من أسرار الإعجاز البياني في القرآن

إنضم
14/02/2004
المشاركات
72
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
حلب
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم [/align]

قال الله تعالى في حق أهل النار:{ حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى }[ الزمر:71 ]0
وقال جل ثناؤه في حق أهل الجنة:{ حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين }[ الزمر:73 ]0
والسؤال الذي يتردد كثيرًا هنا: ما نوع الواو: في قوله تعالى:{ وفتحت أبوابها } من الآية الثانية؟
ولمَ أدخلت هنا، ونزعت منه في الآية الأولى؟
أولاً- قبل الإجابة عن ذلك نذكر بعض ما قاله علماء العربية في هذه الواو ، ونبدأ بالفرَّاء- شيخ الكوفيين- وكان قد علل لدخولها في الآية الثانية، فقال:” العرب تدخل الواو في جواب( لمَّا ) و ( حتى إذا ) وتلقيها00 فمن ذلك قول الله:{ حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها } وفي موضع آخر: { وفتحت } وكلٌّ صواب “0 وتابعه في ذلك الطبري، في أحد قوليه.
أما سيبويه- شيخ البصريين- فقد حكى لنا رأيَ أستاذه الخليل في الآية الثانية، فقال: ” سألت الخليل عن قوله جل ذكره:{ حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها }: أين جوابها؟ وعن قوله جل وعلا:{ ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب }[ البقرة:75 ]،{ ولو ترى إذ وقفوا على النار }[ الأنعام:7 ]، فقال: إن العرب قد تترك في مثل هذا الخبر الجواب في كلامهم، لعلم المخبَر لأي شيء وضِع هذا الكلام".
وحكى الأخفش- تلميذ سيبويه- عن الحسن- رضي الله عنه- أنه فسر الآية الثانية على إلقاء الواو من قوله تعالى:{ وقال لهم خزنتها }0 أي: قال لهم خزنتها0ثم قال:” فالواو في مثل هذا زائدة “0 ولكنه قال في موضع آخر:” وإضمار الخبر أحسن في الآية".
فعلى قول الفراء يكون جواب{ حتى إذا } في الآيتين هو قوله تعالى:{ فتحت أبوابها }0 وعلى قول الخليل وسيبويه يكون الجواب في الآية الثانية محذوفًا لعلم المخاطب0 وعلى تفسير الحسن- رضي الله عنه- يكون الجواب في الآية الثانية هو قوله تعالى:{ قال لهم خزنتها }.
وفسروا قول الفراء على زيادة الواو0 ونسبوا ذلك إلى الكوفيين، وفسروا قول الخليل وسيبويه على أن الواو عاطفة، والجواب محذوف0 ونسبوا ذلك إلى البصريين00 وإلى هذا أشار النحاس بقوله:” فالكوفيون يقولون: زائدة0 وهذا خطأ عند البصريين؛ لأنها تفيد معنى؛ وهي للعطف ههنا، والجواب محذوف “.
ثم اختلفوا في موضع الجواب المحذوف على قولين:
- أحدهما قبل الواو.
- والثاني بعد الواو.
وكذلك اختلفوا في تقدير الجواب المحذوف على أقوال؛ أشهرها قول الزجاج، ونصه الآتي:” والذي قلنه أنا- وهو القول إن شاء الله- أن المعنى: حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين، دخلوها0 وحذف؛ لأن في الكلام دليلاً عليه0 والدليل هو قوله تعالى:{ دخلوها }".
واختار الطبري قول الزجاج على أنه أولى الأقوال بالصواب، مع تجويزه لقول الفراء الذي ابتدأنا به، كما ذكرنا00 أما الزركشي فقال:” ويحتمل أن يكون التقدير: حتى إذا جاؤوها- أذن لهم في دخولها- وفتحت أبوابها “00 واختلفوا في معنى الواو على هذا القول على قولين:
- أحدهما: أنها عاطفة على الجواب المحذوف.
- والثاني: أنها حالية ، وإليه ذهب الزجاج ، والزمخشري ، وأبو حيان. وأجاز الزركشي القولين معًا. وحكى القرطبي عن أبي بكر بن عياش أنها واو الثمانية ، وذكر أن من عادة قريش إذا عدوا، قالوا: خمسة، ستة، سبعة، ثمانية ولهذا دخلت الواو هنا ، ولم تدخل في الآية الأولى ؛ لأن أبواب النار سبعة. ورد كثير من النحاة والمفسرين هذا القول لضعفه.
و أخيرًا استقرَّ رأي جمهور المتأخرين على أنها واو الحال، وأن المعنى: حتى إذا جاؤوها وقد فتحت أبوابها، دخلوها0 أو ما شابه ذلك0 وقليل منهم من ذهب إلى أنها زائدة0
وقد لقيَ القول الأول من هذين القولين- مع تكلفه- صدًى واسعًا في نفوس الكثير من الدارسين، والباحثين المعاصرين، من علماء اللغة والنحو والتفسير، أذكر منهم الدكتور فضل حسن عباس، صاحب كتاب( لطائف المنان وروائع البيان في دعوى الزيادة في القرآن).
لقد تحدث الدكتور فضل عن هذه الواو فصال وجال، وأتى بالعجب العجاب0 بدأ حديثه بهجومه العنيف على الفراء، واتهمه بسوء النظر والفكر معًا... ثم زعم أن هذه الواو صاحبة رسالة مستشهدًا على ذلك بقوله تعالى:{ والله أعلم حيث يجعل رسالته }... ثم ذكر مدعيًا أن حذف الجواب في الآية من دقائق الإعجاز، وأن حذف جواب( إذا ) مستفيض في القرآن، وكلام العرب0 ولهذا قال في معنى الآية: ” حتى إذا جاؤوها وقد فتحت أبوابها- كان لهم من إكرام الله ما لا يمكن حصره- أو: ما يشابهه".
ولم يكتف الدكتور فضل بذلك، بل زعم أن الجواب في الآية الأولى محذوف أيضًا، وأن جملة( فتحت ) استئنافية، ثم قال:” والمعنى: حتى إذا جاؤوها، فتحت أبوابها- وجدوا من الهول، والحسرة، والندامة، والأسى ما يعجز عنه الوصف- وقال لهم خزنتها كذا وكذا“0 فتأمل!!

ثانيًا- وفي الإجابة عن ذلك كله نقول وبالله المستعان:
آ- هذه الواو التي أدخلت في قوله تعالى:{وفتحت أبوابها} هي أداة ربط ، ووظيفتها اللغوية هي ربط جواب( حتى إذا ) بشرطها. وقد دل الاستقراء على أن لجواب (حتى إذا) حالتين:
الأولى: أن لا يكون مقترنًا بشيء؛ نحو قوله تعالى:{ حتى إذا ركبا في السفينة خرقها } [ الكهف:71 ].
والثانية: أن يكون مقترنًا:
- إما بالواو؛ كهذه الآية.
- أو بالفاء ؛ كقوله تعالى :{حتى إذا لقيا غلامًا فقتله }[ الكهف:74 ].
- أو بثمَّ؛ كقوله تعالى:{ حتى إذا ضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا }[ التوبة:118 ].

ب- إذا ثبت حذف جواب( إذا ) و( لو) في بعض المواضع، فإن حذف جواب( حتى إذا ) لم يثبت أبدًا في أيٍّ من تلك المواضع0 وليس من الصواب أن نقيس( حتى إذا ) على( إذا ) أو على( لو )؛ لأن من شروط القياس المعتبرة في اللغة أن تقاس الظاهرة اللغوية على أمثالها0 ثم إن القياس النحوي لم يصلح لأن يكون منهجًا للبحث العلمي؛ إنما الذي يصلح لذلك هو الاستقراء اللغوي.
وهذا ما فعله الفراء0 والدليل على ذلك أنه أنكر، وبأسلوب رقيق مهذب، قول من جعل قول الله تعالى:{ وأذنت } جوابًا لـ{ إذا } في قوله تعالى:{ إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت}، فقال :” ونرى أنه رأيٌ ارتآه المفسِّرُ، وشبَّهه بقوله تبارك وتعالى:{ حتى إذا جاؤوها }؛ لأنا لم نسمع جوابًا بالواو في( إذ ) مبتدأة، ولا قبلها كلام، ولا في( إذا )، إذا ابتُدِئت، وإنما تجيب العرب بالواو في قوله:( حتى إذا كان ) و( فلمَّا أن كانت )، لم يجاوزا ذلك".
والفراء راوية ثقة، لا يشك أحد في ما يرويه عن العرب0 وقد شهد له بذلك أبو حيان صاحب تفسير( البحر المحيط )، والشواهد القرآنية، وغيرها تؤيد ذلك وتؤكد.
فمن الشواهد القرآنية نذكر قول الله تعالى:{ حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من حدب ينسلون واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا }[ الأنبياء:96 ].
فقوله تعالى:{ اقترب الوعد الحق } جواب قوله:{ حتى إذا }، وقد جاء مقترنًا بالواو، خلافًا لمن زعم غير ذلك؛ لأن المعنى: حتى إذا فنحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، اقترب الوعد الحق00 وإنما كان( اقترب الوعد الحق ) هو الجواب؛ لأن فتح يأجوج ومأجوج، ونسلهم من كل حدب هو علامة من علامات اقتراب هذا الوعد، الذي هو يوم القيامة0 وهو المراد بقوله تعالى:{ فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقًا }[ الكهف:98 ]0
ومن الشواهد الشعرية التي أنشدها الفرَّاء نذكر قول الشاعر:
[align=center]حتى إذا قمِلت بطونكُمُ** ورأيتمُ أبناء كم شــبُّوا
وقلبتمُ ظهر المجَنِّ لنـا**إن اللئيم العاجز الخبُّ[/align]
جاء بجواب( حتى إذا ) مقترنًا بالواو وهو قوله:( قلبتم لنا ظهر المجن )00 والمعنى على هذا واضح{ لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد }0

ج- الفرَّاء لم يفل بزيادة هذه الواو، ولم يذكر نوعها؛ وإنما اكتفى بأن فسر هذه الظاهرة اللغوية بقوله:” العرب تدخل الواو في جواب( لمَّا ) و( حتى إذا ) وتلقيها “0 ولم يقل ذلك في جواب( إذا )، بل أنكر قول من قال به، كما ذكرنا0 وكان ينبغي على الدكتور فضل حسن عباس أن يفهم كلام الفراء قبل أن يهاجمه، ويتهمه بسوء النظر والفكر.

د- وفي حذف هذه الواو في آية، وإثباتها في آية أخرى قال النحاس:” أما الحكمة في إثبات الواو في الثاني، وحذفها من الأول فقد تكلم فيه بعض أهل العلم0 قال: لمّا قال الله عز وجل في أهل النار:{ حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها }، دل على أنها كانت مغلقة00 ولمّا قال في أهل الجنة:{ حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها }، دل على أنها كانت مفتحة قبل أن يجيئوها“0 وإلى هذا ذهب الزمخشري، وأبو حيان0.

ونحن نقول: إن إثبات الواو في الآية الثانية، دلَّ على أن الجنة فتحت أبوابها مع مجيء أهلها إليها، وليس قبل مجيئهم؛ وذلك لمَا في الواو من معنى الجمع الذي لا يفارقها أينما وقعت. ولهذا لا يجوز القول بأنها عاطفة، أو حالية؛ لأنها مسلوبة الدلالة على العطف؛ ولأن واو الحال لا يجوز أن تدخل على الفعل إلا ومعها( قد ) ظاهرة، لا مقدرة0 ثم إن جعلها حالية يقتضي تقدير جواب محذوف مع( قد )- كما فعلوا - وهذا تكلف ظاهر، لا داعي له، لما فيه إخلال بنظم الكلام، وإفساد لمعناه0 فجعلها حالية يدل على أن فتح أبواب الجنة حالة مؤقتة، تتغيَّر بتغيُّر الظروف والأحوال0 وفرق كبير بين أن نفهم هذا المعنى من الآية الكريمة، وبين أن نفهم أن فتح أبواب الجنة حالة ثابتة، ومستمرة0 وهذا المعنى هو الذي تدل عليه هذه الواو.
أما حذفها من الآية الأولى فدل على أن النار لا تفتح أبوابها لأهلها إلا بعد مجيئهم إليها0 وقد يطول وقوفهم، وانتظارهم- وهذا أنكى لهم- ثم تفتح لهم الأبواب بعد طول انتظار، ويدخلون غير مأسوف عليهم، خلافًا لأهل الجنة الذين يدخلون الجنة دون انتظار لأنهم يجدون أبوابها مفتحة لهم مع مجيئهم إليها00 ومما يدل على ذلك قول الله تعال:{ جنات عدن مفتحة لهم الأبواب }[ ص:50 ]0 وأحسن ما قيل في تفسيره: إن الملائكة الموكلين بالجنان، إذا رأوا صاحب الجنة، فتحوا له أبوابها، وحيوه بالسلام، فيدخل محفوفًا بالملائكة على أعز حال، وأجمل هيئة0
هذا المعنى هو الذي ينبغي أن يفهم من قوله تعالى:{ حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها }0 ومن يعرف جوهر الكلام، ويدرك أسرار البيان يتبين له أن ما قلناه هو الحق00 والله تعالى أعلم بأسرار بيانه0 وله الحمد والمنَّة0
‏السبت‏، 06‏ آذار‏، 2004 محمد إسماعيل عتوك
[email protected]
 
أخي الكريم الأستاذ محمد إسماعيل عتوك وفقه الله لكل خير.
أرحب بك معنا في ملتقى أهل التفسير ، الذي يسعد بأمثالكم من الباحثين الجادين. ونرجو أن تجد ما يسرك ، وأن نرى منك ما يسرنا كذلك. وقد انتفعتُ كثيراً بما تكرمتم به من بحث هذه المسألة العلمية التي دارت حول الآية رقم (73) من سورة الزمر.
ويمكنني تلخيص الرأي الذي خلصتم إليه في أن الواو في قوله :(وفتحت أبوابها) أداةُ ربطٍ ، ووظيفتها اللغوية هي ربط جواب (حتى إذا) بشرطها ، وأنها تدل على أن أبواب الجنة تفتح مع مجيء المؤمنين إلى الجنة لا قبل ذلك.

[color=0066FF]* ولديَّ استفسارات :[/color]
الأول : يبدو لي أن القول بأن الواو أداة ربط فحسب ، قول عام يصلح أن يقال في حق الواو العاطفة فهي أداة ربط كذلك ، ويقال في حق الواو الحالية ، ويصلح في حق (ثم) فهي أداة ربط كذلك ، وغيرها من الأدوات ، فهي إضافة لكونها أدوات ربط للكلام فهي ذات معانٍ خاصة كالدلالة على الحال أو المعية أو التراخي مثلاً. وقد ذكر ابن أم قاسم المرادي في (الجنى الداني) أن الواو تأتي للربط بين الجمل ، ولا محل لها من الإعراب ص 163 ، فهل القول بأنها أداة ربط في هذه الآية على وجه الخصوص سبق أن ذكره أحد المفسرين أم هو من تأملكم الكريم وفقكم الله ؟

الثاني : أن المعنى الذي حملتم الآية عليه مع هذا الرأي هو (أن أبواب الجنة تفتح مع مجيئ المؤمنين لا قبله) .
بينما ذهب بعضهم إلى معنى يحتمل ما ذهبتم إليه وهو (أن أهل الجنة يجيئونها فيجدون أبوابها مفتحة ، وهذا أشارت إليه آية كريمة (جنات عدن مفتحة لهم الأبواب) وهو ما تؤديه هذه الواو ، فهي واو الحال). كما ذكر الدكتور فضل حسن عباس في كتابه الذي أشرتم إليه ص 197 . فكم هي المدة الفارقة بين كونه يفتح مع لا قبل أو عند ؟ وما الفرق المؤثر بينهما ؟

الثالث : أن القول بأن (القياس النحوي لم يصلح لأن يكون منهجًا للبحث العلمي؛ إنما الذي يصلح لذلك هو الاستقراء اللغوي). يخالف ما تقرر عند النحاة من صحة القول بالقياس بشروطه المعتبرة ، وأن الاستقراء اللغوي لا يخالف القياس الصحيح. ولا شك أن الاستقراء لكلام العرب هو الحجة ، والاستقراء يكون داعماً للقياس ، ولا يعود عليه بالنقض ، وقد قرر هذه المسألة من كتبَ في النحو منذ قيل :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
إنما النحو قياس يتبع= وبه في كل أمر ينتفع [/poem]
الرابعة : أنا أتساءل ما الحكمة من ذهاب المفسرين إلى القول بأن معنى حذف الواو في الحديث عن أهل النار يدل على أنه لا يفتح لهم إلا بعد الانتظار ، وأن في ذلك زيادة في العذاب لهم ، أليس العذاب هو أن يجدوا الأبواب مشرعة تكاد تميز من الغيظ كما ذكر الله ، لا موصدة دون جهنم ؟! هل من توضيح ؟

وأخيراً فإن الباحثين كثيراً ما يذيلون تأملاتهم بمثل عبارة :(ومن تأمل هذا الموضع بان له صحة ما ذكرت). وعندما يتأمل الآخرون ويخالفونه يتهمهم بأنهم لم يعملوا أذهانهم ، ولم تظهر لهم الأسرار التي ظهرت له. وقد سلك أهل الإلحاد مسلكاً شبيهاً بهذا ، فهم يهجمون على الآيات هجوماً لم يسبقوا إليه ، ويقولون : وقد أخطأ المفسرون جميعاً في تفسير هذه الآية ، والذي ينبغي أن يقال في تفسيرها هو كذا وكذا ..) وهذا تجده عند نصر أبو زيد كثيراً. فكيف الحل إذا مع أمثال هؤلاء أخي الكريم محمد ؟
أرجو أن يتسع وقتك الثمين للإجابة عن تساؤلي وفقك الله. كما أرجو أن لا تبخل علينا بمثل هذه النفائس العلمية المحررة.
 
جواب عن استفسار

جواب عن استفسار

بسم الله الرحمن الرحيم
شيخنا الجليل، وأستاذنا الفاضل عبد الرحمن الشهري!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته00 وبعد0
إنه لمن دواعي سروري أن أكون معكم في ملتقى أهل التفسير، أسعد بلقائكم، وأرجو أن تسعدوا أنتم بلقائي حقًا، وشكرًا لكم على ترحيبكم بي في الملتقى، وعلى اهتمامكم بمقالنا( من أسرار الإعجاز البياني في القرآن ) الذي يكشف عن سر وجود( الواو ) في قوله تعالى:{ حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها } من آية الزمر/73 0
أما عن استفساراتكم فأحاول أن أجيب عنها بعون الله وتعليمه، وأرجو منه سبحانه أن يوفقني في الإجابة عن ذلك، إنه نعم المولى، ونعم النصير0

أولاً- أما عن الاستفسار الأول فالجواب عنه: أن لكل أداة في اللغة وظيفة تشغلها في التركيب اللغوي، ومعنى تؤديه في السياق0 ووظيفة الأدوات جميعًا هي الربط؛ فكما تكون الفاء في جواب( إذا ) رابطة له يشرطها، كذلك تكون( الواو ) رابطة لجواب( حتى إذا )0 والشواهد اللغوية هي التي تحكم بصحة ذلك، لا القواعد النحوية0
فوظيفة( الواو ) – كوظيفة أي أداة- هي الربط0 أما معناها الذي تؤديه في التركيب فلا يمكن معرفته إلا من السياق0 ومعنى( الواو ) في آية الزمر هو معنى الجمع0 وأعني به الجمع بين الشرط والجواب في الحدوث0 فمجيء أهل الجنة إلى الجنة، وفتح أبوابها لهم تمَّ حدوثهما في وقت واحد0 وهذا ما ذكرته في مقالي السابق0 وإلى نحو من هذا ذهب ابن جني، فقال في( باب خلع الأدلة) من كتابه: الخصائص:” ومن ذلك واو العطف؛ فيها معنيان: العطف، ومعنى الجمع0 فإذا وضعت موضع( مع ) خلصت للاجتماع، وخلعت عنها دلالة العطف؛ نحو قولهم: استوى الماء، والخشبة “0
أما عن كون( الواو ) أداة ربط فهذا ما يفهم من قول الفراء:” العرب تدخل ( الواو ) في جواب( لما ) و( حتى إذا ) وتلقيها“00 فالفراء في قوله هذا اكتفى برصد هذه الظاهرة اللغوية في لغة العرب، فذكر بذلك وظيفة( الواو ) ولم يذكر شيئًا عن معناها0 لم يذكر متى تدخل هذه الواو، ولمَ تدخل؟ ومتى تلقى، ولمَ تلقى؟ وهذا ما ذكرناه نحن في هذا المقال0
ونظير هذه الواو في جواب( حتى إذا ) الواو في جواب( لمَّا )0 وأذكر عليها مثالاً واحدًا من القرآن الكريم؛ لن المجال لا يتسع لأكثر من ذلك؛ وهو قوله تعالى: { فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين }[الصافات:103- 104]0
جواب{ فلما }- هنا- هو قوله تعالى:{ ناديناه }0 هذا ما ذهب إليه الفراء، وتابعه فيه الإمام الطبري، فقال في قوله تعالى{ ناديناه }:” وهذا جواب قوله:{ فلما أسلما }0 ومعنى الكلام: فلما أسلما، وتلَّه للجبين، ناديناه أن يا إبراهيم0 وأدخلت الواو في ذلك، كما أدخلت في قوله تعالى:{ حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها }0 وقد تفعل العرب ذلك، فتدخل الواو في جواب( فلما ) و( حتى إذا ) وتلقيها “0
هذا قول الإمام الطبري، وهو مأخوذ بنصِّه عن الفراء0 وعليه تكون الواو رابطة لجواب( فلما ) بشرطها0 ويكون معنى الآية الكريمة: فلما رضي إبراهيم- عليه السلام- بذبح ابنه، ورضي ابنه بأن يذبح، تصديقًا للرؤيا، وطاعة لأمر الله تعالى، وصرعه على جبينه للذبح، نودي من الجبل: أن يا إبراهيم! قد صدقت الرؤيا0 فتوقف إبراهيم- عليه السلام- عن ذبح ابنه00 فالسر في إدخال الواو على الجواب أنها جمعت بين حدثين: الأول منهما هو قوله تعالى:{ فلما أسلما وتله للجبين }0 والثاني هو قوله تعالى:{ ناديناه أن يا إبراهيم }0 ولولا هذه الواو لتم الذبح، ولم يجدِ النداء شيئًا0
وهكذا يتبين لنا أن الله تعالى، لما أراد أن يوقف هذا الذبح، ويمنع وقوعه، قرن نداءه لإبراهيم - عليه السلام- بهذه الواو، التي قال البعض عنها: إنها زائدة، وقال البغض الآخر: إنها عاطفة، والجواب محذوف0
ثانيًا- إذا كان بعض المفسرين قد ذكروا أن الجنة تفتح أبوابها قيل مجيء أهلها إليها، فلأنهم فسروا الواو بأنها حالية0 وتفسيرهم لها بالحالية محكوم بالقاعدة النحوية التي تنص على أن جواب الشرط لا يقترن بغير الفاء، أو إذا الفجائية، إن كان جملة( اسمية طلبية وبجامد وبما ولن وبقد وبالتسويف )0 فلما اعترضتهم نصوص من القرآن الكريم، ومن لغة العرب، تخالف ما اصطلحوا عليه من قواعد، أخذوا بأعناق تلك النصوص، واخضعوها لقواعدهم0 وبذلك ارتضوا القواعد النحوية مركبًا، فقتلوا أنفسهم بذلك، وقتلوا معها النصوص، متجاهلين أن النصوص القرآنية لا تخضع لقواعدهم00 اسمع إلى أبي حيان، ماذا يقول0 يقول:” التأويل إنما يسوغ إذا كانت الجادة على شيء، ثم جاء شيء يخالف الجادة، فيتأول“0
ويقصد أبو حيان بالجادة- هنا- قواعد النحو، فما خرج عنها يجب أن يتأول حتى يعود إليها0 فأي قياس معتبر هذا الذي يقوم على ذلك التأويل، الذي لم يكن إلا نتيجة للجهد الذهني العميق؟! ألا ترى أنه يجعل من النصوص القرآنية تبعًا للقواعد النحوية، والعكس هو الذي ينبغي أن يكون! ولهذا قلنا إجماع النحاة ليس بحجة ملزمة؛ وإنما الحجة الملزمة هي اللغة نفسها0 وهذا ليس قولي؛ وإنما هو قول ابن جني00 وبهذا أكون قد أجبت عن الاستفسار الثاني، والثالث0
وأما قوله تعالى:{ جنات عدن مفتحةٌ لهم الأبواب } ففيه إشارة إلى ما ذكرنا من أن الجنة لا تفتح أبوابها لأهلها إلا عند مجيئهم إليها؛ لأن قوله تعالى( مفتحة ) صيغة مستقبلية0 ولهذا جاءت منونة00 ولو كان المراد منها المضيَّ أو الدوامَ، جيء بها مفتوحة، أو مضمومة - على القراءتين- هكذا: جنات عدن مفتحة الأبواب لهم00 فتأمل!
ويدل على ذلك أيضًا ما جاء في تفسير القرطبي من قوله:” وإنما قال: { مفتَّحة }، ولم يقل: مفتوحة؛ لأنها تفتح لهم بالأمر، لا بالمسِّ- أي: بالأيدي- قال الحسن: تُكلَّم: انفتحي فتنفتح، انغلقي فتنغلق0 وقيل: تفتح الملائكة لهم الأبواب“0
وجاء في الدر المنثور للسيوطي قوله:” اخرج ابن جرير وابن المنذر عن الحسن في قوله:{ جنات عدن مفتحةٌ لهم الأبواب }، قال: يُرَى ظاهرُها من باطنها، وباطنُها من ظاهرها، ويقال لها: انفتحي، وانغلقي، تكلمي، فتفهم، وتتكلم“0
ومن الأوجه التي ذكرها الفخر الرازي في المراد من الآية: ” أن الملائكة الموكلين بالجنان، إذا رأوا صاحب الجنة، فتحوا له أبوابها، وحيوه بالسلام، فيدخل كذلك محفوفًا بالملائكة على أعز حال، وأجمل هيئة“0 فإذا كانت الجنة، وأبوابها هكذا، فما بالك بالنار، وأبوابها؟
وأما عن استفسارك الأخير فلا أملك إلا أن أقول: اللهم اجعلنا من الذين يفقهون كلامك، ويدركون أسرار بيانك، ولا يقولون فيه إلا صوابًا0 والحمد لله رب العالمين، والسلام على من اتبع الهدى إلى يوم الدين0
‏الخميس‏، 25‏ آذار‏، 2004 – حلب- سورية تلميذكم
محمد إسماعيل عتوك
م- ع
 
السلام عليكم ورحمة الله

السلام عليكم ورحمة الله

كلام الله جل وعلا بريء مما ينسب إليه من الزيادة، وبريء من التأويلات المتكلفة0 وتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا0وشكر الله لأستاذنا محمد إسماعيل على ما كتب، ولأستاذنا عبد الرحمن على ما أضاف من تساؤلات وتعقيبات0 وسلامي للجميع0

___________________________________

( وقفوهم إنهم مسؤولون )
 
السلام عليكم ورحمة الله

السلام عليكم ورحمة الله

نعم أستاذنا
سيقف المجرمون أمام أبواب جهنم وليس كما قال البعض هو العكس ، والذي يؤيد هذا الكلام الآيه 53 من سورة الكهف :(وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا).
جزاك الله خيرا على هذه اللمسة الرائعه .
وأضيف من تأملاتي هذه العبارة.

لو سئل أهل النار ماهي الجنة ؟؟ لأجابوا : الجنة ... هي الخروج من جهنم.

ولو سئل أهل الجنة ؟؟؟ ماهي جهنم ؟؟؟ ، لأجابوا ... جهنم أن نبتعد عن هذا النعيم ؟؟؟

اللهم اجعلنا من أهل الجنة ونعيمها.
 
بارك الله فيكم جميعاً . ولا زلنا نرغب في فوائد الأستاذ الكريم محمد إسماعيل عتوك وفرائده ، وفقه الله لكل خير.
 
عن أبي بكر بن عياش : أنها واو الثمانية ، وذكر أن من عادة قريش إذا عدوا، قالوا: خمسة، ستة، سبعة، وثمانية .
قال يعقوب بن شيبة عن أبي بكر : شيخ قديم معروف بالصلاح البارع ، و كان له فقه كثير ، وعلم بأخبار الناس ..
يُراجَع : تهذيب التهذيب .
 
عودة
أعلى