من أسرار مفردات القرآن: القرية/المدينة

إنضم
20/04/2003
المشاركات
571
مستوى التفاعل
24
النقاط
18
من أسرار مفردات القرآن: القرية/المدينة

يمكن رأب الصدع بين الفريقين :مثبتي الترادف في القرآن ونافيه باستثمار التمييز الهام الذي أقامه المنطقي "فريجة" بين "المرجع" و"المعنى" أو بين "التعيين" و"الدلالة"...فالمرجع هو الشيء الذي يشير إليه اللفظ ويعيِّنه -ماديا أكان أم غيره-والدلالة هو ما يفهم من اللفظ ،أو قل إن التعيين يربط اللفظ بالشيء في العالم الخارجي، أما الدلالة فهي تربط بين اللفظ والصورة الذهنية:
"مكة" و "أم القرى" اسمان يعينان مرجعا واحدا-هي المدينة المقدسة مبعث خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم -ومن هذا المنظور يمكن أن نحكم بترادف الاسمين...
لكن دلالة "أم القرى" تختلف عن دلالة "مكة" فقد يكون في أحد الاسمين –مثلا-من الثناء والتمجيد ما لا يوجد في الثاني...فلا نحكم من هذا المنظور بالترادف..
وكذلك "الزمخشري" و"صاحب الكشاف"، مترادفان من حيث الإشارة إلى مرجع موحد ،لكن اسم "صاحب الكشاف" يشمل لوازم دلالية غير موجودة في اسم "الزمخشري" من قبيل وجود كتاب ،عنوانه الكشاف ،وله مؤلف....فلا ترادف من هذه الجهة.
والمثال المشهور الذي وظفه "فريجة" للبيان هو :
نجمة الصباح، ونجمة المساء،
فالعبارتان تحيلان على جرم سماوي واحد هو كوكب "الزهرة "،فالترادف قائم ...
لكن الدلالة في العبارتين ليست مختلفة فحسب، بل هي متضادة!!
ومن دلائل اختلاف جهة التعيين عن جهة الدلالة أنه يمكن حمل أحد الطرفين على الآخر فيقال:
مكة هي أم القرى،
الزمخشري هو صاحب الكشاف،
نجمة الصباح هي الزهرة،
ولكن لا يحمل اللفظ على نفسه ، فلا يقال :
مكة هي مكة ،
ولا أم القرى هي أم القرى،
أو الزمخشري هو الزمخشري...
فهذه العبارات لغو محض، غير مقروءة إلا بتأويل.
على هذه القاعدة من التمييز يمكن المصالحة بين الفريقين فمن قال بالترادف كان ينظر إلى "المرجع"، ومن أنكر الترادف كان ينظر إلى" الدلالة" فآل الخلاف إلى الخلاف اللفظي.
بوسعنا الآن -إذا تقرر هذا المدخل النظري –أن نلمح العلاقة بين "المدينة " و"القرية" في المعجم القرآني..
أولا:
الكلمتان مترادفتان باعتبار التعيين، نقول هذا مستأنسين بموضعين في التنزيل من سورتي" الكهف" و"يس":
{فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا}[الكهف : 77]
{وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا}[الكهف : 82]
الآيتان وردتا في سياق واحد ،والظاهر أن الحديث عن تجمع سكني واحد سماه "قرية "وسماه "مدينة"، ومن المستبعد جدا أن يكون الغلامان يسكنان في مدينة وجدارهما في أخرى....وهذا الاحتمال -على ضعفه - لايمكن أن يرد على الشاهد من سورة يس:
{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ}[يس : 13]
{وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ}[يس : 20]
لا شك أن الحديث عن مكان واحد فالقرية هي عينها المدينة التي جاء الرجل المؤمن من أقصاها لينصح قومه وهم أصحاب القرية الذين جاءهم المرسلون....
فلا مناص إذن من الحكم بترادف الكلمتين من جهة انطباقها على مصداق خارجي واحد.
ثانيا:
الكلمتان متباينتان باعتبار الدلالة...
وهذا ما سنبينه-بحول الله- من بعد، فالشواهد كثيرة وقد يطول الموضوع من جراء ذلك.
 
ننبه أولا على القاعدة الأساسية في الاشتغال بالقرآن ،وهي وجوب حمل مفردات القرآن على معانيها زمن التنزيل ،وإن ما اكتسبته من دلالات بعد ذلك الزمن فلا ينبغي أن تنسب إلى القرآن.
"القرية" و"المدينة"في استعمالات ما بعد التنزيل تتميز في المرجع والدلالة معا وتضبط معنى المفردة بمعايير بيئية وعمرانية وإدارية لاشأن لنا بها هنا.،
وقد رأينا أن القرآن يوحد بين المفردتين في المرجع،ونرى الآن أنه يخالف بينهما في الدلالة:
أ-القرية" ذات"
المدينة "ظرف"
ب-القرية كيان يتحدد بخصوصيات ثقافية(خلقية،دينية،سياسية...)
المدينة فضاء محض
ج-القرية موضوع تحمل عليه قيم وأفعال ويحكم عليها
المدينة إحداثية لرصد الفعل الواقع فيها ولا تقصد بشيء من وراء ذلك.

لنحلل المتن الذي يرد فيه لفظ المدينة:

تأتي المدينة بمعنيين :خاص وعام ..
المعنى الخاص يحيل على مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم (يثرب سابقا) في شواهد من مثل:
{وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ}[التوبة : 101]
{مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}[التوبة : 120]
{لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا}[الأحزاب : 60]

والذي يعنينا -هنا -هو المعنى العام حيث يتأسس التقابل بين المدينة والقرية:

{قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}[الأعراف :
{وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}[يوسف : 30]
{وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ}[الحجر : 67]
{وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا}[الكهف : 19]
{وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا}[الكهف : 82]
{وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ}[النمل : 48]
{وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ}[القصص : 15]
{فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ}[القصص : 18]
{وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ}[القصص : 20]
{وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ}[يس : 20]
مدائن:
{قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ}[الأعراف : 111]
{قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ}[الشعراء : 36]
{فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ}[الشعراء : 53]

المدينة في الشواهد متمحضة للظرفية ومن ثم يغلب عليها الاقتران بالحرف الظرفي ظاهرا ومقدرا (في المدينة-إلى المدينة-من أقصى المدينة-ودخل (في)المدينة)
والوظيفة الدلالية تحديد المجال الفضائي للفعل أو الحدث كأن يكون فيها، أو منها ،أو إليها..ولن تجد وراء تحديد فضاء الفعل تقييما أو حكما على المدينة...لانها ظرف وليست ذاتا كما سنرى في "القرية"
 
لماذا مستبعد ان يكون الجدار في القرية والغلامين في المدينة برغم ان الدلالة اللفظية تقود لذلك والدلالة العقلية والنص يثبته ثم ننكص للترادف علی حساب النص الواضح؟
القرآن يقول الغلامين في المدينة
فنرفض ونقول بل في القرية
:)
 
القرية كيان لها وضع" الاسم" لذلك يشار إليها ،وتسند إليها صفات ومحاميل ،أما المدينة فهي "ظرف" فلا يكون لها حضور، بعد إذ دلت على المكان ،وإنما يعتنى بعدها بتفصيل الفعل الذي وقع في حيزها:

{وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ}[البقرة : 58]
{وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا}[النساء : 75]
{وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}[الأعراف : 163]

-إن الله يبعث رسله إلى القرى لا إلى المدائن:

{وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ}[الأعراف : 94]
{وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا}[الفرقان : 51]
{وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ}[الشعراء : 208]
{وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ}[سبأ : 34]

-الكفر والظلم والفسوق صفات للقرى لا للمدن:

{مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ}[الأنبياء : 6]
{وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ}[الأنبياء : 11]
{وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ}[الأنبياء : 74]
{فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ}[الحج : 45]
-ثم إن العقاب ينزل على القرى لا على المدائن:
{وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ}[الأعراف : 4]
{وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ}[الحجر : 4]
{وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ}[الحج : 48]

-القرية علامة على" الحضارة "والترف " ورغد العيش وليس المدينة:

{وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}[الأعراف : 163]
{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}[النحل : 112]
{وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا}[الإسراء : 16]
{قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}[النمل : 34]
{وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ}[محمد : 13]
{وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ}[سبأ : 18]

نقف أخيرا قليلا عند آيات الكهف و يس:
{فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا}[الكهف : 77]
{وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا}[الكهف : 82]
استعمل القرية لأن لها حمولة أخلاقية من بخل ولؤم...
واستعمل المدينة عندما كان المقصود فقط بيان المكان!
وكذلك في آيتي يس:
{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ}[يس : 13]
{وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ}[يس : 20]

القرية كغيرها من القرى ظالمة وجاهلة فكانت الحاجة إلى الرسل...
الآية الأخرى حددت فقط مبدأ فعل المجيء ،وأن الرجل لرغبته في المبادرة إلى فعل الخير جاء من أبعد مكان فكأن الآية قررت ثلاثة وجوه من فعل الرجل المؤمن:
مبدؤه :من مكان بعيد (مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ )
وصفه: فعل سريع (يسعى)
غايته:درء الضرر والوساطة بين الرسل وقومهم.
 
أشكر أخي أبوعبد المعز على هذه المقاربات في موضوع الترادف
لكن فيما يتعلق بسورة الكهف فإن الدلالة تفترق بين المدينة والقرية وذلك أن الرجل الصالح حين قال: {وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة} دل على أنهما ليسا في القرية المشار إليها: {فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية} والدليل على ذلك أمور:
لو كانا في القرية لجرى بين الغلامين وبين الرجل الصالح حوار.
طلب موسى عليه السلام اتخاذ الأجر على إقامة الجدار دليل على أنه في مقابلة إباء أهل القرية ضيافتهم، وهذا دليل على أن موسى عليه السلام لم يعلم بأمر الغلامين، ولا يُتصور منه أن يطلب الأجر من غلامين صغيرين يتيمين، مع العلم أنه لم يعرض على الرجل الصالح أخذ الأجر إلا بعد إقامة الجدار، وبالتالي فإنه لم يشاهد اليتيمين اللذين لم يكونا في القرية حينئذ، بل كانا في المدينة عند أحد يرعاهما، هيأه الله لهما كما هيأ لهما إقامة الجدار بسبب صلاح الأب، وهذا من الدلالة الضمنية للآيات.
تنكير القرية وتعريف المدينة دليل على أن هذه القرية من أطراف تلك المدينة، فلما خاطبه بقوله: {فكان لغلامين في المدينة} عُلم أن هذه المدينة معهودة لموسى عليه السلام.
وأما آية يس فإن دلالة القرية تختلف عن دلالة المدينة وذلك أن القرية ذكرت بإضافة أصحاب لها، فالتركيز هنا على الدلالة المعنوية في عدم قبول أصحاب القرية الهدى، بينما لما ذكر المدينة فكان التركيز على الدلالة المادية المكانية ودليل ذلك: {من أقصا المدينة}، فذكر لفظ القرية للدلالة على أن أصحابها متفقون فيما بينهم على رفض الدعوة ولبيان أن الدعوة وصلت الجميع، وذلك لما تعكسه دلالة القرية من سهولة معرفة الأخبار والأنباء لدى الجميع، وبيان أن أصحاب القرية لهم موقف موحد من الدعوة بخلاف لفظ المدينة فهو يدل على البعد المكاني، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
 
شكرا للدكتور المثنى على التبيان الجلي وأدعو أبا عبدالمعز وفقه الله للاطلاع على موضوع كتب بهذا الشأن قريبا
http://vb.tafsir.net/showthread.php?t=40206

والسؤال والطلب هو من أين لك ما تقول وبأي دليل تحتج ؟ الله تعالى فرق بين القرية والمدينة اسما ورسما وسياقا فإن خالفت وجب عليك الإثبات وليس إطلاق كلمة "بلا شك " فهي ليست إثبات بل كل اليقين بأن القرية ليست مدينة بعيدا عن اي التواء أو محاولة مستميتة لإثبات الترادف الذي هو نقيصة لا ينبغي أن يسعى لاثباتها ساعي
 
التبحر في اللغة العربية و أسرارها ودررها , يكفي في رأب الصدع عن فريجة وعلمه.
ومن يؤمن بإحكام القرآن يؤمن بأن كل لفظة لها مرادها , وثمة حكمة في استخدامها في ذلك الموضع, حتى وإن جهلها وخفيت عليه.
 
هذا رأي الدكتور فاضل السامرائي في الفرق بين القرية والمدينة ..
والله أعلى وأعلم
 
جزاك الله خيراً.
في القرآن الكريم قصة ثالثة فيها ذِكْرُ القرية في موضع والمدينة في موضع آخر.
قال تعالى "أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم اناس يتطهرون"(النمل 56)
وقال في سورة الحجر "وجاء اهل المدينة يستبشرون" (الحجر 67).
 
عودة
أعلى