في حال أهلها وما فيها من ألوان العذاب
اعلم – أجارني الله وإياك من النار – أن في النار ألوانًا وأشكالًا من العذاب ، فطعام أهلها عذاب ، وشرابهم عذاب ، ولباسهم عذاب ، وفراشهم عذاب ، وغطاؤهم عذاب ، قال الله تعالى : { هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ . وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ } ( ص : 57 ، 58 ) .
أما طعامهم : فالزقوم ، وغسلين ، وغساق ، وضريع ، وطعام ذو غصة .
والزقوم شجرة في النار ، وهي الشجرة الملعونة في القرآن ، وصفها الله تعالى فقال : { إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ. طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ. فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ . ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ } ( الصافات: 64 – 67 ) ، وقال تعالى: { إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ . طَعَامُ الْأَثِيمِ .كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ . كَغَلْيِ الْحَمِيمِ } ( الدخان : 43 : 46 ) .
وروى أحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ : { اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } ( آل عمران : 102 ) ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :" لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الزَّقُّومِ قُطِرَتْ فِي دَارِ الدُّنْيَا لأَفْسَدَتْ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا مَعَايِشَهُمْ ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَكُونُ طَعَامَهُ ؟! " [SUP](
[1] ) [/SUP].
وأما الغسلين ، فقيل : هو الزقوم ، وقيل: صديد أهل النار ، وقيل : الدم والماء يسيل من لحومهم .
قال ابن جرير - رحمه الله : وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول : كل جرح غسلته فخرج منه شيء ، فهو غسلين ، فعلين من الغسل من الجراح والدبر ، وزيد فيه الياء والنون بمنزلة عفرين .ا.هـ ، وذكره البخاري في صحيحه [SUP](
[2] )[/SUP] .
وروى الحاكم وصححه ووافقه الذهبي عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : { بماء كالمهل } قال : " كعكر الزيت ، فإذا قرب إليه سقطت فروة وجهه ، ولو أن دلوًا من غسلين يهراق في الدنيا لأنتن بأهل الدنيا " [SUP](
[3] ) [/SUP].
وأما الغساق ، فيقال : عينه تغسق ، أي : تسيل ، والمراد في الآية ما سال من أهل النار من الصديد ، رواه الطبري من قول قتادة وإبراهيم وعطية بن سعد وغيرهم .
وقيل : الغساق : البارد الذي يحرق ببرده ، رواه - أيضًا - من قول ابن عباس ومجاهد وأبي العالية [SUP](
[4] ) [/SUP].
قال أبو عبيد الهروي - رحمه الله : من قرأه بالتشديد أراد السائل ، ومن قرأه بالتخفيف أراد البارد .ا.هـ [SUP](
[5] ) [/SUP].
وروى أحمد والترمذي وأبو يعلى والحاكم وصححه ووافقه الذهبي عن أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعًا : " لو أن دلوًا من غساق يهراق إلى الدنيا لأنتن أهل الدنيا " [SUP](
[6] ) [/SUP].
وأخرج الطبري من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما موقوفًا : الغساق : القيح الغليظ ، لو أن قطرة منه تهراق بالمغرب ، لأنتن أهل المشرق ، ولو تهراق بالمشرق ، لأنتن أهل المغرب [SUP](
[7] ) [/SUP].
وأما الضريع : فقال تعالى : { لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ . لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ } ( الغاشية : 6 ، 7 ) ؛ قال ابن جرير - رحمه الله : والضريع عند العرب نبت يقال له الشبرق ، وتسميه أهل الحجاز الضريع إذا يبس ، وهو سم .ا.هـ [SUP](
[8] )[/SUP].
وقيل الضريع : الشوك من النار .
وأما قوله تعالى : { وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ } ( المزمل : 13 ) ، أي : وطعامًا يغص به آكله ، فلا هو نازل عن حلقه ، ولا هو خارج .
وروى الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما : { وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ } ، قال : شوكًا يأخذ بالحلق ، لا يدخل ، ولا يخرج [SUP](
[9] ) [/SUP].
[1] - أحمد: 1 / 300، 338، والترمذي (2585)، والنسائي في الكبرى (11070)، وابن ماجة (4325)، وابن حبان (7470) والحاكم: 2 / 294 وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
[2] - انظر تفسير ابن جرير: 29 / 65. وانظر فتح الباري: 6 / 331 في ترجمة باب (صفة النار).
[3] - الحاكم: 2 / 544 (3850) دار الكتب العلمية.
[4] - انظر تفسير ابن جرير: 23 / 177.
[5] - انظر فتح الباري: 6 / 331.
[6] - أحمد: 3 / 28، 83، والترمذي (2584)، وأبو يعلى (1381)، والحاكم: 4 / 644 (8779).
[7] - انظر تفسير ابن جرير: 30 / 14.
[8] - انظر تفسير ابن جرير: 30 / 161.
[9] - الحاكم: 2 / 549 (3867) وصححه ووافقه الذهبي.