أبو عبد المعز
Active member
- إنضم
- 20/04/2003
- المشاركات
- 610
- مستوى التفاعل
- 26
- النقاط
- 28
نحو توصيف بلاغي للعلم الأعجمي في القرآن..
هذا البحث متعلق بالعلم الأعجمي في القرآن ، كما جاء في كتاب (العلم الأعجمي في القرآن مفسرا بالقرآن) للأستاذ رءوف أبو سعدة الذي صدر قبل ثلاثة عقود ، ومقصدنا التكييف البلاغي لهذا الوجه ، ومحاولة إدراجه في خانة من الجدول العام الذي صاغته البلاغة التقليدية الموروثة ،ولنا في سبيل ذلك ثلاث محطات :
1- دلالية العلم في اللغات الإنسانية
2- توصيف العلم الأعجمي الوارد في القرآن بلاغيا
3- تطبيقات – إن تيسر- على نماذج من القرآن.
1- للعلم في اللغة دلالتان : دلالة خاصة في الاستعمال ، وذلك عندما يكون الاسم معيِّنا ومميِّزا لمسمى خاص لا ينطبق إلا عليه، لكنه قبل التخصيص كان دالا على العموم، فأسماء مثل (أحمد ،وخالد ،ومنصور...) لها دلالات في المعجم العربي من جهة المادة والهيأة (صيغة تفضيل، اسم فاعل، اسم مفعول...) فإذا عينت للدلالة على شخص بعينه - أي أصبحت علما - اختفت تلك المعاني المعجمية أو انزوت إلى الظل فلا يبقى في العلم إلا الدلالة على المسمى فيستحضر الفرد المسمى في الذهن بشخصه من غير التفات إلى المعاني الأصلية في المعجم...
هذا الفصل بين الدلالة المعجمية والعلمية لا يكون إلا على مستوى الاستعمال ، أما عند الوضع فالدلالة المعجمية معتبرة قطعا ، كأن يكون المراد بمعنى الاسم التفاؤل أوالتبرك أو التنويه وغيرها فضلا عن الدلالة على عين المسمى....
ويمكن للباحث في الثقافة العربية القديمة أن يجد فيها غنى سيميائيا في حقل الأعلام....فيلحظ مثلا أن العربي في الجاهلية يخصص أبناءه بنوع من الأسماء مضادة للأسماء التي يعينها لعبيده وجواريه وهنا مفارقة مدهشة بلا ريب فعلى عكس ما قد ينتظرالباحث تجد العربي يطلق على ابنه الاسم القبيح الشديد القاسي بينما يطلق الاسم الحسن الناعم اللين على عبده وجاريته!
يسمي ابنه قتادة وحنظلة وصخرا وعلقمة ويسمي العبد والجارية كوكبا وريحانا ونجمة
سُئل محمد بن عبد الله السفياني العُتْبِي النسّابة الشاعر المتوفى 228هـ):
"ما بال العرب سمّت أبناءَها بالأسماء المستشنعة، وسمّت عبيدها بالأسماء المستحسنة؟ فقال: لأنها سمّت أبناءها لأعدائها، وسمّت عبيدها لأنفسها".
اسم الابن ليس اسما فحسب بل هو رسالة موجهة إلى الخصم والمنافس – وما أكثر الخصوم والمنافسين في الجاهلية!- "انتظر مني قتادة وعلقمة"أو "سيأتيك عني أوس وكليب"
ولا يسمي الجاهلي عبده حنظلة فليس من الحصافة أن ينادي خادمه :أحضر الأكل يا علقمة لأن الاسم سيلقى ظلاله على شهيته وينغص عليه تفاؤله بوجبة الفطورفهلا سماه "مسكا" مثلا وناداه أحضر الأكل يا مسك ، فتعم المتعة الذوق والشم والسمع!!
ولقد نعلم الآن لماذا غير النبي صلى الله عليه وسلم - كما ترجم الحافظ ابن حَجَر - في ‘الإصابة في تمييز الصحابة’- أسماء لنحو خمسين صحابيا وصحابية
وروى البخاري بإسناده إلى سعيد بن المسيّب أن جدَّه ‘حَزْنًا‘ قدم على النبي ﷺ فسأله: «ما اسمك؟» قال: اسمي حَزْنٌ [ومعناه: الصعب]، قال: «بل أنت سهل»، قال: ما أنا بمغيِّر اسما سمّانيه أبي.
ومن هذا الباب ما ذكره ابن منظور -في ‘لسان العرب‘- من أن مدينة النبي ﷺ كان اسمها يَثْرِبُ "فغَيَّرها وسماها طَيْبةَ وطابةَ كَراهِيةَ التَّثْرِيبِ، وهو اللَّوْمُ والتَعْيير"
وخلاصة الأمر أن العلم عند الوضع فيه ازدواج الدلالة ، وجمع بين التعميم والتخصيص ، وهذا ما سيرد في التنزيل على نحو معجز.
هذا البحث متعلق بالعلم الأعجمي في القرآن ، كما جاء في كتاب (العلم الأعجمي في القرآن مفسرا بالقرآن) للأستاذ رءوف أبو سعدة الذي صدر قبل ثلاثة عقود ، ومقصدنا التكييف البلاغي لهذا الوجه ، ومحاولة إدراجه في خانة من الجدول العام الذي صاغته البلاغة التقليدية الموروثة ،ولنا في سبيل ذلك ثلاث محطات :
1- دلالية العلم في اللغات الإنسانية
2- توصيف العلم الأعجمي الوارد في القرآن بلاغيا
3- تطبيقات – إن تيسر- على نماذج من القرآن.
1- للعلم في اللغة دلالتان : دلالة خاصة في الاستعمال ، وذلك عندما يكون الاسم معيِّنا ومميِّزا لمسمى خاص لا ينطبق إلا عليه، لكنه قبل التخصيص كان دالا على العموم، فأسماء مثل (أحمد ،وخالد ،ومنصور...) لها دلالات في المعجم العربي من جهة المادة والهيأة (صيغة تفضيل، اسم فاعل، اسم مفعول...) فإذا عينت للدلالة على شخص بعينه - أي أصبحت علما - اختفت تلك المعاني المعجمية أو انزوت إلى الظل فلا يبقى في العلم إلا الدلالة على المسمى فيستحضر الفرد المسمى في الذهن بشخصه من غير التفات إلى المعاني الأصلية في المعجم...
هذا الفصل بين الدلالة المعجمية والعلمية لا يكون إلا على مستوى الاستعمال ، أما عند الوضع فالدلالة المعجمية معتبرة قطعا ، كأن يكون المراد بمعنى الاسم التفاؤل أوالتبرك أو التنويه وغيرها فضلا عن الدلالة على عين المسمى....
ويمكن للباحث في الثقافة العربية القديمة أن يجد فيها غنى سيميائيا في حقل الأعلام....فيلحظ مثلا أن العربي في الجاهلية يخصص أبناءه بنوع من الأسماء مضادة للأسماء التي يعينها لعبيده وجواريه وهنا مفارقة مدهشة بلا ريب فعلى عكس ما قد ينتظرالباحث تجد العربي يطلق على ابنه الاسم القبيح الشديد القاسي بينما يطلق الاسم الحسن الناعم اللين على عبده وجاريته!
يسمي ابنه قتادة وحنظلة وصخرا وعلقمة ويسمي العبد والجارية كوكبا وريحانا ونجمة
سُئل محمد بن عبد الله السفياني العُتْبِي النسّابة الشاعر المتوفى 228هـ):
"ما بال العرب سمّت أبناءَها بالأسماء المستشنعة، وسمّت عبيدها بالأسماء المستحسنة؟ فقال: لأنها سمّت أبناءها لأعدائها، وسمّت عبيدها لأنفسها".
اسم الابن ليس اسما فحسب بل هو رسالة موجهة إلى الخصم والمنافس – وما أكثر الخصوم والمنافسين في الجاهلية!- "انتظر مني قتادة وعلقمة"أو "سيأتيك عني أوس وكليب"
ولا يسمي الجاهلي عبده حنظلة فليس من الحصافة أن ينادي خادمه :أحضر الأكل يا علقمة لأن الاسم سيلقى ظلاله على شهيته وينغص عليه تفاؤله بوجبة الفطورفهلا سماه "مسكا" مثلا وناداه أحضر الأكل يا مسك ، فتعم المتعة الذوق والشم والسمع!!
ولقد نعلم الآن لماذا غير النبي صلى الله عليه وسلم - كما ترجم الحافظ ابن حَجَر - في ‘الإصابة في تمييز الصحابة’- أسماء لنحو خمسين صحابيا وصحابية
وروى البخاري بإسناده إلى سعيد بن المسيّب أن جدَّه ‘حَزْنًا‘ قدم على النبي ﷺ فسأله: «ما اسمك؟» قال: اسمي حَزْنٌ [ومعناه: الصعب]، قال: «بل أنت سهل»، قال: ما أنا بمغيِّر اسما سمّانيه أبي.
ومن هذا الباب ما ذكره ابن منظور -في ‘لسان العرب‘- من أن مدينة النبي ﷺ كان اسمها يَثْرِبُ "فغَيَّرها وسماها طَيْبةَ وطابةَ كَراهِيةَ التَّثْرِيبِ، وهو اللَّوْمُ والتَعْيير"
وخلاصة الأمر أن العلم عند الوضع فيه ازدواج الدلالة ، وجمع بين التعميم والتخصيص ، وهذا ما سيرد في التنزيل على نحو معجز.