من أسرار الفواصل القرآنية

إنضم
08/09/2009
المشاركات
1,159
مستوى التفاعل
4
النقاط
38
الإقامة
القاهرة
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قال الأصمعي: كنت أقرأ: (( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ))
وكان بجانبي أعرابي فقال : كلام مَن هذا ؟؟
فقلت : كلام الله
قال : أعِد
فأعدت ؛ فقال : ليس هذا كلام الله
فانتبهتُ فقرأت: (( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ))
فقال: أصبت
فقلت : أتقرأ القرآن ؟؟
قال : لا
قلت : فمن أين علمت ؟؟
فقال : يا هذا، عزَّ فحكم فقطع، ولو غفر ورحم لما قطع )) انتهى

قلت : هذا صحيح ، وهو يدخل فى مناسبة الفواصل القرآنية للسياق ويلحق بمباحث الاعجاز البيانى للقرآن الكريم
ولكن مما وجدته مشكلا فى هذا الصدد قوله تعالى على لسان المسيح عليه السلام :

" ان تعذبهم فانهم عبادك ، وان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم " المائدة 118 "
حيث نجد القياس هنا مخالفا للقياس الذى أورده الأصمعى
فالقياس هنا : عز فحكم فغفر !!

فهل نجد لدى الأخوة الكرام تعليلا مقبولا لهذا القياس الذى خالف القياس السابق ؟
علما بأننى طالعت العديد من التعليلات ولكنى وجدتها لا تشفى غليلا ، ويتصل بهذا الأمر سؤال آخر ربما يتوقف عليه حل الاشكال السابق ، وذلك هو : هل هذا القول من المسيح عليه السلام فى الآخرة قطعا ؟ أم أن هذا غير مقطوع به ؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
[align=center]
ولكن مما وجدته مشكلا فى هذا الصدد قوله تعالى على لسان المسيح عليه السلام :

" ان تعذبهم فانهم عبادك ، وان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم " المائدة 118 "
حيث نجد القياس هنا مخالفا للقياس الذى أورده الأصمعى
فالقياس هنا : عز فحكم فغفر !!

فهل نجد لدى الأخوة الكرام تعليلا مقبولا لهذا القياس الذى خالف القياس السابق ؟
علما بأننى طالعت العديد من التعليلات ولكنى وجدتها لا تشفى غليلا ، ويتصل بهذا الأمر سؤال آخر ربما يتوقف عليه حل الاشكال السابق ، وذلك هو : هل هذا القول من المسيح عليه السلام فى الآخرة قطعا ؟ أم أن هذا غير مقطوع به ؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أخانا الفاضل العليمي
بارك الله فيك على هذه المشاركة المفيدة والمهمة
ولكن المسألة ليس فيها إشكال إطلاقا
والسبب أن المسيح عليه السلام قد تقرر عنده حكم من يأتي مشركا يوم القيامة وذكره الله على لسانه في قوله تعالى:
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ ُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)سورة المائدة (72)
والمسيح عليه السلام قد هدى إلى الوصف اللائق بذلك المقام في ذلك اليوم المهول فلو شاء الله أن يغفر لهم فلا غالب له وإذا فعل فهو الحكيم في أفعاله، فله المشيئة المطلقة التي لا يقيدها شيء.
تستطيع أن تقول إنه مقام التأدب مع الله تعالي.

أما قولك القياس:عز فحكم فغفر.
فلا يصح القياس هنا لأنه لم يحكم ولم يغفر وإنما هو كان مقام ارجاع الأمر إلى صاحب الأمر.
هذا والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.
 
أخى الكريم حجازى الهوى

شكر الله لك مداخلتك
كلامك قيم ومنطقى ولا غبار عليه
ولكن هناك فكرة لا زالت تتبلور فى فكرى ، وربما عدت لبيانها لاحقا
جزاك الله خيرا
 
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أخي الحبيب الذي أراه في هذه الآية الكريمة أن سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام فوّض أمر الغفران لله سبحانه وتعالى. لكنّ الذي يقرّبه إلى نفسه عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام هو أن يعذّب الله تعالى من كفر وأشرك بالله سبحانه وتعالى .
فالآية تحوي دعاء عليهم بالعذاب لشركهم بالله سبحانه وتعالى ، وهذا ما تدل عليه الآيات السابقة لهذه الآية الكريمة ، وهذا ما يقتضيه السياق.
والله سبحانه وتعالى أعلم ، وهو من وراء القصد
 
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أخي الحبيب الذي أراه في هذه الآية الكريمة أن سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام فوّض أمر الغفران لله سبحانه وتعالى. لكنّ الذي يقرّبه إلى نفسه عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام هو أن يعذّب الله تعالى من كفر وأشرك بالله سبحانه وتعالى .
فالآية تحوي دعاء عليهم بالعذاب لشركهم بالله سبحانه وتعالى ، وهذا ما تدل عليه الآيات السابقة لهذه الآية الكريمة ، وهذا ما يقتضيه السياق.
والله سبحانه وتعالى أعلم ، وهو من وراء القصد

شكر الله لك مداخلتك أخى الحبيب الدكتور حسن
وبالفعل ما تفضلت بذكره هو أحد الوجوه المعتبرة فى تفسير تلك الفاصلة الفريدة
والعجيب فى الأمر أن هناك وجوها أخرى قد قيلت فى توجيهها وتفسيرها ونجدها تقف من رأيكم المذكور على طرف النقيض تماما !!
فمن تلك الوجوه المناقضة لما ذكرتموه ما قال به بعض العلماء من أن هذا القول من المسيح عليه السلام انما يقال فى مقام شفاعته فى قومه يوم القيامة وأنه يتوسل فى ذلك بلفظ ( عبادك ) بدلا من ( عبيدك ) وبالأسمين الكريمين ( العزيز الحكيم ) ، وبيان ذلك الوجه ومناقشته يحتاجان الى بسط وتفصيل وقد أعرض له ان شاء الله فى مداخلة مستقلة بعد أن استقصى بقية الآراء التى قد يبديها أخوة آخرون فى هذه المسألة
وما أريد قوله بايجاز أن الآراء قد تنوعت واختلفت فى فهم هذه الآية الكريمة أشد التنوع والاختلاف ما بين القول بأنها دعاء عليهم بالعذاب - كما قلتم - والقول بأنها دعاء لهم بالصفح والمغفرة !!
واذا كان لابد لى من اختيار بين القولين فاننى أجد نفسى أميل معكم الى ترجيح القول الأول على القول الثانى
ولكنى أرى فى المسألة جانبا آخر يتعلق بالعقيدة ويصحح المفاهيم النصرانية المغالية فى طبيعة المسيح والتى يدين بها النصارى ، فهذا الجانب العقدى هو ما لم أجد أحدا قد تعرض له بدرجة كافية مسلطا عليه الأضواء الكاشفة ، وسوف أعرض لهذا فيما بعد ان شاء الله
 
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قال الأصمعي: كنت أقرأ: (( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ))
وكان بجانبي أعرابي فقال : كلام مَن هذا ؟؟
فقلت : كلام الله
قال : أعِد
فأعدت ؛ فقال : ليس هذا كلام الله
فانتبهتُ فقرأت: (( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ))
فقال: أصبت
فقلت : أتقرأ القرآن ؟؟
قال : لا
قلت : فمن أين علمت ؟؟
فقال : يا هذا، عزَّ فحكم فقطع، ولو غفر ورحم لما قطع )) انتهى

قلت : هذا صحيح ، وهو يدخل فى مناسبة الفواصل القرآنية للسياق ويلحق بمباحث الاعجاز البيانى للقرآن الكريم
ولكن مما وجدته مشكلا فى هذا الصدد قوله تعالى على لسان المسيح عليه السلام :

" ان تعذبهم فانهم عبادك ، وان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم " المائدة 118 "
حيث نجد القياس هنا مخالفا للقياس الذى أورده الأصمعى
فالقياس هنا : عز فحكم فغفر !!

فهل نجد لدى الأخوة الكرام تعليلا مقبولا لهذا القياس الذى خالف القياس السابق ؟
علما بأننى طالعت العديد من التعليلات ولكنى وجدتها لا تشفى غليلا ، ويتصل بهذا الأمر سؤال آخر ربما يتوقف عليه حل الاشكال السابق ، وذلك هو : هل هذا القول من المسيح عليه السلام فى الآخرة قطعا ؟ أم أن هذا غير مقطوع به ؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في الاية الاولى ذكر الحكم وهو قطع اليد فكان الحكم فيه حكمة الخالق عز وجل.وإنما قال الأعرابي لو رحمه لما قطع .لي لو رحمه في فعله لعفى عنه . ولكن لحكمته قطع يده ليزجر غيره ويرتدع .فالحكمة هنا بالقطع لا بالعفو .
ولا علاقة لكلامه انه لو رحم لما جاز ان تكون العزيز الحكيم .فانت توهمت ان العزيز الحكيم لا تكون الا مع الشدة . وهذا ليس صحيحا .فلا وجه للقياس والله اعلم.
 
. . . ولا علاقة لكلامه انه لو رحم لما جاز ان تكون العزيز الحكيم .فانت توهمت ان العزيز الحكيم لا تكون الا مع الشدة . وهذا ليس صحيحا .فلا وجه للقياس والله اعلم.

الأخ الفاضل أبو عيشة
شكر الله لك مداخلتك ، ولكنى لم أتوهم شيئا مما قلته أخى الكريم ، وأنت اذا طالعت أقوال المفسرين فى الآية 118 من سورة المائدة لوجدت أكثرهم قد وجد موضع الفاصلة مشكلا بالفعل ، واليك نماذج من بعض أقوالهم :

جاء فى تفسير الكشاف للزمخشرى :
" فإن قلت: المغفرة لا تكون للكفار فكيف قال: (وإن تغفر لهم)؟ قلت: ما قال إنك تغفر لهم، ولكنه بنى الكلام على: إن غفرت، فقال: إن عذبتهم عدلت، لأنهم أحقاء بالعذاب، وإن غفرت لهم مع كفرهم لم تعدم في المغفرة وجه حكمة لأن المغفرة حسنة لكل مجرم في المعقول، بل متى كان الجرم أعظم جرماً كان العفو عنه أحسن "

وجاء فى تفسير الطبرسى ( مجمع البيان ) :
" وإنما لم يقل فإنك أنت الغفور الرحيم لأن الكلام لم يخرج مخرج السؤال ولو قال ذلك لأوهم الدعاء لهم بالمغفرة. على أن قولـه: { العزيز الحكيم } أبلغ في المعنى وذلك أن المغفرة قد تكون حكمة وقد لا تكون والوصف بالعزيز الحكيم يشتمل على معنى الغفران والرحمة إذا كانا صوابين ويزيد عليهما باستيفاء معان كثيرة لأن العزيز هو المنيع القادر الذي لا يضام والقاهر الذي لا يرام وهذا المعنى لا يفهم من الغفور الرحيم والحكيم هو الذي يضع الأشياء مواضعها ولا يفعل إلاّ الحسن الجميل فالمغفرة والرحمة إن اقتضتهما الحكمة دخلتا فيه وزاد معنى هذا اللفظ عليهما من حيث اقتضى وصفه بالحكمة في سائر أفعاله "

وجاء فى تفسير الفخر الرازى :
" الوجه الرابع : انا ذكرنا أن من الناس من قال: إن قول الله تعالى لعيسى :
{ أَءنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِى وَأُمّىَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ }
انما كان عند رفعه إلى السماء لا في يوم القيامة، وعلى هذا القول فالجواب سهل لأن قوله { إِن تُعَذّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ } يعني إن توفيتهم على هذا الكفر وعذبتهم فإنهم عبادك فلك ذاك، وان أخرجتهم بتوفيقك من ظلمة الكفر إلى نور الايمان، وغفرت لهم ما سلف منهم فلك أيضاً ذاك،وعلى هذا التقدير فلا إشكال
ثم يقول : " المسألة الثالثة: روى الواحدي رحمه الله أن في مصحف عبد الله [وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم سمعت شيخي ووالدي رحمه الله يقول { ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ } هٰهنا أولى من الغفور الرحيم، لأن كونه غفوراً رحيماً يشبه الحالة الموجبة للمغفرة والرحمة لكل محتاج، وأما العزة والحكمة فهما لا يوجبان المغفرة، فإن كونه عزيزاً يقتضي أنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وأنه لا اعتراض عليه لأحد فإذا كان عزيزاً متعالياً عن جميع جهات الاستحقاق، ثم حكم بالمغفرة كان الكرم هٰهنا أتم مما إذا كان كونه غفوراً رحيماً يوجب المغفرة والرحمة، فكانت عبارته رحمه الله أن يقول: عز عن الكل. ثم حكم بالرحمة فكان هذا أكمل. وقال قوم آخرون : إنه لو قال: فإنك أنت الغفور الرحيم، أشعر ذلك بكونه شفيعاً لهم، فلما قال: { فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } دل ذلك على أن غرضه تفويض الأمر بالكلية إلى الله تعالى ، وترك التعرض لهذا الباب من جميع الوجوه "

وجاء فى تفسيرالقرطبى : " وقال: { فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } ولم يقل: فإنك أنت الغفور الرحيم على ما تقتضيه القصة من التسليم لأمره، والتفويض لحكمه. ولو قال: فإنك أنت الغفور الرحيم لأوهم الدعاء بالمغفرة لمن مات على شِرْكه وذلك مستحيل؛ فالتقدير إن تبقِهم على كفرهم حتى يموتوا وتعذّبهم فإنهم عبادك، وإن تَهدهم إلى توحيدك وطاعتك فتغفر لهم فإنك أنت العزيز الذي لا يمتنع عليك ما تريده؛ الحكيم فيما تفعله؛ تضل من تشاء وتهدي من تشاء. وقد قرأ جماعة: «فإنك أنت الغفور الرحيم» وليست من المصحف. ذكره القاضي عِياض في كتاب ( الشّفا ) . " »

وجاء فى تفسير الشوكانى :
( إِن تُعَذّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ) تصنع بهم ما شئت وتحكم فيهم بما تريد { وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } أي القادر على ذلك الحكيم في أفعاله، قيل: قاله على وجه الاستعطاف كما يستعطف السيد لعبده. ولهذا لم يقل إن تعذبهم فإنهم عصوك؛ وقيل: قاله على وجه التسليم لأمر الله والانقياد له، ولهذا عدل عن الغفور الرحيم إلى العزيز الحكيم . . . وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس { إِن تُعَذّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ } يقول: عبيدك قد استوجبوا العذاب بمقالتهم { وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ } أي من تركت منهم ومدّ في عمره حتى أهبط من السماء إلى الأرض لقتل الدجال، فزالوا عن مقالتهم ووحدوك ( فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ )
وقوله: { إن تعذّبهم فإنّهم عبادك وإن تغفر لهم فإنّك أنت العزيز الحكيم } فوّض أمرهم إلى الله فهو أعلم بما يجازيهم به لأنّ المقام مقام إمساك عن إبداء رغبة لشدّة هول ذلك اليوم، وغاية ما عرّض به عيسى أنه جوّز المغفرة لهم رحمة منه بهم ، وقوله: { فإنّك أنت العزيز الحكيم } ذكر العزيز كناية عن كونه يغفر عن مقدرة، وذكر الحكيم لمناسبته للتفويض، أي المحكِم للأمور العالم بما يليق بهم "
وهكذا ترى أخى الكريم أن الآية لم تخلو من بعض الاشكالات لدى العديد من المفسرين ، وأن الأفهام قد تفاوتت فى ادراك مغزاها ، وللحديث بقية ان شاء الله
 
جاء فى تفسير الكشاف للزمخشرى :
" فإن قلت: المغفرة لا تكون للكفار فكيف قال: (وإن تغفر لهم)؟ قلت: ما قال إنك تغفر لهم، ولكنه بنى الكلام على: إن غفرت، فقال: إن عذبتهم عدلت، لأنهم أحقاء بالعذاب، وإن غفرت لهم مع كفرهم لم تعدم في المغفرة وجه حكمة لأن المغفرة حسنة لكل مجرم في المعقول، بل متى كان الجرم أعظم جرماً كان العفو عنه أحسن "

أسأله تعالى أن ينفع بما قدمتم ولايحرمنا من علمكم
بوركتم
 
أسأله تعالى أن ينفع بما قدمتم ولايحرمنا من علمكم
بوركتم

[align=center] اللهم آمين
أشكرك أخى نور ، بارك الله فيك
وأرجو أن تتابع معنا بقية العرض
فلا يزال هناك الكثير الذى لم يقال بعد[/align]
 
والعجيب فى الأمر أن هناك وجوها أخرى قد قيلت فى توجيهها وتفسيرها ونجدها تقف من رأيكم المذكور على طرف النقيض تماما !!
فمن تلك الوجوه المناقضة لما ذكرتموه ما قال به بعض العلماء من أن هذا القول من المسيح عليه السلام انما يقال فى مقام شفاعته فى قومه يوم القيامة وأنه يتوسل فى ذلك بلفظ ( عبادك ) بدلا من ( عبيدك ) وبالأسمين الكريمين ( العزيز الحكيم ) ، وبيان ذلك الوجه ومناقشته يحتاجان الى بسط وتفصيل وقد أعرض له ان شاء الله فى مداخلة مستقلة بعد أن استقصى بقية الآراء التى قد يبديها أخوة آخرون فى هذه المسألة


هأنا ذا أفى بوعدى وأعود لاستعراض هذا الرأى الذى ألمحت اليه وبيان تفاصيله
لقد تبنى هذا الرأى العديد من المفسرين ، ومداخلتى السابقة احتوت نماذج لبعض منهم ، ولكنى وجدت أفضل صياغة وأجلى بيان لهذا الرأى هو ما ورد فى كتاب ( من اعجاز القرآن فى أعجمى القرآن ) للمفكر والباحث الاسلامى الكبير ( رؤوف أبو سعدة ) ، يقول فى الجزء الثانى من كتابه ( ص 296 ) :
(( قال المسيح عليه السلام فى القرآن يتشفع عند الله عز وجل للذين بدلوا بعده :
" ان تعذبهم فانهم عبادك ، وان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم "
لن تستطيع - مهما حاولت - أن تقول أبلغ من هذا القول الذى قاله المسيح فى القرآن ، لم يقل : انهم (عبيدك ) ، فأنت وما شئت فيمن خلقت ، ولكنه قال ( عبادك ) ، وكأنه يومىء الى أنهم وان خاضوا فى جلال ذاتك فانهم يريدون وجهك ، افتتنوا بى حتى سفهوا ، فارتفعوا بى عن ذليل مقامى منك الى عزيز مقامك ، وأنت القاهر فوق عبادك ، ان تغفر لهم فأنت عليها قادر
فماذا كان جواب العزيز الحكيم ؟
قال يمتدح صدق المسيح فى الذى قاله ، ويتكتم على الخلق أجمع بماذا هو مجيبه :
" قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ، لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ، رضى الله عنهم ورضوا عنه ، ذلك الفوز العظيم " ( المائدة 119 )
أى هذا لك يا عيسى ولمن صدق بك على الأصل الذى قلت لهم ، و ذر القضاء لصاحب الملك : " لله ملك السموات والأرض وما فيهن ، وهو على كل شىء قدير " ( المائدة 120 )
ألا هل بعد هذا بلاغ ؟ ))

انتظر رأيكم
 
هأنا ذا أفى بوعدى وأعود لاستعراض هذا الرأى الذى ألمحت اليه وبيان تفاصيله
لقد تبنى هذا الرأى العديد من المفسرين ، ومداخلتى السابقة احتوت نماذج لبعض منهم ، ولكنى وجدت أفضل صياغة وأجلى بيان لهذا الرأى هو ما ورد فى كتاب ( من اعجاز القرآن فى أعجمى القرآن ) للمفكر والباحث الاسلامى الكبير ( رؤوف أبو سعدة ) ، يقول فى الجزء الثانى من كتابه ( ص 296 ) :
(( قال المسيح عليه السلام فى القرآن يتشفع عند الله عز وجل للذين بدلوا بعده :
" ان تعذبهم فانهم عبادك ، وان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم "
لن تستطيع - مهما حاولت - أن تقول أبلغ من هذا القول الذى قاله المسيح فى القرآن ، لم يقل : انهم (عبيدك ) ، فأنت وما شئت فيمن خلقت ، ولكنه قال ( عبادك ) ، وكأنه يومىء الى أنهم وان خاضوا فى جلال ذاتك فانهم يريدون وجهك ، افتتنوا بى حتى سفهوا ، فارتفعوا بى عن ذليل مقامى منك الى عزيز مقامك ،

أخي الفاضل العليمى
حفظك الله ورعاك
ثم أقول:
ما قاله المفكر الذي نقلت عنه في تعليل فعل الغالين في عيسى عليه السلام وأمه أقول: إنه تعليل عليل.
إن إرادة وجه الله لا توصل إلا إلى الحق.
إن إرادة وجه الله تدفع العبد إلى اتباع الأدلة الموصلة إلى الحق أما أولئك الغالين إنما تبعوا الباطل والشهوات فهم اعتقدوا أولا ثم استدلوا لمعتقدهم الباطل لأنه يحقق لهم شهواتهم وأهوائهم ولهذا استحقوا اللعن على لسان داود وعيسى بن مريم:
(لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79))سور المائدة

والمقام الذي يقول فيه المسيح عليه السلام ما قص الله علينا ليس مقام شفاعة كما ذكر المؤلف وإنما هو مقام تقرير وإظهار للحق وإظهار عدل الله المطلق.
 
أخي الفاضل العليمى
حفظك الله ورعاك
ثم أقول:
ما قاله المفكر الذي نقلت عنه في تعليل فعل الغالين في عيسى عليه السلام وأمه أقول: إنه تعليل عليل.
إن إرادة وجه الله لا توصل إلا إلى الحق . . . . والمقام الذي يقول فيه المسيح عليه السلام ما قص الله علينا ليس مقام شفاعة كما ذكر المؤلف وإنما هو مقام تقرير وإظهار للحق وإظهار عدل الله المطلق.

أوافقك تمام الموافقة أخى الكريم على أن المقام ليس مقام شفاعة ، ولو كان كذلك لعدل عن ( العزيز الحكيم ) الى ( الغفور الرحيم ) لأنه الأنسب لمقام الشفاعة ، وبالطبع فانه لن يغيب عن فطنتكم أن عرضى لهذا الرأى لا يعنى أننى أؤيده و أتبناه ، وقد أعربت عن معارضتى له فى ردى على مداخلة أخينا الحبيب الدكتور حسن ، وانما كان عرضى له للدلالة على وجود اشكال ، وعلى تنوع واختلاف الأفهام فى ادراك مغزى الآية بوجه عام ، وفاصلتها بوجه خاص

أما عن رأيى الخاص فهو أنى أرى الاشكال الحقيقى فى الآية الكريمة يتمثل فى أن المسيح عليه السلام قد وضع عقاب الله الحتمى على الشرك به موضع الاحتمال وجعلها قضية شرطية بقوله : " وان تغفر لهم . . . "
اذ كيف يحتمل الأمر أن يوضع موضع الفرض و الاحتمال مع أنه من المقرر أن : ليس بعد الكفر ذنب ؟ !!
ومن المقرر فى عقيدتنا - بل فى العقائد كلها على اختلاف الملل - أن قضاء الله فى المشركين به سبحانه وتعالى هو :
" ان الله لا يغفر أن يشرك به ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء "
فهل المسيح عليه السلام لا يعرف ذلك ؟!
بالطبع لا ، حاشا له وكلا ، ويستحيل عقلا وشرعا أن نظن به ذلك !!
فكيف اذن جعل الغفران لهم احتمالا قائما بقوله : " وان تغفر لهم . . . " ؟!
أليس قوله هذا يعنى امكانية الغفران لهم وكونه غير مستحيل الوقوع ؟!
و يبدو لى أن ذلك هو ما شجع البعض على حمل قول المسيح هذا على محمل الشفاعة

هذا هو - أخى الحبيب - موضع الاشكال الحقيقى فيما أرى
وقد هدانى الله عز وجل الى حل مقنع له ، أقوله بعد أن أستطلع رأيكم ، وآراء من قد يكون لديه تعليل مقبول لتلك المسألة من الأخوة الأفاضل
ولكن مبدئيا : هل توافقنى على وجه الاشكال الذى ذكرته ؟
والسؤال موجه للجميع ، بارك الله فيكم
 
لبيان أن موضع الفاصلة هنا يعد مشكلا أسوق هذا الكلام الذى اقتبسته من تفسير " روح المعانى " للامام الآلوسى :

(( ثم إن للعلماء في بيان سر ذكر ذينك الاسمين الجليلين ( العزيز الحكيم ) في الآية كلاماً طويلاً حيث أشكل وجه مناسبتهما لسياق ما قرنا به حتى حكي عن بعض القراء أنه غيرهما لسخافة عقله فكان يقرأ ( فإنك أنت الغفور الرحيم ) إلى أن حبس وضرب سبع درر، ووقع لبعض الطاعنين في القرآن من الملاحدة أن المناسب ما وقع في مصحف ابن مسعود ( فإنك أنت العزيز الغفور) كما نقل ذلك ابن الأنباري، وقد علمت أحد توجيهاتهم لذلك.

وقيل: إن ذكرهما من باب الاحتراس لأن ترك عقاب الجاني قد يكون لعجز في القدرة أو لإهمال ينافي الحكمة فدفع توهم ذلك بذكرهما. وفي «أمالي العز بن عبد السلام» أن العزيز معناه هنا الذي لا نظير له، والمعنى وإن تغفر لهم فإنك أنت الذي لا نظير لك في غفرانك وسعة رحمتك، وأنت أولى من رحم وأجدر من غفر وستر الحكيم الذي لا يفعل شيئاً إلا في مستحقه وهم مستحقون ذلك لفضلك وضعفهم، وهذا ظاهر في أن في الآية تعريضاً بطلب المغفرة ولا أظنك تقول به. ))

ولبيان أن الاشكال الحقيقى هو ما ذهبت اليه وأبنت عنه فى مداخلتى السابقة أسوق هذا الكلام الذى اقتبسته من " التفسير الوسيط " لفضيلة الدكتور سيد طنطاوى شيخ الأزهر الشريف :

(( وقد قال بعض المفسرين هنا : كيف جاز لعيسى أن يقول: { وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ } والله - تعالى - لا يغفر أن يشرك به؟
وقد أجاب عن ذلك الإِمام القرطبى بقوله: قول عيسى { وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ } قاله على وجه الاستعطاف لهم، والرأفة بهم، كما يستعطف السيد لعبده، ولهذا لم يقل: فإنهم عصوك. وقيل قاله على وجه التسليم لأمره، والاستجارة من عذابه، وهو يعلم أنه لا يغفر لكافر وقيل. الهاء والميم فى { إِن تُعَذِّبْهُمْ } لمن مات منهم على الكفر. والهاء والميم فى قوله: { وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ } لمن تاب منهم قبل الموت. وهذا وجه حسن ".

أقول: هذا الوجه الثالث الذى ذكره القرطبى قد اكتفى به بعض المفسرين فقال: قوله: { إِن تُعَذِّبْهُمْ } أى: من أقام على الكفر منهم { فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ } وأنت مالكهم تتصرف فيهم كيف شئت لا اعتراض عليك { وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ } أى: لمن آمن منهم { فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ } الغالب على أمره { ٱلْحَكِيمُ } فى صنعه.

ومع وجاهة هذا الوجه فإننا نرى أن الآية الكريمة حكاية للتفويض المطلق الذى فوضه عيسى إلى ربه - سبحانه - فى شأن قومه ولهذا قال ابن كثير:

هذا الكلام يتضمن رد المشيئة إلى الله - تعالى - فإنه الفعال لما يشاء الذى لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ))
 
أخي الكريم العليمى
أنا لا أرى في الآية إشكالاً على الإطلاق منذ البداية، إلا إذا كنا نريد أن يكون كلام الله وفق أفهامنا وتصورتنا.

إن ما قاله عيسى عليه السلام هو اللائق بذلك المقام وذلك الموقف المهول الذي يسأل الله فيه الرسل ومن أرسلوا إليهم:
(فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7) وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9)) سورة الأعراف

في ذلك اليوم الذي يضع الله فيه موازين القسط :
(وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ) سورة الأنبياء(47)

في ذلك اليوم يسأل الله المرسل إليهم:
(وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (62) قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ (63) وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ (64) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ (66)) سورة القصص

وفي ذلك اليوم يسأل الله الرسل:
(يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ) سورة المائدة(109)

ويخص الله عيسى عليه الصلاة والسلام بالذكر هنا فيقول:
(إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) سورة المائدة (110)

ليبكت الله الذين تولوا كبر إضلال البشرية بأعظم فرية عرفها التأريخ وهي فرية تأليه المسيح بن مريم عليه السلام.

وهذا التبكيت سيحدث مرتين:
الأولى: في هذه الحياة الدنيا حين ينزل المسيح عليه السلام فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام.

والثانية: يوم يقوم الأشهاد يوم يقول الله تعالى:
(يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ )

فيجيب عيسى عليه السلام بما يليق بالله تعالى وبالمقام في ذلك اليوم من تنزيه الله تعالى والثناء عليه ثم يذكر براءته التي قد علمها الله تعالى ثم يفوض الأمر إليه تبارك وتعالى:
(....قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)) سورة المائدة.

نعم عبارة المسيح عليه السلام مع التفويض تنضح بالإشفاق والوجل ولكنها هي اللائقة بالمقام.

وقريب من عبارة المسيح عليه السلام عبارة الخليل عليه السلام في قول الله تعالى:
(رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) سورة إبراهيم (36)
 
أخي الكريم العليمى
أنا لا أرى في الآية إشكالاً على الإطلاق منذ البداية، إلا إذا كنا نريد أن يكون كلام الله وفق أفهامنا وتصورتنا . . . . . نعم عبارة المسيح عليه السلام مع التفويض تنضح بالإشفاق والوجل ولكنها هي اللائقة بالمقام

لا يا أخى الكريم ، بالطبع لا نريد أن يكون كلام الله وفق أفهامنا وتصوراتنا ، حاشا لله ، وانما نحن نحاول جميعا الاجتهاد فى فهم وتدبر كتاب الله العزيز والوقوف على مراد الله من كلامه تعالى ، فان أصبنا فلنا أجران ، وان أخطأنا فلنا أجر
وأن يجد أحدنا اشكال ما - بوجه عام - فى فهم كلام الله ومراده ويحاول حله وازالته لا يعنى بحال أنه يريد فهم كلام الله على هواه ، وأنتم فى غنى عن تعريفكم بذلك ، فانكم من أهل العلم والفضل ، ولكنها قد تكون من سهوات العارفين ، وجل من لا يسهو
كما اننى - أخى الكريم - لم أختلق هذا الاشكال اختلاقا ، وانما وجدته كذلك فى الكثير من كتب التفسير ، وقد عرضت نماذج عديدة منها فى مداخلاتى السابقة ، فالاشكال موجود أخى الحبيب من قديم وليس وليد اليوم فحسب
و أراك أخى قد اقتربت من وجود اشكال بقولك :

نعم عبارة المسيح عليه السلام مع التفويض تنضح بالإشفاق والوجل ولكنها هي اللائقة بالمقام
فهذا الوجل والاشفاق الذى بدا لك هو ما رأى فيه البعض شفاعة من المسيح فى قومه الذين غلوا فى شأنه هو وأمه الطاهرة البتول عليهما السلام
وهنا ينبثق الاشكال الحقيقى : وكيف يشفع للمشركين ؟!
كيف يفعل هذا وهو القائل : " انه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار ، وما للظالمين من أنصار " ( المائدة - 72 )
ولم أجد أحدا من القائلين بالشفاعة قد حاول حل هذا الاشكال بجدية ، اللهم الا المفكر الاسلامى ( رؤوف أبو سعدة ) الذى عرضت رأيه فى مداخلة سابقة ولكن دون أن أعرض لمحاولته حل هذا الاشكال الأخير، وهى المحاولة التى وجدته قد ذكرها فى موضع آخر غير الموضع المذكور من قبل ( واذا أحببت عرضتها لك ) ، وقد ضربت صفحا عن ذكرها فيما سبق من مداخلات لأنى أرى مثلكم أن المقام الذى قال فيه المسيح هذا الكلام ليس مقام شفاعة ، وانما أرى فيه رأيا آخر يشهد لاعجاز القرآن الكريم ولم يسبق لأحد - فيما أعلم - أن قال به ، ولم أجده فى عشرات كتب التفسير التى رجعت اليها
يكفى هذا الآن ، وللحديث بقية ان شاء الله
 
و أراك أخى قد اقتربت من وجود اشكال بقولك :
نعم عبارة المسيح عليه السلام مع التفويض تنضح بالإشفاق والوجل ولكنها هي اللائقة بالمقام
فهذا الوجل والاشفاق الذى بدا لك هو ما رأى فيه البعض شفاعة من المسيح فى قومه الذين غلوا فى شأنه هو وأمه الطاهرة البتول عليهما السلام
وهنا ينبثق الاشكال الحقيقى : وكيف يشفع للمشركين ؟!

انظر أخي الكريم كيف تأتي الإشكالات
نفترض إشكالاً غير موجود ثم نبحث عن حل الإشكال.
إذا كنت ترى أن القول بأن المقام مقام شفاعة قول غير صحيح أوضعيف فلماذا تجعله إشكالا ثم تبحث عن الحل؟
 
إذا كنت ترى أن القول بأن المقام مقام شفاعة قول غير صحيح أوضعيف فلماذا تجعله إشكالا ثم تبحث عن الحل؟


[align=center]بعيدا عن مسألة الشفاعة بأكملها ـ هذا هو الاشكال الحقيقى :[/align]

من " التفسير الوسيط " لفضيلة الدكتور سيد طنطاوى شيخ الأزهر الشريف :

(( وقد قال بعض المفسرين هنا : كيف جاز لعيسى أن يقول: { وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ } والله - تعالى - لا يغفر أن يشرك به؟
[align=center]وهذا أيضا :[/align]
أما عن رأيى الخاص فهو أنى أرى الاشكال الحقيقى فى الآية الكريمة يتمثل فى أن المسيح عليه السلام قد وضع عقاب الله الحتمى على الشرك به موضع الاحتمال وجعلها قضية شرطية بقوله : " وان تغفر لهم . . . "
اذ كيف يحتمل الأمر أن يوضع موضع الفرض و الاحتمال مع أنه من المقرر أن قضاء الله فى المشركين به سبحانه وتعالى هو :
" ان الله لا يغفر أن يشرك به ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء "
فهل المسيح عليه السلام لا يعرف ذلك ؟!
بالطبع لا ، حاشا له وكلا ، ويستحيل عقلا وشرعا أن نظن به ذلك !!
فكيف اذن جعل الغفران لهم احتمالا قائما بقوله : " وان تغفر لهم . . . " ؟!
أليس قوله هذا يعنى امكانية الغفران لهم وكونه غير مستحيل الوقوع ؟!

[align=center] كل هذا وغيره قد ذكرته فى مداخلاتى السابقة أخى الكريم[/align]
 
أما عن رأيى الخاص فهو أنى أرى الاشكال الحقيقى فى الآية الكريمة يتمثل فى أن المسيح عليه السلام قد وضع عقاب الله الحتمى على الشرك به موضع الاحتمال وجعلها قضية شرطية بقوله : " وان تغفر لهم . . . "
اذ كيف يحتمل الأمر أن يوضع موضع الفرض و الاحتمال مع أنه من المقرر أن قضاء الله فى المشركين به سبحانه وتعالى هو :
" ان الله لا يغفر أن يشرك به ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء "
فهل المسيح عليه السلام لا يعرف ذلك ؟!
بالطبع لا ، حاشا له وكلا ، ويستحيل عقلا وشرعا أن نظن به ذلك !!
فكيف اذن جعل الغفران لهم احتمالا قائما بقوله : " وان تغفر لهم . . . " ؟!
أليس قوله هذا يعنى امكانية الغفران لهم وكونه غير مستحيل الوقوع ؟!
[/align]

أما سؤالك كيف فقد أجبتك في مداخلة سابقة وقلت:
والمسيح عليه السلام قد هدى إلى الوصف اللائق بذلك المقام في ذلك اليوم المهول فلو شاء الله أن يغفر لهم فلا غالب له وإذا فعل فهو الحكيم في أفعاله، فله المشيئة المطلقة التي لا يقيدها شيء.
تستطيع أن تقول إنه مقام التأدب مع الله تعالى.

أما سؤالك عن إمكانية الغفران واستحالته فأقول:
إن نظرت إلى الأمر من خلال مشيئة الله المطلقة فتستطيع أن تقول إنها ممكنة.
وإن نظرت إلى الأمر من خلال ما أخبر الله به عن نفسه:
(مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ) سورة ق(29)
فالمغفرة مستحيلة
وواجبنا الوقوف عند ما أخبرنا الله به عن نفسه
ونسأله العافية وأن نكون ممن قد كتب لهم الحسنى
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد
 
ونسأله العافية وأن نكون ممن قد كتب لهم الحسنى
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد

[align=center]اللهم آمين ، آمين
وعلى نبينا محمد أفضل الصلاة وأتم التسليم[/align]

[align=center]لم يبق الآن الا أن أعرض لما فتح به العليم الخبير على العبد الفقير
موعدنا غدا بمشيئة الله تعالى
وبارك فيك أخى حجازى[/align]
 
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]

قال الله تعالى :
( واذ قال الله يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)) سورة المائدة

كان القرآن الكريم حريصا غاية الحرص على تسجيل ذلك المشهد الأخروى الذى يسأل فيه الله تبارك وتعالى المسيح عليه السلام عما قاله لقومه وما أوصاهم به
وحين نعلم دواعى هذا الحرص وموجباته فسيبدو لنا شاهدا جديدا على اعجاز القرآن العظيم واستحالة أن يصدر عن انسان أمى لا علم له بأسرار اللاهوت النصرانى ولا بتفاصيل كتب النصارى المقدسة وفى مقدمتها الأناجيل وأعمال الرسل ، أو ما يسمى اختصارا بالعهد الجديد
لقد كان القرآن الكريم حريصا على تسجيل هذا المشهد بوجه خاص من أجل تفنيد ودحض العقائد الباطلة التى يدين بها النصارى فيما يسمى عندهم بالدينونة ويسمى عندنا بالحساب
فمن المقرر فى عقيدتنا أن يوم القيامة هو يوم الحساب وهو يوم الفصل الذى ينال فيه كل انسان جزاءه على ما اقترف من أعمال فى الحياة الدنيا
ومن المقرر عندنا كذلك أن الذى يفصل بين العباد ويحكم بينهم ويثيب ويعاقب هو الله عز وجل بلا منازع ولا شريك
أما اذا طالعنا اللاهوت النصرانى فسوف نجد أن الأمر فيه بخلاف ذلك تماما ، حيث نجد أن ( يسوع المسيح ) والذى هو المسيح عيسى عندنا هو الذى يدين الناس يوم القيامة ، وهو الذى يحكم عليهم اما بالعذاب واما بالمغفرة ، وهما الأمران اللذان ذكرتهما الآية الكريمة :
" ان تعذبهم . . وان تغفر لهم . . " فالآية قد خصت هذين الأمرين تحديدا بالذكر
هذا التخصيص الذى جاء على لسان المسيح نفسه على وجه التحديد انما جاء هكذا لتفنيد مزاعم القوم فيه من كونه هو الديان من دون الله ، وهى المزاعم التى وردت فى انجيل يوحنا ، وفيما يلى مقتطفات منه مع تعليقات عليها لواحد من أكبر علماء اللاهوت النصرانى وهو الأب ( متى المسكين ) فى كتابه الضخم ( شرح انجيل القديس يوحنا - الجزء الأول ) ، حيث جاء فى صفحة 352 منه ما يلى :
(( يوحنا 5 : 22 : " لأن الآب لا يدين أحدا ، بل قد أعطى كل الدينونة للابن "
التعليق : الذى يقيم الموتى ( الابن ) له أن يحاسبهم ، هذه حتمية الامتياز الذى أعطى للابن ، اذن فالذى يقيم من الموت هو الذى يغفر الخطايا ، والذى يغفر يدين ، لأن الذى يحيى يميت أيضا !!
أما قول المسيح أنه قد أعطى (( كل )) الدينونة ، فمعناه أنه قد تولى الحكم هنا وهناك ، على الأرض وفى السماء ))
وفى صفحة 353 يقول :
(( اذ أعطى الله الابن سلطانا لكى يشفى ويحيى ويقيم من الموت ، تحتم أن يعطيه أيضا سلطانا لكى يدين ، لأن غفران الخطايا هو الجزء الأعظم من سلطان القاضى أو الديان ))
وفى صفحة 363 يقول :
(( يوحنا 5 : 27 : " وأعطاه سلطانا أن يدين أيضا لأنه ابن الانسان "
التعليق : هنا امتياز الدينونة أخذه المسيح باعتباره " ابن الانسان " حسب القراءة اليونانية الصحيحة بدون التعريف ب " ال " حتى لا يفيد شخص المسيح بل الجنس ، أى أنه يدين كانسان !
وهذا المعنى يحمل منتهى العدالة الالهية اذ جعل الديان الذى يقضى لبنى الانسان هو " ابن الانسان " أى من جنس من يقضى لهم ))
وفى صفحة 367 يقول :
(( ويعود القديس بولس الرسول يؤكد حتمية وقوفنا أمام الديان ( المسيح ) بقوله :
" لأنه لا بد أننا جميعا نظهر أمام كرسى المسيح لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع خيرا كان أم شرا " ( 2 كو 5 : 10 )
بطرس الرسول أيضا يشترك فى هذا التأكيد عينه بقوله :
" الذين سوف يعطون حسابا للذى هو على استعداد أن يدين الأحياء والأموات " ( 1 بط 4 : 5 )
ويحدد بولس الرسول هذا اليوم الذى للدينونة بيوم ظهور المسيح هكذا :
" أنا أناشدك اذا أمام الله والرب يسوع المسيح العتيد أن يدين الأحياء والأموات عند ظهوره وملكوته " ( 2 تى 4 : 1 )
كما استقر الايمان الأول فى الكنيسة بأن المسيح ك " رب " هو الذى سيضطلع بالدينونة ، وذلك من فم المسيح نفسه :
" وأوصانا أن نكرز للشعب ونشهد بأن هذا هو المعين من الله ديانا للأحياء والأموات " ( أع 10 : 41 - 42 ) ))

اكتفى بهذا القدر الآن ، وقد يكون لى عودة ان شاء الله تعالى لبيان المزيد حول هذا الأمر ، والسلام عليكم
 
علمنا مما سبق أن الآيات الكريمة التى سجلت حوار الله تعالى مع المسيح فى ختام سورة المائدة كان من أهدافها ومراميها نفى عقيدة النصارى فى المسيح بوصفه ديانا للناس يوم القيامة وارجاع الأمر كله لله عز وجل بوصفه هو جل وعلا ملك يوم الدين بلا منازع
والجدير بالذكر أن تلك الآيات يبدو فيها المسيح عليه الصلاة والسلام وكأنه يقف موقف المساءلة والتحقيق ، وهما الأمران اللذان يخص النصارى بهما المسيح نفسه !! فهو عندهم الذى يسأل وهو الذى يحقق و يدين وليس العكس

ولكن ماذا عن اشكال اجازة المسيح المغفرة لهم ؟؟
وكيف يستقيم ذلك مع علمه التام عليه السلام بأن من يشرك بالله مأواه النار كما ورد على لسانه الشريف فى نفس السورة ( الآية 72 ) :
" وقال المسيح يا بنى اسرائيل اعبدوا الله ربى وربكم ، انه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من انصار "
فكيف نوفق بين الأمرين ؟!

لقد حاول بعض الباحثين حل هذا الاشكال بأن فرقوا بين أهل الكتاب - ويدخل فيهم النصارى - والمشركين فقالوا أن نداء القرآن للنصارى فى القرآن هو ( يا أهل الكتاب ) وأنه لم يصفهم صراحة بكونهم مشركين ، ومن هنا تجوز المغفرة لهم على اعتبار أنهم لم يشركوا مع الله آلهة أخرى ، هذا ما ارتأه بعض الباحثين ، وفيما يلى نص كلام أحدهم أسوقه لكم لابداء الرأى فيه ، مع التنويه بأنى أقف منه موقف المحايد فلا اؤيده ولا أنفيه ، بل أفوض العلم فيه الى الله عز وجل

يقول الأستاذ رؤوف أبو سعدة فى كتابه ( من اعجاز القرآن ) الجزء الثانى صفحة 334 ما يلى :
(( وربما قيل لك أن النصرانى أيضا مشرك ، لأنه يعدد آلهته ، فيقول ثلاثة .
وهذا صحيح فى ظاهره ، غير صحيح فى جوهره ، لأن المشرك يعبد آلهة متفرقة ( أرباب متفرقون كما وصفهم يوسف عليه السلام ) ومتضادة الارادة ومتعاكسة الفعل ، يغيظ هذا بذاك ، ويستعين على هذا بذاك ، ويسترضى هذا بقربان لذاك
أما " الثالوث " عند النصرانى فهو وحيد الارادة ، وحيد الفعل :
المسيح عنده يصنع مشيئة " أبيه " الذى فى السموات
والروح القدس جبريل لا يتكلم من عنده وانما يتكلم بما يسمع من الآب ( الله )
والصلاة عند النصرانى صلاة للآب ، لا لعيسى ولا لجبريل :
" أبانا الذى فى السموات ، ليتقدس اسمك ، ليأت ملكوتك ، لتكن مشيئتك كما فى السماء فكذلك على الأرض ! "
والتقرب بالابن تقرب الى الآب
و " موهبة " الروح القدس نعمة من الآب
وخلق السموات والأرض وما بينهما خلق الآب
والملكوت ملكوت الآب
فهل بقى لعيسى وجبريل شىء وقد فنيا أخيرا فى ذات الآب الذى انبثقا منه ليعودا اليه ؟!
فليس ثم - ان تمعنت - جحود لذات الله أو انكار
فالله الذى يعبده النصرانى هو اله ابراهيم واسحق ويعقوب والأسباط والنبيين من قبل ومن بعد
فماذا فعل اللاهوت فى مجامعه مجمعا بعد مجمع ؟
أدمج عيسى وجبريل فى ذات الله عز وجل ، فلم يعد لهما خارج ذات الله وجود ، فاحتفظ بمقولة التوحيد فى وجه المنكرين عليه ، أو هكذا ظن ، ثم أخرج من ذات الله عز وجل عيسى وجبريل يعملان الأعمال فى زى نبى وملك كريم
أفليس الأنبياء رسل الله ؟ وأليس الملائكة جند الله ؟
فما حاجة الله الى التزيى بزى عيسى وجبريل ؟!!
أسئلة لا تجد لها جوابا عند النصرانى المؤمن الذى لا التواء فيه ، بل هو يحترز كل الاحتراز من مناقشتها بعقله الذى لا يحتمل كل هذا الخلط والتخليط : انه فحسب يعبد الآب الذى فى السموات ، ويحب المسيح ، ويعظم الروح القدس ، على القرب من الله عز وجل قربا يعلو على فهم البشر ، ويترك التفصيل والتقعيد لأصحاب هذا اللاهوت
هنا تجد فى الله رجاء للنصرانى المؤمن الذى لا التواء فيه - لا لأصحاب هذا اللاهوت - ان هو نزه ذات الله عز وجل عما لا يليق بجلاله ، وأصم أذنيه وقلبه عن سفسطة أصحاب اللاهوت ، والله يهدى من يشاء بقرآن وبغير قرآن ، وهو أعلم بالمهتدين )) انتهى الاقتباس من المرجع المذكور
 
ولكن ماذا عن اشكال اجازة المسيح المغفرة لهم ؟؟
وكيف يستقيم ذلك مع علمه التام عليه السلام بأن من يشرك بالله مأواه النار كما ورد على لسانه الشريف فى نفس السورة ( الآية 72 ) :
" وقال المسيح يا بنى اسرائيل اعبدوا الله ربى وربكم ، انه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من انصار "
فكيف نوفق بين الأمرين ؟!

أخانا العليمى حفظك الله
لماذا الاصرار على أن في الآية اشكالا؟

إنه مقام التفويض ، تفويض الأمر إلى الله تعالى.
المسيح لم يشفع وإنما كان يجيب على السؤال.
وأذكرك أن نوحا عليه السلام عندما قال:
" إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ" سورة هود من الآية (45)
قال الله له:
(قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) سور هود (46)

وأما ما نقلته عن أبي سعدة:
وربما قيل لك أن النصرانى أيضا مشرك ، لأنه يعدد آلهته ، فيقول ثلاثة .
وهذا صحيح فى ظاهره ، غير صحيح فى جوهره ، لأن المشرك يعبد آلهة متفرقة ( أرباب متفرقون كما وصفهم يوسف عليه السلام ) ومتضادة الارادة ومتعاكسة الفعل ، يغيظ هذا بذاك ، ويستعين على هذا بذاك ، ويسترضى هذا بقربان لذاك
أما " الثالوث " عند النصرانى فهو وحيد الارادة ، وحيد الفعل :
المسيح عنده يصنع مشيئة " أبيه " الذى فى السموات
والروح القدس جبريل لا يتكلم من عنده وانما يتكلم بما يسمع من الآب ( الله )

أقول هذا كلام ساقط لأن الله كفر هؤلاء الذين يقولون بإلهية المسيح والذين يقولون بالتثليث وسماهم مشركين وتوعدهم بالعذاب الأليم:
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ ُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)) سورة المائدة

والمثلث مشرك بالله وإن زعم أن الثلاثة واحد ، فالحكم لا يتعلق بزعمهم وإنما الحكم معلق بالحقيقة :
فالله غير المسيح وغير روح القدس وكل واحد يختلف عن الآخر.

وما دام أن أبا سعدة قال عن ما ذكره من عقيدة النصارى :
"خلط وتخليط"
فكيف تريد أن تحل به اشكالا؟

يا أخانا العليمى أرح نفسك وأرحنا معك فليس في الآية اشكال.
 
أخانا العليمى حفظك الله
لماذا الاصرار على أن في الآية اشكالا؟.


هذا سؤال أعتقد أنى قد أجبت عنه من قبل غير ذات مرة ( بدءا من المداخلة السابعة ) ، أجبت عنه مرات عديدة ، وكان آخرها حين قلت :

كما اننى - أخى الكريم - لم أختلق هذا الاشكال اختلاقا ، وانما وجدته كذلك فى الكثير من كتب التفسير ، وقد عرضت نماذج عديدة منها فى مداخلاتى السابقة ، فالاشكال موجود أخى الحبيب من قديم وليس وليد اليوم فحسب

ثم تقول أخى الكريم :

إنه مقام التفويض ، تفويض الأمر إلى الله تعالى.

حسنا ، لا بأس ، ولكن من العجيب أن كثيرا ممن قالوا بالتفويض قد أثاروا نفس هذا الاشكال أيضا !!

المسيح لم يشفع وانما كان يجيب على السؤال

أجل ، المسيح لم يشفع ، وأنا لم أنازع فى هذا ، بل أعلنت صراحة رفضى لمسألة الشفاعة جملة وتفصيلا ، ولكن هذا لم يمنع نفس الاشكال من أن يظل قائما

وأما ما نقلته عن أبي سعدة:
أقول هذا كلام ساقط لأن الله كفر هؤلاء الذين يقولون بإلهية المسيح والذين يقولون بالتثليث وسماهم مشركين وتوعدهم بالعذاب الأليم

أما أن الله عز وجل قد كفر ( بتضعيف الفاء ) من ذكرتهم فهذا حق ، وأما أنه سماهم مشركين ففى هذا نظر وتوقف واحتراز
فانك اذا جلت ببصرك فى القرآن كله فلن تجد اسم المفعول للجمع المذكر ( مشركون أو مشركين ) أو المؤنث ( مشركات ) أو حتى للمفرد ( مشرك أو مشركة ) قد أطلقه القرآن الكريم - ولو لمرة واحدة - على من يدين بالنصرانية ، وهذا ملحظ هام لا ينتبه اليه كثير من الناس ، ذلك أن بين الكفر والشرك فرق ملحوظ ، وقد أفاض أهل العلم فى بيان ذلك الفرق ، وذكروا أدلة كثيرة على الفرق بينهما ، والكلام فى هذا شرحه يطول ، وربما احتاج الى فتح موضوع مستقل لبيانه ومناقشته ، ولست مستعدا لذاك الآن ، ولكنى اكتفى فى عجالة سريعة بتذكيركم ببعض الآيات الكريمات التى فرقت بينهما ، ثم بحكم الشرع الحنيف فى الأكل من ذبائح أهل الكتاب وفى نكاح نسائهم من دون المشركين جميعا
فأما عن الآيات فمنها قوله تعالى فى مطلع سورة البينة :
" لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة "
فهاهنا نجد مغايرة بين أهل الكتاب من جهة وبين المشركين من جهة أخرى ، وهى مغايرة دل عليها حرف الواو الفاصل بينهما على أصح الأقوال
ومنها كذلك قوله تعالى فى الآية 105 من سورة البقرة :
" ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم "
وأما عن تمييز الشرع الحنيف بين أهل الكتاب والمشركين فمن المعلوم أنه قد أحل لنا الأكل من ذبائح أهل الكتاب ، كما أحل لنا النكاح من نسائهم ، فى حين حرم علينا الأمرين كليهما مع المشركين والمشركات ، وقد ورد هذا أيضا بنص القرآن ذاته ( انظر الآية الخامسة من سورة المائدة ، وقارنها بالآية 221 من البقرة )
ومن هنا فان قولك عن النصارى أن الحق جل وعلا قد ( سماهم مشركين ) ليس بصحيح على اطلاقه أخى الكريم ، أو على أقل تقدير ليس موضع اجماع من العلماء ، بل فيه خلاف مشهور ، وأجد نفسى تميل الى مذهب الامامين أبى حنيفة النعمان وابن حزم فى هذه المسألة ، فانهما ممن فرقوا بين المشركين وأهل الكتاب
ومما يقوى هذا ويعززه جدا - فيما أرى - الآية التى نحن بصددها الآن : " وان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم "
فما كان المسيح عليه السلام ليجيز لهم المغفرة وهو عالم بأنهم مشركون شركا أكبر ، وعالم كذلك بأن المشركين مأواهم النار كما قال هو بنفسه فى الآية 72 من نفس السورة
أقول هذا ثم أختمه بقولى : والله أعلم وأحكم

والمثلث مشرك بالله وإن زعم أن الثلاثة واحد

ينطبق على هذا الكلام ما سبق أن ذكرته توا ، حيث لم ترد لفظة ( مشرك ) فى القرآن كله مرادا بها النصرانى بوجه خاص

وما دام أن أبا سعدة قال عن ما ذكره من عقيدة النصارى : " خلط وتخليط " فكيف تريد أن تحل به اشكالا ؟"

أبو سعدة - يرحمه الله ويطيب ثراه - ما كان يعنى بقوله ذاك الا أصحاب اللاهوت تحديدا وحصرا ، ولم يكن يعنى به العوام من النصارى

يا أخانا العليمى أرح نفسك وأرحنا معك فليس في الآية اشكال

لا تعليق لى على هذه الجملة بعد بيانى السابق فى مطلع هذه المداخلة

وفى الختام أشكرك أخى حجازى على مبادرتك بالرد وتفاعلك مع الموضوع ، فجزاك الله خيرا ، ولا حرمنا الله منك ولا من تعليقاتك المفيدة

والسلام عليكم ورحمة الله
 
أهل الكتاب مشركون

أهل الكتاب مشركون

أخي الكريم العليمى
سلام الله عليك ورحمته وبركاته

قال الله تبارك وتعالى:
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ ُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72)

هذه الآية صريحة في شرك أهل الكتاب ولو لم يكن قولهم : "إن الله هو المسيح ابن مريم" شركاً لما أعقبه بقوله " وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ ُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ".

يقول الطاهر بن عاشور:
"وفي حكايته تعريض بأنّ قولهم ذلك قد أوقعهم في الشرك وإن كانوا يظنّون أنّهم اجتنبوه حذراً من الوقوع فيما حذّر منه المسيح ، لأنّ الّذين قالوا : إنّ الله هو المسيح . أرادوا الاتّحاد بالله وأنّه هو هُو . وهذا قول اليعاقبة كما تقدّم آنفاً ، وفي سورة النّساء . وذلك شرك لا محالة ، بل هو أشدّ ، لأنّهم أشركوا مع الله غيره ومزجوه به فوقعوا في الشّرك وإن راموا تجنّب تعدّد الآلهة ، فقد أبطل الله قولهم بشهادة كلام من نسبوا إليه الإلهية إبطالاً تامّاً ." التحرير والتنوير

وقال تبارك وتعالى:
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (73)
وأما هذه الآية فإنه إذا لم يُفهم من قول" إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ" الشرك، فما أدري أي عبارة يمكن أن نفهم منها معنى الشرك؟
ثم ما معنى رد الله عليهم بقوله:" وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ" إلا إبطال شركهم.
ثم إذا لم يكن لك فيما سبق مقنع على أن أهل الكتاب مشركون فدعك منه وخذ قول الله تعالى الصريح في شركهم:
(اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) سورة التوبة(31)

يقول الطبري رحمه الله تعالى في تفسيره:
"وأما قوله: (وما أمروا إلا ليعبدوا إلهًا واحدًا)، فإنه يعني به: وما أمر هؤلاء اليهود والنصارى الذين اتخذوا الأحبارَ والرهبان والمسيحَ أربابًا، إلا أن يعبدوا معبودًا واحدًا، وأن يطيعوا إلا ربًّا واحدًا دون أرباب شتَّى، وهو الله الذي له عبادة كل شيء، وطاعةُ كل خلق، المستحقُّ على جميع خلقه الدينونة له بالوحدانية والربوبية = "لا إله إلا هو" ، يقول تعالى ذكره: لا تنبغي الألوهية إلا للواحد الذي أمر الخلقُ بعبادته، ولزمت جميع العباد طاعته =(سبحانه عما يشركون)، يقول: تنزيهًا وتطهيرًا لله عما يُشرك في طاعته وربوبيته، القائلون:(عزير ابن الله)، والقائلون:(المسيح ابن الله)، المتخذون أحبارهم أربابًا من دون الله."

أما ما ذكرت أن هناك فرقا بين الكفر والشرك فلا أنازعك فيه في الجملة.

وأما قول الله تعالى:
(لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ) سورة البينة(1)
(مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) سورة البقرة (105)
فوصفهم بأنهم أهل كتاب لا ينفي عنهم الشرك.
وكذلك تخصيصهم ببعض الأحكام كحل نسائهم وذبائحهم لا ينفي عنهم وصف الشرك.
وأما قولك أخانا الكريم:

ومما يقوى هذا ويعززه جدا - فيما أرى - الآية التى نحن بصددها الآن : " وان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم "
فما كان المسيح عليه السلام ليجيز لهم المغفرة وهو عالم بأنهم مشركون شركا أكبر ، وعالم كذلك بأن المشركين مأواهم النار كما قال هو بنفسه فى الآية 72 من نفس السورة
أقول هذا ثم أختمه بقولى : والله أعلم وأحكم.

فأقول كما قلت سابقا: إن المسيح لم يجز لهم المغفرة ولا يفهم ذلك من كلامه وإنما هو مقام التفويض التام ، ومثله تفويض جميع المرسلين في قول الله تعالى:
(يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ) سورة المائدة(109)

يقول بن عاشور رحمه الله تعالى:
"ويحمل قول الرسل : { لا علم لنا } على معنى لا علم لنا بما يضمرون حين أجابوا فأنت أعلم به منّا . أو هو تأدّب مع الله تعالى لأنّ ما عدا ذلك ممّا أجابت به الأمم يعلمه رسلهم؛ فلا بدّ من تأويل نفي الرسل العلم عن أنفسهم وتفويضهم إلى علم الله تعالى بهذا المعنى . فأجمع الرسل في الجواب على تفويض العلم إلى الله ، أي أنّ علمك سبحانك أعلى من كلّ علم وشهادتك أعدل من كلّ شهادة ، فكان جواب الرسل متضمّناً أموراً : أحدها : الشهادة على الكافرين من أممهم بأنّ ما عاملهم الله به هو الحقّ . الثاني : تسفيه أولئك الكافرين في إنكارهم الذي لا يجديهم . الثالث : تذكير أممهم بما عاملوا به رسلهم لأنّ في قولهم : { إنّك أنت علاّم الغيوب } ، تعميماً للتذكير بكلّ ما صدر من أممهم من تكذيب وأذى وعناد . ويقال لمن يَسأل عن شيء لا أزيدك علماً بذلك ، أو أنت تعرف ما جرى . وإيراد الضمير المنفصل بعد الضمير المتّصل لزيادة تقرير الخبر وتأكيده ."

ثم أختم بهذه الآية وأظنها ستزيل عنك كل لبس في أمر القوم ومن ذلك اللبس الحاصل عندك في فهم قول عيسى عليه السلام في سورة المائدة.

( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) سورة البينة (6)

هذا والله أعلم وأحكم
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.
 
ليسوا سواء

ليسوا سواء

[align=center]أهل الكتاب ليسوا سواء[/align]
أخى الكريم حجازى الهوى
سلام الله عليك ورحمته وبركاته
ثم أما بعد ، أراك قد أطلقت الحكم وعممته ليشمل كل أهل الكتاب فى كل العصور والأزمنة وفى كافة البقاع والأمكنة
فهل هذا هو حقا موقف القرآن منهم ؟ هل يعتبرهم جميعا مشركين وبلا أدنى تمييز أو استثناء؟
والجواب الصحيح : ان أهل الكتاب وبنص القرآن ذاته : ( ليسوا سواء ) ، فان منهم المؤمن ومنهم الكافر ، قال تعالى :

( لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ )
وقال كذلك :{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} ، أي أن منهم من يؤمن بالله واليوم الآخر ، وليسوا جميعا من الكافرين
كما قال تعالى :{ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ}
وقد أشرت فى مداخلة سابقة الى أن نصوص الكتاب والسنة قد دلت على وجود فرق بين أهل الكتاب وغيرهم من الكفار في بعض الأحكام والتى منها : حل ذبائحهم ، وحل نسائهم العفيفات ، وذلك بخلاف سائر طوائف الكفار من المجوس وعبدة الأوثان وغيرهم ، فلا تحل ذبائحهم ، ولا نسائهم للمسلمين ، وهذا متفق عليه بين العلماء ، ومن ذلك أن الجزية لا تؤخذ إلا من اليهود ، والنصارى ، والمجوس على قول أكثر أهل العلم
وقد قال الامام ابن حزم- رحمه الله - فى (مراتب الإجماع ) : " اتفقوا علي تسمية اليهود والنصاري كفارا ، واختلفوا في تسميتهم مشركين ، واتفقوا أن من عداهم من أهل الحرب يسمون مشركين "
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية- رحمه الله - فى ( مجموع الفتاوي ) :
( الشرك المطلق في القرآن لا يدخل فيه أهل الكتاب , وإنما يدخلون في الشرك المقيد )
كما أن القرآن حين جمع طوائف الموحّدين معا جعل منهم النصارى فقال تعالى :
" إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون " ، فقوله تعالى : " عند ربهم " يفيد أن لهم جميعا رب واحد يدينون له بالعبادة
وكذلك قال تعالى :
« ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا »
فهنا نجد أن القرآن الكريم قد ساوى بين كنائس النصارى ومساجد المسلمين من حيث أن فى كليهما معا يذكر اسم الله كثيرا ، بخلاف معابد الوثنيين
وكذلك قال تعالى : " لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا. ولتجدَنَّ أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ، ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون "
فهنا كذلك نجد أن القرآن الكريم قد فصل - و بوضوح تام - اليهود والمشركين عن النصارى واصفا اياهم بأنهم أقرب الناس - على الاطلاق - مودة للمسلمين

وخلاصة القول أنهم ليسوا سواء ، وأن من الخطأ - بل من الظلم الفادح لهم - تعميم الحكم عليهم ووضعهم جميعا فى سلة واحدة أو فى مربع واحد
هذا هو أخى الكريم القول الصحيح فيهم لأنه يوافق ما دلت عليه آيات القرآن الكريم والتى ذكرت لك بعضا منها فحسب لا كلها

أما الآيات التى ذكرتها أنت فى مداخلتك السابقة للتدليل على شركهم جميعا بالله جل وعلا فان من الخطأ فهم تلك الآيات على أنها أحكام عامة ومطلقة أو تفسيرها بمعزل عن سياقها التاريخى وملابساتها الزمنية المحددة والمعروفة تاريخيا والتى يطلق عليها الفقهاء أحيانا ( علم أسباب النزول ) وان كان ما أعنيه هو أمر أعم وأشمل من أسباب النزول ، لأنه يتعلق بتاريخ الملل والمذاهب والنحل والفرق ، و تطورها التاريخى وتوزيعها الجغرافى ، وسوف أتعرض لبيان ذلك الأمر بشىء من التفصيل فى مداخلة قادمة ان شاء الله
والله هو الهادى الى سواء السبيل
 
[align=center]- 2 -[/align]

وقبل الشروع فى بيان ما وعدتك به أخى حجازى فانه يمكن أن أقول لك بأسلوب آخر :
ان ما بينى وبينك من اختلاف فى الرأى بصدد الموقف من أهل الكتاب انما هو اختلاف يعكس أو يماثل اختلاف مشاهير الفقهاء فى نفس المسألة
ذلك أن ما ذهبت أنت اليه أخى الكريم هو نفس ما ذهب اليه من قبل الأمام الشافعى يرحمه الله
بينما ما ذهبت أنا اليه يمثل رأى الامام أبى حنيفة النعمان يرحمه الله
ففى الأمر متسع لكلينا معا
ولله در القائل : " اختلاف الفقهاء رحمة "
وعليه يكون الفصل فى هذا الأمر غير مقطوع به بالاعتماد على ظاهر النص وحده ، وانما يجب معه الاجتهاد ، لأن النصوص ذاتها تحتمل الاجتهاد وتسمح به من حيث كثرتها وتنوعها ، فأنت قد قدمت نصوصا لتدلل بها على صواب رأيك
وكذلك فعلت أنا بالمثل مقدما نصوصا أخرى غير التى قدمتها أنت لأدعم بها رأيى
وقد يبدو للوهلة الأولى أنه يوجد تعارض حاد ما بين مجموعتى النصوص هنا وهناك ، ولكن فى الامكان التوفيق بينهما ، وذلك من خلال الاجتهاد وتوسيع دائرة البحث والتحقيق
وهذا ما انشغلت به طيلة الأيام الثلاثة الماضية ، وقد انتهيت الى صياغة نظرية شاملة توفق بين كافة النصوص المتعلقة بأهل الكتاب وموقف القرآن منهم ، وهى نظرية أحسب أنها سترفع اللبس الكبير المحيط بتلك المسألة
ولسوف أعرضها فى مداخلة قادمة - اليوم أو غدا - باذن الله وسأنتظر بعد ذلك رأيكم فيها
 
الذين كفروا من أهل الكتاب مشركون

الذين كفروا من أهل الكتاب مشركون

[align=center]أخانا الفاضل العليمى
تقول:
"أهل الكتاب ليسوا سواء"

وأنا معك
أهل الكتاب ليسوا سواء.
وتقول:

"أخى الكريم حجازى الهوى
سلام الله عليك ورحمته وبركاته
ثم أما بعد ، أراك قد أطلقت الحكم وعممته ليشمل كل أهل الكتاب فى كل العصور والأزمنة وفى كافة البقاع والأمكنة"

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
نعم أخي الكريم الحكم يشمل الذين كفروا من أهل الكتاب وهذا محل النقاش

وتقول:

"فهل هذا هو حقا موقف القرآن منهم ؟ هل يعتبرهم جميعا مشركين وبلا أدنى تمييز أو استثناء؟"

موقف القرآن من الذين كفروا من أهل الكتاب واحد فكلهم مشركون.

وتقول:
"والجواب الصحيح : ان أهل الكتاب وبنص القرآن ذاته : ( ليسوا سواء ) ، فان منهم المؤمن ومنهم الكافر ، قال تعالى :

( لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ )
وقال كذلك :{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} ، أي أن منهم من يؤمن بالله واليوم الآخر ، وليسوا جميعا من الكافرين
كما قال تعالى :{ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ}"

يا أخانا الكريم المؤمنون منهم ليسوا داخلين في موضوع النقاش فالمؤمنون منهم موحدون.
فلماذا تدخلهم في الموضوع وهو عن الذين كفروا من أهل الكتاب؟

وتقول:

"وقد أشرت فى مداخلة سابقة الى أن نصوص الكتاب والسنة قد دلت على وجود فرق بين أهل الكتاب وغيرهم من الكفار في بعض الأحكام والتى منها : حل ذبائحهم ، وحل نسائهم العفيفات ، وذلك بخلاف سائر طوائف الكفار من المجوس وعبدة الأوثان وغيرهم ، فلا تحل ذبائحهم ، ولا نسائهم للمسلمين ، وهذا متفق عليه بين العلماء ، ومن ذلك أن الجزية لا تؤخذ إلا من اليهود ، والنصارى ، والمجوس على قول أكثر أهل العلم"

وقد أجبتك وأعيد:
إن تخصيصهم ببعض الأحكام لا ينفي عنهم وصف الشرك.

وتقول:

"وقد قال الامام ابن حزم- رحمه الله - فى (مراتب الإجماع ) : " اتفقوا علي تسمية اليهود والنصاري كفارا ، واختلفوا في تسميتهم مشركين ، واتفقوا أن من عداهم من أهل الحرب يسمون مشركين "
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية- رحمه الله - فى ( مجموع الفتاوي ) :
( الشرك المطلق في القرآن لا يدخل فيه أهل الكتاب , وإنما يدخلون في الشرك المقيد ) "

وقد ذكرت لك الأدلة الصريحة على شركهم.
وأما قول شيخ الإسلام فإنما أورده في سياق الرد على من يرد ما خصهم الله به من أحكام والشيخ رحمه الله تعالى لا ينفي عنهم الشرك وإنما قال إن أصل ديانتهم التوحيد وهم خرجوا عن هذا الأصل وهذا نص كلامه:

"وَإِنَّمَا يَدْخُلُونَ فِي الشِّرْكِ الْمُقَيَّدِ قَالَ تَعَالَى : { لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ } فَجَعَلَ الْمُشْرِكِينَ قِسْمًا غَيْرَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَقَالَ تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا } فَجَعَلَهُمْ قِسْمَا غَيْرَهُمْ . فَأَمَّا دُخُولُهُمْ فِي الْمُقَيَّدِ فَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى : { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا إلَهًا وَاحِدًا لَا إلَهَ إلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } فَوَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ . وَسَبَبُ هَذَا أَنَّ أَصْلَ دِينِهِمْ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ بِهِ الْكُتُبَ وَأَرْسَلَ بِهِ الرُّسُلَ لَيْسَ فِيهِ شِرْكٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إلَّا نُوحِي إلَيْهِ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ } وَقَالَ : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } وَلَكِنَّهُمْ بَدَّلُوا وَغَيَّرُوا فَابْتَدَعُوا مِنْ الشِّرْكِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ اللَّهُ سُلْطَانًا فَصَارَ فِيهِمْ شِرْكٌ بِاعْتِبَارِ مَا ابْتَدَعُوا ؛ لَا بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الدِّينِ ."
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 9 / ص 240) ترقيم الشاملة غير موافق للمطبوع.

وتقول:
"كما أن القرآن حين جمع طوائف الموحّدين معا جعل منهم النصارى فقال تعالى :
" إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون " ، فقوله تعالى : " عند ربهم " يفيد أن لهم جميعا رب واحد يدينون له بالعبادة"

هذه الآية يا أخانا الكريم تتكلم عمن :
"من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا"
ومن قال إن الله هو المسيح بن مريم وإن الله ثالث ثلاثة أو إن المسيح بن الله
فهو قطعا ليس بموحد ولا يدخل تحت عموم هذه الآية.

وتقول:

"وكذلك قال تعالى :
« ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا »
فهنا نجد أن القرآن الكريم قد ساوى بين كنائس النصارى ومساجد المسلمين من حيث أن فى كليهما معا يذكر اسم الله كثيرا ، بخلاف معابد الوثنيين"

لقد جانبك الصواب أخي الكريم
فليس هنا مساواة إطلاقا
فذكرهم لله في صوامعهم وبيعهم وصلواتهم لا ينفي عنهم الشرك مادامو ينسبون لله الولد أو يقولون إنه المسيح بن مريم أو إنه ثالث ثلاثة.

وتقول:

"وكذلك قال تعالى : " لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا. ولتجدَنَّ أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ، ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون "
فهنا كذلك نجد أن القرآن الكريم قد فصل - و بوضوح تام - اليهود والمشركين عن النصارى واصفا اياهم بأنهم أقرب الناس - على الاطلاق - مودة للمسلمين"

وهنا مرة أخرى جانبك الصواب أخي الكريم
وإنما ذكرهم هنا بوصفهم الخاص الذي يميزهم عن بقية المشركين ولم ينف عنهم الشرك.

وتقول:

"وخلاصة القول أنهم ليسوا سواء ، وأن من الخطأ - بل من الظلم الفادح لهم - تعميم الحكم عليهم ووضعهم جميعا فى سلة واحدة أو فى مربع واحد
هذا هو أخى الكريم القول الصحيح فيهم لأنه يوافق ما دلت عليه آيات القرآن الكريم والتى ذكرت لك بعضا منها فحسب لا كلها"

ومرة أخرى أقول لك إن أهل الكتاب كما قال الله : ليسوا سواء .
فالمؤمنون منهم ليسوا داخلين فيما نحن فيه يا أخانا الكريم.
فلماذا تدخلهم؟

وتقول:
"أما الآيات التى ذكرتها أنت فى مداخلتك السابقة للتدليل على شركهم جميعا بالله جل وعلا فان من الخطأ فهم تلك الآيات على أنها أحكام عامة ومطلقة أو تفسيرها بمعزل عن سياقها التاريخى وملابساتها الزمنية المحددة والمعروفة تاريخيا والتى يطلق عليها الفقهاء أحيانا ( علم أسباب النزول ) وان كان ما أعنيه هو أمر أعم وأشمل من أسباب النزول ، لأنه يتعلق بتاريخ الملل والمذاهب والنحل والفرق ، و تطورها التاريخى وتوزيعها الجغرافى ، وسوف أتعرض لبيان ذلك الأمر بشىء من التفصيل فى مداخلة قادمة ان شاء الله"

أما كلامك هذا فأرجوا أن تعيد النظر فيه
فالمسألة واضحة ومباشرة ولا تحتاج إلى كبير عناء لفهمها

والله هو الهادى الى سواء السبيل
وجزاك الله خيرا
وألهمني وإياك الصواب
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد[/align]
 
[align=center] يا أخانا الكريم المؤمنون منهم ليسوا داخلين في موضوع النقاش فالمؤمنون منهم موحدون.
فلماذا تدخلهم في الموضوع وهو عن الذين كفروا من أهل الكتاب؟
[/align]

عفوا أخى الحبيب ، فأنا لم أدخلهم ، بل أنت الذى أدخلتهم !!
انظر الى عنوان مداخلتك التى سبقت مداخلتك الأخيرة ماذا يقول :

[align=center]
أهل الكتاب مشركون
[/align]
هكذا على وجه الاطلاق والتعميم
ثم انظر الى عنوان مداخلتك الأخيرة كيف تغير الى :

[align=center]
الذين كفروا من أهل الكتاب مشركون
[/align]
فأصبح مخصصا بعد اطلاق وتعميم
وقد أجبتك على حسب دلالة العنوان الأصلى ( الأول ) فلماذا تؤاخذنى على التعميم وأنت الذى بدأت به ؟!
عفا الله عنك
ثم لقد سبق وأن وافقتنى فى مداخلة سابقة على أنه يوجد فرق بين الكفر والشرك ، وذلك فى قولك :

[align=center]
أما ما ذكرت أن هناك فرقا بين الكفر والشرك فلا أنازعك فيه في الجملة
[/align]فان كنت توافقنى على ذلك ، فلماذا تقول الآن :

[align=center]
موقف القرآن من الذين كفروا من أهل الكتاب واحد فكلهم مشركون
[/align]
بل الذين كفروا يعدوا كافرين بحسب الدلالة اللغوية المحضة لألفاظ اللغة ومفرداتها
أما أن ننسب الى الألفاظ معانى تضيق عنها ولا تتسع لها دون قرينة تدل عليها فهذا شىء أظنك لا توافق عليه ، سيما وأنك أخى الكريم - وكما حدست واستنبطت من أسلوبك - من رجال اللغة والبلاغة ، ولعل حدسى يكون صائبا

كنت أقول : ان الذين كفروا يعدوا كفارا دون تزيد فى المعنى ، ولكن هذا ليس كل شىء ، بل يجب أن نبحث : كفارا بماذا ؟
فالكفر له متعلقات متعددة ، وليس من اللازم والحتمى أن يكون كفرا بالله سبحانه ، بل قد يكون كفرا بالنبوة والرسالة ، أو بالوحى ، أى قد يتعلق بشخص النبى والاقرار بنبوته ، أو بالقرآن بوصفه وحيا من الله عز وجل ، وقد يكون كفرا بأنعم الله تعالى
والقصد أن لفظ ( الكفر) يحتمل معانى عديدة ولا يقتصر بالضرورة على معنى جحود الله وانكاره ، أو الشرك به سبحانه

ولكن هذا لا ينفى أن بعضا من أهل الكتاب قد كفروا بالله تعالى فعلا ، هذا البعض قد أشارت اليه آيات بعينها مثل تلك التى أوردتها سورة المائدة
ومع هذا أقول : ينبغى الاحتراز والتدقيق فى فهم تلك الآيات ، وفى المداخلة القادمة باذن الله سوف أعرض لتنبيهات تعين على فهمها على الوجه الصحيح وتزيل مواضع الالتباس فى فهم كثير من الناس لها
[align=center]( يتبع )
أرجو من أخى الموقر أن يصبر على الرد ريثما انتهى من ردودى
مع وافر الشكر
[/align]
 
ومن قال إن الله هو المسيح بن مريم وإن الله ثالث ثلاثة أو إن المسيح بن الله
فهو قطعا ليس بموحد ولا يدخل تحت عموم هذه الآية

هذ صحيح ولا خلاف عليه
ولكن من المهم جدا أن نحدد :
من هم الذين قالوا ذلك على وجه التعيين والحصر ؟ وما الذى كانوا يعنونه بكل قول على حدة وعلى وجه الدقة ؟ وهل الذين قالوا به هم كل النصارى أبا عن جد وفى كل عصر وحين ؟ أم انهم كانوا ينتمون الى طائفة محدودة يعرفها التاريخ وقد اندثرت ولم يعد لها وجود ؟ ثم هل ظل هذا القول أو ذاك باقيا الى يومنا هذا ولم يطرأ عليه تغيير؟ أم أنه قد اندثر ولم يعد يعتنقه أحد ؟
كل هذه الأسئلة وغيرها لم تمحص بالدرجة الكافية من قبل المفسرين ، والسبب هو عدم احاطة أكثرهم بالعقائد النصرانية على وجه التفصيل ، ناهيك عن المذاهب العديدة المتشعبة منها بطول التاريخ
وليكن فى كريم علمك أخى الفاضل أنه لا يوجد بين النصارى اليوم من يقول بأن الله هو المسيح بن مريم على وجه الحصر والتحديد ، أى من يحصر الألوهية فى شخص المسيح تحديدا
بل ان النصارى يعدون من يقول بهذا مهرطقا وزنديقا ، أى يعتبرونه كافرا مثلما اعتبره القرآن تماما
وكذلك يعتبرون أن القول بأن الله هو واحد من ثلاثة آلهة منفصلة من الهرطقات المخرجة من الملة عندهم ، فالله عندهم واحد فى خاتمة المطاف وان آمنوا بالثالوث ، وعقيدتهم اليوم ليس منها أن الله يعد واحد من ثلاثة أنداد متناظرين ومنفصلين ، سبحانه وتعالى عما يصفون ، فهم يتبرأون من هذا القول ويكفرون ( بتضعيف الفاء ) قائله ، وحقيقة الأمر هى أن كل تلك الأقاويل - كما يكشف لنا تاريخ الملل والمذاهب - انما كانت تدين بها طوائف محدودة من النصارى زمن البعثة النبوية الشريفة فى الجزيرة العربية تحديدا ولم يعد لها وجود الآن
فمن المهم للغاية معرفة معنى القول المنسوب الى البعض منهم ومعرفة متى قيل قبل أن ندمغهم كلهم بالشرك دون أى استثناء
وهذا ينطبق على مقولة ( المسيح ابن الله ) التى فهمها أكثر المفسرين على أنها لا تعنى الا البنوة الطبيعية البيولوجية كتلك التى بين الوالد وما ولد ، فظنوا بالتالى أن النصارى كافة يقولون بهذا ، بينما الحق أن هذا القول منسوب الى طائفة شاذة من النصارى كانت موجودة عصر نزول القرآن وهى الطائفة التى كفرها القرآن فى حينه ، بينما النصارى اليوم هم أول من يكفرون القائل بهذا ويعتبرونه مهرطقا

ومن بليغ البيان القرآنى المعجز ، ومن بالغ احترازه واحتراسه أنه حين ذكر هذه العقيدة الباطلة الشاذة القائلة بأن ( المسيح ابن الله ) بنوة طبيعية ( بيولوجية ) وحقيقية لا مجازية فانه قد قرنها فى الذكر بعقيدة أخرى مماثلة لها تماما فى الشذوذ والمحدودية ، تلك هى قول بعض المتهودين الجهلاء ( عزير ابن الله ) ، فهذا أيضا قول شاذ لم يصدر الا عن طائفة مغمورة ومحدودة جدا من اليهود أو بالأحرى المتهودين من عرب الجزيرة و الذين لم يكونوا يهودا بحكم الأصل والعرق ، ويدلك على شذوذه ومحدوديته أنك تجد اليهود جميعا يستنكرون بشدة صدور هذا القول عنهم ويتبرأون منه تماما ، بل انهم يتعجبون من نسبة القرآن هذا القول اليهم جهلا منهم بتلك الطائفة المغمورة فى التاريخ ، فهذا الاقتران الجامع بين كلا القولين عن المسيح وعزير معا يعد قرينة قوية على شذوذهما معا وقلة القائلين بهما
ونحن اليوم أصبحنا نعلم على وجه التحديد من هم الذين قالوا بذلك بعد أن كان هذا الأمر مجهولا للمفسرين ، وقد كنت أنوى بيان ذلك بشىء من التفصيل لولا مداخلتك الأخيرة أخى الكريم التى اقتضت منى أن أرد على ما جاء فيها

وقبل أن أنتهى من هذه النقطة يجدر بى أن أقول بكل وضوح وبما لا يدع أدنى لبس :
ان مجمل كلامى السابق من بدئه الى منتهاه لا يعنى بحال ولا يجب أن يفهم منه أن عقائد النصارى المعاصرين قد سلمت من البطلان ، بل يشوبها الباطل بلا ريب فى بعض التفاصيل الهامة
، ولكنى أقصد فحسب أن ما ذكره القرآن عن بعضهم لا ينسحب على جميعهم ، وأن من الخطأ تعميم الحكم عليهم أجمعين قبل البحث والتحقيق

[align=center]( يتبع ) [/align]
 
لقد جانبك الصواب أخي الكريم
فليس هنا مساواة إطلاقا
فذكرهم لله في صوامعهم وبيعهم وصلواتهم لا ينفي عنهم الشرك

عفوا أخى الكريم ، بل ربما يكون غيرى قد جانبه الصواب هنا
فان من يذكر اسم الله تعالى ذكرا كثيرا ( كما تقول الآية ) لا يقال عنه : انه مشرك !!
كما أن هذا الفهم يتعارض تماما مع روح الآية ومعناها المباشر ، فالآية تتحدث عن معالم التوحيد لا الشرك ( انظر فيها تفسير ابن عاشور مثلا )
وأخيرا فان هذا الفهم يجرد بيوت الصلاة أو دور العبادة المذكورة فى الآية من أى ميزة لها على هياكل الوثنيين ومعابدهم
فأى ميزة سوف تبقى لها اذا كنا سنصف من فيها بأنهم مشركون أيضا ؟!
ولو لم يكن لها أى امتياز يذكر فلماذا اذن يخصها القرآن بالذكر ويوجب حمايتها وصيانتها والذود عنها ؟!
فهل يعلم أخى الكريم أن بعض مذاهب الشرع الاسلامى الحنيف قد حرمت هدم كنائس النصارى بموجب هذه الآية الكريمة من سورة الحج ؟
فهل شرعنا الحنيف يحافظ على دور العبادة الخاصة بالمشركين ( حسب وصفك لهم ) أو أنه يوفر لهم حق ممارسة الطقوس الكفرية والوثنية ؟!
أعتقد أن الصواب لم يجانبنى أنا فى هذه كما قلت ، وليس أحب اليى من أن تصوبنى لو كنت مخطئا فعلا
وغفر الله لى ولك
[align=center]( يتبع ) [/align]
 
وهنا مرة أخرى جانبك الصواب أخي الكريم
وإنما ذكرهم هنا بوصفهم الخاص الذي يميزهم عن بقية المشركين ولم ينف عنهم الشرك

لا أعتقد أن الصواب قد جانبنى هنا أيضا
وذلك لأن القرآن الكريم كان واضحا وصريحا فى بيان أن موقف المشركين من المسلمين هو : أشد العداء لهم
فهذا هو الموقف الذى يجمع المشركين كافة تجاه المسلمين
فاذا ذكر القرآن عن طائفة أخرى أن موقفهم من المسلمين هو على الضد والنقيض تماما من موقف المشركين ، فهل نقول عن هؤلاء أيضا أنهم كذلك مشركون مع أن الموقفين يقفان على طرفى نقيض ؟!!
أنى نقول بذلك فى قوم بعد قول الله عز وجل فيهم الذى أنصفهم وميزهم عن المشركين ؟ فهل بعد قول الله قول ؟
ثم ماذا تقول أخى فى أمر النبى صلى الله عليه وسلم للمسلمين فى بدء الدعوة بأن يهاجروا الى أرض الحبشة النصرانية لتكون لهم ملاذا آمنا من بطش المشركين بهم ؟ وقد أكرم نجاشى الحبشة النصرانى وفادتهم ، ورفض تسليمهم الى وفد قريش ، بل ورفض الهدايا و الرشوة التى عرضتها عليه قريش ، وكان بحق نعم المجير لهم
فهل النجاشى وقومه النصارى لا يختلفون بنظرك عن المشركين الذين كانوا يضطهدون المسلمين ويسومونهم سوء العذاب ؟!
وهل يستوى المستجير به مع المستجير منه ؟!
بالطبع لا ، فكيف اذن يستوى أشد الناس عداءا مع أقربهم مودة ويكونوا جميعا سواء فى الشرك
بل كيف يكون المشرك الذى يعدد آلهته هو الأقرب مودة للموحد بالله ؟!
وعليه لا أرى أن الصواب قد جانبنى فى هذه أيضا
غفر الله لى ولك
[align=center]( يتبع )[/align]
 
إن تخصيصهم ببعض الأحكام لا ينفي عنهم وصف الشرك

هذا القول قد يصح لو كانت تلك الأحكام متعلقة بأمور يسيرة
ولكننا نجد منها حكما يتعلق برابطة تعد من أقوى الروابط الاجتماعية على الاطلاق
تلك هى رابطة المصاهرة و الزواج
وأحسبك تدرى معنى أن يرتبط المسلم برباط المصاهرة مع عائلة نصرانية ، وأن يكون له ذرية من نسائهم ، ثم أن يكون أخوال أولاده وخالاتهم نصارى
انه أمر غير يسير أخى الكريم ، وانما له أبعاد ودلالات كبيرة
ثم كيف تبرر تخصيص أهل الكتاب بتلك الأحكام المميزة لهم من دون المشركين جميعا والذين نهى الشرع بشدة عن معاملتهم نفس المعاملة ؟
ألا يعنى هذا أن أهل الكتاب فى جملتهم وعمومهم ليسوا والمشركين سواء ؟
فلا يكفى أخى الكريم أن نقول بأن لهم أحكام خاصة دون أن نفكر فى مبررات ذلك التخصيص وأسبابه
[align=center]( يتبع )[/align]
 
أما كلامك هذا فأرجوا أن تعيد النظر فيه
فالمسألة واضحة ومباشرة ولا تحتاج إلى كبير عناء لفهمها

فى حقيقة الأمر لقد تعجبت من قولك هذا أخى الكريم
فلا أعرف كيف أعيد النظر فى قول أنا لم أقله بعد ؟!
كنت أرجو أن تصبر قليلا على أخيك حتى يعرض رأيه عرضا مفصلا ، وحتى تنظر أدلته ومبلغها من الصحة
ولكنك - عفا الله عنك - قد تعجلت اصدار الحكم
وفى الختام أرجو أن يتسع صدر أخى الحبيب لكلامى الذى لم أبتغ به الا التوضيح والبيان لا الجدال والمراء ، والله على ما أقول شهيد
ويبقى الود والاحترام والتقدير فيما بيننا مع اختلاف وجهات النظر ، كما أرجوه أن يتريث فى الرد ولا يتعجله قبل أن يتأمل كلامى كله من جميع أطرافه

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد

" سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا اله الا أنت ، نستغفرك ونتوب اليك "
 
[align=center]أخانا الفاضل لقد طال النقاش في المسألة

ووقتي لا يسعف للرد على ما أجبت به رعاك الله

ولكن أعدك بالجواب متى سنحت الفرصة إن شاء الله تعالى

وأذكرك مرة أخرى بقول الله تعالى:

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) سورة البينة (6)

فقد سوى الله بينهم في المصير والوصف

وأظن أن هذا كافٍ لحسم الإشكال

والله أعلى وأعلم
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد[/align]
 
[align=center]أخانا الفاضل لقد طال النقاش في المسألة
ووقتي لا يسعف للرد على ما أجبت به رعاك الله [/align]

اتفق معك أن النقاش قد طال فى هذه الجزئية
وأرى أن الموضوع قد خرج عن مساره المرسوم وأخذ يتشعب ويستطرد
ومن هنا أرى أن نكتفى بهذا القدر ونفوض مواضع الاختلاف الى أحكم الحاكمين جل وعلا ، فاليه هو سبحانه المرجع والحكم والفصل بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون
وكلمة حق ليس فيها أدنى مجاملة :
لقد سعدت حقا بالحوار معك أخى الحبيب حجازى ، وأشكر لك تجاوبك وسعة صدرك
وفقك الله الى ما يحب ويرضى ، وأجزل لك الأجر والثواب
وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته
 
وكلمة حق ليس فيها أدنى مجاملة :
لقد سعدت حقا بالحوار معك أخى الحبيب حجازى ، وأشكر لك تجاوبك وسعة صدرك
وفقك الله الى ما يحب ويرضى ، وأجزل لك الأجر والثواب
وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته

وأنا كذالك وأقول:

شكر الله لك ووفقك إلى ما يحب ويرضى وأجزل لك الأجر والثواب

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) سورة البينة (6)

فقد سوى الله بينهم في المصير والوصف

أظن اخي الغامدي انى فهمت من قول الاخ العليمي المصرى ان الامر لاينسحب على كل أهل الكتاب بل فئة معينة منهم فى عصر من العصور فالاية التي جئت بها تقول أن من " للتبعيض " ان الذين كفروا من بعض اهل الكتاب والمشركين فى نار جهنم اما الذيم لم يكفروا من اهل الكتاب فهم فى جنات النعيم فليس الامر ينسحب عليهم جميعاً

ولكن سؤالى للاخ العليمى هل اهل الكتاب اليوم لايتبنون بما فى كتبهم مما قاله تلك الفرق وذكرته فى تلك الكتب التى اقرت بالتثليث وهذا ما يعنى انهم كفار مشركون اما الموحدون منهم كانوا قله فى كل عصر من العصور وهو ما تقصده الايات التى تتحدث عن توحيدهم ايضاً فى عصر من العصور

فهل بينت لنا اخي ماذا تقصد بذلك وفصلت فى الامر اكثر ونحن فى انتظارك ؟؟؟
 
ولكن سؤالى للاخ العليمى هل اهل الكتاب اليوم لايتبنون بما فى كتبهم مما قاله تلك الفرق وذكرته فى تلك الكتب التى اقرت بالتثليث وهذا ما يعنى انهم كفار مشركون اما الموحدون منهم كانوا قله فى كل عصر من العصور وهو ما تقصده الايات التى تتحدث عن توحيدهم ايضاً فى عصر من العصور ، فهل بينت لنا اخي ماذا تقصد بذلك وفصلت فى الامر اكثر ونحن فى انتظارك ؟؟؟
لقد تولى الله عز وجل الجواب عن سؤالك هذا ، بقوله تعالى :
" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ " - البقرة / 62
فهذا حكم عام ، ينطبق عليهم فى كل الأزمنة والعصور ، بما فى ذلك عصرنا الحاضر ، وعليه فغير ممتنع أن يوجد منهم اليوم كذلك من يؤمن بالله واليوم الآخر ويعمل صالحا ، وربهم أعلم بهم ، فلنتوقف هنا ، ونفوّض الأمر فيهم إلى الله ، فهو وحده الأعلم بالسرائر وما تخفى الصدور

 
عودة
أعلى