عليهم جميع أعمالهم بيَّن أن أعمالهم جميعها موصولة وأنهم لن يُنقَصوا منها شيئًا ولو قلّ ذلك الشيء. ثم قال (وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا) أشار إلى الفتيل لأن الفتيل شيء معروف عند العرب في قِلّته، وما هو؟ قيل إن الفتيل هو ما يحصل من فتل اليد، إذا فتل الإنسان يده أو عرك جسمه خرج شيء ينفتل بين أصبعيه أو في جسمه فهو لقلّته سمي فتيلاً. وقيل وهو أظهر وأكثر استعمالاً الفتيل هو ذلك الخط الذي يكون في بطن النواة
د. مساعد الطيار: نعم لعل المصور يخرج لنا، طبعًا هذه النواة .
د. عبد الرحمن الشهري: نواة التمرة
د. مساعد الطيار: نعم، هذا ظهرها
د. محمد الخضيري: نواة التمرة، نعم
د. مساعد الطيار: نواة التمرة, وهذا بطنها
د. محمد الخضيري: بطنها, الذي فيه الشق .
د. مساعد الطيار: وعلى الشق يكون الفتيل .
د. محمد الخضيري: إيه, هو هذا
د. مساعد الطيار: نعم
د. محمد الخضيري: إي، نعم
د. مساعد الطيار: يعني على الشق هذا يكون الفتيل
د. محمد الخضيري :إذن ما دمت جئت بالنواة يا دكتور مساعد نقول هذا هو الفتيل،
د. مساعد الطيار: هذا هو الفتيل
د. محمد الخضيري: وما يكون من قشر فوق هذه النواة هو القطمير
د. مساعد الطيار: هو القطمير وهو مثل العباءة
د. محمد الخضيري: إي، نعم قشرة خفيفة
د. عبد الرحمن الشهري: غطاء، إي نعم قشرة
د. محمد الخضيري: غطاء تكون قد لبست هذه النواة وأحاطت بها
د. مساعد الطيار: نعم هي الآن تخرج، لكن طبعًا هذه ما شاء الله حديثة! هذه مثل البِشْت على الإنسان وهذا القطمير
د. محمد الخضيري: هذا القطمير، بقي عندنا واحدة
د. مساعد الطيار: بقي عندنا واحدة وهي النقير
د. عبد الرحمن الشهري: وهي ستأتي في الآيات القادمة (وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا)
د. محمد الخضيري :إي نعم، (مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) كل الثلاثة جاءت في سورة النساء
د. عبد الرحمن الشهري: (لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا) تأتي بعدها الآن
د. محمد الخضيري: (لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا)، النقير هو نقرة تكون في ظهر النواة
د. مساعد الطيار: إي نعم
د. محمد الخضيري: الحقيقة أنا أشكر لك يا دكتور مساعد أنك بيّنت هذا الأمر للناس بشكل واقعي لأن العلم ما يرسخ في النفوس إلا إذا كان ملموسًا، أما العلم الذي يكون نظريًا ويلقى على الناس إلقاءً قد لا يتنبهون له، ولا يفطنون له
د. مساعد الطيار: هذا صحيح
د. محمد الخضيري: والنبي –صلى الله عليه وسلم –كان يحرص على مثل هذا كثيرًا عليه الصلاة والسلام .
د. مساعد الطيار: لما جيء له بعذق من التمر ألغز بالنخلة،
د. محمد الخضيري: قال "ما شجرة كالمؤمن لايتحاتُّ ورقها؟"، فخاض الناس في شجر البراري قال ابن عمر فوقع في نفسي أنها النخلة فسكت- تهيبًا –فقال النبي –صلى الله عليه وسلم –إنها النخلة
د. مساعد الطيار: فلما قال لأبيه عمر بعدها قال وددت لو أنك قلتها بالدنيا وما فيها
د. محمد الخضيري: إي نعم، صحيح
د. مساعد الطيار: لما قال (وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا) وكما ذكرتم إشارة إلى أنه وإن قلّ فإن الله سبحانه وتعالى لا يُنقِصه وقد سبق (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ)، قال (انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا) وسبق عندنا معنى هذه الآية فإن كان عند الدكتور عبد الرحمن تعليق عليها
د. عبد الرحمن الشهري: طبعًا قبل ذلك في قوله سبحانه وتعالى (وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا) يعني لا يُنقَصون من حقهم مقدار فتيل تلاحظون أنه قال (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ) وقال في آية أخرى (وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا) قال (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) في كل هذه الآيات لما تجمعها إشارة إلى أن ليس المقصود الجسم هذا الذي ذكرته الفتيل، أو القطمير أو النقير بذاته وإنما المقصود نفي مطلق الظلم عن الله –سبحانه وتعالى – وأنه لايمكن أن يظلم الله أحدًا شيئًا
د. مساعد الطيار: ما مقداره
د. عبد الرحمن الشهري: قال (وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا) وهذه أبلغ في الدلالة
د. مساعد الطيار: في التنوين وفي التعميم
د. عبد الرحمن الشهري: إي نعم، قال أنت سألت يا دكتور مساعد عن ماذا؟
د. مساعد الطيار: (أَلَمْ تَرَ)
د. عبد الرحمن الشهري: (إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ) ؟
د. مساعد الطيار: لا ( إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا) لا
د. مساعد الطيار ود. محمد الخضيري: (انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ )
د. عبد الرحمن الشهري: (وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا) طبعًا اليهود -والسياق يتحدث عنهم -في إشارة أن اليهود كانوا أهل بجاحة وكانوا يأتون إلى النبي –صلى الله عليه وسلم –ويتحدثون كما قال الله سبحانه وتعالى (وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا) فيظنون أنهم يخدعون بهذا النبي –صلى الله عليه وسلم –، فالله سبحانه وتعالى كان يطلع النبي –صلى الله عليه وسلم –على أخلاقياتهم الفاسدة هذه ويستعجب ويعجب النبي –صلى الله عليه وسلم من هذه الجرأة التي يفعلها اليهود في مثل هذه المواقف فيقول (انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) فقال (انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) وهذا نعود إلى الكلام الذي قلناه مرارًا أن هذه أخلاق اليهود، ما قال انظر كيف افتروا على الله الكذب وإنما قال (انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ) وهذا فيه
د. مساعد الطيار: معنى التجدد
د. عبد الرحمن الشهري: نعم، معنى التجدد، وفيه أيضًا توجيه للنبي -صلى الله عليه وسلم –وللمسلمين من بعده إلى دراسة أخلاق اليهود وطرقهم في الكذب وفي التزوير وفي التدليس وما أكثرها في زماننا! قال (يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا) وهذه الآية الحقيقة فيها تعظيم شأن الكذب مطلقًا، ولكنه إذا كان على الله فهو أشدّ جُرمًا
د. محمد الخضيري: نعم بلا شك
د. عبد الرحمن الشهري: بمعنى أن يقولوا أن الله قال كذا وهو لم يقل كذا، صحيح؟
د. محمد الخضيري: نعم
د. عبد الرحمن الشهري: ويقولون هذا حلال وهذا حرام وهم أيضًا كاذبون، ويقولون هذا من الكتاب وما هو من الكتاب، أليس كذلك؟
د. محمد الخضيري: بلى
د. عبد الرحمن الشهري: ففيه أيضًا تبشيع لأمر الكذب، وتحذير من خلق الكذب مطلقًا
د. محمد الخضيري: ومما يؤكد هذا أو يؤكد هذا المعنى في هذه الآية قول الله –عز وجل – (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) قال العلماء: أن هذا الآية جاءت بهذه المحرّمات على وجه الترتيب بدأ بالأدنى إلى الأعلى والأشدّ فجعل أعلاها القول على الله بغير علم، فإن قيل القول على الله بغير علم أشدّ من الشرك؟! قيل: نعم
د. مساعد الطيار: لأن الشرك جزء منها .
د. محمد الخضيري: إي نعم، لأن الشرك فرعٌ على القول على الله بغير علم. أنت إذا أشركت -نسأل الله العافية والسلامة- ما أشركت إلا لأنك ادّعيت لهذا الذي أشركته مع الله أن له حقًا في الألوهية، وذكرت له نصيبًا منها. تفضل أبو عبد الملك .
د. مساعد الطيار: في قوله (وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا) أي كفى بهذا الكذب والافتراء (إِثْمًا مُبِينًا) وصفه بأنه مبين بمعنى ماذا؟ ظاهر واضح لايحتاج إلى من يوضّحه، يعني كونك تدعي لله الشريك فهذا هو في ذاته دالٌ على أنه خطأ محض وأنه باطل بلا ريب، ولهذا وصفه بماذا؟ بأنه مبين. والعقل يدل على انتفائه، هذا هو الأصل. ولكن كم ضلت عقول بدعوى المشاركة؟! ولهذا مثلاً لاحظ لو قرأت في تاريخ اليونان وآلهة اليونان والأساطير يعني أساطير اليونان في آلهتهم ستجد سبحان الله أنهم جعلوا الإله بمنزلة الإنسان وجعلوا بين هذه الآلهة صراعًا كما يكون بين الناس، فإذن هل يتصور أن يكون أكثر من إله؟ (إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ).
د. محمد الخضيري: في قوله (انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) الحقيقة اليهود ذُكِرت أكاذيبهم يعني كأنها بشكل استقصائي وخصوصًافي الدعاوى, لما قالوا (نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) ولم يذكرها الله –عز وجل- ويتركها بل يرد عليها (قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ) لما قالوا في سورة الجمعة ما هي الآية يا أبو عبد الملك؟
د. مساعد الطيار: قل تمنوا الموت؟
د. محمد الخضيري: إي نعم، قوله (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ) انظر اختبرهم يعني أنتم زعمتم أنكم أولياء لله؟ ما تركهم، إذن تمنوا الموت إن كنتم صادقين! قال الله (وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) أخبر عنهم أنهم لايمكن أن يتمنوا الموت لأنهم كاذبون في دعواهم، ولو تمنوا الموت لماتوا ولِعِلْمِهم بأنهم كاذبون فإنهم لم يُقدِموا ولا خطوة واحدة
د. مساعد الطيار: إلى اليوم
د. محمد الخضيري: إلى اليوم لعلمهم بأنهم كَذَبة في دعواهم.
د. مساعد الطيار: في قوله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ) أيضًا رجعنا مرة أخرى إلى أهل الكتاب صراحة (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا) طبعًا هذه الآية كما نعلم هي نزلت في حيي بن الأخطب .
د. محمد الخضيري: أو في كعب بن الأشرف
د. مساعد الطيار: أو كعب بن الأشرف لما ذهب إلى مكة يجيّش الجيوش على النبي –صلى الله عليه وسلم –فكفار مكة-وأنا أتعجب الحقيقة لكن نذكر القصة ثم نذكر تعجبنا - كفار مكة يسألون كعب بن الأشرف من هو الذي على الصواب نحن أم محمد صلى الله عليه وسلم؟ فيأتي هذا الكاذب الأفّاك فيقول :بل أنتم، أنتم أهل بيت الله، وأنتم أهل حرمه، وأنتم خصكم الله بكرامته، من هذا الكلام المعسول وأنا يعني أحس أن كفار مكة يعلمون أنه كاذب، وهو يعلم أنهم يعلمون أنه كاذب
د. محمد الخضيري: لكن كل واحد منهم ينافق الآخر
د. مساعد الطيار: ينافق الآخر (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا) لأن هؤلاء خصوصًا كفار مكة خرج منهم محمد –صلى الله عليه وسلم –وهم يعلمون أنه نبي، فنعلم حال أبي جهل -طبعًا هو قتل في غزوة بدر ليس موجودًا – ولكن من جاء بعده كانوا يعلمون بأنه نبي لكنهم حاربوه، فتتعجب من هذه النفسية وهذا التواطؤ على الكذب في حال النبي –صلى الله عليه وسلم –من هذا الملأ من قريش ومن طبعًا كعب بن الأشرف ومن جاء معه من اليهود!.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) يعني جعل من أكبر أوصافهم الإيمان بالجبت والطاغوت فما هما الجبت والطاغوت دكتور عبد الرحمن؟
د. عبد الرحمن الشهري: المقصود هنا بالجبت كل ما يُعبَد من دون الله، فالله سبحانه وتعالى يُعَجِّب من شأن هؤلاء اليهود الذين يؤمنون بهذه الأصنام ويعبدونها من دون الله –سبحانه وتعالى- ويشركون به، وفي نفس الوقت يشهدون شهادة زور وكذب لهؤلاء المشركين الذين يعبدون الأصنام بأنكم أنتم على الهدى وأنتم على الحق وأما محمد وأتباعه من المسلمين فإنهم على الباطل في إشارة إلى -كما تفضلت- كعب بن الأشرف الذي شهد هذه الشهادة الباطلة قال (هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا).
د. مساعد الطيار: سبيلًا يعني طريقًا، الدكتور أبو عبدالله في الطاغوت وهو مأخوذ من الطغيان وكأن الجبت هو من عبد من دون الله وهو غير راض إما لعدم قدرته يعني مثل الأصنام كما ذكرت والطاغوت هو من دعا لنفسه أو تسلّط على الآخرين حتى وصل إلى الناس فعبدوه بسبب طغيانه
د. عبد الرحمن الشهري: يعني مأخوذ من الطغيان
د. مساعد الطيار: الطغيان وعمومًا هي محصلة الأمر أنهم
د. عبد الرحمن الشهري: كل معبود سوى الله
د. مساعد الطيار: أي نعم، عبدوا من دون الله. إذا قلنا أنها في كعب بن الأشرف كيف يوصف بأنه يؤمن بالجبت والطاغوت وهو من أهل الكتاب؟! أهل الكتاب الأصل فيهم ما هو؟ هو الإيمان بالله وإن كانوا قالوا أو قال بعضهم عزير ابن الله، فما معنى وصفهم بهذا الوصف؟
د. محمد الخضيري: طبعًا ذكر الدكتور أبو عبد الرحمن في الحلقة السابقة قول الله –عز وجل- (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) فاليهود يؤمنون بالله لكنهم يؤمنون مع ذلك بأشياء أخرى تناقض إيمانهم بالله فإيمانهم مثلاً بأن عُزير ابن الله هذا طغيان
د. مساعد الطيار: لا شك
د. محمد الخضيري: إيمانهم بالسحر واعتمادهم عليه، والسحر قد ذكر في تفسير الجبت كما ذُكِرت أيضًا الكهانة في تفسير الجبت، كل ذلك يدل على أنهم كانوا يعملون هذه الأعمال ويقومون بها ويصدقونها ويتزينون أيضًا بها ويدّعون أنهم علماء بالسحر، لازال موجودًا في اليهود، بل الذي سحر النبي-صلى الله عليه وسلم لبيد بن الأعصم اليهودي. فهم يؤمنون بهذه الأشياء وإيمانهم بها يناقض ما جاءهم في الكتاب، ولذلك جاءت السورة فيها شيء من التعجيب (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ)كيف يتم هذا؟! هذا مناقض لما أنزل الله سبحانه وتعالى، كيف تؤمن بالسحر، وتؤمن بالكهانة وتتخذهما أسلوبًا ودينًا وهي محرّمة عليك؟! وكذلك الطاغوت؟!.
د. مساعد الطيار: أنا عندي وجه آخر وهو أنهم لما كعب بن الأشرف لما صحّح عبادة كفار مكة صار كمن آمن بها، ولهذا يؤمنون (يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) يعني يؤمنون بعبادة الأصنام التي كان يعبدها كفار مكة، لما صحح دينهم صار كأنه ماذا؟ منهم، فقال (يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا) أي طريقًا.
د. محمد الخضيري: وهذا من التضليل العظيم، كيف يقال للكفار أن هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا؟! يعني هذا يدلك على أن اليهود يمارسون التضليل في العالم بمعنى أنهم يزيفون الحقائق فيأتون لمن أشرك ويجعلونه خيرًا ممن آمن وعندهم الدلالة والبينة على أن المؤمن على حق وبيّنة ولكن ممارسة التضليل تبقى من خِصال هؤلاء اليهود
د. عبد الرحمن الشهري: نعم صفة ثابتة فيهم
د. محمد الخضيري: والآن يا دكتور عبد الرحمن يلاحظ في الإعلام العربي يمارس هذا الدور في التضليل يعني عندما يزيف الحقائق وينشر أمورًا غير صحيحة مثلاً عن العلماء، والمشايخ، عن الدين الإسلامي، عن المجتمعات المسلمة، ويحاول أن يبيّن أن الغربيين خيرٌ منا وأنهم اهتدوا للأشياء وأنهم وصلوا للحقائق وأنهم أفضل من الأمة الإسلامية هذا لون من ألوان التضليل!.
د. عبد الرحمن الشهري: الله أكبر، لاحظوا القسوة في جزاء هؤلاء في الآيات حتى التي تقدمت في قوله سبحانه وتعالى (وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا) أعوذ بالله!، تشعر أن جلدك يقشعر عندما تسمع اللعن! انظر ثم يقول هنا في آخرالآية قال (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ)
د. مساعد الطيار: جميل، انظر التكرار
د. عبد الرحمن الشهري: (وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا) أعوذ بالله!! يعني تشعر أن هذا عقوبة في غاية القسوة (وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا). واللعن في اللغة هو الطرد والإبعاد، يقال رجل لعين بمعنى أنه بعيد، بعيد مطرود، مُبْعَد، ثم جاء اللعن في القرآن والمقصود به الطرد والإبعاد عن رحمة الله –سبحانه وتعالى-(أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ) (مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا) (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فلن تجد) أعوذ بالله!.
د. محمد الخضيري: لاحظوا هنا جاء الإظهار في مقام الإضمار قال (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ) ولم يقل ومن يلعنه، هذا فيه تربية المهابة وذكر أن الموقف خطير جدًا الذي يلعنه هنا من هو؟ الله! إذن ألا يخشى هذا الملعون من أن لا يبقى له مجال للرحمة أبدًا؟! ولاتدركه هذه الرحمة حتى وإن بانت له الحقائق وقامت له الحجج واتضح له الحق لايمكن أن ينصاع له هذا كله أثر من آثار لعنة الله التي أدركته نسأل الله العافية والسلامة!.
د. مساعد الطيار: في قوله (فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا) يعني هذه الخاتمة تتناسب مع قوله (وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ ) يعني إذا كان الذي لعنه هو الله فمن أين يأتيه النصير؟! يعني فلا ناصر له
د. عبد الرحمن الشهري: هذا يؤيد الآيات (وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا) في حق المؤمنين وهنا قال (وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا)
د. محمد الخضيري: نلاحظ هنا استعمل الضمير في مكانه قال (وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ) أظهر في مقام الإضمار
د. مساعد الطيار: (فَلَنْ تَجِدَ)
د. محمد الخضيري: (فَلَنْ تَجِدَ لَهُ)
د. مساعد الطيار: (نصِيرًا)
د. محمد الخضيري: لماذا لن تجد له نصيرا؟ لماذا أضمر هنا؟ إهمالاً لهم
د. عبد الرحمن الشهري: لهوانه
د. محمد الخضيري: لهوانه، مثلما قال –صلى الله عليه وسلم –" فمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ" لبيان ماذا؟ التعظيم والتفخيم. "وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَنكحها فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ" ولم يقل فهجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها من باب التحقير والتقليل من شأنه وهذا المقام هو المراد
د. مساعد الطيار: مقام التحقير. (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا) أي نعم فضيلة الشيخ الدكتور عبد الرحمن .
د. عبد الرحمن الشهري: طبعًا يشير الله سبحانه إلى بخل هؤلاء اليهود كما قال في الآية (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) وأنه خُلُق من أخلاق اليهود فيقول هنا أم لهؤلاء اليهود نصيب من الملك كيف لو كان لهم نصيب من الملك؟! (فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا) يعني بخلاً منهم وشُحًًّا
د. مساعد الطيار: (أم) تأتي بمعنى (بل ألهم).
د. عبد الرحمن الشهري: هذا يعني وارد واضح بل ألهم حظ؟ هذا تفسير المفسرين للآية، لكن الآية واضحة في سياقها طبعًا يعني الله -سبحانه وتعالى- يشير إلى بخل اليهود وحرصهم دائمًا على الاحتكار وعلى البخل بما آتاهم الله –سبحانه وتعالى- من فضله سواء كان ما أوتوه من المال أومن الملك أو من العلم، فكلها مما يبخل به اليهود. هنا قال (فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا) بخلاً منهم. والنقير أنتم شرحتموه قبل قليل وهو هذه النقرة الصغيرة في قفا النواة، نواة التمر فيها نَقرة كأنها نقرة برأس دبوس، هذه هي النقير، فالمقصود (لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا) يعني لايؤتون الناس شيئًا منهم يعني لبخلهم وشدة يعني حسدهم.
د. مساعد الطيار: هل الآية تشير إلى ما قبلها من حكمهم للكفارعلى المسلمين؟
د. عبد الرحمن الشهري: في قولهم (هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا)؟
د. مساعد الطيار: من باب ؟ وليس من باب التفسير ؟
د. محمد الخضيري: هذا واحد يظهر أنه يدخل هي تعقيب على ذلك الموقف بأنهم لا يمكن أن يقروا لأحد بفضل ولا يحكموا بالعدل ولو كان عندهم الملك ما آتوا أحدًا منه شيئًا لكن الله كتب عليهم الذل، لاحظ معي فتاريخهم منذ أن كتب الله في رقابهم الذل هم دائمًا مشتتون في الأرض لا مُلْك لهم ولا دولة تجمعهم إلا بحبل من الله وحبل من الناس، وهذا استثناء في التاريخ مثلما حصل لهم الآن من دولة هي الآن كيان منبوذ
د. مساعد الطيار: هي حبل الناس الآن لهم أمريكا وأوروبا
د. محمد الخضيري: قال (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) لاحظ لما جاء إلى الحسد عبّر عنه بصيغة ماذا؟
د. مساعد الطيار: المضارع
د. محمد الخضيري: المضارع، الفعلية، ليبين أن الحسد هذا مستمر معهم ولاينفكون عنه، كلما جاءت قضية أو جاءت منقبة للمسلمين فإن الحسد يتجدد لهم ويحاولون أن يُظهِروا أو يُبرِزوا هذا الحسد في كل المواطن ويظهر منهم.
د. مساعد الطيار: ما المقصود بالناس هنا؟
د. عبد الرحمن الشهري: طبعًا اليهود يحسدون غيرهم، يعني اليهود لا يعترفون بغيرهم، يعني كل من كان غير يهودي فهو عند اليهود في اللائحة السوداء ويسمونهم "الجويم" يعني غير اليهود ويبدو لي في قولهم (لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) هؤلاء الأميين هم غير اليهود،
د. محمد الخضيري: من العرب وغيرهم
د. عبد الرحمن الشهري: نعم، فاليهودي يتعامل مع غير اليهودي بشكل مختلف تمامًا عن تعامله مع اليهودي، يفعل ما يشاء مع غير اليهودي، أما مع اليهودي لا بد أن يلتزم بالقوانين وبالشرائع .
د. محمد الخضيري: هذا موجود بالمناسبة يظن بعض الناس أن هذه التعاليم أو هذه الأشياء التي ذكرتها دكتور عبد الرحمن أنها مما يقوله أعداء اليهود في اليهود هي موجودة في التلمود
د. مساعد الطيار: في التلمود عندهم
د. محمد الخضيري: نعم، من يقرأ هذا الكتاب أو لتفاسير لهذا الكتاب المقدس يجد هذه التعاليم بشكل قذر ولذلك يعتبرون هم أكبر عنصريين في العالم.
د. عبد الرحمن الشهري: ويتهموننا بالعنصرية!!.
د. محمد الخضيري: ويتهموننا بالعنصرية!
د. عبد الرحمن الشهري: وضد الساميّة والكلام الفارغ هذا
د. مساعد الطيار: وهو رمتني بدائها وانسلّت، وهم الآن أصحاب القوة يتحكمون بك من جهة القوة وليس من جهة العلم، ليست المسألة إحقاق الحق، الحق مع من؟ المسألة القوة مع من؟ والقوي هو الذي يحكم .
د. عبد الرحمن الشهري: لكن أدبيًا حتى أمام العالم أنهم في كتبهم هم أشد الكتب عنصرية وإقصاء للآخر، هو كتاب التلمود هذا
د. مساعد الطيار: لا شك، لكن المفسرون اتجهوا على أن الناس المراد به محمد –صلى الله عليه وسلم –وهذا يكون من العام الذي أريد به الخصوص (أَمْ يَحْسُدُونَ) كان المعنى أم يحسدون محمدًا على ما آتاه الله من فضله وهذا وقع منهم بلا ريب
د. عبد الرحمن الشهري: ما في ذلك شك، صحيح هو يدخل دخولاً أوليًا، نعم أنهم يحسدون النبي –صلى الله عليه وسلم –والصحابة الكرام –رضي الله عنهم- على ما آتاهم الله من الخير ومن الإسلام. ولاحظ أنه قال (عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) وقد أشار في الآيات السابقة قال (وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) والله تفضّل على اليهود وأعطاهم ورزقهم، فكتموا الحق، وأيضًا تفضل على محمد –صلى الله عليه وسلم –وعلى المسلمين فحسدوهم على هذا الفضل أيضًا فقال (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ). أيضًا في هذه الآية إشارة يا فضيلة الشيخ وهو في قوله (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهِ) كأن الذين يستحقون أن يوصفوا بأنهم ناس هم محمد –صلى الله عليه وسلم –وأصحابه، لأنهم هم الذين حققوا هذه الصفة، وما سواهم فإنهم كأنهم ما هم بناس، واضح هذا؟
د. محمد الخضيري: واضح
د. عبد الرحمن الشهري: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا* فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ) حتى اليهود هم من آل إبراهيم، أليس كذلك ؟
د. مساعد الطيار: بلى
د. عبد الرحمن الشهري: ذرية إسحاق عليه الصلاة والسلام يعقوب بن إسحاق وأبناء يعقوب هم أبناء إسرائيل، أليس كذلك؟
د. مساعد الطيار: نعم
د. عبد الرحمن الشهري: والله سبحانه لم يمتنّ عليهم بما صنعه إسماعيل هنا فلم يقل فقد آتينا آل إسماعيل الكتاب والحكم والنبوة وإنما قال آتينا آل إبراهيم الذين أنتم تدخلون فيه دخولاً أوليًا، ولذلك جاء في الآية التي بعدها فقال (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ) وهم محمد –صلى الله عليه وسلم-وصحابته الكرام ومن سبقهم إلى الإيمان، (وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ) ومن أمثال هؤلاء اليهود الذين كذبوا بالنبي-صلى الله عليه وسلم-
د. مساعد الطيار: كونه قال (فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) يقرِّب أن يكون الناس المراد به محمد –صلى الله عليه وسلم-لأن الكلام هنا واضح متناسق مع إبراهيم والنبوة .
د. محمد الخضيري: لو سمحتم !
د. مساعد الطيار: نعم .
د. محمد الخضيري: قبل قليل الدكتور عبد الرحمن تلا الآية فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكم والنبوة طبعًا هي الكتاب والحكمة، أيضًا في حلقة ماضية قلنا هذه الكلمة فقد آتينا آل إبراهيم واختلطت علينا بالتي في الأعراف (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ ) ففقط ننبه عليها حتى أيضًا تلك الحلقة أيضًا
د. مساعد الطيار: صدقت
د. محمد الخضيري: من سمع الآية فلينتبه.
د. مساعد الطيار: وأنا أكّدت قراءته هذه، فنعم فتصوب. الآن عندنا الكتاب والحكمة قال (وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا)
د. محمد الخضيري: الكتاب يعني الكتب
د. مساعد الطيار: الكتب المنزلة من الله –سبحانه وتعالى-صحف إبراهيم
د. عبد الرحمن الشهري ود. محمد الخضيري و د. مساعد الطيار: التوراة الإنجيل
د. محمد الخضيري: الزبور،كلها
د. عبد الرحمن الشهري: القرآن
د. مساعد الطيار: القرآن، الزبور هذه كلها ويدخل فيها بعد ذلك القرآن .
د. عبد الرحمن الشهري: القرآن لا شك أنه
د. محمد الخضيري: العجيب أننا لانعرف كتبًا غير هذه ولذلك هذا مصداق لقوله تعالى (فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ) فكلها كانت في آل إبراهيم، فهل هذا دلالة على أنها أشرف ما أنزل الله من الكتب واختصّت بالذِكر؟
د. مساعد الطيار: والله هذا صعب!
د. محمد الخضيري: ما يذكر، يعني نوح عليه الصلاة والسلام ما ذكر له
د. مساعد الطيار: لا، هو صعب، هو هناك فرق الآن بين أمرين يعني ما وصل إلينا وما لم يصل إلينا نحن نعلم يقينًا أن هناك رسل منهم من قصصنا عليك، ومنهم من لم نقصص عليك، وأن الله سبحانه وتعالى أنزل الكتب لكنه لم يبيّن لنا جميع الكتب وهذا هو الملاحظ
د. عبد الرحمن الشهري: لكنه بين لنا أنه لم يكن هناك نبي من الأنبياء أُرسِل إلا وآتاه الله –سبحانه وتعالى بينة ودلالة على صدق نبوته، وغالبًا أنها تكون هذه البينة من جنس الكتب مثل موسى العصا، لكن في الغالب أنه يكون في كتب تدل الناس
د. محمد الخضيري: لكن قصدي أنا لما ذُكِرت هنا (فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ) نحن الآن لايذكر عندنا في القرآن كتاب
د. مساعد الطيار: هو الحكمة أوتيت للأنبياء جميعًا
د. محمد الخضيري: لا، هذا، أقصد الكتاب الآن ما ذكر في القرآن إلا في آل إبراهيم، التوراة والإنجيل والزبور كلها في آل إبراهيم والله أعلم. الحكمة إذا قرنت بالكتاب المقصود بها
د. مساعد الطيار: سنة النبي الذي معه ذلك الكتاب
د. محمد الخضيري: إي النبوة
د. مساعد الطيار: أو النبوة يعني هما قولان للسلف إما تكون النبوة أو السُنّة فإذا كانت السنة فهي سنة كل نبي بحسبه وإذا كانت النبوة فانتهت يعني آتاه الكتاب والنبوة.
د. محمد الخضيري: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) الحكمة بمعنى السُنّة، قال بعض العلماء أن الحكمة إذا اقترنت الكتاب فالمراد بها السُنّة أما إذا خلت عن الكتاب فالأمر فيها أعم .
د. مساعد الطيار: أوسع
د. محمد الخضيري: (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا )
د. مساعد الطيار: (وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا)؟
د. محمد الخضيري: يعني بذلك آل إبراهيم
د. مساعد الطيار: آل إبراهيم، ولهذا آل إبراهيم يشمل من إبراهيم –عليه الصلاة والسلام –
د. عبد الرحمن الشهري: إلى محمد –صلى الله عليه وسلم –
د. مساعد الطيار: إلى محمد –صلى الله عليه وسلم –
د. عبد الرحمن الشهري: (ملكًا عظيما) ويدخل فيها طبعًا سليمان وداود
د. مساعد الطيار: كلهم، وهذا يشير إلى الوعد الإلهي لإبراهيم –عليه الصلاة والسلام –لأن الله –سبحانه وتعالى –اختص إبراهيم بالخُلّة ووعده بأن يجعل من نسله أمة عظيمة، والأمة العظيمة التي وردت في نسله أمتان أمة موسى -عليه الصلاة والسلام- وهي التي أخبر عنها الرسول –صلى الله عليه وسلم –في يوم القيامة أنه يرى تلك الأمة التي قد سدت الأفق فيظن أنه أمته فيقال له: هذا موسى وقومه، وأمة محمد –صلى الله عليه وسلم-وهي أعظم الأمم وأكمل الأمم وأشرف الأمم وأكثر الأمم تبعًا لنبيهم –صلى الله عليه وسلم-. فهذا الملك العظيم إذن الذي أوتيه آل إبراهيم جزء منه هو ما أوتيه محمد وهو أعظمها. طبعًا اليهود يعرفون هذا ويعرفون ما أوتيه موسى والمقدار الذي يؤتاه موسى ومن معه من تبعه، ويعرفون الوعد الإلهي للأمة الأخرى والأمة الأخرى هذه مرتبطة عندهم بالبكورية بمعنى أنه أول ولد بِكْر هو الذي يستلم ماذا؟ عندهم طبعًا أنه هو الذي يستلم الاصطفاء. لو رجعنا إلى تاريخهم سنجد أنه لما جاؤوا عند هذه المشكلة أرادوا أن يحلوها، كيف يستطيعون حلها وهم يعلمون أن اسماعيل هو ماذا؟ الإبن البكر، فحرّفوا أن أدخلوا في الذبح مثلًا "إذبح بكرك إسحاق" يعني ولهذا نقول من أراد أن يدرس كتب بني إسرائيل لا بد أن يعرف مصطلحاتهم، ماذا تعني البكورية والذكورة عند بني إسرائيل؟ ولذا لو قرأت أنت عندهم ما حصل من إسحاق وعيصو، وكيف سلب إسحق البكورية من عيصو، والخلاف الذي يريدونه في هذا، طبعًا على ما ورد في كتبهم لكن أقصد بذلك أن البكورية كان لها شأن عندهم، فهم أرادوا أن يسلبوا حق الأمة العظيمة التي أخبر عنها الله –سبحانه وتعالى -وهي أمة محمد بالتحريفات الكثيرة منها هذا التحريف "إذبح بِكْرك إسحاق" مع أننا نعلم أن البكر من هو؟
د. عبد الرحمن الشهري: هو إسماعيل
د. مساعد الطيار: إسماعيل بلا ريب، مما يدل على أنه وقع هنا تحريف وإنما أدخلوا إسحاق لكي يسلبوا ما يتعلق بالبكورية في اصطلاحاتهم. فإذن الآن لما أخبر الله سبحانه وتعالى في قوله (وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا) ويخبر عن آل إبراهيم، وأنهم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله مما حسدوا به هذا النبي الكريم هو هذا الملك العظيم الذي هو أعظم ملك أوتيه آل إبراهيم. يعني أعظم ملك أوتيه آل إبراهيم هو الملك الذي جاء لمحمد –صلى الله عليه وسلم –. ولهذا كل ما ورد في التوراة أو في أسفار بني إسرائيل بعدها عن هذا الملك العظيم وعن هذه الأمة العظيمة لايمكن أن تنطبق إلا على أمة محمد –صلى الله عليه وسلم –
د. عبد الرحمن الشهري: بالمناسبة ذكر الشيخ عبد الحميد الفراهي –رحمه الله – في كتاب له قيم جدًا الذي هو" القول الصحيح في تعيين الذبيح" وهو مطبوع في دار القلم ما أدري هل أطلعت عليه يا دكتور محمد؟
د. محمد الخضيري: لا، والله
د. عبد الرحمن الشهري: هذا الكتاب قيم جدًا تحدث فيه عن أوجه إثبات أن إسماعيل -عليه السلام – هو الذبيح من القرآن، ومن السنة، ومن كتب أهل الكتاب، ومن العقل فذكر مسألة مهمة جدًا قال: إن مسألة تحريف من هو الذبيح في التوراة والإنجيل هي أشد المسائل التي حرص اليهود على تحريفها، لأنهم يعلمون أن إثبات أن الذبيح هو إسماعيل يخرِّب عليهم كل عملهم
د. مساعد الطيار: وهذا صحيح ومنها هذه
د. عبد الرحمن الشهري: ولذلك يعني أنا كنت تنبهت في جلسة أذكرها في بينات ربما فكرت في قوله سبحانه وتعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ) في سورة آل عمران لماذا جاءت هذه الآية بعد قوله –سبحانه وتعالى-(إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ )
د. محمد الخضيري: سورة البقرة
د. عبد الرحمن الشهري: سورة البقرة، سورة البقرة نعم. فربط الفراهي هذه الكلمة هذا الموضوع بشكل رائع جدًاوقال إن الله سبحانه ذكر قال (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ) الصفا والمروة مرتبطة بمن؟
د. مساعد الطيار: بإسماعيل
د. عبد الرحمن الشهري: بإسماعيل، بإسماعيل وجاء بعدها (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ) فيه إشارة إلى اليهود لأن هذه المسألة وهي مسألة الذبيح من أشد المسائل التي حرصوا على طمسها من كتبهم لأنها هي التي تلخبط كل دراساتهم.
د. محمد الخضيري: عجيب والله.
د. عبد الرحمن الشهري: كلام رائع جدًا.
د. محمد الخضيري: استنباط بديع .
د. مساعد الطيار: لا، واضح في كتبهم، واضح جدًا جدًا وصف إسماعيل بأن الله ينميه وأنه يبعث له أمة عظيمة وهذا موجود عندهم لكنه كما ذكرت فكرة البكورية عندهم كانت لها أثر، وما أدري هل الفراهي إلتفت إلى هذه أم لا؟
د. عبد الرحمن الشهري: لا ما أذكر، فكرة البكورية.
د. محمد الخضيري: بعدما انتهى من ذكر هذه الأخلاق لليهود،كأن الآن انتهت فأنا أريد الحقيقة أن نحصيها إن رأيتم ذلك.
د. مساعد الطيار: لو فقط نكمل (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ) ثم بعد ذلك نرجع لها، لأنه حتى ما ندري عن الوقت
د. محمد الخضيري: أنت الآن يعني مدير الحلقة فنحن يعني
د. مساعد الطيار: والله حتى ننتهي على مقطع أحسن من أن نعيد في الحلقة القادمة فأعطنا يا أبا عبد الله في الآية
د. عبد الرحمن الشهري: طبعًا ذكر الله أنه آتى آل إبراهيم الملك والكتاب والحكم والنبوة، ثم انقسم الناس إلى فريقين منهم من آمن به وصدّق بما جاء به إبراهيم ومن جاء بعده مصدقًا له من الأنبياء، ومنهم من كفر به كما صنع هؤلاء اليهود المكذبون بالنبي –صلى الله عليه وسلم- وتلاحظ أنه قال (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ) ولاحظوا يا إخواني سبحان الله العظيم في القرآن الكريم قضية الإيمان والتسليم مسألة أساسية في حياة المؤمن، أليس كذلك؟ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا) (الَّذِينَ آمَنُوا) (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) سواء في عهد النبي إذا كان الحديث عن النبي –صلى الله عليه وسلم-وأمته أو كان الحديث عن الأنبياء السابقين وأممهم كيف أن وصف الإيمان ومعناه التسليم أليس كذلك؟ والانقياد والطاعة لله سبحانه وتعالى صفة مدح، لاحظ، قال (وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ) وأن الكفر هو صدود عن الحق وصد عن الباطل ويصدون عن سبيل الله، قال (وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا)
د. مساعد الطيار: قدّم أهل الإيمان يا شيخ محمد، هل في ملحظ في سبب تقديم أهل الإيمان؟
د. محمد الخضيري: لا شك أن التقديم تشريف في هذا المكان وأنه أراد أن يكرمهم وأن يعلي قدرهم ويبين أنهم هم الأحق فقال (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ )خصوصًا مع وضوح ذلك الحق وظهوره وأن الدلائل قائمة عليه. (وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ) حتى أيضًا فيها فائدة أخرى وهي حتى يصح عود الضمائر لما يقول (آمَنَ بِهِ) (وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ) أي عن الإيمان أيضًا
د. مساعد الطيار: في فائدة أعرض
د. محمد الخضيري: أعرض
د. عبد الرحمن الشهري: في فائدة يا فضيلة الشيخ في قوله سبحانه وتعالى (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) ثم أراد الله –سبحانه وتعالى-أن يذكر شيئًا من الفضل الذي آتاه آل إبراهيم فقال (فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا) سبحان الله العظيم يا إخواني فضل الله إذا فتحه ليس له حد، انظر إلى إبراهيم –عليه الصلاة والسلام-كان مطرودًا طرده والده أليس كذلك؟ فخرج على وجهه-عليه الصلاة والسلام- ثم انظر كيف كانت ذريته إلى اليوم هي التي آتاها الله الكتاب وقدّمه، الكتاب يا أخي تخيل!
د. مساعد الطيار: كلنا ننتسب إلى إبراهيم، أيّ مسلم من أي جنس كان في النهاية ينتسب لإبراهيم.
د. عبد الرحمن الشهري: وأجمعت عليه اليهود يعتبرونه ويؤمنون به، والنصارى يؤمنون به، لكن لاحظ فضل الله إذا اختص به (يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ) يعني آتيناه (الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا) الملك يعني ماذا وراء ذلك؟!
د. مساعد الطيار: والعجيب-وهذا لعله يفيدنا- في عدم تعجل النتائج إبراهيم لما وُعد هذه الوعود لم يرها–عليه الصلاة والسلام- في وقته وقد مات-عليه الصلاة والسلام- وأبناؤه كانوا قِلّة لم يذكر له –طبعًا على حسب ما عندنا -إلا إسماعيل وإسحاق، واليهود يذكرون في كتبهم أبناء آخرون لكن لم يرد إلا إسماعيل وإسحاق.
د. عبد الرحمن الشهري: ومتى جاؤوه؟! على كِبَر ومشقة
د. مساعد الطيار: وهذا والله نحتاج أن نتأمل ونعتبر في قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وأن الإنسان ليس مربوطًا بهذه الدنيا نحن مع الأسف ارتبطنا بالدنيا ارتباطًا كبيرًا جدًا وإنما الإنسان ينظر إلى ما سيأتي بعد. إعمل لكي يبقى عملك بعدك فهو الثمرة العظيمة وهو الذي يبقى بإذن الله في تمام الإخلاص لأنه خلاص انقطعت أنت عن كل شيء ويأتيك من جراء عملك، وكل فضل وفضيلة في هذه الأمة فهي ترجع إلى محمد –صلى الله عليه وسلم-وكذلك ترجع إلى إبراهيم -عليه الصلاة والسلام -. ولعلنا نقف عند هذه الآية ونبتدئ إن شاء الله مع الدكتور محمد-بإذن الله- في اللقاء القادم بذكر هذه الصفات التي ذكرت في بني إسرائيل، وأستميح أخوي الكريمين وأستميحكم أيها الإخوة والأخوات المشاهدون جميعًا أن نقف. فسبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لاإله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك .
بُثّت الحلقة بتاريخ 26 رمضان 1431 هـ
 
الحلقة 27
تأملات في سورة النساء من الآية (56) إلى الآية (57)
د. الطيار: بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. أحيّيكم أيّها الإخوة والأخوات في هذا المجلس المبارك إن شاء الله مع أخويّ الفاضلين الدكتور محمد الخضيري والدكتور عبد الرحمن الشهري حفظهم الله, نأخذ بعض آياتٍ من كتاب الله من سورة النساء وننظر ما فيها من المعاني والعِبَر. وقبل أن نبتدئَ بهذا المجلس نستمع إلى الآيات الكريمات:
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56) وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً (57)
كان أخي الدكتور محمد أراد أن يُعدِد الصفات التي تُوصِف اليهود, وقد استمحته عذراً أن نُنهيَ المقطع, ووعدتُه بأن نعود مرةً أخرى إليه لننظر إلى الصفات التي وصف الله سبحانه وتعالى بها اليهود فلو تفضلتم دكتور محمد
د. الخضيري: طبعاً ابتدأت هذه الصفات من الآية التي فيها قول الله عز وجل (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) حيث ختمت بقوله (إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا) فهي أول صفة، صفة الكِبر وهي أعظم ما يصدّ الإنسان عن الحق. ثمّ ثنّى بالبخل, العجيب أنّه كما ابتُدأت بهاتين الصفتين خُتمت أيضاً صفات اليهود في هذا المقطع كله بهاتين الصفتين, فقال في ختام المقطع (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ) وهذا بُخل (فَإِذًا لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا (54) فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ) كِبْراً. لاحظ ابتدأ بالبخل و الكِبر واختتم بالبخل والكِبر. الخصلة الثالثة يأمرون الناس بالبخل. الرابعة يكتمون ما آتاهم الله من فضله, نعوذ بالله من الخذلان. الخامسة: طبعاً لو قلنا (والذين ينفقون أمولهم رئاء الناس) فيهم أو في كفار مكة المهم تكون هي خامسة, (لايؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) قلنا هذه في كفار مكة
د. الطيار: لندع هذه الآية كلها في كفار مكة, سيأتينا من صفاتهم
د. الخضيري: ثم جاء بعد ذلك إلى صفات اليهود بشكل آخر فقال
د. الطيار: في آية (51)
د. الخضيري: لا، في قوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ) واحد وخمسين أو أربع وأربعين يا أبو عبد الملك؟
د. الطيار: لا، المعذرة أنا أخطأت أربع وأربعين
د. الخضيري: (يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل) هذا أيضاً من صفاتهم, ثم أيضاً من صفاتهم (يحرفون الكلم عن مواضعه), من صفاتهم أنهم يمعنون في المعصية يقولون سمعنا وعصينا, ومن صفاتهم عدم التأدب مع الكبار وأكبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (واسمع غير مسمع وراعنا ليّاً بألسنتهم وطعناً في الدين). من صفاتهم الطعن في الدين, أيضاً من صفاتهم التي ذكرها الله عز وجل أنهم يزكّون أنفسهم, ومن صفاتهم أنهم يفترون على الله الكذب, ومن صفاتهم أيضاً أنهم يؤمنون بالجبت والطاغوت, ومن صفاتهم أنهم يكْذِبون في الحكم فيقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلًا, ومن صفاتهم أيضاً أنهم كما ذكر الله عز وجل في غاية ما يكونون من البخل بما يؤتَوْن, وهذه صفة قد تقدّمت, ومن صفاتهم الحسد. الحقيقة إبن القيم وقف وقفة جميلة جداً في صفة الكِبْر والحسد وبيّن أنهما أهم وأعظم أصول الكفر يعني ما كان كفرٌ إلا بهما, الكِبْر والحَسَد, الكِبْر يمنع الإنسان عن قبول الحق, وكذلك الحسد يعني يتفرع منه فيحذر الإنسان من أن يتخلق بهذا الخلق أو يحصل عنده -نسأل الله العافية- شيء منهما فإنه يمنعه هذا الخير العظيم قبول الحق والدعوة إليه والإيمان به وإلى آخره
د. الطيار: لعلنا نبتدئ إذن بقول الله سبحانه وتعالى وهو مقطع جديد (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا). طبعاً قوله (إن الذين كفروا بآياتنا) لو أردنا أن نربطها بالمقطع السابق, نلاحظ المقطع السابق أغلبه في اليهود ولا شك أنّ اليهود ماذا؟! كفّار، فلمّا قال: (إن الذين كفروا بآياتنا) واليهود ممّن كفر بآيات الله كأنّها إشارةً إلى عذاب هؤلاء اليهود أولاً, وإلى من اتصف بالكفر ثانياً, قال (سوف نصليهم ناراً)
د. الخضيري: لأن فيها الحكم عليهم بالكفر
د. الطيار: وفيها أيضاً حكم عليهم بالكفر
د. الخضيري: لأنه لم يقل (إنهم) وإنما أظهر في موطن الإضمار إذا قلنا أنها في اليهود
د. الطيار: قال (سوف نصليهم) وهذا يدل على الاستقبال ودال على البعد فرق بين "سـ" و"سوف" نصليهم ولمّا قال: (سوف نصليهم ناراً) سبق أن أخذنا معنى الصلي في النار وهو الدخول على سبيل الشيّ أنهم يشوون فيها
د. الخضيري: يعني يدخلون فيها ويُقاسون حرّها
د. الطيار: ويقاسون حرها نعم, وقال (ناراً) ونكّرها للتعظيم والتفظيع والتهويل
د. الشهري: ناراً عظيمة
د. الخضيري: وأيضاً فظّع هذا الأمر -إذا صحّ هذا الفعل فظّع-, سوف "نـ" النون
د. الطيار: نون العظمة
د. الخضيري: أي من فعل الله عز وجل وهذا يدل على شدة ما سيكون لهم من العذاب!
د. الطيار: هذا أيضاً صحيح, هنا الآن قال يعني جاء بالعموم, ثم ذكر نوعاً من العذاب الخاص متعلق بالجلود, قال (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا) ولعلّ الدكتور عبد الرحمن يُعلِق على هذه
د. الشهري: طبعًا هذه الآية جاءت أشبه ما تكون بقاعدة يعني لكل ما تقدم, الله سبحانه وتعالى ذكر صفات الكفار وذكر صفات اليهود وذكر أخلاقهم وحذّر منها وذكر الذين آمنوا بإبراهيم عليه الصلاة والسلام واستجابوا لدعوته ودعوة أبنائه من الأنبياء حتى نبينا صلى الله عليه وسلم، وذكر الذين يصدون عنها من هؤلاء اليهود وأمثالهم من المشركين عرب وغيرهم, ثم ذكر خلاصة قال (إن الذين كفروا) من كل هؤلاء الأجناس ومن كل هؤلاء الأمم وممن سيأتي فيما بعد (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا) كما تفضلت عظيمة ( كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ) ذكر يعني هذه الصورة التي تُقرّب شدة العذاب لعقولنا نحن البشر, والإنسان منّا إذا مسته النّار فالذي يحترق هو جلده هو أول ما تمسّه النّار تمسّ الجلد, وأول ما يلسعه الشيء من الألم هو الذي يصيب الجلد لأن الجلد هو الذي يحتوي على خلايا الإحساس، مراكز الإحساس فيقول (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ) يعني الآية واضحة في فكرة التعذيب أنّ الله سبحانه وتعالى يُصليهم على النّار ليُقاسوا حرّها كما تفضلتم, فإذا نضجت الجلود وأصبحت لا تؤدي الغرض من الإحساس بالألم قال (بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا). الآية واضحة أنّ الله سبحانه وتعالى يُغيّر الجلود تماماً, قال (بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا). مع العلم أنّك الآن عندما تقرأ في بعض الكتب يقولون لا يُبدّل الجلود وإنّما تتغير تركيبة خلايا الجلد لكي تصبح متجددة يعني أولاّ مثل هذا الذي في النار وفي الجنة من أمر الغيب المطلق لا يمكن أن تطّلع، لا يدخله القياس وإنما هو أمر غيب مطلق لا نعرف منه إلا ما أطلعنا الله عليه فقط أليس كذلك؟! الله يقول (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا) لماذا يا رب؟! قال (لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ) فيكفي أن نستنبط من هذه الآية معنى أن الله نصّ على الجلود لأنّ هي التي يكون فيها الإحساس بالألم أشد فقط هذا يكفينا, وفيها إشارة إلى شدة العذاب الذي يُقاسيه الكافر في النار , نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكفينا حرّها وعذابها
د. الخضيري: خصوصاً إذا علمنا يا دكتور عبد الرحمن أنّ غِلَظ جلد الكافر في النار مسيرة ثلاثة أيام, إذا كان هذا غلظ جلد الكافر وثبت في الحديث الصحيح مسيرة ثلاثة أيام يعني أن هذه النار تعمل في هذا الجلد عملاً عظيماً فيقاسي الكافر عذاباً أليماً حتى يحترق هذا الجلد ثم يُعاد بناء هذا الجلد من جديد. يُبدّله الله بجلد آخر حتى يُقاسي العذاب مرة بعد أخرى. يا إخواني ننتبه هذا الكافر لا يُبعث يوم القيامة على نفس الهيئة أو الجسم الذي أنتم ترونه لا بل يُعظّم لأنه إذا عُظّم عَظُمَ عليه العذاب, مقعد الكافر يوم القيامة قال النبي صلى الله عليه وسلم يكون كما بين مكة والمدينة وضرسه مثل جبل أُحُد يعني شيء!
د. الطيار: أحد كم كيلو؟!
د. الخضيري: إذا كان ضرسه مثل جبل أحد, إذن كيف هو بقية جسده؟! إذن هو خلقه عظيم جدًا, ومع ذلك يأتي العذاب فينضجه ويحرق جلده ثم إذا أحرقه لم يذهب إلى الفناء فيرتاح وينتهي كما قال الله عز وجل (لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا) وقال في سورة الأعلى (ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى) لا يموت موتاً يستريح به ولا يحيا حياة كريمة يهنأ بها, نسأل الله العافية والسلامة
د. الشهري: لاحظ الختام (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا)! يعني لاحظ أن التعذيب ما هو عن اعتباط وعن جهل, إنما هو عن حكمة وأيضاً عن قوة وقدرة, عِزّة بمعنى القدرة بمعنى الامتناع والحكمة التي تدل على أن الله سبحانه وتعالى لا يظلم الناس شيئًا سبحانه وأنّ تعذيبه لهؤلاء وأنّ هذه الشدة في التعذيب عن حكمة وعن علم
د. الخضيري: وعزته مقرونة بحكمة وحكمته مقرونة بعزة, ونحن نرى أنّ كثير ممن يؤتون العزة في الدنيا تجد أن العزة تجعلهم لا يكونون من الحكماء بل يكونون من الحمقى أو من ذوي الهَوَج في التصرفات وفي الرعونة يبطش في غير مكان البطش ويُسيء الأدب مع غيره طبعاً لغلبة القوة عليه, وبالعكس تجد الحكيم ضعيفاً, أمّا الله جل وعلا فإنّ عزته مقرونة بالحكمة لا تتخلف عنها مثقال ذرة وأنّ حكمته مقرونة بالعزة لا تتخلف عنها مثقال ذرة
د. الطيار: والعجيب أنّ هذين الاسمين
د. الخضيري: أنّ هذين الاسمين يقترنان كثيرًا في القرآن صحيح
د. الطيار: العزة والحكمة, طبعاً من ألطف ما وقع اقترانهما في قوله سبحانه وتعالى (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم)
د. الخضيري: طبعاً كلمة عزيز, آسف، تفضل
د. الطيار: تفضل
د. الطيار: أنا فقط أردت أن أضرب مثالاً بألطف ما وقع في هذا الموطن وسبق طبعاً الإشارة إليها في حلقات سابقة
د. الخضيري: العزيز مأخوذ من أرض عَزاز يعني ممتنعة، يعني ما تغيص فيها الأقدام. فمعنى عزيز يعني ممتنع على من أراده بسوء, ومعنى عزيز قوي, أيضًا معنى القوة وبمعنى أيضًا غالب وقاهر, فمعنى عزيز يعني غالب قوي ممتنع على من أراده بسوء يعني يجمع هذا كله, وحكيم تجمع أيضًا معنيين: حاكِمٌ يحكم على الأشياء بما يشاء سبحانه وتعالى ومُحكِم للأشياء ذو حكمة بالغة، الحكمة
د. الطيار: ثلاثة إذن: حاكم ومُحكم متقن وذو حكمة , وذو حكمة هي التي أشرنا إليها قبل قليل في التفسير. لما قال (والذين آمنوا)
د. الشهري: يعني جاء بالصورة المقابلة كما قال في الآية التي قبلها: (فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ) جاء هنا عكسها
د. الطيار: هذا مثال رابع في قضية التقديم والتأخير المتوالي. قال: (والذين آمنوا) بعض الناس يقول الرابع قد يقول سمعنا لأول مره ونحن في حلقة من الحلقات تكلمنا عند قول الله سبحانه وتعالى لنربط فقط المشاهد في قول (وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ) وبعدها قال (وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ اللّهُ) فقلنا يأتي في آيات متوالية ذِكر شيء تقديم شيء وتأخير آخر ثم يقدم المؤخر ويؤخر المقدم فنفس القضية لما قال: (فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا) أنت فتحت لي أن نقول لماذا بدأ بالذين كفروا؟ لاحظ سبحانه وتعالى الارتباط (وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا) فصار تناسب وهذا يُسمّونه اللفّ والنشر غير المرتب أو المعكوس. فلمّا قال (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً) أنا فقط هناك فائدة لغوية إن سمحتم كانت في ذهني في الآية الأولى, يكثر حتى عند بعض المتعلمين بل بعض من المتقدمين في العلم وقد تصل إلى حدّ الأشياخ أنّه إذا جاء إلى "كلما" كررها
د. الشهري: كلما أعطيتك
د. الخضيري: كلما أنكرتني
د. الطيار: كلما أعطيتك كلما أنكرتني, و"كلما" الثانية خطأ موضعها لأنّ "كلما" لها فعل وجواب لأنها شرط فتقول كلما أعطيتك أنكرتني مثلًا (كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله) (كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ) وهنا (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ) ولم يأتِ كلما نضجت جلودهم كلما بدلناهم, فتكرار "كلما" هذا من الأخطاء اللغوية, نرجع إلى
د. الخضيري: طبعاً هذا الخطأ سبحان الله ما شاع إلا في الفترات الأخيرة بعد كثرة وسائل الإعلام, وكثير من الناس الذين يكتبون دون أن يكونوا متمكنين في علم اللغة وإلا هو ما يعرف في كتب المتقدمين أي ليست من الأخطاء التي
د. الطيار: (والذين آمنوا) هذا عطف على (الذين كفروا) يعني عطف قصة على قصة (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَار) طبعًا وقف العلماء عند قوله (تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَار)
د. الخضيري: أنا والله عندي سؤال يا أبو بعد الملك أريد أن أسألك صراحة في قوله (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ) طبعاً هذه الآية يستشهد بها كل من يتحدث عن الإعجاز العلمي في أنّ القرآن سبق إلى بيان أنّ الجلد هو مكان مركز الإحساس, والحديث عن الإعجاز العلمي حقيقة تعرفون يعني كثر فيه اللتّ والعجن وغيره, هل من كلمة في هذا الموضوع على أساس أن يستبين الناس الطريقة الصحيحة في التعامل مع هذا اللون من العلوم؟؟
د. الطيار: طبعاً هو عندنا الحقيقة من المشكلات في هذا الموضوع هو تسميته أصلًا بكونه إعجاز, وهذا حَرَف يعني مسار هذه القضية إلى مسار آخر غير مسار التفسير. ونحن نقول أولاً عندما ننظر إلى القضية العلمية التي ثبتت في الوقت في العصر الحالي هل ثبت أيضًا عندنا يقيناً أنها لم تُعرَف في العصور السابقة؟! هذه واحده, ثم أيضاً هل هذه القضية مما لا يدرك إلا بوسائل أو يمكن أن يدرك من خلال النظر في الآيات؟! هذه قضية ثانية , القضية الثالثة إذا ثبت أنها لا تدرك إلا بالوسائل الحديثة ولم تدرك سابقاً فيأتي الآن العمل عمل تفسيري وليس له علاقة بإعجاز لا من قريب ولا من بعيد العمل كله عمل تفسيري بمعنى أنه يأتي إلى طاولة المفسرين الكلام الآن فنأتي مثلًا إلى مثل هذه الآية إذا ثبت أن مركز الإحساس الجلد, ماذا قدمت لي أنت الآن في معنى الآية في معناها؟ هل قدم معنى جديدا؟! لم يقدم معنى جديدًا, هل هناك نوع من الاستنباط؟! ليس هناك أي نوع من الاستنباط في مثل هذه القضية يعني مجرد فقط تعليل لسبب ذكر الجلود وتعليل سبب ذكر الجلود الآن ليس له علاقة بقضية التفسير لأنك إنما ذكرت لي علة ذكر الجلود (بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ) لماذا بدّل الجلود نصّ على تبديل الجلود دون غيرها؟! تقول لأنّ الجلد هو مركز الإحساس. إلى الآن هنا إلى هذه القضية هذه القضية ليس لها علاقة الآن محورية في معنى التفسير بطريقة فهم معنى الآية
د. الخضيري: لا، نحن لا نتحدث عن التفسير هو الحديث عن أنّ القرآن لمّا اكتشف الناس أن الجلد هو مركز الإحساس, قلنا لهم أنّ القرآن سبق هذا الأمر لبيانه وإيضاحه من خلال هذه الآية, فطبعًا هؤلاء الذين يتحدثون عن هذا الأمر أو اكتشفوه يستغربون أن القرآن أشار إليه وهم ليس لهم به علم مسبق. فيقال إن هذا يعني إعجاز قرآني بمعنى أن القرآن سبق حديثه عن هذه القضية التي لم يكن الناس يعلمونها كل ما علمه الناس في هذا الباب. فما لذي يمنع من كون اعتبار هذا الأمر يعني إعجازاً؟
د. الطيار: هو الأصوب عندي في نظري طبعًا نمط الإعجاز العلمي بني عليه أشياء كثيرة فيها إشكالات, نقول هذا دليل صدق للقرآن، يعني من أدلة صدق القران أنه دلّ على هذه القضية التي لم تدرك عند جميع العالمين إلا بهذه
د. الخضيري: كلمة دليل صدق أنا أبدلها فقط بإعجاز يعني هل في
د. الطيار: طبعًا الموضوع ليس بموضوع يعني لولا لما لابس هذا المصطلح من مشكلات علمية وما بني عليه أيضًا من قضايا عقدية أو حتى قضايا دعوية مزعومة لما كان فيه إشكال, ولهذا الأسلم أن تُربط القضية بما تدل عليه فقط دون التزيد فيها, فقضية إعجاز علمي سيكون فيه تزيد كبير جدًا وسيبنى عليها أن هذا الإعجاز عند من يقول به هل هو قضية ظنية أو قضية يقينية؟! وهل يتحدى به أو لا يتحدى به؟! طبعًا بناء بالنظر بما يقوم به من له عناية بالإعجاز العلمي, ننظر أنهم ينتقلون إلى قضية التحدي ويدّعون اليقينيات في هذا الأمر, مع أننا نعلم أن كل هذه الأمور ظنية, فنقول أنه بني على هذا المصطلح قضايا فيها خطأ كبير وفيها انحراف كبير جدًا عن أصل المسألة فإذن نردها إلى أصلها, فنقول هذا دليل صدق مثل ما نقول (فتمنوا الموت إن كنت صادقين) لم يتمنَ أحد من اليهود الموت فدليل صدق للقرآن, فالقرآن أخبر بهذه القضية وأثبتها العلم هذا دليل صدق القرآن. هذا عندي أسلم نظرًا من أن نقول الإعجاز العلمي ونبني عليه كما قلت كما ذكرت لك بعض القضايا التي فيها إشكال من خلال التطبيقات الموجودة
د. الخضيري: لكن إذا أساء الناس التطبيق يعني هل هذا يؤثر على استعماله الصحيح لها في مواردها أنا ما أرى أن فيه يعني
د. الطيار: لا لأن أول خلل وقع هو أن الإعجاز تعريف الإعجاز العلمي صار تقييدًا خاصًا عند هؤلاء ليس له علاقة بتعريف الإعجاز العلمي عند العلماء السابقين, يعني مثلًا آتي أنا وإياك لقضية معينة اكتشفناها في القرآن ثم لها سابق, والعلماء هي مرتبطة مثلًا بالمكي والمدني وقالوا نصطلح عليها النص الاصطلاح نقطع عليها على المكي والمدني قطعًا كاملًا ثم نبدأ نبني على هذا المصطلح الجديد أفكارنا وعلومنا وأنواع ومعارف متعددة هل هذا الآن سليم علميًا؟! الجواب لا, فهذا من أكبر المشكلات بداية الانحراف هو في انك اجتزأت الإعجاز العلمي وأخرجت له تعريفًا خاصا مستقلا عن الإعجاز المعروف عند العلماء السابقين, ثم بدأت تبني على ما أنت اصطلحت عليه في هذا هذه أنواع المعارف التي تمت كتعريفه، ماذا يبنى عليه من قضية التحدي والقضايا الأخرى ودعوة الغرب بهذا إلى آخره, طبعًا الموضوع يطول لكن نقول وهذه فائدة انتبه لها أن كون القران يدل على بعض ما يكتشف اليوم هذا ليس فيه غلط وليس فيه إشكال هذا كثير ويوجد ولكن هو يتفاوت وهو ظني فقد أدعي أن الآية دلت على هذا المعنى إدعاء مني أنا وظني قد توافقني عليه وقد لا توافقني, ولهذا يجب أن ننتبه لها أن هذه المسألة يجب أن ترتبط بقضية الدلالة الظنية بخلاف السنة, السنة الدلالة فيها صريحة (إذا سقط الذباب في إناء أحدكم فليغمسه فإن في أحد جناحيه داءً وفي الآخر دواءً) كلام صريح لا يحتاج التأويل. ولهذا القضايا التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في ما يسمى بالإعجاز بالسنة طبعًا هذه مشكلة أخرى لاحظوا دخل الإعجاز في السنة, الدلالة فيه صريحة تمامًا ليست كالقرآن الدلالة فيه ظنية احتمالية, فرق بين دلالة القرآن ودلالة السنة, لكن أياً ما كان هي في النهاية دلالة صدق فلما نضعها في موضعها الطبيعي ما يكون فيه إشكال والإشكالات التي نجدها اليوم في ما يتعلق بالإعجاز العلمي
د. الشهري: طبعاً الآية التي ذكر الله فيها جزاء المؤمنين المصدقين جاءت في مقابل الآية التي ذكر الله فيها جزاء المكذبين الكافرين أليس كذلك؟! فقال (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا) هم كفروا كفروا بماذا يا رب؟! قال كفروا بآيات بعلامات بأشياء بينات واضحة وآيات من؟! قال (آياتنا) ولك أن تتخيل كيف كانت هذه الآيات المنسوبة إلى الله تعالى, من الوضوح أليس كذلك؟! وضوح وحجة واضحة, قال (كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ) ثم يقول في الآية الثانية (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ) هناك قال (سنصليهم ناراً) هنا قال (سَنُدْخِلُهُمْ) ولاحظ الفرق بين سنصليهم وسندخلهم
د. الخضيري: (سوف نصليهم) وهنا (سندخلهم)
د. الشهري: هنا عبر بالصلي إشارة إلى العذاب والإهانة وهنا قال: (سندخلهم جنات تجري من تحتها)
د. الطيار: أيضاً تسويف هناك "سوف" وهنا "سـ"
د. الشهري: للإشارة إلى أنّ سرعة إكرام المؤمنين بإدخالهم إلى الجنة. قال (سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) دائمًا تلاحظون في القرآن الكريم أنه يصف الجنات بأنها تجري من تحتها الأنهار, فيها إشارة إلى أنّ الماء يا إخواني من علامات النعيم أليس كذلك؟! كيف حياتك أنت بدون ماء أعوذ بالله تصبح حياة الناس جحيم بدون ماء أليس كذلك؟! لا يستطيعوا أن يعيشوا, في الآخرة أيضا قال تجري من تحتها الأنهار,
د. الطيار: ثلاثة يجلين الحَزَن
د. الشهري: ثلاثة تجلو عن القلب الحزن الماء والخضرة والوجه الحسن
د. الطيار: نعم وهذا كله متحقق
د. الشهري: قال (تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا) تذكرون في الأول عندما تحدث عن الحدود (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا) قال (وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا) فتكلمنا عن لماذا قال في أهل الجنة خالدين فيها؟! للإشارة إلى أنّ من كمال نعيم أهل الجنة أن يكون مع أصحاب له في الجنة (على سرر متقابلين) ثم قال: (خالدين فيها أبدا) إشارة إلى كمال النعيم يعني لا تهتم ولا تحمل الهمّ. قال: (لهم فيها أزواج مطهرة) لماذا شيخ محمد يكرر دائمًا أزواج مطهرة أزواج مطهرة, في الدنيا الأزواج ما هم مطهرات؟!
د. الخضيري: طبعاً لا شك أنّ من يعلم أزواج الدنيا أو يعرفهن يعلم أنّ من أعظم أسباب النقص فيهن وعدم كمال الاستمتاع بهن عدم الطهارة, بمعنى أنّ المرأة في الدنيا يصيبها الحيض والنفاس ويخرج منها أكرمكم الله يعني البول والغائط والمخاط وغير ذلك من الأشياء التي تتقذر منها النفوس, أمّا الأزواج في الجنة فهنّ في طهارة كاملة طهارة تنتظم نوعين: طهارة حسية وطهارة معنوية, أمّا الطهارة الحسية: فهي فيما ذكرنا وغيرها أيضًا, وأمّا الطهارة المعنوية: فهنّ ليس عندهن غيرة وليس عندهن حسد وليس عندهن كبر ولا نشوز على أزواجهن ولا التفات إلى غير الزوج وخصوصاً أنه ذُكر في هذا الآيات أو في هذه السورة بعض ما يحصل من النساء من الخلال التي تكدر صفو الحياة الزوجية (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ) فهنا (لهم فيها أزواج مطهرة)
د. الشهري: (وندخلهم ظلًا ظليلًا) يعني صورتان متقابلتان: صورة أهل الجنة وصورة أهل النار وكيف يدخلونها هؤلاء قال (سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) وقال هنا (سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا) ثم يقول (وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً)
د. الخضيري: لما ذكر الأزواج وكانوا السَكَن للإنسان في الدنيا ناسب أن يذكر بعده المكان الذي يستظلون به كأنه أيضًا سكن ثاني, كما أنّ الإنسان يأنس بالمكان الذي يستظل به أيضًا يأنس بالزوجة التي يركن إليها فجمع لهم هذا وهذا
د. الطيار: بالفعل هو وصف (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) (أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَة) وليس ظل فقط وإنما (ظِـل ظَلِيل)
د. الشهري: يعني يتحقق فيه أجمل مافي الظل, جاءت الآن الآية
د. الخضيري: عن إذنك يا أبا عبد الله في قوله (جنات) لم يقل جنة ليبين أنّ الذي يناله المؤمن في الآخرة ليست جنة واحدة بل جنات مختلفات, ولذلك قال في سورة الرحمن (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) ثم قال بعدها (وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ), قال النبي صلى الله عليه وسلم (جنتان آنيتهما وما فيهما من ذهب, وجنتان آنيتهما وما فيهما من فضة) ليبين أنّ المؤمن في الآخرة له ألوان من النعيم ليس لها منتهى ولا يستطيع أحد أن يحدّها ولعلّنا نوضح هذا بحديث عظيم جدًا أن آخر إنسان يخرج من النّار فيدخل الجنة يقول الله له عز وجل: أُدخل الجنة فيقول كيف أدخلها وقد امتلأت بأهلها؟! فيقال: ادخل فإنّ لك مثل مُلْكِ من ملوك الدنيا ومثله ومثله ومثله ومثله, كم هذه يا شيخ؟!
د. الشهري: خمسة
د. الخضيري: وعشرة أمثاله, وعشرة أمثال الخمسة
د. الطيار: يعني خمسين
د. الخضيري: خمسين ملك من ملوك الدنيا هذا آخر نفر يخرج من النار فيغلق على أهل النار النار وآخر نفر يدخل الجنة! له مُلك مثل خمسين ملك من ملوك الدنيا! إذن يا إخواني ماذا في تلك الجنة من النعيم؟! (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) كأنك أشرت أبا عبد الله قبل قليل إلى أنهار الجنات من ماء, لا
د. الشهري: لبن وعسل
د. الخضيري: لبن وعسل وخمر لذةً للشاربين أنهار, أنا الذي أشكل عليّ هل أنهار الجنة في أخاديد أو هي تجري تحتهم لكن دون أن تبتل بها أقدامهم ما هو؟!
د. الشهري: ما الفرق؟!
د. الطيار: قالوا بلا أخاديد قالوا بلا أخاديد
د. الشهري: ما الفرق؟ يعني هل كون الأنهار تجري بلا أخاديد هذا صفة كمال ؟!
د. الخضيري: لكن الآن لاحظ يا أبا عبد الله تجري من تحتها
د. الشهري: وفي آية تجري تحتها
د. الخضيري: التحتية هذه لو قلنا تجري في أخاديد كانت بجوارها أم ماذا؟
د. الشهري: والله ما يظهر لي هذا
د. الطيار: ذكروا تجري تحتها أو من تحتها قالوا باعتبار تجري على أرضها والنسبة باعتبار ارتفاع الأشجار, لكن هل هي في أخاديد أو ليس بأخاديد, الذي أذكر أن بعضهم ذكر أنها بدون أخدود وهذا أكمل والله أعلم
د. الشهري: عجيب , هذه الصفة أكمل لكن لا يقاس عليها
د. الخضيري: ثم ذكر هذه النعمة جنات وتجري من تحتها الأنهار, كان السؤال الذي يؤرق المؤمن هذا النعيم سيزول أو سيبقى؟! لأن أي واحد منا يرزق مثلًا فستانًا جميلًا أو قصراً منيفاً أو أُبّهة من أُبّهات الدنيا, الشيء الذي ينغص عليه عيشه أن يقول متى سأموت أو متى ستفنى هذه النعمة وتذهب مني؟! أما في الجنة لا خوف ولا يعني
د. الشهري: لذلك قال (خالدين فيها لا يبغون عنها حولًا) أول شيء الله قال إنها "أبدًا" والأمر الثاني هم قالوا أصلًا ما نبغي أن نتحول عنها
د. الطيار: ولهذا سبحان الله مثل ما ذكر الدكتور محمد لما أنت تقيس نعم الدنيا يعني هذه النعمة لو رأينا أكمل من أوتي نعيماً في الدنيا أعطي المليارات وسارت الناس في خدمته هل هو قد بلغ الانتهاء في الراحة؟!
د. الخضيري: بالعكس خوفه يزيد والله
د. الطيار: لأن عنده خوفين خوف من أن يَترُك أو من أن يُترك يعني يترك هو هذا النعيم ويموت في أي لحظة
د. الخضيري: فتزداد حسرته لأنه لما يموت وعنده الخير هذا كله هذه حسرة شديدة
د. الطيار: أو أن يسلبها الله سبحانه وتعالى
د. الخضيري: هذا النعيم ويبقى بلا شيء,
د. مساعد: ولهذا لما نرى ما يقول الله في نعيم أهل الجنة مثل خالدين قيها لا يبغون عنها حولًا أي لا يريدون التحول عنها لكمال هذا النعيم الذي هم فيه, ونرى قول الله سبحانه وتعالى (خالدين فيها أبدا) وما فيه من نعيم أهل الجنة يعطينا بالفعل الفارق الكبير جدًا جدًا بين هذا المتناهي وهو نعيم الدنيا, وبين الشيء غير المتناهي وهو نعيم الجنة, ولهذا بالفعل هذا نوع من التأمل الذي يحتاجه المسلم أن يُديره مرة بعد مرة
د. الشهري: كم بقي معنا وقت يا شيخ؟!
د. الطيار: بقي تقريبًا ثلاث دقائق
د. الشهري: لا نريد أن نخرج من الآيات التي كنا فيها
د. الخضيري: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات) حقيقة أنّ الإيمان أيضًا نحن عندنا نحتاج إلى أن نحصّل هذه النعيم إلى إيمان صادق وإلى عمل صالح, وأنّ دعوى الإنسان أنه ممكن يدخل الجنة بغير عمل هذه دعوى باطلة! بل يجب للإنسان أن يتأهب للجنة بهذا العمل وليس أي عمل
د. الطيار: لو تأملنا الآن هل في قوله لما قال (وكفى بجهنم سعيرًا) الآية التي قبل هذه وقبلها (وندخلهم ظلاً ظليلا) ولمّا فصّل في السعير قال ذكر الذين كفروا بآياتنا إلى آخره هل هناك علاقة بين السعير والظل الظليل؟!
د. الخضيري: الظاهر، لأن السعير هو الذي يزداد إيقاده مسعّر، أما الظل الظليل هو الذي يزداد يعني في الظل يزداد برودة وجمالًا
د. الطيار: جميل، يعني الظل الظليل مظنة البرودة والسعير مظنة الحرارة, فكان هذا مقابلة لأننا دائمًا نلاحظ أن هناك مقابلة أحياناً قد تكون إجمالية وقد تكون تفصيلية أحيانًا تكون إجمالية وأحيانا تكون تفصيلية, فهذا من المقابلات التي فيها نوع من الإجمال وفيها نوع من التفصيل. أيضًا لما قال سبحانه وتعالى في الجنات قال (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) ثم قال بعد ذلك (لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ) هذا المعنى كونهم خالدين فيها ولهم فيها أزواج مطهرة ورد في القرآن في غير ما موطن, وهذا يدخل في باب المثاني, أن القرآن يثني الأمر بعد الأمر والنهي بعد النهي والخبر بعد الخبر وحتى نفس الخبر بذاته يُثنى مرة بعد مرة, وهذا لا يدخل في باب التكرار المذموم الذي قد يدّعي بعضهم, ولكن هذا يدخل من باب إعادة هذا للتذكير به وكل واحد له مناسبته, نحن الآن لو أردنا أن نوازن بين (لهم فيها أزواج مطهرة) والآية التي في سورة البقرة (أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) لاحظ الآن نفس ما ذُكر هناك أو قريب منه قال ذُكر هنا
د. الشهري: في إشارة يا دكتور في الآيتين (إن الذين كفروا بآياتنا) (والذين آمنوا وعملوا الصالحات) فقال (إن الذين كفروا بآياتنا) الذين كفروا كفروا على علم وعلى بينة وكفروا بالآيات الواضحة التي أرسلها الله سبحانه وتعالى, فاحتاجوا أو فاستحقوا هذا العذاب الأليم, أليس كذلك؟! (سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا). الوجه الآخر المقابل (والذين آمنوا) ما قال والذين آمنوا بآياتنا ليدل على شدة تسليمهم وانقيادهم, أليس كذلك؟! وأنهم آمنوا وصدقوا النبي صلى الله عليه وسلم وصدقوا الأنبياء وانقادوا لأوامر الله سبحانه وتعالى حتى كأنهم قبل أن يحتاجوا إلى آيات, كما كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يصدق النبي صلى الله عليه وسلم لمجرد أنه قاله, ولذلك كان كمال أبو بكر الصديق هو الكمال المعروف. ثم أيضًا في نفس الآيتين (وعملوا الصالحات) كما ذكرتم دكتور محمد قضية اقتران الإيمان بالعمل الصالح وهذا كثير في القرآن ونحن والله نغفل عنه كثيرًا, نحن قد نغلِّب جانب الإيمانيات ونغفل عن جانب العمل الصالح, وتربية النفس على العمل الصالح ليس مجرد العمل والإكثار منه, وإنما الحرص على أن يكون عملًا صالحًا, لذلك انظر عندما عاتب الله نبيه نوح عليه الصلاة والسلام قال (إنه عمل غير صالح)
د. الطيار: وهذا كان يُشير إلى أنه أظهر الإيمان ولكن العمل كان مخالفًا
د. الشهري: هناك كتاب ثمين جدًا, أنصح بقراءته عنوانه "الشخصية المسلمة والعمل الصالح" للأستاذ الدكتور ماجد عرسان الكيلاني, تكلم فيه كلاماً رائعاً ما وجدته لغيره عن مقاييس العمل الصالح في القرآن الكريم متى يكون العمل صالحًا ومتى يكون غير صالح؟! ومتى يكون الشخص يعني كيف يتربى المسلم ويتربى على أن يعرف ما هو العمل الصالح؟! ثم ما هي أولويات العمل؟! يعني أنت كمسلم أنت عندك أولويات في العمل تعرف ما هو العمل الذي تقوم به فإذا تزاحمت الأعمال أيها يقدِّم؟!
د. الطيار: لعلّنا بعد هذا التعليق الذي ختم به الدكتور عبد الرحمن الشهري, أيضًا أن نختم أيها الإخوة والأخوات هذا اللقاء, ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا للقاءٍ قادم. سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك
بُثّت الحلقة بتاريخ 27 رمضان 1431 هـ
 
الحلقة 27
تأملات في سورة النساء من الآية (56) إلى الآية (57)
د. الطيار: بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. أحيّيكم أيّها الإخوة والأخوات في هذا المجلس المبارك إن شاء الله مع أخويّ الفاضلين الدكتور محمد الخضيري والدكتور عبد الرحمن الشهري حفظهم الله, نأخذ بعض آياتٍ من كتاب الله من سورة النساء وننظر ما فيها من المعاني والعِبَر. وقبل أن نبتدئَ بهذا المجلس نستمع إلى الآيات الكريمات:
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56) وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً (57)
كان أخي الدكتور محمد أراد أن يُعدِد الصفات التي تُوصِف اليهود, وقد استمحته عذراً أن نُنهيَ المقطع, ووعدتُه بأن نعود مرةً أخرى إليه لننظر إلى الصفات التي وصف الله سبحانه وتعالى بها اليهود فلو تفضلتم دكتور محمد
د. الخضيري: طبعاً ابتدأت هذه الصفات من الآية التي فيها قول الله عز وجل (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) حيث ختمت بقوله (إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا) فهي أول صفة، صفة الكِبر وهي أعظم ما يصدّ الإنسان عن الحق. ثمّ ثنّى بالبخل, العجيب أنّه كما ابتُدأت بهاتين الصفتين خُتمت أيضاً صفات اليهود في هذا المقطع كله بهاتين الصفتين, فقال في ختام المقطع (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ) وهذا بُخل (فَإِذًا لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا (54) فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ) كِبْراً. لاحظ ابتدأ بالبخل و الكِبر واختتم بالبخل والكِبر. الخصلة الثالثة يأمرون الناس بالبخل. الرابعة يكتمون ما آتاهم الله من فضله, نعوذ بالله من الخذلان. الخامسة: طبعاً لو قلنا (والذين ينفقون أمولهم رئاء الناس) فيهم أو في كفار مكة المهم تكون هي خامسة, (لايؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) قلنا هذه في كفار مكة
د. الطيار: لندع هذه الآية كلها في كفار مكة, سيأتينا من صفاتهم
د. الخضيري: ثم جاء بعد ذلك إلى صفات اليهود بشكل آخر فقال
د. الطيار: في آية (51)
د. الخضيري: لا، في قوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ) واحد وخمسين أو أربع وأربعين يا أبو عبد الملك؟
د. الطيار: لا، المعذرة أنا أخطأت أربع وأربعين
د. الخضيري: (يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل) هذا أيضاً من صفاتهم, ثم أيضاً من صفاتهم (يحرفون الكلم عن مواضعه), من صفاتهم أنهم يمعنون في المعصية يقولون سمعنا وعصينا, ومن صفاتهم عدم التأدب مع الكبار وأكبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (واسمع غير مسمع وراعنا ليّاً بألسنتهم وطعناً في الدين). من صفاتهم الطعن في الدين, أيضاً من صفاتهم التي ذكرها الله عز وجل أنهم يزكّون أنفسهم, ومن صفاتهم أنهم يفترون على الله الكذب, ومن صفاتهم أيضاً أنهم يؤمنون بالجبت والطاغوت, ومن صفاتهم أنهم يكْذِبون في الحكم فيقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلًا, ومن صفاتهم أيضاً أنهم كما ذكر الله عز وجل في غاية ما يكونون من البخل بما يؤتَوْن, وهذه صفة قد تقدّمت, ومن صفاتهم الحسد. الحقيقة إبن القيم وقف وقفة جميلة جداً في صفة الكِبْر والحسد وبيّن أنهما أهم وأعظم أصول الكفر يعني ما كان كفرٌ إلا بهما, الكِبْر والحَسَد, الكِبْر يمنع الإنسان عن قبول الحق, وكذلك الحسد يعني يتفرع منه فيحذر الإنسان من أن يتخلق بهذا الخلق أو يحصل عنده -نسأل الله العافية- شيء منهما فإنه يمنعه هذا الخير العظيم قبول الحق والدعوة إليه والإيمان به وإلى آخره
د. الطيار: لعلنا نبتدئ إذن بقول الله سبحانه وتعالى وهو مقطع جديد (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا). طبعاً قوله (إن الذين كفروا بآياتنا) لو أردنا أن نربطها بالمقطع السابق, نلاحظ المقطع السابق أغلبه في اليهود ولا شك أنّ اليهود ماذا؟! كفّار، فلمّا قال: (إن الذين كفروا بآياتنا) واليهود ممّن كفر بآيات الله كأنّها إشارةً إلى عذاب هؤلاء اليهود أولاً, وإلى من اتصف بالكفر ثانياً, قال (سوف نصليهم ناراً)
د. الخضيري: لأن فيها الحكم عليهم بالكفر
د. الطيار: وفيها أيضاً حكم عليهم بالكفر
د. الخضيري: لأنه لم يقل (إنهم) وإنما أظهر في موطن الإضمار إذا قلنا أنها في اليهود
د. الطيار: قال (سوف نصليهم) وهذا يدل على الاستقبال ودال على البعد فرق بين "سـ" و"سوف" نصليهم ولمّا قال: (سوف نصليهم ناراً) سبق أن أخذنا معنى الصلي في النار وهو الدخول على سبيل الشيّ أنهم يشوون فيها
د. الخضيري: يعني يدخلون فيها ويُقاسون حرّها
د. الطيار: ويقاسون حرها نعم, وقال (ناراً) ونكّرها للتعظيم والتفظيع والتهويل
د. الشهري: ناراً عظيمة
د. الخضيري: وأيضاً فظّع هذا الأمر -إذا صحّ هذا الفعل فظّع-, سوف "نـ" النون
د. الطيار: نون العظمة
د. الخضيري: أي من فعل الله عز وجل وهذا يدل على شدة ما سيكون لهم من العذاب!
د. الطيار: هذا أيضاً صحيح, هنا الآن قال يعني جاء بالعموم, ثم ذكر نوعاً من العذاب الخاص متعلق بالجلود, قال (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا) ولعلّ الدكتور عبد الرحمن يُعلِق على هذه
د. الشهري: طبعًا هذه الآية جاءت أشبه ما تكون بقاعدة يعني لكل ما تقدم, الله سبحانه وتعالى ذكر صفات الكفار وذكر صفات اليهود وذكر أخلاقهم وحذّر منها وذكر الذين آمنوا بإبراهيم عليه الصلاة والسلام واستجابوا لدعوته ودعوة أبنائه من الأنبياء حتى نبينا صلى الله عليه وسلم، وذكر الذين يصدون عنها من هؤلاء اليهود وأمثالهم من المشركين عرب وغيرهم, ثم ذكر خلاصة قال (إن الذين كفروا) من كل هؤلاء الأجناس ومن كل هؤلاء الأمم وممن سيأتي فيما بعد (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا) كما تفضلت عظيمة ( كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ) ذكر يعني هذه الصورة التي تُقرّب شدة العذاب لعقولنا نحن البشر, والإنسان منّا إذا مسته النّار فالذي يحترق هو جلده هو أول ما تمسّه النّار تمسّ الجلد, وأول ما يلسعه الشيء من الألم هو الذي يصيب الجلد لأن الجلد هو الذي يحتوي على خلايا الإحساس، مراكز الإحساس فيقول (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ) يعني الآية واضحة في فكرة التعذيب أنّ الله سبحانه وتعالى يُصليهم على النّار ليُقاسوا حرّها كما تفضلتم, فإذا نضجت الجلود وأصبحت لا تؤدي الغرض من الإحساس بالألم قال (بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا). الآية واضحة أنّ الله سبحانه وتعالى يُغيّر الجلود تماماً, قال (بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا). مع العلم أنّك الآن عندما تقرأ في بعض الكتب يقولون لا يُبدّل الجلود وإنّما تتغير تركيبة خلايا الجلد لكي تصبح متجددة يعني أولاّ مثل هذا الذي في النار وفي الجنة من أمر الغيب المطلق لا يمكن أن تطّلع، لا يدخله القياس وإنما هو أمر غيب مطلق لا نعرف منه إلا ما أطلعنا الله عليه فقط أليس كذلك؟! الله يقول (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا) لماذا يا رب؟! قال (لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ) فيكفي أن نستنبط من هذه الآية معنى أن الله نصّ على الجلود لأنّ هي التي يكون فيها الإحساس بالألم أشد فقط هذا يكفينا, وفيها إشارة إلى شدة العذاب الذي يُقاسيه الكافر في النار , نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكفينا حرّها وعذابها
د. الخضيري: خصوصاً إذا علمنا يا دكتور عبد الرحمن أنّ غِلَظ جلد الكافر في النار مسيرة ثلاثة أيام, إذا كان هذا غلظ جلد الكافر وثبت في الحديث الصحيح مسيرة ثلاثة أيام يعني أن هذه النار تعمل في هذا الجلد عملاً عظيماً فيقاسي الكافر عذاباً أليماً حتى يحترق هذا الجلد ثم يُعاد بناء هذا الجلد من جديد. يُبدّله الله بجلد آخر حتى يُقاسي العذاب مرة بعد أخرى. يا إخواني ننتبه هذا الكافر لا يُبعث يوم القيامة على نفس الهيئة أو الجسم الذي أنتم ترونه لا بل يُعظّم لأنه إذا عُظّم عَظُمَ عليه العذاب, مقعد الكافر يوم القيامة قال النبي صلى الله عليه وسلم يكون كما بين مكة والمدينة وضرسه مثل جبل أُحُد يعني شيء!
د. الطيار: أحد كم كيلو؟!
د. الخضيري: إذا كان ضرسه مثل جبل أحد, إذن كيف هو بقية جسده؟! إذن هو خلقه عظيم جدًا, ومع ذلك يأتي العذاب فينضجه ويحرق جلده ثم إذا أحرقه لم يذهب إلى الفناء فيرتاح وينتهي كما قال الله عز وجل (لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا) وقال في سورة الأعلى (ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى) لا يموت موتاً يستريح به ولا يحيا حياة كريمة يهنأ بها, نسأل الله العافية والسلامة
د. الشهري: لاحظ الختام (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا)! يعني لاحظ أن التعذيب ما هو عن اعتباط وعن جهل, إنما هو عن حكمة وأيضاً عن قوة وقدرة, عِزّة بمعنى القدرة بمعنى الامتناع والحكمة التي تدل على أن الله سبحانه وتعالى لا يظلم الناس شيئًا سبحانه وأنّ تعذيبه لهؤلاء وأنّ هذه الشدة في التعذيب عن حكمة وعن علم
د. الخضيري: وعزته مقرونة بحكمة وحكمته مقرونة بعزة, ونحن نرى أنّ كثير ممن يؤتون العزة في الدنيا تجد أن العزة تجعلهم لا يكونون من الحكماء بل يكونون من الحمقى أو من ذوي الهَوَج في التصرفات وفي الرعونة يبطش في غير مكان البطش ويُسيء الأدب مع غيره طبعاً لغلبة القوة عليه, وبالعكس تجد الحكيم ضعيفاً, أمّا الله جل وعلا فإنّ عزته مقرونة بالحكمة لا تتخلف عنها مثقال ذرة وأنّ حكمته مقرونة بالعزة لا تتخلف عنها مثقال ذرة
د. الطيار: والعجيب أنّ هذين الاسمين
د. الخضيري: أنّ هذين الاسمين يقترنان كثيرًا في القرآن صحيح
د. الطيار: العزة والحكمة, طبعاً من ألطف ما وقع اقترانهما في قوله سبحانه وتعالى (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم)
د. الخضيري: طبعاً كلمة عزيز, آسف، تفضل
د. الطيار: تفضل
د. الطيار: أنا فقط أردت أن أضرب مثالاً بألطف ما وقع في هذا الموطن وسبق طبعاً الإشارة إليها في حلقات سابقة
د. الخضيري: العزيز مأخوذ من أرض عَزاز يعني ممتنعة، يعني ما تغيص فيها الأقدام. فمعنى عزيز يعني ممتنع على من أراده بسوء, ومعنى عزيز قوي, أيضًا معنى القوة وبمعنى أيضًا غالب وقاهر, فمعنى عزيز يعني غالب قوي ممتنع على من أراده بسوء يعني يجمع هذا كله, وحكيم تجمع أيضًا معنيين: حاكِمٌ يحكم على الأشياء بما يشاء سبحانه وتعالى ومُحكِم للأشياء ذو حكمة بالغة، الحكمة
د. الطيار: ثلاثة إذن: حاكم ومُحكم متقن وذو حكمة , وذو حكمة هي التي أشرنا إليها قبل قليل في التفسير. لما قال (والذين آمنوا)
د. الشهري: يعني جاء بالصورة المقابلة كما قال في الآية التي قبلها: (فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ) جاء هنا عكسها
د. الطيار: هذا مثال رابع في قضية التقديم والتأخير المتوالي. قال: (والذين آمنوا) بعض الناس يقول الرابع قد يقول سمعنا لأول مره ونحن في حلقة من الحلقات تكلمنا عند قول الله سبحانه وتعالى لنربط فقط المشاهد في قول (وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ) وبعدها قال (وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ اللّهُ) فقلنا يأتي في آيات متوالية ذِكر شيء تقديم شيء وتأخير آخر ثم يقدم المؤخر ويؤخر المقدم فنفس القضية لما قال: (فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا) أنت فتحت لي أن نقول لماذا بدأ بالذين كفروا؟ لاحظ سبحانه وتعالى الارتباط (وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا) فصار تناسب وهذا يُسمّونه اللفّ والنشر غير المرتب أو المعكوس. فلمّا قال (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً) أنا فقط هناك فائدة لغوية إن سمحتم كانت في ذهني في الآية الأولى, يكثر حتى عند بعض المتعلمين بل بعض من المتقدمين في العلم وقد تصل إلى حدّ الأشياخ أنّه إذا جاء إلى "كلما" كررها
د. الشهري: كلما أعطيتك
د. الخضيري: كلما أنكرتني
د. الطيار: كلما أعطيتك كلما أنكرتني, و"كلما" الثانية خطأ موضعها لأنّ "كلما" لها فعل وجواب لأنها شرط فتقول كلما أعطيتك أنكرتني مثلًا (كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله) (كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ) وهنا (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ) ولم يأتِ كلما نضجت جلودهم كلما بدلناهم, فتكرار "كلما" هذا من الأخطاء اللغوية, نرجع إلى
د. الخضيري: طبعاً هذا الخطأ سبحان الله ما شاع إلا في الفترات الأخيرة بعد كثرة وسائل الإعلام, وكثير من الناس الذين يكتبون دون أن يكونوا متمكنين في علم اللغة وإلا هو ما يعرف في كتب المتقدمين أي ليست من الأخطاء التي
د. الطيار: (والذين آمنوا) هذا عطف على (الذين كفروا) يعني عطف قصة على قصة (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَار) طبعًا وقف العلماء عند قوله (تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَار)
د. الخضيري: أنا والله عندي سؤال يا أبو بعد الملك أريد أن أسألك صراحة في قوله (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ) طبعاً هذه الآية يستشهد بها كل من يتحدث عن الإعجاز العلمي في أنّ القرآن سبق إلى بيان أنّ الجلد هو مكان مركز الإحساس, والحديث عن الإعجاز العلمي حقيقة تعرفون يعني كثر فيه اللتّ والعجن وغيره, هل من كلمة في هذا الموضوع على أساس أن يستبين الناس الطريقة الصحيحة في التعامل مع هذا اللون من العلوم؟؟
د. الطيار: طبعاً هو عندنا الحقيقة من المشكلات في هذا الموضوع هو تسميته أصلًا بكونه إعجاز, وهذا حَرَف يعني مسار هذه القضية إلى مسار آخر غير مسار التفسير. ونحن نقول أولاً عندما ننظر إلى القضية العلمية التي ثبتت في الوقت في العصر الحالي هل ثبت أيضًا عندنا يقيناً أنها لم تُعرَف في العصور السابقة؟! هذه واحده, ثم أيضاً هل هذه القضية مما لا يدرك إلا بوسائل أو يمكن أن يدرك من خلال النظر في الآيات؟! هذه قضية ثانية , القضية الثالثة إذا ثبت أنها لا تدرك إلا بالوسائل الحديثة ولم تدرك سابقاً فيأتي الآن العمل عمل تفسيري وليس له علاقة بإعجاز لا من قريب ولا من بعيد العمل كله عمل تفسيري بمعنى أنه يأتي إلى طاولة المفسرين الكلام الآن فنأتي مثلًا إلى مثل هذه الآية إذا ثبت أن مركز الإحساس الجلد, ماذا قدمت لي أنت الآن في معنى الآية في معناها؟ هل قدم معنى جديدا؟! لم يقدم معنى جديدًا, هل هناك نوع من الاستنباط؟! ليس هناك أي نوع من الاستنباط في مثل هذه القضية يعني مجرد فقط تعليل لسبب ذكر الجلود وتعليل سبب ذكر الجلود الآن ليس له علاقة بقضية التفسير لأنك إنما ذكرت لي علة ذكر الجلود (بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ) لماذا بدّل الجلود نصّ على تبديل الجلود دون غيرها؟! تقول لأنّ الجلد هو مركز الإحساس. إلى الآن هنا إلى هذه القضية هذه القضية ليس لها علاقة الآن محورية في معنى التفسير بطريقة فهم معنى الآية
د. الخضيري: لا، نحن لا نتحدث عن التفسير هو الحديث عن أنّ القرآن لمّا اكتشف الناس أن الجلد هو مركز الإحساس, قلنا لهم أنّ القرآن سبق هذا الأمر لبيانه وإيضاحه من خلال هذه الآية, فطبعًا هؤلاء الذين يتحدثون عن هذا الأمر أو اكتشفوه يستغربون أن القرآن أشار إليه وهم ليس لهم به علم مسبق. فيقال إن هذا يعني إعجاز قرآني بمعنى أن القرآن سبق حديثه عن هذه القضية التي لم يكن الناس يعلمونها كل ما علمه الناس في هذا الباب. فما لذي يمنع من كون اعتبار هذا الأمر يعني إعجازاً؟
د. الطيار: هو الأصوب عندي في نظري طبعًا نمط الإعجاز العلمي بني عليه أشياء كثيرة فيها إشكالات, نقول هذا دليل صدق للقرآن، يعني من أدلة صدق القران أنه دلّ على هذه القضية التي لم تدرك عند جميع العالمين إلا بهذه
د. الخضيري: كلمة دليل صدق أنا أبدلها فقط بإعجاز يعني هل في
د. الطيار: طبعًا الموضوع ليس بموضوع يعني لولا لما لابس هذا المصطلح من مشكلات علمية وما بني عليه أيضًا من قضايا عقدية أو حتى قضايا دعوية مزعومة لما كان فيه إشكال, ولهذا الأسلم أن تُربط القضية بما تدل عليه فقط دون التزيد فيها, فقضية إعجاز علمي سيكون فيه تزيد كبير جدًا وسيبنى عليها أن هذا الإعجاز عند من يقول به هل هو قضية ظنية أو قضية يقينية؟! وهل يتحدى به أو لا يتحدى به؟! طبعًا بناء بالنظر بما يقوم به من له عناية بالإعجاز العلمي, ننظر أنهم ينتقلون إلى قضية التحدي ويدّعون اليقينيات في هذا الأمر, مع أننا نعلم أن كل هذه الأمور ظنية, فنقول أنه بني على هذا المصطلح قضايا فيها خطأ كبير وفيها انحراف كبير جدًا عن أصل المسألة فإذن نردها إلى أصلها, فنقول هذا دليل صدق مثل ما نقول (فتمنوا الموت إن كنت صادقين) لم يتمنَ أحد من اليهود الموت فدليل صدق للقرآن, فالقرآن أخبر بهذه القضية وأثبتها العلم هذا دليل صدق القرآن. هذا عندي أسلم نظرًا من أن نقول الإعجاز العلمي ونبني عليه كما قلت كما ذكرت لك بعض القضايا التي فيها إشكال من خلال التطبيقات الموجودة
د. الخضيري: لكن إذا أساء الناس التطبيق يعني هل هذا يؤثر على استعماله الصحيح لها في مواردها أنا ما أرى أن فيه يعني
د. الطيار: لا لأن أول خلل وقع هو أن الإعجاز تعريف الإعجاز العلمي صار تقييدًا خاصًا عند هؤلاء ليس له علاقة بتعريف الإعجاز العلمي عند العلماء السابقين, يعني مثلًا آتي أنا وإياك لقضية معينة اكتشفناها في القرآن ثم لها سابق, والعلماء هي مرتبطة مثلًا بالمكي والمدني وقالوا نصطلح عليها النص الاصطلاح نقطع عليها على المكي والمدني قطعًا كاملًا ثم نبدأ نبني على هذا المصطلح الجديد أفكارنا وعلومنا وأنواع ومعارف متعددة هل هذا الآن سليم علميًا؟! الجواب لا, فهذا من أكبر المشكلات بداية الانحراف هو في انك اجتزأت الإعجاز العلمي وأخرجت له تعريفًا خاصا مستقلا عن الإعجاز المعروف عند العلماء السابقين, ثم بدأت تبني على ما أنت اصطلحت عليه في هذا هذه أنواع المعارف التي تمت كتعريفه، ماذا يبنى عليه من قضية التحدي والقضايا الأخرى ودعوة الغرب بهذا إلى آخره, طبعًا الموضوع يطول لكن نقول وهذه فائدة انتبه لها أن كون القران يدل على بعض ما يكتشف اليوم هذا ليس فيه غلط وليس فيه إشكال هذا كثير ويوجد ولكن هو يتفاوت وهو ظني فقد أدعي أن الآية دلت على هذا المعنى إدعاء مني أنا وظني قد توافقني عليه وقد لا توافقني, ولهذا يجب أن ننتبه لها أن هذه المسألة يجب أن ترتبط بقضية الدلالة الظنية بخلاف السنة, السنة الدلالة فيها صريحة (إذا سقط الذباب في إناء أحدكم فليغمسه فإن في أحد جناحيه داءً وفي الآخر دواءً) كلام صريح لا يحتاج التأويل. ولهذا القضايا التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في ما يسمى بالإعجاز بالسنة طبعًا هذه مشكلة أخرى لاحظوا دخل الإعجاز في السنة, الدلالة فيه صريحة تمامًا ليست كالقرآن الدلالة فيه ظنية احتمالية, فرق بين دلالة القرآن ودلالة السنة, لكن أياً ما كان هي في النهاية دلالة صدق فلما نضعها في موضعها الطبيعي ما يكون فيه إشكال والإشكالات التي نجدها اليوم في ما يتعلق بالإعجاز العلمي
د. الشهري: طبعاً الآية التي ذكر الله فيها جزاء المؤمنين المصدقين جاءت في مقابل الآية التي ذكر الله فيها جزاء المكذبين الكافرين أليس كذلك؟! فقال (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا) هم كفروا كفروا بماذا يا رب؟! قال كفروا بآيات بعلامات بأشياء بينات واضحة وآيات من؟! قال (آياتنا) ولك أن تتخيل كيف كانت هذه الآيات المنسوبة إلى الله تعالى, من الوضوح أليس كذلك؟! وضوح وحجة واضحة, قال (كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ) ثم يقول في الآية الثانية (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ) هناك قال (سنصليهم ناراً) هنا قال (سَنُدْخِلُهُمْ) ولاحظ الفرق بين سنصليهم وسندخلهم
د. الخضيري: (سوف نصليهم) وهنا (سندخلهم)
د. الشهري: هنا عبر بالصلي إشارة إلى العذاب والإهانة وهنا قال: (سندخلهم جنات تجري من تحتها)
د. الطيار: أيضاً تسويف هناك "سوف" وهنا "سـ"
د. الشهري: للإشارة إلى أنّ سرعة إكرام المؤمنين بإدخالهم إلى الجنة. قال (سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) دائمًا تلاحظون في القرآن الكريم أنه يصف الجنات بأنها تجري من تحتها الأنهار, فيها إشارة إلى أنّ الماء يا إخواني من علامات النعيم أليس كذلك؟! كيف حياتك أنت بدون ماء أعوذ بالله تصبح حياة الناس جحيم بدون ماء أليس كذلك؟! لا يستطيعوا أن يعيشوا, في الآخرة أيضا قال تجري من تحتها الأنهار,
د. الطيار: ثلاثة يجلين الحَزَن
د. الشهري: ثلاثة تجلو عن القلب الحزن الماء والخضرة والوجه الحسن
د. الطيار: نعم وهذا كله متحقق
د. الشهري: قال (تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا) تذكرون في الأول عندما تحدث عن الحدود (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا) قال (وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا) فتكلمنا عن لماذا قال في أهل الجنة خالدين فيها؟! للإشارة إلى أنّ من كمال نعيم أهل الجنة أن يكون مع أصحاب له في الجنة (على سرر متقابلين) ثم قال: (خالدين فيها أبدا) إشارة إلى كمال النعيم يعني لا تهتم ولا تحمل الهمّ. قال: (لهم فيها أزواج مطهرة) لماذا شيخ محمد يكرر دائمًا أزواج مطهرة أزواج مطهرة, في الدنيا الأزواج ما هم مطهرات؟!
د. الخضيري: طبعاً لا شك أنّ من يعلم أزواج الدنيا أو يعرفهن يعلم أنّ من أعظم أسباب النقص فيهن وعدم كمال الاستمتاع بهن عدم الطهارة, بمعنى أنّ المرأة في الدنيا يصيبها الحيض والنفاس ويخرج منها أكرمكم الله يعني البول والغائط والمخاط وغير ذلك من الأشياء التي تتقذر منها النفوس, أمّا الأزواج في الجنة فهنّ في طهارة كاملة طهارة تنتظم نوعين: طهارة حسية وطهارة معنوية, أمّا الطهارة الحسية: فهي فيما ذكرنا وغيرها أيضًا, وأمّا الطهارة المعنوية: فهنّ ليس عندهن غيرة وليس عندهن حسد وليس عندهن كبر ولا نشوز على أزواجهن ولا التفات إلى غير الزوج وخصوصاً أنه ذُكر في هذا الآيات أو في هذه السورة بعض ما يحصل من النساء من الخلال التي تكدر صفو الحياة الزوجية (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ) فهنا (لهم فيها أزواج مطهرة)
د. الشهري: (وندخلهم ظلًا ظليلًا) يعني صورتان متقابلتان: صورة أهل الجنة وصورة أهل النار وكيف يدخلونها هؤلاء قال (سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) وقال هنا (سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا) ثم يقول (وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً)
د. الخضيري: لما ذكر الأزواج وكانوا السَكَن للإنسان في الدنيا ناسب أن يذكر بعده المكان الذي يستظلون به كأنه أيضًا سكن ثاني, كما أنّ الإنسان يأنس بالمكان الذي يستظل به أيضًا يأنس بالزوجة التي يركن إليها فجمع لهم هذا وهذا
د. الطيار: بالفعل هو وصف (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) (أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَة) وليس ظل فقط وإنما (ظِـل ظَلِيل)
د. الشهري: يعني يتحقق فيه أجمل مافي الظل, جاءت الآن الآية
د. الخضيري: عن إذنك يا أبا عبد الله في قوله (جنات) لم يقل جنة ليبين أنّ الذي يناله المؤمن في الآخرة ليست جنة واحدة بل جنات مختلفات, ولذلك قال في سورة الرحمن (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) ثم قال بعدها (وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ), قال النبي صلى الله عليه وسلم (جنتان آنيتهما وما فيهما من ذهب, وجنتان آنيتهما وما فيهما من فضة) ليبين أنّ المؤمن في الآخرة له ألوان من النعيم ليس لها منتهى ولا يستطيع أحد أن يحدّها ولعلّنا نوضح هذا بحديث عظيم جدًا أن آخر إنسان يخرج من النّار فيدخل الجنة يقول الله له عز وجل: أُدخل الجنة فيقول كيف أدخلها وقد امتلأت بأهلها؟! فيقال: ادخل فإنّ لك مثل مُلْكِ من ملوك الدنيا ومثله ومثله ومثله ومثله, كم هذه يا شيخ؟!
د. الشهري: خمسة
د. الخضيري: وعشرة أمثاله, وعشرة أمثال الخمسة
د. الطيار: يعني خمسين
د. الخضيري: خمسين ملك من ملوك الدنيا هذا آخر نفر يخرج من النار فيغلق على أهل النار النار وآخر نفر يدخل الجنة! له مُلك مثل خمسين ملك من ملوك الدنيا! إذن يا إخواني ماذا في تلك الجنة من النعيم؟! (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) كأنك أشرت أبا عبد الله قبل قليل إلى أنهار الجنات من ماء, لا
د. الشهري: لبن وعسل
د. الخضيري: لبن وعسل وخمر لذةً للشاربين أنهار, أنا الذي أشكل عليّ هل أنهار الجنة في أخاديد أو هي تجري تحتهم لكن دون أن تبتل بها أقدامهم ما هو؟!
د. الشهري: ما الفرق؟!
د. الطيار: قالوا بلا أخاديد قالوا بلا أخاديد
د. الشهري: ما الفرق؟ يعني هل كون الأنهار تجري بلا أخاديد هذا صفة كمال ؟!
د. الخضيري: لكن الآن لاحظ يا أبا عبد الله تجري من تحتها
د. الشهري: وفي آية تجري تحتها
د. الخضيري: التحتية هذه لو قلنا تجري في أخاديد كانت بجوارها أم ماذا؟
د. الشهري: والله ما يظهر لي هذا
د. الطيار: ذكروا تجري تحتها أو من تحتها قالوا باعتبار تجري على أرضها والنسبة باعتبار ارتفاع الأشجار, لكن هل هي في أخاديد أو ليس بأخاديد, الذي أذكر أن بعضهم ذكر أنها بدون أخدود وهذا أكمل والله أعلم
د. الشهري: عجيب , هذه الصفة أكمل لكن لا يقاس عليها
د. الخضيري: ثم ذكر هذه النعمة جنات وتجري من تحتها الأنهار, كان السؤال الذي يؤرق المؤمن هذا النعيم سيزول أو سيبقى؟! لأن أي واحد منا يرزق مثلًا فستانًا جميلًا أو قصراً منيفاً أو أُبّهة من أُبّهات الدنيا, الشيء الذي ينغص عليه عيشه أن يقول متى سأموت أو متى ستفنى هذه النعمة وتذهب مني؟! أما في الجنة لا خوف ولا يعني
د. الشهري: لذلك قال (خالدين فيها لا يبغون عنها حولًا) أول شيء الله قال إنها "أبدًا" والأمر الثاني هم قالوا أصلًا ما نبغي أن نتحول عنها
د. الطيار: ولهذا سبحان الله مثل ما ذكر الدكتور محمد لما أنت تقيس نعم الدنيا يعني هذه النعمة لو رأينا أكمل من أوتي نعيماً في الدنيا أعطي المليارات وسارت الناس في خدمته هل هو قد بلغ الانتهاء في الراحة؟!
د. الخضيري: بالعكس خوفه يزيد والله
د. الطيار: لأن عنده خوفين خوف من أن يَترُك أو من أن يُترك يعني يترك هو هذا النعيم ويموت في أي لحظة
د. الخضيري: فتزداد حسرته لأنه لما يموت وعنده الخير هذا كله هذه حسرة شديدة
د. الطيار: أو أن يسلبها الله سبحانه وتعالى
د. الخضيري: هذا النعيم ويبقى بلا شيء,
د. مساعد: ولهذا لما نرى ما يقول الله في نعيم أهل الجنة مثل خالدين قيها لا يبغون عنها حولًا أي لا يريدون التحول عنها لكمال هذا النعيم الذي هم فيه, ونرى قول الله سبحانه وتعالى (خالدين فيها أبدا) وما فيه من نعيم أهل الجنة يعطينا بالفعل الفارق الكبير جدًا جدًا بين هذا المتناهي وهو نعيم الدنيا, وبين الشيء غير المتناهي وهو نعيم الجنة, ولهذا بالفعل هذا نوع من التأمل الذي يحتاجه المسلم أن يُديره مرة بعد مرة
د. الشهري: كم بقي معنا وقت يا شيخ؟!
د. الطيار: بقي تقريبًا ثلاث دقائق
د. الشهري: لا نريد أن نخرج من الآيات التي كنا فيها
د. الخضيري: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات) حقيقة أنّ الإيمان أيضًا نحن عندنا نحتاج إلى أن نحصّل هذه النعيم إلى إيمان صادق وإلى عمل صالح, وأنّ دعوى الإنسان أنه ممكن يدخل الجنة بغير عمل هذه دعوى باطلة! بل يجب للإنسان أن يتأهب للجنة بهذا العمل وليس أي عمل
د. الطيار: لو تأملنا الآن هل في قوله لما قال (وكفى بجهنم سعيرًا) الآية التي قبل هذه وقبلها (وندخلهم ظلاً ظليلا) ولمّا فصّل في السعير قال ذكر الذين كفروا بآياتنا إلى آخره هل هناك علاقة بين السعير والظل الظليل؟!
د. الخضيري: الظاهر، لأن السعير هو الذي يزداد إيقاده مسعّر، أما الظل الظليل هو الذي يزداد يعني في الظل يزداد برودة وجمالًا
د. الطيار: جميل، يعني الظل الظليل مظنة البرودة والسعير مظنة الحرارة, فكان هذا مقابلة لأننا دائمًا نلاحظ أن هناك مقابلة أحياناً قد تكون إجمالية وقد تكون تفصيلية أحيانًا تكون إجمالية وأحيانا تكون تفصيلية, فهذا من المقابلات التي فيها نوع من الإجمال وفيها نوع من التفصيل. أيضًا لما قال سبحانه وتعالى في الجنات قال (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) ثم قال بعد ذلك (لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ) هذا المعنى كونهم خالدين فيها ولهم فيها أزواج مطهرة ورد في القرآن في غير ما موطن, وهذا يدخل في باب المثاني, أن القرآن يثني الأمر بعد الأمر والنهي بعد النهي والخبر بعد الخبر وحتى نفس الخبر بذاته يُثنى مرة بعد مرة, وهذا لا يدخل في باب التكرار المذموم الذي قد يدّعي بعضهم, ولكن هذا يدخل من باب إعادة هذا للتذكير به وكل واحد له مناسبته, نحن الآن لو أردنا أن نوازن بين (لهم فيها أزواج مطهرة) والآية التي في سورة البقرة (أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) لاحظ الآن نفس ما ذُكر هناك أو قريب منه قال ذُكر هنا
د. الشهري: في إشارة يا دكتور في الآيتين (إن الذين كفروا بآياتنا) (والذين آمنوا وعملوا الصالحات) فقال (إن الذين كفروا بآياتنا) الذين كفروا كفروا على علم وعلى بينة وكفروا بالآيات الواضحة التي أرسلها الله سبحانه وتعالى, فاحتاجوا أو فاستحقوا هذا العذاب الأليم, أليس كذلك؟! (سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا). الوجه الآخر المقابل (والذين آمنوا) ما قال والذين آمنوا بآياتنا ليدل على شدة تسليمهم وانقيادهم, أليس كذلك؟! وأنهم آمنوا وصدقوا النبي صلى الله عليه وسلم وصدقوا الأنبياء وانقادوا لأوامر الله سبحانه وتعالى حتى كأنهم قبل أن يحتاجوا إلى آيات, كما كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يصدق النبي صلى الله عليه وسلم لمجرد أنه قاله, ولذلك كان كمال أبو بكر الصديق هو الكمال المعروف. ثم أيضًا في نفس الآيتين (وعملوا الصالحات) كما ذكرتم دكتور محمد قضية اقتران الإيمان بالعمل الصالح وهذا كثير في القرآن ونحن والله نغفل عنه كثيرًا, نحن قد نغلِّب جانب الإيمانيات ونغفل عن جانب العمل الصالح, وتربية النفس على العمل الصالح ليس مجرد العمل والإكثار منه, وإنما الحرص على أن يكون عملًا صالحًا, لذلك انظر عندما عاتب الله نبيه نوح عليه الصلاة والسلام قال (إنه عمل غير صالح)
د. الطيار: وهذا كان يُشير إلى أنه أظهر الإيمان ولكن العمل كان مخالفًا
د. الشهري: هناك كتاب ثمين جدًا, أنصح بقراءته عنوانه "الشخصية المسلمة والعمل الصالح" للأستاذ الدكتور ماجد عرسان الكيلاني, تكلم فيه كلاماً رائعاً ما وجدته لغيره عن مقاييس العمل الصالح في القرآن الكريم متى يكون العمل صالحًا ومتى يكون غير صالح؟! ومتى يكون الشخص يعني كيف يتربى المسلم ويتربى على أن يعرف ما هو العمل الصالح؟! ثم ما هي أولويات العمل؟! يعني أنت كمسلم أنت عندك أولويات في العمل تعرف ما هو العمل الذي تقوم به فإذا تزاحمت الأعمال أيها يقدِّم؟!
د. الطيار: لعلّنا بعد هذا التعليق الذي ختم به الدكتور عبد الرحمن الشهري, أيضًا أن نختم أيها الإخوة والأخوات هذا اللقاء, ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا للقاءٍ قادم. سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك
بُثّت الحلقة بتاريخ 27 رمضان 1431 هـ
 
الحلقة 28
تأملات في سورة النساء، الآيات 58 - 60
د. عبد الرحمن الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الأخوة المشاهدون الكرام في كل المكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وحياكم الله في هذا اللقاء القرآني المتجدد"بينات"والذي يأتيكم على "قناة المجد" هذه القناة المباركة نسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك فيها وفي جهود القائمين عليها. لا زلنا في مجلسنا في "بينات" مع الدكتور مساعد الطيار والدكتور محمد الخضيري نتحدث حول آيات سورة النساء، فقد وقف بنا الحديث في المجلس السابق عند نهاية الآية السابعة والخمسين من سورة النساء وهي قوله تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا) وسوف نبتدئ -بإذن الله تعالى-في هذا اللقاء بالآيات التي تليها وهي قول الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) وقبل أن ندخل في الحديث حول هذه الآيات نستمع إليها مرتلة ثم نعود للحديث عنها –بإذن الله تعالى-
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60))
وبعد أن استمعنا أيها الإخوة المشاهدون إلى هذه الآيات من هذه السورة العظيمة نعود للحديث حولها. كنا تحدثنا يا مشايخ في الحلقات الماضية في سورة النساء وقلنا إن سورة النساء يمكن أن تسمى سورة الحقوق، ومر معنا حقوق كثيرة متعلقة بالتركات، ومتعلقة بالأيتام، ومتعلقة بالزوجات، والصداق، ثم جاء بعد ذلك الحديث عن الحقوق التي نسميها الحقوق العشرة في قوله تعالى (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا). ثم تلاحظون الآن تأتي هذه الآية العظيمة التي تتحدث عن أداء الأمانات إلى أهلها، وكأنها تريد أن تلخص السورة من أولها، وأن هذه الحقوق هي عبارة عن أمانات ينبغي على المسلم أن يؤدي هذه الأمانة على وجهها فيقول (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) الحقوق التي مرت كلها أمانات، حقوق الأيتام هي أمانة عند الولي لا بد أن يؤديها، الصداق وحقوق الزوجة هي أمانة عند الزوج يجب أن يؤديها، المحافظة على الأموال ولا تؤتوا السفهاء أموالكم حقوق أيضًا وأمانات ينبغي على المجتمع أن يحافظ عليها، ولذلك النبي –صلى الله عليه وسلم –قال في حديث صحيح قال" إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ" فمعنى هذا أنه ما دام المجتمع محافظًا على الأمانة فإن الساعة لم تأتِ بعد أو لم تقترب بعد، أليس كذلك؟
د. محمد الخضيري: بلى
د. عبد الرحمن الشهري: أمر آخر عندما قال (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) هناك مرت إشارات أيضًا في الآيات السابقة إلى التحكيم عندما ذكر الخلاف بين الزوجين أليس كذلك؟ قال (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا) جاءت هذه الآية أيضًا لتضع أيضًا القانون (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) ويمكن أن تسمي هذه الآيات أنها من قواعد القرآن أليس كذلك؟
د. محمد الخضيري: بلى
د. عبد الرحمن الشهري: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) هذه قاعدة عامة سواء كانت أمانة لمسلم أو أمانة لكافر فإنه ينبغي عليك أن تؤديها، وكذلك الحكم بالعدل بين الناس. هل لديك يادكتور تعليق حول الصلة بين هذه الآية و ماتقدم؟
د. محمد الخضيري: طبعًا كما أسلفت الحقيقة واضح جدًا أن هذه تأكيد على تلك الحقوق التي أمر بها من أول السورة، والحقيقة أن الأمر بأداء الأمانات في القرآن، وحفظ هذه الأمانات كثير، وأنه يأتي في مقدمة الأوصاف التي يوصف بها الذين يستحقون كرامة الله –عز وجل -في الآخرة. فمنها قول الله –عز وجل-(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) ثم قال (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)، لاحظ (لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) وذكر هذا أيضًا في سورة المعارج وأعاده بلفظه لما قال (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23)) ثم قال (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ) فهذا يدلنا على أن أداء الأمانة ورعايتها من أعظم ما يستوجب رحمة الله –عز وجل-ويستحق به الإنسان الفوز والفلاح في الدنيا وفي الآخرة.
والأمانة إسم عام يشمل كل ما اؤتمن عليه الإنسان قال الله –عز وجل-(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) ما هي الأمانة؟ هي أمانة التكليف، يعني عبادتك لله –عز وجل-، قيامك بحق والديك، صلتك لأرحامك، أداؤك للحقوق الواجبة عليك كما في هذه السورة، وغير ذلك مما اؤتمنت عليه كله مما اؤتمن الآدمي عليه، وكلف به، فالله عرضها على السماوات والأرض والجبال، فكل واحدة من هذه تبرأت من حمله لثقله، وحمله الإنسان، ثم وصف الله الإنسان بأنه ظلوم جهول، فالحاصل أن أداء الأمانة وحفظها ورعايتها من أعظم الأعمال ،و لذلك سيأتينا كأن هذا مقدمة لسورة المائدة التي تسمى سورة العقود يقول الله تعالى فيها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ) أمر الله بالوفاء بالعقود وحفظها وصيانتها ورعايتها في سورة الإسراء وهذا مما اشترك فيه القرآن المكي والمدني (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) الحقيقة أن هذا المعنى كبير جدًا، ولذلك أنا ممتن لما ذكرت من كون هذه الآية من قواعد القرآن الكريم، يعني الآيات التي تبنى عليها مسائل كثيرة جدًا ويندرج تحتها أمثلة وآيات أيضًا كثيرة.
د. مساعد الطيار: أيضًا الآية هذه مرتبطة بحال من أحوال النزول؛ فالرسول –صلى الله عليه وسلم- لما فتح مكة ودخل جوف الكعبة لما خرج كان يتلو هذه الآية (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا )
د. عبد الرحمن الشهري: منهم من يقول أنها نزلت فيها
د. مساعد الطيار: نعم هناك من يقول أنها نزلت فيها فهي تحتمل أنها كانت نزلت
د. عبد الرحمن الشهري: الآية التي نزلت في جوف الكعبة
د. مساعد الطيار: في جوف الكعبة ويذكرون هذه الآية (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) فخرج رسول –صلى الله عليه وسلم –ومعه مفتاح الكعبة فقال: أين عثمان بن شيبة ؟ ثم أعطاه مفتاح الكعبة
د. عبد الرحمن الشهري: ولازال مفتاح الكعبة إلى اليوم
د. مساعد الطيار: إي نعم لذا يسمونهم فلان الشيبي، فلان الشيبي من بني شيبة، وهناك الحقيقة ملحظ مهم جدًا من أين جاء لبني شيبة مفتاح الكعبة؟ طبعًا هم توازعوا الذين هم بنو
د. عبد الرحمن الشهري: الأعمال
د. مساعد الطيار: إي نعم، وكان لآل شيبة السدانة الذي هو مفتاح الكعبة فيبقى معهم إلى يوم القيامة, إلى طبعًا إلى أن تهدم الكعبة وهو معهم المفتاح لايأخذه منهم إلا ظالم، فهذا أيضًا يدلك على أن الأعمال التي كانت في الجاهلية من أعمال الخير أبقاها الإسلام كما هي
د. عبد الرحمن الشهري: وأقرّها
د. محمد الخضيري: بل زادها قوة وتأكيدًا
د. عبد الرحمن الشهري: لاحظوا (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) انظر ما أجمل ما يأمر به الإسلام! سبحان الله العظيم! وهو كمالات فعلاً أداء الأمانة، أداء الأمانة مأمور به مطلقًا فينبغي فعلاً على الإنسان أنه يربي في نفسه وفي أولاده الحرص على أداء الأمانة. يعني الآن المدرس في مدرسته مستأمن على هذه الوظيفة، ينبغي عليه أن يؤدي هذه الأمانة، المدير في مدرسته مستأمن على هذه الوظيفة ينبغي عليه أن يؤدي هذه الأمانة، التاجر في متجره مستأمن، "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته" هذه بصفة عامة ثم يقول (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ). سؤال :معناها الآن (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) معناها أن كل مكلف مستأمن ينبغي عليه أن يؤدي الأمانات إلى أهلها لكن (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) ليس كل أحد يتصدى لهذا الأمر وهو الحكم بين الناس وإنما أُمر بأن يقيم العدل من تصدى للحكم بين الناس قال (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)
د. مساعد الطيار: لكن يا أبو عبدالله مثلاً الأستاذ لما يصحح للطلاب ألا يدخل في معنى هذه الآية؟
د. عبد الرحمن الشهري: بلى هو في الصُلْب
د. مساعد الطيار: بعض الناس لو تلوت عليه هذه الآية يذهب إلى الحكم القضائي فقط
د. عبد الرحمن الشهري: أو شخص مثلاً استأمنك على مال أو استأمنك على شيء والأمانة أوسع من هذا بكثير
د. محمد الخضيري: الحقيقة الملحظ الذي ذكره الدكتور مساعد مهم جدًا أن ننتبه له أحيانًا يرتبط في أذهاننا أن هذا الوصف أو هذا المعنى يقوم به أناس معينين بحيث إذا مرت بنا الأحاديث الواردة في هذا الشأن مباشرة نستحضر شخصية أولئك الناس. مثلاً أحاديث القضاة التحذير من القضاء الظالم أو القاضي الذي يجور في حكمه دائمًا تذكر القاضي الذي يقضي في المحكمة الحقيقة الذي يمارس القضاء هم كثيرون في المجتمع
د. عبد الرحمن الشهري: المدرس، المدير.
د. محمد الخضيري: أحسنت، الزوج بين زوجاته –إذا كان له زوجات، الأب بين أبنائه، ألا يختلف أبناءك معك في السيارة وتحكم بينهم؟ يأتيك واحد منهم آه فلان ضربني تذهب مباشرة تضرب الثاني، أنت قاضي تسأل وتتأكد وهل عندك بينات، وتعرف ماذا حصل بالضبط، ثم تحكم حكم بالعدل ليس لأن هذا الصغير تضرب الكبير، ولا لأن الضعيف تضرب القوي! انتبه تحكم بالعدل. المدرس كما ذكرتم بين طلابه، الرئيس بين مرؤوسيه، المدير مدير الشركة بين موظفيه، كل هؤلاء يمارسون القضاء يوميًا. بل إنها أعجبتني كلمة لأحد القضاة مرة وهو يتكلم على هذا المعنى وأكد عليه يقول: أنا متأكد أن مدير المدرسة، والأستاذ في المدرسة يستعملون القضاء أكثر من استعمال القاضي في المحكمة لأن القاضي تحال عليه في اليوم يعني قرابة اثنا عشر قضية ما يزيد عليها، بينما الأستاذ يمكن يحل في اليوم خمسين قضية بين الطلاب، فيجب عليه أن يراعي هذا الأمر ولذلك (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ) في أي موطن حتى بين الكفار، حتى بين مسلم وكافر (أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) لاحظ لم يقل أن تسووا بينهم، وإنما (تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) يعني تعطوا كل واحد ما يستحقه إن ظالمًا أو مظلومًا
د. عبد الرحمن الشهري: ولم يقل وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالمساواة وإنما بالعدل.
د. محمد الخضيري: العدل الذي يعني أن يُعطى كل ذي حق حقه
د. عبد الرحمن الشهري: ولعل هذا يناسب أيضًا ما تقدم معنا من قضية تقسيم الميراث عندما قال الله -سبحانه وتعالى- (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) هذا مقتضى العدل أليس كذلك؟
د. محمد الخضيري: بلى
د. عبد الرحمن الشهري: أن للذكر مثل حظ الأنثيين في الآيات وحسب التفصيل الذي مر معنا أن هذا مقتضى العدل وأن الأولى هو استخدام هذه المفردة القرآنية بدل كلمة المساواة التي كثر تردادها اليوم!
د. مساعد الطيار: أيضًا لفظ الجلالة كما نلاحظ يتكرر (إِنَّ اللَّهَ)
د. عبد الرحمن الشهري: أحسنت (إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ) ما معناها يادكتور ؟
د. مساعد الطيار: يعني إن الله نعم ما يعظكم به فأدغمت الميم
د. عبد الرحمن الشهري: (نِعِمَّا) يعني أصلها نعم ما يعظكم به ثم قال (نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ)
د. مساعد الطيار: أريد أن نقف أولًا على هذه التريبة الإلهية، لاحظ أن المربي هو الله –سبحانه وتعالى – ولاحظ القرآن كلها أن الذي يربينا هو الله –سبحانه وتعالى – وهذه منزلة عظيمة للإنسان أن يتولى تربيته ربه –سبحانه وتعالى - وخالقه لذا تجد دائمًا الأوامر تأتي إما بالرب، أو بلفظ الجلالة وإن كان الأكثر بلفظ الجلالة. (يَعِظُكُمْ بِهِ) الوعظ بمعنى التذكير وكأنه يريد أن يقول إن الله –سبحانه وتعالى –لا يعظكم إلا بما هو خير لكم، مآله القريب والبعيد هو خير لكم، ولهذا لاحظ أنت لما قال (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) دائمًا إجعل نفسك في الطرف الثاني ماذا تحب أن يكون؟
د. عبد الرحمن الشهري: أن يؤدّى إليك
د. مساعد الطيار: إي (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) أيضًا اجعل نفسك في الطرف الثاني ماذا تحب أن يكون؟ لا شك أن كل إنسان يحب أن يجر الأمر إليه لكن هل هذا هو الصواب؟! نقول لا، الله – سبحانه وتعالى – أمر بالعدل فإن كان العدل أن يقضى لك فإننا جميعًا نرضى بذلك، وإن كان العدل أن يقضى عليك فإنا أيضًا جميعًا نرضى بذلك، فإذن المسألة نبحث عن العدل وليس نبحث عن حظوظ النفس.
د. عبد الرحمن الشهري: وهذا مقتضى التسليم والإيمان بالله سبحانه وتعالى أنك تقبل بحكم الله-سبحانه وتعالى – سواء كان لك أو عليك.
د. مساعد الطيار: نعم، ولهذا أنا أذكر أحد الأقارب دخل في قضية بين أخوين كان بينهم خصومة وأراد هو أن يحلها وجعلوه حكمًا بينهم، فذكّرهم بالله وذكّرهم أيضًا بأن الحَكَم إذا حكم ما يعترض عليه، وأنه يجتهد ويقضي بما يمن الله عليه فالمهم عرضت القضية يقول: بعد ما عرضت، يقول هو كان يتكلم عن بعض النفوس تحتاج إلى شد معها، وبعض النفوس لا، تحتاج إلى الرفق واللين، يقول: لما قضيت القضية وانتهيت قلت: أنه قسمت الموضوع في المزرعة الفلانية كذا المهم قسمت الأموال بينهم الأكبر منهم كأنه اعترض قال: ياشيخ كيف هذا؟ وأنا كذا، يقول مباشرة أول ما قال الكلام هذا قلت له :يا فلان ألا تتقي الله أنا قدمت لك بمقدمة وذكرت لك أني جئت حاكمًا والحاكم إذا قضى انتهى الأمر، وأنت
د. محمد الخضيري: ورضيت بحكومتي
د. مساعد الطيار: ورضيت بحكومتي، وبدل أن تقول الحمد لله الذي فصل الأمور على هذا فإن كان شيء من حقي فأنا متنازل عنه وأنت يا أخي إن كان من شيء أصابني من حقك فليتك تتنازل عنه وتنتهي القضية إلى المحبة والمودة أفضل، يقول سبحان الله ما تعداها، قال: لا والله آسف خلاص، ويقول: الحمد لله استمرت أمورهم بعد ذلك وانقضى
د. محمد الخضيري: ماشاء الله وفق
د. مساعد الطيار: نعم
د. عبد الرحمن الشهري: في قوله (إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ) أنتم تلاحظون في سورة النساء تكرر ذكر الوعظ مر معنا الوعظ في قوله –سبحانه وتعالى – (واللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ) وهنا قال (إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ) وسوف يأتي معنا (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68)) في الحقيقة هذه الفوائد التي رتبها الله على الاستجابة للوعظ فوائد ينبغي أن يتذكرها كل من يستمع إلى موعظة وكل من يتعرض للوعظ، وأن يبالغ في شأن الاستفادة من هذه الموعظة، لأن بعض الناس يتكبر عندما يعظه شخص ويرى أنه أكبر من أن يوعظ
د. محمد الخضيري: يعني أنا لست طفلاً حتى أذكر أو أوعظ. الحقيقة هنا أيضًا ملحظ قريب مما ذكرت يا أبا عبد الله وهو أن الناس يحتقرون الوعظ وإذا أرادوا أن يهونوا من شأن إنسان يقول لك هذا ما هو هذا الرجل، فيقول لك هو دكتور في الجامعة أم واعظ؟! مثلاً، يعني مرتبة الواعظ مرتبة إنسان ما عنده شيء إلا أنه فقط يتكلم عن الجنة والنار، أو يرقق القلوب أو شيء من هذا القبيل ومايعلمون أن الله –سبحانه وتعالى وصف نفسه بذلك.
د. عبد الرحمن الشهري: مثل الذي هنا (إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ) (يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا)
د. محمد الخضيري: (يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا) هذه نص في هذه المسألة وأن الرب –سبحانه وتعالى – ينسب لنفسه هذا الفعل ولايمكن أن ينسب الله لنفسه فعلاً يكون فيه شيء من النقص بل هو في غاية الكمال والتمام، ولعل الشيخ أبو بكر الجزائري –حفظه الله وأمد في عمره-يقصد هذا المعنى عندما يعرف بنفسه فيقول :الواعظ في المسجد النبوي يعني مايقول مثلاً شيخ التدريس أو مثلاً
د. عبد الرحمن الشهري: مع أنه مفسر أيضًا
د. محمد الخضيري: نعم مع أنه مفسر وفقيه وعنده جملة من العلوم نسأل الله –سبحانه وتعالى –أن يتقبل منه إلا أنه يعرِّف بنفسه فيقول الواعظ في المسجد النبوي، وهذه لفتة في أنه هذه المرتبة وهذا العمل الجليل يجب أن يكون محل احترام. الآية هذه تذكرني أيضًا بقصة اسمحوا لي بها في بعض مناطق المملكة يقللون من شأن المؤذن ويرون أن المؤذن حتى بعضهم- والعياذ بالله- يصل به الأمر إلى أنه لا يزوجوه، فتجد في بعض القبائل يأنفون من أن يكون فيهم من يؤذِّن، الشيخ –الله يرحمه –فيصل آل مبارك الذي كان من علماء الرياض ثم انتدبه الملك عبد العزيز ليكون قاضيًا في منطقة الجوف، طبعًا الشيخ لما جاء وجد المنطقة بحاجة إلى أن تُحيا فيها دروس العلم فعمل فيها عملاً عظيمًا، وكان من ضمن اللفتات الجميلة التي قام بها أنه وجد أن بعض القبائل هناك تأنف من الأذان وتستصغر وتنتقص هذا المؤذن، فماذا كان يفعل؟كان هو يقوم بالأذان بنفسه طبعًا هو شيخ المنطقة كلها
د. عبد الرحمن الشهري: القاضي
د. محمد الخضيري: نعم، فحتى يرفع شأن المؤذن،في منطقة القصيم، أو في بعض مناطق القصيم يسمون المؤذن "رَيِّس" يعني من أجل ماذا؟ الرفع من شأنه لئلا يحصل ما حصل في بعض المناطق من الإقلال من شأنه ونحن نقول هذا مهمة المصلحين
د. مساعد الطيار: يعني يقول له أذن يا"رَيِّس".
د. محمد الخضيري: يقول له أذن يا"ريس" نعم، يسمى الريس ، يقول جاء الريس، ذهب الريس وإذا سمعت اسم" الريس" في بعض المناطق ترى الأصل أبوهم كان مؤذن لأجل هذا المعنى أنه ريس، وأطول الناس أعناقًا يوم القيامة المؤذنون نعم
د. عبد الرحمن الشهري: سبحان الله جميل جدًا هذه أول مرة أسمع بها الحقيقة
د. محمد الخضيري: ألا ترون يا إخواني أن الإتيان بالحكم بالعدل بعد أداء الأمانة أن هذا الترتيب جاء في موقعه من جهة
د. عبد الرحمن الشهري: كيف ذلك؟
د. محمد الخضيري: إي نعم، أن كل إنسان لو أدى الأمانة فستنسجم الأمور ولن يبقى عندنا إلا الإشكالات التي
د. عبد الرحمن الشهري: بسيطة
د. محمد الخضيري: بسيطة، تحتاج إلى حاكم يحكم فيها بالعدل. فيمكن والله أعلم أن الحكم بالعدل متمم لأداء الناس للأمانة فإذا أدى الناس الأمانات، وحكموا بالعدل، فقد استقامت أمورهم وصلحت جميع أحوالهم وليس هناك مايكدر صفو العيش عندهم.
د. عبد الرحمن الشهري: نعم والله صحيح. ولذلك قالوا "لو أنصف الناس لاستراح القاضي "يعني لو أدى كلٌ أمانته على أكمل وجه لما بقي ربما إلا القلة القليلة تحتاج إلى (أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)
د. عبد الرحمن الشهري: تأتي الآية التي بعدها يا إخواني وهي من الآيات العظيمة في كتاب الله وهي قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) كيف أول الآية هذه فيها لفتة أنها أمرت بطاعة الله –سبحانه وتعالى- على وجه الانفراد (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ) لذلك إذا جاء الأمر من الله –سبحانه وتعالى –فإنه ينبغي على المسلم أن يسارع للاستجابة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ)
الأمر الثاني: أنه جاء الأمر بطاعة الرسول –صلى الله عليه وسلم- على وجه الاستقلال أيضًا فقال (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)
د. محمد الخضيري: وكأن أمر الرسول مطاع لو جاء وحده
د. عبد الرحمن الشهري: نعم يعني مستقل بالتشريع –عليه الصلاة والسلام-تستقل السنة بالتشريع كالقرآن تمامًا، فيرد فيها أحكام لاترد إلا فيها وينبغي للمسلم أن يسارع إلى الاستجابة إليها
د. محمد الخضيري: وهذا فيه أعظم الرد على القرآنيين.
د. عبد الرحمن الشهري: كما مر معنا تذكرون عندما ذكرنا المحرّمات من النساء فقلنا (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ) في القرآن والنبي –صلى الله عليه وسلم –جاء بتحريم الجمع بين البنت وخالتها، والبنت وعمتها بالسُنّة، وأيضا جاء تحريم كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير ورد بالسنة ولم يذكر في القرآن
د. مساعد الطيار: الأمثلة كثيرة
د. عبد الرحمن الشهري: وهذا مصداق لقوله (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)
اللفتة الثالثة :أنه قال (وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) ولم يقل يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأطيعوا أولي الأمر منكم لا، ليس على وجه الاستقلال لأن ولي الأمر لايطاع إلا فيما كان فيه طاعة لله، وطاعة لرسوله فإذا أمر بشيء فيه معصية فإنه لا يطاع وهذه من اللفتات الجميلة التي ينبه عليها المفسرون كثيرًا
د. محمد الخضيري: أن طاعتهم تبعٌ لطاعة الله وطاعة رسوله
د. مساعد الطيار: والسلف لهم في أولي الأمر قولان:
د. عبد الرحمن الشهري: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"، من هم أولي الأمر يا دكتور؟
د. مساعد الطيار: أولو الأمر العلماء وهذا الأشهر، والثاني أن أولي الأمر الأمراء والحكام
د. عبد الرحمن الشهري: العلماء هم الأشهر؟! أم العكس؟
د. مساعد الطيار: العلماء هم الذين يؤول إليهم الأمرفي النهاية، لو تأملت الآن (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)الذي هم الحكام، الحكام يأتمرون بأمر العلماء في النهاية
د. محمد الخضيري: يعني هم منفذون لما يقول
د. مساعد الطيار: فيؤول من قال بأنهم الحكام يؤول إلى من قال بأنهم العلماء ولا عكس.
د. عبد الرحمن الشهري: لكن يأتي سؤال يادكتور من هو الذي يصدر الأوامر ويستجاب أمره في التنفيذ، هل هو العالم أو الأمير؟
د. مساعد الطيار: الأمير
د. عبد الرحمن الشهري: يعني النبي –صلى الله عليه وسلم عندما كان يرسل أمراء
د. مساعد الطيار: لكنهم كانوا علماء
د. عبد الرحمن الشهري: نعم يعني أرسل أبو موسى الأشعري مثلاً أميرًا على البصرة
د. مساعد الطيار: لكنه كان أميرًا عالمًا
د. عبد الرحمن الشهري: مثلاً وكان عبد الله بن مسعود قاضيًا وعالمًا
د. مساعد الطيار: نعم
د. عبد الرحمن الشهري: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) الآن
د. مساعد الطيار: طبعًا نلاحظ أنه لم يرد إلى أولي الأمر فما معنى أولي الأمر؟
د. عبد الرحمن الشهري: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ) انظر في شيء هنا تدل على أن
د. مساعد الطيار: مطلق
د. عبد الرحمن الشهري: النزاع في أي شيء يفترض أن المسلم يرد هذا الخلاف إلى القرآن، وإلى السنة وإلى الله وإلى الرسول
د. محمد الخضيري: (شَيْءٍ) ولو كان قليلاً
د. عبد الرحمن الشهري: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ) ما معنى الرد إلى الله يادكتور؟
د. مساعد الطيار: إلى كتاب الله
د. محمد الخضيري: الرد إلى الله كما ذكر الدكتور مساعد إلى كتاب الله والرد إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم – شيئان:
ردٌ إليه في حياته بأن يتحاكم إليه كما سيأتي معنا في الآيات بعد قليل
وردٌ إلى سنته بعد مماته والرد إلى سنته هو الرد إليه –عليه الصلاة والسلام –وسنته بالمناسبة أود أن أؤكد على هذا المعنى محفوظة لم يذهب علينا منها شيء لأنها من الذكر والله –عز وجل- قد تكفل بحفظ الذكر
د. عبد الرحمن الشهري: جميل، ممايؤيد ما ذكرتم يا مشايخ (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) والدكتور مساعد يقول لم يذكر أولي الأمر بل أنا أقول أنه ظاهر أن الرد إلى الله والرد إلى الرسول –صلى الله عليه وسلم –لا يكون إلا عن طريق العلماء
د. مساعد الطيار: وهذا الذي أريد أن أقوله أنه في النهاية ولاة الأمر يرجعون إلى العلماء ولهذا لما قلنا أن أولي الأمر في النهاية يرجع إلى العلماء هذا أحد الدلائل
د. عبد الرحمن الشهري: يعني أنت الآن عندما تقول الرد إلى الله، الرد إلى الله ليس أي واحد يرجع إلى القرآن الكريم مباشرة ويستنبط الحكم ويقول أنا رديت إلى الله، وإنما يرد إلى العالِم الذي يفهم كلام الله –سبحانه وتعالى –فيكون رده إلى الله ردًا صحيحًا، لأنه فهم فهمًا صحيحًا فرد إلى حكم الله أليس كذلك؟
د. محمد الخضيري: بلى، جميل. وهنا ملحظ مهم جدًا وهو أننا عندما نختلف وهذا كثيرًا ما يحصل في مجالسنا وبين طلاب العلم وبين العلماء يجب على من يحكم في هذه المسألة أو يكتب ويبين أن يكون رده بالفعل إلى كتاب الله وسنة رسوله، يعني ما آتي إليك وأقول لك يا أخي قال الله قال رسوله وتقول لي: لا، لكن أبو حنيفة يقول كذا، الشافعي –رحمه الله -يقول كذا، مالك يقول كذا، أنا أقول لك :قال الله قال رسوله وأنت تقول لي: قال فلان وقال فلان
د. عبد الرحمن الشهري: وكان الكلام واضحًا والدلالة واضحة .
د. محمد الخضيري: نعم، ثم أنا لا أريدك أن تقول لي فقط قال :الإمام مالك وتنتهي لأن مالك يحتج له ولايحتج به، وأحمد يحتج له، لايحتج به والشافعي يحتج له وأبو بكر و عمر يحتج لهما فضلاً عن غيرهما مما هو دونهما، يعني كل هؤلاء نحتج لهم ولانحتج بهم، بمعنى أن نقول الحجة في كلامه، فالمرجع والمآل إلى كلام الله، وكلام رسوله أنا أقول لك أعطني حجة، إذا قلت: الإمام مالك لا يقولها عبثًا وأنا أؤمن بهذا أنه لم يقلها عبث أعطني حجتك في هذه المسألة فقط، والحجة إنما تكون بقال الله وقال رسوله
د. عبد الرحمن الشهري: وهذا السؤال مشروع
د. محمد الخضيري: سؤال مشروع، نعم
د. عبد الرحمن الشهري: ثم يقول هنا (ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) يعني ذلك الرد إلى الله، وإلى الرسول في حال التنازع خير وأحسن تأويلا، هل معنى الآية عند ما نقول ذلك خير أن معناها أن الرد إلى من سِوى الله، وإلى من سِوى الرسول –صلى الله عليه وسلم –فيه خير ولكن الرد إلى الله والرسول أفضل؟
د. محمد الخضيري: ليس المراد بها صيغة من صيغ التفضيل، بل المقصود أن الخير محصور في الرد إلى الله والرد إلى الرسول
د. عبد الرحمن الشهري: لأنه لايجوز الرد إلى غيرهما
د. محمد الخضيري: نعم، أيضًا قوله (وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) أحسن عاقبة يعني أحيانًا قد يكون الرد إلى غير الله وإلى غير رسول الله –صلى الله عليه وسلم –فيما يبدو للناس أنه أحسن في العاجلة لكن العاقبة تأتي على غير مايتوقعها الإنسان العاقبة لا بد وأن تكون سيئة لأن التناقض والاضطراب مقرون بعمل البشر، ولذلك سيأتينا قول الله –عز وجل- (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) انظر إلى النُظُم الآن الغربية، والقوانين التي يشرعها الناس فيما بينهم تجد أنها باستمرار تتغير ويطرأ عليها التعديل والتبديل، بل يكتشف الناس أنهم كانو يعملون بقانون ضد مصالحهم تمامًا فيبطلونه تمامًا، وفي يوم من الأيام عندما شرعوا ذلك القانون انتصروا له بقدر ما يستطيعون وقالوا للناس مانعرف ولا يمكن أن يؤتى بأحسن منه من هذا النظام
د. عبد الرحمن الشهري: ثم يُحدَّث فتكتشف فيه أخطاء كثيرة
د. مساعد الطيار: في صيغة أفعل أفعل التفضيل وهذه أشار إليها مثل خير وأحسن أشار إليها السهيلي في وكذلك ابن تيمية، وابن القيم ومجموعة من العلماء أن السياق هو الذي يدل على هل لها مقابل أو ليس لها مقابل، فإن كان ليس لها مقابل مثل هذا الموطن فهي دلالة على كمال الصفة -مثل قوله تعالى-( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) ليس لها مقابل فدلال على كمال الصفة في العلو. (ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) ليس لها مقابل يعني الرد إلى الله وإلى الرسول فيه تمام الخيرية، وتمام الحسن أيضًا
د. عبد الرحمن الشهري: يأتي الحديث الآن مرة أخرى إلى المنافقين
د. مساعد الطيار: هناك قضية فقط
د. عبد الرحمن الشهري: تفضل ما هي ؟
د. مساعد الطيار: الآن لما قال :( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) الرد إلى الله والرسول لايختلف عليه مسلم لكن أنا عندي أن النظر في المشكلة في الفهم فهم مراد الله، ومراد رسوله
د. عبد الرحمن الشهري: وإلا فكلٌ يدعي أنه يرد إلى الله والرسول كل المذاهب والطوائف.
ننتقل للحديث عن الطائفة التي تليها وهي قوله –سبحانه وتعالى-( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا) الحقيقة هذا يدخلنا الآن في الحديث عن الصنف الثالث وهو صنف المنافقين ويأتي في سورة النساء هنا الآن حديث مطول عن المنافقين فيقول الله –سبحانه وتعالى-(أَلَمْ تَرَ) يامحمد (إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ) معناها أنهم ماذا؟ طبعًا الزعم أخو الكذب (يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) يعني ما أنزل إليك من شرائع الإسلام وما أنزل من قبلك من الشرائع التي سبقت الإسلام. (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا) إلى آخر الآية، المنافقون تذكرون في أول سورة
د. مساعد الطيار: أبو عبد الله لو تكرمت قبل فقط نريد نربط الآية بالآية، لما قال عن أولئك (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) وهو مقتضى الإيمان ذكر مقابل لهم
د. عبد الرحمن الشهري: الذين لايردون إلى الله
د. مساعد الطيار: لا يردون إلى الله وإلى الرسول
د. عبد الرحمن الشهري: نعم، جميل تلاحظ أنه في سورة البقرة جاء الحديث عن الأصناف الثلاثة في أول سورة البقرة، وتحدثنا عنها في مجالس "بينات "كثيرًا، أن الله سبحانه ذكر صنف المؤمنين ثم ذكر الكافرين في آيتين والمؤمنين في خمس آيات ثم فصل في ثلاثة عشر آية في أمر المنافقين. هذه الحقيقة من المواضع في سورة النساء التي جاءت فيها تفصيل عن المنافقين، وسورة النساء نزلت على النبي-صلى الله عليه وسلم- في السنة السادسة من الهجرة والمنافقون على أشدهم في الكيد للنبي –صلى الله عليه وسلم- ومحاربة الإسلام فقال الله –سبحانه وتعالى- (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ ) فبين الله –سبحانه وتعالى- كشف حقيقتهم، والمنافقون بطبيعتهم يظهرون للنبي صلى الله عليه وسلم شيئًا ويخفون الحقيقة فيقول الله –سبحانه وتعالى –يكذبهم (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا) وهم لم يؤمنوا فيفصِّل –سبحانه وتعالى -في صفاتهم في هذه الآيات في قوله (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ) ما قال رأيتهم (يصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا) قال (رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا) من الأشياء الرائعة
د. مساعد الطيار: هذا ما يكون .
د. عبد الرحمن الشهري: إظهار في موضع الإضمار
د. مساعد الطيار: لا، هو في الأول أضمر ثم أظهر أم لا؟!
د. عبد الرحمن الشهري: إلا، بلى، تلاحظ أن القرآن الكريم عندما يذكر صفات المنافقين يركز على الصفات أليس كذلك؟
د. محمد الخضيري: بلى
د. مساعد الطيار: جميل، صحيح.
د. عبد الرحمن الشهري: يركز على الصفات، ولذلك لا تجد قال في القرآن الكريم بالرغم من أنه ذكر المنافقين في آيات كثيرة اسم عبد الله بن أبي مثلاً صحيح أم لا؟
د. محمد الخضيري: نعم ، ولا أي شخصية
د. عبد الرحمن الشهري: ولا أي شخصية أخرى من المنافقين بالرغم من أنهم كانوا أشخاصًا معروفين بنفاقهم (وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ) والمفسرون كلهم يذكرون أنه عبد الله بن أبي، القرآن الكريم أهمله تمامًا، والحقيقة هذا أدب رباني في معالجة مثل هذه القضايا بأنه يذكر دائمًا يركز على الصفات ويُتغافَل تمامًا عن الأسماء والأشخاص، وهذا الحقيقة أدب نحن نفتقر إليه تمامًا في كتابتنا، فتجد الرغبة في التشهير موجودة عند كثير من الكتاب ولو كان اتبع هذا المنهج القرآني لما ذكر أحدًا وإنما يذكر هذه الصفات ويعالجها، ما رأيكم في هذه الفكرة وهذه المنهجية؟
د. محمد الخضيري: جميل، أنا أقول خصوصًا في المنافقين لماذا؟ لأن فكرة النفاق هي فكرة واحدة فهي لاتتعلق بأشخاص والمشكلة مع هؤلاء ليست مشكلة شخصية، هي مشكلة مع منهج، وهذا المنهج ليس من الحكمة أن تعلقه بأشخاص، يعني ممكن لو علقته بأشخاص لارتبط الأمر بهؤلاء الأشخاص وجودًا وعدمًا، إن وجدوا وجدت هذه الآيات أوالرد عليهم وإن ذهبوا سبّهم الناس وشتموهم ونسوا من يأتي مقتديًا بآثارهم، ولذلك القرآن يكشف كثيرًا من صفاتهم لعلمه بأن هذا الصف أوهذا الطابور
د. عبد الرحمن الشهري: (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ)
د. محمد الخضيري: أي نعم، (أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ) فالمؤمنون ينبغي عليهم أن يتعرفوا على صفات المنافقين ليكتشفوها فيمن يعيش بينهم وما أكثر المنافقين!! هذا الطابور ابتلى الله به أهل الإيمان إلى آخر الزمان.
د. عبد الرحمن الشهري: جميل، أيضًا ذكر الله-سبحانه وتعالى- من صفات المنافقين كثرة الحلف الكاذب كما في قوله –سبحانه وتعالى – (فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ) وفي قوله (يَحْلِفُونَ) هنا حتى التعبير بالفعل المضارع فيه إشارة إلى أن هذا من أخلاق المنافقين المستمرة أنه يكثر الحلف أقسم بالله، أقسم بالله، أقسم بالله على الصغيرة، والكبيرة وعلى الطالعة والنازلة وهو يقسم بالله أنه ليس كما ندعي وكما نزعم، قال (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا) سبحان الله العظيم! يعني هذه الآية بالذات تتكرر كثيرًا في حياة الناس، وهو أن كثيرًا من المنافقين الذين تظهر فيهم صفات النفاق يدعون إلى مشروعات يظهر جليًا للصادقين المخلصين المتنورين بنور الله أن مشروعاتهم هذه مشروعات منافقين تسعى إلى هدم المجتمع المسلم من الداخل، وإذا انتقدوا أو كتب عنهم أو وعظوا أكثروا من الحلف ومن الأيمان ومن الإدعاءات بأنهم ما أرادوا بهذه المشروعات إلا تقدم المجتمع والخروج بالمجتمع من الرجعية والخروج بالمجتمع من التخلف وإطلاق طاقات المجتمع وإنصاف المرأة كما قال الله سبحانه وتعالى ( إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا) فيقول الله –سبحانه وتعالى (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ) نرجع للموعظة مرة ثانية (وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا)
د. مساعد الطيار: أنا أذكر بعض العلماء لكن ما أذكر من هو في قوله (وَتَوْفِيقًا) وقف عند من أراد أن يوفق بين الفلسفة والشريعة
د. عبد الرحمن الشهري: كما صنع ابن رشد
د. مساعد الطيار: وأدخلها في هذا المعنى ولكني لا أذكر من هو
د. عبد الرحمن الشهري: وهي فعلاً تنطبق
د. مساعد الطيار: (إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا) ولهذا هم أرادوا أن يوفقوا بين كل من أراد أن يوفق بين العقل –طبعًا غير المنضبط بالشرع-والشرع أو الفلسفة والشرع فإنه يدخل في هذا المعنى (إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا)
د. عبد الرحمن الشهري: ولا شك والله أن كثيرًا ممن تكلم في علم الكلام وأطال في علم الكلام وحاول أن يطوع علوم الشرع لفلسفة علم الكلام أن الكثير كثير منهم ينطبق عليه وصف المنافقين، لأن هذا العمل قد أدخل من الفساد على العلوم الإسلامية ما الله به عليم! وقد يعني كما تفضل الدكتور مساعد حاولوا أن يوفقوا بين الفلسفة وعلم الشرع فلم يوفقوا في ذلك أبدًا، وكل العلماء علماء الكلام الذين قطعوا فيه شوط في النهاية رجعوا إلى الشرع ورجعوا إلى الحق واعترفوا أن ما كانوا فيه تجربة فاشلة
د. مساعد الطيار: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ) قال (رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا) الحقيقة الآية تشير إلى مسألة مهمة جدًا يجب أن نلحظها وهي أن من يتحاكمون إلى غير الشرع فإن فيهم هذه الصفة، فهم يُعرِضون عما أنزل الله ويعرضون عن المحاكم الشرعية إلى محاكم أخرى فهم يدخلون في هذا المعنى، لأنك إذا تأملت حالهم هم يُدعَوْن إلى الله وإلى الرسول ليحكم بينهم فيتولون إلى التحاكم
د. عبد الرحمن الشهري: إلى الطاغوت والأحكام الوضعية
د. مساعد الطيار: نعم إلى غير الشرع، وهذه المشكلة لا شك أنها خطيرة جدًا كونك تخرج من رقابة الشرع لقضاء تفتعله أنت هذه مضادة ومضاهاة لحكم الله -سبحانه وتعالى – ولذا يخشى على من يفعل مثل هذا يُخشى عليه النفاق ويُخشى على المجتمع الذي يرضى بمثل هذه المصيبة
د. عبد الرحمن الشهري: لعلنا نتوقف يا إخواني لأنه انتهى الوقت ولعلنا في الحلقة القادمة –بإذن الله تعالى –نتوقف مع صفات المنافقين في هذه الآيات لأنها الحقيقة جديرة بمزيد من التفصيل وإلقاء الضوء. أيها الإخوة المشاهدون الكرام نشكركم على متابعتكم لهذا اللقاء ونستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه ونلقاكم –بإذن الله- في الحلقة القادمة وأنتم على خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
بُثّت الحلقة بتاريخ 28 رمضان 1431 هـ
 
الحلقة 28
تأملات في سورة النساء، الآيات 58 - 60
د. عبد الرحمن الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الأخوة المشاهدون الكرام في كل المكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وحياكم الله في هذا اللقاء القرآني المتجدد"بينات"والذي يأتيكم على "قناة المجد" هذه القناة المباركة نسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك فيها وفي جهود القائمين عليها. لا زلنا في مجلسنا في "بينات" مع الدكتور مساعد الطيار والدكتور محمد الخضيري نتحدث حول آيات سورة النساء، فقد وقف بنا الحديث في المجلس السابق عند نهاية الآية السابعة والخمسين من سورة النساء وهي قوله تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا) وسوف نبتدئ -بإذن الله تعالى-في هذا اللقاء بالآيات التي تليها وهي قول الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) وقبل أن ندخل في الحديث حول هذه الآيات نستمع إليها مرتلة ثم نعود للحديث عنها –بإذن الله تعالى-
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60))
وبعد أن استمعنا أيها الإخوة المشاهدون إلى هذه الآيات من هذه السورة العظيمة نعود للحديث حولها. كنا تحدثنا يا مشايخ في الحلقات الماضية في سورة النساء وقلنا إن سورة النساء يمكن أن تسمى سورة الحقوق، ومر معنا حقوق كثيرة متعلقة بالتركات، ومتعلقة بالأيتام، ومتعلقة بالزوجات، والصداق، ثم جاء بعد ذلك الحديث عن الحقوق التي نسميها الحقوق العشرة في قوله تعالى (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا). ثم تلاحظون الآن تأتي هذه الآية العظيمة التي تتحدث عن أداء الأمانات إلى أهلها، وكأنها تريد أن تلخص السورة من أولها، وأن هذه الحقوق هي عبارة عن أمانات ينبغي على المسلم أن يؤدي هذه الأمانة على وجهها فيقول (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) الحقوق التي مرت كلها أمانات، حقوق الأيتام هي أمانة عند الولي لا بد أن يؤديها، الصداق وحقوق الزوجة هي أمانة عند الزوج يجب أن يؤديها، المحافظة على الأموال ولا تؤتوا السفهاء أموالكم حقوق أيضًا وأمانات ينبغي على المجتمع أن يحافظ عليها، ولذلك النبي –صلى الله عليه وسلم –قال في حديث صحيح قال" إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ" فمعنى هذا أنه ما دام المجتمع محافظًا على الأمانة فإن الساعة لم تأتِ بعد أو لم تقترب بعد، أليس كذلك؟
د. محمد الخضيري: بلى
د. عبد الرحمن الشهري: أمر آخر عندما قال (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) هناك مرت إشارات أيضًا في الآيات السابقة إلى التحكيم عندما ذكر الخلاف بين الزوجين أليس كذلك؟ قال (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا) جاءت هذه الآية أيضًا لتضع أيضًا القانون (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) ويمكن أن تسمي هذه الآيات أنها من قواعد القرآن أليس كذلك؟
د. محمد الخضيري: بلى
د. عبد الرحمن الشهري: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) هذه قاعدة عامة سواء كانت أمانة لمسلم أو أمانة لكافر فإنه ينبغي عليك أن تؤديها، وكذلك الحكم بالعدل بين الناس. هل لديك يادكتور تعليق حول الصلة بين هذه الآية و ماتقدم؟
د. محمد الخضيري: طبعًا كما أسلفت الحقيقة واضح جدًا أن هذه تأكيد على تلك الحقوق التي أمر بها من أول السورة، والحقيقة أن الأمر بأداء الأمانات في القرآن، وحفظ هذه الأمانات كثير، وأنه يأتي في مقدمة الأوصاف التي يوصف بها الذين يستحقون كرامة الله –عز وجل -في الآخرة. فمنها قول الله –عز وجل-(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) ثم قال (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)، لاحظ (لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) وذكر هذا أيضًا في سورة المعارج وأعاده بلفظه لما قال (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23)) ثم قال (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ) فهذا يدلنا على أن أداء الأمانة ورعايتها من أعظم ما يستوجب رحمة الله –عز وجل-ويستحق به الإنسان الفوز والفلاح في الدنيا وفي الآخرة.
والأمانة إسم عام يشمل كل ما اؤتمن عليه الإنسان قال الله –عز وجل-(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) ما هي الأمانة؟ هي أمانة التكليف، يعني عبادتك لله –عز وجل-، قيامك بحق والديك، صلتك لأرحامك، أداؤك للحقوق الواجبة عليك كما في هذه السورة، وغير ذلك مما اؤتمنت عليه كله مما اؤتمن الآدمي عليه، وكلف به، فالله عرضها على السماوات والأرض والجبال، فكل واحدة من هذه تبرأت من حمله لثقله، وحمله الإنسان، ثم وصف الله الإنسان بأنه ظلوم جهول، فالحاصل أن أداء الأمانة وحفظها ورعايتها من أعظم الأعمال ،و لذلك سيأتينا كأن هذا مقدمة لسورة المائدة التي تسمى سورة العقود يقول الله تعالى فيها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ) أمر الله بالوفاء بالعقود وحفظها وصيانتها ورعايتها في سورة الإسراء وهذا مما اشترك فيه القرآن المكي والمدني (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) الحقيقة أن هذا المعنى كبير جدًا، ولذلك أنا ممتن لما ذكرت من كون هذه الآية من قواعد القرآن الكريم، يعني الآيات التي تبنى عليها مسائل كثيرة جدًا ويندرج تحتها أمثلة وآيات أيضًا كثيرة.
د. مساعد الطيار: أيضًا الآية هذه مرتبطة بحال من أحوال النزول؛ فالرسول –صلى الله عليه وسلم- لما فتح مكة ودخل جوف الكعبة لما خرج كان يتلو هذه الآية (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا )
د. عبد الرحمن الشهري: منهم من يقول أنها نزلت فيها
د. مساعد الطيار: نعم هناك من يقول أنها نزلت فيها فهي تحتمل أنها كانت نزلت
د. عبد الرحمن الشهري: الآية التي نزلت في جوف الكعبة
د. مساعد الطيار: في جوف الكعبة ويذكرون هذه الآية (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) فخرج رسول –صلى الله عليه وسلم –ومعه مفتاح الكعبة فقال: أين عثمان بن شيبة ؟ ثم أعطاه مفتاح الكعبة
د. عبد الرحمن الشهري: ولازال مفتاح الكعبة إلى اليوم
د. مساعد الطيار: إي نعم لذا يسمونهم فلان الشيبي، فلان الشيبي من بني شيبة، وهناك الحقيقة ملحظ مهم جدًا من أين جاء لبني شيبة مفتاح الكعبة؟ طبعًا هم توازعوا الذين هم بنو
د. عبد الرحمن الشهري: الأعمال
د. مساعد الطيار: إي نعم، وكان لآل شيبة السدانة الذي هو مفتاح الكعبة فيبقى معهم إلى يوم القيامة, إلى طبعًا إلى أن تهدم الكعبة وهو معهم المفتاح لايأخذه منهم إلا ظالم، فهذا أيضًا يدلك على أن الأعمال التي كانت في الجاهلية من أعمال الخير أبقاها الإسلام كما هي
د. عبد الرحمن الشهري: وأقرّها
د. محمد الخضيري: بل زادها قوة وتأكيدًا
د. عبد الرحمن الشهري: لاحظوا (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) انظر ما أجمل ما يأمر به الإسلام! سبحان الله العظيم! وهو كمالات فعلاً أداء الأمانة، أداء الأمانة مأمور به مطلقًا فينبغي فعلاً على الإنسان أنه يربي في نفسه وفي أولاده الحرص على أداء الأمانة. يعني الآن المدرس في مدرسته مستأمن على هذه الوظيفة، ينبغي عليه أن يؤدي هذه الأمانة، المدير في مدرسته مستأمن على هذه الوظيفة ينبغي عليه أن يؤدي هذه الأمانة، التاجر في متجره مستأمن، "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته" هذه بصفة عامة ثم يقول (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ). سؤال :معناها الآن (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) معناها أن كل مكلف مستأمن ينبغي عليه أن يؤدي الأمانات إلى أهلها لكن (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) ليس كل أحد يتصدى لهذا الأمر وهو الحكم بين الناس وإنما أُمر بأن يقيم العدل من تصدى للحكم بين الناس قال (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)
د. مساعد الطيار: لكن يا أبو عبدالله مثلاً الأستاذ لما يصحح للطلاب ألا يدخل في معنى هذه الآية؟
د. عبد الرحمن الشهري: بلى هو في الصُلْب
د. مساعد الطيار: بعض الناس لو تلوت عليه هذه الآية يذهب إلى الحكم القضائي فقط
د. عبد الرحمن الشهري: أو شخص مثلاً استأمنك على مال أو استأمنك على شيء والأمانة أوسع من هذا بكثير
د. محمد الخضيري: الحقيقة الملحظ الذي ذكره الدكتور مساعد مهم جدًا أن ننتبه له أحيانًا يرتبط في أذهاننا أن هذا الوصف أو هذا المعنى يقوم به أناس معينين بحيث إذا مرت بنا الأحاديث الواردة في هذا الشأن مباشرة نستحضر شخصية أولئك الناس. مثلاً أحاديث القضاة التحذير من القضاء الظالم أو القاضي الذي يجور في حكمه دائمًا تذكر القاضي الذي يقضي في المحكمة الحقيقة الذي يمارس القضاء هم كثيرون في المجتمع
د. عبد الرحمن الشهري: المدرس، المدير.
د. محمد الخضيري: أحسنت، الزوج بين زوجاته –إذا كان له زوجات، الأب بين أبنائه، ألا يختلف أبناءك معك في السيارة وتحكم بينهم؟ يأتيك واحد منهم آه فلان ضربني تذهب مباشرة تضرب الثاني، أنت قاضي تسأل وتتأكد وهل عندك بينات، وتعرف ماذا حصل بالضبط، ثم تحكم حكم بالعدل ليس لأن هذا الصغير تضرب الكبير، ولا لأن الضعيف تضرب القوي! انتبه تحكم بالعدل. المدرس كما ذكرتم بين طلابه، الرئيس بين مرؤوسيه، المدير مدير الشركة بين موظفيه، كل هؤلاء يمارسون القضاء يوميًا. بل إنها أعجبتني كلمة لأحد القضاة مرة وهو يتكلم على هذا المعنى وأكد عليه يقول: أنا متأكد أن مدير المدرسة، والأستاذ في المدرسة يستعملون القضاء أكثر من استعمال القاضي في المحكمة لأن القاضي تحال عليه في اليوم يعني قرابة اثنا عشر قضية ما يزيد عليها، بينما الأستاذ يمكن يحل في اليوم خمسين قضية بين الطلاب، فيجب عليه أن يراعي هذا الأمر ولذلك (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ) في أي موطن حتى بين الكفار، حتى بين مسلم وكافر (أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) لاحظ لم يقل أن تسووا بينهم، وإنما (تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) يعني تعطوا كل واحد ما يستحقه إن ظالمًا أو مظلومًا
د. عبد الرحمن الشهري: ولم يقل وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالمساواة وإنما بالعدل.
د. محمد الخضيري: العدل الذي يعني أن يُعطى كل ذي حق حقه
د. عبد الرحمن الشهري: ولعل هذا يناسب أيضًا ما تقدم معنا من قضية تقسيم الميراث عندما قال الله -سبحانه وتعالى- (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) هذا مقتضى العدل أليس كذلك؟
د. محمد الخضيري: بلى
د. عبد الرحمن الشهري: أن للذكر مثل حظ الأنثيين في الآيات وحسب التفصيل الذي مر معنا أن هذا مقتضى العدل وأن الأولى هو استخدام هذه المفردة القرآنية بدل كلمة المساواة التي كثر تردادها اليوم!
د. مساعد الطيار: أيضًا لفظ الجلالة كما نلاحظ يتكرر (إِنَّ اللَّهَ)
د. عبد الرحمن الشهري: أحسنت (إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ) ما معناها يادكتور ؟
د. مساعد الطيار: يعني إن الله نعم ما يعظكم به فأدغمت الميم
د. عبد الرحمن الشهري: (نِعِمَّا) يعني أصلها نعم ما يعظكم به ثم قال (نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ)
د. مساعد الطيار: أريد أن نقف أولًا على هذه التريبة الإلهية، لاحظ أن المربي هو الله –سبحانه وتعالى – ولاحظ القرآن كلها أن الذي يربينا هو الله –سبحانه وتعالى – وهذه منزلة عظيمة للإنسان أن يتولى تربيته ربه –سبحانه وتعالى - وخالقه لذا تجد دائمًا الأوامر تأتي إما بالرب، أو بلفظ الجلالة وإن كان الأكثر بلفظ الجلالة. (يَعِظُكُمْ بِهِ) الوعظ بمعنى التذكير وكأنه يريد أن يقول إن الله –سبحانه وتعالى –لا يعظكم إلا بما هو خير لكم، مآله القريب والبعيد هو خير لكم، ولهذا لاحظ أنت لما قال (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) دائمًا إجعل نفسك في الطرف الثاني ماذا تحب أن يكون؟
د. عبد الرحمن الشهري: أن يؤدّى إليك
د. مساعد الطيار: إي (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) أيضًا اجعل نفسك في الطرف الثاني ماذا تحب أن يكون؟ لا شك أن كل إنسان يحب أن يجر الأمر إليه لكن هل هذا هو الصواب؟! نقول لا، الله – سبحانه وتعالى – أمر بالعدل فإن كان العدل أن يقضى لك فإننا جميعًا نرضى بذلك، وإن كان العدل أن يقضى عليك فإنا أيضًا جميعًا نرضى بذلك، فإذن المسألة نبحث عن العدل وليس نبحث عن حظوظ النفس.
د. عبد الرحمن الشهري: وهذا مقتضى التسليم والإيمان بالله سبحانه وتعالى أنك تقبل بحكم الله-سبحانه وتعالى – سواء كان لك أو عليك.
د. مساعد الطيار: نعم، ولهذا أنا أذكر أحد الأقارب دخل في قضية بين أخوين كان بينهم خصومة وأراد هو أن يحلها وجعلوه حكمًا بينهم، فذكّرهم بالله وذكّرهم أيضًا بأن الحَكَم إذا حكم ما يعترض عليه، وأنه يجتهد ويقضي بما يمن الله عليه فالمهم عرضت القضية يقول: بعد ما عرضت، يقول هو كان يتكلم عن بعض النفوس تحتاج إلى شد معها، وبعض النفوس لا، تحتاج إلى الرفق واللين، يقول: لما قضيت القضية وانتهيت قلت: أنه قسمت الموضوع في المزرعة الفلانية كذا المهم قسمت الأموال بينهم الأكبر منهم كأنه اعترض قال: ياشيخ كيف هذا؟ وأنا كذا، يقول مباشرة أول ما قال الكلام هذا قلت له :يا فلان ألا تتقي الله أنا قدمت لك بمقدمة وذكرت لك أني جئت حاكمًا والحاكم إذا قضى انتهى الأمر، وأنت
د. محمد الخضيري: ورضيت بحكومتي
د. مساعد الطيار: ورضيت بحكومتي، وبدل أن تقول الحمد لله الذي فصل الأمور على هذا فإن كان شيء من حقي فأنا متنازل عنه وأنت يا أخي إن كان من شيء أصابني من حقك فليتك تتنازل عنه وتنتهي القضية إلى المحبة والمودة أفضل، يقول سبحان الله ما تعداها، قال: لا والله آسف خلاص، ويقول: الحمد لله استمرت أمورهم بعد ذلك وانقضى
د. محمد الخضيري: ماشاء الله وفق
د. مساعد الطيار: نعم
د. عبد الرحمن الشهري: في قوله (إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ) أنتم تلاحظون في سورة النساء تكرر ذكر الوعظ مر معنا الوعظ في قوله –سبحانه وتعالى – (واللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ) وهنا قال (إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ) وسوف يأتي معنا (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68)) في الحقيقة هذه الفوائد التي رتبها الله على الاستجابة للوعظ فوائد ينبغي أن يتذكرها كل من يستمع إلى موعظة وكل من يتعرض للوعظ، وأن يبالغ في شأن الاستفادة من هذه الموعظة، لأن بعض الناس يتكبر عندما يعظه شخص ويرى أنه أكبر من أن يوعظ
د. محمد الخضيري: يعني أنا لست طفلاً حتى أذكر أو أوعظ. الحقيقة هنا أيضًا ملحظ قريب مما ذكرت يا أبا عبد الله وهو أن الناس يحتقرون الوعظ وإذا أرادوا أن يهونوا من شأن إنسان يقول لك هذا ما هو هذا الرجل، فيقول لك هو دكتور في الجامعة أم واعظ؟! مثلاً، يعني مرتبة الواعظ مرتبة إنسان ما عنده شيء إلا أنه فقط يتكلم عن الجنة والنار، أو يرقق القلوب أو شيء من هذا القبيل ومايعلمون أن الله –سبحانه وتعالى وصف نفسه بذلك.
د. عبد الرحمن الشهري: مثل الذي هنا (إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ) (يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا)
د. محمد الخضيري: (يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا) هذه نص في هذه المسألة وأن الرب –سبحانه وتعالى – ينسب لنفسه هذا الفعل ولايمكن أن ينسب الله لنفسه فعلاً يكون فيه شيء من النقص بل هو في غاية الكمال والتمام، ولعل الشيخ أبو بكر الجزائري –حفظه الله وأمد في عمره-يقصد هذا المعنى عندما يعرف بنفسه فيقول :الواعظ في المسجد النبوي يعني مايقول مثلاً شيخ التدريس أو مثلاً
د. عبد الرحمن الشهري: مع أنه مفسر أيضًا
د. محمد الخضيري: نعم مع أنه مفسر وفقيه وعنده جملة من العلوم نسأل الله –سبحانه وتعالى –أن يتقبل منه إلا أنه يعرِّف بنفسه فيقول الواعظ في المسجد النبوي، وهذه لفتة في أنه هذه المرتبة وهذا العمل الجليل يجب أن يكون محل احترام. الآية هذه تذكرني أيضًا بقصة اسمحوا لي بها في بعض مناطق المملكة يقللون من شأن المؤذن ويرون أن المؤذن حتى بعضهم- والعياذ بالله- يصل به الأمر إلى أنه لا يزوجوه، فتجد في بعض القبائل يأنفون من أن يكون فيهم من يؤذِّن، الشيخ –الله يرحمه –فيصل آل مبارك الذي كان من علماء الرياض ثم انتدبه الملك عبد العزيز ليكون قاضيًا في منطقة الجوف، طبعًا الشيخ لما جاء وجد المنطقة بحاجة إلى أن تُحيا فيها دروس العلم فعمل فيها عملاً عظيمًا، وكان من ضمن اللفتات الجميلة التي قام بها أنه وجد أن بعض القبائل هناك تأنف من الأذان وتستصغر وتنتقص هذا المؤذن، فماذا كان يفعل؟كان هو يقوم بالأذان بنفسه طبعًا هو شيخ المنطقة كلها
د. عبد الرحمن الشهري: القاضي
د. محمد الخضيري: نعم، فحتى يرفع شأن المؤذن،في منطقة القصيم، أو في بعض مناطق القصيم يسمون المؤذن "رَيِّس" يعني من أجل ماذا؟ الرفع من شأنه لئلا يحصل ما حصل في بعض المناطق من الإقلال من شأنه ونحن نقول هذا مهمة المصلحين
د. مساعد الطيار: يعني يقول له أذن يا"رَيِّس".
د. محمد الخضيري: يقول له أذن يا"ريس" نعم، يسمى الريس ، يقول جاء الريس، ذهب الريس وإذا سمعت اسم" الريس" في بعض المناطق ترى الأصل أبوهم كان مؤذن لأجل هذا المعنى أنه ريس، وأطول الناس أعناقًا يوم القيامة المؤذنون نعم
د. عبد الرحمن الشهري: سبحان الله جميل جدًا هذه أول مرة أسمع بها الحقيقة
د. محمد الخضيري: ألا ترون يا إخواني أن الإتيان بالحكم بالعدل بعد أداء الأمانة أن هذا الترتيب جاء في موقعه من جهة
د. عبد الرحمن الشهري: كيف ذلك؟
د. محمد الخضيري: إي نعم، أن كل إنسان لو أدى الأمانة فستنسجم الأمور ولن يبقى عندنا إلا الإشكالات التي
د. عبد الرحمن الشهري: بسيطة
د. محمد الخضيري: بسيطة، تحتاج إلى حاكم يحكم فيها بالعدل. فيمكن والله أعلم أن الحكم بالعدل متمم لأداء الناس للأمانة فإذا أدى الناس الأمانات، وحكموا بالعدل، فقد استقامت أمورهم وصلحت جميع أحوالهم وليس هناك مايكدر صفو العيش عندهم.
د. عبد الرحمن الشهري: نعم والله صحيح. ولذلك قالوا "لو أنصف الناس لاستراح القاضي "يعني لو أدى كلٌ أمانته على أكمل وجه لما بقي ربما إلا القلة القليلة تحتاج إلى (أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)
د. عبد الرحمن الشهري: تأتي الآية التي بعدها يا إخواني وهي من الآيات العظيمة في كتاب الله وهي قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) كيف أول الآية هذه فيها لفتة أنها أمرت بطاعة الله –سبحانه وتعالى- على وجه الانفراد (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ) لذلك إذا جاء الأمر من الله –سبحانه وتعالى –فإنه ينبغي على المسلم أن يسارع للاستجابة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ)
الأمر الثاني: أنه جاء الأمر بطاعة الرسول –صلى الله عليه وسلم- على وجه الاستقلال أيضًا فقال (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)
د. محمد الخضيري: وكأن أمر الرسول مطاع لو جاء وحده
د. عبد الرحمن الشهري: نعم يعني مستقل بالتشريع –عليه الصلاة والسلام-تستقل السنة بالتشريع كالقرآن تمامًا، فيرد فيها أحكام لاترد إلا فيها وينبغي للمسلم أن يسارع إلى الاستجابة إليها
د. محمد الخضيري: وهذا فيه أعظم الرد على القرآنيين.
د. عبد الرحمن الشهري: كما مر معنا تذكرون عندما ذكرنا المحرّمات من النساء فقلنا (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ) في القرآن والنبي –صلى الله عليه وسلم –جاء بتحريم الجمع بين البنت وخالتها، والبنت وعمتها بالسُنّة، وأيضا جاء تحريم كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير ورد بالسنة ولم يذكر في القرآن
د. مساعد الطيار: الأمثلة كثيرة
د. عبد الرحمن الشهري: وهذا مصداق لقوله (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)
اللفتة الثالثة :أنه قال (وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) ولم يقل يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأطيعوا أولي الأمر منكم لا، ليس على وجه الاستقلال لأن ولي الأمر لايطاع إلا فيما كان فيه طاعة لله، وطاعة لرسوله فإذا أمر بشيء فيه معصية فإنه لا يطاع وهذه من اللفتات الجميلة التي ينبه عليها المفسرون كثيرًا
د. محمد الخضيري: أن طاعتهم تبعٌ لطاعة الله وطاعة رسوله
د. مساعد الطيار: والسلف لهم في أولي الأمر قولان:
د. عبد الرحمن الشهري: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"، من هم أولي الأمر يا دكتور؟
د. مساعد الطيار: أولو الأمر العلماء وهذا الأشهر، والثاني أن أولي الأمر الأمراء والحكام
د. عبد الرحمن الشهري: العلماء هم الأشهر؟! أم العكس؟
د. مساعد الطيار: العلماء هم الذين يؤول إليهم الأمرفي النهاية، لو تأملت الآن (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)الذي هم الحكام، الحكام يأتمرون بأمر العلماء في النهاية
د. محمد الخضيري: يعني هم منفذون لما يقول
د. مساعد الطيار: فيؤول من قال بأنهم الحكام يؤول إلى من قال بأنهم العلماء ولا عكس.
د. عبد الرحمن الشهري: لكن يأتي سؤال يادكتور من هو الذي يصدر الأوامر ويستجاب أمره في التنفيذ، هل هو العالم أو الأمير؟
د. مساعد الطيار: الأمير
د. عبد الرحمن الشهري: يعني النبي –صلى الله عليه وسلم عندما كان يرسل أمراء
د. مساعد الطيار: لكنهم كانوا علماء
د. عبد الرحمن الشهري: نعم يعني أرسل أبو موسى الأشعري مثلاً أميرًا على البصرة
د. مساعد الطيار: لكنه كان أميرًا عالمًا
د. عبد الرحمن الشهري: مثلاً وكان عبد الله بن مسعود قاضيًا وعالمًا
د. مساعد الطيار: نعم
د. عبد الرحمن الشهري: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) الآن
د. مساعد الطيار: طبعًا نلاحظ أنه لم يرد إلى أولي الأمر فما معنى أولي الأمر؟
د. عبد الرحمن الشهري: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ) انظر في شيء هنا تدل على أن
د. مساعد الطيار: مطلق
د. عبد الرحمن الشهري: النزاع في أي شيء يفترض أن المسلم يرد هذا الخلاف إلى القرآن، وإلى السنة وإلى الله وإلى الرسول
د. محمد الخضيري: (شَيْءٍ) ولو كان قليلاً
د. عبد الرحمن الشهري: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ) ما معنى الرد إلى الله يادكتور؟
د. مساعد الطيار: إلى كتاب الله
د. محمد الخضيري: الرد إلى الله كما ذكر الدكتور مساعد إلى كتاب الله والرد إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم – شيئان:
ردٌ إليه في حياته بأن يتحاكم إليه كما سيأتي معنا في الآيات بعد قليل
وردٌ إلى سنته بعد مماته والرد إلى سنته هو الرد إليه –عليه الصلاة والسلام –وسنته بالمناسبة أود أن أؤكد على هذا المعنى محفوظة لم يذهب علينا منها شيء لأنها من الذكر والله –عز وجل- قد تكفل بحفظ الذكر
د. عبد الرحمن الشهري: جميل، ممايؤيد ما ذكرتم يا مشايخ (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) والدكتور مساعد يقول لم يذكر أولي الأمر بل أنا أقول أنه ظاهر أن الرد إلى الله والرد إلى الرسول –صلى الله عليه وسلم –لا يكون إلا عن طريق العلماء
د. مساعد الطيار: وهذا الذي أريد أن أقوله أنه في النهاية ولاة الأمر يرجعون إلى العلماء ولهذا لما قلنا أن أولي الأمر في النهاية يرجع إلى العلماء هذا أحد الدلائل
د. عبد الرحمن الشهري: يعني أنت الآن عندما تقول الرد إلى الله، الرد إلى الله ليس أي واحد يرجع إلى القرآن الكريم مباشرة ويستنبط الحكم ويقول أنا رديت إلى الله، وإنما يرد إلى العالِم الذي يفهم كلام الله –سبحانه وتعالى –فيكون رده إلى الله ردًا صحيحًا، لأنه فهم فهمًا صحيحًا فرد إلى حكم الله أليس كذلك؟
د. محمد الخضيري: بلى، جميل. وهنا ملحظ مهم جدًا وهو أننا عندما نختلف وهذا كثيرًا ما يحصل في مجالسنا وبين طلاب العلم وبين العلماء يجب على من يحكم في هذه المسألة أو يكتب ويبين أن يكون رده بالفعل إلى كتاب الله وسنة رسوله، يعني ما آتي إليك وأقول لك يا أخي قال الله قال رسوله وتقول لي: لا، لكن أبو حنيفة يقول كذا، الشافعي –رحمه الله -يقول كذا، مالك يقول كذا، أنا أقول لك :قال الله قال رسوله وأنت تقول لي: قال فلان وقال فلان
د. عبد الرحمن الشهري: وكان الكلام واضحًا والدلالة واضحة .
د. محمد الخضيري: نعم، ثم أنا لا أريدك أن تقول لي فقط قال :الإمام مالك وتنتهي لأن مالك يحتج له ولايحتج به، وأحمد يحتج له، لايحتج به والشافعي يحتج له وأبو بكر و عمر يحتج لهما فضلاً عن غيرهما مما هو دونهما، يعني كل هؤلاء نحتج لهم ولانحتج بهم، بمعنى أن نقول الحجة في كلامه، فالمرجع والمآل إلى كلام الله، وكلام رسوله أنا أقول لك أعطني حجة، إذا قلت: الإمام مالك لا يقولها عبثًا وأنا أؤمن بهذا أنه لم يقلها عبث أعطني حجتك في هذه المسألة فقط، والحجة إنما تكون بقال الله وقال رسوله
د. عبد الرحمن الشهري: وهذا السؤال مشروع
د. محمد الخضيري: سؤال مشروع، نعم
د. عبد الرحمن الشهري: ثم يقول هنا (ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) يعني ذلك الرد إلى الله، وإلى الرسول في حال التنازع خير وأحسن تأويلا، هل معنى الآية عند ما نقول ذلك خير أن معناها أن الرد إلى من سِوى الله، وإلى من سِوى الرسول –صلى الله عليه وسلم –فيه خير ولكن الرد إلى الله والرسول أفضل؟
د. محمد الخضيري: ليس المراد بها صيغة من صيغ التفضيل، بل المقصود أن الخير محصور في الرد إلى الله والرد إلى الرسول
د. عبد الرحمن الشهري: لأنه لايجوز الرد إلى غيرهما
د. محمد الخضيري: نعم، أيضًا قوله (وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) أحسن عاقبة يعني أحيانًا قد يكون الرد إلى غير الله وإلى غير رسول الله –صلى الله عليه وسلم –فيما يبدو للناس أنه أحسن في العاجلة لكن العاقبة تأتي على غير مايتوقعها الإنسان العاقبة لا بد وأن تكون سيئة لأن التناقض والاضطراب مقرون بعمل البشر، ولذلك سيأتينا قول الله –عز وجل- (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) انظر إلى النُظُم الآن الغربية، والقوانين التي يشرعها الناس فيما بينهم تجد أنها باستمرار تتغير ويطرأ عليها التعديل والتبديل، بل يكتشف الناس أنهم كانو يعملون بقانون ضد مصالحهم تمامًا فيبطلونه تمامًا، وفي يوم من الأيام عندما شرعوا ذلك القانون انتصروا له بقدر ما يستطيعون وقالوا للناس مانعرف ولا يمكن أن يؤتى بأحسن منه من هذا النظام
د. عبد الرحمن الشهري: ثم يُحدَّث فتكتشف فيه أخطاء كثيرة
د. مساعد الطيار: في صيغة أفعل أفعل التفضيل وهذه أشار إليها مثل خير وأحسن أشار إليها السهيلي في وكذلك ابن تيمية، وابن القيم ومجموعة من العلماء أن السياق هو الذي يدل على هل لها مقابل أو ليس لها مقابل، فإن كان ليس لها مقابل مثل هذا الموطن فهي دلالة على كمال الصفة -مثل قوله تعالى-( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) ليس لها مقابل فدلال على كمال الصفة في العلو. (ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) ليس لها مقابل يعني الرد إلى الله وإلى الرسول فيه تمام الخيرية، وتمام الحسن أيضًا
د. عبد الرحمن الشهري: يأتي الحديث الآن مرة أخرى إلى المنافقين
د. مساعد الطيار: هناك قضية فقط
د. عبد الرحمن الشهري: تفضل ما هي ؟
د. مساعد الطيار: الآن لما قال :( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) الرد إلى الله والرسول لايختلف عليه مسلم لكن أنا عندي أن النظر في المشكلة في الفهم فهم مراد الله، ومراد رسوله
د. عبد الرحمن الشهري: وإلا فكلٌ يدعي أنه يرد إلى الله والرسول كل المذاهب والطوائف.
ننتقل للحديث عن الطائفة التي تليها وهي قوله –سبحانه وتعالى-( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا) الحقيقة هذا يدخلنا الآن في الحديث عن الصنف الثالث وهو صنف المنافقين ويأتي في سورة النساء هنا الآن حديث مطول عن المنافقين فيقول الله –سبحانه وتعالى-(أَلَمْ تَرَ) يامحمد (إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ) معناها أنهم ماذا؟ طبعًا الزعم أخو الكذب (يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) يعني ما أنزل إليك من شرائع الإسلام وما أنزل من قبلك من الشرائع التي سبقت الإسلام. (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا) إلى آخر الآية، المنافقون تذكرون في أول سورة
د. مساعد الطيار: أبو عبد الله لو تكرمت قبل فقط نريد نربط الآية بالآية، لما قال عن أولئك (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) وهو مقتضى الإيمان ذكر مقابل لهم
د. عبد الرحمن الشهري: الذين لايردون إلى الله
د. مساعد الطيار: لا يردون إلى الله وإلى الرسول
د. عبد الرحمن الشهري: نعم، جميل تلاحظ أنه في سورة البقرة جاء الحديث عن الأصناف الثلاثة في أول سورة البقرة، وتحدثنا عنها في مجالس "بينات "كثيرًا، أن الله سبحانه ذكر صنف المؤمنين ثم ذكر الكافرين في آيتين والمؤمنين في خمس آيات ثم فصل في ثلاثة عشر آية في أمر المنافقين. هذه الحقيقة من المواضع في سورة النساء التي جاءت فيها تفصيل عن المنافقين، وسورة النساء نزلت على النبي-صلى الله عليه وسلم- في السنة السادسة من الهجرة والمنافقون على أشدهم في الكيد للنبي –صلى الله عليه وسلم- ومحاربة الإسلام فقال الله –سبحانه وتعالى- (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ ) فبين الله –سبحانه وتعالى- كشف حقيقتهم، والمنافقون بطبيعتهم يظهرون للنبي صلى الله عليه وسلم شيئًا ويخفون الحقيقة فيقول الله –سبحانه وتعالى –يكذبهم (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا) وهم لم يؤمنوا فيفصِّل –سبحانه وتعالى -في صفاتهم في هذه الآيات في قوله (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ) ما قال رأيتهم (يصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا) قال (رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا) من الأشياء الرائعة
د. مساعد الطيار: هذا ما يكون .
د. عبد الرحمن الشهري: إظهار في موضع الإضمار
د. مساعد الطيار: لا، هو في الأول أضمر ثم أظهر أم لا؟!
د. عبد الرحمن الشهري: إلا، بلى، تلاحظ أن القرآن الكريم عندما يذكر صفات المنافقين يركز على الصفات أليس كذلك؟
د. محمد الخضيري: بلى
د. مساعد الطيار: جميل، صحيح.
د. عبد الرحمن الشهري: يركز على الصفات، ولذلك لا تجد قال في القرآن الكريم بالرغم من أنه ذكر المنافقين في آيات كثيرة اسم عبد الله بن أبي مثلاً صحيح أم لا؟
د. محمد الخضيري: نعم ، ولا أي شخصية
د. عبد الرحمن الشهري: ولا أي شخصية أخرى من المنافقين بالرغم من أنهم كانوا أشخاصًا معروفين بنفاقهم (وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ) والمفسرون كلهم يذكرون أنه عبد الله بن أبي، القرآن الكريم أهمله تمامًا، والحقيقة هذا أدب رباني في معالجة مثل هذه القضايا بأنه يذكر دائمًا يركز على الصفات ويُتغافَل تمامًا عن الأسماء والأشخاص، وهذا الحقيقة أدب نحن نفتقر إليه تمامًا في كتابتنا، فتجد الرغبة في التشهير موجودة عند كثير من الكتاب ولو كان اتبع هذا المنهج القرآني لما ذكر أحدًا وإنما يذكر هذه الصفات ويعالجها، ما رأيكم في هذه الفكرة وهذه المنهجية؟
د. محمد الخضيري: جميل، أنا أقول خصوصًا في المنافقين لماذا؟ لأن فكرة النفاق هي فكرة واحدة فهي لاتتعلق بأشخاص والمشكلة مع هؤلاء ليست مشكلة شخصية، هي مشكلة مع منهج، وهذا المنهج ليس من الحكمة أن تعلقه بأشخاص، يعني ممكن لو علقته بأشخاص لارتبط الأمر بهؤلاء الأشخاص وجودًا وعدمًا، إن وجدوا وجدت هذه الآيات أوالرد عليهم وإن ذهبوا سبّهم الناس وشتموهم ونسوا من يأتي مقتديًا بآثارهم، ولذلك القرآن يكشف كثيرًا من صفاتهم لعلمه بأن هذا الصف أوهذا الطابور
د. عبد الرحمن الشهري: (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ)
د. محمد الخضيري: أي نعم، (أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ) فالمؤمنون ينبغي عليهم أن يتعرفوا على صفات المنافقين ليكتشفوها فيمن يعيش بينهم وما أكثر المنافقين!! هذا الطابور ابتلى الله به أهل الإيمان إلى آخر الزمان.
د. عبد الرحمن الشهري: جميل، أيضًا ذكر الله-سبحانه وتعالى- من صفات المنافقين كثرة الحلف الكاذب كما في قوله –سبحانه وتعالى – (فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ) وفي قوله (يَحْلِفُونَ) هنا حتى التعبير بالفعل المضارع فيه إشارة إلى أن هذا من أخلاق المنافقين المستمرة أنه يكثر الحلف أقسم بالله، أقسم بالله، أقسم بالله على الصغيرة، والكبيرة وعلى الطالعة والنازلة وهو يقسم بالله أنه ليس كما ندعي وكما نزعم، قال (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا) سبحان الله العظيم! يعني هذه الآية بالذات تتكرر كثيرًا في حياة الناس، وهو أن كثيرًا من المنافقين الذين تظهر فيهم صفات النفاق يدعون إلى مشروعات يظهر جليًا للصادقين المخلصين المتنورين بنور الله أن مشروعاتهم هذه مشروعات منافقين تسعى إلى هدم المجتمع المسلم من الداخل، وإذا انتقدوا أو كتب عنهم أو وعظوا أكثروا من الحلف ومن الأيمان ومن الإدعاءات بأنهم ما أرادوا بهذه المشروعات إلا تقدم المجتمع والخروج بالمجتمع من الرجعية والخروج بالمجتمع من التخلف وإطلاق طاقات المجتمع وإنصاف المرأة كما قال الله سبحانه وتعالى ( إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا) فيقول الله –سبحانه وتعالى (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ) نرجع للموعظة مرة ثانية (وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا)
د. مساعد الطيار: أنا أذكر بعض العلماء لكن ما أذكر من هو في قوله (وَتَوْفِيقًا) وقف عند من أراد أن يوفق بين الفلسفة والشريعة
د. عبد الرحمن الشهري: كما صنع ابن رشد
د. مساعد الطيار: وأدخلها في هذا المعنى ولكني لا أذكر من هو
د. عبد الرحمن الشهري: وهي فعلاً تنطبق
د. مساعد الطيار: (إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا) ولهذا هم أرادوا أن يوفقوا بين كل من أراد أن يوفق بين العقل –طبعًا غير المنضبط بالشرع-والشرع أو الفلسفة والشرع فإنه يدخل في هذا المعنى (إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا)
د. عبد الرحمن الشهري: ولا شك والله أن كثيرًا ممن تكلم في علم الكلام وأطال في علم الكلام وحاول أن يطوع علوم الشرع لفلسفة علم الكلام أن الكثير كثير منهم ينطبق عليه وصف المنافقين، لأن هذا العمل قد أدخل من الفساد على العلوم الإسلامية ما الله به عليم! وقد يعني كما تفضل الدكتور مساعد حاولوا أن يوفقوا بين الفلسفة وعلم الشرع فلم يوفقوا في ذلك أبدًا، وكل العلماء علماء الكلام الذين قطعوا فيه شوط في النهاية رجعوا إلى الشرع ورجعوا إلى الحق واعترفوا أن ما كانوا فيه تجربة فاشلة
د. مساعد الطيار: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ) قال (رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا) الحقيقة الآية تشير إلى مسألة مهمة جدًا يجب أن نلحظها وهي أن من يتحاكمون إلى غير الشرع فإن فيهم هذه الصفة، فهم يُعرِضون عما أنزل الله ويعرضون عن المحاكم الشرعية إلى محاكم أخرى فهم يدخلون في هذا المعنى، لأنك إذا تأملت حالهم هم يُدعَوْن إلى الله وإلى الرسول ليحكم بينهم فيتولون إلى التحاكم
د. عبد الرحمن الشهري: إلى الطاغوت والأحكام الوضعية
د. مساعد الطيار: نعم إلى غير الشرع، وهذه المشكلة لا شك أنها خطيرة جدًا كونك تخرج من رقابة الشرع لقضاء تفتعله أنت هذه مضادة ومضاهاة لحكم الله -سبحانه وتعالى – ولذا يخشى على من يفعل مثل هذا يُخشى عليه النفاق ويُخشى على المجتمع الذي يرضى بمثل هذه المصيبة
د. عبد الرحمن الشهري: لعلنا نتوقف يا إخواني لأنه انتهى الوقت ولعلنا في الحلقة القادمة –بإذن الله تعالى –نتوقف مع صفات المنافقين في هذه الآيات لأنها الحقيقة جديرة بمزيد من التفصيل وإلقاء الضوء. أيها الإخوة المشاهدون الكرام نشكركم على متابعتكم لهذا اللقاء ونستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه ونلقاكم –بإذن الله- في الحلقة القادمة وأنتم على خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
بُثّت الحلقة بتاريخ 28 رمضان 1431 هـ
 
الحلقة 29 و30 هما نفس الحلقة


الحلقة 29
تأملات في سورة النساء من الآية (60) إلى الآية (70)
د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أيها الإخوة المشاهدون الكرام في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أهلًا وسهلًا بكم في هذا الملتقى القرآني المتجدد في برنامجكم بينات الذي يجمعكم مع أصحاب الفضيلة الدكتور محمد بن عبد العزيز الخضيري والدكتور مساعد بن سليمان الطيار ونحن نتحدث إليكم من مزرعة الأستاذ ظافر بن حلبد من مدينة تنومه في هذه الأجواء الصيفية قبل رمضان المبارك. وقد توقف بنا الحديث أيها الإخوة المشاهدون في سورة النساء في الآيات التي تتحدث عن المنافقين في قوله سبحانه تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ) وتحدثنا حديثًا مختصرًا عن هذه الآيات وما فيها من الفوائد في اللقاء الماضي. ولعلنا في هذا اللقاء نعيد الحديث بتفصيل أكثر بوقفات أكثر مع المشايخ ولكن قبل أن نبدأ في الحديث عن هذه الآيات نستمع إليها مرتلة ثم نعود إليكم للحديث حولها
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62) أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا (63) وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (64) فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا (65) وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (68) وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيمًا (70))
بعد سماعنا لهذه الآيات الكريمة في سورة النساء نعود يا مشايخ إلى حديثنا السابق. كنا تحدثنا يا دكتور محمد في قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ) قلنا إن هذه الآية ابتدأت الآن حديثًا عن المنافقين عن الطابور الخامس كما يسمونهم ليتنا نتوقف مع هذه الصفات يا شيخ محمد واحدة واحدة لعلك تبدأ بالصفة الأولى
د. الخضيري: قبل ذلك إن أذنت لي أنا ألاحظ انه قلّما يذكر اليهود في موطن في القرآن إلا ويتبعون بذكر المنافقين ليس كقاعدة مضطردة ولكنها كثيرة والسبب في ذلك والله اعلم أنّ هذين الصنفين يعني متشابهين نبدأ بسورة البقرة لما ذكر المنافقون بعد ذلك بدأ بذكر اليهود وأخبارهم وأسرارهم وصفاتهم وبيان تاريخهم المشين وكأنّ هؤلاء وهؤلاء من طينة واحدة. في سورة الحشر جاء ذلك واضحًا لما ذكر الله عز وجل قصة بني النضير في أول السورة وما حصل لهم مع المؤمنين قال (أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لَا يَنصُرُونَهُمْ). أُنظر إلى سورة الجمعة, سورة الجمعة ذكر فيها اليهود (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ) بعدها سورة
د. الشهري: المنافقون كاملة
د. الخضيري: ففيها من التلازم والدلالة على أن هؤلاء المنافقين وهؤلاء اليهود كأنهم من طينة واحدة, ونحن قبل فترة يسيرة في أحداث غزة الأليمة قبل عام ونيف رأينا كيف وقف المنافقون وقفة مشرفة مع اليهود مع الأسف وخالفوا أمة الإسلام كلها وأضحكوا الناس عليهم بطريقة سمجة. الظالم يضرب ويحصد ويلقي القنابل الحارقة والمحرمة دوليًا وهؤلاء يعتذرون للعدو ويبررون له مواقفه وهذا يدلك بلا شك على أن الواقع قد جاءك مطابقًا لما في القرآن. هنا ذكر اليهود في السورة سورة النساء وتحدثنا عنهم في الحلقات الماضية أما الآن جاء بذكر المنافقين وأنت الآن سألتني يا دكتور عبد الرحمن عن الصفات التي ذكرت لهم في هذه الآيات.
أولًا: يزعمون الزعم دعاوى بأنهم مؤمنون وأنهم صادقون وهذا كله كذب ولا يجوز أن يطلع على المؤمنين فيكون المؤمنين حذرين
الثاني: أنهم يرغبون في التحاكم إلى الطاغوت أيًا كان ذلك الطاغوت المهم أنهم لا يتحاكمون إلى الشرع, والطاغوت المقصود به: كل ما يعطى مكانة غير مكانته فمثلًا القانون يعتبر طاغوتًا لما يتحاكموا إليه والله عز وجل نهانا عن التحاكم إليه قد صار طاغوتًا لأنك قد تجاوزت به حده وهو لا يجوز التحاكم إليه. وكذلك الحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله أو الساحر أو الكاهن أو الإمام المتبوع بالباطل أو أيًا كان كل هؤلاء يعتبرون طواغيت.
الثالث: من صفاتهم الصدّ إذا قيل لهم تعالوا إلى رسول الله تعالوا إلى الحكم بشرع الله تعالوا إلى المحكمة الشرعية صدوا صدودًا عظيمًا فأكثر ما يؤذيهم ويؤلمهم وينفرهم ويشتد عليهم هو أن يُدعَوا إلى حكم الله. ولذلك هم يصدون تمامًا وعندما يأتي ذكر الشرع وأحكام الشرع يأنفون منها ولو وافقت الحق. ولعلنا نذكر الآن قضية الاختلاط وما يتصل بها تدل الدلائل الشرعية والدلائل الواقعية على أن هذا الأمر من الأمور المنكَرة وأنه مما يحصل به الخطر للأمة وعلى قيمها وتقاليدها وأبنائها وتجد هؤلاء يصدون. بل حتى مثلًا موضوع تعدد الزوجات تجد هؤلاء يصدون تمامًا عنه ممكن يجدون مائة ألف حل لكن التعدد لا يمكن أن يكون حلًا في المجتمع! ممكن الزنا يكون حل الإجهاض يكون حلًا! السحاق الشذوذ كل هذه الأشياء يقبلون بها ويرضونها وإن كانت مخالفة للفطر والعقول لكن التعدد يبقى شيئًا منبوذًا لماذا؟! لأنه جاء من حكم الله ولم يأتِ من حكم الطاغوت. قال (يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا ) ثم قال
د. الشهري: ما أجمل التعبير في قوله (يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا) يعني ينطبق على حال هؤلاء المنافقين وهم يحاولون يراوغون عن حكم الشرع
د. الخضيري: ثم قال يحلفون أيضًا (إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا) يعني من صفاتهم أنهم عند وقوع الملمّات
د. الشهري: والله، والله،
د. الخضيري: أولًا يأتون لأنهم ناس مصلحيون نفعيون ما عندهم شيء غير مصالحهم فإذا اضطرتهم للمجيء إليك جاؤوا ويتذرعون عندما يجيئون بالحًلِف. ما عندهم شيء يستندون عليه من قيم وأعمال وتاريخ إلا الحَلِف
د. الشهري: (يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ)
د. الخضيري: ذكر قصة الحلف لهم في القرآن كثيرة جدًا والواقع يؤكد هذا. يعني تجد كثير منهم إذا اتهم أنه يفعل أو يماري العدو أو إلى آخره حلف بالله أن هذا غير صحيح وأنهم أكثر الناس تقوى لله وأنهم يحجون ويعتمرون وأنهم يقرأون القرآن وهذا كله للتمويه والكذب
د. الشهري: جميل جدًا. تأتي يا دكتور مساعد الآن في قوله تعالى (إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا) يعني الآن المنافقون يذهبون مذهب غير الشرع ويبحثون عن التحاكم إلى غير الشرع ضبطت الأمور أهلًا وسهلًا، رجعت الأمور بنتائج عكسية جاءك التبرير قال (فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا) تذكر الفلاسفة يا دكتور مساعد حاولوا أن يزاوجوا إن صح التعبير بين الفلسفة وبين الشريعة فهل يمكن إدخالها في مثل هذه الآية؟!
د. الطيار: أنا ذكرت في اللقاء السابق لا أذكر من هو أحد العلماء ضرب مثالًا بالتوفيقيين بالفلاسفة الذين مثل الفارابي وابن رشد الذين حاولوا أو اجتهدوا في ربط الفلسفة بالشرع وادعاءهم أن الفلسفة بالشرع من معين واحد وطبعًا ذكروا أمثلة لذلك عندهم فلعلهم يدخلون في هذا المجال مجال التوفيق
د. الشهري: جميل، ما هو التوجيه الرباني؟!
د. الخضيري: لو سمحت، هذه الآيات تشبه حقيقة قوله سبحانه وتعالى في سورة النور (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ (48) وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ) لاحظ ما هو فِعْل المؤمن الحقّ؟! (إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) فانظر المنافقون نفعيون بدرجة خسيسة بدرجة متناهية في القبح، الحق له يعني عرف الشرع سيحكم له جاء إلى الشرع
د. الشهري: وقالوا أنا اطلب الشرع أنا لا أريد إلا الشرع
د. الخضيري: وإذا كان الشرع سيكون ضده بدأ يراوغ في طلب شيء آخر
د. الشهري: يعني يأخذ ما يصلح له وينطبق عليهم قول الله سبحانه وتعالى (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض)، سبحان الله!
في قوله يا إخواني (أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ )سبق أن ذكرنا في الحلقات الماضية أن الله سبحانه وتعالى من رحمته بأمة محمد صلى الله عليه وسلم ثم يقول (أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ) هذا التوجيه الرباني للتعامل مع هؤلاء المنافقين فقال (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا) ما الفرق بين عظهم وقل لهم في أنفسهم قولًا بليغًا يادكتور محمد؟!
د. الخضيري: أولًا نقول (فأعرض عنهم) يعني يا محمد صلى الله عليه وسلم لا تقابلهم على ما يفعلون بالعذاب والقتل والتشريد فإن هؤلاء لؤماء مرضى يحتاجون منك إلى الصبر وإلى المعالجة الرشيدة الطويلة الأمد لعلّ الله سبحانه وتعالى أن يهديهم فهذا معنى أعرض عنهم أي لا تعاقبهم هذا واحد. اثنين أصلًا لو بتحاقد بتحاقد من وتدع من؟! وبتدخل في مشكله في قضية من هم هؤلاء؟!
د. الشهري: نعم أشياء قلبية وهم يسارعون إلى نفي ذلك
د. الخضيري: نعم ويحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانًا وتوفيقًا هذا أولًا. اثنين (عظهم) ذكِّرهم بالله بأن لك الحق اتقوا الله ذكرهم بالله والجنة والنار والحساب والجزاء والخاتمة وحسنها ذكرهم بالفضيحة في الدنيا وفي الآخرة هذه كلها أشياء توعظ بها النفوس. الثالث: ازجرهم قُل لهم في أنفسهم قولًا بليغًا يعني فيه شيء من التأنيب والزجر والإيقاف عند الحد لكن هذا كله بجهاد اللسان.
د. الشهري: ثم تأتي الآية التي بعدها في قوله سبحانه وتعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ) في تصوري من معاني الآية أن الأصل في الرسول أنه يُختار اختيارًا أليس كذلك؟! (الله يصطفي من الملائكة رسلًا ومن الناس) (الله أعلم حيث يجعل رسالته) النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم كان إذا وعظ عليه الصلاة والسلام لم يكن يمارس هذه الوظيفة كمجرد أداء مهمة وينتهي وإنما كان عليه الصلاة والسلام يعظ الناس بأسلوب مؤثر ويحسن كيف يصل إلى النفوس. تذكرون الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الزنا في الفاحشة فأثار هذا سخط من حوله فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن أخذه بطريقة تدل على حكمته عليه الصلاة والسلام وعلى أنه فعلًا يُحسن عليه الصلاة والسلام القول البليغ الذي يبلغ مستقر تلك الشبهات والشهوات في نفوس الناس، فقال هل ترضاه لأمك؟ قال لا، هل ترضاه لبنتك؟ ترضاه لأختك؟ قال: كذلك الناس. فبعد أن دخل وهو يطلب الوقوع خرج وهو هذه الفاحشة من أبغض الأمور إلى نفسه. أنا أقول ممارسة أو الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأفعال وفي تطبيق هذه الآيات هو المطلوب وهو من معاني قوله (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ) لكمال آلته في القدرة على إيصال رسالته إلى نفوس الناس. هذا الأصل وإن كان الأمر كما تفضل الدكتور مساعد أنه قد يرسل الرسول ولا يستجيب له أحد. أيضا تكملة الآية دكتور محمد دار حولها نقاش كثير في كتب التفسير واستدل بها من يرون التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم اليوم (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا) بعضهم يستدل بها على جواز أن يستغفر أو أن يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم الاستغفار بعد موته فما يعني توجيهك لهذه الآية؟!
د. الخضيري: طبعًا الآية ظاهرها واضحة جدًا في أن هذا الأمر في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولرسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب خصوصية ليست لغيره من كون الرب سبحانه وتعالى يستجيب دعاءه واستغفاره لمن جاءه تائبًا مستغفرًا فاستغفروا الله مما وقعوا فيه واستغفر لهم الرسول طلب لهم المغفرة من عند الله عز وجل لوجدوا الله توابًا رحيمًا. من وسّع دلالتها إلى أنه من المقصود من المجيء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في قبره لا شك أن هذا خطأ
د. الشهري: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ) بعضهم يفسرها ولو أنهم إذا ظلموا أنفسهم جاؤوك والصحيح أنها ولو أنهم إذ ظلموا في الماضي
د. الخضيري: لما ظلموا, أيضًا نحن نقول هب أن هذا المعنى قد يكون من معاني الآية لماذا لم يعمل به الصحابة رضوان الله تعالى عليهم؟! ولم يعرف لا عن أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا غيرهم من أئمة الصحابة ولا من جاء بعدهم أنهم كانوا يشرِّعون هذا الأمر لأنفسهم إذا أذنب الإنسان جاء إلى رسول الله وقال استغفر لي يا رسول الله وهو في قبره؟! ما عرف عنهم أنهم كانوا يخاطبون الرسول صلى الله عليه وسلم في قبره بمثل هذا، إنما كانوا يأتون إلى قبره عليه الصلاة والسلام فيسلّمون عليه ويقومون بالواجب الشرعي عندما يمرون بقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا شك أنه من الأخطاء. أما الاستدلال ببعض القصص والأخبار ليست لا من كتاب الله ولا من سنة رسول الله حتى ولو كانت صحيحة فإنه لايجوز فيها الاحتجاج ونحن الآن تنازعنا فيجب الرد إلى الله وإلى الرسول لا نرد على شيء آخر
د. الطيار : سياق الآيات يوضح أنها قضايا مرتبطة بحال المنافقين في وقت النبي صلى الله عليه وسلم لأن السياق واضح جدًا. وإلا لو جئنا إلى مثلًا الآيات (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا) إلى أن قال (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) أقول كان خاصًا بحياة الرسول صلى الله عليه وسلم، الحكم إلى سنته هذا قياسي وليس هو الأصالة. فالأصالة كما هو واضح أن الآية في المنافقين الذين كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية بالذات
د. الشهري: الآية التي في آخر هذه الصفحة آية عظيمة جدًا قضية التحاكم إلى الله وإلى الرسول صلى الله عليه وسلم والرضا بذلك في قوله سبحانه وتعالى: (فلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) هذه الآية فيها إشارة إلى هؤلاء المنافقين أن المنافقين أول شيء (يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ) الأمر الثاني أنهم (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا) يحاولون يتهربون يمين ويسار. هنا قال (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) لابد أولًا أن يتحاكموا إلى الله وإلى الرسول ثم لا يجدوا في أنفسهم أي حرج من هذا التحاكم ثم قال ويسلموا تسليمًا سواء كان الحكم لهم أو عليهم وليس مثل هؤلاء المنافقين الذين إن كان الحكم لهم أقبلوا وإذا كان الحكم عليهم ما تعليقك دكتور محمد على هذه الآية؟!
د. الخضيري: هذه الآية تعتبر قاعدة عظيمة جدًا في وجوب التحاكم إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم وأن التحاكم إلى الطاغوت أو إلى شرع غير شرع الله عز وجل وطبعًا كل شرع غير شرع الله طاغوت لأنه تجاوز الناس به حدهم فيعطوه حق الحكم في أمر لايجوز أن يحكم به غير الله عز وجل (إن الحكم إلا لله) فالحكم لله عز وجل. فهو ينفي الإيمان وهذا أخطر ما يكون لذلك نقول الحكم بغير شرع الله كفر والتحاكم إلى غير شرع الله كفر قال الله عز وجل في سورة المائدة السورة القادمة (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) وهنا يقول (فلا وربك) ويؤكدها بقسم (فلا وربّك) حلف بالله رب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يؤكده بقوله (لا يؤمنون حتى يحكموك) يعني يؤولوا إلى حكمك في كل ما شجر بينهم، هذا أولًا وهذه تسمى مرتبة الإسلام التحكيم إسلام
د. الشهري: مجرد انك ترضي الله وتأتي إلى المحكمة وإلى حكم الله هذا إسلام
د. الخضيري: قال (ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ) لا تلقي في نفسك أي حرج من حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم هذا إيمان
د. الشهري: طبعًا المقصود إذا كان عليك الحكم
د. الخضيري: نعم، الأمر الثالث (وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) هذا إحسان وهو التسليم المطلق بكل ما يأتي عن الله وعن الرسول صلى الله عليه وسلم, ولذلك هي ثلاث مراتب تنتظم مراتب الدين: الإسلام والإيمان والإحسان ولكن هذه الآية أخطر آية على من يرضون بحكم شرع أو بحكم غير شرع الله عز وجل لأنها تنفي عنهم الإيمان وقد يكون نفي الإيمان فيها هنا يقتضي الكفر لمن فعل ذلك نسأل الله العافية والسلامة
د. الطيار: أبو عبد الله إذا قلنا أن السورة سورة الحقوق ففي بداية الكلام (يأيها الذين امنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) حق الله وحق الرسول صلى الله عليه وسلم في التحاكم إليهما لأنه لاحظ كل القضية لما بدأ (ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) مرتبطة بقضية
د. الشهري: بحق الله وحق رسوله
د. الطيار: يعني التحاكم إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم
د. الخضيري: قبل ذلك يا دكتور عبد الرحمن قبلها قال (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) ومن أعظم الأمانات التي تؤدى إلى أهلها أن لا يكون التحاكم إلا إلى الله ورسوله، هذا واحد. ثم قال (وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ) كيف يحكم الناس بالعدل؟! لا يمكن أن يصل الناس إلى العدل في قضاياهم حتى يتحاكموا إلى الله وإلى الرسول وإلا لا بد وأن يقعوا في الظلم لأن ما من شرع يشرّعه الناس إلا ويحابي فيه المشرعون أنفسهم وخاصتهم إن كانوا من الطبقات التي كما يقال البرجوازية فهي تراعي مصالحها وإن كان من المتنفذين راعوا مصالحهم وهكذا, أما حكم الله فإنه لا يراعي أحدًا على حساب أحد بل المراعى هو الحق
د. الطيار: هناك فائدة لغوية في قوله (فيما شجر بينهم)
د. الشهري: التعبير بـ(شجر)
د. الطيار: مشابهة بالشجرة قد تداخل بعضها ببعض لا تقدر تفككها
د. الشهري: وهذا فيد دلالة إلى أن المجتمع المسلم لا يستغني عن الاختلاط والتعامل مع بعضه البعض مهما حاولت أنك تبتعد عن المجتمع وتنفرد أنت بشؤونك ما تستطيع وإنما لا بد أن تختلط ويشجر بينك وبين غيرك نزاعات فلذلك قال (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ)
د. الخضيري: في قوله (فلا وربك) حقيقة فيها لفتة في أن حكم الله وحكم رسوله هو من كمال تربية الله عز وجل لنا ورحمته بنا لأننا لو ابتغينا أن نحلّ خصوماتنا وأن نقضي فيما بيننا بشيء غير حكم الله وحكم رسوله لوجدنا فيه الظلم ووجدنا فيه الجور ووجدنا فيه المشقة والعنت عليها ولا بد لا بد من ذلك , وتتبع لدساتير العالم وأنظمتها تجد أن هذا واقع تمامًا
د. الطيار: الذين يدّعون الرجوع إلى العقل وادّعاؤهم أن العقل في قاعدة أن اختلف العقل أو تعارض العقل والنقل أليس يدخل في معنى هذه الآية (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ)
د. الشهري: ما وجه دخوله؟!
د. الطيار: وجه دخوله أنه هو الآن حكّم العقل يعني من حكّم العقل على النص وجعل النص محكومًا عليه فإنه خالف معنى هذه الآية لأنه إحتكم إلى غير النص وهنا قال (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ). ولهذا نلاحظ مثلًا أن دعوى أن العقل هو الحاكم على النص لأنه لا يُفهم النص إلا بالعقل طبعًا هذه الدعوى جرّت ويلات خرجوا المعتزلة الذين اعترضوا على كثير من النصوص وهم يخالفون معنى هذه الآية
د. الشهري: تأتي الآن أنا أقترح في سورة النساء بحث موضوع الموعظة وأثرها في سورة النساء. مرّ معنا حقيقة موعظة الزوجة ومرّ معنا موعظة أداء الأمانات (إن الله نعمّا يعظكم به) وجاء وعظ للمنافقين ثم يأتي الآن الحديث عن فوائد الموعظة في قوله سبحانه وتعالى (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا)
د. الخضيري: هذه الآية طبعًا تابعة لما قبلها
د. الشهري: نعم، يعني لو أننا أوجبنا على هؤلاء المنافقين أن يقتل بعضهم بعضًا لما فعل ذلك إلا القلّة منهم
د. الخضيري: أو أوجدنا عليهم أن يخرجوا من ديارهم أيضًا لما فعل ذلك إلا القلة
د. الشهري: إشارة إلى أنهم لايستجيبون
د. الخضيري: وأن الله عز وجل قد رحم فلم يوجب علينا القتل ولم يوجب علينا الخروج من الديار كما أوجبه على من قبلنا من الآصار والأغلال التي ابتلوا بها فاحمدوا الله على ما أنتم فيه من النعمة قد جاءكم شرع هين لين طيب قريب رحيم رؤوف بكم فماذا تبتغون؟!
د. الشهري: في قوله (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ) هل المقصود به ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به من قتل النفس والإخراج من الديار؟ أو المقصود به لو أنهم فعلوا ما يوعظون به من الاستجابة لأمر الله والتحاكم إلى أمر الله ورسوله؟
د. الطيار: هو الظاهر الاستجابة السابقة كأنه يقول أي كأن المعنى أن ما طلبناه منكم أمر قليل فكيف لو أنا كتبنا عليكم أن اقتلوا أنفسكم أو أخرجوا من دياركم؟! (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به) يعني مما سبق من التحاكم (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) التي هي المراتب الثلاثة، لو أنهم فعلوا هذا لكان خيرًا لهم فأثبت لهم الخيرية فيما لو استجابوا للموعظة وهذه قاعدة عامة.
د. الشهري: وهذه أيضًا يمكن أن يقال فيها مثل ما تقدم قبل حلقات أنه ليس على باب التفضيل أنهم لو فعلوا هذا لكان هو الخير الوحيد لهم والأفضل
د. الخضيري: كقوله (ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم) ليس المقصود أنهم أفضل مما هم فيه
د. الشهري: يعني إن الذي هم فيه خير ولكن
د. الخضيري: نعم. عدّ لفعل ما يوعظون به عددًا من الفوائد, أولًا: لكان خيرًا لهم وأشد تثبيتًا
د. الطيار: تقوية لإيمانهم
د. الخضيري: تقوية لإيمانهم (وإذا لأتيناهم من لدنا أجر عظيمًا)
د. الشهري: في الدنيا والآخرة
د. الخضيري: (ولهديناهم صراطًا مستقيمًا) هذه أربعة أشياء يكسبونها
د. الشهري: من الاستجابة للموعظة
د. الخضيري: الهداية للصراط المستقيم, الأجر العظيم, التثبيت وزيادة الإيمان لأن الحسنة تقول أختي أختي وأيضًا كونه خير لهم في العاجل وفي الآجل
د. الشهري: تأتي هنا في قوله سبحانه وتعالى (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ) تذكرون الآيات التي تقدمت معنا قبل عدة آيات وهو قبله سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ .) الآيات, هنا يذكر النتيجة يذكر الجزاء (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ) يعني في الآخرة فأولئك منزلتهم ومكانهم في الجنة (مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا (70) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيمًا) وهذه المنزلة العالية التي وعد الله بها من أطاعه سبحانه وتعالى في الدنيا لا شك أن كل واحد منا يطمح إليها وهذه الآية بالمناسبة من الآيات التي يفسَّر بها قوله تعالى في سورة الفاتحة (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ)، من هم الذين أنعمت عليهم يارب ؟! جوابها في هذه الآية (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم) وهم (النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ) من كانت قدوته هذه الأوصاف الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين لا شك أنه يكون قد اقتدى
د. الطيار: يقرِّب هذا أنه قال (وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا) (اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ), (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم) (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ) الذين هم (مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء)
د. الخضيري: لعلها فسرت آيتين
د. الطيار: آيتين في سورة الفاتحة
د. الشهري: وأيضًا ختمها بهذه الخاتمة البليغة في قوله (ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيمًا) هذه المكانة التي وعد الله بها من أطاعه في الدنيا لا شك أنها مكانة عالية ثم يقول (ذلك الفضل من الله) فيها إشارة يا إخواني إلى أن ما يعطيه الله سبحانه وتعالى للمؤمنين به من الجزاء في الدنيا وفي الآخرة أنه محض فضل من الله سبحانه وتعالى
د. الطيار: قوله (كفى بالله عليما) في مقام الترغيب أليس كذلك؟! لأنه قال (ومن يطع الله والرسول) ثم مقام مقام ترغيب كأنه يقول ما تعملونه وما تؤدونه من العمل فإن الله مطّلع عليه ولازم ذلك أنه يجازيكم به
د. الخضيري: قوله (من يطع الله والرسول) حقيقة هذه تجعل المؤمن يجتهد في البحث عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفة أحكامه وشرعه حتى يقتدي به ويؤدي هذه الخصلة
د. الشهري: حق الله يعني
د. الخضيري: نعم، في طاعة الله والرسول ليكون مع هؤلاء الأصناف الأربعة, الأصناف الأربعة الحقيقة يعني هذه طبقات عالية
د. الشهري: صدقت
د. الخضيري: ولا يخرج عنها أحد من أهل الإيمان بالمناسبة
د. الشهري: الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين
د. الخضيري: هؤلاء أعلى الخلق، فأعلاهم الأنبياء ثم الصديقين ثم الشهداء ثم سائر الصالحين يعني بهذه المرتبة يعني مرتبون كما هم الآن في هذه الآية
د. الشهري: ولا يخرج من هذا التقسيم، يعني هي قسمة حاصلة. على كل حال يبدو أن الوقت انتهى في هذا اللقاء وفي هذا المجلس نتوقف عند هذه الآيات ونبتدئ بإذن الله بما بعدها في المجلس القادم. أيها الإخوة المشاهدون الكرام انتهى وقت هذا اللقاء نشكركم على متابعتكم كما نشكر الإخوة الذين شاركوا معنا في هذا اللقاء الدكتور محمد بن عبد العزيز الخضيري والدكتور مساعد بن سليمان الطيار والزملاء المصورون والأخ المخرج الأستاذ رضا غلاب والفريق معه ومهندس الصوت ونشكر أيضًا الذي استضافنا في هذه المزرعة الأستاذ ظافر بن حلبد الشهري في مدينة تنومه الذي نسق لنا هذه المجالس نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا ومنكم أيها الأخوة المشاهدون ما قدمناه في هذه اللقاءات وأن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته وإلى لقاء قادم نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بُثّت الحلقة بتاريخ 29 رمضان 1431 هـ
 
الحلقة 29 و30 هما نفس الحلقة


الحلقة 29
تأملات في سورة النساء من الآية (60) إلى الآية (70)
د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أيها الإخوة المشاهدون الكرام في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أهلًا وسهلًا بكم في هذا الملتقى القرآني المتجدد في برنامجكم بينات الذي يجمعكم مع أصحاب الفضيلة الدكتور محمد بن عبد العزيز الخضيري والدكتور مساعد بن سليمان الطيار ونحن نتحدث إليكم من مزرعة الأستاذ ظافر بن حلبد من مدينة تنومه في هذه الأجواء الصيفية قبل رمضان المبارك. وقد توقف بنا الحديث أيها الإخوة المشاهدون في سورة النساء في الآيات التي تتحدث عن المنافقين في قوله سبحانه تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ) وتحدثنا حديثًا مختصرًا عن هذه الآيات وما فيها من الفوائد في اللقاء الماضي. ولعلنا في هذا اللقاء نعيد الحديث بتفصيل أكثر بوقفات أكثر مع المشايخ ولكن قبل أن نبدأ في الحديث عن هذه الآيات نستمع إليها مرتلة ثم نعود إليكم للحديث حولها
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62) أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا (63) وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (64) فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا (65) وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (68) وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيمًا (70))
بعد سماعنا لهذه الآيات الكريمة في سورة النساء نعود يا مشايخ إلى حديثنا السابق. كنا تحدثنا يا دكتور محمد في قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ) قلنا إن هذه الآية ابتدأت الآن حديثًا عن المنافقين عن الطابور الخامس كما يسمونهم ليتنا نتوقف مع هذه الصفات يا شيخ محمد واحدة واحدة لعلك تبدأ بالصفة الأولى
د. الخضيري: قبل ذلك إن أذنت لي أنا ألاحظ انه قلّما يذكر اليهود في موطن في القرآن إلا ويتبعون بذكر المنافقين ليس كقاعدة مضطردة ولكنها كثيرة والسبب في ذلك والله اعلم أنّ هذين الصنفين يعني متشابهين نبدأ بسورة البقرة لما ذكر المنافقون بعد ذلك بدأ بذكر اليهود وأخبارهم وأسرارهم وصفاتهم وبيان تاريخهم المشين وكأنّ هؤلاء وهؤلاء من طينة واحدة. في سورة الحشر جاء ذلك واضحًا لما ذكر الله عز وجل قصة بني النضير في أول السورة وما حصل لهم مع المؤمنين قال (أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لَا يَنصُرُونَهُمْ). أُنظر إلى سورة الجمعة, سورة الجمعة ذكر فيها اليهود (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ) بعدها سورة
د. الشهري: المنافقون كاملة
د. الخضيري: ففيها من التلازم والدلالة على أن هؤلاء المنافقين وهؤلاء اليهود كأنهم من طينة واحدة, ونحن قبل فترة يسيرة في أحداث غزة الأليمة قبل عام ونيف رأينا كيف وقف المنافقون وقفة مشرفة مع اليهود مع الأسف وخالفوا أمة الإسلام كلها وأضحكوا الناس عليهم بطريقة سمجة. الظالم يضرب ويحصد ويلقي القنابل الحارقة والمحرمة دوليًا وهؤلاء يعتذرون للعدو ويبررون له مواقفه وهذا يدلك بلا شك على أن الواقع قد جاءك مطابقًا لما في القرآن. هنا ذكر اليهود في السورة سورة النساء وتحدثنا عنهم في الحلقات الماضية أما الآن جاء بذكر المنافقين وأنت الآن سألتني يا دكتور عبد الرحمن عن الصفات التي ذكرت لهم في هذه الآيات.
أولًا: يزعمون الزعم دعاوى بأنهم مؤمنون وأنهم صادقون وهذا كله كذب ولا يجوز أن يطلع على المؤمنين فيكون المؤمنين حذرين
الثاني: أنهم يرغبون في التحاكم إلى الطاغوت أيًا كان ذلك الطاغوت المهم أنهم لا يتحاكمون إلى الشرع, والطاغوت المقصود به: كل ما يعطى مكانة غير مكانته فمثلًا القانون يعتبر طاغوتًا لما يتحاكموا إليه والله عز وجل نهانا عن التحاكم إليه قد صار طاغوتًا لأنك قد تجاوزت به حده وهو لا يجوز التحاكم إليه. وكذلك الحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله أو الساحر أو الكاهن أو الإمام المتبوع بالباطل أو أيًا كان كل هؤلاء يعتبرون طواغيت.
الثالث: من صفاتهم الصدّ إذا قيل لهم تعالوا إلى رسول الله تعالوا إلى الحكم بشرع الله تعالوا إلى المحكمة الشرعية صدوا صدودًا عظيمًا فأكثر ما يؤذيهم ويؤلمهم وينفرهم ويشتد عليهم هو أن يُدعَوا إلى حكم الله. ولذلك هم يصدون تمامًا وعندما يأتي ذكر الشرع وأحكام الشرع يأنفون منها ولو وافقت الحق. ولعلنا نذكر الآن قضية الاختلاط وما يتصل بها تدل الدلائل الشرعية والدلائل الواقعية على أن هذا الأمر من الأمور المنكَرة وأنه مما يحصل به الخطر للأمة وعلى قيمها وتقاليدها وأبنائها وتجد هؤلاء يصدون. بل حتى مثلًا موضوع تعدد الزوجات تجد هؤلاء يصدون تمامًا عنه ممكن يجدون مائة ألف حل لكن التعدد لا يمكن أن يكون حلًا في المجتمع! ممكن الزنا يكون حل الإجهاض يكون حلًا! السحاق الشذوذ كل هذه الأشياء يقبلون بها ويرضونها وإن كانت مخالفة للفطر والعقول لكن التعدد يبقى شيئًا منبوذًا لماذا؟! لأنه جاء من حكم الله ولم يأتِ من حكم الطاغوت. قال (يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا ) ثم قال
د. الشهري: ما أجمل التعبير في قوله (يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا) يعني ينطبق على حال هؤلاء المنافقين وهم يحاولون يراوغون عن حكم الشرع
د. الخضيري: ثم قال يحلفون أيضًا (إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا) يعني من صفاتهم أنهم عند وقوع الملمّات
د. الشهري: والله، والله،
د. الخضيري: أولًا يأتون لأنهم ناس مصلحيون نفعيون ما عندهم شيء غير مصالحهم فإذا اضطرتهم للمجيء إليك جاؤوا ويتذرعون عندما يجيئون بالحًلِف. ما عندهم شيء يستندون عليه من قيم وأعمال وتاريخ إلا الحَلِف
د. الشهري: (يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ)
د. الخضيري: ذكر قصة الحلف لهم في القرآن كثيرة جدًا والواقع يؤكد هذا. يعني تجد كثير منهم إذا اتهم أنه يفعل أو يماري العدو أو إلى آخره حلف بالله أن هذا غير صحيح وأنهم أكثر الناس تقوى لله وأنهم يحجون ويعتمرون وأنهم يقرأون القرآن وهذا كله للتمويه والكذب
د. الشهري: جميل جدًا. تأتي يا دكتور مساعد الآن في قوله تعالى (إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا) يعني الآن المنافقون يذهبون مذهب غير الشرع ويبحثون عن التحاكم إلى غير الشرع ضبطت الأمور أهلًا وسهلًا، رجعت الأمور بنتائج عكسية جاءك التبرير قال (فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا) تذكر الفلاسفة يا دكتور مساعد حاولوا أن يزاوجوا إن صح التعبير بين الفلسفة وبين الشريعة فهل يمكن إدخالها في مثل هذه الآية؟!
د. الطيار: أنا ذكرت في اللقاء السابق لا أذكر من هو أحد العلماء ضرب مثالًا بالتوفيقيين بالفلاسفة الذين مثل الفارابي وابن رشد الذين حاولوا أو اجتهدوا في ربط الفلسفة بالشرع وادعاءهم أن الفلسفة بالشرع من معين واحد وطبعًا ذكروا أمثلة لذلك عندهم فلعلهم يدخلون في هذا المجال مجال التوفيق
د. الشهري: جميل، ما هو التوجيه الرباني؟!
د. الخضيري: لو سمحت، هذه الآيات تشبه حقيقة قوله سبحانه وتعالى في سورة النور (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ (48) وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ) لاحظ ما هو فِعْل المؤمن الحقّ؟! (إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) فانظر المنافقون نفعيون بدرجة خسيسة بدرجة متناهية في القبح، الحق له يعني عرف الشرع سيحكم له جاء إلى الشرع
د. الشهري: وقالوا أنا اطلب الشرع أنا لا أريد إلا الشرع
د. الخضيري: وإذا كان الشرع سيكون ضده بدأ يراوغ في طلب شيء آخر
د. الشهري: يعني يأخذ ما يصلح له وينطبق عليهم قول الله سبحانه وتعالى (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض)، سبحان الله!
في قوله يا إخواني (أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ )سبق أن ذكرنا في الحلقات الماضية أن الله سبحانه وتعالى من رحمته بأمة محمد صلى الله عليه وسلم ثم يقول (أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ) هذا التوجيه الرباني للتعامل مع هؤلاء المنافقين فقال (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا) ما الفرق بين عظهم وقل لهم في أنفسهم قولًا بليغًا يادكتور محمد؟!
د. الخضيري: أولًا نقول (فأعرض عنهم) يعني يا محمد صلى الله عليه وسلم لا تقابلهم على ما يفعلون بالعذاب والقتل والتشريد فإن هؤلاء لؤماء مرضى يحتاجون منك إلى الصبر وإلى المعالجة الرشيدة الطويلة الأمد لعلّ الله سبحانه وتعالى أن يهديهم فهذا معنى أعرض عنهم أي لا تعاقبهم هذا واحد. اثنين أصلًا لو بتحاقد بتحاقد من وتدع من؟! وبتدخل في مشكله في قضية من هم هؤلاء؟!
د. الشهري: نعم أشياء قلبية وهم يسارعون إلى نفي ذلك
د. الخضيري: نعم ويحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانًا وتوفيقًا هذا أولًا. اثنين (عظهم) ذكِّرهم بالله بأن لك الحق اتقوا الله ذكرهم بالله والجنة والنار والحساب والجزاء والخاتمة وحسنها ذكرهم بالفضيحة في الدنيا وفي الآخرة هذه كلها أشياء توعظ بها النفوس. الثالث: ازجرهم قُل لهم في أنفسهم قولًا بليغًا يعني فيه شيء من التأنيب والزجر والإيقاف عند الحد لكن هذا كله بجهاد اللسان.
د. الشهري: ثم تأتي الآية التي بعدها في قوله سبحانه وتعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ) في تصوري من معاني الآية أن الأصل في الرسول أنه يُختار اختيارًا أليس كذلك؟! (الله يصطفي من الملائكة رسلًا ومن الناس) (الله أعلم حيث يجعل رسالته) النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم كان إذا وعظ عليه الصلاة والسلام لم يكن يمارس هذه الوظيفة كمجرد أداء مهمة وينتهي وإنما كان عليه الصلاة والسلام يعظ الناس بأسلوب مؤثر ويحسن كيف يصل إلى النفوس. تذكرون الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الزنا في الفاحشة فأثار هذا سخط من حوله فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن أخذه بطريقة تدل على حكمته عليه الصلاة والسلام وعلى أنه فعلًا يُحسن عليه الصلاة والسلام القول البليغ الذي يبلغ مستقر تلك الشبهات والشهوات في نفوس الناس، فقال هل ترضاه لأمك؟ قال لا، هل ترضاه لبنتك؟ ترضاه لأختك؟ قال: كذلك الناس. فبعد أن دخل وهو يطلب الوقوع خرج وهو هذه الفاحشة من أبغض الأمور إلى نفسه. أنا أقول ممارسة أو الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأفعال وفي تطبيق هذه الآيات هو المطلوب وهو من معاني قوله (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ) لكمال آلته في القدرة على إيصال رسالته إلى نفوس الناس. هذا الأصل وإن كان الأمر كما تفضل الدكتور مساعد أنه قد يرسل الرسول ولا يستجيب له أحد. أيضا تكملة الآية دكتور محمد دار حولها نقاش كثير في كتب التفسير واستدل بها من يرون التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم اليوم (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا) بعضهم يستدل بها على جواز أن يستغفر أو أن يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم الاستغفار بعد موته فما يعني توجيهك لهذه الآية؟!
د. الخضيري: طبعًا الآية ظاهرها واضحة جدًا في أن هذا الأمر في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولرسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب خصوصية ليست لغيره من كون الرب سبحانه وتعالى يستجيب دعاءه واستغفاره لمن جاءه تائبًا مستغفرًا فاستغفروا الله مما وقعوا فيه واستغفر لهم الرسول طلب لهم المغفرة من عند الله عز وجل لوجدوا الله توابًا رحيمًا. من وسّع دلالتها إلى أنه من المقصود من المجيء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في قبره لا شك أن هذا خطأ
د. الشهري: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ) بعضهم يفسرها ولو أنهم إذا ظلموا أنفسهم جاؤوك والصحيح أنها ولو أنهم إذ ظلموا في الماضي
د. الخضيري: لما ظلموا, أيضًا نحن نقول هب أن هذا المعنى قد يكون من معاني الآية لماذا لم يعمل به الصحابة رضوان الله تعالى عليهم؟! ولم يعرف لا عن أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا غيرهم من أئمة الصحابة ولا من جاء بعدهم أنهم كانوا يشرِّعون هذا الأمر لأنفسهم إذا أذنب الإنسان جاء إلى رسول الله وقال استغفر لي يا رسول الله وهو في قبره؟! ما عرف عنهم أنهم كانوا يخاطبون الرسول صلى الله عليه وسلم في قبره بمثل هذا، إنما كانوا يأتون إلى قبره عليه الصلاة والسلام فيسلّمون عليه ويقومون بالواجب الشرعي عندما يمرون بقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا شك أنه من الأخطاء. أما الاستدلال ببعض القصص والأخبار ليست لا من كتاب الله ولا من سنة رسول الله حتى ولو كانت صحيحة فإنه لايجوز فيها الاحتجاج ونحن الآن تنازعنا فيجب الرد إلى الله وإلى الرسول لا نرد على شيء آخر
د. الطيار : سياق الآيات يوضح أنها قضايا مرتبطة بحال المنافقين في وقت النبي صلى الله عليه وسلم لأن السياق واضح جدًا. وإلا لو جئنا إلى مثلًا الآيات (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا) إلى أن قال (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) أقول كان خاصًا بحياة الرسول صلى الله عليه وسلم، الحكم إلى سنته هذا قياسي وليس هو الأصالة. فالأصالة كما هو واضح أن الآية في المنافقين الذين كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية بالذات
د. الشهري: الآية التي في آخر هذه الصفحة آية عظيمة جدًا قضية التحاكم إلى الله وإلى الرسول صلى الله عليه وسلم والرضا بذلك في قوله سبحانه وتعالى: (فلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) هذه الآية فيها إشارة إلى هؤلاء المنافقين أن المنافقين أول شيء (يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ) الأمر الثاني أنهم (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا) يحاولون يتهربون يمين ويسار. هنا قال (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) لابد أولًا أن يتحاكموا إلى الله وإلى الرسول ثم لا يجدوا في أنفسهم أي حرج من هذا التحاكم ثم قال ويسلموا تسليمًا سواء كان الحكم لهم أو عليهم وليس مثل هؤلاء المنافقين الذين إن كان الحكم لهم أقبلوا وإذا كان الحكم عليهم ما تعليقك دكتور محمد على هذه الآية؟!
د. الخضيري: هذه الآية تعتبر قاعدة عظيمة جدًا في وجوب التحاكم إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم وأن التحاكم إلى الطاغوت أو إلى شرع غير شرع الله عز وجل وطبعًا كل شرع غير شرع الله طاغوت لأنه تجاوز الناس به حدهم فيعطوه حق الحكم في أمر لايجوز أن يحكم به غير الله عز وجل (إن الحكم إلا لله) فالحكم لله عز وجل. فهو ينفي الإيمان وهذا أخطر ما يكون لذلك نقول الحكم بغير شرع الله كفر والتحاكم إلى غير شرع الله كفر قال الله عز وجل في سورة المائدة السورة القادمة (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) وهنا يقول (فلا وربك) ويؤكدها بقسم (فلا وربّك) حلف بالله رب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يؤكده بقوله (لا يؤمنون حتى يحكموك) يعني يؤولوا إلى حكمك في كل ما شجر بينهم، هذا أولًا وهذه تسمى مرتبة الإسلام التحكيم إسلام
د. الشهري: مجرد انك ترضي الله وتأتي إلى المحكمة وإلى حكم الله هذا إسلام
د. الخضيري: قال (ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ) لا تلقي في نفسك أي حرج من حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم هذا إيمان
د. الشهري: طبعًا المقصود إذا كان عليك الحكم
د. الخضيري: نعم، الأمر الثالث (وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) هذا إحسان وهو التسليم المطلق بكل ما يأتي عن الله وعن الرسول صلى الله عليه وسلم, ولذلك هي ثلاث مراتب تنتظم مراتب الدين: الإسلام والإيمان والإحسان ولكن هذه الآية أخطر آية على من يرضون بحكم شرع أو بحكم غير شرع الله عز وجل لأنها تنفي عنهم الإيمان وقد يكون نفي الإيمان فيها هنا يقتضي الكفر لمن فعل ذلك نسأل الله العافية والسلامة
د. الطيار: أبو عبد الله إذا قلنا أن السورة سورة الحقوق ففي بداية الكلام (يأيها الذين امنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) حق الله وحق الرسول صلى الله عليه وسلم في التحاكم إليهما لأنه لاحظ كل القضية لما بدأ (ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) مرتبطة بقضية
د. الشهري: بحق الله وحق رسوله
د. الطيار: يعني التحاكم إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم
د. الخضيري: قبل ذلك يا دكتور عبد الرحمن قبلها قال (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) ومن أعظم الأمانات التي تؤدى إلى أهلها أن لا يكون التحاكم إلا إلى الله ورسوله، هذا واحد. ثم قال (وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ) كيف يحكم الناس بالعدل؟! لا يمكن أن يصل الناس إلى العدل في قضاياهم حتى يتحاكموا إلى الله وإلى الرسول وإلا لا بد وأن يقعوا في الظلم لأن ما من شرع يشرّعه الناس إلا ويحابي فيه المشرعون أنفسهم وخاصتهم إن كانوا من الطبقات التي كما يقال البرجوازية فهي تراعي مصالحها وإن كان من المتنفذين راعوا مصالحهم وهكذا, أما حكم الله فإنه لا يراعي أحدًا على حساب أحد بل المراعى هو الحق
د. الطيار: هناك فائدة لغوية في قوله (فيما شجر بينهم)
د. الشهري: التعبير بـ(شجر)
د. الطيار: مشابهة بالشجرة قد تداخل بعضها ببعض لا تقدر تفككها
د. الشهري: وهذا فيد دلالة إلى أن المجتمع المسلم لا يستغني عن الاختلاط والتعامل مع بعضه البعض مهما حاولت أنك تبتعد عن المجتمع وتنفرد أنت بشؤونك ما تستطيع وإنما لا بد أن تختلط ويشجر بينك وبين غيرك نزاعات فلذلك قال (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ)
د. الخضيري: في قوله (فلا وربك) حقيقة فيها لفتة في أن حكم الله وحكم رسوله هو من كمال تربية الله عز وجل لنا ورحمته بنا لأننا لو ابتغينا أن نحلّ خصوماتنا وأن نقضي فيما بيننا بشيء غير حكم الله وحكم رسوله لوجدنا فيه الظلم ووجدنا فيه الجور ووجدنا فيه المشقة والعنت عليها ولا بد لا بد من ذلك , وتتبع لدساتير العالم وأنظمتها تجد أن هذا واقع تمامًا
د. الطيار: الذين يدّعون الرجوع إلى العقل وادّعاؤهم أن العقل في قاعدة أن اختلف العقل أو تعارض العقل والنقل أليس يدخل في معنى هذه الآية (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ)
د. الشهري: ما وجه دخوله؟!
د. الطيار: وجه دخوله أنه هو الآن حكّم العقل يعني من حكّم العقل على النص وجعل النص محكومًا عليه فإنه خالف معنى هذه الآية لأنه إحتكم إلى غير النص وهنا قال (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ). ولهذا نلاحظ مثلًا أن دعوى أن العقل هو الحاكم على النص لأنه لا يُفهم النص إلا بالعقل طبعًا هذه الدعوى جرّت ويلات خرجوا المعتزلة الذين اعترضوا على كثير من النصوص وهم يخالفون معنى هذه الآية
د. الشهري: تأتي الآن أنا أقترح في سورة النساء بحث موضوع الموعظة وأثرها في سورة النساء. مرّ معنا حقيقة موعظة الزوجة ومرّ معنا موعظة أداء الأمانات (إن الله نعمّا يعظكم به) وجاء وعظ للمنافقين ثم يأتي الآن الحديث عن فوائد الموعظة في قوله سبحانه وتعالى (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا)
د. الخضيري: هذه الآية طبعًا تابعة لما قبلها
د. الشهري: نعم، يعني لو أننا أوجبنا على هؤلاء المنافقين أن يقتل بعضهم بعضًا لما فعل ذلك إلا القلّة منهم
د. الخضيري: أو أوجدنا عليهم أن يخرجوا من ديارهم أيضًا لما فعل ذلك إلا القلة
د. الشهري: إشارة إلى أنهم لايستجيبون
د. الخضيري: وأن الله عز وجل قد رحم فلم يوجب علينا القتل ولم يوجب علينا الخروج من الديار كما أوجبه على من قبلنا من الآصار والأغلال التي ابتلوا بها فاحمدوا الله على ما أنتم فيه من النعمة قد جاءكم شرع هين لين طيب قريب رحيم رؤوف بكم فماذا تبتغون؟!
د. الشهري: في قوله (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ) هل المقصود به ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به من قتل النفس والإخراج من الديار؟ أو المقصود به لو أنهم فعلوا ما يوعظون به من الاستجابة لأمر الله والتحاكم إلى أمر الله ورسوله؟
د. الطيار: هو الظاهر الاستجابة السابقة كأنه يقول أي كأن المعنى أن ما طلبناه منكم أمر قليل فكيف لو أنا كتبنا عليكم أن اقتلوا أنفسكم أو أخرجوا من دياركم؟! (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به) يعني مما سبق من التحاكم (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) التي هي المراتب الثلاثة، لو أنهم فعلوا هذا لكان خيرًا لهم فأثبت لهم الخيرية فيما لو استجابوا للموعظة وهذه قاعدة عامة.
د. الشهري: وهذه أيضًا يمكن أن يقال فيها مثل ما تقدم قبل حلقات أنه ليس على باب التفضيل أنهم لو فعلوا هذا لكان هو الخير الوحيد لهم والأفضل
د. الخضيري: كقوله (ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم) ليس المقصود أنهم أفضل مما هم فيه
د. الشهري: يعني إن الذي هم فيه خير ولكن
د. الخضيري: نعم. عدّ لفعل ما يوعظون به عددًا من الفوائد, أولًا: لكان خيرًا لهم وأشد تثبيتًا
د. الطيار: تقوية لإيمانهم
د. الخضيري: تقوية لإيمانهم (وإذا لأتيناهم من لدنا أجر عظيمًا)
د. الشهري: في الدنيا والآخرة
د. الخضيري: (ولهديناهم صراطًا مستقيمًا) هذه أربعة أشياء يكسبونها
د. الشهري: من الاستجابة للموعظة
د. الخضيري: الهداية للصراط المستقيم, الأجر العظيم, التثبيت وزيادة الإيمان لأن الحسنة تقول أختي أختي وأيضًا كونه خير لهم في العاجل وفي الآجل
د. الشهري: تأتي هنا في قوله سبحانه وتعالى (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ) تذكرون الآيات التي تقدمت معنا قبل عدة آيات وهو قبله سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ .) الآيات, هنا يذكر النتيجة يذكر الجزاء (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ) يعني في الآخرة فأولئك منزلتهم ومكانهم في الجنة (مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا (70) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيمًا) وهذه المنزلة العالية التي وعد الله بها من أطاعه سبحانه وتعالى في الدنيا لا شك أن كل واحد منا يطمح إليها وهذه الآية بالمناسبة من الآيات التي يفسَّر بها قوله تعالى في سورة الفاتحة (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ)، من هم الذين أنعمت عليهم يارب ؟! جوابها في هذه الآية (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم) وهم (النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ) من كانت قدوته هذه الأوصاف الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين لا شك أنه يكون قد اقتدى
د. الطيار: يقرِّب هذا أنه قال (وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا) (اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ), (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم) (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ) الذين هم (مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء)
د. الخضيري: لعلها فسرت آيتين
د. الطيار: آيتين في سورة الفاتحة
د. الشهري: وأيضًا ختمها بهذه الخاتمة البليغة في قوله (ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيمًا) هذه المكانة التي وعد الله بها من أطاعه في الدنيا لا شك أنها مكانة عالية ثم يقول (ذلك الفضل من الله) فيها إشارة يا إخواني إلى أن ما يعطيه الله سبحانه وتعالى للمؤمنين به من الجزاء في الدنيا وفي الآخرة أنه محض فضل من الله سبحانه وتعالى
د. الطيار: قوله (كفى بالله عليما) في مقام الترغيب أليس كذلك؟! لأنه قال (ومن يطع الله والرسول) ثم مقام مقام ترغيب كأنه يقول ما تعملونه وما تؤدونه من العمل فإن الله مطّلع عليه ولازم ذلك أنه يجازيكم به
د. الخضيري: قوله (من يطع الله والرسول) حقيقة هذه تجعل المؤمن يجتهد في البحث عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفة أحكامه وشرعه حتى يقتدي به ويؤدي هذه الخصلة
د. الشهري: حق الله يعني
د. الخضيري: نعم، في طاعة الله والرسول ليكون مع هؤلاء الأصناف الأربعة, الأصناف الأربعة الحقيقة يعني هذه طبقات عالية
د. الشهري: صدقت
د. الخضيري: ولا يخرج عنها أحد من أهل الإيمان بالمناسبة
د. الشهري: الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين
د. الخضيري: هؤلاء أعلى الخلق، فأعلاهم الأنبياء ثم الصديقين ثم الشهداء ثم سائر الصالحين يعني بهذه المرتبة يعني مرتبون كما هم الآن في هذه الآية
د. الشهري: ولا يخرج من هذا التقسيم، يعني هي قسمة حاصلة. على كل حال يبدو أن الوقت انتهى في هذا اللقاء وفي هذا المجلس نتوقف عند هذه الآيات ونبتدئ بإذن الله بما بعدها في المجلس القادم. أيها الإخوة المشاهدون الكرام انتهى وقت هذا اللقاء نشكركم على متابعتكم كما نشكر الإخوة الذين شاركوا معنا في هذا اللقاء الدكتور محمد بن عبد العزيز الخضيري والدكتور مساعد بن سليمان الطيار والزملاء المصورون والأخ المخرج الأستاذ رضا غلاب والفريق معه ومهندس الصوت ونشكر أيضًا الذي استضافنا في هذه المزرعة الأستاذ ظافر بن حلبد الشهري في مدينة تنومه الذي نسق لنا هذه المجالس نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا ومنكم أيها الأخوة المشاهدون ما قدمناه في هذه اللقاءات وأن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته وإلى لقاء قادم نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بُثّت الحلقة بتاريخ 29 رمضان 1431 هـ
 
أسأل الله أن يتقبل منا هذا العمل والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ،وجزاك الله خيرًا أختنا الدكتورة سمر وجميع المفرغات.
 
بارك الله فيك د.سمر وجزاك خيرًا ..وبارك في كل من شارك في هذا العمل المبارك خير الجزاء ....
ونفع الله به ...وجمعنا في العام القادم على مائدة القرآن ونحن على خير وإيمان وعافية ...
 
اللهم آمين أخواتي الفاضلات أم عبد الله وراجية الهدى على دعائكما الطيب وتقبل الله تعالى منا ومنكم ومن جميع الأخوات اللواتي شاركن في هذا المشروع القيم النافع وإلى لقاء قريب في مشروع جديد لخدمة القرآن العظيم
 
جهود مباركة اختنا سمر بارك الله فيك وبودي لو تناقشي المشرف العام على جمع هذه المفرغات ومراجعتها واخراجها في كتاب مطبوع كما فعل الدكتور فاضل السامرائي وكتابه له رواج وفائدة
 
شكر الله لك أخي الفاضل نايف على تعقيبك واقتراحك والملف بكامله عند المشرف العام والدكتورين الفاضلين مساعد الطيار ومحمد الخضيري وإن شاء الله يتم جمع الحلقات في كتاب.
ملاحظة فقط: الدكتور فاضل السامرائي لم يجمع نصوص حلقات برنامجه لمسات بيانية في كتاب ولكن الجمع هو جمعنا نحن وضعنا كل محتوى البرنامج ورتبناه بحسب سور القرآن وللأسف الدكتور فاضل لم يطلع عليه وكتبه التي يطبعها تحتوي معظم ما جاء في البرنامج. أما الكتاب الذي انتشر على الانترنت ويدّعون أنه كتاب له ما هو إلا نقل للحلقات من موقعي وجمعها على شكل كتاب ونسبها للدكتور السامرائي ورفعها في مواقع كثيرة وقد قمت بالتوضيح لهذه المسألة في كثير من المواقع لكن للأسف لم يسمعني أحد واستمروا بنشره على أنه كتاب للدكتور السامرائي!
 
أسأل الله أن يبارك في عمرك وعملك
وينفع بك الأمة



ماشاء الله تبارك الله
وزادك الله من فضله ياأختي الغالية


فالكثير يهوى القراءة ولا يجد نفسه في الاستماع

فها أنتم يسرتم له

فبارك الله في جهودكم
وأجزل لكم الأجر
ويسر لكم دروب الخير


ونفع بمشايخنا الأمة
وجزاهم خير الجزاء
 
عودة
أعلى