منهج ابن عاشور في تفسيره، وخلاصة ما اشتمل عليه

إنضم
05/05/2003
المشاركات
70
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الموقع الالكتروني
www.toislam.net
بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد طلب مني الزميل الشيخ الفاضل الدكتور إبراهيم الحميضي أن أبدي ما عندي حول تفسير ابن عاشور -رحمه الله- وعقيدته.
واستجابة لطلبه الكريم هذه نبذة عن منهج ابن عاشور ومجمل ما اشتمل عليه تفسيره.
حيث يسَّر الله لي قراءة التفسير، وكتبت بعض ما رأيته، ولم تكتمل الكتابة بعد؛ فهي تحتاج إلى مزيد عناية وتحرير، ولعل الله ييسر إخراج كتاب حول ذلك التفسير اسمه (لطائف من تفسير التحرير والتنوير).
فإلى أحبتي رواد ملتقى أهل التفسير هذه الخلاصة في بيان منهج ابن عاشور ومجمل ما اشتمل عليه تفسيره.

منهج ابن عاشور في تفسيره، وخلاصة ما اشتمل عليه

لقد سلك ابن عاشور في تفسيره منهجاً متميزاً، فجاء محتوياً على مزايا عظيمة، متضمناً علوماً كثيرة، وفوائد جمة وربما كانت عزيزة.
وقد بذل في هذا التفسير قصارى جهده، واستجمع قواه العقلية والعلمية؛ فتجلت فيه مواهبه المتعددة، وتبين من خلاله علوُّ كعبه وعلميته الفذة النادرة، ومنهجه التربوي، ونظراته الإصلاحية.
ولقد بين -رحمه الله- في مقدمته الرائعة منهجه بإجمال، ويمكن حصر ذلك بما يلي:
1- بدأ تفسير ه بمقدمات عشر؛ لتكون - كما يقول - عوناً للباحث في التفسير، وتغنيه عن مُعاد كثير، وهذه المقدمات تضمنت علماً غزيراً عظيماً.
2- اهتم ببيان وجوه الإعجاز، ونكت البلاغة العربية، وأساليب الاستعمال.
3- اهتم ببيان تناسب اتصال الآي بعضها ببعض.
4- لم يغادر سورة إلا وبين أغراضها، وما تشتمل عليها بإجمال.
5- اهتم بتحليل الألفاظ، وتبيين معاني المفردات بضبط وتحقيق مما خلت عن ضبط كثير منه قواميسُ اللغة.
6- عُنِيَ باستنباط الفوائد، وربطها بحياة المسلمين.
7- حَرِصَ على استلهام العبر من القرآن؛ لتكون سبباً في النهوض بالأمة.
فهذا مجمل منهجه الذي بيَّنه، وسار عليه.
أما منهجه على وجه التفصيل فيحتاج إلى مزيد بسط وبيان.
وفيما يلي بيان لذلك، ومن خلاله سيتبين خلاصة ما اشتمل عليه التفسير من العلوم والمعارف.
1- منهجه في العقيدة: لقد سار -في الجملة- على منهج السلف الصالح في أبواب العقيدة عدا آيات الصفات؛ فهو يسير فيها على وفق منهج الأشاعرة، وإن كان يخالفهم أحياناً، ويقترب من منهج السلف أحياناً.
وإذا تعرَّض لتأويل آية جاء بأقوال السلف، وربما انتصر لهم، وإذا خالفهم في تأويل صفة أثنى عليهم، واعتذر لهم دون تعنيف أو تسفيه.
بل أحياناً يكون له في الصفة الواحدة قول يسير فيه على منهج أهل التأويل، وفي موضع آخر يوافق فيها السلف -كما في مسألة الرؤية- فتراه -على سبيل المثال- يؤولها، في بعض المواضع، وفي سورة المطففين عند قوله -تعالى-: [كَلاَّ إِنَّهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوْبُوْن] تجده يثبت الرؤية.
ويُلتمس له العذر فيما وقع فيه من تأويلٍ وقع فيه كثير من المفسرين - بأنه نشأ في بيئة علمية أشعرية؛ فهذا بالنسبة لباب الصفات.
أما بقية أبواب العقيدة كإثبات الوحدانية، أو الإيمان بالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر والقدر - فهو يسير فيها على طريقة السلف.
وكذلك الحال بالنسبة لباب الإيمان، وحكم مرتكب الكبيرة، ومسألة الشفاعة، ومسائل الحكمة والتعليل، وفي باب الصحابة وغير ذلك من أبواب العقيدة - يسير فيها على وفق منهج السلف.
بل إنه يرد على المخالفين في ذلك؛ فتراه يناقش المعتزلة، والخوارج في مسألة مرتكب الكبيرة، ويُفنِّد رأيهم، وتراه يُخطِّئ الفلاسفة ويرد عليهم في عدد من المسائل كقولهم: بعلم الله بالكليات دون الجزئيات، وقولهم: في صدور المعلول عن العله، أو إن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد.
وتراه يُخطِّئ الشيعة والباطنية وغيرهم في كثير من مخالفاتهم العقدية، بل ويخالف الأشاعرة في عدد من المسائل في باب القدر وغيره، فعلى الرغم من أن ابن عاشور قد نشأ في جوٍ يسود فيه المذهب الأشعري إلا أنه لم يكن يتحرج من توجيه النقد لما آل إليه المذهب الأشعري.
كما أنه -رحمه الله- يُنكر البدع الحادثة، والأباطيل والخرافات كالطيرة، وأداء صلاة الظهر بعد صلاة الجمعة وغيرها مما ورد في التفسير.
كما أنه يرد على أباطيل الصوفية، وإن كان أحياناً يورد أقوالاً لبعضهم كابن عربي دون تعليق عليها.
فهذا مجمل منهجه في العقيدة، وسيتضح مزيد بيان لهذه الفقرة في الفقرات التالية.
2- العناية بالحديث الشريف: فكثيراً ما يورد الأحاديث النبوية، ويستشهد بها، ويحرص على بيان صحيحها من ضعيفها، ويستعين بها على تفسير آية، أو ترجيح قول، أو بيان سبب نزول.
3- الإلمام بالفقه: فكثيراً ما يتعرض للمسائل الفقهية التي يمر بها تفسيره، فيبين ما فيها من خلاف، ويوضح أقوال أهل المذاهب، ثم يرجِّح ما يراه راجحاً.
وقد يتعرض للمسائل التي يحتاج إليها الناس في وقته، أو التي وقع فيها الخلاف كمسألة أخذ الأجر على القربات، ومسألة نقل لحوم الهدي من مكة، إلى غير ذلك من المسائل.
4- العناية بعلم القراءات: فهو يورد القراءات، ويرجح ذلك القول بناءاً على تلك القراءة أو غيرها، وهكذا...
5- العناية بمقاصد الشريعة: فكثيراً ما يتعرض لمقاصد الشريعة العامة، ويبين المصالح العليا، والغايات الكبرى التي ينبني عليها التشريع.
ولا غروَ في ذلك فهو إمام له باع طويل، ونظرات في ذلك العلم، بل هو باعثه ومجدده في العصور المتأخرة.
6- العناية بالقواعد الأصولية، والمسائل اللغوية والنحوية: فجاء كتابه حافلاً بكثير من قواعد الأصول، ومسائل اللغة وغريبها، وقواعد النحو، واختلاف النحاة، وما جرى مجرى ذلك.
7- العناية بالبلاغة العربية، وأساليب البيان: فهو فارس ذلك الميدان الذي لا يُشق له غبار. ولم يحفل تفسير من التفاسير بالبلاغة العربية وأساليب الاستعمال كما حفل به تفسير التحرير والتنوير.
ولم يخصَّ أحدٌ من المفسرين -كما يقول ابن عاشور في مقدمة تفسيره- فن دقائق البلاغة بكتابٍ كما خصوا الأفانين الأخرى.
ومن أجل ذلك -كما يقول- التزم ألا يُغفل التنبيه على ما يلوح له من هذا الفن العظيم في آية من آي القرآن العظيم؛ كلما أُلْهِمَهُ بحسب مبلغ الفهم والتدبر.
ولهذا جاء تفسيره حافلاً بدقائق البلاغة، ونكتها، وأفانينها؛ فلا تكاد تمر بآيةٍ إلا وبيَّن أنها مشتملةٌ على فنٍّ أو أكثر من فنون البلاغة.
ولا تبالغ إذا قلت: إن هذا التفسير خيرُ تطبيقٍ عملي لقواعد البلاغة العربية على آيات القرآن الكريم.
ومن أجل ذلك كثر إيراده للمصطلحات البلاغية؛ فتراه كثيراً ما يقول: وهذا تذييل، أو تتميم، أو اعتراض، أو حذف، أو إيجاز، أو استفهام نوعه كذا وكذا، وتراه يورد الكثير من مسائل التشبيه، والاستعارة بأنواعها، والبديع وأقسامه، وما جرى مجرى ذلك.
فإذا لم يكن القارئ على علمٍ بالبلاغة - حصل عنده إشكالاتٌ كثيرة، والتبس عليه المقصود في مواطن عدة، وفاته علمٌ غزيرٌ، وخيرٌ كثيرٌ، وربما عدَّ العناية بالبلاغة، ومسائلها ضرباً من الترف، أو التملح.
8- العناية بالقصص القرآني: ويتجلى ذلك من خلال اهتمامه بقصص الأنبياء وأممهم، واستلهام العبر منها.
9- التعرض للكتب السماوية المحرفة: فكثيراً ما ينقل من التوراة وأسفارها الخمسة، ويبين ما في ذلك من التحريف، والباطل، والصواب.
ويوضح من خلال ذلك صحة القرآن، وسلامته من التحريف.
10- التنويه بأمهات العبادات: كالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج وغيرها.
فتراه عند مروره بها يعرج على فوائدها، وحكمها، وآثارها الدنيوية والأخروية.
11- التنويه بمكارم الأخلاق وأصول الفضائل: كالصبر، والحلم، والشكر، والصفح، والعفو، وحسن الخلق، والشجاعة، وعلو الهمة، وأصالة الرأي، وعزة النفس، وإباءة الضيم.
فتراه -في كل سانحة- ينوه بتلك المكارم والفضائل، ويُعلي من شأنها، ويبين حدودها، والفروق بينها، ويدعو إلى التحلي بها، ويبين آثارها الحميدة على الأفراد والأمة.
12- التحذير من مساوئ الأخلاق وسفاسف الأمور: فتراه كثيراً ما يُحذِّر من الجور، والظلم، والفساد، والكذب، والنفاق، والتبذير وما جرى مجرى ذلك.
13- العناية بمعالم الإصلاح العامة: فقد جاء تفسيره حافلاً بما ينهض بالأمة، ويُعلي منارها، وينزلها منزلتها اللائقة بها، ويوصلها إلى أعلى مراتب السيادة، وأقصى درجات المجادة.
14- الاهتمام بأصول التربية والتعليم: فكثيراً ما يبين السبل التي ترتقي بالتربية، والتعليم، كيف لا، وهو المربي الحكيم الذي باشر التعليم، وسبر أحواله، وخبر علله وأدواءه؟ كيف لا، وقد ألَّف كتابه العظيم (أليس الصبح بقريب) وهو في بواكير حياته؛ حيث كتبه وهو في الرابعة والعشرين من عمره، ذلك الكتاب الذي لم يُؤلَّف مثله في بابه، والذي تحدث فيه عن العلم، وتاريخ العلوم، وتطورها، وأسباب الرقي بمستوى التعلم العربي والإسلامي.
ولهذا جاء تفسيراً حافلاً بالنظرات التربوية؛ حيث يقف عند الآيات التي تشير وترشد إلى معالم التربية، وأصولها، كما في قوله -تعالى- في سورة النساء: [كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ].
15- الاعتداد بالسلف الصالح، والاعتزاز بالأمة وتاريخها: فبرغم أنَّه ألَّف تفسيره في وقت ضعف المسلمين، وتسلط الاستعمار، وسقوط الخلافة، وتغلغل الأفكار الغربية، وحدوث الهزيمة النفسية، وتأثر الكثير من المثقفين بكل ما مضى - إلا أن ذلك لم يَنَلْ نَيْلَه من الشيخ ابن عاشور بل كان محباً لسلفه الصالح، مفاخراً بهم، معتزاً بأمته، محتفلاً بتاريخها المجيد، نافياً عنه ما علق به من زيف وتحريف.
16- التنويه بما شاده الأوائل، والحرصُ على الإفادة منه وألا يُقتصر عليه ويوقف عنده: قال -رحمه الله- في مقدمته الرائعة 1/7 مشيراً إلى هذا المعنى: =فإن الاقتصار على الحديث المعاد تعطيل لفيض القرآن الذي ما له من نفاد.
ولقد رأيت الناس حول كلام الأقدمين أحدَ رجلين: رجلٍ معتكفٍ فيما شاده الأقدمون، وآخرَ آخذٍ بمعوله في هدم ما مضت عليه القرون، وفي كلتا الحالتين ضرٌّ كثير، وهنالك حالة أخرى ينجبر بها الجناحُ الكسير، وهي أن نعمد إلى ما أشاده الأقدمون فَنُهَذِّبَهُ ونزيده، وحاشا أن ننقضه أو نبيده، عالماً بأن غمض فضلهم كفران للنعمة، وجحد مزايا سلفها ليس من حميد خصال الأمة، فالحمد لله الذي صدق الأمل، ويسر إلى هذا الخير ودل+.
17- الاعتزاز باللغة العربية: فتراه يتفاخر بها، ويُعلي من شأنها، ويرى أنها أعذب اللغات وأعظمها، وأوسعها مع أنه عاش في وقت الهزيمة -كما مرَّ- وفي وقت كانت العربية توصم بالجمود، وتلاقي كلَّ جحود وكنود.
ومع ذلك لم يفقد ثقته بِلُغَتِه، ولم تنل منه تلك الدعايات فتيلاً أو قطميراً.
كيف لا، وهو الخبير باللغة، العالم بأسرارها، البصير بآدابها وشتَّى فنونها وعلومها؟
18- العناية بالضوابط، والتعريفات، والحدود: بحيث يتطرق للألفاظ التي تمر به في التفسير، فيعرفها بدقة، ووضوح، وشمول.
19- الربط بين هداية القرآن لمصالح المعاش الدنيوي، والمعاد الأخروي، كما في تفسيره لقول الله - عز وجل -: [وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ] النحل: 9.
فإنه أتى بكلام بديع حول هذا المعنى.
20- العناية بعلم الجغرافيا: فقد تبين في تفسيره مدى نبوغه وضلوعه في هذا العلم؛ فكثر إيراده له؛ لأنه يحتاج إليه في تحديد المواضع والأماكن التي ورد ذكرها في القرآن الكريم؛ فلهذا كان يتحرى الصواب، ويحرص على تحقيق مواقع تلك المواضع والأماكن كبابل، ومدين، وثمود، والأحقاف وغيرها.
وقل مثل ذلك في عنايته بخطوط الطول، ودوائر العرض، كما في تفسيره لقوله - تعالى -: [قَالَ مَا مَكَّنَنِي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ] الآية من سورة الكهف.
21- العناية بالتاريخ: ويظهر ذلك من خلال تتبعه الأحداث، ومعرفة أسباب النزول؛ فتراه يرجح أن هذه السورة أو الآية نزلت أولاً؛ بناءاً على ما ترجح عنده من الحوادث التاريخية وهكذا...
وتراه يفيد من التاريخ في الأحوال التي نزلت فيها النوازل، فأفتى فيها علماء ذلك المصر بكذا وكذا، وأفتى غيرهم بكذا وكذا.
22- الاستشهاد بأقوال الفلاسفة، والحكماء: فهو يورد أقوالهم، ويفند ما خالف الحق من آرائهم، ويوظف الحكمة في الاستدلال، والتحليل.
ولهذا تراه يتعرض لأقوال أفلاطون، وأرسطو، وينقل آراء الفلاسفة المنتسبين للإسلام كالكندي، والفارابي، وابن سيناء، ويبين ما فيها من حق، وباطل.
23- التعرض لمسائل الطب: فالقرآن الكريم ورد فيه إشارات في أصول الطب وحفظ الصحة.
وابن عاشور كان ذا عناية بالطب، وذا اطلاع على تاريخه، وأصوله، وعلومه؛ فجاء تفسيره محتوياً على نظرات في ذلك الميدان، كما في تفسير قوله -تعالى-: [وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا] الأعراف: 31، وغيرها من الآيات.
24- التعرض للنظريات في علم الفلك، والطبيعة، وعلم النفس: كما في تفسيره للآيات التي فيها تعرض لبعض المظاهر الفلكية، والطبيعية كالحديث عن السماء، والأرض، والسحاب، والمطر، وتكوين الجنين، وخصائص النبات ونحو ذلك، كما في تفسير قوله - تعالى -: [إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً] التوبة: 36، وغيرها من الآيات.
وكذلك تعرَّض لبعض النظريات في علم النفس، وما جاء في القرآن من الإشارات إلى ذلك العلم.
25- العناية بعالم الحيوان، والطير: فكثيراً ما يتعرض لها عند ورودها في الآيات، كالكلب، والذئب، والخنزير، والغراب، والهدهد، وغيرها، فتراه يذكر تعريفها، وطبائعها، وفصائلها، ومواطنها، وأنواعها، وغرائب عجائبها.
26- التعرض للمعادن، وما يستخرج من الأرض: ومن أمثلة ذلك ما جاء في تفسير سورة الإسراء من قوله - تعالى -: [قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً (50)].
فإنه تكلم عن الحديد بكلام عجيب بديع، حيث قسم أصنافه إلى ثمانية عشر صنفاً باعتبار تركيب أجزائه، وبين خصائص كل صنف.
27- إيراد اللطائف والنوادر والمُلح: فكثيراً ما يورد ذلك في ثنايا تفسيره لبعض الآيات؛ حتى يعضد المعنى الذي يرجحه أو يميل إليه، ولأجل أن يخفف من جفوة المباحث الجادة، ويلطف عنف الممارسة للمناقشات القوية الرصينة؛ فلهذا أودع في تفسيره كثيراً من القصص التاريخية، والنظرات النقدية، والمُلح والنوادر والأفاكيه الأدبية التي تُروِّح عن القارئ، وتعضد ما هو بصدده.
28- جزالة الأسلوب: فقد كتب تفسيره بأسلوب عربي بليغ قوي أخَّاذ، شديد الأسر، محكم النسج.
29- توظيف الثقافة والمعارف: فقد وظَّف ثقافته ومعارفه أحسن توظيف لخدمة الغرض الذي يرمي إليه؛ فجاء تفسيره حافلاً بالشواهد التاريخية، والأساليب البيانية، والفوائد العلمية.
30- إرجاع الأشياء إلى أصولها، وأسبابها الأولى: فإذا مر به عادة من العادات، أو خرافة من الخرافات، أو عمل يعد رمزاً لأمر من الأمور - رجع إلى أصل ذلك، ومبدأه، وسببه.
ومن الأمثلة على ذلك كلامه على الحمامة وغصن الزيتون، وكونهما رمزاً للسلام، وبداية ذلك، وأصله، وذلك كما في حديثه عن طوفان نوح - عليه السلام -
31- لزوم العدل، وتحري الإنصاف: قال -رحمه الله- في مقدمته 1/7: =فجعلت حقاً عليَّ أن أبدي في تفسير القرآن نكتاً لم أرَ من سبقني إليها، وأن أقف موقف الحكم بين طوائف المفسرين تارةً لها وآونةً عليها+.
وقد صدق -رحمه الله- في ذلك؛ فكان يلزم العدل، ويتحرى الإنصاف في مسائل الخلاف التي يوردها.
32- الحرص على الموازنة، والترجيح والمناقشة الحرة: وهذه الفقرة قريبة من سابقتها؛ فهو يوازن، ويرجح، ويناقش بنزاهة وحرية بعيداً عن التعصب؛ فبرغم أنه مالكي المذهب إلا أنه قد يخالف المالكية، وقد ينتقد بعض علمائهم فيما يوردونه.
وتراه يورد كلاماً لأئمة اللغة وأساطين البلاغة، وعلماء التفسير كالزمخشري، والسكاكي، وابن عطية، فيوازن بين أقوالهم، ويناقشهم، وربما استدرك عليهم وخالفهم.
33- سمو العبارة، وهدوء النبرة، ولزوم الأدب: فلا ترى عنده تسفيهاً للخصوم، ولا رمياً بالتهم جزافاً، ولا تعنيفاً على المخالف.
بل تجد عنده العبارة المهذبة، والأدب العالي، والرفق بالمخالف.
34- الأمانة العلمية: وتتجلى هذه المزية في عزو النقول، والدقة في ذلك، وترك التزيُّد على المخالفين، إلى غير ذلك.
35- طول النَّفس، والدأب في تتبع المسائل: فتراه يورد المسألة ويطيل فيها، ويورد الأقوال عليها، فلا يَفْرُغ منها إلا وقد قتلها بحثاً وتحريراً.
ولا تراه يقتنع بكل ما قيل، بل يَرُدُّ ما لا يعضده البحث والدليل، كما في مسألة براءة القرآن من الشعر.
ولا أدل على طول نفسه من كونه فسر القرآن في مدة تسعة وثلاثين وستة أشهر، وهو عمر بحد ذاته.
ومما يدل على ذلك -أيضاً- استدراكه على نفسه فقد يقرر شيئاً، أو يفوته شيء، أو يتبين له الصواب، أو يظهر له مزيد فائدة فيما بعد؛ فتراه بعد ذلك ينبه القارئ، ويوصيه بأن يُلحق الفائدة الجديدة بنظيراتها مما سبق تفسيره.
ولا ريب أن طول مدة التأليف تمده بما يستجد له من المعارف والأبحاث.
36- تعاهده لتفسيره بالتهذيب، والتشذيب، والزيادة: وهذه الفقرة قريبة من السابقة؛ فيظهر من خلال التتبع أنه بعد أن فرغ من تفسيره صار يتعاهده بالتشذيب، والتهذيب قبل أن يطبع، بدليل أنه قد أشار في خاتمة التفسير أنه انتهى منه عام 1380هـ، ومع ذلك يورد فوائد ونقولاً من كتب ثم يحيل إليها في الهامش، وربما ذكر تاريخ طباعة تلك الكتب المحال إليها وهي تحمل تاريخاً حديثاً بالنسبة لتاريخ انتهائه من التفسير، أي أنها صدرت بعد انتهائه من تفسيره.
مثال ذلك ما نجده في تفسير سورة الإسراء 15/19، حيث نقل كلاماً من كتاب، ثم عزا إليه في الهامش، وقال: =حرَّره عارف عارف في المجلة المسماة: (رسالة العلم) بالمملكة الأردنية عدد 2 من السنة 12 كانون الأول سنة 1968م+ ا-هـ.
وهذه السنة الميلادية توافق بالتاريخ الهجري سنة 1388هـ تقريباً.
وهذا يعني أنه أضاف هذه الفائدة بعد فراغه من التفسير بثمان سنوات.
37- كثرة النقول: فالتفسير طافح بالنقول عن الأئمة والعلماء في شتى الفنون سواءٌ كانت شرعية، أو لغوية، أو بلاغية، أو غيرها من فروع العلم والثقافة العامة.
38- كثرة الاستشهاد: سواء بالأشعار، أو الأمثال، أو الحوادث العامة، فجاء تفسيره حافلاً بالشواهد من هذا القبيل، كما في قصة الوزير الأندلسي محمد بن الخطيب السلماني مع ملك المغرب، انظر 1/482-483 من التفسير.
39- التكرار: فكثيراً ما يورد الشاهد، أو القصة، أو الحادثة في أكثر من موضع ومناسبة.
كما في استشهاده ببيت عمرو بن معدي كرب:
أمن ريحانة الداعي السميع .... يؤرقني وأصحابي هجوع​

وكما في بيت الأحوص:
وإذا تزول تزول عن متخمط ... تخشى بوادره على الأقران​

وكما في بيت بشار:
بكِّرا صاحبيَّ قبل الهجير... إن ذاك النجاح في التبكير​

وكما في استشهاده بقصة سيف الدولة مع المتنبي في بيتيه اللذين يقول فيهما:
وقفت وما في الموت شك لواقف ... كأنك في جفن الردى وهو نائم

تمر بك الأبطال كلمى هزيمة ... ووجهك وضَّاح وثغرك باسم​

إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة المكررة.
فهذا هو مجمل منهج الشيخ ابن عاشور في تفسيره، وخلاصة مزاياه، وما اشتمل عليه.
ولم أُكثر من إيراد الأمثلة، والشواهد على ما ذُكر؛ رغبة في الإيجاز.
ومن خلال ذلك يتضح لنا أن ابن عاشور يرى أن القرآن كتاب هدى وإصلاح، ومنبع علوم وآداب.
 
جزاك الله خيرا يا شيخ محمد شوقتني لقراءة الكتاب.
 
شكر للشيخ الكريم ما جاد به من الفوائد القيمة , خاصة تلك النظرة المنصفة , والتفصيل الجيد في بيان عقيدة ابن عاشور رحمه الله .
 
هذا التفسير بحق أحسن تفاسير المعاصرين ، والمؤلف ـ غفرالله له ـ قد أفنى حياة طويلة في كتابته ، ومن عجائبه أنك لا تكاد تخطئ شيئًا جديدًا او تحريرًا مفيدًا في الآية تلو الآية ، كما يعجب القارئ من اتحاد نفس المؤلف ، وبقائه على صبغة واحدة في التأليف من أول الكتاب إلى آخره ؛ لأنك ترى الكثرة الكاثرة من التفاسير يستدُّ ساعد مؤلفيها في أولها ، ثم سرعان ما تضعف تلك الساعد فتقل التحريرات ، ويقل التفسيرفيعضها تجد البقرة في مجلد ، وما سواها من سور القرآن في سبع مجلدات .
وهذا النفس المتواصل يدل على طول بال ، وحرص على التحقيق والتحرير ، ولا يعرف قدر هذا التفسير إلا من عرف مشكلات التفسير ، فوجد الحلَّ عندهذا النحرير .
 
ابن عاشور ومنهجه في تفسيره التحرير والتنوير
عبدالله بن ابراهيم الريس

رسالة ماجستير من جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية
كلية اصول الدين - قسم القران وعلومه
عام 1408هـ

ولا اعلم عن طبعها ؟
 
إضافة وجيزة على "منهج ابن عاشور رحمه الله..."

إضافة وجيزة على "منهج ابن عاشور رحمه الله..."

أحببت ان أسهم مع إخوتي في هذا الموضوع مقترحا
[align=center]الإطار النظري للتفسير المقاصدي عند ابن عاشور[/align]على أن أعرض نماذج تطبيقية قابلا إن شاء الله:

سنحاول هنا الاقتراب من الإطار النظري الذي كان ينطلق منه ابن عاشور رحمه الله في فهمه للقرآن الكريم، وذلك عبر رؤيته لمقاصد الشريعة، ورؤيته الكلية للقرآن الكريم.
1- مقاصد الشريعة كما رآها ابن عاشور
أولا: التعريف

إن الشاطبي رحمه الله لم يعط تعريفًا واضحًا لمقاصد الشريعة، وإنما اكتفى بالقول: "إن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل معًا" (1). وقال في موضع آخر "المقصد الشرعي من وضع الشريعة إخراج المكلف عن داعية هواه، حتى يكون عبدًا لله اختيارًا، كما هو عبد لله اضطرارًا" (2)
أما صاحبنا ابن عاشور الذي جاء بعده فقد عرف المقاصد بما يلي: "مقاصد التشريع العامة هي المعاني والحكم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها بحيث لا تختص ملاحظتها بالكون في نوع خاص من أحكام الشريعة، فيدخل في هذا أوصاف الشريعة، وغايتها العامة، والمعاني التي لا يخلو التشريع عن ملاحظاتها، ويدخل في هذا أيضًا معانٍ من الحكم ليست ملحوظة في سائر الأحكام ولكنها ملحوظة في أنواع كثيرة منها" .(3)
فجعل مقاصد الشريعة هنا تلك المعاني والأوصاف التي يتصف بها التشريع على اختلاف أحكامه ومجالاته.
وقال في موضع آخر: "المقصد العام من التشريع حفظ نظام الأمة واستدامة صلاحه بصلاح المهيمن عليه وهو الإنسان" .(4)
وهنا حسم ابن عاشور مقررا أن المقصد العام من التشريع يتمثل في المحافظة على حفظ نظام الأمة بصلاح المهيمن عليه وهو الإنسان. فربط بين الفرد ومجتمعه في مسئوليته في ذلك.
ثم يعود مؤكدا أن "مقصد الشريعة الأعظم، نوط أحكامها المختلفة بأوصاف مختلفة تقتضي تلك الأحكام، وأن يتبع تغير الأحكام تغير الأوصاف" (5). وهذا ما تبين له من خلال استقراء أقوال الشارع صلى الله عليه وسلم وتصرفاته، ومن الاعتبار بعموم الشريعة الإسلامية ودوامها.
لكن الدكتور طه عبد الرحمن يوضح أن التعريف الذي يوفي بحقيقة علم المقاصد هو، باختصار، أنه علم الصلاح، إذ يجيب هذا العلم عن السؤال التالي: وهو كيف يكون الإنسان صالحا ؟ أو كيف يأتي الإنسان عملا صالحا ؟ (6) وعلى هذا يكون علم المقاصد علما أخلاقيا موضوعه الصلاح الإنساني.
ثانيا: الوظيفة
أراد ابن عاشور رحمه الله أن "يكون (كتابه مقاصد الشريعة الإسلامية) نبراسا للمتفقهين في الدين ومرجعا بينهم عند اختلاف الأنظار وتبدل الأعصار، وتوسلا إلى إقلال الاختلاف بين فقهاء الأمصار، ودربة لأتباعهم على الإنصاف في ترجيح بعض الأقوال على بعض عند تطاير شرر الخلاف" .(7)
فالغرض من كتاب مقاصد الشريعة الإسلامية لا ينفصل عن الغرض من مقاصد الشريعة نفسها، بل إن الغرضين متطابقان.
وهكذا، فإن مقاصد الشريعة الإسلامية، كما يريدها ابن عاشور:
_نبراس للمتفقهين في الدين.
_مرجع بينهم عند اختلاف الأنظار وتبدل الأعصار.
_توسل إلى إقلال الاختلاف بين فقهاء الأمصار.
_دربة لأتباعهم على الإنصاف في ترجيح الأقوال بعضها على بعض الأقوال عند تطاير شرر الخلاف.
وما دعا ابن عاشور إلى صرف همته إليه ما رأى من عسر الاحتجاج بين المختلفين في مسائل الشريعة...
إذن، فالغاية من مقاصد الشريعة أن تكون أداة يمتلكها الفقهاء (أو المتفقهون في الدين بتعبير ابن عاشور) حتى يحسنوا التعامل مع الاختلاف وقضاياه. وهذا الاختلاف لا يقصره ابن عاشور على اختلاف فقهاء عصر واحد ومصر واحد، بل يسعى إلى التقليل منه بين فقهاء الأمصار، وعند تبدل الأعصار.
وأود أن ألاحظ هنا أن مقاصد الشريعة تضع الاختلاف بين فقهاء الأمصار والأعصار في إطاره الصحيح، وتهيئ العقول والقلوب لتقبله من غير حساسية، وتحد من عواقبه وما يمكن أن ينتج عن ذلك من تطاحن... ذلك أن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما. وهذه العلة تختلف باختلاف الزمان والمكان...
2- الرؤية المقاصدية الكلية لابن عاشور رحمه الله
أولا: المقصد من كون العرب حاملي رسالة الإسلام
يرى ابن عاشور رحمه الله أن الله عز وجل الله اختار العرب لحمل شريعة الإسلام خاتمة الرسالات إلى سائر المخاطبين بها، لأنهم يومئذ امتازوا من بين الأمم باجتماع صفات أربع لم تجتمع في التاريخ لأمة من الأمم، وتلك هي:
- جودة الأذهان.
- وقوة الحوافظ.
- وبساطة الحضارة والتشريع.
- والبعد عن الاختلاط ببقية أمم العالم .(8)
ثانيا: المقامان الأساسان للتشريع
يقول ابن عاشور: إن للتشريع مقامين:
- المقام الأول: تغيير الأحوال الفاسدة وإعلان فاسدها، هذا المقام هو المشار إليه بقوله تعالى: ( الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور) (البقرة:257)، وقوله تعالى: (ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم) (المائدة:16).
- المقام الثاني: تقرير أحوال صالحة قد اتبعها الناس، وهي الأحوال المعبر عنها بالمعروف في قوله سبحانه وتعالى: (يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الأعراف:157) .(9)
فما كان صـالحًا من الأحـوال لم يلغـه القرآن، بل أبــقى عليه ما دام لا يعارض مبادئ الإسلام ومصلحة المسلمين، كالطواف والسعي. أما ما كان مناقضًا لذلك فالإسلام ألغاه أو عدله حتى يصبح وفق الإسلام، كتعدد الزوجات وعقوبة القاتل.
يقــول: «وأكثـر ما يحتاج إليه في مقام التقرير هو الحكم بالإباحة، لإبطال غلو المتغالين بحملهم على مستوى السواد الأعظم من البشر الصالح، كما قال تعالى: (ويحل لهم الطيبا ت ويحرم عليهم الخبائث) (الأعراف:157)، فإن الطيبات تناولتها الناس، وشذ فيها بعض الأمم وبعض القبائل، فحرموا على أنفسهم طيبات كثيرة» .(10)
ثالثا: المقاصد الكبرى للقرآن الكريم
يرى ابن عاشور رحمه الله أن القرآن الكريم يتميز بكونه:
1- الجامع لمصالح الدنيا والدين.
2- الحاوى لكليات العلوم ومعاقد استنباطها.
3- الآخذ قوس البلاغة من محل نياطها .(11)
وفي المقدمة الرابعة يحدثنا ابن عاشور رحمه الله عن مقاصد القرآن فيقول: "إن القرآن أنزله الله تعالى كتابا لصلاح أمر الناس كافة رحمة لهم لتبليغهم مراد الله منهم. قال الله تعالى: (وأنزلنا إليك الكتاب تبيانا لكل شيء هدى ورحمة وبشرى للمسلمين) ( النحل: 89) فكان المقصد الأعلى منه صلاح الأحوال الفردية والجماعية و العمرانية، فالصلاح الفردي يعتمد تهذيب النفس و تزكيتها، ورأس الأمر فيه صلاح الاعتقاد لأن الاعتقاد مصدر الآداب و التفكير، ثم صلاح السريرة الخاصة، وهي العبادات الظاهرة كالصلاة، و الباطنة كالتخلق بترك الحسد والحقد والكبر.
و أما الصلاح الجماعي فيحصل بالصلاح الفردي إذ الأفراد أجزاء المجتمع، ولا يصلح الكل إلا بصلاح أجزائه، ومن شيء زائد على ذلك وهو ضبط تصرف الناس بعضهم مع بعض على وجه يعصمهم من مزاحمة الشهوات ومواثبة القوى النفسانية. وهذا علم المعاملات، و يعبر عنه الحكماء بالسياسة المدنية.
و أما الصلاح العمراني فهو أوسع من ذلك، إذ هو حفظ نظام العالم الإسلامي، وضبط تصرف الجماعات، والأقاليم بعضهم مع بعض على وجه يحفظ مصالح الجميع، ورعى مصالح الكلية الإسلامية، وحفظ المصلحة الجامعة عند معارضة المصلحة القاصرة لها، ويسمى هذا بعلم العمران وعلم الاجتماع" .(12)
ثم يقول: "أليس قد وجب على الآخذ بهذا الفن أن يعلم المقاصد الأصلية التي جاء القرآن لتبيانها فلنلم بها الآن بحسب ما بلغ إليه استقراؤنا، وهي ثمانية أمور (13):
1- إصلاح الاعتقاد وتعليم العقد الصحيح. وهذا أعظم سبب لإصلاح الخلق.
2- تهذيب الأخلاق.
3- التشريع و هو الأحكام خاصة وعامة.
4- سياسة الأمة وهو باب عظيم في القرآن القصد منه صلاح الأمة وحفظ نظامها.
5- القصص و أخبار الأمم السالفة للتأسي بصالح أحوالهم... وللتحذير من مساوئهم.
6- التعليم بما يناسب حالة عصر المخاطبين، و ما يؤهلهم إلى تلقى الشريعة ونشرها، وذلك علم الشرائع وعلم الأخبار وكان ذلك مبلغ علم مخالطي العرب من أهل الكتاب.
7- المواعظ والإنذار والتحذير والتبشير.
8- الإعجاز بالقرآن ليكون آية دالة على صدق الرسول.
ثم يقول ابن عاشور: "غرض المفسر بيان ما يصل إليه، أو ما يقصده من مراد الله تعالى في كتابه بأتم بيان يحتمله المعنى، ولا يأباه اللفظ من كل ما يوضح المراد من مقاصد القرآن، أو ما يتوقف عليه فهمه أكمل فهم، أو يخدم المقصد تفصيلاً و تفريعاً.. مع إقامة الحجة على ذلك إن كان به خفاء، أو لتوقع مكابرة من معاند أو جاهل، فلا جرم كان رائد المفسر في ذلك أن يعرف على الإجمال مقاصد القرآن مما جاء لأجله، و يعرف اصطلاحه في إطلاق الألفاظ، و للتنزيل اصطلاح وعادات، وتعرض صاحب الكشاف إلى شيء من عادات القرآن في متناثر كلامه في تفسيره" (14)..

هوامش:
1-الشاطبي، الموافقات 2/6.
2-نفسه 2/ 168.
3-ابن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية ص 51.
4-نفسه، ص 63.
5-نفسه، ص 136.
6-يقوم هذا العلم في نظر د. طه على نظريات ثلاث هي: نظرية الأفعال، نظرية النيات، نظرية القيم. تجديد مقاصد الشريعة، طه عبد الرحمن، مجلة قضايا إسلامية معاصرة عدد 8.
7 -ابن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية ص 5.
8 - نفسه ص 89.
9 - نفسه ص 102.
10 - نفسه ص 103.
11 - التحرير والتنوير 1 / 5.
12- نفسه 1/38.
13 - نفسه 1/40 – 41 .
14 - نفسه 1/41 – 42.
 
منهجه في العقيدة: لقد سار -في الجملة- على منهج السلف الصالح في أبواب العقيدة عدا آيات الصفات؛ فهو يسير فيها على وفق منهج الأشاعرة0
هذه عبارة الشيخ محمد وفقه الله وأتمنى أن يبين لنا مالذي يخالف فيه الاشاعرة السلف الصالح في غير آيات الصفات في أبواب العقيدة كما يفهم من عبارتة هذه
 
جزى الله الشيخ محمد على هذا التوضيح.
وأقول للشيخ فاضل: قبل أن يجيبك الشيخ أحيلك في مخالفة متأخري الشاعرة للسلف على هذه المسائل:
ـ تعريف الإيمان وهل يزيد وينقص ويتفاضل فيه أهله؟
ـ باب القدر وهل الإنسان مخير أو مصير؟ ومعنى القول بالكسب.
ـ التوسل والاستغاثة.
 
جزاك الله خير ا أخي ايت عمران ويكفى هذا والذي كنت أقصده وحصل منك وفقك الله بيان مخالفاتهم هنا للتوضيح لمرتادي الملتقى
 
ما شاء الله ، جزاك الله خيراً يا شيخ محمد الحمد على هذا الجهد المشكور والقيم في بيان منهج ابن عاشور رحمه الله وعسى الله أن يبعث في الأمة من أمثاله..
 
بحث مميز من الشيخ د.محمد الحمد كعادته

بحث مميز من الشيخ د.محمد الحمد كعادته

هذا المنهج الذي ذكرته بناء على استقراء منصف هو ما نريده مع مناهج كل المفسرين، بارك الله لك في علمك وعملك.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين أما بعد جزاكم الله تعالى خيراً الاستاذ الكريم محمد الحمد وبارك بكم من أهم الملاحظات التي أراها في هذا التفسير المتميز هي صعوبة الجوانب البلاغية فيه وخاصة بالنسبة لعامة الناس ولنضرب لذلك مثالاً ففي تفسيره لسورة مريم :
[FONT=&quot]قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4)
[/FONT]قال رحمه الله تعالى:( [FONT=&quot]وَالْخَبَرَانِ مِنْ قَوْلِهِ: وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً مُسْتَعْمَلَانِ مَجَازًا فِي لَازِمِ الْإِخْبَارِ، وَهُوَ الِاسْتِرْحَامُ لِحَالِهِ، لِأَنَّ الْمُخْبَرَ- بِفَتْحِ الْبَاءِ- عَالِمٌ بِمَا تَضَمَّنَهُ الْخَبَرَانِ.[/FONT]
[FONT=&quot]وَالْوَهْنُ: الضَّعْفُ وَإِسْنَادُهُ إِلَى الْعَظْمِ دُونَ غَيْرِهِ مِمَّا شَمِلَهُ الْوَهْنُ فِي جَسَدِهِ لِأَنَّهُ[/FONT]
[FONT=&quot]أَوْجَزُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى عُمُومِ الْوَهْنِ جَمِيعَ بَدَنِهِ لِأَنَّ الْعَظْمَ هُوَ قِوَامُ الْبَدَنِ وَهُوَ أَصْلَبُ شَيْءٍ فِيهِ فَلَا يَبْلَغُهُ الْوَهْنُ إِلَّا وَقَدْ بَلَغَ مَا فَوْقَهُ.[/FONT]
[FONT=&quot]وَالتَّعْرِيفُ فِي (الْعَظْمُ) تَعْرِيفُ الْجِنْسِ دَالٌّ عَلَى عُمُومِ الْعِظَامِ مِنْهُ.[/FONT]
[FONT=&quot]وَشُبِّهَ عُمُومُ الشَّيْبِ شَعْرَ رَأْسِهِ أَوْ غَلَبَتُهُ عَلَيْهِ بِاشْتِعَالِ النَّارِ فِي الْفَحْمِ بِجَامِعِ انْتِشَارِ شَيْءٍ لَامِعٍ فِي جِسْمٍ أَسْوَدَ، تَشْبِيهًا مُرَكَّبًا تَمْثِيلِيًّا قَابِلًا لِاعْتِبَارِ التَّفْرِيقِ فِي التَّشْبِيهِ، وَهُوَ أَبْدَعُ أَنْوَاعِ الْمُرَكَّبِ، فَشُبِّهَ الشَّعْرُ الْأَسْوَدُ بِفَحْمٍ وَالشَّعْرُ الْأَبْيَضُ بِنَارٍ عَلَى طَرِيقِ التَّمْثِيلِيَّةِ الْمَكْنِيَّةِ وَرُمِزَ إِلَى الْأَمْرَيْنِ بِفِعْلِ اشْتَعَلَ [/FONT][FONT=&quot]وَأُسْنِدَ الِاشْتِعَالُ إِلَى الرَّأْسِ، وَهُوَ مَكَانُ الشَّعْرِ الَّذِي عَمَّهَ الشَّيْبُ، لِأَنَّ الرَّأْسَ لَا يَعُمُّهُ الشَّيْبُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَعُمَّ اللِّحْيَةَ غَالِبًا، فَعُمُومُ الشَّيْبِ فِي الرَّأْسِ أَمَارَةُ التَّوَغُّلِ فِي كِبَرِ السِّنِّ.[/FONT]
[FONT=&quot]وَإِسْنَادُ الِاشْتِعَالِ إِلَى الرَّأْسِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ، لِأَنَّ الِاشْتِعَالَ مِنْ صِفَاتِ النَّارِ الْمُشَبَّهِ بِهَا الشَّيْبُ فَكَانَ الظَّاهِرُ إِسْنَادَهُ إِلَى الشَّيْبِ، فَلَمَّا جِيءَ بِاسْمِ الشَّيْبِ تَمْيِيزًا لِنِسْبَةِ الِاشْتِعَالِ حَصَلَ بِذَلِكَ خُصُوصِيَّةُ الْمَجَازِ وغرابته، وخصوصية التَّفْصِيل بعد الْإِجْمَال، مَعَ إِفَادَةِ تَنْكِيرِ شَيْباً مِنَ التَّعْظِيمِ فَحَصَلَ إِيجَازٌ بَدِيعٌ. وَأَصْلُ النَّظْمِ الْمُعْتَادِ: وَاشْتَعَلَ الشَّيْبُ فِي شَعْرِ الرَّأْسِ.[/FONT]
[FONT=&quot]وَلِمَا فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ مِنَ الْخُصُوصِيَّاتِ مِنْ مَبْنِيِّ الْمَعَانِي وَالْبَيَانِ كَانَ لَهَا أَعْظَمُ وَقْعٍ عِنْدَ أَهْلِ الْبَلَاغَةِ نَبَّهَ عَلَيْهِ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» وَوَضَّحَهُ صَاحِبُ «الْمِفْتَاحِ» فَانْظُرْهُمَا)
[/FONT] وكما نرى فإن الكلام يتميز بصعوبة بالغة على طلبة العلم المبتدئين فكيف على عوام الناس ، وسأبسط كلامه ان شاء الله تعالى في مشاركة قادمة.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين أما بعد قال الإمام ابن عاشور رحمه الله تعالى :
( وَالْخَبَرَانِ مِنْ قَوْلِهِ: وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً مُسْتَعْمَلَانِ مَجَازًا فِي لَازِمِ الْإِخْبَارِ، وَهُوَ الِاسْتِرْحَامُ لِحَالِهِ، لِأَنَّ الْمُخْبَرَ- بِفَتْحِ الْبَاءِ- عَالِمٌ بِمَا تَضَمَّنَهُ الْخَبَرَانِ)

قوله ( الخبران) لا يقصد به خبر لمبتدأ انما يقصد به خبر البلاغة حيث تنقسم الأساليب البلاغية الى ثلاثة أقسام الاول (المعاني) وهو علم يهتم بالمعاني والتراكيب وهو على نوعين الاول (الخبر) وهو الذي يخبر عن أمر ما مثل الآية الكريمة التي أخبر بها زكريا عليه السلام عن خبرين الأول أن عظمه قد وهن والثاني ان شعره قد شاب ، والنوع الثاني من (علم المعاني) هو (الانشاء) وهو الكلام عن موضوع بطريقة إنشائية تعبيرية وبأساليب مختلفة، أما القسم الثاني من البلاغة فهو (البيان) ومن أنواعه (التشبيه) وهو الذي تكلم عنه المفسر حيث شبهت الآية الرأس بالفحم لانه هو الذي يشتعل ، وللتشبيه أركان وهي أربعة (المشبه) وهو الرأس و(المشبه به) وهو الفحم وهو هنا محذوف و(أداة التشبيه) وهي هنا محذوفة ووجه الشبه وهو هنا (شيبا) أي تحول الى الشيب ، والنوع الثاني من البيان هو(المجاز) وهو صرف معنى الى معنى آخر غير معتاد فالآية الكريمة وصفت الرأس بالاشتعال وهو غير معتاد ، أما قول المفسر( المخبَر بفتح الباء ) فالمقصود هو الله سبحانه وتعالى وان زكريا عليه السلام أراد أن يوضح عجزه وضعف حاله عن طريق ضعف العظم واشتعال الشيب بالرأس والله تعالى اعلم.
[SUB][SUP]
[/SUP][/SUB]
[SUB][SUP][/SUP][/SUB]
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين أما بعد قال الامام ابن عاشور رحمه الله تعالى:
( وَالتَّعْرِيفُ فِي (الْعَظْمُ) تَعْرِيفُ الْجِنْسِ دَالٌّ عَلَى عُمُومِ الْعِظَامِ مِنْهُ)[SUB][SUP]
[/SUP][/SUB]
( ال الجنسية
(الْ الجنسيّةُ) إِما أن تكون للإستغراقِ، أو لبيانِ الحقيقة.
والإستغراقيّةُ، إما أن تكون لإستغراق جميعِ أفرادِ الجنس، وهي ما تشملُ جميعَ أفرادِه، كقوله
GifModified_08.gif
arrow_02.gif
وخُلِقَ الإنسانُ ضعيفاً
arrow_01.gif
، أي كلُّ فردٍ منه
وإما لإستغراق جميعِ خصائصهِ، مثل "أنتَ الرجلُ"، أي اجتمعت فيكَ كلُّ صفاتِ الرجال)
من الرابط : https://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=677
ونلاحظ أنه يقصد الاستغراق أي أن جميع عظامه وهنت.
قال الامام: ( وَشُبِّهَ عُمُومُ الشَّيْبِ شَعْرَ رَأْسِهِ أَوْ غَلَبَتُهُ عَلَيْهِ بِاشْتِعَالِ النَّارِ فِي الْفَحْمِ بِجَامِعِ انْتِشَارِ شَيْءٍ لَامِعٍ فِي جِسْمٍ أَسْوَدَ، تَشْبِيهًا مُرَكَّبًا تَمْثِيلِيًّا قَابِلًا لِاعْتِبَارِ التَّفْرِيقِ فِي التَّشْبِيهِ، وَهُوَ أَبْدَعُ أَنْوَاعِ الْمُرَكَّبِ، فَشُبِّهَ الشَّعْرُ الْأَسْوَدُ بِفَحْمٍ وَالشَّعْرُ الْأَبْيَضُ بِنَارٍ عَلَى طَرِيقِ التَّمْثِيلِيَّةِ الْمَكْنِيَّةِ وَرُمِزَ إِلَى الْأَمْرَيْنِ بِفِعْلِ اشْتَعَلَ وَأُسْنِدَ الِاشْتِعَالُ إِلَى الرَّأْسِ، وَهُوَ مَكَانُ الشَّعْرِ الَّذِي عَمَّهَ الشَّيْبُ، لِأَنَّ الرَّأْسَ لَا يَعُمُّهُ الشَّيْبُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَعُمَّ اللِّحْيَةَ غَالِبًا، فَعُمُومُ الشَّيْبِ فِي الرَّأْسِ أَمَارَةُ التَّوَغُّلِ فِي كِبَرِ السِّنِّ)
والمقصود أن جميع شعر رأسه قد شاب فلم يقل شعر رأسي عليه السلام بل إستعاض عنه بقوله ( الرأس) وهنا أيضاً (ال) إستغراقية ، ثم ذكر نوع التشبيه فهو مركب تمثيلي.

ثم قال:(
وَإِسْنَادُ الِاشْتِعَالِ إِلَى الرَّأْسِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ، لِأَنَّ الِاشْتِعَالَ مِنْ صِفَاتِ النَّارِ الْمُشَبَّهِ بِهَا الشَّيْبُ فَكَانَ الظَّاهِرُ إِسْنَادَهُ إِلَى الشَّيْبِ، فَلَمَّا جِيءَ بِاسْمِ الشَّيْبِ تَمْيِيزًا لِنِسْبَةِ الِاشْتِعَالِ حَصَلَ بِذَلِكَ خُصُوصِيَّةُ الْمَجَازِ وغرابته، وخصوصية التَّفْصِيل بعد الْإِجْمَال، مَعَ إِفَادَةِ تَنْكِيرِ شَيْباً مِنَ التَّعْظِيمِ فَحَصَلَ إِيجَازٌ بَدِيعٌ، وَأَصْلُ النَّظْمِ الْمُعْتَادِ: وَاشْتَعَلَ الشَّيْبُ فِي شَعْرِ الرَّأْسِ،
وَلِمَا فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ مِنَ الْخُصُوصِيَّاتِ مِنْ مَبْنِيِّ الْمَعَانِي وَالْبَيَانِ كَانَ لَهَا أَعْظَمُ وَقْعٍ عِنْدَ أَهْلِ الْبَلَاغَةِ نَبَّهَ عَلَيْهِ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» وَوَضَّحَهُ صَاحِبُ «الْمِفْتَاحِ» فَانْظُرْهُمَا)
ثم إنتقل لتوضيح نوع المجاز فهو عقلي أي يُدرك بالعقل لا بالحواس ثم ذكر أن الآية الكريمة إحتوت على (تفصيل) وهذا لم يقنعني به فأين التفصيل؟

ولعل الاخوة المختصين بالبلاغة أو اللغة يوضحون ذلك.
والمقصود بصاحبي الكشاف والمفاتيح العلامة الزمخشري (ت 538) والسكاكي(ت 626) والله تعالى أعلم.
 
عودة
أعلى