ميل ابن عاشور إلى ضعف دلالة (ومن يشاقق الرسول) على حجية الإجماع.

الحمد لله وحده
هذه أول مشاركاتي معكم في منتداكم المبارك، أسأل الله أن ينفعني وإياكم بالمشاركة فيه.
قد تابعت هذا الحوار الماتع الطويل بين الإخوة والمشايخ الكرام، ولعمري إن فيه لفوائد تضرب لأجلها أكباد الإبل، بارك الله في كل من شارك وجزاه عن إخوانه خيرا.
ولي تعقيبات أرجو ألا تكون تغريدا خارج السرب، أو خروجا على الدرب، والله الموفق للسداد.

الإخوة متفقون على أن اجتماع الظن إلى الظن الموافق له من مصدر آخر أو من استدلال ظني آخر = يقويه، فلا إشكال من هذه الجهة ولله الحمد.
وأضيف إن هذا المعنى هو عين الأصل العقلي القطعي الذي لأجله أصبح التواتر قطعيا في المرويات، وأصبح التوافق قرينة تقوي الظن حتى يصل إلى حد القطع في النظريات.
فقول أخينا نزار وفقه الله إن التواتر في نقل الأخبار استمد قطعيته من دليل عقلي قطعي مفاده امتناع التواطؤ على الكذب، هذا صحيح، ولكن مرده عند التأمل إلى ذات القاعدة العقلية التي يثبتها أبو مالك حفظه الله في مقام النظريات والاجتهادات، ولكن على تخريج آخر = كأن يقال بامتناع أو بُعد خفاء الصواب على كل هذا الجمع من المجتهدين النبهاء.. ويضاف إلى ذلك امتناع أن يكون القول الحق في خفية عن أنظار جميع من اتفقت الأمة على علمهم وأهليتهم للنظر، وجعل الله لهم منزلة في العلم والفقه، وأنه كلما كثر الموافقون منهم كلما زادت قوة القول الذي يتفقون عليه، فيبقى الأمر في مرتبة الظن حتى لا يبقى في هؤلاء من نقل عنه القول بالمخالفة، فحينئذ يكون القطع.
هذا المعنى كقاعدة عقلية يستوي عند التأمل مع امتناع تواطؤ الكثرة من الصحابة على الكذب من حيث إفادة القطع، والله أعلم.

/// قال أخونا الحبيب الأريب الشيخ أبو مالك - وفقه الله:
لا يصح الاستدلال على حجية الإجماع بدليل واحد؛ لأن كل دليل في الوجود بانفرداه يمكن الطعن فيه بوجوه كثيرة من الطعن، وحينئذ لا يمكن أن يكون قطعيا، والفرض أن القوانين الكلية لأصول الفقه قطعية، وهذا خلف.
قلتُ ألا ترى يا أبا مالك - بارك الله فيك - أن في هذا الإطلاق نظرا، إذ تقولون "كل دليل في الوجود"؟
لابد من اتفاق أهل الصناعات جميعها على فئات من الأدلة يقوم بها الاستدلال عندهم - كل في صنعته - بانفراد آحادها مع استحالة الطعن على أي منها بمطعن يستحق النظر.
ومثال ذلك اتفاق العقلاء جميعا على ضروريات العقل، فهذه الضروريات المعنوية أدلة لا تحتاج إلى الاعتضاد بغيرها عند الاستدلال، وهي قطعية في ذاتها لا يسع العقلاء المخالفة فيها!

/// أنبه أخي الكريم أبا الأشبال إلى أن قوله:
وأقوى اعتراض على هذه الآية كما ذُكر
كان يحسن به أن يجعله: "أقوى اعتراض على الاستدلال بهذه الآية"
ومعلوم أنه لا يقصد إلا هذا، ولكن نبهته من باب ((لا تقولوا راعنا)).. بارك الله فيكم.
 
لا يصح الاستدلال على حجية الإجماع بدليل واحد؛ لأن كل دليل في الوجود بانفرداه يمكن الطعن فيه بوجوه كثيرة من الطعن، وحينئذ لا يمكن أن يكون قطعيا، والفرض أن القوانين الكلية لأصول الفقه قطعية، وهذا خلف.

أخي ابو مالك . أظن أن موضوع القطعي لا يمكن أن ينظر اليه هكذا في أصول الفقه .
لأن تلك الأصول لو كانت قطعية لما اختلفوا فيها لأنها أصول مذاهب :
فالظاهرية لم يقبلوا القياس . وقبله أغلب أهل الفقه.
فالشافعية لا يقولوا بالاستحسان وكذا الظاهرية. والاستحسان من اصول الفقه عند غيرهم من الحنفية والمالكية والحنابلة.
وكذلك الامر بالاستصحاب والمصلحة المرسلة وسد الذرائع .
وانما هي اصول مذهب يمتاز عن غيره بتلك الامور .
فأصول الشافعية : الكتاب والسنة والاجماع والقياس .
والظاهرية لا يرون القياس . فمن لا يقبل القياس يسمى ظاهريا . ومن قبله لا يقال عنه شافعيا حتى يوافق باقي اصول الشافعية قبولا ورفضا .
لذا يقال هذه اصول الفقه الشافعي وتلك اصول الفقه الحنفي .وهكذا ..
وكما هو مقررفي الاصول اذا دخل الاحتمال بطل الاستدلال .فلو عملت بهذه القاعدة في كل ما يطلق عليه أصل لما استقام الأمر .
ولكن أصول المذهب من يخالفها يخالف المذهب وهذا لا يعني انه خالف اصول الاسلام .
 
ثم تبين لي أن لكلام أبي مالك الذي عقبتُ عليه في مشاركتي الآنفة وجها، فمأخذي غير مأخذه عند التأمل. فهو يتكلم في مقام بناء الدليل وتحقيقه عند استقصاء النظر في بنائه، وأنا أتكلم في مقام حجية الدليل وقوته عند الاستدلال به بين أصحاب الصناعات.. ففي المقام الأول فكل دليل يحتاج إلى تحقيق مستفيض لأصول بنائه والرجوع بذلك إلى مصادر عقلية معرفية اتفق عليها العقلاء وبها تنبني المعاني عندهم، ولا يستثنى من ذلك شيء مما يوصف لغةً بأنه دليل. وفي المقام الثاني فإنه لا يقال إنه لا يوجد دليل يصلح للاحتجاج منفردا دون الاعتراض عليه، بل توجد أمثال تلك الأدلة ولا تُعارض في بابها إلا بما ينتج عنه تسلسل لا اعتبار به عند أهل الفنون المختلفة في المحاججة والاستدلال.

وعودٌ على أصل الموضوع ..
فأما بخصوص دلالة الآية على الإجماع فظاهرة، من جهة أن سبيل المؤمنين هو ما اجتمع عليه المؤمنون واتخذوه سبيلا وعدوه من الدين، فلا فرق في ذلك بين الأصول الكبرى والفروع! ومن فرَّق بينهما في هذا المقام فقد خصَّص العموم بغير مخصِّص.
فالذي يقول إنها هنا جاءت في مقام التمييز بين سبيل الإسلام وما سوى الإسلام من السبل، هذا يخصص معنى المشاققة للرسول بلا قرينة، إذ العاصي يقال له إنه مشاقق للرسول كما يصح ذلك المعنى في حق الكافر كذلك (جملة).. فمن أين يفهم السامع أن المراد بالمشاققة ههنا الكفر والخروج عن الإسلام فقط كما ذكر الشوكاني ومن وافقه؟
ومفارقة سبيل المؤمنين معنى زائد في الآية على تلك المشاققة كما هو واضح وإلا لم يكن للعطف فيها فائدة..

بل لعل في الآية نكتة بلاغية لطيفة يجدر التنبيه إليها، إضافة إلى كون العطف في مجرده يستلزم الزيادة في المعنى ..
وهي أن هذه العبارة معطوفة مع التأخير، فكان من الممكن - ومن المستقيم لغة - أن يأتي النص هكذا "ومن يشاقق الرسول ويتبع غير سبيل المؤمنين من بعد ما تبين له الهدى .." ولكن أُخرت عبارة ((ويتبع غير سبيل المؤمنين)) إلى ما بعد قوله تعالى ((من بعد ما تبين له الهدى)) لفائدة معنوية دقيقة.
فلو جاءت العبارة على هذا النحو لصح من الإقتران المباشر لكل من (المشاققة) و(اتباع غير السبيل) أن يكون المعطوف والمعطوف عليه كلاهما بمعنى الخروج على الإسلام، ويقال حينئذ إن العطف جاء ههنا من باب التوكيد بالترادف أو بعطف الخاص على العام.. ولكن هذا التأخير يوحي بأن اتباع غير سبيل المؤمنين ليس هو مشاققة الرسول، وليس يساويه في المنزلة (وإن اتفق معه في المآل والحكم).

وتأمل الفرق بين قيمة الفعل (ص ) في الصيغة:
"ومن يفعل (س) ويفعل (ص ) من بعد أن كان كذا فهو كذا"
وفي الصيغة:
"ومن يفعل (س) من بعد أن كان كذا، ويفعل (ص )، فهو كذا."
فكأنه يقول: "ومن يفعل (س) من بعد أن تبين له كذا، بل ويفعل (ص ) أيضا، فهو كذا"
ففي الصيغة الأخيرة، (ص ) تختلف عن (س) في المعنى وفي القيمة كذلك ولابد..

ومعرفة ذلك السبيل منوطة بأولي العلم من المؤمنين ولا شك، فلا عبرة بالجهال والعوام منهم في بيانه ودلالة الناس عليه، كما لا يماري في ذلك أحد .. إذ مما لا يخفى على عاقل أن المؤمنين في العلم والفهم عن الله تعالى ليسوا على درجة واحدة. فليس كل مؤمن يكون أهلا لدلالة الناس على السبيل.. وإنما ينطبق هذا المعنى على من لهم الأهلية من المؤمنين دون غيرهم، بدليل قوله تعالى ((فاسألوا أهل الذكر))، والله أعلم.
ولهذا اتفق مثبتوا الإجماع - وهم الوفرة الوافرة من أهل العلم - على خصوصية من يُعتبر بخلافهم من المجتهدين وينعقد بهم الإجماع، وإن اختلفوا في شرط معرفتهم وإحصائهم.
 
أسأل لنا ولكم الفقه في كتابه وسنة رسوله /
أود أن أشارك بعدة نقاط :
الأولى : لعل ما نقله الإمام الرازي – رحمه الله – في تفسيره ( 11 / 35 ) من باب المبالغة ، أو خطأ في النقل ، أو تحريف في الطباعة ، إذ أني أعتقد أنه لم يقله أحدٌ غيره .وقد رأيت أبو حفص الحنبلي في كتابه اللباب ( 7 / 18 ) نقله بصيغة التمريض فقال : " رُويَ أن الشافعي ... " .
ولأنَّ المنقول عن الشافعي – رحمه الله – أنه قرأ القرآن ثلاث مرات كما نقله الشيرازي في شرح اللمع ( 2 / 668 ) وكذلك البيهقي بسنده عن المزني والربيع في كتابه أحكام القرآن للإمام الشافعي ( 1 / 39 ) ، إلا أنهما قالا : " قال الشافعي : قرأت القرآن كل يوم وليلة ثلاث قراءات حتى وقفت عليه " . وأكثر المفسرين نقل هذا – أي الثلاث مرات _ كالألوسي في تفسيره ( 5 / 146 ) وكذلك في حاشية البيضاوي ( 3 / 178 ) وغيرهم .


الثانية : أنَّ سبب نزول الآية قد يكون له أثر في التفسير – فليُتأمل – على قول من قال إنها نزلت في طعمة بن أُبيرق عندما سرق درع قتادة بن النعمان ، على قول بعض المفسرين كابن الجوزي في زاد المسير ( 2 / 190 ) والقرطبي في الجامع ( 5 / 375 ) والنيسابوري في أسباب النزول ( 1 / 172 ) . وغيرهم .
أو على رواية أنها نزلت في بشر بن أبيرق حينما لَحِقَ بالمشركين فنزل على سُلافَة بنت سعد بن سُمَيَّة ، على قول البعض الآخر كالترمذي في سننه ( 5 / 278 ) وقال حديث غريب . – ولعله ضعيف لأجل عمر بن قتادة ومحمد بن إسحاق _ ، وكذلك الحاكم ( 4 / 385 ) والطبراني في الكبير ( 19 / 9 ) وغيرهم . ولجمع من أهل الحديث كلام عليه بين محسّنٍ ومضعف كالشوكاني في فتح القدير ( 1 / 118 ) والألباني في صحيح سنن الترمذي ( 3285 ) .
وقال بعضهم إن قصة طعمة بن أبيرق نزلت فيها آية المائدة : " والسارق والسارقة ....... " حكاها النيسابوري في أسباب النزول ( 1 / 186 ) ونسبه للكلبي ! مع أنَّ الكلبي ذكره في التسهيل ( 1 / 211 ) عند آية " ومن يشاقق الرسول ... " ، وابن الجوزي في زاد المسير ( 2 / 348 ) .


الثالثة : مفهوم الإجماع عند الشافعي – رحمه الله – هو إجماع الصحابة – رضي الله عنهم – كما قال في الرسالة ( 409 ) : " قال الشافعي : فقال لي قائل : قد فهمت مذهبك في أحكام الله ثم أحكام رسوله وأنَّ مَن قَبِلَ عن رسول الله فعن الله قَبِلَ ، بأن الله افترض طاعة رسوله ، وقامت الحجة بما قلتَ بأن لا يحل لمسلم علم كتاباً ولا سنةً أن يقول بخلاف واحد منهما ، وعلمتُ أنَّ هذا فرض الله . فما حُجَّتُكَ في أن تتبع ما اجتمع الناسُ عليه ، مما ليس فيه نصُّ حكم لله ، ولم يحكوه عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ أتزعم ما يقول غيرك أن إجماعهم لا يكون أبداً إلا على سُنَّة ثابتة وإن لم يَحْكُوها ؟!
قال : فقلت له : أمَّا اجتمعوا عليه فذكروا أنه حكايةٌ عن رسول الله ، فكما قالوا ، إن شاء الله .
وأمَّا ما لم يحكوه ؛ فاحتمل أن يكون قالوا حكاية عن رسول الله ، واحتمل غيره ، ولا يجوز أن نَعُدَّهُ له حكايةً ، لأنه لا يجوز أن يحكي إلا مسموعاً ، ولا يجوز أن يحكي شيئاً يُتَوهَّمُ ، يمكن فيه غير ما قال .
فكنَّا نقول بما قالوا به اتباعاً لهم . ونعلم أنهم إذا كانت سنن رسول الله لا تَعْزُبُ عن عامَّتهم ، وقد تَعْزُبُ عن بعضهم . ونعلم أن عامتهم لا تجتمع على خلاف لسنة رسول الله ، ولا على خطأ ، إن شاء الله . " .
وقال في كتابه الأم ( 5 / 138 ) : " وواجب على الحكام والمفتين أن لا يقولوا إلا من وجه لزم من كتاب الله أو سنة أو إجماع ؛ فإن لم يكن في واحد من هذه المنازل ؛ اجتهدوا عليه حتى يقولوا مثلَ معناه . ولا يكون لهم - والله أعلم - أن يُحْدِثوا حكماً ليس في واحد من هذا ولا في مثل معناه . " .
فهذا الإجماع الذي قصده الشافعي هو إجماع الصحابة – رضي الله عنهم – لأنهم :
1. الذين بلغوا ما سمعوا عن رسول الله .
2. أنهم هم الذين لا تعزب عن عامتهم سنة النبي صلى الله عليه وسلم .


الرابعة : أنّ من العلماء من اعترض على استدلال الإمام الشافعي – رحمه الله – ومنهم /
جمال الدين الأسنوي في كتابه نهاية السول شرح منهاج الوصول ( 2 / 81 ) وذكر تسعة اعتراضات وأجاب عنها بشيء من الاختصار فقال : " اعترض الخصم بتسعة أوجه : ........... " .
ومنهم علي السبكي في كتابه الإبهاج في شرح المنهاج ( 2 / 354 ) وذكر أيضاً تسعة أوجه اعتراضية ، وقد نقل استدلال الشافعي ، ثم ذكر الأوجه التسعة وأجاب عن كل اعتراض .
على أنَّ إمام الحرمين أبو المعالي الجويني ذكر في كتابه البرهان في أصول الفقه ( 1 / 435 ) أنّ تلك الاعتراضات متكلفة فقال : " فإذا أجمع المؤمنون على حكم في قضية فمن خالفهم فقد شاقهم المعترضون ، وظني أن معظم تلك الاعتراضات الفاسدة تكلفها المصنفون حتى ينتظم لهم أجوبة عنها ولسن لأمثالها " .
ومنهم محمد الرازي في كتابه المحصول في علم الأصول ( 4 / 46 ) فقد ذكر شيئاً مما استُشكل حول الاستدلال بالآية على الإجماع وكلامه جميل وأجاب عليه .
ولولا طولها لذكرتها مع الردود .

والله تعالى أعلم
 
الحمد لله وحده

/// أنبه أخي الكريم أبا الأشبال إلى أن قوله:

كان يحسن به أن يجعله: "أقوى اعتراض على الاستدلال بهذه الآية"
ومعلوم أنه لا يقصد إلا هذا، ولكن نبهته من باب ((لا تقولوا راعنا)).. بارك الله فيكم.

شكرا لك أخي الكريم ، وتنبيه في محله ، أستغفر الله وأتوب إليه .
 
أشكر جميع المشاركين في هذا الحوار العلمي الماتع ، وأشكر الأخ أبا سليمان المحمد والأخ أبا الفداء والأخ عبدالله العمري على إضافتهم الرائعة ، وارجو استكمال هذا الحوار طلباً للفائدة ، فمثل هذه الحوارات تزيد في العقل والعلم .
 
أنا مع الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى ، ومن أراد الاستزادة في هذه المسألة فعليه بالرجوع إلى كتابه النفيس إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول .
فإنه قد بسط الكلام في هذه الآية ، مع إيراد الأسئلة المحتملة ، وإن شأتم نقلتها لكم ، والله أعلم .
 
قول الإمام الشوكاني في الإجماع لا ينبغي الاعتماد عليه لوضوح فساده؛ إذ إنه أنكر حجية إجماع الأمة نفسه حتى بفرض ثبوته القطعي، يعني عنده لا يمتنع اتفاق الأمة على باطل في نفس الأمر، وهذا ما لا ينبغي أن يقوله مسلم.

والعلماء الذين نسب إليهم القول بإنكار الإجماع -كالطوفي والشوكاني وغيرهما- تراهم يحتجون بالإجماع كثيرا في مصنفاتهم، بل تراهم يتناقضون أحيانا فيثبتون حجية الإجماع كما فعل الطوفي.

فالمقصود أن مسألة إنكار الإجماع هذه مسألة مفروغ منها، وإنما النقاش في أفراد الأدلة ودلالتها كما في هذا الموضوع.

وقد ذكرت في المشاركة (37) أنه لا يمكن أحدًا أن يستدل بدليل غير مفتقر إلى الإجماع ولو بالالتزام.

بل إن أهلية المستدل نفسها لا يمكن معرفتها من غير اعتماد على الإجماع كما بينتُ هنا:
http://majles.alukah.net/showthread.php?t=11139
 
تابع القراءة من قوله رحمه الله في إرشاد الفحول :
" فمن جملة ما استدلوا به قوله سبحانه: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}
ووجه الاستدلال بهذه الآية أنه سبحانه جمع بين مشاقة الرسول وأتباع غير سبيل المؤمنين في الوعيد فلو كان اتباع غير سبيل المؤمنين مباحًا لما جمع بينه وبين المحظور فثبت أن متابعة غير سبيل المؤمنين "محظورة، ومتابعة غير سبيل المؤمنين"* عبارة عن متابعة قول أو فتوى يخالف قولهم أو فتواهم وإذا كانت تلك محظورة وجب أن تكون متابعة قولهم وفتواهم واجبة.
وأجيب: بأنا لا نسلم أن المراد بسبيل المؤمنين في الآية هو إجماعهم لاحتمال أن يكون المراد سبيلهم في متابعة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو في مناصرته أو في الاقتداء به أو فيما به صاروا مؤمنين وهو الإيمان به ومع الاحتمال لا يتم الاستدلال..".​
 
تابع القراءة من قوله رحمه الله في إرشاد الفحول :


وأجيب: بأنا لا نسلم أن المراد بسبيل المؤمنين في الآية هو إجماعهم لاحتمال أن يكون المراد سبيلهم في متابعة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو في مناصرته أو في الاقتداء به أو فيما به صاروا مؤمنين وهو الإيمان به ومع الاحتمال لا يتم الاستدلال..".

في هذا دور ، فما الفرق بين هذا وذاك .
 
لي تعليق لغوي إذا أذنتم، وهو
أن أل في المؤمنين في قوله تعالى {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً }النساء115
هي أل العهدية، وليست الجنسية، فليست تعني مطلق المؤمنين، ولا يدخل فيها كل مؤمن
وإنما هي تعني حصرا وقصرا صحابة - رسول الله صلى الله عليه وسلم - وحدهم دون غيرهم
فلو افترضنا أن اتباع الإجماع حتم لازم، وأن مخالفه عاص آثم
فهو إجماع الصحابة، وليس سواهم
 
لي تعليق لغوي إذا أذنتم، وهو
أن أل في المؤمنين في قوله تعالى {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً }النساء115
هي أل العهدية، وليست الجنسية، فليست تعني مطلق المؤمنين، ولا يدخل فيها كل مؤمن
وإنما هي تعني حصرا وقصرا صحابة - رسول الله صلى الله عليه وسلم - وحدهم دون غيرهم
فلو افترضنا أن اتباع الإجماع حتم لازم، وأن مخالفه عاص آثم
فهو إجماع الصحابة، وليس سواهم
وفقك الله وسدد خطاك
هذا ليس تعليقا لغويا، بل هو مجرد دعوى مخالفة لما عليه أكثر العلماء؛ لأن تقسيم أل إلى عهدية وجنسية لا يعلم منه خصوص ذلك في الآية إلا بدليل آخر منفصل أو قرينة تدل على ذلك في الآية، وأنت لم تذكر هذا ولا ذاك.
واتباع الإجماع حتم لازم ولا يختص ذلك بالصحابة.
وحتى لو فرضنا أن (أل) في الآية عهدية فهذا لا يستفاد منه أن الحجة فقط في إجماع الصحابة؛ لأنه من المقطوع به أن الصحابة لم يكونوا كلهم موجودين وقت نزول هذه الآية، بل بعضهم لم يكن قد ولد، وبعضهم كان قد مات، فيلزمك على ذلك أن تقول: إن الآية تدل على أن الإجماع حجة فقط بقول الصحابة الذين كانوا موجودين وقت نزول هذه الآية، ومن الواضح أن هذا عبث لا قائل به.
 
ومثله في الاحتياج للحجة القول بأن المؤمنين الواجب اتباع سبيلهم والمقصودون بالإجماع الشرعي الملزم المذكور في الآية وفي قول النبي صل1 : ((لا تجتمع أمتي على ضلالة))= هم علماء عصر من العصور إن اتفقوا على قول .
وهذا ضرب من الخرص لم يقل به واحد من الصحابة ولا التابعين ولا أتباعهم ولا واحد من الأئمة الأربعة وإنما هو من اختراعات المتكلمين،وهي فكرة فلسفية شبيهة بفكرة المجامع النصرانية..

والإجماع حجة بلا ريب ،ولكن الإجماع المذكور في الآية وفي الخبر هو إجماع الأمة وهو الإجماع الذي تقضي على الغيب أنه ما من مؤمن من أمة محمد صل1 يسعه شرعاً القول بخلافه ،ولا يمكن أن يخرج منه صحابة النبي صل1 فهم أول الأمة ورأس طبقاتها،وكل إجماع يحكى ليس فيه الصحابة رضي الله عنهم فليس بإجماع لا للأمة ولا للمؤمنين،وإنما هو اتفاق قوم مخصوصين بزمان ليس اتفاقهم حجة ؛فليسوا إلا بعض الأمة .
وليسوا كالبعض الأول (الصحابة) والذين يختصون بخصيصة وهي أن إجماعهم إن انعقد فهم الطائفة المخصوصة الوحيدة التي يصدق على إجماعها -إن وقع- أنه إجماع الأمة ،وليست هذه الخصيصة لغيرهم من الطوائف المخصوصة إن أجمعت.

ثم هذا الإجماع إن كان على سبيل القطع الظاهر فهو حجة ملزمة لا يخالفها إلا مبتدع ضال ..

وإن كان دركنا لهذا الإجماع هو بطريق ظني كان هذا مما يحتج به السلف لكنهم لا يُبدعون ولا يُضللون من خالفه،ويجوز مخالفة هذا الإجماع الظني لمن ظهر له من الحجة ما يدل عنده على عدم ثبوت هذا الإجماع ويمنعه من القضاء بالغيب أن كل مؤمن يقول بهذا لا يخالفه..
ومن مات من الصحابة رضي الله عنهم فإنما هو كمن لم يبلغنا قوله منهم ،لا يمنعنا ذلك من حكاية الإجماع إن كان ما معنا من الأدلة يحملنا على القضاء بالغيب أنه لا يمكن أن يُنقل عنهم خلاف هذا القول ،وهل يشك فقيه أنه من مات من الصحابة ومن حي ومن نقل إلينا قوله ومن لم ينقل إلينا قوله أن جميع أولئك قد أجمعوا على مشروعية سجود السهو ؟
فمتى كانت قوة حكايتك لإجماع الصحابة رضي الله عنهم من هذا الجنس فهو الإجماع القطعي الحجة الشرعية، وهو إجماع المؤمنين فما من مؤمن بعدهم إلا وهو محجوج بسبيلهم وإجماعهم..
ومتى كانت قوة حكايتك دون هذا الجنس = فهو الإجماع الظني تحتج به على مخالفك ويخالفك هو إن كان معه من الحجة ما يُضعف قوة القضاء بالغيب على إجماعهم..
والحمد لله وحده..
 
أبا مالك .. شكر الله لك فقد أمتعتنا ..
لكن كيف هذا ؟ (وعند التأمل يظهر أن كلامه في هذا الباب لم يخرج عن قول جماهير العلماء؛ لأنه حتى العلماء الذين يثبتون القياس لا يقبلونه إلا بعد سلامته من القوادح العشرة المعروفة، وقل أن يسلم قياس منها)
وإعمال الجمهور للقياس قد ملأ ما بين الجلدتين ،
فلو (قلّ) القياس السالم من القادح كما ذكرتم ؛ لما تضمنت كتب المحققين الأكابر من القياس ما يُعد بالمئين بل ويجاوز ذلك .
 
وفقك الله وسدد خطاك
أولا: جزاك الله خيرا على التنبيه؛ لأن عبارتي موهمة فأستغفر الله.
ثانيا: مقصودي أن القياس السالم من هذه القوادح قليل إذا قيس إلى القياس الذي لا يسلم منها، لا أنه في نفسه قليل؛ كما قال تعالى: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} أي إذا قيس إلى ما لا تعلمون.
ولا يخفى عليكم ما جاء عن الإمام الشافعي رحمه الله والإمام أحمد رحمه الله من أن القياس يلجأ إليه عند الضرورة، وهذا فيه إشارة إلى قلته النسبية.
والله تعالى أعلم.
 
تقسيم أل إلى عهدية وجنسية لا يعلم منه خصوص ذلك
في الآية إلا بدليل آخر منفصل أو قرينة تدل على ذلك في الآية، وأنت لم تذكر هذا ولا ذاك.
لم أذكر ذلك لأني لم أظن به حاجة؛ فإذ هذا غير مسلم، فهاكم
{الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ }النساء141
{ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ }الفتح26
{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ}الفتح18 {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً }الأحزاب25 {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ }الأحزاب23 {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }النور51
فكل (مؤمنين) في الآيات السابقة - ولم أستقص - فلا يقصد بها سوى أصحاب رسول الله؛ فإن شئت التحديد فهم أكابرهم كما تدل عليه {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ}الفتح18
والمقصود في آية التوبة هو الإجماع في العقيدة، وليس هذا اجتهادي، بل هو من الأدلة المستفيضة على صواب المنهج السلفي في العقيدة، وقد استشهد بها الألباني رحمه الله غيرما مرة
فهذي الآيات لايدخل فيها صغار الصحابة، وإنما يقصد بها حصرا وقصرامن قال فيهم ربنا
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ{10} أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ{11} فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ{12} ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ{13} وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ{14}
أما الدليل العقلي فهو ما تفضلت بالإشارة إليه، وهو يعضد أنها عهدية، لا ينفيه
وكلامنا في العقيدة، أما في الفقه فالأمر واسع/ وادعاء إجماع الصحابة - فضلا عمن دونهم - فيه صعب عسير
 
إذا كان الإجماع المقصود هو على الفقه - وأراكم قد اتفقتم على أن أدلته ظنية - فلا حرج إذن على من خالفه
كالقرضاوي؛ إذ أفتى بجواز بقاء المرأة - إذا أسلمت - في ذمة الكافر.
وقد فهمت من كلام الشيخ أبي مالك أن الدليل الواحد ضعيف
فهل يعني هذا أنه لا يجوز الإفتاء بناء على دليل واحد، مهما بدا قويا
 
إن كان المقصود أن كل مواضع ورود (المؤمنين) في النصوص الشرعية يقصد بها الصحابة، فهذا غير صحيح اتفاقا، ولا يحتاج إلى جواب.
وإن كان المقصود أن في هذه الآية من القرائن ما يدل على ذلك، فحينئذ لا يفيد الاستشهاد بآيات أخرى، بل يُحتاج إلى بيان القرائن الدالة على ذلك من هذه الآية بخصوصها.
وأما القول بأن هذه الآية يقصد بها حصرا وقصرا من قال فيهم ربنا (والسابقون السابقون ... إلخ) فهذه الآية غير خاصة بالصحابة بلا نزاع.
فالخلاصة أن من أراد أن يذكر قولا له فيه سلف فأهلا وسهلا، ولا سيما في تفسير القرآن.
أما مجرد الآراء الشخصية والاستحسانات العقلية فلا يوجد وقت لقراءتها فضلا عن مناقشتها.
 
إن كان المقصود أن كل مواضع ورود (المؤمنين) في النصوص الشرعية يقصد بها الصحابة، فهذا غير صحيح اتفاقا، ولا يحتاج إلى جواب
إن كنت تقصدني، فأنا لم أقل بذلك، ولا يتصور أن يأتي به أحد
والدليل - بالنسبة لي - أنني تخيرت آيات تخيرا
وإن كان المقصود أن في هذه الآية من القرائن ما يدل على ذلك، فحينئذ لا يفيد الاستشهاد بآيات أخرى، بل يُحتاج إلى بيان القرائن الدالة على ذلك من هذه الآية بخصوصها.
هذا كان ردا على رفضك اعتبار أل عهدية
فالخلاصة أن من أراد أن يذكر قولا له فيه سلف فأهلا وسهلا، ولا سيما في تفسير القرآن.أما مجرد الآراء الشخصية والاستحسانات العقلية فلا يوجد وقت لقراءتها فضلا عن مناقشتها
هذي هي ديكتاتورية المأمون بعينها، وأظنك لو صار إليك شيء تعرض الناس على السيف
وأراك ترفض حجية الإجماع ثم تفرضه علينا في التفسير، ولو كان في العقيدة ما قبناه
أرغب في تسجيل موضوع للدكتوراة في جامعة مثلا
فما فائدة أن أجمع الآراء: قال الصنعاني، وقال الطبري، وقال القرطبي..
وأي علم في هذا؟ وقاعدتكم هذي تنسف البحث الأكاديمي من أساسه
وهي دعوة جديدة للتقليد وتغميض العيون
 
ما شاء الله ، مذاكرة طيبة استفدنا منها كثيرا ، و الحمد لله
و أود من شيخنا الفاضل أبي مالك - حفظه الله - لو استطاع أن يتفصل علينا بيانه و شرحه لدلالة الآيات الأربعة عشر الدالة على الإجماع و التي سطرها يراعه في المشاركة الثامنة ، فقد تفضل مشكورا ببيان خمسة آيات منها ، و ذكر آيتين أخريين ، وذكر الشيخ عبد الله الشهري آيتين ، و بقي للشيخ أبي مالك تسع ، إضافة إلى ما أشار إليه بإلخ إلخ......( ابتسامة )
وهي :
- {هذا ذكر من معي وذكر من قبلي}
- {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}
- {فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه}
- {أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين}
- {ولا تكونوا أول كافر به}
- {ويتبع غير سبيل المؤمنين}
- {فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك}
- {قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب}
- {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}
- {لعلمه الذين يستنبطونه منهم}
- {فأتوا بسورة من مثله}
- {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده}
- {فإن تنازعتم في شيء}
 
فالخلاصة أن من أراد أن يذكر قولا له فيه سلف فأهلا وسهلا، ولا سيما في تفسير القرآن

بل تفسير القرآن بالذات يتسع لأكثر من هذا فيما لا يناقض أقوال السلف،لكن هذا باب آخر..

السؤال : من سلف الذين استدلوا بهذه الآية على اتفاق المجتهدين في عصر من العصور،هل فسرها أحد من السلف بهذا ؟
 
يقول الامام الفقيه الأصولي: أبو بكر أحمد بن أبي سهل السرخسي المتوفى 490 للهجرية
فصل في بيان أن إجماع هذه الأمة موجب للعلم
اعلم أن إجماع هذه الأمة موجب للعلم قطعاً كرامة لهم على الدين لا لانقطاع توهم اجتماعهم على الضلالة بمعنى معقول، فاليهود والنصارى والمجوس أكثر منا عددا وقد وجد منهم الاجتماع على الضلالة، وللأن الاتفاق قد يتحقق من الخلف على وجه المتابعة للآباء من غير حجة كما أخبر الله عن الكفرة بقوله: (( إنا وجدنا آباءنا على أمة )) وقال تعالى: (( اتخذوا أحبارهم و رهبانهم أربابا من دون الله)) فعرفنا أنه إنما جعل اجتماع هذه الأمة حجة شرعا كرامة لهم على الدين.
هذا هو مذهب الفقهاء وأكثر المتكلمين.
وقال النظام وقوم من الإمامية : لايكون الاجماع حجة موجبة للعلم بحال لأنه ليس فيه إلا اجتماع الأفراد وإذا كان قول كل فرد منهم غير موجب للعلم لكونه غير معصوم من الخطأ فكذلك أقاويلهم لأن توهم الخطأ لا بنعدم بالاجتماع....................
(( ثم ناقشهم ورد مزاعمهم ))
وتابع قائلا:
:(( ثم الدليل على أن الإجماع من هذه الأمة حجة موجبة شرعاً وأنهم إذا اجتمعوا في شيء فالحق لايعدوهم أصلاً الكتاب والسنة:
أما الكتاب: فقوله تعالى:(( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر))...
وكلمة ((خير)) بمعنى أفعل فيدل على النهاية في الخيرية، وذلك دليل على أن النهاية في الخيرية فيما يجتمعون عليه، ثم فسر ذلك بأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وإنماجعلهم خير أمة بهذا، والمعروف المطلق ما هو عند الله ، فأما ما يؤدي إليه اجتهاد المجتهد فإنه غير معروف مطلقاً؛ إذ المجتهد يخطيء ويصيب، ولكنه معروف في حقه على معنى أنه يلزمه العمل به مالم يتبين له خطؤه، ففي هذا بيان أن المعروف المطلق ما يجتمعون عليه.....))
ثم يناقش ما قد يرد عليه من اعتراض ويفنده
ثم يقول:
((وقال تعالى: (( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى.....الآية )). فقد جعل الله اتباع غير سبيل المؤمنين بمنزلة مشاقة الرسول في استيجاب النار ثم قول الرسول موجب للعلم قطعاً فكذلك ما اجتمع عليه المؤمنون ، ولا يجوز أن يقال المراد اجتماع الخصلتين لأن في ذكرهما دليلا على أن تأثير أحدهما كتأثير الآخر بمنزلة قوله:(( واللذين لايدعون مع الله الله إلهاً آخر)) إلى قوله ((ومن يفعل ذلك يلق أثاما)) وأيد هذا قوله تعالى : (( ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله وال المؤمنين وليجة )) ففي هذا تنصيص على أن من اتخذ وليجة من دون المؤمنين فهو بمنزلة من اتخذ وليجة من دون الرسول.
وقال الله تعالى: (( وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم)) وفيه تنصيص على أن المرضي عند الله ما هم عليه حقيقة، ومعلوم أن الارتضاء مطلقاً لا يكون بالخطأ - وإن كان المخطيء معذورا - وإنما يكون بالصواب؛ فعرفنا أن الحق مطلقا فيما اجتمعوا عليه.))
يتبع بإذن الله
 
عودة
أعلى