محمد إسماعيـل
New member
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم [/align]
قال الله تعالى في حق أهل النار:{ حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى }[ الزمر:71 ]0
وقال جل ثناؤه في حق أهل الجنة:{ حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين }[ الزمر:73 ]0
والسؤال الذي يتردد كثيرًا هنا: ما نوع الواو: في قوله تعالى:{ وفتحت أبوابها } من الآية الثانية؟
ولمَ أدخلت هنا، ونزعت منه في الآية الأولى؟
أولاً- قبل الإجابة عن ذلك نذكر بعض ما قاله علماء العربية في هذه الواو ، ونبدأ بالفرَّاء- شيخ الكوفيين- وكان قد علل لدخولها في الآية الثانية، فقال:” العرب تدخل الواو في جواب( لمَّا ) و ( حتى إذا ) وتلقيها00 فمن ذلك قول الله:{ حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها } وفي موضع آخر: { وفتحت } وكلٌّ صواب “0 وتابعه في ذلك الطبري، في أحد قوليه.
أما سيبويه- شيخ البصريين- فقد حكى لنا رأيَ أستاذه الخليل في الآية الثانية، فقال: ” سألت الخليل عن قوله جل ذكره:{ حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها }: أين جوابها؟ وعن قوله جل وعلا:{ ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب }[ البقرة:75 ]،{ ولو ترى إذ وقفوا على النار }[ الأنعام:7 ]، فقال: إن العرب قد تترك في مثل هذا الخبر الجواب في كلامهم، لعلم المخبَر لأي شيء وضِع هذا الكلام".
وحكى الأخفش- تلميذ سيبويه- عن الحسن- رضي الله عنه- أنه فسر الآية الثانية على إلقاء الواو من قوله تعالى:{ وقال لهم خزنتها }0 أي: قال لهم خزنتها0ثم قال:” فالواو في مثل هذا زائدة “0 ولكنه قال في موضع آخر:” وإضمار الخبر أحسن في الآية".
فعلى قول الفراء يكون جواب{ حتى إذا } في الآيتين هو قوله تعالى:{ فتحت أبوابها }0 وعلى قول الخليل وسيبويه يكون الجواب في الآية الثانية محذوفًا لعلم المخاطب0 وعلى تفسير الحسن- رضي الله عنه- يكون الجواب في الآية الثانية هو قوله تعالى:{ قال لهم خزنتها }.
وفسروا قول الفراء على زيادة الواو0 ونسبوا ذلك إلى الكوفيين، وفسروا قول الخليل وسيبويه على أن الواو عاطفة، والجواب محذوف0 ونسبوا ذلك إلى البصريين00 وإلى هذا أشار النحاس بقوله:” فالكوفيون يقولون: زائدة0 وهذا خطأ عند البصريين؛ لأنها تفيد معنى؛ وهي للعطف ههنا، والجواب محذوف “.
ثم اختلفوا في موضع الجواب المحذوف على قولين:
- أحدهما قبل الواو.
- والثاني بعد الواو.
وكذلك اختلفوا في تقدير الجواب المحذوف على أقوال؛ أشهرها قول الزجاج، ونصه الآتي:” والذي قلنه أنا- وهو القول إن شاء الله- أن المعنى: حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين، دخلوها0 وحذف؛ لأن في الكلام دليلاً عليه0 والدليل هو قوله تعالى:{ دخلوها }".
واختار الطبري قول الزجاج على أنه أولى الأقوال بالصواب، مع تجويزه لقول الفراء الذي ابتدأنا به، كما ذكرنا00 أما الزركشي فقال:” ويحتمل أن يكون التقدير: حتى إذا جاؤوها- أذن لهم في دخولها- وفتحت أبوابها “00 واختلفوا في معنى الواو على هذا القول على قولين:
- أحدهما: أنها عاطفة على الجواب المحذوف.
- والثاني: أنها حالية ، وإليه ذهب الزجاج ، والزمخشري ، وأبو حيان. وأجاز الزركشي القولين معًا. وحكى القرطبي عن أبي بكر بن عياش أنها واو الثمانية ، وذكر أن من عادة قريش إذا عدوا، قالوا: خمسة، ستة، سبعة، ثمانية ولهذا دخلت الواو هنا ، ولم تدخل في الآية الأولى ؛ لأن أبواب النار سبعة. ورد كثير من النحاة والمفسرين هذا القول لضعفه.
و أخيرًا استقرَّ رأي جمهور المتأخرين على أنها واو الحال، وأن المعنى: حتى إذا جاؤوها وقد فتحت أبوابها، دخلوها0 أو ما شابه ذلك0 وقليل منهم من ذهب إلى أنها زائدة0
وقد لقيَ القول الأول من هذين القولين- مع تكلفه- صدًى واسعًا في نفوس الكثير من الدارسين، والباحثين المعاصرين، من علماء اللغة والنحو والتفسير، أذكر منهم الدكتور فضل حسن عباس، صاحب كتاب( لطائف المنان وروائع البيان في دعوى الزيادة في القرآن).
لقد تحدث الدكتور فضل عن هذه الواو فصال وجال، وأتى بالعجب العجاب0 بدأ حديثه بهجومه العنيف على الفراء، واتهمه بسوء النظر والفكر معًا... ثم زعم أن هذه الواو صاحبة رسالة مستشهدًا على ذلك بقوله تعالى:{ والله أعلم حيث يجعل رسالته }... ثم ذكر مدعيًا أن حذف الجواب في الآية من دقائق الإعجاز، وأن حذف جواب( إذا ) مستفيض في القرآن، وكلام العرب0 ولهذا قال في معنى الآية: ” حتى إذا جاؤوها وقد فتحت أبوابها- كان لهم من إكرام الله ما لا يمكن حصره- أو: ما يشابهه".
ولم يكتف الدكتور فضل بذلك، بل زعم أن الجواب في الآية الأولى محذوف أيضًا، وأن جملة( فتحت ) استئنافية، ثم قال:” والمعنى: حتى إذا جاؤوها، فتحت أبوابها- وجدوا من الهول، والحسرة، والندامة، والأسى ما يعجز عنه الوصف- وقال لهم خزنتها كذا وكذا“0 فتأمل!!
ثانيًا- وفي الإجابة عن ذلك كله نقول وبالله المستعان:
آ- هذه الواو التي أدخلت في قوله تعالى:{وفتحت أبوابها} هي أداة ربط ، ووظيفتها اللغوية هي ربط جواب( حتى إذا ) بشرطها. وقد دل الاستقراء على أن لجواب (حتى إذا) حالتين:
الأولى: أن لا يكون مقترنًا بشيء؛ نحو قوله تعالى:{ حتى إذا ركبا في السفينة خرقها } [ الكهف:71 ].
والثانية: أن يكون مقترنًا:
- إما بالواو؛ كهذه الآية.
- أو بالفاء ؛ كقوله تعالى :{حتى إذا لقيا غلامًا فقتله }[ الكهف:74 ].
- أو بثمَّ؛ كقوله تعالى:{ حتى إذا ضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا }[ التوبة:118 ].
ب- إذا ثبت حذف جواب( إذا ) و( لو) في بعض المواضع، فإن حذف جواب( حتى إذا ) لم يثبت أبدًا في أيٍّ من تلك المواضع0 وليس من الصواب أن نقيس( حتى إذا ) على( إذا ) أو على( لو )؛ لأن من شروط القياس المعتبرة في اللغة أن تقاس الظاهرة اللغوية على أمثالها0 ثم إن القياس النحوي لم يصلح لأن يكون منهجًا للبحث العلمي؛ إنما الذي يصلح لذلك هو الاستقراء اللغوي.
وهذا ما فعله الفراء0 والدليل على ذلك أنه أنكر، وبأسلوب رقيق مهذب، قول من جعل قول الله تعالى:{ وأذنت } جوابًا لـ{ إذا } في قوله تعالى:{ إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت}، فقال :” ونرى أنه رأيٌ ارتآه المفسِّرُ، وشبَّهه بقوله تبارك وتعالى:{ حتى إذا جاؤوها }؛ لأنا لم نسمع جوابًا بالواو في( إذ ) مبتدأة، ولا قبلها كلام، ولا في( إذا )، إذا ابتُدِئت، وإنما تجيب العرب بالواو في قوله:( حتى إذا كان ) و( فلمَّا أن كانت )، لم يجاوزا ذلك".
والفراء راوية ثقة، لا يشك أحد في ما يرويه عن العرب0 وقد شهد له بذلك أبو حيان صاحب تفسير( البحر المحيط )، والشواهد القرآنية، وغيرها تؤيد ذلك وتؤكد.
فمن الشواهد القرآنية نذكر قول الله تعالى:{ حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من حدب ينسلون واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا }[ الأنبياء:96 ].
فقوله تعالى:{ اقترب الوعد الحق } جواب قوله:{ حتى إذا }، وقد جاء مقترنًا بالواو، خلافًا لمن زعم غير ذلك؛ لأن المعنى: حتى إذا فنحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، اقترب الوعد الحق00 وإنما كان( اقترب الوعد الحق ) هو الجواب؛ لأن فتح يأجوج ومأجوج، ونسلهم من كل حدب هو علامة من علامات اقتراب هذا الوعد، الذي هو يوم القيامة0 وهو المراد بقوله تعالى:{ فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقًا }[ الكهف:98 ]0
ومن الشواهد الشعرية التي أنشدها الفرَّاء نذكر قول الشاعر:
[align=center]حتى إذا قمِلت بطونكُمُ** ورأيتمُ أبناء كم شــبُّوا
وقلبتمُ ظهر المجَنِّ لنـا**إن اللئيم العاجز الخبُّ[/align]
جاء بجواب( حتى إذا ) مقترنًا بالواو وهو قوله:( قلبتم لنا ظهر المجن )00 والمعنى على هذا واضح{ لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد }0
ج- الفرَّاء لم يفل بزيادة هذه الواو، ولم يذكر نوعها؛ وإنما اكتفى بأن فسر هذه الظاهرة اللغوية بقوله:” العرب تدخل الواو في جواب( لمَّا ) و( حتى إذا ) وتلقيها “0 ولم يقل ذلك في جواب( إذا )، بل أنكر قول من قال به، كما ذكرنا0 وكان ينبغي على الدكتور فضل حسن عباس أن يفهم كلام الفراء قبل أن يهاجمه، ويتهمه بسوء النظر والفكر.
د- وفي حذف هذه الواو في آية، وإثباتها في آية أخرى قال النحاس:” أما الحكمة في إثبات الواو في الثاني، وحذفها من الأول فقد تكلم فيه بعض أهل العلم0 قال: لمّا قال الله عز وجل في أهل النار:{ حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها }، دل على أنها كانت مغلقة00 ولمّا قال في أهل الجنة:{ حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها }، دل على أنها كانت مفتحة قبل أن يجيئوها“0 وإلى هذا ذهب الزمخشري، وأبو حيان0.
ونحن نقول: إن إثبات الواو في الآية الثانية، دلَّ على أن الجنة فتحت أبوابها مع مجيء أهلها إليها، وليس قبل مجيئهم؛ وذلك لمَا في الواو من معنى الجمع الذي لا يفارقها أينما وقعت. ولهذا لا يجوز القول بأنها عاطفة، أو حالية؛ لأنها مسلوبة الدلالة على العطف؛ ولأن واو الحال لا يجوز أن تدخل على الفعل إلا ومعها( قد ) ظاهرة، لا مقدرة0 ثم إن جعلها حالية يقتضي تقدير جواب محذوف مع( قد )- كما فعلوا - وهذا تكلف ظاهر، لا داعي له، لما فيه إخلال بنظم الكلام، وإفساد لمعناه0 فجعلها حالية يدل على أن فتح أبواب الجنة حالة مؤقتة، تتغيَّر بتغيُّر الظروف والأحوال0 وفرق كبير بين أن نفهم هذا المعنى من الآية الكريمة، وبين أن نفهم أن فتح أبواب الجنة حالة ثابتة، ومستمرة0 وهذا المعنى هو الذي تدل عليه هذه الواو.
أما حذفها من الآية الأولى فدل على أن النار لا تفتح أبوابها لأهلها إلا بعد مجيئهم إليها0 وقد يطول وقوفهم، وانتظارهم- وهذا أنكى لهم- ثم تفتح لهم الأبواب بعد طول انتظار، ويدخلون غير مأسوف عليهم، خلافًا لأهل الجنة الذين يدخلون الجنة دون انتظار لأنهم يجدون أبوابها مفتحة لهم مع مجيئهم إليها00 ومما يدل على ذلك قول الله تعال:{ جنات عدن مفتحة لهم الأبواب }[ ص:50 ]0 وأحسن ما قيل في تفسيره: إن الملائكة الموكلين بالجنان، إذا رأوا صاحب الجنة، فتحوا له أبوابها، وحيوه بالسلام، فيدخل محفوفًا بالملائكة على أعز حال، وأجمل هيئة0
هذا المعنى هو الذي ينبغي أن يفهم من قوله تعالى:{ حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها }0 ومن يعرف جوهر الكلام، ويدرك أسرار البيان يتبين له أن ما قلناه هو الحق00 والله تعالى أعلم بأسرار بيانه0 وله الحمد والمنَّة0
السبت، 06 آذار، 2004 محمد إسماعيل عتوك
[email protected]
قال الله تعالى في حق أهل النار:{ حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى }[ الزمر:71 ]0
وقال جل ثناؤه في حق أهل الجنة:{ حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين }[ الزمر:73 ]0
والسؤال الذي يتردد كثيرًا هنا: ما نوع الواو: في قوله تعالى:{ وفتحت أبوابها } من الآية الثانية؟
ولمَ أدخلت هنا، ونزعت منه في الآية الأولى؟
أولاً- قبل الإجابة عن ذلك نذكر بعض ما قاله علماء العربية في هذه الواو ، ونبدأ بالفرَّاء- شيخ الكوفيين- وكان قد علل لدخولها في الآية الثانية، فقال:” العرب تدخل الواو في جواب( لمَّا ) و ( حتى إذا ) وتلقيها00 فمن ذلك قول الله:{ حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها } وفي موضع آخر: { وفتحت } وكلٌّ صواب “0 وتابعه في ذلك الطبري، في أحد قوليه.
أما سيبويه- شيخ البصريين- فقد حكى لنا رأيَ أستاذه الخليل في الآية الثانية، فقال: ” سألت الخليل عن قوله جل ذكره:{ حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها }: أين جوابها؟ وعن قوله جل وعلا:{ ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب }[ البقرة:75 ]،{ ولو ترى إذ وقفوا على النار }[ الأنعام:7 ]، فقال: إن العرب قد تترك في مثل هذا الخبر الجواب في كلامهم، لعلم المخبَر لأي شيء وضِع هذا الكلام".
وحكى الأخفش- تلميذ سيبويه- عن الحسن- رضي الله عنه- أنه فسر الآية الثانية على إلقاء الواو من قوله تعالى:{ وقال لهم خزنتها }0 أي: قال لهم خزنتها0ثم قال:” فالواو في مثل هذا زائدة “0 ولكنه قال في موضع آخر:” وإضمار الخبر أحسن في الآية".
فعلى قول الفراء يكون جواب{ حتى إذا } في الآيتين هو قوله تعالى:{ فتحت أبوابها }0 وعلى قول الخليل وسيبويه يكون الجواب في الآية الثانية محذوفًا لعلم المخاطب0 وعلى تفسير الحسن- رضي الله عنه- يكون الجواب في الآية الثانية هو قوله تعالى:{ قال لهم خزنتها }.
وفسروا قول الفراء على زيادة الواو0 ونسبوا ذلك إلى الكوفيين، وفسروا قول الخليل وسيبويه على أن الواو عاطفة، والجواب محذوف0 ونسبوا ذلك إلى البصريين00 وإلى هذا أشار النحاس بقوله:” فالكوفيون يقولون: زائدة0 وهذا خطأ عند البصريين؛ لأنها تفيد معنى؛ وهي للعطف ههنا، والجواب محذوف “.
ثم اختلفوا في موضع الجواب المحذوف على قولين:
- أحدهما قبل الواو.
- والثاني بعد الواو.
وكذلك اختلفوا في تقدير الجواب المحذوف على أقوال؛ أشهرها قول الزجاج، ونصه الآتي:” والذي قلنه أنا- وهو القول إن شاء الله- أن المعنى: حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين، دخلوها0 وحذف؛ لأن في الكلام دليلاً عليه0 والدليل هو قوله تعالى:{ دخلوها }".
واختار الطبري قول الزجاج على أنه أولى الأقوال بالصواب، مع تجويزه لقول الفراء الذي ابتدأنا به، كما ذكرنا00 أما الزركشي فقال:” ويحتمل أن يكون التقدير: حتى إذا جاؤوها- أذن لهم في دخولها- وفتحت أبوابها “00 واختلفوا في معنى الواو على هذا القول على قولين:
- أحدهما: أنها عاطفة على الجواب المحذوف.
- والثاني: أنها حالية ، وإليه ذهب الزجاج ، والزمخشري ، وأبو حيان. وأجاز الزركشي القولين معًا. وحكى القرطبي عن أبي بكر بن عياش أنها واو الثمانية ، وذكر أن من عادة قريش إذا عدوا، قالوا: خمسة، ستة، سبعة، ثمانية ولهذا دخلت الواو هنا ، ولم تدخل في الآية الأولى ؛ لأن أبواب النار سبعة. ورد كثير من النحاة والمفسرين هذا القول لضعفه.
و أخيرًا استقرَّ رأي جمهور المتأخرين على أنها واو الحال، وأن المعنى: حتى إذا جاؤوها وقد فتحت أبوابها، دخلوها0 أو ما شابه ذلك0 وقليل منهم من ذهب إلى أنها زائدة0
وقد لقيَ القول الأول من هذين القولين- مع تكلفه- صدًى واسعًا في نفوس الكثير من الدارسين، والباحثين المعاصرين، من علماء اللغة والنحو والتفسير، أذكر منهم الدكتور فضل حسن عباس، صاحب كتاب( لطائف المنان وروائع البيان في دعوى الزيادة في القرآن).
لقد تحدث الدكتور فضل عن هذه الواو فصال وجال، وأتى بالعجب العجاب0 بدأ حديثه بهجومه العنيف على الفراء، واتهمه بسوء النظر والفكر معًا... ثم زعم أن هذه الواو صاحبة رسالة مستشهدًا على ذلك بقوله تعالى:{ والله أعلم حيث يجعل رسالته }... ثم ذكر مدعيًا أن حذف الجواب في الآية من دقائق الإعجاز، وأن حذف جواب( إذا ) مستفيض في القرآن، وكلام العرب0 ولهذا قال في معنى الآية: ” حتى إذا جاؤوها وقد فتحت أبوابها- كان لهم من إكرام الله ما لا يمكن حصره- أو: ما يشابهه".
ولم يكتف الدكتور فضل بذلك، بل زعم أن الجواب في الآية الأولى محذوف أيضًا، وأن جملة( فتحت ) استئنافية، ثم قال:” والمعنى: حتى إذا جاؤوها، فتحت أبوابها- وجدوا من الهول، والحسرة، والندامة، والأسى ما يعجز عنه الوصف- وقال لهم خزنتها كذا وكذا“0 فتأمل!!
ثانيًا- وفي الإجابة عن ذلك كله نقول وبالله المستعان:
آ- هذه الواو التي أدخلت في قوله تعالى:{وفتحت أبوابها} هي أداة ربط ، ووظيفتها اللغوية هي ربط جواب( حتى إذا ) بشرطها. وقد دل الاستقراء على أن لجواب (حتى إذا) حالتين:
الأولى: أن لا يكون مقترنًا بشيء؛ نحو قوله تعالى:{ حتى إذا ركبا في السفينة خرقها } [ الكهف:71 ].
والثانية: أن يكون مقترنًا:
- إما بالواو؛ كهذه الآية.
- أو بالفاء ؛ كقوله تعالى :{حتى إذا لقيا غلامًا فقتله }[ الكهف:74 ].
- أو بثمَّ؛ كقوله تعالى:{ حتى إذا ضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا }[ التوبة:118 ].
ب- إذا ثبت حذف جواب( إذا ) و( لو) في بعض المواضع، فإن حذف جواب( حتى إذا ) لم يثبت أبدًا في أيٍّ من تلك المواضع0 وليس من الصواب أن نقيس( حتى إذا ) على( إذا ) أو على( لو )؛ لأن من شروط القياس المعتبرة في اللغة أن تقاس الظاهرة اللغوية على أمثالها0 ثم إن القياس النحوي لم يصلح لأن يكون منهجًا للبحث العلمي؛ إنما الذي يصلح لذلك هو الاستقراء اللغوي.
وهذا ما فعله الفراء0 والدليل على ذلك أنه أنكر، وبأسلوب رقيق مهذب، قول من جعل قول الله تعالى:{ وأذنت } جوابًا لـ{ إذا } في قوله تعالى:{ إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت}، فقال :” ونرى أنه رأيٌ ارتآه المفسِّرُ، وشبَّهه بقوله تبارك وتعالى:{ حتى إذا جاؤوها }؛ لأنا لم نسمع جوابًا بالواو في( إذ ) مبتدأة، ولا قبلها كلام، ولا في( إذا )، إذا ابتُدِئت، وإنما تجيب العرب بالواو في قوله:( حتى إذا كان ) و( فلمَّا أن كانت )، لم يجاوزا ذلك".
والفراء راوية ثقة، لا يشك أحد في ما يرويه عن العرب0 وقد شهد له بذلك أبو حيان صاحب تفسير( البحر المحيط )، والشواهد القرآنية، وغيرها تؤيد ذلك وتؤكد.
فمن الشواهد القرآنية نذكر قول الله تعالى:{ حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من حدب ينسلون واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا }[ الأنبياء:96 ].
فقوله تعالى:{ اقترب الوعد الحق } جواب قوله:{ حتى إذا }، وقد جاء مقترنًا بالواو، خلافًا لمن زعم غير ذلك؛ لأن المعنى: حتى إذا فنحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، اقترب الوعد الحق00 وإنما كان( اقترب الوعد الحق ) هو الجواب؛ لأن فتح يأجوج ومأجوج، ونسلهم من كل حدب هو علامة من علامات اقتراب هذا الوعد، الذي هو يوم القيامة0 وهو المراد بقوله تعالى:{ فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقًا }[ الكهف:98 ]0
ومن الشواهد الشعرية التي أنشدها الفرَّاء نذكر قول الشاعر:
[align=center]حتى إذا قمِلت بطونكُمُ** ورأيتمُ أبناء كم شــبُّوا
وقلبتمُ ظهر المجَنِّ لنـا**إن اللئيم العاجز الخبُّ[/align]
جاء بجواب( حتى إذا ) مقترنًا بالواو وهو قوله:( قلبتم لنا ظهر المجن )00 والمعنى على هذا واضح{ لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد }0
ج- الفرَّاء لم يفل بزيادة هذه الواو، ولم يذكر نوعها؛ وإنما اكتفى بأن فسر هذه الظاهرة اللغوية بقوله:” العرب تدخل الواو في جواب( لمَّا ) و( حتى إذا ) وتلقيها “0 ولم يقل ذلك في جواب( إذا )، بل أنكر قول من قال به، كما ذكرنا0 وكان ينبغي على الدكتور فضل حسن عباس أن يفهم كلام الفراء قبل أن يهاجمه، ويتهمه بسوء النظر والفكر.
د- وفي حذف هذه الواو في آية، وإثباتها في آية أخرى قال النحاس:” أما الحكمة في إثبات الواو في الثاني، وحذفها من الأول فقد تكلم فيه بعض أهل العلم0 قال: لمّا قال الله عز وجل في أهل النار:{ حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها }، دل على أنها كانت مغلقة00 ولمّا قال في أهل الجنة:{ حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها }، دل على أنها كانت مفتحة قبل أن يجيئوها“0 وإلى هذا ذهب الزمخشري، وأبو حيان0.
ونحن نقول: إن إثبات الواو في الآية الثانية، دلَّ على أن الجنة فتحت أبوابها مع مجيء أهلها إليها، وليس قبل مجيئهم؛ وذلك لمَا في الواو من معنى الجمع الذي لا يفارقها أينما وقعت. ولهذا لا يجوز القول بأنها عاطفة، أو حالية؛ لأنها مسلوبة الدلالة على العطف؛ ولأن واو الحال لا يجوز أن تدخل على الفعل إلا ومعها( قد ) ظاهرة، لا مقدرة0 ثم إن جعلها حالية يقتضي تقدير جواب محذوف مع( قد )- كما فعلوا - وهذا تكلف ظاهر، لا داعي له، لما فيه إخلال بنظم الكلام، وإفساد لمعناه0 فجعلها حالية يدل على أن فتح أبواب الجنة حالة مؤقتة، تتغيَّر بتغيُّر الظروف والأحوال0 وفرق كبير بين أن نفهم هذا المعنى من الآية الكريمة، وبين أن نفهم أن فتح أبواب الجنة حالة ثابتة، ومستمرة0 وهذا المعنى هو الذي تدل عليه هذه الواو.
أما حذفها من الآية الأولى فدل على أن النار لا تفتح أبوابها لأهلها إلا بعد مجيئهم إليها0 وقد يطول وقوفهم، وانتظارهم- وهذا أنكى لهم- ثم تفتح لهم الأبواب بعد طول انتظار، ويدخلون غير مأسوف عليهم، خلافًا لأهل الجنة الذين يدخلون الجنة دون انتظار لأنهم يجدون أبوابها مفتحة لهم مع مجيئهم إليها00 ومما يدل على ذلك قول الله تعال:{ جنات عدن مفتحة لهم الأبواب }[ ص:50 ]0 وأحسن ما قيل في تفسيره: إن الملائكة الموكلين بالجنان، إذا رأوا صاحب الجنة، فتحوا له أبوابها، وحيوه بالسلام، فيدخل محفوفًا بالملائكة على أعز حال، وأجمل هيئة0
هذا المعنى هو الذي ينبغي أن يفهم من قوله تعالى:{ حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها }0 ومن يعرف جوهر الكلام، ويدرك أسرار البيان يتبين له أن ما قلناه هو الحق00 والله تعالى أعلم بأسرار بيانه0 وله الحمد والمنَّة0
السبت، 06 آذار، 2004 محمد إسماعيل عتوك
[email protected]