من مشاهد يوم القيامة

وأما لباسهم : فقال الله تعالى : { فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ } ( الحج : 19 ) ، وقال تعالى : { سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ } ( إبراهيم : 50 ) ، والسرابيل : القُمُص ، جمع سربال ، وهو القميص .
وأما فراشهم وغطاؤهم : فقال الله تعالى : { لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ } ( الأعراف : 41 ) ، قال ابن جرير - رحمه الله : يقول جل ثناؤه : لهؤلاء الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها من جهنم مهاد ، وهو ما امتهدوه مما يقعد عليه ويضطجع ، كالفراش الذي يفرش ، والبساط الذي يبسط ؛ { وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ } وهو جمع غاشية ، وذلك ما غشاهم فغطاهم من فوقهم ؛ ومعنى الكلام : لهم من جهنم مهاد من تحتهم فرش ، ومن فوقهم منها لحف ، وإنهم بين ذلك .ا.هـ [SUP]( [1] ) [/SUP].


[1] - انظر تفسير ابن جرير: 8 / 182.
 
أحوا الناس في النار
الناس في النار حسب أحوالهم وأعمالهم ، روى مسلم عن سمرة رضي الله عنه أنه سمع نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى كَعْبَيْهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى حُجْزَتِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى عُنُقِهِ " [SUP]( [1] )[/SUP] .
وروى أحمد والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، لَهَا عَيْنَانِ تُبْصِرَانِ ، وَأُذُنَانِ تَسْمَعَانِ ، وَلِسَانٌ يَنْطِقُ ، يَقُولُ : إِنِّي وُكِّلْتُ بِثَلاثَةٍ : بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ، وَبِكُلِّ مَنْ دَعَا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ، وَبِالْمُصَوِّرِينَ " [SUP]( [2] ) [/SUP].
وروى أحمد والشيخان عن النعمان رضي الله عنه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَرَجُلٌ تُوضَعُ فِي أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ ، يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ " ؛ وفي رواية : " إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، رَجُلٌ عَلَى أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ ، يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ ، كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ وَالْقُمْقُمُ " [SUP]( [3] ) [/SUP].
وروى أحمد والدارمي وابن حبان والحاكم وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا عَلَيْهِ نَعْلانِ ، يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ " [SUP]( [4] ) [/SUP].
وروى أحمد وعبد بن حميد والحاكم وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا رَجُلٌ فِي رِجْلَيْهِ نَعْلانِ ، يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ ، وَمِنْهُمْ فِي النَّارِ إِلَى كَعْبَيْهِ مَعَ إِجْرَاءِ الْعَذَابِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ فِي النَّارِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ مَعَ إِجْرَاءِ الْعَذَابِ ، وَمِنْهُمْ مَنِ اغْتُمِرَ فِي النَّارِ إِلَى أَرْنَبَتِهِ مَعَ إِجْرَاءِ الْعَذَابِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِي النَّارِ إِلَى صَدْرِهِ مَعَ إِجْرَاءِ الْعَذَابِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَدِ اغْتُمِرَ فِي النَّارِ "[SUP] ( [5] ) [/SUP].
هذا بعض ما أعده الله تعالى لأهل النار من عذاب ، أجارنا الله منها وزحزحنا عنها ؛ هذا وفيما نطق به القرآن من الخبر عن الآخرة والجنة والنار ما فيه معتبر لأولي الأبصار .


[1] - مسلم (2845).

[2] - أحمد: 2 / 336، والترمذي (2574)، وقال: حسن غريب صحيح.ا.هـ. والبيهقي في الشعب (6317).

[3] - أحمد: 4 / 274، والبخاري (6561، 6562)، ومسلم (213).

[4] - أحمد: 2 / 432، والدارمي (2848)، وابن حبان كما في موارد الظمآن (2617)، والحاكم: 4 / 624 (8729).

[5] - أحمد: 3 / 13، 78، وعبد بن حميد كما في المنتخب (875)، والحاكم: 4 / 625 (8734).
 
خاتمة :
هذا ما يسره الله الكريم في كتابة هذا الموضوع ( من مشاهد يوم القيامة ) ، وما كان فيه من صواب فمن الله وحده ، وله الحمد والمنة ؛ وما كان فيه بخلاف ذلك فمني ومن الشيطان ، وأستغفر الله العظيم منه .
وإني لأرجو أخًا استفاد منه أن يدعو الله لي ولوالدي ولمشايخي ، وإن وجد فيه خطأ أو غلطًا أن ينبهني إليه ، ويدلني عليه .
لكن قدرة مثلي غير خافية ... والنمل يعذر في القدر الذي حملا
والحمد لله أولا وأخيرًا ، وصلى الله وسلم وبارك على النبي محمد وعلى آله .
 
عودة
أعلى