من بديع كنايات القرآن :(الليل والنهار=الأرض)

إنضم
20/04/2003
المشاركات
566
مستوى التفاعل
24
النقاط
18
من بديع كنايات القرآن :(الليل والنهار=الأرض)

هذه الكناية تعكس القوة البيانية في القرآن الكريم مع حصافة الاحتراز...

الأرض قد يقصد بها البسيطة الذي يحيي فيها الإنسان، فتدل على التربة التي يمشي عليها ويحرثها ويزرعها ويستخرج منها ما يحتاجه من ماء ومعدن وغيرها...وهي بهذا المعنى موجودة في الجنة أيضا:

وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [الزمر : 74]

فالأرض الموروثة للصالحين هي أرض الجنة التي تجري فيها الأنهار وتنبت فيها الأشجار وتأتيهم بما شاؤوا من ظلال وثمار....

والأرض قد يقصد بها الجرم الفلكي السابح في الفضاء ...وعندما يريد القرآن هذا المعنى فإنه يكني عنها بالليل والنهار...لأنهما من لوازم الأرض لا ينفكان عنها.

سنقرأ الآيات التالية على ضوء هذه الفرضية:

وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ [إبراهيم : 33]

وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [النحل : 12]

وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [الأنبياء : 33]

لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [يس : 40]



1-

وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [الأنبياء : 33]

لو جعلنا الأرض- تصريحا - مكان الليل والنهار لاستقام المعنى أيضا (خلق الأرض والشمس والقمر كل في فلك يسبحون) ولربما زال إشكال مرجع كلمة (كل) الدالة على الجمع لأن القياس يقتضي أن يستعمل المثنى، فيقال :

(كلاهما في فلك يسبحان)

لأن الأمر يتعلق بالشمس والقمر، فأما الليل والنهار فلا يصح أن يقال عنهما ذلك لأنهما وضعان أو حالتان أو عرضان ، لا يسبحان في الفلك استقلالا بل تبعا للجسم السابح وهو الأرض- وهما لا ينفكان عنها –

إن قلت فما الحكمة في العدول عن التصريح إلى الكناية؟

نقول هناك حكمة بلاغية عالية...عبرت عنها قولة لعلي ابن أبي طالب:

عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: "حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يُكذَّب اللهُ ورسولهُ؟".

[صحيح] - [أخرجه البخاري]

فلو قال (خلق الأرض والشمس والقمر كل في فلك يسبحون) لكان القول صادما للمتلقين في ذلك الزمن ، كيف تسبح الأرض في الفلك وهي ثابتة تحت أقدامهم! ومن ثم كانت بلاغة الكناية القرآنية : تقديم الحق ولا شيء غير الحق بما لا يصدم حسا ولا عقلا عند الناس.... أتريدون أن يُكذَّب اللهُ ورسولهُ؟
 
لا يجوز العبث بالكلمات اعتباطا هكذا.
وقد صدقه الصحابة فيما هو أعظم وأغرب (قيامة الموتى، المعراج) فلو أراد إخبارهم عن دوران الأرض لأخبرهم ولصدقوه.. وهم أقوى إيمانا من الناس اليوم!

والاستبدال المقترح فاسد لا يطرد في باقي الآيات أصلا:
"فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ"
(عند ربك)
"وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ"
(مكر الأرض؟!)
"وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ" (مثنى)
"وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا"
(صريح في أنه اختلاف زمان لا مكان. فقيام الليل يتطلب أن تنتظر وقته لا أن تسافر لجزء ليلي من الأرض!)

أظنني قبل سنوات رددت أيضا على هذا هنا في الملتقى، عند الكلام عن ابن عاشور وكزابر.
 
أنا من المتابعين للسيد الشهير بعبد المعز ومنشوراته يؤخذ منها ويرد فهو عندما يتحدث في التفسير البياني لبعض صور القرآن أخذ منه الكثير ولكن في منشورات أخرى أرد عليه الكثير ومن بينها هذا المنشور والذي أجد أن الأخ الفاضل محمد سلامة المصري قل كل ما كنت سأقول مع فارق في اللهجة فأنا أكن الود والمودة للشهير بعبد المعز وأرى الأمر اجتهاد قابل للنقاش والنقاش مضبوط بقاعدة إن كنت ناقلا فالصحة وإن كنت مدعيا فالدليل وعندها نناقش القول لا القائل. وعبد المعز والأخ سلانة محمد كتبا ما متباه حبا في القرآن وللمصيب أجران وللمخطئ أجر الاجتهاد.
 
2-

وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [النحل : 12]

الآية تضيف إلى المشهد (النجوم) استقصاء لما يراه الإنسان من الأجرام الفلكية...فيبقى الجرم الغائب من المشهد هو الأرض...لكن لو استحضرناها من خلال الكناية الدالة عليها لاكتمل المشهد وانسجم :

(سخر لكم الأرض والشمس والقمر والنجوم ......)

ولاحاجة للتذكير بأن المبتديء في علم البلاغة قد يعلم أن الفرق بين الاستعارة والكناية يتمثل في كون الأولى لا يمكن فيها المعنى الحقيقي أما الثانية فيجوز فيها الحمل على المعنيين: فلك في "الليل والنهار" الحمل على المعني المعجمي الظاهر، ولك الحمل على لازم المعنى (الكناية عن الأرض) إذا إشارت إليها القرائن....ومنها قرينة الاتساق كما في هذه الآية...
 
- التفسير بالباطن هكذا باب شر عظيم. فلعل الإعجازيون يبدؤون بتغيير "الليل والنهار" إلى "الأرض" فينتهي الطواف إلى تغيير "الجبت والطاغوت" إلى أبي بكر وعمر!!

- خلق الأرض مستقل عن خلق النور والظلمة.
"الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ"
 
3-

وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ [إبراهيم : 33]

سخر ذكرت مرتين والمسخرفي كل مرة زوجان: الشمس والقمر، و الليل والنهار...ونلمح في الترتيب ما سمي ب(اللف والنشر غير المرتب) اعتبارا لكون الشمس آية النهار والقمر آية الليل:

وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا [الإسراء : 12]

وذكر غاية علم السنين والحساب يرجح أن الإضافة في (آيَةَ اللَّيْلِ وَ آيَةَ النَّهَارِ) حقيقية وليست بيانية ،لأن علم السنين والحساب مؤشر بالشمس والقمر لا بالليل والنهار:

هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [يونس : 5]

ونشير بالمناسبة إلى أن الضياء والنور أعم مطلقا من الليل والنهار...فضوء النهار وظلمة الليل ناتجة عن الحركة الفلكية فقط فلا يقال نهار إلا بالنظر إلى وضع جرم فلكي (غير مضيء إضاءة ذاتية ) بالنسبة إلى أجرام أخرى مضيئة أو منيرة....أما الظلمات والنور فهي عامة : فقد توقد مصباحا في الليل فتحصل على ضوء في الليل ولا تقول – على الحقيقة- حصلت على نهار في الليل!

هذا، ويجوز في آية ابراهيم أن يكون التسخير الثاني متعلقا بالأرض على سبيل الكناية لأن الليل والنهار يتولدان عن الحركة الفلكية للأرض ولا ينفصلان عنها البتة فإن قلت "أرض" فقد قلت "الليل والنهار" لزاما.
 
4-

لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [يس : 40]

"وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ"

أرى- والله أعلم- أن الإشارة هنا إلى المكان لا إلى الزمان والإخبار بالاسمية ( سابق) بدل الفعلية (يسبق) يدل على أن نفي السبقية من الصفات الجوهرية الثابتة وليس من الأحداث المتجددة فكأن التقدير ليس من شأن الليل في خلقته التكوينية أن يسبق النهار...

لكننا قد نقول إن العقل يفترض – بل يلزم- سبق الليل للنهار أوسبق النهارلليل ،ألا ترى أن ليلة الإثنين سابقة لنهار الثلاثاء ونهار الثلاثاء سابق لليلة الأربعاء، بل إن التعاقب من مقومات ماهية الزمن ولا بد في التعاقب من سابق ولاحق وما التعاقب إلا حصول شيء بعد شيء...

لكننا لو حملنا عبارة "وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ" على المكانية لكان النفي معقولا لأن التجاور من شأن المكان مثلما أن التعاقب من شأن الزمان...فالأرض في أية لحظة أو وضع يكون لها شطر مواجه للشمس فهو النهار وشطر لا يواجهها فهو الليل فهما متجاوران لا متعاقبان، فصح نفي سبق إحدهما للآخر!

بل هناك أمر بلاغي آخر وهو الاتفاق على أن التأسيس مقدم على التوكيد : فعبارة النفي "وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ" معطوفة على نفي سابق" لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ"...وقد يقول قائل وهل العكس ممكن أي هل يسبق القمر الشمس...الجواب متضمن في الجملة الموالية "وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ" كأنه قال "ولا القمر ينبغي له أن يدرك الشمس" لأن القمر آية الليل والشمس آية النهار كما سبقت الإشارة...هذا من باب التوكيد ، ولو جعلنا الليل والنهار كناية على الأرض لتأسس معني جديد - من جهة - ،ولاتسق - من جهة أخرى - مع الجمع في تذييل الآية "كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ " فقد انضاف جرم ثالث إلى المثنى الشمس والقمر...أما نسبة السباحة في فلك لليل النهار باعتبارهما زمنين فغير وارد كيف يسبحان مستقلين في فلك بدون جوهر حامل لهما!!
 
ما الفلك الذي تسبح فيه الأرض بحيث ينتج عن السباحة ليل ونهار؟!
الدوران حول الذات Rotation لا يستقيم مع وصف الفلك Orbit
 
الأطفال الذين يلعبون لعبة الخذروف spinning top يعلمون أن الخذروف يدور حول نفسه وفي الوقت ذاته لا يبقى في مكان واحد وإنما يتحرك وفق مساردائري Orbit

حركة الأرض حول نفسها Rotation ينتج عنها تعاقب الليل والنهار ، وحركتها في المدار الفلكي ( دون أن تكف عن الدوران حول نفسها )ينتج عنها تعاقب الفصول .انتهى END.
 
إذن ينهار قولك الأصلي، حيث لا علاقة بين تعاقب الليل والنهار وبين دوران الأرض في فلك حول الشمس.
أما الترنح oscillation فشيء مختلف لا علاقة له بهذا ولا ذاك!
 
فعلا الحوار انتهى لقد وصل إلى طريق مسدود، لذا أقترح أن ترجعا أدراجكما وتسلكان مسلكا آخر، كجمع أقوال السلف في المسألة والاحتجاج بها على صحة رأي كل منكما.
 
قول السلف في التمييز بين "الليل والنهار" وبين "الأرض" معروف.
في أول الأنعام: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ"
وفي الطبري: "الظلمات ظلمة الليل, والنور نور النهار"
فالليل والنهار هما ما يسبحان حول الأرض في فلك، أما دوران الأرض في فلك حول الشمس فلا علاقة له بالتعاقب اليومي لليل والنهار!

"لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ"
"وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ"
فذكر الفلك هنا مرتبط بالليل والنهار، لا بالشتاء والصيف!
فأين هذا الفلك المزعوم الذي تدور فيه الأرض فيحدث الليل والنهار؟! الدوران حول الذات ليس دورانا "في" فلك. حرف الجر هنا ييشير لانتقال الجسم الدائر من موضع لموضع، في "تراك" مستدير كالعدائين. فكيف نربط الدورة السنوية للأرض حول الشمس بظاهرة الليل والنهار اليومية؟!
(كل هذا بفرض صحة الكوبرنيكية أصلا، تنزلا مع صاحب القول، كي لا نعقد عليه الأمور أكثر)

لا يجوز تبديل كلمات الله عشوائيا هكذا، فنحذف الليل والنهار ونضع الأرض مكانهما، ثم نتهم الصحابة بأن مستوى إيمانهم كان ضعيفا مهزوزا لم يكن يسمح بالتصريح لهم بالمعنى الحقيقي "الصادم"، بينما إيماننا اليوم أقوى فيسمح لنا بفهم المعنى الباطني المكني المخفي! هل هذا قول يعقل؟!
إن كان إيمان الأعراب وقتها ضعيفا، فهل ينطبق نفس الشيء على إيمان عمر وابن عباس؟!
 
5-

بلغت قوة ارتباط الأرض بالشمس والقمر أنه عندما يذكر الاخيران تستحضر الأولى في الذهن، وإن لم يجر لها ذكر باللفظ كما في مطلع سورة الشمس:

وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا. وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا. وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا . وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا [الشمس]

ما مرجع الضمير في جَلَّاهَا

اختلفت أقوال المفسرين في تعيين مرجع الضمير المنصوب :

فقال قوم الضمير في "جلاها" للشمس؛

قال قوم الضمير في "جلاها" للظلمة؛

قال قوم الضمير في "جلاها" للأرض.

نحن اخترنا المذهب الثالث للاعتبارات التالية:

1-

الظاهر عودة الضمير على ( الشمس) لأنها المؤنث الوحيد قبل ورود ضمير التأنيث ، فلا تصح الإشارة إلا إليها ، فضلا عن كونها قد عاد الضميرعليها في الجملة الثانية : "وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا" ...لكن الإشكال في الدلالة: كيف يجلي النهار الشمس والشمس علة للنهار نفسه! نعم ، يصح أن يقال الريح جلت الشمس إذا كانت محتجبة بالغيوم فجاءت الريح لتدفع الغيمة عن قرص الشمس لكن لا يعقل الاسناد إلى النهارلأنه لا يسمى نهارا إلا بشرط وجود الشمس... وقد وقع في هذا الوهم بعض من المفسرين قال القرطبي:

وقال قوم: الضمير في "جلاها" للشمس؛ والمعنى: أنه يبين بضوئه جرمها.

قلت وهذه غفلة منهم فضوء النهار مستمد من الشمس نفسها، فيؤول المعني إلى لغو من قبيل: النهار يبين الشمس بضوء الشمس ، حيث المبين (بالكسرة) هو نفسه المبين (بالفتحة)

2-

إذا عاد الضمير على الظلمة فلا إشكال في أن لم يجر لها ذكر؛ ومثله قوله تعالى: "حتى توارت بالحجاب" و"أمطرت صباحا" فالأمر المعروف جدا قد يستغنى عن ذكره لكن الإشكال في المعنى كما سبق في الشمس" الليل يغشى الليل..."

3- وأقوم الأقوال ما رجحه ابن كثيرقال:

(قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَتَأَوَّلُ ذَلِكَ بِمَعْنَى: وَالنَّهَارُ إِذَا جَلَّا الظُّلْمَةِ، لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهَا.

قُلْتُ: وَلَوْ أَنَّ هَذَا الْقَائِلَ تَأَوَّلَ ذَلِكَ بِمَعْنَى {وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا} أَيِ: الْبَسِيطَةُ، لَكَانَ أَوْلَى، وَلَصَحَّ تَأْوِيلُهُ فِي قَوْلِ اللَّهِ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا} فَكَانَ أَجْوَدْ وَأَقْوَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.)
 
بل لا إشكال في إجراء الضمير على سياقه الطبيعي: النهار يجلي الشمس.
ففي الفضاء الخارجي ظلام، على الرغم من مرور أشعة الشمس خلاله قبل أن تصل للغلاف الجوي الأرضي!
ولو نظرت لصورة الشمس الملتقطة من خارج طبقة النهار لرأيتها مجرد قرص يحيطه السواد، بينما الناظر لها من داخل غلاف الأرض يراها مشرقة منيرة لما حولها، مجلية.
 
عودة
أعلى