ملامح منهج الشيخ ابن عثيمين في استنباط فوائد الآيات

إنضم
02/04/2003
المشاركات
1,318
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
النَّاظِرُ في تفسير الشيخِ رحمه الله يَرَى أنّه ينقسمُ إلى قِسمين أساسيَّينِ :
القسم الأول : تفسير الآيةِ وبيان معناها وما يتعلّقُ بها .
القسم الثاني : الفوائدُ المستنبطةُ مِن الآيةِ ، وهذه الفوائدُ مُتنوِّعةٌ ، وهي المرادةُ بالاستنباطِ ؛ ولـذا نَجِدُ الشيخَ يُشِيرُ إلى هَذينِ القسمينِ بقولـهِ :" الحديثُ عن هذه الآيـةِ تفسيرًا واستنباطًا " ، ويعني بالتفسيرِ القسمَ الأوّل ، وبالاستنباطِ القسمَ الثاني .
وقد أَوْلاهَا عنايةً فائقةً ؛ يدلُّ على ذلكَ قولهُ في مقدّمَةِ كتابه : أحكام من القرآن الكريم :" وأحكامُ القرآنِ العظيمِ هي ما تتضمّنهُ الآياتُ الكريمةُ مِن الفوائدِ الدينيةِ ، والدنيويةِ ، والفرديةِ ، والاجتماعيةِ ، ولا ريبَ أنّ كُلَّ آيةٍ في كتابِ الله تتضمّنُ فوائدَ عظيمةٍ يعرفها الإنسانُ بحسبِ علمه ِوفهمهِ ، ولا ريبَ أنّ الإنسانَ يُؤتى العلمَ بحسبِ ما معهُ مِن الإيمانِ والهُدَى ؛ كما قال تعالى:{وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً} (مريم:من الآية76)" ... إلى أن قالَ :" وكُلَّمَا كانَ الإنسانُ أشَدَّ إقبالاً على القرآنِ الكريمِ ، وإيمانًا بهِ وحُبًّا لهُ ، وتدَبُّرًا لآياتهِ ؛ كانَ بهِ أَفْهَمَ ، وبما يدلُّ عليه مِن الفوائدِ العظيمةِ والأحكامِ أوسع ؛ولذا فإنّي أَحُثُّ إخواني المسلمينَ على تَدَبُّرِ كتابِ الله  وتفهُّمِ معانيه" ... إلى أنْ قالَ :" وكثيرٌ مِن الناسِ اليومَ لا يهتمُّ بهذا الجانبِ – أعني جانبَ المعنى وجانب التدبُّر وما تتضمنهُ الآياتُ مِن الفوائدِ والأحكامِ – ولا يعتنونَ بهِ ، وهذا قُصُورٌ بل شَكٍّ مِن الإنسانِ وتقصيرٌ مِنه " ... إلى أنْ قالَ :" ولكن يُهمُّنِي أنْ أُبَيِّنَ الفوائدَ التي تُستنبط مِن هذه الآياتِ وأُبَيِّنَ وجهَ ذلكَ غالبًا فيما يحتاجُ إلى بيانٍ ، وفيما خَفِيَتْ دلالتهُ ؛ لأنّ الاستفـادةَ مِن القرآنِ الكريمِ بهذه الطريقةِ يحصلُ بها علمٌ كثير ".
وذِكْرُ فوائدِ الآياتِ مَنهجٌ علميٌّ سَلَكَهُ أهل التحقيقِ مِن العلماءِ ، ومِنهم على سبيلِ المثالِ لا الحصْرِ : شيخه الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله ،فإنّ لهُ عنايةً بهذا الجانبِ
فمثلاً : استنبطَ رحمه الله مِن آيةِ التيمُّمِ في سورة المائدة إحدى وخمسونَ فائدة .( )
ولقد تأثَّرَ الشيخُ ابن عثيمين رحمه الله بشيخهِ – السعديّ – في هذه الطريقـةِ ، واستفادَ مِنه ( )، إلاَّ أنّه تَمَيَّزَ عن شيخهِ بالتزامِ ذكرِ فوائدِ الآياتِ التي يُفسِّرُها ( ) بِخِلاَفِ شيخهِ .
والقارئ لكتابي : جهود الشيخ ابن عثيمين في التفسير يتَبَيَّنَ له مِن خلالِ التمثيل لمواضيع الكتاب أنّ أغلبها مأْخُوذٌ مِن هذه الفوائدِ التي يذكرها الشيخُ رحمه الله أثناءَ تفسيرهِ لهذه الآيات ، فتجدني أكْثَرْتُ مِن عبارة " عند تفسيره لهذه الآيةِ ذكرَ مِن فوائدها " إبرازًا مِنِّي لقيمةِ هذه الفوائدِ التي يذكرها الشيخُ رحمه الله ؛ وعَلَيْهِ فلنْ أُطِيلَ بذكرِ الأمثلةِ على ذلكَ مُستغنيًا بما في الكتاب ، وإنّما سأذكرُ بعض الملامحِ التي تُبيِّنُ مَنهجهُ في إيرادها :
1 – الالتزامُ بذلكَ في كُلِّ آيةٍ يقومُ بتفسيرها ، عدا ما اسْتُثْنِيَ كما قدّمتُ .
2 – الفوائدُ ليسَ لها مَوضوعٌ مُعيّن ، وإنّما هي شاملةٌ لكلِّ ما يُمكن أنْ يُستنبطَ مِن الآيةِ ، فهي مَجالٌ رَحْبٌ لتقريرِ العقيدةِ السليمةِ ، وتصحيحِ الأخطاءِ ، والردِّ على المخالفينَ ، أو لذكرِ الأحكامِ الفقهيّةِ المتعلّقةِ بالآيةِ وذكرِ أدلّتها والردِّ على بقيّةِ الأقوالِ ، أو لبيانِ الأوجهِ البلاغيّةِ وأسرارِ التعبيرِ القرآنيِّ ، أو لدلالاتِ الآيةِ التربويّةِ وما فيها مِن المواعظِ والآدابِ ، أو غير ذلكَ مِمّا يُمكن أنْ يُؤخذَ مِن الآيةِ سواء كانَ بطريقةٍ مُباشرةٍ أو خفيّةٍ .
3 – هذه الفوائدُ ليستْ ذاتَ نَمَطٍ واحدٍ مِن جهةِ الطُّولِ والقِصَرِ ، فهناكَ فوائدُ طويلـة يذكرها في صفحاتٍ ، وهناكَ فوائدُ مُختصرة لا تتجاوزُ السَّطْرَ والسَّطْرَيْنِ ، وذلكَ بحسبِ عدد الفوائدِ المستنبطةِ من كُلِّ آيةٍ ، وما يفتحُ الله عليهِ حالَ تفسيرهِ للآيةِ ، فهناكَ آياتٌ لا يتجاوزُ ما ذكرهُ مِن فوائدها أصابعَ اليدِ ، وهناكَ آياتٌ ذكرَ فيها عشراتِ الفوائد .( )
4 – هذه الفوائدُ ليستْ مُقتصرةً على المعاني الدقيقةِ ؛ بل يذكرُ الشيخُ رحمه الله كُلَّ ما يَحْضُرُهُ حالَ تفسيرِ الآيةِ مِن فوائدها ولو كانت ظاهرةً جِدًّا .
5 – رُبَّما يُرتِّبُ على الفائدةِ المستنبطةِ مِن الآيةِ فائدةً أخرى .
يُعبِّرُ عن ذلكَ غالبًا بقولهِ :"ويتفرَّعُ على هذه الفائدةِ ..." ورُبَّمَا ذكرَ أكثر مِن فَرْعٍ .
ومِن أمثلةِ ذلكَ :
عند تفسيره لقوله تعالى : {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ  بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ}(البقرة:89 - 90)
ذكرَ مِن فوائدها :" أنّ هذا الفَضْلَ الذي أنزلهُ الله لا يجعلُ المفَضَّلَ بهِ رَبًّا يُعْبد ؛ بلْ هو مِن العِبَاد . حتّى ولو تميَّز بالفضلِ ؛ لقولهِ تعالى:{عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} .
وهذهِ الفائدةُ لها فروعٌ نُوَضِّحُهَا ، فنقولُ : إنّ مَن آتاهُ الله فَضْلاً مِن العلمِ والنبوةِ لم يَخْرُجُ بهِ عن أنْ يكونَ عَبْدًا ؛ إذاً لا يَرْتَقِي إلى مَنْزلةِ الربوبيّةِ ؛ فالرَّسُولُ  عَبْدٌ مِن عبادِ الله ؛ فلا نقولُ لمن نَزَلَ عليه الوَحْيُ : إنّه يَرتفعُ حتّى يكونَ رَبًّا يملكُ النفعَ ، والضررَ، ويعلمُ الغيبَ .
ويَتفرَّعُ عنها أنّ مَن آتاهُ الله مِن فضلهِ مِن العلمِ ، وغيرهِ يَنبغِي أنْ يكونَ أَعْبَدَ لله مِن غيرهِ ؛ لأنّ الله تعالى أعطاهُ من فضلهِ ؛ فكانَ حَقُّهُ عليهِ أعظمَ مِن حَقِّهِ على غيرهِ ؛ فكُلَّمَا عَظُمَ الإحسانُ مِن الله  استوجبَ الشُّكرَ أكثر ؛ ولهذا كان النبيُّ  يَقومُ في الليلِ حتّى تَتَوَرَّمَ قَدَمَاهُ ؛ فَقِيلَ لهُ في ذلكَ ؛ فقالَ : [ أَفَلا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورا ] ( ).
ويَتفرَّعُ عنها فَرعٌ ثالث : أنّ بعضَ الناسِ اغْتَرَّ بما آتاهُ الله مِن العلمِ ،فَيَتَعَالَى في نفسهِ ويتعاظمَ حتّى إنّه رُبَّمَا لا يقبلُ الحقَّ ؛ فَحُرِمَ فضلَ العلمِ في الحقيقة ".( )
وعند تفسيره لقوله تعالى :{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} (البقرة: من الآية164)
ذكرَ مِن فوائدها :" أنّ السموات مَخلوقةٌ ؛فهي إذاً كانت مَعدومةً مِن قبل ؛فليستْ أَزَلِيَّةً .
ويَتفرَّعُ على هذهِ الفائدةِ الرَّدُّ على الفلاسفةِ الذينَ يقولونَ بِقِدَمِ الأفلاكِ - يعنونَ أنّها غير مَخلوقةٍ ، وأنّها أَزَلِيَّةٌ أبديةٌ - ولهذا أنكـروا انشقاقَ القمرِ في عهدِ النبيِّ  ( )، وقالـوا : إنّ الأفلاكَ العُلْوِيَّةَ لا تقبلُ التغييرَ ، ولا العَدَمَ ؛ وفَسَّرُوا قولهُ تعالى :{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}(القمر:1) بأنّ المرادَ ظُهورُ العلمِ ، والنُّورِ برسالةِ النبيِّ  ؛ ولا شكَّ أنّ هذا تحريفٌ باطلٌ مُخالِفٌ للأحـاديثِ المتواترةِ الصحيحـةِ في انشقاقِ القمرِ انشقاقًا حسيًا ".( )
6 – ومِن مَلامحِ مَنهجهِ في الاستنباط : أنْ يذكرَ الفائدةَ ثم يذكرُ ما قد يُشكِلُ عليها ، ويجيبَ عنه .
عند تفسيره لآيةِ الدَّيْنِ في سورة البقرة ؛ذكرَ مِن فوائدها :" أنّ المضَارَّةَ سواء وقعتْ مِن الكَاتِبِ ، أو الشَّاهِدِ ، أو عليهما ، فُسُوقٌ ؛ والفِسْقُ يترتبُ عليهِ زوالُ الولاياتِ العامّةِ والخاصّةِ إلا ما اسْتُثْنِيَ ؛ والفاسقُ يُهجَر إمّا جَوَازًا ؛أو استحبابًا ، أو وُجُوبًا - على حسب الحال - إنْ كانَ في الهجْرِ إصلاحٌ لهُ .
فإنْ قالَ قائلٌ : أفلا يُشْكِلُ هذا على القاعدةِ المعروفةِ أنّ الفِسْقَ لا يتصفُ بهِ الفاعلُ إلا إذا تَكرَّرَ منهُ ، أو كانَ كبيرةً ؟
فالجوابُ : أنّ الله  حَكَمَ على المضَارَّةِ بأنّها فُسُوقٌ ؛ والقرآنُ يَحكمُ ،ولا يُحْكَمُ عليه ".( )
7 – ومِن مَلامحِ مَنهجهِ في الاستنباط : أنْ يبني الفائدةَ على أحدِ الأقوالِ التفسيريّةِ المرادةِ في الآيةِ ، أو على أحدِ الاحتمالاتِ الواردةِ فيها .
ومِن أمثلتهِ :
عند تفسيره لقوله تعالى : { وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}(البقرة: 80)
ذكرَ الخلافَ في { أَمْ } هل هي مُتَّصِلَةٌ أم مُنقطِعَةٌ ، ثم ذكرَ في فوائدِ الآيةِ ( ):"
حُسْنُ مُجادلةِ القرآنِ ؛ لأنّه حَصَرَ هذهِ الدَّعوَى في واحدٍ مِن أمرينِ ، وكِلاهُمَا مُنْتَفٍ : {أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}وهذا على القولِ بأنّ { أَمْ } هُنَا مُتَّصِلَةٌ ؛ أمّا على القولِ بأنّها مُنقطِعَةٌ فإنهُ ليسَ فيها إلاَّ إلزامٌ واحد ".( )
وعند تفسيره لقوله تعالى :{فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ}(البقرة: من الآية175)
ذكرَ خلافَ المفسِّرينَ فيها ،وذكرَ أنّ مِنهم مَن يرى أنّه تَعَجُّبٌ مِن الله  ؛ ومِنهم مّن يرى أنّ المرادَ بالعجبِ التَّعْجِيبَ ؛كأنّهُ قالَ : اعْجَبْ أيُّهَا المخاطبُ مِن صبرهمْ على النار ( )، ثم ذكرَ مِن فوائدها :" إثباتُ العَجَبِ لله  لقولـهِ تعالى : {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} – على أحدِ الاحتمالينِ - ، وهو مِن الصِّفاتِ الفعليّةِ ".( )
وعند تفسيره لقوله تعالى : {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} (البقرة: من الآية188)
قالَ في تفسيرها :" {وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} أيْ تَتَوَصَّلُوا بها إلى الحكَّـامِ لتجعلوا الحكَّامَ وسيلةً لأكْلِهَا بأنْ تَجْحَدَ الحقَّ الذي عليكَ وليسَ بهِ بينةٌ ؛ ثم تُخاصِمُهُ عندَ القاضي فيقولُ القاضِي للمُدَّعِي عليكَ : " هَاتِ بَيِّنَةً " ؛ وإذا لم يكنْ للمُدَّعِي بينةٌ تَوجَّهت عليكَ اليمينُ ؛ فإذا حلفتَ بَرِئْتَ ؛ فهنا تَوصَّلتَ إلى جَحْدِ مَالِ غيركَ بالمحاكمةِ ؛ هذا أحدُ القولينِ في الآيةِ ؛ والقولُ الثاني : أنّ مَعنى : {تُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ}أي تُوصِلُوهَا إليهم بالرِّشْوَةِ ليَحْكُمُوا لكم ؛ وكِلا القولينِ صحيحٌ ".( )
ثمّ ذكرَ مِن فوائدها :" تحريمُ الرِّشْوَةِ لقوله تعالى {وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} على أحدِ التفسيرينِ كما سبقَ ".( )
قُلْتُ : وهذه الطريقةُ في الاستنباطِ تدلُّ على ما يلي :
الأول : أهمّيةِ معرفةِ تفسير الآيةِ قبلَ البدءِ باستنباطِ فوائدها .
الثاني : أهمّيةِ القاعدةِ التفسيريّةِ المشهورة وهي : وجوبُ حَمْلِ الآيةِ على كُلِّ المعاني التي تحتملها ما لم يَكُنْ بينها تَضَادٌّ .( )
الثالث : أنّ بعضَ الفوائدِ المستنبطةِ مِن الآياتِ لا تدلُّ عليه الآيةُ بإطلاق ، وإنّما هو أحدُ الاحتمالاتِ الواردةِ في الآيةِ، ولذا فلا بُدَّ مِن النظرِ إلى صِحَّةِ هذا الاحتمالِ مِن عَدَمِه.
8 – ومِن مَلامحِ مَنهجهِ في الاستنباط : دِقَّةُ الاستنباطِ ، والإشارةُ إلى معاني الآيةِ الخفيَّةِ .
عند تفسيره لقوله تعالى:{ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ }(النساء:من الآية131)
ذكرَ مِن فوائدها :"
1 – عمومُ مُلْكِ الله لقولهِ:{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ}لأنّ جميعَ الأسماءِ الموصولةِ تُفيد العمومَ.
2 – اختصاصُ مُلْكِ السمواتِ والأرضِ لله  ؛ لتقديمِ الخبرِ ؛ لأنّ تقديمَ ما حَقُّهُ التأخيرُ يُفيد الحصْرَ ".( )
وعند تفسيره لقولـه تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ }(المائدة: من الآية6)
ذكرَ مِن فوائدها :"
- وجوبُ استيعابِ الرأسِ بالمسحِ ؛ لأنّ الباءَ للاستيعابِ .( )
- وجوبُ الموالاةِ ، وَجْهُهُ أنّ غسلَ هذه الأعضاء جاءَ مُرَتَّبًا على الشرطِ فلا بُدَّ أنْ يكونَ أجزاءُ هذا الفعلِ –المرَتَّبِ على الشرطِ– مُتواليةً ؛ لأنّ الشَّرْطَ يَعُقُبُهُ المشْرُوطُ، هذا وجهُ الدلالةِ مِن الآيةِ ".( )
وعند تفسيره لقوله تعالى:{لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}(سبأ:من الآية4)
ذكرَ مِن فوائدها :" أنّ أفعالَ الله  مُعَلَّلةٌ ، بمعنى أنّ لها عِلَّةً ، يُؤخذ مِن ( اللامِ ) {لِيَجْزِيَ} ؛ لأنّ ( اللام ) للتعليلِ ".( )
وعند تفسيره لقولـه تعالى :{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ}(البقرة: من الآية54)
ذكرَ مِن فوائدها :" إثباتُ الأسبابِ ، وتأثيرها في مُسبّباتها لقولهِ { بِاتِّخَاذِكُمُ } فإنّ ( الباء ) هُنَا للسَبَبِيَّةِ ".( )
فيلاحظُ أنّ الشيخَ رحمه الله نظرَ إلى معاني الحروفِ والأسماءِ فاستنبطَ مِنها فوائدَ مُرتبطة بالآيةِ ، كما نظرَ إلى مَوقعِ الكلمةِ الإعرابيِّ ليستنبطَ مِنه فوائدَ تُؤخذ مِن الآيةِ .
9 – ومِن مَلامحِ مَنهجهِ في الاستنباط : ومِن طريقتهِ أيضًا أنْ يذكرَ ما يُستفاد مِن الآيةِ على وجهِ الاستقلالِ ، فإنْ كانَ هُناكَ ما يُخَصِّصُهَا ، أو يُقيِّدُهَا ، أو ناسخٍ لها ، أو يُوجد بينها وبينَ نَصٍّ آخرَ ما ظاهرهُ التعارضُ ، سواء كـانَ مِن آيةٍ أو من حديثٍ نبويٍّ ؛ فإنّهُ يَذْكُرُهُ
ويبينُ وجهَ الجمعِ بينهما كما بيّنتُ هذا ومَثَّلْتُ له في مباحثَ سابقة .( )
10 – ومِن مَلامحِ مَنهجهِ في الاستنباط : الاستطرادُ بذكرِ ما يتعلّقُ بالفائدةِ مِن أحكام .
عند تفسيره لآيةِ الوضوءِ في سورة المائدة ذكرَ مِن فوائدها : أنّ الوضوءَ لا ينقضُ إلاّ بالغائطِ ؛ سواءٌ ببولٍ أو بعذرةٍ ؛ لقوله تعالى:{ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ }(المائدة: من الآية6) ولَمْ يذكرْ سِوَى ذلكَ ، وذكرَ إجماعَ أهلِ العلمِ على هذا الناقضِ ، أمّا البقيةُ فوقعَ فيها الخلافُ ، ثُمَّ عَدَّدَ بقيةَ النواقضِ ، وذكرَ أدلّتها وناقشها وذكرَ الراجحَ مِنها .( )
هذه أهمُّ مَلامحِ مَنهجِ الشيخِ ابن عثيمين رحمه الله في استنباطِ فوائدِ الآيات .
 
بارك الله فيكم يا شيخ احمد
 
الأخوان الفاضلان : المنهوم والطبيب , وأنتما جزاكما الله خيراً .
 
جزاك الله خيراً .. فضيلة الشيخ أحمد البريدي..
ومن منهج الشيخ رحمه الله في الاستنباط أن يذكر وجه الاستنباط وهو دلالة الآية على المعنى المستنبط ويذكر أيضاً الطريق الأصولي الذي يوصل إلى المعنى وهو القاعدة الاستنباطية ومن أمثلة ذلك :

ما ذكره من استنباط وجود النار الآن من قوله تعالى : ( فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين ) [ البقرة : 24 ] .
قال في طريق الاستنباط : ( ومعلوم أن الفعل هنا فعلٌ ماضٍ؛ والماضي يدل على وجود الشيء ) [ تفسير سورة البقرة : 1 / 85 ] .
والأمثلة له كثيرة رحمه الله..
 
جزاك الله خيراً .. فضيلة الشيخ فهد :
والأمر ما ذكرت وفقك الله , ومن أمثلته ما ذكرته في العنصر الثامن , ولعلك تتحفنا بالمزيد , فما ذكر لا يعدو ملامح لتقريب ذلك وليس حصراً .
 
الشيخ الكريم الدكتور/ أحمد البريدي

جزاكم الله خير الجزاء ، وأجزله ، وأوفاه .

وأسأله تعالى ن يبارك لكم في علمكم ، وعملكم ، وعمركم ، وأهلكم ، وذريتكم ، ومالكم ، وأن يرزقكم من خيري الدنيا ، والآخرة من حيث لا تحتسبون .

شيخنا /
- هل تأذن بنقل الموضوع إلى منتديات أخرى ؟.

حفظكم الله ، وزادكم من فضله .
 
أخي المسيطير وفقه الله :
لك الحق بنقله ونقل غيره مما أكتبه , جعلني الله وأياك ممن يتعاون على البر والتقوى .
 
سجلت رسالة ماجستير بعنوان: "الاستنباط عند الشيخ محمد بن صالح العثيمين في تفسيره من أوله إلى ما أقره الشيخ وهو إلى الآية 110 من سورة النساء دراسة نظرية تطبيقية" للباحث: صالح محمد سعيد القحطاني، بإشراف الدكتور:محب الدين واعظ.

فهل من خبر عنها؟
 
عودة
أعلى