محمد محمود إبراهيم عطية
Member
من مشاهد يوم القيامة
فالإيمان باليوم الآخر وما يشتمل عليه من أصول الإيمان الذي لا يصح إيمان عبد إلا به، فالساعة حق ومجيئها حتم، ] يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيد[ (الشورى: 18).
والحديث عن اليوم الآخر حديث عن العدل المطلق ، لأنه اليوم الذي ترد فيه الحقوق إلى أهلها، ويقتص فيه من الظالم للمظلوم، ومن الحاكم للمحكوم، ومن القوي للضعيف. يومٌ ليس فيه رشوة ولا واسطة ولا شفاعة لظالم ولا ملك لأحد إلا لله تعالى: ] يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ. الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ[ (غافر: 16، 17) . يومٌ يتمنى الظالم أن لم يكن ظلم ، ] يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ[ (آل عمران: 30) .
واليوم الآخر هو ذلك اليوم الذي يجمع الله فيه الأولين والآخرين ، ليوقفوا في مشهد مهيب رعيب في انتظار الفصل بينهم ، ] يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ[ (إبراهيم: 48). يومٌ تدنو فيه الشمس من الرؤوس، ويبلغ العرق فيه عند بعض العباد إلى الآذان، وينسى فيه الخليل خليله، ويفر فيه الحبيب من حبيبه: ] يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ. وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ. وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ. لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ[ (عبس: 34: 37). يومٌ تنكس فيه رؤوس المجرمين ] خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ[ (الشورى: 45) ، ] وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ[ (السجدة: 12). يومٌ تخشع فيه الأصوات فلا يُسمع من هذا الجمع العظيم إلا همسًا ] يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا[ (طـه: 108). يومٌ يتمنى فيه الكافر أن يعود إلى الدنيا ليؤمن ] وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ[ (الأنعام: 27، 28) .
إنه يوم الخروج ] يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ[ (المعارج: 43) ، ] خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ[ (القمر: 7) .
ويوم الحاقة الذي يحق فيه الحق ، وقيل لأنه لا شك فيه .
ويوم القارعة التي تقرع الخلائق بأهوالها وأفزاعها .
ويوم الجمع الذي يجمع فيه الأولون والآخرون .
ويوم الفصل الذي يفصل فيه بين الخلائق .
ويوم الحساب الذي يحاسب فيه كل أحد بما كسب ] الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ[ (غافر: 17) .
ويوم التلاق الذي يتلاقى فيه الأولون والآخرون ، ويلتقي فيه أهل السماء بأهل الأرض، ويلتقي فيه الظالم بالمظلوم .
ويوم الحسرة : يوم يتحسر الجميع مؤمنهم وكافرهم ، طائعهم وعاصيهم ، فالمؤمن الطائع يتحسر أن لم يزدد من طاعته ، والعاص يتحسر على معصيته ، والكافر يتحسر أن لم يكن آمن ، ] وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ. إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ[ (مريم: 39، 40) .
ويوم التناد يوم ينادي الناس بعضهم بعضًا ؛ فينادي أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم ، وينادي أصحاب الجنة أصحاب النار: ] أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا[ (الأعراف: 44)، وينادي أصحاب النار أصحاب الجنة: ] أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّه[ (الأعراف: 50) ، وتنادي الملائكة أصحاب الجنة : ] أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ[ (الأعراف: 43) إلى غير ذلك من النداءات .
ويوم التغابن لأنه غبن فيه أهل الجنة أهل النار ، أي أن أهل الجنة أخذوا الجنة وأخذ أهل النارِ النار على طريق المبادلة ؛ فوقع الغبن لأجل مبادلتهم الخير بالشر والنعيم بالعذاب . يقال : غبنت فلانا إذا بايعته أو شاريته فكان النقص عليه والغلبة لك .
ويوم الوعيد وهو الذي توعد الله تعالى فيه الكافرين بالنار والعاصين بالعذاب .
ويوم الخلود ، أي : يوم يخلد أهل الجنة في الجنة ، في نعيم مقيم ؛ ويخلد أهل النار في النار ، في عذاب مقيم .
] إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ [ (هود: 103).
ولحكمة أرادها الله تعالى جاء ذكر الساعة في كثير من سور القرآن ، طوالها وأوساطها وقصارها ، كما جاء في السورة التي يقرأها كل المسلمين في كل ركعة من صلاتهم : ] مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [ (الفاتحة: 4) .
ولعل ذلك للتذكير بها في كل وقت ، مما يجعل المسلم في مراقبة دائمة لله تعالى .