وقال (جاءها) دون (أتاها) ذلك أن المجيء يكون لما فيه مشقة ولما هو أصعب من الإتيان ويبدو أنه كان في المجيء إلى أهل القرية وتبليغهم مشقى وإيذاء وتهديد فاختار المجيء على الإتيان ولذا قال تعالى (ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء (40) الفرقان) لأنه كان إتياناً سهلاً وذلك أنهم مروا بها وهم في طريقهم. وقال (حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها (77) الكهف) لأن إتيانها ودخولها كان ميسراً ولم يجدوا من أهلها مساءة أو مشقة فاستعمل (أتيا) دون (جاءا).
قال الراغب في المفردات : "المجيء كالإتيان، لكن المجيء أعم، لأن الإتيان مجيء بسهولة" انتهى
وأيضاً مما يتميّز به الإتيان : أنه يظهر فيه قصد الآتي للمأتيّ إليه ،
والمجيء قد لا يكون فيه ذلك القصد ، بل يجيء إلى شيء ويريد ما يقاربه .
((قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون * وأتيناك بالحق وإنا لصادقون))
فهم جاؤوا لوطاً بعذاب قومه ، وأتوه بأمر الله له بالإسراء وتبشيره بإهلاك قومه .
فكان المجيء غير الإتيان .
وفي قصة موسى عليه السلام ذَكر الله سبحانه : (( فلما أتاها)) في طه والقصص ، ولم يتكرر ((فلما جاءها)) .
والسياق يبين سبب ذلك :
ففي سورة طه : ((وهل أتاك حديث موسى * إذ رأى ناراً فقال لأهله امكثوا إني آنست ناراً لعلّي آتيكم منها بقبسٍ أو أجد على النار هدى)) ثم قال سبحانه : ((فلما أتاها ..)) .
تأكيداً لقصد موسى المجيء إليها .
واحتيج للتأكيد ؛ لأنه قال : ((لعلّي آتيكم)) فقد يُفهم منه أنه لم يعزم الإتيان إليها .
فأظهر الله قصد موسى للنار .
أما في سورة النمل : ((وإنك لتُلقّى القرآن من لدن حكيم عليم * إذ قال موسى لأهله إني آنست ناراً سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون)) .
فظهر منه عزم إتيانها بقوله (سآتيكم) ،
فاكتُفي بالتعبير بـ : ((فلما جاءها)) الذي هو أعم من الإتيان المفهوم من عزم موسى عليه السلام في هذه السورة .
وفي سورة القصص يقال ما قيل في طه .
والله أعلم