طارق منينة
New member
- إنضم
- 19/07/2010
- المشاركات
- 6,331
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 36
ابراهيم العجلوني
آفاق
تقسيمات مريحة.. وعقل كسول
تاريخ النشر : 16/09/2009 -
يرتاح متثائبو الأذهان إلى تلك التقسيمات الساذجة التي يتوهمون أنهم يضبطون بها حركة الحياة ونبض الواقع. وغالباً ما تكون هذه التقسيمات ثلاثية، انسياقاً مع الفكرة البسيطة التي يطمئن إليها الناس، أطفالا ًوكهولاً، من أن الشيء إما أن يكون في حالة وسط بين الصفة والنقيض. ولعل هذا المبدأ أن ينطبق على حالات مخصوصة محدودة، فإذا هو تجاوزها إلى الظواهر المركبة والوقائع المتواشجة بدا قصوره، وصار لزاماً على العقل أن يبحث عن طرائق أخرى لتوصيف ما هنالك ولإدراك تكثر الجهات التي تؤتى منها الحقائق.
وإذا أردنا مثلاً قائماً على ما يرتاح إليه الذهن الكسول من تقسيم، فنحن واجدوه فيما تحفل به الدراسات التي تزعم أنها تؤرخ لواقع الفكر أو واقع السياسة في العالم. فهي لا تنفك تردد أن ثمة يساراً هناك وثمة يميناً، وثمة وسطاً، أو أن ثمة تزمتاً وثمة تطرفاً مقابلاً له وثمة اعتدالا ً بينهما. وهي ثلاثية تند عنها حقائق كثيرة، وتقصر عن إدراك طبائع الأمور كما هي في الواقع المعيش. وليس يغري الأذهان بها إلا الكسل أو الجهل، أو ضعف الهاجس المعرفة وموات همة النظر اللذين يكتفيان بوهم الإحاطة بالظواهر من أقر سبيل ممكن.
وتمتد هذه الثلاثية إلى البحث الأكاديمية، ولا سيما في تأريخ الفكر العربي، ونجد مثالاً واضحاً عليها في مشروع محمد عابد الجابري لنقد العقل العربي. حيث يضع المؤلف في أول إصدارات هذا المشروع، وهو كتابه "تكوين العقل العربي" مسطرة هذه الثلاثية المريحة على أديم بحر زاخر من معطيات حضارة العرب والمسلمين، ثم يخرج على طلبيته بأطروحة معجبة ترى هذا البحر كله في ثلاثة سياقات لا غير هي ما يسميه: العقل البياني، والعقل البرهاني، والعقل العرفاني.
وهو يوزع هذه العقول على مساحات شاسعة من وقائع الفكر والتاريخ والسياسة، ويوزع أحكاماً قيمية خافضة رافعة، تواطئ آخر المطاف تخرصات المستشرقين عن قصور البيان العربي عن البرهان الإغريقي، فضلاً عما يحتقبه أثناء ذلك كله من آراء متسرعة فطيرة حول اللغة العربية، ما جعله موضع نقد كثير من الدارسين.
وشبيه بهذا التقسيم المريح ما يذهب إليه خير الدين حسيب من ضرورة أن تتشكل "كتلة تاريخية" من: التيارات القومية العربية، والإسلامية العروبية، واليسارية العروبية، والليبرالية الوطنة العروبية. وكأن واقعاً موضوعياً محدداً يقع تحت كل لافتة من هذه اللافتات.. وكأن ثمة فروقاً مضمونية حادة بين العربي والعروبي.. وكأن من الممكن إيجاد خلطة سحرية من الليبرالية، والوطنية التي توصف بحقها في أن لا تستغفل بمثل هذه التقسيمات الساذجة المريحة التي تقصر عن مطالب الوعي المحيط بحقائق الظواهر، ولا ينخدع المستبصرون بها بحال.
إنه حقاً عقل أكاديمي كسول، وكم له من ضحايا يلهثون في غباره ويهرعون على آثاره. ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
http://www.assabeelonline.net/ar/de...HcygMft54aNxqJcPtD0Ki54wsbz2iR1cKpoz3drxTpjc=
آفاق
تقسيمات مريحة.. وعقل كسول
تاريخ النشر : 16/09/2009 -
يرتاح متثائبو الأذهان إلى تلك التقسيمات الساذجة التي يتوهمون أنهم يضبطون بها حركة الحياة ونبض الواقع. وغالباً ما تكون هذه التقسيمات ثلاثية، انسياقاً مع الفكرة البسيطة التي يطمئن إليها الناس، أطفالا ًوكهولاً، من أن الشيء إما أن يكون في حالة وسط بين الصفة والنقيض. ولعل هذا المبدأ أن ينطبق على حالات مخصوصة محدودة، فإذا هو تجاوزها إلى الظواهر المركبة والوقائع المتواشجة بدا قصوره، وصار لزاماً على العقل أن يبحث عن طرائق أخرى لتوصيف ما هنالك ولإدراك تكثر الجهات التي تؤتى منها الحقائق.
وإذا أردنا مثلاً قائماً على ما يرتاح إليه الذهن الكسول من تقسيم، فنحن واجدوه فيما تحفل به الدراسات التي تزعم أنها تؤرخ لواقع الفكر أو واقع السياسة في العالم. فهي لا تنفك تردد أن ثمة يساراً هناك وثمة يميناً، وثمة وسطاً، أو أن ثمة تزمتاً وثمة تطرفاً مقابلاً له وثمة اعتدالا ً بينهما. وهي ثلاثية تند عنها حقائق كثيرة، وتقصر عن إدراك طبائع الأمور كما هي في الواقع المعيش. وليس يغري الأذهان بها إلا الكسل أو الجهل، أو ضعف الهاجس المعرفة وموات همة النظر اللذين يكتفيان بوهم الإحاطة بالظواهر من أقر سبيل ممكن.
وتمتد هذه الثلاثية إلى البحث الأكاديمية، ولا سيما في تأريخ الفكر العربي، ونجد مثالاً واضحاً عليها في مشروع محمد عابد الجابري لنقد العقل العربي. حيث يضع المؤلف في أول إصدارات هذا المشروع، وهو كتابه "تكوين العقل العربي" مسطرة هذه الثلاثية المريحة على أديم بحر زاخر من معطيات حضارة العرب والمسلمين، ثم يخرج على طلبيته بأطروحة معجبة ترى هذا البحر كله في ثلاثة سياقات لا غير هي ما يسميه: العقل البياني، والعقل البرهاني، والعقل العرفاني.
وهو يوزع هذه العقول على مساحات شاسعة من وقائع الفكر والتاريخ والسياسة، ويوزع أحكاماً قيمية خافضة رافعة، تواطئ آخر المطاف تخرصات المستشرقين عن قصور البيان العربي عن البرهان الإغريقي، فضلاً عما يحتقبه أثناء ذلك كله من آراء متسرعة فطيرة حول اللغة العربية، ما جعله موضع نقد كثير من الدارسين.
وشبيه بهذا التقسيم المريح ما يذهب إليه خير الدين حسيب من ضرورة أن تتشكل "كتلة تاريخية" من: التيارات القومية العربية، والإسلامية العروبية، واليسارية العروبية، والليبرالية الوطنة العروبية. وكأن واقعاً موضوعياً محدداً يقع تحت كل لافتة من هذه اللافتات.. وكأن ثمة فروقاً مضمونية حادة بين العربي والعروبي.. وكأن من الممكن إيجاد خلطة سحرية من الليبرالية، والوطنية التي توصف بحقها في أن لا تستغفل بمثل هذه التقسيمات الساذجة المريحة التي تقصر عن مطالب الوعي المحيط بحقائق الظواهر، ولا ينخدع المستبصرون بها بحال.
إنه حقاً عقل أكاديمي كسول، وكم له من ضحايا يلهثون في غباره ويهرعون على آثاره. ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
http://www.assabeelonline.net/ar/de...HcygMft54aNxqJcPtD0Ki54wsbz2iR1cKpoz3drxTpjc=