من مشاهد يوم القيامة

أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة

روى أحمد وأهل السنن عن أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ e يَقُولُ : " إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلاتُهُ ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ ، فَإِنِ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ ، قَالَ الرَّبُّ U : انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ ؛ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الْفَرِيضَةِ ، ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ " ( [1] ) .
لأن الصلاة عَلَم الإيمان ، وأم العبادات .
وفي الحديث دلالة على فضل التطوع بنوافل العبادات ، فإن من فضلها أنها تجبر النقص الذي يكون بالفرائض .

[1] - أحمد : 2 / 425 ، وأبو داود ( 864 ) ، والترمذي ( 413 ) ، والنسائي ( 465 ) ، وابن ماجة ( 1425 ، 1426 ) .
 
أول ما يقضى بين الناس
في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ " وفي رواية لهما : " أَوَّلُ مَا يُحْكَمُ بَيْنَ النَّاسِ " .
لأن الدماء أكبر الكبائر بعد الشرك ؛ قال النووي – رحمه الله : وهذا لعظم أمرها ، وكثير خطرها ؛ وليس هذا الحديث مخالفًا للحديث المشهور في السنن : " أول ما يحاسب به العبد صلاته " ؛ لأن هذا الحديث الثاني فيما بين العبد وبين الله تعالى ، وأما حديث الباب فهو فيما بين العباد ؛ والله أعلم بالصواب .
 
المفلس يوم القيامة
روى مسلم والترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e قَالَ : " أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ؟ " قَالُوا : الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ ! فَقَالَ : " إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا ، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ" ( [1] ) .
إذا تقرر هذا فيجب أن يبادر المرء إلى محاسبة نفسه من قبل أن لا يكون درهم ولا دينار ، ففي صحيح البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e قَالَ : " مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا ، فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ ؛ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ ، أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ " ( [2] ) .
فالعاقل من يحاسب نفسه قبل أن يحاسب يوم القيامة ، وكان عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ t يقول : زنوا أنفسكم قبل أن توزنوا ، وحَاسِبُوها قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا ، فإنه أهون عليكم في الحساب غدًا أن تحاسبوا أنفسكم ، وَتَزَيَّنُوا ] يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [ (الحاقة: 18) ( [3] ) .
وإنما مقتضى حساب المرء لنفسه أن يتوب من كل معصية قبل الموت ، توبة نصوحًا ، ويتدارك ما سبق من تقصير ، ويرد المظالم إلى أهلها ، ويستحل كل من تعرض له بلسانه ويده وسطوته ، ويطيب قلوبهم ، ويستقيم على طاعة ربه ما بقي من عمره ، والله المستعان .

[1] - مسلم (2581) والترمذي (2418).

[2] - البخار ي (6534)، والترمذي (2419).

[3] - رواه ابن المبارك في الزهد (306)، وابن أبي شيبة (34459)، وأبو نعيم في الحلية: 1 / 52.
 
الميزان
الميزان : ميزان حقيقي له كفتان ولسان ، لكن دقته متناهية ، ولا يعلم قدره إلا الله تعالى ، توزن فيه أعمال العباد : { فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ } ( المؤمنون : 102، 103) . وقال جل وعلا : { فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ . فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ . وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ . فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ . نَارٌ حَامِيَةٌ } ( القارعة : 6 - 11) .
قال ابن أبي العز - رحمه الله : والذي دلت عليه السنة أن ميزان الأعمال له كفتان حسيتان مشاهدتان ( 1 ) .
وروى الإمام أحمد والترمذي عن عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ – رضي الله عنهما - يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا ، كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ الْبَصَرِ ، ثُمَّ يَقُولُ : أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا ؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ ؟ فَيَقُولُ: لا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ ؟ فَيَقُولُ : لا يَا رَبِّ ، فَيَقُولُ : بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً ، فَإِنَّهُ لا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ ، فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا : أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، فَيَقُولُ : احْضُرْ وَزْنَكَ ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ ، مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلاتِ ؟ فَقَالَ : إِنَّكَ لا تُظْلَمُ ، قَالَ : فَتُوضَعُ السِّجِلاتُ فِي كَفَّةٍ ، وَالْبِطَاقَةُ فِي كَفَّةٍ ، فَطَاشَتِ السِّجِلاتُ ، وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ ؛ فَلا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ " ( 2 ) .
_____________
1 - انظر ( شرح العقيدة الطحاوية ) ص 418 ، 419 .
2 - أحمد: 2 / 213، والترمذي (2639)، وابن ماجة (4300)، وابن حبان (225)، والحاكم: 1 / 46 وصححه على شرط مسلم .
 
ما الذي يوزن يوم القيامة ؟
الوزن يوم القيامة هو الوزن الحق الذي لا ظلم فيه ، قال الله تعالى : { وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَظْلِمُونَ} ( الأعراف : 8 ، 9 ) ، ولكن هل توزن الأعمال ، أم يوزن كتاب الأعمال ، أم يوزن صاحب العمل ؟
قال ابن كثير – رحمه الله – ما خلاصته : والذي يوضع في الميزان يوم القيامة قيل : الأعمال وإن كانت أعراضًا إلا أن اللّه تعالى يقلبها يوم القيامة أجسامًا ؛ قال البغوي : يروى هذا عن ابن عباس ( 1 ) ، كما جاء في الصحيح من أن البقرة وآل عمران يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان ، أو غيايتان ، أو فرقان من طير صواف ( 2 )، وقيل : يوزن كتاب الأعمال ، كما جاء في حديث البطاقة ( 3 ) ؛ وقيل : يوزن صاحب العمل ، كما في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، لا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ " وَقَالَ : " اقْرَءُوا : { فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا } (الكهف : 105) " ( 4 ) ؛ وفي مناقب عبد اللّه بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أتعجبون من دقة ساقيه ! والذي نفسي بيده ، لهما في الميزان أثقل من أحد " ( 5 ) .
وقد يمكن الجمع بين هذه الآثار بأن يكون ذلك كله صحيحًا ؛ فتارة توزن الأعمال ، وتارة توزن محالها ، وتارة يوزن فاعلها ، والله أعلم( 6 ).
قال ابن أبي العز - رحمه الله : فثبت وزن الأعمال ، والعامل ، وصحائف الأعمال ، وثبت أن الميزان له كفتان ، والله تعالى أعلم بما وراء الكيفيات ؛ فعلينا الإيمان بالغيب كما أخبرنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم من غير زيادة ولا نقصان ؛ ويا خيبة من ينفي وضع الموازين القسط ليوم القيامة - كما أخبر الشارع - لخفاء الحكمة عليه ، ويقدح في النصوص بقوله : لا يحتاج إلى الميزان إلا البقال والفوال !! ما أحراه بأن يكون من الذين لا يقيم الله لهم يوم القيامة وزنًا ؛ ولو لم يكن من الحكمة في وزن الأعمال إلا ظهور عدله سبحانه لجميع عباده [ لكفى ]، فإنه لا أحد أحب إليه العذر من الله ، من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين ؛ فكيف ووراء ذلك من الحكم ما لا اطلاع عليه ( 7 ).ا .هـ.
_________________
1 ) انظر تفسير البغوي: 8 / 215 (دار طيبة).
2 ) رواه مسلم (804) من حديث أبي أمامة.
3 ) تقدم قريبًا .
4 ) البخاري (4729)، ومسلم (2785)، والآية في سورة الكهف (105) .
5 ) رواه أحمد: 1 / 420، والطيالسي (355)، وابن حبان (7069) عن ابن مسعود؛ ورواه أحمد: 1 / 114، والبخاري في الأدب المفرد (237) عن علي، وهو صحيح بشواهده.
6 ) انظر تفسير ابن كثير: 2 / 203 (دار الفكر).
7 ) انظر شرح العقيدة الطحاوية ص 419.
 
الشهود يوم القيامة على الكفار والمنافقين
قد يظن بعض من لا علم عنده من أهل النفاق أنهم يستطيعون أن يجادلوا عن أنفسهم ببعض ظواهر أعمالهم التي يحكم لهم بها في الدنيا بالإسلام، ويحسبون أنهم إن أقسموا بالله على ذلك ينفعهم، كما كانوا يقسمون للمسلمين في الدنيا، قال الله تعالى: ]يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ[ (المجادلة: 18). وجهل هؤلاء أن هناك شهودا كثيرون يشهدون عليهم، وهم شهود عدل وصدق، وهؤلاء الشهود هم:
1 - أركانهم: ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم وجلودهم وعظامهم.
2 - أموالهم التي جمعوها وكنزوها.
3 - الأرض التي يمشون عليها.
4 - الملائكة الكرام الكاتبين.
5 - الرسل.
6 - أمة محمد.
 
شهادة الأركان
قال الله تعالى : { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } (النور: 24) ، وقال عز وجل : { الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } ( يس : 65 ) ، وقال جل وعلا: { وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ . حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ . وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ } (فصلت: 19 - 23) ، وقال سبحانه : { وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ } (ق: 21) .
وروى مسلم والنسائي في الكبرى وأبو يعلى وابن حبان عن أنس رضي الله عنه قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال : " هل تدرون مم أضحك ؟ ". قال: قلنا الله ورسوله أعلم. قال : " من مخاطبة العبد ربه يقول: يا رب ألم تجرني من الظلم ؟ قال: يقول: بلى. قال: فيقول: فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني، قال: فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيدًا ، وبالكرام الكاتبين شهودًا ، قال : فيختم على فيه ، فيقال لأركانه : انطقي ، قال : فتنطق بأعماله ، قال : ثم يخلى بينه وبين الكلام ، قال : فيقول : بعدًا لكن وسحقًا ، فعنكن كنت أناضل" [SUP]([1])[/SUP] ، أي : أدافع وأخاصم .
وروى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ قَالَ : " هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ فِي الظَّهِيرَةِ لَيْسَتْ فِي سَحَابَةٍ ؟ " قَالُوا: لا، قَالَ:" فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ فِي سَحَابَةٍ " قَالُوا : لا ، قَالَ : " فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ إِلا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا " قَالَ:" فَيَلْقَى الْعَبْدَ فَيَقُولُ : أَيْ فُلْ ! أَلَمْ أُكْرِمْكَ ، وَأُسَوِّدْكَ ، وَأُزَوِّجْكَ ، وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ ، وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ ؟ فَيَقُولُ : بَلَى ، قَالَ : فَيَقُولُ : أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلاقِيَّ ؟ فَيَقُولُ : لا ، فَيَقُولُ : فَإِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي [SUP]([2])[/SUP] ؛ ثُمَّ يَلْقَى الثَّانِيَ فَيَقُولُ : أَيْ فُلْ ، أَلَمْ أُكْرِمْكَ ، وَأُسَوِّدْكَ ، وَأُزَوِّجْكَ ، وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ ، وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ ؟ فَيَقُولُ: بَلَى أَيْ رَبِّ، فَيَقُولُ : أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلاقِيَّ ؟ فَيَقُولُ : لا، فَيَقُولُ : فَإِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي ، ثُمَّ يَلْقَى الثَّالِثَ فَيَقُولُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ آمَنْتُ بِكَ ، وَبِكِتَابِكَ ، وَبِرُسُلِكَ ، وَصَلَّيْتُ ، وَصُمْتُ ، وَتَصَدَّقْتُ ، وَيُثْنِي بِخَيْرٍ مَا اسْتَطَاعَ ، فَيَقُولُ : هَاهُنَا إِذًا ؛ قَالَ ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ : الْآنَ نَبْعَثُ شَاهِدَنَا عَلَيْكَ ، وَيَتَفَكَّرُ فِي نَفْسِهِ : مَنْ ذَا الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيَّ ؟! فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ ، وَيُقَالُ لِفَخِذِهِ وَلَحْمِهِ وَعِظَامِهِ : انْطِقِي، فَتَنْطِقُ فَخِذُهُ وَلَحْمُهُ وَعِظَامُهُ بِعَمَلِهِ ، وَذَلِكَ لِيُعْذِرَ مِنْ نَفْسِهِ ؛ وَذَلِكَ الْمُنَافِقُ ، وَذَلِكَ الَّذِي يَسْخَطُ اللَّهُ عَلَيْهِ " [SUP]([3])[/SUP] .
فهذه الشهود على المنافقين والكفار الذين عندما يعاينون العذاب يلجأون إلى التكذيب والإنكار ويدَّعون أنهم ما كانوا مشركين، قال الله تعالى : { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمْ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ. ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ . انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } (الأنعام: 22: 24) ، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتقدم : " وَذَلِكَ الْمُنَافِقُ ، وَذَلِكَ الَّذِي يَسْخَطُ اللَّهُ عَلَيْه ِ".

[1] - مسلم (2969)، والنسائي في الكبرى (11653)، وأبو يعلى (3977)، وابن حبان (7358).

[2] - والمعنى: ترك عبادته فتركه في العذاب، لأن الله تعالى لا ينسى بالمعنى المعروف لدى الناس، والنسيان في اللغة أصله الترك.

[3] - مسلم (2968).
 
شهادة الأرض
أما شهادة الأرض ، فروى أحمد والترمذي وصححه والنسائي ، وصححه ابن حبان والحاكم ، ووافقه الذهبي ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ : قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } ( الزلزلة : 4 ) ، قَالَ : " أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارُهَا ؟ " قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : " فَإِنَّ أَخْبَارَهَا أَنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا ، أَنْ تَقُولَ : عَمِلَ كَذَا وَكَذَا ، يَوْمَ كَذَا وَكَذَا " قَالَ : " فَهَذِهِ أَخْبَارُهَا " [SUP]( [1] ) [/SUP].


[1][SUP] - أحمد: 2 / 374، والترمذي (2429) وحسنه، ورواه أيضا (3353) ثم قال: حسن صحيح غريب.ا.هـ. والنسائي في الكبرى (11693) وفيه يحيى بن أبي سليمان: لين الحديث كما في التقريب. ورواه الحاكم: 2 / 256، وصححه على شرطهما ووافقه الذهبي، ثم رواه: 2 / 532 وصححه، وتعقبه الذهبي قال: يحيى هذا منكر الحديث كما قال البخاري.ا.هـ[/SUP]
 
شهادة الأموال
فروى أحمد والشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في حديث طويل ، وفيه : ".. وإن هذا المال خضر حلو ، ونعم صاحب المسلم هو ، لمن أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل - أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - وإنه من يأخذه بغير حقه ، كان كالذي يأكل ولا يشبع ، ويكون عليه شهيدًا يوم القيامة " لفظ مسلم[SUP]( [1] ) [/SUP].


[1] - أحمد: 3 / 7، والبخاري (1465)، ومسلم (1052).
 
شهادة الملائكة
في حديث أنس المتقدم : " وبالكرام الكاتبين شهودًا " ، والكرام الكاتبين هم الملائكة الذين كانوا يحصون عليه أعماله وأقواله ، ويكتبونها .
 
شهادة الرسل
فقد قال الله تعالى: { وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلاءِ } ( النحل : 89 ) ، وقال سبحانه : { وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كَانُوا يَفْتَرُونَ } ( القصص : 75 ) ؛ وشهيد كل أمة رسولها ، قال الله تعالى : { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا } ( النساء : 41 ) .
 
شهادة أمة محمد صلى الله عليه وسلم
قال الله تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } ( البقرة : 143 ) ، وروى أحمد والبخاري وغيرهما عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عَنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " يَجِيءُ نُوحٌ وَأُمَّتُهُ ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : هَلْ بَلَّغْتَ ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ ، أَيْ رَبِّ ، فَيَقُولُ لِأُمَّتِهِ : هَلْ بَلَّغَكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : لا ، مَا جَاءَنَا مِنْ نَبِيٍّ ! فَيَقُولُ لِنُوحٍ : مَنْ يَشْهَدُ لَكَ ؟ فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم وَأُمَّتُهُ ، فَنَشْهَدُ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ ، وَهُوَ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ } وَالْوَسَطُ الْعَدْلُ " [SUP]( [1] )[/SUP] .
فمن يستطيع - مع حصر الأعمال ، ودقة الحساب ، وكثرة الشهود - أن يناضل أو يجادل ؟! فاتق الله عبد الله في ظهورك وخفائك ، فإنه لا يخفى عليه خافية ، والظلمة عنده نور ، والسر عنده علانية ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .


[1][SUP] - أحمد: 3 / 32، والبخاري (3339).[/SUP]
 
حوض النبي صلى الله عليه وسلم
الحوض لغة : مجتمع الماء ، وحوض النبي صلى الله عليه وسلم هو الحوض الذي وعده الله تعالى ليسقي منه أمته يوم القيامة ؛ وأحاديث الحوض متواترة ثابتة عن جمع من الصحابة ، مما يحصل به العلم القطعي ، ولهذا اتفق العلماء على أن الإيمان به فرض ؛ قال القاضي عياض - رحمه الله : أحاديث الحوض صحيحة ، والإيمان به فرض ، والتصديق به من الإيمان ، وهو على ظاهره عند أهل السنة والجماعة ، لا يتأول ، ولا يختلف فيه ، وحديثه متواتر النقل ؛ رواه خلائق من الصحابة .ا.هـ [SUP]( [1] ) [/SUP]. وقال القرطبي - رحمه الله : وأجمع على إثباته السلف وأهل السنة من الخلف .ا.هـ [SUP]( [2] ) [/SUP].
وقال أبو عمر ابن عبد البر - رحمه الله : الأحاديث في حوضه صلى الله عليه وسلم متواترة صحيحة ثابتة كثيرة ، والإيمان بالحوض عند جماعة علماء المسلمين واجب ، والإقرار به عند الجماعة لازم ، وقد نفاه أهل البدع من الخوارج والمعتزلة ، وأهل الحق على التصديق بما جاء عنه في ذلك e .ا.هـ [SUP]([3])[/SUP] . وقال ابن كثير – رحمه الله – في تفسيره وهو يتحدث عن الكوثر : وقد صح أصل ذلك ، بل قد تواتر من طرق تفيد القطع عند كثير من أئمة الحديث ، وكذلك أحاديث الحوض .ا.هـ [SUP]( [4] ) [/SUP].
قال ابن القيم – رحمه الله – في حاشيته على أبي داود : وقد روى أحاديث الحوض أربعون من الصحابة ، وأكثرها في الصحيح.ا.هـ [SUP]( [5] ) [/SUP].
وقال ابن حجر - رحمه الله - في ( الفتح ) بعد أن ذكر أسماء من رووا أحاديث الحوض : فجميع من ذكرهم عياض خمسة وعشرون نفسًا ، وزاد عليه النووي ثلاثة ، وزدت عليهم أجمعين قدر ما ذكروه سواء ، فزادت العدة على الخمسين ، ولكثير من هؤلاء الصحابة في ذلك زيادة على الحديث الواحد ، كأبي هريرة ، وأنس ، وابن عباس ، وأبي سعيد ، وعبد الله بن عمرو ، وأحاديثهم بعضها في مطلق ذكر الحوض ، وبعضها في صفته ، وبعضها فيمن يرد عليه ، وبعضها فيمن يُدفع عنه ... قال : وبلغني أن بعض المتأخرين وصلها إلى رواية ثمانين صحابيًا .ا.هـ [SUP]( [6] ) [/SUP].
وقد ثبت أن لكل نبي حوضًا يرده المؤمنون من أتباعه ، لكن حوض نبينا صلى الله عليه وسلم أعظمهم وأكثرهم واردًا ، روى البخاري في تاريخه والترمذي والطبراني في الكبير من حديث الحسن عن سمرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن لكل نبي حوضًا ، يتباهون به ، أيهم أكثر واردة ، وإني أرجو أن أكون أكثرهم واردة " [SUP]( [7] ) [/SUP]؛ وهو حديث صحيح بشواهده.


[1] - انظر شرح مسلم للنووي: 15 / 53.

[2] - القرطبي صاحب (المفهم شرح صحيح مسلم) وانظر فتح الباري: 11 / 467.

[3] - التمهيد 2 / 291.

[4] - انظر تفسير ابن كثير: 4 / 559.

[5] - انظر حاشية ابن القيم على سنن أبي داود: 13 / 56 (الكتب العلمية).

[6] - انظر فتح الباري: 11 / 469 (دار المعرفة).

[7] - البخاري في تاريخه الكبير : 1 / 44 (81) ، والترمذي (2443) ، والطبراني في الكبير: 7 / 212 ( 6881 ) .
 
يتلخص من مجموع الأحاديث الواردة في الحوض - والتي سنذكر بعضها إن شاء الله تعالى - أنه حوض عظيم ، ومورد كريم ، طوله مسيرة شهر ، وعرضه كذلك ، فهو مربع الشكل ، له ميزابان يمدانه من نهر الكوثر ، ماؤه أشد بياضًا من اللبن ، وأحلى من العسل ، عدد كيزانه كعدد نجوم السماء ، من شرب منه لا يظمأ بعده أبدًا ، يرده الأخيار الذين آمنوا بالله ورسوله واليوم الآخر وعملوا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ويطرد عنه الكفار والمنافقون ومن أحدث في دين الله ما ليس منه ، وأول الناس ورودًا له فقراء المهاجرين .
 
أحاديث الحوض
روى الشيخان عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " حوضي مسيرة شهر ، ماؤه أبيض من اللبن ، وريحه أطيب من المسك ، وكيزانه كنجوم السماء ، من شرب منها فلا يظمأ أبدا " ؛ ورواه الطبراني في الكبير عن ابن عباس - رضي الله عنهما - بنحوه [SUP]( [1] )[/SUP] .
وروى أحمد ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال : قال نبي الله صلى الله عليه وسلم : " ترى فيه أباريق الذهب والفضة ، كعدد نجوم السماء " وفي رواية : " أو أكثر من عدد نجوم السماء " [SUP]( [2] )[/SUP].
وروى الطبراني في الأوسط بإسناد حسن عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " حوضي كما بين عدن وعمان ، أبرد من الثلج ، وأحلى من العسل ، وأطيب ريحًا من المسك ، أكوابه مثل نجوم السماء ، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدًا ، أول الناس عليه ورودا صعاليك المهاجرين " ، قال قائل : ومن هم يا رسول الله ؟ قال : " الشعثة رؤوسهم ، الشحبة وجوههم ، الدنسة ثيابهم ، لا يفتح لهم السدد ، ولا ينكحون المتنعمات ، الذين يعطون كل الذي عليهم ، ولا يأخذون الذي لهم ". ورواه الطيالسي والترمذي وابن ماجة والحاكم وصححه ، ووافقه الذهبي ، عن ثوبان رضي الله عنه بنحوه [SUP]( [3] ) [/SUP].
وقوله : " الشعثة رؤوسهم " : هي الرؤوس البعيدة العهد بدهن وغسل وتسريح شعرها ؛ " الشحبة وجوههم " بفتح الشين المعجمة وكسر الحاء المهملة بعدها باء موحدة ، من الشحوب وهو: تغير الوجه من جوع أو هزال أو تعب ؛ و" الدنسة ثيابهم " : الوسخة. وقوله : " لا تفتح لهم السدد " أي : لا تفتح لهم الأبواب ، أي : لا يأبه الناس بهم . وهذا لبيان ما كانوا عليه من اهتمام بأمور الآخرة ، وترك زينة الدنيا .


[1] - البخاري (6579)، ومسلم (2292) عن ابن عمرو. ورواه الطبراني في الكبيير: 11 / 125 (11249).

[2] - أحمد: 3 / 238، ومسلم (2203).

[3] - حديث ابن عمر رواه الطبراني في الأوسط (3477). وحديث ثوبان رواه أحمد: 5 / 275، والطيالسي (995)، والترمذي (2444)، وابن ماجة (4303)، والحاكم (7374).
 
وروى الشيخان عن ابن أبي مليكة عن أسماء بنت أبي بكر– رضي الله عنهما – قالت : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إني على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم ، وسيؤخذ ناس دوني فأقول : يا رب مني ومن أمتي ، فيقال : هل شعرت ما عملوا بعدك ؟ والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم " ؛ فكان ابن أبي مليكة يقول : اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا ، أو نفتن عن ديننا . ورواه أحمد ومسلم عن عائشة بنحوه [SUP]( [1] ) [/SUP].
وروى الشيخان عن أبي حازم قال : سمعت سهل بن سعد - رضي الله عنه - يقول : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " أنا فرطكم على الحوض ، من ورده شرب منه ، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبدًا ، ليردن عليَّ أقوام أعرفهم ويعرفونني ، ثم يحال بيني وبينهم " ، قال أبو حازم : فسمعني النعمان بن أبي عياش وأنا أحدثهم هذا ، فقال : هكذا سمعت سهلا ؟ فقلت : نعم ؛ قال : وأنا أشهد على أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - لسمعته يزيد فيه ، قال :" إنهم مني ، فيقال : إنك لا تدري ما بدلوا بعدك ، فأقول : سحقًا سحقًا لمن بدل بعدي " [SUP]( [2] ) [/SUP].
وقد صحح جماعة منهم الغزالي والقرطبي وابن القيم - رحمهم الله تعالى - أن الحوض قبل الصراط ، وذهب آخرون منهم القاضي عياض أنه بعد الصراط ؛ والصواب الأول ، لأنه يزاد عنه الكفار والمنافقون ، وليس بعد الصراط كفار ولا منافقون ، والعلم عند الله تعالى .
والواجب الإيمان بالحوض على ما قدمنا ؛ اللهم أوردنا حوض نبينا ، ولا تفتنا بعده ، واسقنا بيده الشريفة شربة لا نظمأ بعدها أبدًا ... آميييين .


[1] - البخاري (6593)، ومسلم (2293) . ورواه أحمد: 6 / 121، ومسلم (2294) عن عائشة.

[2] - البخاري (6585)، ومسلم (2291) .
 
الصراط
الصراط بالسين والصاد لغتان ، وأصل صاده سين قلبت مع الطاء صادًا لقرب مخرجهما ، وهو الطريق الواضحة ، وإنما قيل للطريق الواضحة (صراط) لأنها تبتلع من يمر بها ، فالسرط البلع ، والمعنى أنها تتسع لكل من يمر فيها .
قال ابن القيم - رحمه الله - في ( مدارج السالكين ) : ولا تكون الطريق صراطًا حتى تتضمن خمسة أمور : الاستقامة ، والإيصال إلى المقصود ، والقرب ، وسعته للمارين عليه ، وتعينه طريقا للمقصود .ا.هـ [SUP]( [1] ) [/SUP].
والمراد بالصراط يوم القيامة ذلك الجسر المضروب على متن جهنم ، يرده الأولون والآخرون ، أدق من الشعرة وأحد من السيف ، عليه كلاليب وشوك مثل شوك السعدان ، فيمر عليه الأولون والآخرون ، فينجو المؤمنون ، ويسقط المنافقون ومن كتب عليه أن يسقط من عصاة المؤمنين ، تتخطفهم الكلاليب إلى جهنم ، ثم يخرج بعد ذلك من جهنم من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان ، ويبقى فيها الكافرون مخلدين أبد الآبدين .
فاللهم سلم سلم .


[1][SUP] - انظر المدارج: 1 / 10.[/SUP]
 
قال الله تعالى : { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا . ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا } ( مريم : 71 ، 72 ) .
اختلف في الورود : فقيل هو الدخول ، ومنه قوله تعالى في حق فرعون : { يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ } ( هود : 98) ، وقوله تعالى : { وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا } ( مريم : 86 ) ؛ وإلى هذا ذهب ابن عباس وجابر وعبد الله بن رواحة وغيرهم ، وقالوا : إنها تكون على المؤمنين بردًا وسلامًا كما كانت على إبراهيم ؛ فروى أحمد وعبد بن حميد عن أبي سمينة قال : اختلفنا ها هنا في الورود ، فقال بعضنا : لا يدخلها مؤمن ، وقال بعضهم : يدخلونها جميعًا ، ثم ينجي الله الذين اتقوا ، فلقيت جابر بن عبد الله فقلت : إنا اختلفنا ها هنا في ذلك ، فقال بعضنا : لا يدخلها مؤمن ، وقال بعضنا : يدخلونها جميعا ، فأهوى بأصبعيه إلى أذنيه ، وقال : صُمَّتا ، إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " الورود الدخول ، لا يبقى برٌّ ولا فاجر إلا دخلها ، فتكون على المؤمنين بردًا وسلامًا كما كانت على إبراهيم ، حتى إن للنار - أو قال : لجهنم - ضجيجًا من بردهم ، ثم ينجي الله الذين اتقوا ، ويذر الظالمين " [SUP]( [1] ) [/SUP].
وقيل : الورود القيام حول النار ، ثم يصدرون عن الصراط بأعمالهم ، ومعنى الورود على ذلك : الوصول عندها ، والوقوف عليها ، ومنه قوله تعالى : { وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَن } ( القصص : 23 ) ، وإلى هذا ذهب ابن مسعود وغيره ؛ روى الترمذي وأبو يعلى بإسناد حسن والحاكم وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي عن السدي قال : سألت مرة الهمداني عن قول الله عز وجل : { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا } فحدثني أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يَرِدُ الناس النار ، ثم يصدرون بأعمالهم ، فأولهم كلمع البرق ، ثم كمر الريح ، ثم كحضر الفرس ، ثم كالراكب ، ثم كشد الرحال ، ثم كمشيهم " [SUP]( [2] ) [/SUP].
وروى الحاكم وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي عن ابن مسعود : { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا } قال : الصراط على جهنم مثل حد السيف ، فتمر الطائفة الأولى كالبرق ، والثانية كالريح ، والثالثة كأجود الخيل ، والرابعة كأجود الإبل والبهائم ، ثم يمرون ، والملائكة تقول : ربِّ سلِّم سلم[SUP]( [3] )[/SUP] . وأحاديث المرور على الصراط كثيرة .
وللحديث صلة


[1] - أحمد: 3 / 328، وعبد بن حميد (1106)، والبيهقي في الشعب (370) وقال: هذا إسناد حسن.

[2] - الترمذي (3160) وحسنه، وأبو يعلى (5089، 5282)، والحاكم: 2 / 375، 4 / 586 وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.

[3] - الحاكم: 2 / 375، 376، وصححه على شرطهما ووافقه الذهبي. وله شواهد: عند أحمد: 3 / 25، 26 والبخاري (7440)، ومسلم (183)، والنسائي في الكبرى (11327)، وابن حبان (7379) عن أبي سعيد. وحديث أبي هريرة رواه البخاري (806، 6574)، ومسلم (182). وحديث جابر رواه أحمد: 3 / 345، 383، ومسلم (191).
 
وها هنا قول ثالث هو أن الورود للكافرين والعصاة بمعنى الدخول ، وأما للمؤمنين فهو بمعنى المرور على الصراط ؛ قاله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم [SUP]( [1] ) [/SUP].
وروى أحمد وابن ماجة عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يُوضَعُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ عَلَى حَسَكٍ كَحَسَكِ السَّعْدَانِ ، ثُمَّ يَسْتَجِيزُ النَّاسُ ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ ، وَمَخْدُوجٌ بِهِ ثُمَّ نَاجٍ ، وَمُحْتَبَسٌ بِهِ ، وَمَنْكُوسٌ فِيهَا " [SUP]( [2] )[/SUP] .
وروى أحمد وابن أبي عاصم في ( السنة ) عن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يُحْمَلُ النَّاسُ عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَتَقَادَعُ بِهِمْ جَنَبَةُ الصِّرَاطِ تَقَادُعَ الْفَرَاشِ فِي النَّارِ " قَالَ : " فَيُنْجِي اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ " ، قَالَ : " ثُمَّ يُؤْذَنُ لِلْمَلائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ أَنْ يَشْفَعُوا ، فَيَشْفَعُونَ وَيُخْرِجُونَ ، وَيَشْفَعُونَ وَيُخْرِجُونَ ، وَيَشْفَعُونَ وَيُخْرِجُونَ " ، وَزَادَ عَفَّانُ مَرَّةً ، فَقَالَ – أَيْضًا : " وَيَشْفَعُونَ وَيُخْرِجُونَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مَا يَزِنُ ذَرَّةً مِنْ إِيمَانٍ " ؛ ورواه الطبراني في الصغير والكبير والبزار بنحوه [SUP]( [3] )[/SUP] .
وروى أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجة عن عائشة - رضي الله عنها – قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : { يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ } ( إبراهيم : 48 ) ، فأين تكون الناس يومئذ ؟ قال : " على الصراط" [SUP]( [4] ) [/SUP].
وروى أحمد أبو يعلى وابن حبان بإسناد صحيح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يُعْرَضُ النَّاسُ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ ، وَعَلَيْهِ حَسَكٌ وَكَلالِيبُ وَخَطَاطِيفُ تَخْطَفُ النَّاسَ " ، قَالَ : " فَيَمُرُّ النَّاسُ مِثْلَ الْبَرْقِ ، وَآخَرُونَ مِثْلَ الرِّيحِ ، وَآخَرُونَ مِثْلَ الْفَرَسِ الْمُجِدِّ ، وَآخَرُونَ يَسْعَوْنَ سَعْيًا ، وَآخَرُونَ يَمْشُونَ مَشْيًا ، وَآخَرُونَ يَحْبُونَ حَبْوًا ، وَآخَرُونَ يَزْحَفُونَ زَحْفًا ، فَأَمَّا أَهْلُ النَّارِ فَلا يَمُوتُونَ وَلا يَحْيَوْنَ ، وَأَمَّا نَاسٌ فَيُؤْخَذُونَ بِذُنُوبِهِمْ فَيُحْرَقُونَ فَيَكُونُونَ فَحْمًا ، ثُمَّ يَأْذَنُ اللَّهُ فِي الشَّفَاعَةِ .. " الحديث [SUP]( [5] )[/SUP] .
إن الخطب عظيم ، والموقف مهيب ، والكل يخرصه الهول ، ويذهله شدة الأمر ، ولا يتكلم إلا الرسل ، يقولون : " اللهم سلِّم ، سلِّم " .

[1] - انظر تفسير ابن كثير عند تفسير الآية (71، 72) من سورة مريم.

[2] - أحمد: 3 / 11، وابن ماجة (4280) وإسناده حسن، ورواه الحاكم (8738) وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي.

[3] - أحمد: 5 / 43، وابن أبي عاصم في السنة (837)، والبزار (3697)، والطبراني في الصغير (929)، وإسناده حسن.

[4] - أحمد: 6 / 35، 101، ومسلم (2791)، الترمذي (3121)، وابن ماجة (4279).

[5] - أحمد: 3 / 25، 26، وأبو يعلى (1253)، وابن حبان (7379).
 
المواطن التي لا يعرف فيها أحدٌ أحدا
الصراط أحد ثلاثة مواطن لا يعرف فيها أحدٌ أحدًا ، فروى أحمد وأبو داود عن عائشة - رضي الله عنها - أَنَّهَا ذَكَرَتِ النَّارَ فَبَكَتْ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَا يُبْكِيكِ" ، قَالَتْ : ذَكَرْتُ النَّارَ فَبَكَيْتُ ، فَهَلْ تَذْكُرُونَ أَهْلِيكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " أَمَّا فِي ثَلاثَةِ مَوَاطِنَ فَلا يَذْكُرُ أَحَدٌ أَحَدًا : عِنْدَ الْمِيزَانِ ، حَتَّى يَعْلَمَ أَيَخِفُّ مِيزَانُهُ أَوْ يَثْقُلُ ، وَعِنْدَ الْكِتَابِ ، حِينَ يُقَالُ : ] فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ [ ( الحاقة : 19 ) ، حَتَّى يَعْلَمَ أَيْنَ يَقَعُ كِتَابُهُ ، أَفِي يَمِينِهِ ، أَمْ فِي شِمَالِهِ ، أَمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ ، وَعِنْدَ الصِّرَاطِ ، إِذَا وُضِعَ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ " لفظ أبي داود [SUP]( [1] ) [/SUP].


[1] - أحمد: 6 / 101، وأبو داود (4755)، والحاكم: 4 / 622 (8722) وقال: حديث صحيح، إسناده على شرط الشيخين لولا إرسال فيه بين الحسن وعائشة ، على أنه قد صحت الروايات أن الحسن كان يدخل وهو صبي منزل عائشة وأم سلمة.ا.هـ. ووافقه الذهبي . قلت : وله متابعة عن ابن أبي شيبة (34406) عن الشعبي عن عائشة ، فالحديث بها حسن إن شاء الله .
 
أول من يجوز على الصراط
أول من يجوز الصراط النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأمته ، فقد روى الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ".. فيضرب الصراط بين ظهراني جهنم ، فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته ، ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل ، وكلام الرسل يومئذ : اللهم سلِّم سلِّم ، وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان ، هل رأيتم شوك السعدان ؟ " قالوا : نعم ، قال : " فإنها مثل شوك السعدان ، غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله ، تخطف الناس بأعمالهم ، فمنهم من يوبق بعمله ، ومنهم من يخردل ، ثم ينجو ، حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار ، أمر الله الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله ، فيخرجونهم ، ويعرفونهم بآثار السجود ، وحرم الله على النار أن تأكل أثر السجود .. " الحديث [SUP]( [1] ) [/SUP].
وروى الحاكم وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي عن سلمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يوضع الميزان يوم القيامة ، فلو وزن فيه السماوات والأرض لوسعت ، فتقول الملائكة : يا رب لمن يزن هذا ؟ فيقول الله تعالى : لمن شئت من خلقي ، فتقول الملائكة : سبحانك ما عبدناك حق عبادتك ؛ ويوضع الصراط مثل حدِّ الموسي ، فتقول الملائكة : من تجيز على هذا ؟ فيقول : من شئت من خلقي ، فيقولون : سبحانك ما عبدناك حق عبادتك " [SUP]( [2] )[/SUP] .

[1] - البخاري ( 806 ، 7438 ) ، ومسلم ( 182 ) .

[2] - الحاكم ( 8739 ) - الكتب العلمية – بيروت .
 
النور يوم القيامة
يعطى الناس نورهم على قدر أعمالهم ، يعطى المؤمن والمنافق ، ثم يطفأ نور المنافقين والمنافقات على الصراط . روى أحمد ومسلم وأبو عوانة عن جابر بن عبد الله t أنه سئل عن الورود ، فقال : نحن يوم القيامة على كذا وكذا ، انظر أي ذلك فوق الناس ، قال : فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد ، الأول فالأول ، ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول : " من تنتظرون " فيقولون : ننتظر ربنا عز وجل . فيقول : " أنا ربكم " يقولون : حتى ننظر إليك . فيتجلى لهم يضحك . قال: سمعت النبي e قال : " فينطلق بهم ويتبعونه ، ويعطي كل إنسان منافق أو مؤمن نورًا ، ثم يتبعونه ، على جسر جهنم كلاليب وحسك تأخذ من شاء الله ، ثم يطفأ نور المنافق ، ثم ينجو المؤمنون ، فتنجو أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر ، سبعون ألفًا لا يحاسبون ، ثم الذين يلونهم كأضوأ نجم في السماء ، ثم كذلك ، ثم تحل الشفاعة حتى يخرج من النار من قال : لا إله إلا الله ، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة ، فيجعلون بفناء أهل الجنة ، ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء ، حتى ينبتون نبات الشيء في السيل ، ثم يسأل حتى يجعله له الدنيا وعشرة أمثالها معها " [SUP]( [1] ) [/SUP].
وروى الطبراني والحاكم عن ابن مسعود t أن رسول الله e قال : " يجمع الله الناس يوم القيامة فينادي مناد : يا أيها الناس ألم ترضوا من ربكم الذي خلقكم وصوركم ورزقكم أن يوالي كل إنسان ما كان يعبد في الدنيا ويتولى ؟ أليس ذلك عدل من ربكم ؟ قالوا : بلى ، قال : فينطلق كل إنسان منكم إلى ما كان يتولى في الدنيا ؛ ويمثل لهم ما كانوا يعبدون في الدنيا ، قال : يمثل لمن كان يعبد عيسى شيطان عيسى ، ويمثل لمن كان يعبد عزيرًا شيطان عزير ، حتى يمثل لهم الشجر والعود والحجر ، ويبقى أهل الإسلام جثومًا ، فيقول لهم : ما لكم لا تنطلقون كما انطلق الناس ؟ فيقولون : إن لنا ربًّا ما رأيناه بعد ! قال : فيقول : فبم تعرفون ربكم ، إن رأيتموه ؟ قالوا : بيننا وبينه علامة ، إن رأيناه عرفناه ؛ قال : وما هي ؟ قالوا : الساق ، فيكشف عن ساق ، قال : فيحني كل من كان لظهر طبق ساجدًا ، ويبقى قوم ظهروهم كصياصي البقر ، يريدون السجود ، فلا يستطيعون ؛ قال : ثم يؤمرون فيرفعون رؤوسهم ، فيعطون نورهم على قدر أعمالهم ، فمنهم من يعطي نوره مثل الجبل بين يديه ، ومنهم من يعطي نوره دون ذلك ، ومنهم من يعطي نوره مثل النخلة بيمينه ، ومنهم من يعطي دون ذلك ، حتى يكون آخر ذلك يعطي نوره على إبهام قدمه ، يضئ مرة ، ويطفأ مرة ؛ فإذا أضاء قدم قدمه ، وإذا طفأ قام ، فيمرون على الصراط ، والصراط كحد السيف ، دحض مزلة ؛ قال : فيقال : انجوا على قدر نوركم ؛ فمنهم من يمر كانقضاض الكوكب ، ومنهم من يمر كالطرف ، ومنهم من يمر كالريح ، ومنهم من يمر كشد الرحل ، ويرمل رملا ؛ فيمرون على قدر أعمالهم ، حتى يمر الذي نوره على إبهام قدمه ، يجر يدًا ، ويعلق يدًا ، ويجر رجلا ، ويعلق رجلا ؛ فتصيب جوانبه النار ، قال : فيخلصون ، فإذا خلصوا ، قالوا : الحمد لله الذي نجانا منك بعد إذ رأيناك ، فقد أعطانا الله ما لم يعط أحدًا.." الحديث [SUP]( [2] ) [/SUP].


[1] - أحمد: 3 / 383، ومسلم (191) ، وأبو عوانة في مسنده (364) .

[2] - الطبراني في الكبير : 9 / 359 وإسناده صحيح ، والحاكم واللفظ له : 4 / 590: 592، وصححه على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي .
 
فائدة :
من الأعمال التي تكفل الله تعالى لصاحبها بالجواز على الصراط : لزوم المساجد ؛ فقد روى الطبراني عن أبى الدرداء رضي اله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " المسجد بيت كل تقي ، وتكفل الله لمن كان المسجد بيته بالروح والرحمة ، والجواز على الصراط إلى رضوان الله ، إلى الجنة " [SUP]( [1] ) [/SUP].


[1] - الطبراني في الكبير: 6 / 254 (6143)، وقال الهيثمي في المجمع: 2 / 22: رواه الطبراني في الكبير والأوسط والبزار وقال: إسناده حسن. ا.هـ. قلت: ورجال البزار كلهم رجال الصحيح ، وحسنه المنذري في الترغيب، وصححه الألباني في صحيح الترغيب.
 
رؤية المؤمنين لرب العالمين
أطبق أهل السنة من السلف والخلف على أن الله تعالى يرى بالأبصار في الدار الآخرة ، والأدلة على ذلك كثيرة من الكتاب والسنة ، فقد قرر القرآن هذه القضية في آيات ذوات عدد ، وجاءت الأحاديث متواترة معنويًا في تقريرها ؛ قال ابن القيم - رحمه الله - في حاشيته على مختصر أبي داود : وقد روى أحاديث الرؤية عن النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من أصحابه منهم : جرير بن عبد الله ، وأبو رزين العقيلي ، وأبو هريرة ، وأبو سعيد ، وصهيب ، وجابر ، وأبو موسى ، وعبد الله بن مسعود ، وابن عباس ، وابن عمر ، وأنس بن مالك ، وعدي بن حاتم ، وعمار بن ياسر ، وعمرو بن ثابت الأنصاري ، وابن عمرو ، رضي الله عنهم .ا.هـ [SUP]( [1] )[/SUP] .
قال مقيده - عفا الله عنه : يضاف إليهم : معاذ بن جبل ، وثوبان ، وعمارة ابن رويبة الثقفي ، وحذيفة ، وأبو بكر الصديق ، وزيد بن ثابت ، وأبو أمامة الباهلي ، وبريدة الأسلمي ، وأبو برزة ، وعبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي ، وعبادة بن الصامت ، وكعب بن عجرة ، وفضالة ابن عبيد ، وأبي بن كعب ، وعائشة رضي الله عنهم .
فهؤلاء ثلاثون نفسًا من مشاهير الصحابة وكبرائهم وعلمائهم نقلوه عن رسول الله e ، واتفقوا على ثبوته ، ولم يشتهر عن غيرهم خلاف ذلك ، فكان إجماعًا ، وأهل السنة والجماعة كلهم على الإيمان بذلك ، ولم يخالف فيه إلا أهل البدع .
وممن قال بتواترها : القاضي عياض ، وابن الجوزي ، وابن تيمية ، وابن القيم ، وابن كثير ، والذهبي ، وابن أبي العز ، وابن حجر ، والسخاوي ، والسيوطي ، ونقل الكتاني - رحمه الله - في (نظم المتناثر من الحديث المتواتر) التواتر عن جماعة آخرين .
قال ابن كثير – رحمه الله في تفسيره : وقد ثبت رؤية المؤمنين لله عز وجل في الدار الآخرة في الأحاديث الصحاح من طرق متواترة عند أئمة الحديث ، لا يمكن دفعها ولا منعها . ا.هـ [SUP]( [2] ) [/SUP].
وقال الذهبي - رحمه الله : أحاديث رؤية الله في الآخرة متواترة ، والقرآن مصدق لها .ا.هـ [SUP]( [3] ) [/SUP]. ونظم بعضهم بعض المتواتر فقال :
مما تواتر حديث من كذب ... ومن بنى لله بيتا واحتسب
ورؤية شـفاعة والحوض ... ومسح خفين وهذي بعض


[1] - انظر حاشية ابن القيم : 13 / 38 (الكتب العلمية ).

[2] - انظر تفسير ابن كثير: 4 / 451 (دار الفكر).

[3] - سير أعلام النبلاء: 10 / 455.
 
الأدلة من القرآن العظيم على الرؤية
1 - منها قوله تعالى : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ . إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } ( القيامة : 22 ، 23 ) ، وهذا من أظهر الأدلة فإضافة النظر إلى الوجه الذي هو محله ، وتعديته بأداة ( إلى ) الصريحة في نظر العين ، وإخلاء الكلام من قرينة تدل على خلافه حقيقة موضوعة صريحة في أن الله أراد بذلك نظر العين التي في الوجه إلى الرب جل جلاله ؛ فإن النظر له عدة استعمالات بحسب صلاته وتعديه بنفسه : فإن عدي بنفسه فمعناه : التوقف والانتظار ، كقوله تعالى : { انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ } ( الحديد : 13 ) .
وإن عدي بـ ( في ) فمعناه التفكر والاعتبار ، كقوله عز وجل : { أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } ( الأعراف : 185 ) ، وإن عدي بـ ( إلى ) فمعناه : المعاينة بالأبصار ، كقوله تعالى : { انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِه } ( الأنعام : 99 ) ، فكيف إذا أضيف إلى الوجه الذي هو محل البصر ؟ أفاده ابن أبي العز - رحمه الله - في ( شرح العقيدة الطحاوية ) [SUP]( [1] )[/SUP] ؛ وهو أمر قرر ه العلماء من القديم ، قال ابن أبي شامة - رحمه الله - في ( ضوء الساري إلى معرفة رؤية الباري ) : قال إمام الحرمين أبو المعالي الجويني - رحمه الله : وجه الدليل من الآية واضح ، يغني بوضوحه عن بسط القول وكشفه - ثم ذكر معاني النظر - ثم قال : وإنما يتوقع تردد النظر بين جهات المعاني إذا لم يقيد بـ ( إلى ) ، فإذا قيد به وعدي ، لم يفهم منه إلا الرؤية الحقيقية ، فتعين حمل الآية على الرؤية والإبصار .ا.هـ [SUP]( [2] )[/SUP] .


[1][SUP] - انظر شرح الطحاوية: 1 / 168، 169 (دار البصيرة).[/SUP]

[2][SUP] - ضوء الساري ص 33، 34.[/SUP]
 
2 – ومنها قوله تعالى : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } ( يونس : 26 ) ، قال البيهقي - رحمه الله - في ( الاعتقاد ) : وقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم المبين عن الله عز وجل ، فمن بعده من الصحابة الذين أخذوا عنه ، والتابعين الذين أخذوا عن الصحابة ، أن الزيادة في هذه الآية النظر إلى وجه الله تبارك وتعالى ، وانتشر عنه وعنهم إثبات رؤية الله عز وجل في الآخرة بالأبصار .ا.هـ [SUP]( [1] ) [/SUP].
وقال ابن كثير في تفسيره : قوله تعالى : { وَزِيَادَةٌ } هي تضعيف ثواب الأعمال بالحسنة عشر أمثالها ، إلى سبعمائة ضعف ، وزيادة على ذلك أيضًا ، ويشمل ما يعطيهم الله في الجنان من القصور والحور والرضا عنهم ، وما أخفاه لهم من قرة أعين ، وأفضل من ذلك وأعلاه النظر إلى وجهه الكريم ، فإنه زيادة أعظم من جميع ما أعطوه ، لا يستحقونها بعملهم ، بل بفضله ورحمته ، وقد روي تفسير الزيادة بالنظر إلى وجهه الكريم عن أبي بكر الصديق ، وحذيفة بن اليمان ، وعبد الله بن عباس ، وسعيد بن المسيب ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وعبد الرحمن بن سابط ، ومجاهد ، وعكرمة ، وعامر بن سعد ، وعطاء ، والضحاك ، والحسن ، وقتادة ، والسدي ، ومحمد بن إسحاق .. وغيرهم من السلف والخلف ؛ وقد وردت فيه أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم .ا.هـ [SUP]( [2] )[/SUP] ؛ ثم ذكر أحاديث عن صهيب ، وأبي موسى ، وكعب بن عجرة ، وأبي بن كعب .
وللحافظ الدارقطني - رحمه الله - كتاب سماه ( رؤية الله ) جمع فيه كثيرًا من الأحاديث والآثار الواردة في هذه القضية .
وروى أحمد ومسلم وغيرهم عن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تَلا هَذِهِ الْآيَةَ { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } ( يونس : 26 ) ، قَالَ : " إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ ؛ نَادَى مُنَادٍ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ إِنَّ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَوْعِدًا يُرِيدُ أَنْ يُنْجِزَكُمُوهُ ، فَيَقُولُونَ : وَمَا هُوَ ؟ أَلَمْ يُثَقِّلْ مَوَازِينَنَا ، وَيُبَيِّضْ وُجُوهَنَا ، وَيُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ ، وَيُجِرْنَا مِنَ النَّارِ ؟ قَالَ : فَيُكْشَفُ لَهُمُ الْحِجَابُ ، فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ " قَالَ : " فَوَاللَّهِ ، مَا أَعْطَاهُمْ شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ ، وَلا أَقَرَّ بِأَعْيُنِهِمْ " [SUP]( [3] ) [/SUP].
وروى ابن جرير في تفسيره وابن أبي حاتم في تفسيره والدارقطني في ( رؤية الله ) ، واللالكائي في ( اعتقاد أهل السنة ) من طرق عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه مرفوعًا : " إن الله يبعث يوم القيامة مناديا ينادي : يا أهل الجنة – بصوت يسمع أولهم وآخرهم – إن الله وعدكم الحسنى وزيادة : فالحسنى الجنة ، والزيادة النظر إلى وجه الرحمن [SUP] [4] [/SUP]. ورواه ابن جرير في تفسيره واللالكائي في (اعتقاد أهل السنة) من طرق عن كعب بن عجرة مرفوعًا بنحوه [SUP]( [5] ) [/SUP]؛ ورواه ابن جرير ، والدارقطني في ( رؤية الله ) ، واللالكائي في ( اعتقاد أهل السنة ) عن أبي بن كعب [SUP]( [6] ) [/SUP]؛ ورواه الدارقطني في ( رؤية الله ) ، واللالكائي في ( اعتقاد أهل السنة ) عن أنس مرفوعًا [SUP]( [7] ) [/SUP].


[1] - الاعتقاد: 1 / 123 (دار الآفاق الجديدة – بيروت).

[2] - انظر تفسير ابن كثير : 2 / 415 .

[3] - أحمد : 4 / 333 ، ومسلم ( 181 ) .

[4] - ابن جرير : 11 / 74 ؛ ورواه اللالكائي في اعتقاد أهل السنة ( 782 ) ، ورواه ابن أبي حاتم : 6 / 1945 ، وإسحاق بن راهويه في مسنده ( 1425 ) من وجه آخر عن أبي موسى موقوفًا .

[5] - ابن جرير: 11 / 107 ( دار الفكر ) ، اعتقاد أهل السنة ( 781 ) .

[6] - ابن جرير: 11 / 107 ( دار الفكر )، اعتقاد أهل السنة ( 780 ) .

[7] - اعتقاد أهل السنة ( 779 ) .
 
3 – قوله تعالى: { كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ } ( المطففين : 15 ). استدل كثير من أهل العلم بهذه الآية على رؤية الله تعالى في الآخرة ، قال ابن كثير - رحمه الله : قال الإمام أبو عبد الله الشافعي : في هذه الآية دليل على أن المؤمنين يرونه عز وجل يومئذ ؛ وهذا الذي قاله الإمام الشافعي - رحمه الله - في غاية الحسن ، وهو استدلال بمفهوم هذه الآية ، كما دل عليه منطوق قوله تعالى : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ . إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } ، وكما دلت على ذلك الأحاديث الصحاح المتواترة في رؤية المؤمنين ربهم عز وجل في الدار الآخرة ، رؤية بالأبصار في عرصات القيامة ، وفي روضات الجنان الفاخرة .ا.هـ [SUP]( [1] ) [/SUP].
قلت : وبنحو الذي قاله الإمام الشافعي قال الإمام مالك ، والإمام أحمد رحمهم الله تعالى ؛ وقال أبو بكر الآجري - رحمه الله - في كتابه ( التصديق بالنظر ) : وقال عز وجل وقد أخبرنا عن الكفار أنهم محجوبون عن رؤيته ، فقال جل ذكره : { كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ . ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ . ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } ( المطففين : 15 – 17 ) ، فدل بهذه الآية على أن المؤمنين ينظرون إلى الله عز وجل ، وأنهم غير محجوبين عن رؤيته ، كرامة منه لهم .ا.هـ [SUP]( [2] ) [/SUP].


[1] - تفسير ابن كثير : 4 / 486 ، 487 .

[2] - التصديق بالنظر ص 29 .
 
الأدلة من السنة المطهرة على الرؤية
أما الأدلة من السنة فكثيرة متواترة ، منها ما تقدم معنا ، ومنها :
ما رواه أحمد والشيخان وغيرهم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا ، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا ، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ " [SUP]( [1] ) [/SUP].
وروى الجماعة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن ناسًا قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ، هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ؟ " قالوا : لا يا رسول الله ، قال : " هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب " قالوا : لا يا رسول الله . قال : " فإنكم ترونه كذلك ، يجمع الله الناس يوم القيامة ، فيقول : من كان يعبد شيئًا فليتبعه ، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ، ويتبع من كان يعبد القمر القمر ، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت ، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها ، فيأتيهم الله تبارك وتعالى في صورة غير صورته التي يعرفون ، فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : نعوذ بالله منك ، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا ، فإذا جاء ربنا عرفناه ، فيأتيهم الله تعالى في صورته التي يعرفون ، فيقول : أنا ربكم . فيقولون : أنت ربنا ، فيتبعونه ، ويضرب الصراط بين ظهري جهنم ، فأكون أنا وأمتي أول من يجيز .. " الحديث ، ونحوه عند الشيخين وغيرهما عن أبي سعيد رضي الله عنه [SUP]( [2] ) [/SUP].
وروى الجماعة عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال : كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، فَقَالَ : " أَمَا إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لا تُغْلَبُوا عَلَى صَلاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ، وَقَبْلَ غُرُوبِهَا - يَعْنِي الْعَصْرَ وَالْفَجْرَ - ثُمَّ قَرَأَ : ] وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ [ ( ق : 39 ) " [SUP]( [3] ) [/SUP].
والأحاديث في ذلك كثيرة .
وفي الأحاديث إثبات الرؤية قبل المرور على الصراط ، وكذلك إثباتها في الجنة . قال ابن حجر - رحمه الله - في شرحه لحديث أبي هريرة t المتقدم : وهذا فيه إشعار بأنهم رأوه في أول ما حشروا ، والعلم عند الله . وقال الخطابي - رحمه الله : هذه الرؤية غير التي تقع في الجنة إكراما لهم ، فإن هذه للامتحان ، وتلك لزيادة الإكرام ، كما فسرت به : { الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } ؛ قال : ولا إشكال في حصول الامتحان في الموقف ؛ لأن آثار التكاليف لا تنقطع إلا بعد الاستقرار في الجنة أو النار ؛ قال : ويشبه أن يقال : إنما حجب عنهم تحقق رؤيته أولا ، لما كان معهم من المنافقين الذين لا يستحقون رؤيته ، فلما تميزوا رفع الحجاب ، فقال المؤمنون حينئذ : ( أنت ربنا ) .
وقال الطيبي : لا يلزم بأن الدنيا دار بلاء ، والآخرة دار جزاء ، أن لا يقع في واحد منها ما يخص بالأخرى ، فإن القبر أول منازل الآخرة وفيه الابتلاء والفتنة بالسؤال وغيره ؛ والتحقيق أن التكليف خاص بالدنيا ، وما يقع في القبر وفي الموقف هي آثار ذلك [SUP]( [4] )[/SUP]. ا.هـ مختصرًا . والعلم عند الله تعالى .
وصفوة القول : أن أهل السنة أجمعوا على أن رؤية المؤمنين لرب العالمين في الآخرة ممكنة عقلا ، واجبة نقلا ، واقعة فعلا ، بالأبصار ، بلا كيف ولا انحصار . والعلم عند الله الواحد القهار .

[1] - أحمد: 4 / 411 ، والبخاري ( 4878 ، 7444 ) ، ومسلم ( 180 ) .

[2] - حديث أبي هريرة : رواه أحمد : 2 / 275، 268 ، 533 ، والبخاري ( 6574 ، 7437 ) ، ومسلم ( 182 ، 2968 ) ، وأبو داود ( 4730 ) ، والترمذي ( 2549، 2554، 2557 ) ، وابن ماجة ( 178 ) وغيرهم . وحديث أبي سعيد : رواه البخاري ( 806 ، 4581 ) ، ومسلم ( 183 ) .

[3] - أحمد : 4 / 360 ، 362 ، 365 ، والبخاري ( 554 ، 573 ) ، ومسلم ( 633) ، وأبو داود ( 4729 ) ، والترمذي (2551 ) ، والنسائي في الكبرى ( 7762 ، 11524 ) ، وابن ماجة ( 177 ) وغيرهم .

[4] - نقلا عن ( فتح الباري ) : 11 / 451 ، 452 .
 
أصحاب الأعراف
جاء ذكر أصحاب الأعراف في سورة الأعراف ، والأعراف جمع عرف ( بضم فسكون ) وهو المكان المشرف ، أي : المرتفع ، ومنه عرف الديك لارتفاعه ، وكذلك عرف الفرس .
قال الله تعالى ذاكرًا ما يكون بين أهل الجنة وأهل النار من مخاطبة ومناداة ، لبيان أن وعيد الله للكافرين واقع ، كما أن وعده للمؤمنين صادق : { وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ. الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ } ( الأعراف : 44 ، 45 ) ؛ إنه حوار قصير يزيد أهل النار حسرة إلى حسرتهم ، وهمًّا فوق همهم ، فالمؤمنون على ثقتهم من تحقق وعيد الله لهؤلاء ، ومع ذلك فهم يسألون !! إنه سؤال تقريع وتعيير ، وفيه من السخرية المرة ما فيه ، وتكون الإجابة بكلمة واحدة : نعم . ثم يؤذن المؤذن بأمر الله تعالى : { أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ } ( الأعراف : 44 ) ، ويتحدد معنى هؤلاء الظالمين بقوله تعالى : { الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ } ، فطريق الاستقامة هو طريق منهج الله وشرعه ، والذي يصد عن ذلك إنما يريد العوج ، فهم يريدون أن يغيروا ويبدلوا دين الله تعالى عما جعله الله له من استقامته ، وهذا لا يتفق ومن يؤمن باليوم الآخر ، ويعلم أنه راجع إلى ربه . إذًا فالذي يصد عن دين الله إنما يريد الطريق العوجاء ، ومن صفات هؤلاء أنهم لا يؤمنون بالآخرة .
وبعد هذا الحوار القصير والفصل بين الفريقين ، يأتي مشهد آخر يجليه قول الله تعالى : { وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلّاً بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ } ( الأعراف : 46 ) ، وحجاب ، أي : حاجز ، وهو السور الذي ذكره الله تعالى في سورة الحديد : { فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13)} وهو الأعراف التي يقول الله فيها : { وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ } ؛ وقيل : هذا الحجاب يكون بين الفريقين ، وقيل : بين الجنة والنار ؛ والمعنى متقارب ، فإنه إذا كان بين الجنة والنار فإنه لا شك يفصل بين الفريقين . ورجح بعضهم أنه بين الفريقين لدلالة الضمير ( هم ) في ( بينهم ) ، فهو للعقلاء .
وأصحاب الأعراف تعددت الأقوال فيهم ، إلا أن أقربها وأسدها - إن شاء الله تعالى - أنهم أناس تساوت حسناتهم وسيئاتهم ؛ فلم تبلغ حسناتهم بهم دخول الجنة ، كما لم تبلغ بهم سيئاتهم دخول النار ، فهم ينتظرون على شرف السور ، يرجون رحمة الله تعالى ، ويتطلعون أن يأذن لهم بدخول الجنة ، وهم يعرفون أصحاب اليمين بسمات لهم ، منها : بياض الوجوه ، والنور الذي بين أيديهم ، كما يعرفون أصحاب النار بسمات منها : سواد الوجوه ، وزرقة العيون ، والظلمات التي بين أيديهم ؛ وهم يلقون السلام على أهل الجنة ، ويطمعون أن يدخلوها .
قال أهل التفسير : واللازم من الآية أن على الأعراف رجالا من أهل الجنة ، يتأخر دخولهم ، ويقع لهم ما وصف من الاعتبار في الفريقين ، فينادون على أصحاب الجنة فيسلمون عليهم { أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ } ، أو يهنئونهم بما نالوا من السلامة من العقوبة ، ثم إنهم يمعنون النظر في أحوال أصحاب الجنة ، ولا ينظرون إلى أصحاب النار إلا بالصرف لأبصارهم تلقاءهم ، عن غير رغبة منهم ، ولا ميل إلى ذلك ، قال الله تعالى : { وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } ( الأعراف : 47 ) ، فالصرف ليس بإرادتهم ، بل هم محمولون عليه ، مفعول بهم ذلك ؛ لأن هول المطلع مخوف من سماعه ، فضلا عن رؤيته ، فضلا عن التلبس به ، أعاذنا الله من ذلك ، آمين .
ولذلك فبمجرد أن تصرف أبصارهم إلى أصحاب النار ، ويرون ما هم عليه من العذاب الأليم المهين ، قالوا : { رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } ؛ وعندما ينظرون إلى أهل النار يرون أناسًا كانوا يعرفونهم في الدنيا من أهل المال والسلطان والاستكبار ، فينادون عليهم قائلين : { مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُون } ( الأعراف : 48 ) ، وهو استفهام توبيخ وتقريع ، والمعنى : ما أغنى عنكم ما كنتم تجمعون في الدنيا من المال والأجناد والأولاد ، مما كنتم تستكبرون به على عباد الله ، وتستكبرون على طاعة الله جل وعلا ، فها أنتم أولاء في النار لم يغن عنكم ذلك الجمع ، ولا ذلك الاستكبار . ثم يتوجهون بالنظر إلى أصحاب الجنة ، ويقولون لأصحاب النار : { أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ } ، يذكرونهم بما كانوا يقولون عن المؤمنين في الدنيا من أنهم ضالون ، ويقسمون أنهم لا تنالهم رحمة رب العالمين ؛ انظروا الآن ، أين هم ؟! إنهم في جنات يتنعمون ، قد قيل لهم : { ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ } ( الأعراف : 49 ) .
وجملة القول : أن أصحاب الأعراف أناس من أهل الجنة تأخر دخولهم لها ، سيكون منهم ما قص الله تعالى في سورة الأعراف من الحوار الذي تقدم ، ثم يأذن الله تعالى لهم فيدخلون الجنة ؛ روى الحاكم وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي عن حذيفة رضي الله عنه قال : أصحاب الأعراف قوم تجاوزت بهم حسناتهم النار ، وقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة ، فإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار ، قالوا : ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين ، فبينما هم كذلك إذا طلع عليهم ربك ، قال : قوموا ادخلوا الجنة ، فإني قد غفرت لكم[SUP] ( [1] ) [/SUP].

[1] - الحاكم : 2 / 350 ( 3247 ) الكتب العلمية .
 
الجنة والنار
هذه هي النهاية : إما نعيم مقيم ، وإما عذاب أليم ؛ فأهل الجنة في الجنة يتنعمون ، وأهل النار في النار يعذبون . وأهل الجنة صنفان : صنف يدخلها ابتداء من غير حساب ولا عقاب ، والصنف الثاني يتأخر عن دخولها وهم: أصحاب الأعراف الذين تقدم الحديث عنهم ، وعصاة المؤمنين الذين يتأخرون عن دخولها بسبب معاصيهم التي ما تابوا منها ، أو لم تصدق توبتهم منها ، فيعذبون حسب خطاياهم ما شاء الله تعالى أن يعذبهم ، ثم يؤذن للشفاعة فيهم ، فيخرج من يخرج بالشفاعة ، ثم يخرج الله تعالى بعد شفاعة الشفعاء برحمته من قال لا إله إلا الله ؛ أبى الله أن يجعل من وحَّدَه كمن جحده . فلا يخلد في النار إلا الكافرون .
روى مسلم وغيره من حديث أبي سعيد t مرفوعا وفيه : " ثم يضرب الجسر على جهنم ، وتحل الشفاعة ، ويقولون : اللهم سلِّم سلم " ، قيل : يا رسول الله ، وما الجسر ؟ قال : " دحض مزلة ، فيه خطاطيف وكلاليب وحسك تكون بنجد ، فيها شويكة يقال لها : السعدان ، فيمر المؤمنون كطرف العين ، وكالبرق ، وكالريح ، وكالطير ، وكأجاويد الخيل والركاب ؛ فناج مسلم ، ومخدوش مرسل ، ومكدوس في نار جهنم ، حتى إذا خلص المؤمنون من النار ، فوالذي نفسي بيده ، ما منكم من أحد بأشد منا شدة لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار ، يقولون : ربنا كانوا يصومون معنا ، ويصلون ، ويحجون ، فيقال لهم : أخرجوا من عرفتم ، فتحرم صورهم على النار ، فيخرجون خلقًا كثيرًا ، قد أخذت النار إلى نصف ساقية ، وإلى ركبتيه ، ثم يقولون : ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به ، فيقول : ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه ، فيخرجون خلقًا كثيرًا ، ثم يقولون : ربنا لم نذر فيها أحدًا ممن أمرتنا ، ثم يقول : ارجعوا ، فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه ، فيخرجون خلقًا كثيرًا ، ثم يقولون : ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدًا ، ثم يقول : ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه ، فيخرجون خلقًا كثيرًا : ثم يقولون : ربنا لم نذر فيها خيرًا " ؛ وكان أبو سعيد الخدري يقول : إن لم تصدقوني بهذا الحديث ، فاقرؤوا إن شئتم : ] إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيمًا [ ( النساء : 40 ) ؛ " فيقول الله U : شفعت الملائكة ، وشفع النبيون ، وشفع المؤمنون ، ولم يبق إلا أرحم الراحمين ، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قومًا لم يعملوا خيرًا قط ، قد عادوا حمما ، فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له : نهر الحياة ، فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل ، السيل ؛ ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر : ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر ، وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض " فقالوا : يا رسول الله ، كأنك كنت ترعى بالبادية ؟ قال : " فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم ، يعرفهم أهل الجنة : هؤلاء عتقاء الله ، الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ، ولا خير قدموه ، ثم يقول : ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم . فيقولون : ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من العالمين ، فيقول : لكم عندي أفضل من هذا . فيقولون : يا ربنا أي شيء أفضل من هذا ؟ فيقول : رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبدًا " [SUP]( [1] ) [/SUP].


[1] - مسلم ( 183 ) .
 
وجود الجنة والنار وبقاؤهما
الجنة والنار مخلوقتان موجودتان ، لا تفنيان ولا تبيدان ، قال الالكائي - رحمه الله : والجنة والنار مخلوقتان ، قد خلقتا كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " دخلت الجنة فرأيت قصرًا " ، " ورأيت الكوثر " ، " واطلعت في الجنة فرأيت لأهلها كذا " ، " واطلعت في النار فرأيت كذا ، ورأيت كذا " فمن زعم أنهما لم تخلقا فهو مكذب بالقرآن وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أحسبه يؤمن بالجنة والنار[SUP]( [1] )[/SUP] .ا.هـ.
قلت : وهذا أمر لم يختلف عليه أحد من أهل السنة والجماعة ؛ وأدلة وجودهما وعدم فنائهما كثيرة جدًّا ، ونذكر هنا بعضها تبعًا لمنهجنا في الاختصار :
من أدلة وجود الجنة : قوله تعالى : { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى . عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى . عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى } ( النجم : 13 – 15 ) ، وقوله جل وعلا : { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } ( آل عمران : 133 ) ، وقوله سبحانه : { لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } ( التوبة : 88 ، 89 ) ؛ ودلالة الآيات واضحة ، فالآية الأولى بينت أن جنة المأوى موجودة في السماء السابعة ، عند سدرة المنتهى ، والآيتان بعدها بينتا أن الجنة فرغ منها ، فهي معدة موجودة ، تنتظر أهلها .. والآيات في هذا المعنى كثيرة جدًّا .
وأما الأحاديث فمتواترة في هذا المعنى – أيضًا ؛ فمن ذلك : روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة ، في شجرة قطعها من ظهر الطريق ، كانت تؤذى الناس " [SUP]( [2] ) [/SUP].
وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ " [SUP]( [3] ) [/SUP].
وروى أحمد والترمذي وابن حبان عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " دَخَلْتُ الْجَنَّةَ ، فَإِذَا أَنَا بِقَصْرٍ مِنْ ذَهَبٍ ، فَقُلْتُ : لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ ؟ قَالُوا : لِشَابٍّ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَظَنَنْتُ أَنِّي أَنَا هُوَ ؛ فَقُلْتُ : وَمَنْ هُوَ ؟ فَقَالُوا : عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ " [SUP]( [4] )[/SUP].
وروى أحمد وأبو داود والنسائي عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " دَخَلْتُ الْجَنَّةَ ، فَإِذَا أَنَا بِنَهْرٍ حَافَتَاهُ خِيَامُ اللُّؤْلُؤِ ، فَضَرَبْتُ بِيَدِي إِلَى مَا يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ ، فَإِذَا مِسْكٌ أَذْفَرُ ، قُلْتُ : مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ : هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَهُ اللَّهُ " [SUP]( [5] ) [/SUP]؛ وهو عند البخاري بلفظ : " بَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ فِي الْجَنَّةِ ، إِذَا أَنَا بِنَهَرٍ حَافَتَاهُ قِبَابُ الدُّرِّ الْمُجَوَّفِ ، قُلْتُ : مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ : هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَ رَبُّكَ ، فَإِذَا طِينُهُ أَوْ طِيبُهُ مِسْكٌ أَذْفَرُ " شَكَّ هُدْبَةُ [SUP]( [6] ) [/SUP].
وروى الحاكم وصححه عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " دخلت الجنة البارحة ، فنظرت فيها ، فإذا جعفر يطير مع الملائكة ، وإذا حمزة متكئ على سرير" [SUP]( [7] ) [/SUP].


[1] - اعتقاد أهل السنة: 1 / 164، وانظر شعب الإيمان: 1 / 346 ، وشعار أصحاب الحديث لأبي أحمد الحاكم ص 34، وغيرها.

[2] - مسلم (1914).

[3] - البخاري (1899)، ومسلم (1079).

[4] - أحمد: 3 / 107، والترمذي (3688) وصححه، وابن حبان (6887).

[5] - أحمد: 3 / 103، وأبو داود (4748)، والنسائي في الكبرى (11706) وهذا لفظ أحمد.

[6] - البخاري (6581)، وهدبة أحد رواة الحديث.

[7] - الحاكم (4890)، ورواه الطبراني في الكبير: 2 / 107 (1466).
 
أدلة عدم فناء الجنة
أما أدلة عدم فنائها فمتكاثرة أيضًا ، فمن ذلك : قوله تعالى : { مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ } ( الرعد : 35 ) ، وقوله سبحانه : { لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ } ( الحجر : 48 ) ، وقوله جل وعلا : { إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ } ( ص : 54 ) ، وقوله عز وجل : { وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } ( التغابن : 9 ) ، والآيات في ذلك كثيرة جدًّا .
وأما الأحاديث ، فمنها : ما روى أحمد ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَنْعَمُ لا يَبْأَسُ ، لا تَبْلَى ثِيَابُهُ ، وَلا يَفْنَى شَبَابُهُ " [SUP]( [1] ) [/SUP].
وروى أحمد ومسلم والترمذي عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يُنَادِي مُنَادٍ : إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلا تَسْقَمُوا أَبَدًا ، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلا تَمُوتُوا أَبَدًا ، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلا تَهْرَمُوا أَبَدًا ، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلا تَبْأَسُوا أَبَدًا ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عز وجل : { وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } ( الأعراف : 43 ) "[SUP] ( [2] )[/SUP] .
[1] - أحمد: 2 / 407، مسلم (2836).

[2] - رواه أحمد: 2 / 319، 3 / 38، 95، ومسلم (2837)، والترمذي (3246).
 
أدلة وجود النار
أما أدلة وجود النار فكثيرة أيضًا ، منها : قوله تعالى : { فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } ( البقرة : 24 ) ، وقوله جل وعلا عن فرعون وقومه : { النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا } ( غافر : 46 ) ، وقوله تعالى : { وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } ( الفتح : 6 ) ، وقوله عز وجل : { مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا } ( نوح : 25 ) .
وأما الأحاديث فكثيرة أيضًا ، ومنها : ما رواه أحمد ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سمع وجبة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " تَدْرُونَ مَا هَذَا ؟ " قَالَ : قُلْنَا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ! قَالَ : " هَذَا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ فِي النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا ، فَهُوَ يَهْوِي فِي النَّارِ الْآنَ ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَعْرِهَا " [SUP]( [1] ) [/SUP].
وروى أحمد والشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرِ بْنِ لُحَيٍّ الْخُزَاعِيَّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ " [SUP]( [2] ) [/SUP].
وفي حديث صلاة الكسوف الذي رواه الشيخان عن عائشة - رضي الله عنها : " لَقَدْ رَأَيْتُ فِي مَقَامِي هَذَا كُلَّ شَيْءٍ وُعِدْتُهُ ، حَتَّى لَقَدْ رَأَيْتُ أُرِيدُ أَنْ آخُذَ قِطْفًا مِنَ الْجَنَّةِ ، حِينَ رَأَيْتُمُونِي جَعَلْتُ أَتَقَدَّمُ ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا ، حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ ، وَرَأَيْتُ فِيهَا عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ وَهُوَ الَّذِي سَيَّبَ السَّوَائِبَ " [SUP]( [3] ) [/SUP].


[1] - أحمد: 2 / 371، ومسلم (2844).

[2] - أحمد: 2 / 275، والبخاري (3521)، ومسلم (2856).

[3] - البخاري (1212)، ومسلم (901)، و ورواه النسائي (1472)، وابن حبان (2841).
 
أدلة بقاء النار
أما أدلة بقائها وعدم فنائها فكثيرة أيضًا، منها : قوله عز وجل : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً. إِلا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا } (النساء : 168، 169) ، وقوله جل وعلا : { إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ. لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ. وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ . وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ } (الزخرف: 74 - 77) ، وقوله سبحانه : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ } (فاطر: 36) ، وقوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا . خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا } (الأحزاب: 64، 65) ؛ والآيات في هذا المعنى كثيرة .
وأما الأحاديث فمنها : ما رواه أحمد والشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ ، فَيُنَادِي مُنَادٍ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ! فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ ، فَيَقُولُ : هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ ، هَذَا الْمَوْتُ ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ ، ثُمَّ يُنَادِي : يَا أَهْلَ النَّارِ ! فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ ، فَيَقُولُ : هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ ، فَيُذْبَحُ ، ثُمَّ يَقُولُ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلا مَوْتَ ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلا مَوْتَ " ثم قرأ : ] وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ [ وهؤلاء في غفلة أهل الدنيا ] وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [ (مريم: 39) " [SUP]( [1] ) [/SUP].
ورواه أحمد والنسائي وابن ماجة والحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " يُؤْتَى بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُوقَفُ عَلَى الصِّرَاطِ فَيُقَالُ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ! فَيَطَّلِعُونَ خَائِفِينَ وَجِلِينَ أَنْ يُخْرَجُوا مِنْ مَكَانِهِمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَهْلَ النَّارِ ! فَيَطَّلِعُونَ مُسْتَبْشِرِينَ فَرِحِينَ أَنْ يُخْرَجُوا مِنْ مَكَانِهِمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ، فَيُقَالُ : هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا ؟ قَالُوا: نَعَمْ، هَذَا الْمَوْتُ، قَالَ: فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُذْبَحُ عَلَى الصِّرَاطِ، ثُمَّ يُقَالُ لِلْفَرِيقَيْنِ كِلاهُمَا: خُلُودٌ فِيمَا تَجِدُونَ لا مَوْتَ فِيهَا أَبَدًا " [SUP]( [2] ) [/SUP].
وروى أبو يعلى والضياء في المختارة عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يؤتى بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح ، فيوقف بين الجنة والنار ، ثم ينادي مناد : يا أهل الجنة ، فيقولون : لبيك ربنا ، قال : فيقال : هل تعرفون هذا ؟ فيقولون : نعم ربنا ، هذا الموت ، فيذبح كما تذبح الشاة ، فيأمن هؤلاء ، وينقطع رجاء هؤلاء " [SUP]( [3] )[/SUP] .
وروى الحاكم وصححه ووافقه الذهبي عن عمرو بن ميمون الأودي قال : قام فينا معاذ بن جبل رضي الله عنه فقال : يا بني أود ، إني رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تعلمون المعاد إلى الله ، ثم إلى الجنة أو إلى النار ، وإقامة لا ظعن فيه ، وخلود لا موت ، في أجساد لا تموت " [SUP]( [4] )[/SUP] .
وروى أحمد والشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إِذَا صَارَ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلَى الْجَنَّةِ ، وَصَارَ أَهْلُ النَّارِ إِلَى النَّارِ ، أُتِيَ بِالْمَوْتِ حَتَّى يُجْعَلَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ثُمَّ يُذْبَحُ ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ لا مَوْتَ ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ لا مَوْتَ ، فَيَزْدَادُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَرَحًا إِلَى فَرَحِهِمْ ، وَيَزْدَادُ أَهْلُ النَّارِ حُزْنًا إِلَى حُزْنِهِمْ " ، وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يُدْخِلُ اللَّهُ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ ، وَيُدْخِلُ أَهْلَ النَّارِ النَّارَ ، ثُمَّ يَقُومُ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ فَيَقُولُ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ لا مَوْتَ ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ لا مَوْتَ ، كُلٌّ خَالِدٌ فِيمَا هُوَ فِيهِ" ورواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه مختصرًا [SUP]( [5] ) [/SUP].


[1] - أحمد: 3 / 9، والبخاري (4730) ومسلم (2849).

[2] - أحمد: 2 / 377، 423، 513، والنسائي في الكبرى (11317)، وابن ماجة (4327)، والحاكم: 1 / 83 وصححه ووافقه الذهبي.

[3] - أبو يعلى (2898)، والضياء في المختارة (2446، 2447)، وإسناده صحيح.

[4] - الحاكم: 1 / 83، وصححه ووافقه الذهبي. ورواه أبو نعيم في الحلية: 1 / 236.

[5] - ورواه أحمد: 2 / 118، والبخاري (6548)، ومسلم (2850). وحديث أبي هريرة رواه البخاري (6545).
 
فائدة : روى أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ قَالَتِ الْجَنَّةُ: اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، وَمَنِ اسْتَجَارَ مِنَ النَّارِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ قَالَتِ النَّارُ: اللَّهُمَّ أَجِرْهُ مِنَ النَّارِ" [SUP]( [1] )[/SUP].


[1] - أحمد: 3 / 117، والترمذي (2572)، والنسائي (5521)، وابن ماجة (4340)، وابن حبان (1014، 1034)، والحاكم (1960) وصححه ووافقه الذهبي.
 
الجنة دار الأبرار
ومكانها في السماء ، قال الله تعالى : { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى . عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى . عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى } ( النجم : 13 - 15) .
وسدرة المنتهى في السماء السابعة ، كما في حديث المعراج عند الشيخين عن أنس رضي الله عنه ، وروى أحمد ومسلم والنسائي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنها في السادسة ؛ قال النووي – رحمه الله في ( شرح مسلم ) : ويمكن أن يجمع بينهما فيكون أصلها في السادسة ومعظمها في السابعة ، فقد علم أنها في نهاية من العظم .ا.هـ [SUP]( [1] ) [/SUP]. قلت : ويؤيد ذلك ما رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي عن أنس رضي الله عنه في قوله عز وجل : { عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى } أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " رفعت لي سدرة منتهاها في السماء السابعة ، نبقها مثل قلال هجر ، ورقها مثل آذان الفيل ، يخرج من ساقها نهران ظاهران ونهران باطنان .. " الحديث [SUP]( [2] ) [/SUP].


[1] - شرح مسلم: 3 / 2.

[2] - الحاكم: 1 / 154 (271) الكتب العلمية.
 
سعة الجنة
جاء في بيان عرضها قوله تعالى : { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } ( آل عمران : 133 ) ؛ وقوله سبحانه : { سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ } ( الحديد : 21 ) ؛ فإذا كان هذا عرضها فكيف بطولها ؟ علم ذلك عند الله تعالى . وفي صحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ، أرأيت جنة عرضها السماوات والأرض ، فأين النار ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أرأيت هذا الليل الذي قد كان ألبس عليك كل شيء ، أين جعل ؟ " قال : الله أعلم ! قال : " فإن الله يفعل ما يشاء " ؛ ولفظ الحاكم : " أرأيت الليل الذي قد ألبس كل شيء ، فأين جعل النهار ؟[SUP]( [1] ) [/SUP].


[1] - صحيح ابن حبان ( 103 ) ، والمستدرك ( 103 ) وصححه على شرطيهما ، ووافقه الذهبي ؛ وصححه الألباني في الصحيحة ( 2892 ) .
 
أبواب الجنة
قال الله تعالى : { وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } ( الزمر: 73 ) ، وقال عز وجل : { وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ } ( الرعد : 23) .
وأبواب الجنة ثمانية : روى البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " فِي الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ ، فِيهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ ، لا يَدْخُلُهُ إِلَّا الصَّائِمُونَ "[SUP] ( [1] ) [/SUP].
وعند الشيخين من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ قَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَابْنُ أَمَتِهِ ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ ، وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ شَاءَ " [SUP]( [2] ) [/SUP].
وروى الجماعة إلا البخاري عن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ ، فَيُبْلِغُ أَوْ فَيُسْبِغُ الْوَضُوءَ ، ثُمَّ يَقُولُ : أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ، إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ ، يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ " [SUP]( [3] )[/SUP].
وروى الدارمي عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لِلْجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ " [SUP]( [4] )[/SUP] .
وروى أحمد والطيالسي والدارمي والطبراني وابن حبان عن عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الْقَتْلى ثَلاثَةٌ : رَجُلٌ مُؤْمِنٌ قَاتَلَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، حَتَّى إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى يُقْتَلَ ، فَذَلِكَ الشَّهِيدُ الْمُفْتَخِرُ ، فِي خَيْمَةِ اللَّهِ ، تَحْتَ عَرْشِهِ ، لا يَفْضُلُهُ النَّبِيُّونَ إِلَّا بِدَرَجَةِ النُّبُوَّةِ ؛ وَرَجُلٌ مُؤْمِنٌ قَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا ، جَاهَدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، حَتَّى إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ قَاتَلَ حَتَّى يُقْتَلَ ، مُحِيَتْ ذُنُوبُهُ وَخَطَايَاهُ ، إِنَّ السَّيْفَ مَحَّاءُ الْخَطَايَا ، وَأُدْخِلَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَ ، فَإِنَّ لَهَا ثَمَانِيَةَ أَبْوَابٍ ، وَلِجَهَنَّمَ سَبْعَةَ أَبْوَابٍ ، وَبَعْضُهَا أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ ؛ وَرَجُلٌ مُنَافِقٌ جَاهَدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ ، حَتَّى إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يُقْتَلَ ، فَإِنَّ ذَلِكَ فِي النَّارِ ، السَّيْفُ لا يَمْحُو النِّفَاقَ " [SUP]( [5] ) [/SUP].
وينادى المؤمنون من أبواب الجنة كل حسب عمله ، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ نُودِيَ فِي الْجَنَّةِ : يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ ؛ فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاةِ ، دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاةِ ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ ، دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ ، دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ ، دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ " قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا عَلَى أَحَدٍ يُدْعَى مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ ، فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " نَعَمْ ، وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ " [SUP]( [6] ) [/SUP].
وما بين كل مصراعين من أبواب الجنة ما يدل على اتساع هذه الأبواب ، روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " والذي نفسي بيده ، إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة لكما بين مكة وحمير ، أو كما بين مكة وبصرى " ، وعند مسلم : " بين مكة وهجر " [SUP]( [7] )[/SUP].
وروى أحمد ومسلم عن عتبة بن غزوان رضي الله عنه قال : ولقد ذكر لنا أن : " ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة ، وليأتين عليها يوم وهو كظيظ من الزحام " [SUP]( [8] ) [/SUP].
وروى أحمد عن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنتم توفون سبعين أمة ، أنتم آخرها وأكرمها على الله عز وجل ، وما بين مصراعين من مصاريع الجنة أربعين عامًا ، وليأتين عليه يوم وإنه لكظيظ " [SUP]( [9] ) [/SUP].


[1] - البخاري (3257).

[2] - البخاري (3435)، ومسلم (28).

2 – أحمد: 1 / 19، ومسلم (234)، وأبو داود (169)، والترمذي (55)، والنسائي (148) وابن ماجة (470).

[4] - الدارمي (2818).

[5] - أحمد: 4 / 185، والطيالسي (1267)، والدرامي (2411)، والطبراني في الكبير: 17 / 125 (310)، وابن حبان (4663).

1 – البخاري (1897، 3666)، ومسلم (1027). ورواه أحمد: 2 / 268، والترمذي (3674)، والنسائي (2238) وغيرهم.

2 - البخاري (4712)، ومسلم (194).

3 – أحمد: 4 / 174، ومسلم (2967).

1 – أحمد: 5 / 3. ورواه عبد بن حميد (411)، وإسناده حسن.
 
بنيانها وملاطها وحصباؤها
أما بناؤها فلبنة من ذهب ، ولبنة من فضة ، روى ابن أبي شيبة عن ابن عمرو رضي الله عنهما قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف هي ؟ قال : " من يدخل الجنة يحيا لا يموت ، وينعم لا يبأس ، ولا تبلى ثيابه ، ولا يبلى شبابه " ؛ قيل: يا رسول الله كيف بناؤها ؟ قال : " لبنة من فضة ، ولبنة من ذهب ، ملاطها مسك ، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت ، وترابها الزعفران " [SUP]( [1] ) [/SUP].
وروى أحمد والطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بِنَاءُ الْجَنَّةِ لَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَلَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ " [SUP]( [2] )[/SUP] .
وروى أحمد والترمذي والدارمي والطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَخْبِرْنَا عَنِ الْجَنَّةِ ، مَا بِنَاؤُهَا ؟ قَالَ : " لَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ ، وَلَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ ، مِلاطُهَا الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ ، حَصْبَاؤُهَا الْيَاقُوتُ وَاللُّؤْلُؤُ ، وَتُرْبَتُهَا الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ ، مَنْ يَدْخُلُهَا يَخْلُدُ لا يَمُوتُ ، وَيَنْعَمُ لا يَبْأَسُ ، لا يَبْلَى شَبَابُهُمْ ، وَلا تُخَرَّقُ ثِيَابُهُمْ " لفظ أحمد [SUP]( [3] ) [/SUP].
وروى الطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الحلية عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله خلق جنة عدن وبناها بيده : لبنة من ذهب ، ولبنة من فضه ، وجعل ملاطها المسك ، وترابها الزعفران ، وحصباءها اللؤلؤ ، ثم قال لها : تكلمي ، فقالت : قد افلح المؤمنون ، فقالت الملائكة : طوبى لك منزل الملوك " ؛ ورواه البزار موقوفًا ومرفوعًا ، قال الهيثمي في مجمع الزوائد : ورجال الموقوف رجال الصحيح ، وأبو سعيد لا يقول هذا إلا بتوقيف .ا.هـ. ورواه الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما [SUP]( [4] ) [/SUP].


[1] - ابن أبي شيبة (33955).

[2] - أحمد: 2 / 362، والطبراني في الأوسط (2532).

[3] - أحمد: 2 / 445، والترمذي (2526)، والدارمي (2821)، والطبراني (7111).

[4] - الطبراني في الأوسط (3701 ) ، وأبو نعيم في الحلية : 6 / 204 عن أبي سعيد ، وانظر مجمع الزوائد : 10 / 396 ، وحديث ابن عمر قال الهيثمي في مجمع الزوائد : 10 / 397 : رواه الطبراني بإسناد حسَّن الترمذي لرجاله .
 
أنهار الجنة
قال الله تعالى : ] مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً [ ( محمد : 15 ) .
فالماء ليس كماء الدنيا يتغير إذا مكث ؛ واللبن أنهار لم يخرج من ضرع ، ولا يجري عليه تغير لبن الدنيا ؛ والخمر خلقها الله في الجنة أنهارًا ، لم تصنع من فاكهة ، فهي لذة للشاربين ، ] لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ [ ( الواقعة : 19 ) .
روى أحمد والترمذي وصححه عن معاوية ابن حيدة t عن النبي e قال : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَحْرَ الْمَاءِ ، وَبَحْرَ الْعَسَلِ ، وَبَحْرَ اللَّبَنِ ، وَبَحْرَ الْخَمْرِ ، ثُمَّ تُشَقَّقُ الْأَنْهَارُ بَعْدُ " [SUP]( [1] ) [/SUP]؛ قال الطيبي - رحمه الله : خص هذه الأنهار بالذكر لأنها أفضل أشربة النوع الإنساني ، فالماء لريهم وطهورهم ، والعسل لشفائهم ونفعهم ، واللبن لقوتهم وغذائهم ، والخمر للذتهم وسرورهم ؛ وقُدِّم الماء لأنه حياة النفوس ، وثنى بالعسل لأنه شفاء ، وثلث باللبن لأنه الفطرة ، وختم بالخمر إشارة إلى أن من حرمه في الدنيا لا يحرمه في الآخرة[SUP] ( [2] ) [/SUP].


[1] - أحمد: 5 / 5، والترمذي (2571) وقال: حسن صحيح. ورواه عبد بن حميد (410)، والدارمي (2831)، والطبراني في الكبير: 19 / 424 (1032)، وابن حبان (7409).

[2] - نقلا عن ( فيض القدير ) : 2 / 466 .
 
درجات الجنة
روى أحمد والبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ ، وَأَقَامَ الصَّلاةَ ، وَصَامَ رَمَضَانَ ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ ، جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا " ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلا نُبَشِّرُ النَّاسَ ؟ قَالَ : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ ، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ ، وَأَعْلَى الْجَنَّةِ ، وفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ " [SUP]([1])[/SUP] ، ورواه الترمذي وابن ماجة والطبراني في الكبير عن معاذ رضي الله عنه نحوه [SUP]( [2] ) [/SUP]. ورواه أحمد والترمذي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه بنحوه أيضًا [SUP]( [3] ) [/SUP].
وروى أحمد والشيخان عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ الْغُرْفَةَ فِي الْجَنَّةِ كَمَا تَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ فِي السَّمَاءِ " [SUP]( [4] ) [/SUP].
وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عند الشيخين : " كَمَا تَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ فِي الْأُفُقِ الشَّرْقِيِّ أَوِ الْغَرْبِيِّ " ، وزاد : " لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ " قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، تِلْكَ مَنَازِلُ الْأَنْبِيَاءِ لا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ ؟ قَالَ : " بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ " [SUP]( [5] ) [/SUP]. ورواه أحمد والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه بنحو ذلك [SUP]( [6] ) [/SUP].


[1] - أحمد: 2 / 335، البخاري (2790، 7423).

[2] - رواه أحمد: 5 / 240، والترمذي (2529)، وابن ماجة (4331)، والطبراني في الكبير: 20 / 157 (327).

[3] - حديث عبادة رواه أحمد: 5 / 316، 321، والترمذي (2530)، والضياء في المختارة: 8 / 328 (396) وإسناده صحيح.

[4] - أحمد: 5 / 340، والبخاري (6555)، ومسلم (2830)، وابن حبان (209).

[5] - البخاري (3256)، ومسلم (2830، 2831).

[6] - أحمد: 2 / 335، 339، الترمذي (2556) وقال: حسن صحيح.
 
أعلى منزلة في الجنة
أعلى منزلة في الجنة مكان يقال له الوسيلة ، لقربه من العرش ، وهو مسكن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنة ، روى أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ " [SUP]( [1] )[/SUP] .

[1] - أحمد: 2 / 168، ومسلم (384)، وأبو داود (523)، والترمذي (3614)، والنسائي (678).
 
صفة الجنة وبعض ما فيها من النعيم
قال الله تعالى : { وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } ( الزخرف : 71 ) ، وروى أحمد والشيخان وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قَالَ اللَّهُ عز وجل : أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ، مِصْدَاقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ : { فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } ( السجدة : 17 ) " ، زاد أحمد ومسلم : " ذُخْرًا ، بَلْهَ مَا أَطْلَعَكُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ "[SUP]( [1] ) [/SUP]؛ ورواه أحمد ومسلم وأبو يعلى بنحوه عن سهل بن سعد رضي الله عنه [SUP]( [2] ) [/SUP].
وروى أحمد ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَنْعَمُ لا يَبْأَسُ ، لا تَبْلَى ثِيَابُهُ ، وَلا يَفْنَى شَبَابُهُ " ، زاد أحمد : " إنَّ فِي الْجَنَّةِ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ " [SUP]( [3] ) [/SUP].
وروى أحمد والشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، لا يَبْصُقُونَ فِيهَا ، وَلا يَمْتَخِطُونَ ، وَلا يَتَغَوَّطُونَ ، آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ ، أَمْشَاطُهُمْ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَمَجَامِرُهُمُ الْأَلُوَّةُ ، وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ ، يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنَ الْحُسْنِ ، لا اخْتِلافَ بَيْنَهُمْ وَلا تَبَاغُضَ ، قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا " لفظ البخاري ، زاد غيره : " أَخْلاقُهُمْ عَلَى خُلُقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، عَلَى طُولِ أَبِيهِمْ آدَمَ ، سِتُّونَ ذِرَاعًا " ، وفي رواية : " وَمَا فِي الْجَنَّةِ أَعْزَبُ " [SUP]( [4] )[/SUP] .


[1] - أحمد: 2 / 313، 466، البخاري (3244، 4779، 7498)، ومسلم (2824)، والترمذي (3197، 3292)، والنسائي في الكبرى (11085)، وابن ماجة (4328)، وغيرهم.

[2] - أحمد: 5 / 334، ومسلم (2825)، وأبو يعلى (7530).

[3] - أحمد: 2 / 369، ومسلم (2836).

[4] - أحمد: 2 /، والبخاري (3245)، ومسلم (2834).
 
وروى أحمد ومسلم وأبو يعلى عن جابر رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ ، وَلا يَتْفُلُونَ وَلا يَبُولُونَ وَلا يَتَغَوَّطُونَ وَلا يَمْتَخِطُونَ " قَالُوا : فَمَا بَالُ الطَّعَامِ ؟ قَالَ : " جُشَاءٌ وَرَشْحٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ ، يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ كَمَا تُلْهَمُونَ النَّفَسَ " [SUP]( [1] )[/SUP] .
وروى أحمد ومسلم والترمذي عن أبي سعيد وأبي هريرة - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يُنَادِي مُنَادٍ : إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلا تَسْقَمُوا أَبَدًا ، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلا تَمُوتُوا أَبَدًا ، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلا تَهْرَمُوا أَبَدًا ، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلا تَبْأَسُوا أَبَدًا ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ U : ] وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [ ( الأعراف : 43) " [SUP]( [2] )[/SUP] .
وروى أحمد والشيخان عن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إِنَّ لِلْمُؤْمِنِ فِي الْجَنَّةِ لَخَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ ، طُولُهَا سِتُّونَ مِيلا ، لِلْمُؤْمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ ، يَطُوفُ عَلَيْهِمُ الْمُؤْمِنُ فَلا يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا " لفظ مسلم [SUP]( [3] ) [/SUP].
وروى ابن ماجة والبزار والطبراني وابن حبان عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم لأصحابه : " أَلا مُشَمِّرٌ لِلْجَنَّةِ ؟! فَإِنَّ الْجَنَّةَ لا خَطَرَ لَهَا ، هِيَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ نُورٌ يَتَلأْلأُ ، وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ ، وَقَصْرٌ مَشِيدٌ ، وَنَهَرٌ مُطَّرِدٌ ، وَفَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ نَضِيجَةٌ ، وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ ، وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ ، فِي مَقَامٍ أَبَدًا ، فِي حَبْرَةٍ وَنَضْرَةٍ ، فِي دُورٍ عَالِيَةٍ سَلِيمَةٍ بَهِيَّةٍ " قَالُوا : نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : " قُولُوا : إِنْ شَاءَ اللَّهُ " ثُمَّ ذَكَرَ الْجِهَادَ وَحَضَّ عَلَيْهِ [SUP]( [4] )[/SUP] .
وروى أحمد ومسلم عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ ، فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ فَتَحْثُو فِي وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ ، فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالا ، فَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ وَقَدِ ازْدَادُوا حُسْنًا وَجَمَالا ، فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ : وَاللَّهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالا ، فَيَقُولُونَ : وَأَنْتُمْ وَاللَّهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالا " [SUP]( [5] ) [/SUP].
هذا غيض من فيض ما أعده الله تعالى من نعيم لعباده المؤمنين أهل الجنة ، ولولا أن منهجنا هنا على الاختصار لتوسعنا في وصف الجنة ونعيمها ، ويكفي ما تقدم من قوله تعالى : { وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " قَالَ اللَّهُ تعالى : أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ " … اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى يا أكرم الأكرمين .

[1] - أحمد: 3 / 316، ومسلم (2835)، وأبو يعلى (1906).

[2] - أحمد: 2 / 319، 3 / 38، 95، ومسلم (2837)، والترمذي (3246).

[3] - أحمد: 4 / 411، والبخاري (4879)، ومسلم (2838). وأبو يعلى (7332)، وابن حبان (7395).

[4] - ابن ماجة (4332). ورواه البزار (2591)، والطبراني في الكبير: 1 / 162 (388)، وابن حبان (7381).

[5] - أحمد: 3 / 284، ومسلم (2833).
 
النار دار الفجار
الحديث عن النار تنخلع له القلوب ، ويهتز منه الوجدان ، وتذرف العيون ، إنه حديث عن عذاب لا يطيقه أحد من الثقلين ، ولا يحتمله أحد من المخلوقات ؛ فاللهم أجرنا من النار .
صفة مجيء النار يوم القيامة
قال الله تعالى : { وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى . يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } (الفجر : 23 ، 24 ) .

وروى مسلم والترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا " [SUP]( [1] ) [/SUP].


[1] - مسلم (2842) والترمذي (2573).
 
أبواب جهنم
قال الله تعالى : { وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ . لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ } ( الحجر : 43 ، 44 ) .
وقد مر حديث عتبة بن عبد السلمي الذي رواه أحمد وابن حبان وغيرهما وفيه : " وَأُدْخِلَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَ ، فَإِنَّ لَهَا ثَمَانِيَةَ أَبْوَابٍ ، وَلِجَهَنَّمَ سَبْعَةَ أَبْوَابٍ " .
وروى أحمد والترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لِجَهَنَّمَ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ ، بَابٌ مِنْهَا لِمَنْ سَلَّ السَّيْفَ عَلَى أُمَّتِي ، أَوْ قَالَ : عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ " [SUP]( [1] ) [/SUP].


[1] - أحمد: 2 / 94، الترمذي (3123)، وإسناده ضعيف، ويشهد للجزء الأول منه حديث عتبة السلمي.
 
شدة حرها
قال الله تعالى : { قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ } ( التوبة : 81 ) ؛ وروى مالك وأحمد والشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ " ، قَالُوا : وَاللَّهِ ، إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً يَا رَسُولَ اللَّهِ ! قَالَ : " فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا ، كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا " [SUP]( [1] ) [/SUP]، وفي رواية لأحمد وابن حبان : " وَضُرِبَتْ بِالْبَحْرِ مَرَّتَيْنِ ، وَلَوْلا ذَلِكَ مَا جَعَلَ اللَّهُ فِيهَا مَنْفَعَةً لِأَحَدٍ " [SUP]( [2] ) [/SUP]، أي : نار الدنيا .
وروى مالك عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : أترونها حمراء كناركم هذه ؟! لهي أسود من القار . والقار : الزفت [SUP]( [3] )[/SUP] .


[1] - مالك: 2 / 994 (1)، ومن طريقه البخاري (3265)، ومسلم (2843)، ورواه وأحمد: 2 / 467، 478، والترمذي (2589)، والدارمي (2842) من طرق أخرى به.

[2] - أحمد: 2 / 244. ورواه ابن حبان (7463)، وإسناده صحيح.

[3] - الموطأ: 2 / 994 (1805).
 
في بعد قعرها
روى أحمد ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذْ سَمِعَ وَجْبَةً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " تَدْرُونَ مَا هَذَا ؟ " ، قَالَ : قُلْنَا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ! قَالَ : " هَذَا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ فِي النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا ، فَهُوَ يَهْوِي فِي النَّارِ الْآنَ ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَعْرِهَا " [SUP]( [1] ) [/SUP].
وروى الحاكم وصححه ووافقه الذهبي عن أبي هريرة رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " والذي نفس محمد بيده ، إن قَدْرَ ما بين شفير النار وقعرها كصخرة زنتها سبع خلفات بشحومهن ولحومهن وأولادهن ، تهوي فيما بين شفير النار وقعرها ، إلى أن تقع قعرها سبعين خريفا " [SUP]( [2] ) [/SUP].
وروى أحمد والترمذي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لَوْ أَنَّ رَصَاصَةً مِثْلَ هَذِهِ - وَأَشَارَ إِلَى مِثْلِ الْجُمْجُمَةِ - أُرْسِلَتْ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ، وَهِيَ مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ لَبَلَغَتِ الْأَرْضَ قَبْلَ اللَّيْلِ ، وَلَوْ أَنَّهَا أُرْسِلَتْ مِنْ رَأْسِ السِّلْسِلَةِ لَسَارَتْ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ أَصْلَهَا أَوْ قَعْرَهَا " [SUP]( [3] ) [/SUP].
اللهم سلِّم سَلِّم .


[1] - أحمد: 2 / 371، ومسلم (2844).

[2] - الحاكم: 4 / 639 (8767).

[3] - أحمد: 2 / 197، والترمذي (2588) وقال: إسناده حسن صحيح. ورواه الحاكم: 2 / 476 (3640) وصححه.
 
في حال أهلها وما فيها من ألوان العذاب
اعلم – أجارني الله وإياك من النار – أن في النار ألوانًا وأشكالًا من العذاب ، فطعام أهلها عذاب ، وشرابهم عذاب ، ولباسهم عذاب ، وفراشهم عذاب ، وغطاؤهم عذاب ، قال الله تعالى : { هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ . وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ } ( ص : 57 ، 58 ) .
أما طعامهم : فالزقوم ، وغسلين ، وغساق ، وضريع ، وطعام ذو غصة .
والزقوم شجرة في النار ، وهي الشجرة الملعونة في القرآن ، وصفها الله تعالى فقال : { إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ. طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ. فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ . ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ } ( الصافات: 64 – 67 ) ، وقال تعالى: { إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ . طَعَامُ الْأَثِيمِ .كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ . كَغَلْيِ الْحَمِيمِ } ( الدخان : 43 : 46 ) .
وروى أحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ : { اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } ( آل عمران : 102 ) ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :" لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الزَّقُّومِ قُطِرَتْ فِي دَارِ الدُّنْيَا لأَفْسَدَتْ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا مَعَايِشَهُمْ ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَكُونُ طَعَامَهُ ؟! " [SUP]( [1] ) [/SUP].
وأما الغسلين ، فقيل : هو الزقوم ، وقيل: صديد أهل النار ، وقيل : الدم والماء يسيل من لحومهم .
قال ابن جرير - رحمه الله : وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول : كل جرح غسلته فخرج منه شيء ، فهو غسلين ، فعلين من الغسل من الجراح والدبر ، وزيد فيه الياء والنون بمنزلة عفرين .ا.هـ ، وذكره البخاري في صحيحه [SUP]( [2] )[/SUP] .
وروى الحاكم وصححه ووافقه الذهبي عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : { بماء كالمهل } قال : " كعكر الزيت ، فإذا قرب إليه سقطت فروة وجهه ، ولو أن دلوًا من غسلين يهراق في الدنيا لأنتن بأهل الدنيا " [SUP]( [3] ) [/SUP].
وأما الغساق ، فيقال : عينه تغسق ، أي : تسيل ، والمراد في الآية ما سال من أهل النار من الصديد ، رواه الطبري من قول قتادة وإبراهيم وعطية بن سعد وغيرهم .
وقيل : الغساق : البارد الذي يحرق ببرده ، رواه - أيضًا - من قول ابن عباس ومجاهد وأبي العالية [SUP]( [4] ) [/SUP].
قال أبو عبيد الهروي - رحمه الله : من قرأه بالتشديد أراد السائل ، ومن قرأه بالتخفيف أراد البارد .ا.هـ [SUP]( [5] ) [/SUP].
وروى أحمد والترمذي وأبو يعلى والحاكم وصححه ووافقه الذهبي عن أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعًا : " لو أن دلوًا من غساق يهراق إلى الدنيا لأنتن أهل الدنيا " [SUP]( [6] ) [/SUP].
وأخرج الطبري من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما موقوفًا : الغساق : القيح الغليظ ، لو أن قطرة منه تهراق بالمغرب ، لأنتن أهل المشرق ، ولو تهراق بالمشرق ، لأنتن أهل المغرب [SUP]( [7] ) [/SUP].
وأما الضريع : فقال تعالى : { لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ . لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ } ( الغاشية : 6 ، 7 ) ؛ قال ابن جرير - رحمه الله : والضريع عند العرب نبت يقال له الشبرق ، وتسميه أهل الحجاز الضريع إذا يبس ، وهو سم .ا.هـ [SUP]( [8] )[/SUP].
وقيل الضريع : الشوك من النار .
وأما قوله تعالى : { وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ } ( المزمل : 13 ) ، أي : وطعامًا يغص به آكله ، فلا هو نازل عن حلقه ، ولا هو خارج .
وروى الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما : { وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ } ، قال : شوكًا يأخذ بالحلق ، لا يدخل ، ولا يخرج [SUP]( [9] ) [/SUP].


[1] - أحمد: 1 / 300، 338، والترمذي (2585)، والنسائي في الكبرى (11070)، وابن ماجة (4325)، وابن حبان (7470) والحاكم: 2 / 294 وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.

[2] - انظر تفسير ابن جرير: 29 / 65. وانظر فتح الباري: 6 / 331 في ترجمة باب (صفة النار).

[3] - الحاكم: 2 / 544 (3850) دار الكتب العلمية.

[4] - انظر تفسير ابن جرير: 23 / 177.

[5] - انظر فتح الباري: 6 / 331.

[6] - أحمد: 3 / 28، 83، والترمذي (2584)، وأبو يعلى (1381)، والحاكم: 4 / 644 (8779).

[7] - انظر تفسير ابن جرير: 30 / 14.

[8] - انظر تفسير ابن جرير: 30 / 161.

[9] - الحاكم: 2 / 549 (3867) وصححه ووافقه الذهبي.
 
وأما شرابهم فحميم ، وهو الماء الحار ، قال الله تعالى : { ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ } ( الصافات : 67 ) ، وقال عز وجل : { وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا } ( الكهف : 29 ) ، وقال جل وعلا : { مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ . يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ } ( إبراهيم : 16 ، 17 ) ، وقال سبحانه : { يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ. يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ. وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ } ( الحج : 19 : 21 ) .
روى أحمد والترمذي والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه وتلا قول الله عز وجل : { فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ } فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إِنَّ الْحَمِيمَ لَيُصَبُّ عَلَى رُءُوسِهِمْ ، فَيَنْفُذُ الْحَمِيمُ حَتَّى يَخْلُصَ إِلَى جَوْفِهِ ، فَيَسْلِتُ مَا فِي جَوْفِهِ حَتَّى يَمْرُقَ مِنْ قَدَمَيْهِ ، وَهُوَ الصَّهْرُ ، ثُمَّ يُعَادُ كَمَا كَانَ " [SUP]( [1] ) [/SUP].
وروى الترمذي من طريق قطبة بن عبد العزيز عن الأعمش عن شمر بن عطية عن شهر بن حوشب عن أم الدرداء عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يلقى على أهل النار الجوع ، فيعدل ما هم فيه من العذاب ، فيستغيثون ، فيغاثون بطعام من ضريع ، لا يسمن ولا يغني من جوع ، فيستغيثون فيغاثون بطعام ذي غصة ، فيذكرون أنهم يجيزون الغصص في الدنيا بالشراب ، فيستغيثون بالشراب ، فيدفع إليهم بكلاليب الحديد ، فإذا دنت من وجوههم شوت وجوههم ، فإذا دخلت بطونهم قطعت ما في بطونهم ، فيقولون : ادعوا خزنة جهنم ، فيقولون : { أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ } ( غافر : 50 ) ، قال: فيقولون : ادعوا مالكًا ، فيقولون : { يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ } ( الزخرف : 77 ) ، قال : فيجيبهم { إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ } ( قال الأعمش : نبئت أن بين دعائهم وبين إجابة مالك إياهم ألف عام ) قال : " فيقولون : ادعوا ربكم ، فلا أحد خير من ربكم ، فيقولون : { قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ . رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ } ( المؤمنون : 106 ، 107 ) ، قال : فيجيبهم { اخسئوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ } (المؤمنون : 108 ) ، قال : " فعند ذلك يئسوا من كل خير ، وعند ذلك يأخذون في الزفير والحسرة والويل " [SUP]( [2] )[/SUP] .


[1] - أحمد: 2 / 374، والترمذي (2582). والحاكم: 2 / 387 وصححه، ووافقه الذهبي. وإسناده حسن.

[2] - الترمذي (2586). وروى الموقوف ابن أبي شيبة (34129) وإسناده حسن، وابن جرير في تفسيره: 18 / 59.
 
عودة
أعلى