مشروعية الانتصار للقرآن الكريم، حوار مع د. عبدالرحيم الشريف

إنضم
09/06/2005
المشاركات
1,295
مستوى التفاعل
1
النقاط
38
الإقامة
الطائف
01.png


الحمد لله والصلام والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه الكرام، وبعد:
فإن الانتصار للقرآن الكريم شاع أمره في الآونة الأخيرة، بفضل جهود كبيرة ومتنوعة وتحمل ملتقى الانتصار _ بأعضائه ومشرفيه _ حملاً كبيراً في المساهمة للتأصيل له وإبراز دوره وأهميته، وفي مثاني ذلك مشاريع عدة على رأسها إنشاء الحوارات العلمية مع المهتمين بهذا الاتجاه لمعرفة مدى علاقتهم به وتلمس احتاجيات هذا المجال من خطط ومشاريع قائمة على تأصيل علمي يجعله يسير في مساره الصحيح دون شطط أو انحراف .

ومن هذا المنطلق شرعنا في ملتقى الانتصار في عدة حوارات، محاولين فيها أن نساهم في سَدِّ احتياجات هذا المجال مما يتطلبها علمياً وعملياً وفكرياً .

وهذا الحوار الذي نحن بصدده نهدف منه إلى ما يلي :
1- إبراز مشروعية الانتصار للقرآن الكريم، وموقف السلف منه .
2- الإطلالة على الجهود المبذولة في الانتصار للقرآن الكريم سلفاً وخلفاً .
3- الوقوف على سبب تسميته بـ " الانتصار" ودلالة ذلك والمراد منه .
4- الخلفيات العلمية المساهمة في إنشاء ملتقى الانتصار للقرآن الكريم .


ويسعدنا أن نستضيف في هذا الحوار سعادة الدكتور عبدالرحيم الشريف، وهو أحد المساهمين في تأسيس ملتقى الانتصار للقرآن الكريم، وله جهوده المشكورة في مجالات الدراسات القرآنية على وجه العموم وفي مجال الانتصار للقرآن الكريم على وجه الخصوص .

وفي بداية الحوار أود من سعادة الدكتور أن يعرفنا بسيرته الشخصية والعلمية وبمسيرته المهنية بشكل مختصر ..
كما نود منكم التعرف على علاقتكم بالانتصار للقرآن الكريم تعلماً وتعليماً ومناظرة ؟

 
جزاكم الله خيراً د. حاتم القرشي وجميع الإخوة القائمين على هذا الصرح المتميز التي يتميز عن كثير من المنتديات بروح الألفة والأخوّة بين مرتاديه، ومن يتابع هذا المنتدى يعلم أنه تعبير صادق عن قولهم: الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.

أولاً: التعريف بنشأة عبدالرحيم :

أعرفكم بنفسي فأنا عبدالرحيم بن خيرالله بن عمر بن صالح الشريف، أسكن في المملكة الأردنية الهاشمية، تعود أصولنا إلى الأشراف الأدارسة المغاربة، قدم أجدادي إلى بلاد الشام أثناء الثورة الجزائرية، حيث نفى الفرنسيون عدداً من الثوار ومنهم أجدادي.
اختار أجدادنا السكن في مدينة المفرق التي تقع شمال الأردن (بعيدة عن الحدود السورية 17كم وعن العاصمة عمان 65كم)، وذلك للعمل في شركة البترول العراقية (IPC) التي كانت تنقل البترول من كركوك إلى ساحل حيفا مروراً بالمفرق وذلك حوالي عام 1327 هـ = 1910م، وتذكر كتب التاريخ الحديث أن مدينة المفرق (واسمها القديم الفدين) أسسها المغاربة.
تميزت عائلتنا بحب طلب العلم، فوالد جدي الشريف صالح كان مشهوراً بالطب الشعبي والطب الإفرنجي، حتى إنه درس الطب في إستانبول.
وجدي عمر كان مشهوراً بأن أكبر المحامين والقضاة كانوا يستشيرونه في المعضلات.
والدي يحمل درجة الدكتوراه وإخوتي يحملون شهادات عليا وأخواتي يعملن في الصيدلة.
كانت للبيئة العلمية الثقافية التي أنشأنا والدي (أطال الله في عمره) على حبها أثر كبير في تنمية ميولي الثقافية، حيث أذكر بأني كنت أشتري مختلف الكتب والمجلات الثقافية ولا أذهب إلى دور اللهو والمقاهي والملاعب، فكنت إن خرجت من البيت لا أخرج إلا لدار تحفيظ القرآن أو المدرسة حصراً.
حتى حين كنت أزور بيوت أقاربي آخذ كتاباً وأقرأه وإن لعبت بعض اللعب الخفيف مع أقاربي، ما ألبث أن امسك كتاباً وأقرأ.

ثانياً: سيرتي العلمية والمهنية الحالية:

عملت مدرسا للتربية الإسلامية في مختلف الصفوف من الأول إلى الثانوية العامة لمدة عشر سنوات
ثم انتقلت للتدريس في جامعة الزرقاء بعد حصولي على الدكتوراه منذ ست سنوات
وتمت ترقيتي قبل عام إلى رتبة أستاذ مشارك.
وأتولى منصباً إدارياً هو نائب عميد كلية الشريعة في جامعة الزرقاء
ورئيس قسم أصول الدين
ومدير المركز الثقافي الإسلامي
وضابط ارتباط وحدة الجودة في الكلية

ولمعرفة تفاصيل السيرة الذاتية انقر هنا

ثالثاً: عبد الرحيم والانتصار للقرآن:

بدأت تثور لدي أسئلة في الأديان منذ الصف العاشر تقريبا (وكان عمري 16 سنة) حين كان في الصف ثلاثة من الطلاب النصارى، أحدهم يطمح بأن يصبح كاهنا (حتى يأكل ويشرب وينام ببلاش بحسب تعبيره).
كان الطلبة النصارى يخرجون من حصة التربية الإسلامية؛ دفعاً للإحراج لذا لم نكن نخوض معهم في الأديان، ولكن حصلت مرة أن غاب أحد المدرسين فقام بإشغال الحصة بدلاً عنه مدرس التربية الإسلامية (وهو من أنسباء الشيخ الألباني) حاول النصارى أن يخرجوا فأجبرهم على الجلوس..
تحدث الأستاذ (أبو عمرو حفظه الله) معنا بأن الإسلام يحث على الجدية وعدم الخمول... الخ واستدل بالقول المأثور: " علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل "، حينئذ رفع يده ذاك النصراني (الذي يطمح أن يصبح كاهناً) ثم قال: الإسلام حث على هذا حتى يجاهد غير المسلمين ويقتلهم...
لا تهمنا باقي التفاصيل للحكاية.. ولكن ما يهمنا هنا أن هذه الحادثة فتحت ذهني أن الآخَر أحياناً يظن في مروياتنا أموراً عجيبة تخالف مسلماتنا.
وبعد أسابيع كنا نجلس مجموعة من الطلبة المسلمين والنصارى نفطر معا في الفسحة (ونسميها: الفرصة) فتم فتح مواضيع الجنة والنار وأنتم المسلمون يا حظكم (نيّالكم) لأن عندكم حور عين... الخ فتعجبنا وقلنا: أنتم ليس عندكم؟ فضحك ذاك الذي يريد أن يصبح كاهنا وشرح لنا الدينونة عند النصارى، وأن جنة النصارى تهتم بالمتع الروحية بجنب حضرة الرب المقدس، ومن العيب أن نأكل ونشرب ونجامع أمامه.. الخ
أثارتني مقارنته (وتذكروا بأني في الصف العاشر) وتساءلت.. بحثت عن إجابات.. ومن أين أجد الإجابات (في عصر ما قبل النت)؟
أعجِبَ ذاك النصراني بنفسه، وظن بأنه سيتسيد الموقف؛ فطلب منا تكرار الجلسة، ودعانا على حسابه جلسنا معاً.. ضحكنا.. مزحنا.. أكلنا (ونحن فقراء بالنسبة له طبعاً).. ثم فتح النقاش ودار السؤال التالي:
- النصراني: يا عبدالرحيم هل تضمن دخول الجنة؟
- عبدالرحيم: ؟!؟!؟!
- النصراني [تصنع بأنه يفكر ملياً]: ... ممممم .. أخاف أننا نحن النصارى وأنتم المسلمون لن ندخل الجنة.. أليس هنالك احتمال بأن يكون اليهود في الجنة ونحن وأنتم في النار (رح نوكل بومبا).
- عبدالرحيم [بالعامية وعلى البديهة]: والله لو إنت شاكك في دينك، أنا مش شاكك في ديني.
حينئذ انفض المجلس وعدنا إلى الصفوف..
في اليوم التالي وجدت الطلاب النصارى لا يبتسمون في وجهي ويرحبون بي بحرارة كعادتهم فتعجبت، وحين سألت أقربهم إليّ قال: حذرنا (الكاهن _ باعتبار ما سيكون _ ) منك، وقال لنا: لا تقتربوا منه إنه من الإخوان المسلمين!
وكانت أول مرة اسمع فيها بمصطلح الإخوان المسلمين!
مقاطعة الطلاب النصارى لي فتحت في ذهني تساؤلات أخرى زادت من اهتمامي بموضوع خلافنا مع النصارى، وأثارت فضولي، هل يتشكك الكاهن النصراني بالدين النصراني؟
فكنت أكثِر من الزيارات لأحد أقاربي المهتمين بموضوع الأديان (عمي أبو شريف أطال الله في عمره) وكان يعلمني بعض عقائد النصارى (ومن بينها السبتيين وهم أشد صهيونية من بعض اليهود) ويعطيني بعضاً من كتبهم التي كان يوزعها المستشفى التنصيري الأمريكي الموجود في المفرق منذ عام 1960 تقريباً، لكنني وجدت الكتاب المقدس مملاً فتركته.
كتب الله لي دراسة بكالوريوس الشريعة من 1993-1997 م وكانت مواد مقارنة الأديان التي يُدرسها الدكتور محمد الملكاوي (محقق كتاب إظهار الحق لرحمة الله الهندي) تستهويني وكانت أعلى العلامات حصلت عليها فيها، وكنت أجلس في مكتبة الجامعة لمطالعة كتبها.
وفي الماجستير أكرمني الله بالدكتور بهجت الحباشنة المتبحر في موضوع اليهود والنصارى الذي كان مخلصاً في تعليمنا أسس وقواعد مناقشة عقائدهم بالعقل، وكنت أجلس معه ساعات في بيته ومكتبه ومسجده لمناقشة عقائدهم والتعريف بأساليبهم.
ومن الماجستير بدأت حكاية الانتصار.
كانت رسالتي في الماجستير عن تحليل الخطاب الدعوي للانبياء والدعاة في القرآن الكريم، وفي عام 2000م كان الإنترنت حديثاً وكنت اسمع بأنه يساعد في إعداد البحوث.
فكتبت (على جوجل) : " ذو القرنين " وذلك بهدف تحليل خطابه الدعوي، فتفاجأت بمنتدى علماني (لا زال موجوداً وينفث سمومه إلى الآن) يتكلم بأن (ذو القرنين) أسطورة مسروقة من كتب اليونان.. الخ
فكتمتها في نفسي وأكملت رسالة الماجستير عام 2001م.
لم أسجل مباشرة لدراسة الدكتوراه بسبب الوضع المالي، لذا رجعت إلى مطالعاتي ثم تذكرت ذاك المنتدى الذي تحدث عن ذي القرنين فدخلته وسجلت فيه وبدأت مناقشة الملحدين والنصارى فيه (والفاضي يعمل قاضي)، فكنت أسهر لوقت متأخر من الليل لمناقشاتهم.
تعرفت في ذاك المنتدى وغيره على حبيبي الأستاذ الدكتور أحمد سعد الخطيب، والدكتور منقذ السقار، والدكتور هشام عزمي، والدكتور أحمد الطعان، والشباب: حسام مجدي، والصفي، ومحمود أبا شيخ (صوماليانو) وغيرهم.
وبالأخوّةِ يزداد العود شدة وثباتاً، فكان إخوتي يساعدونني ويأخذون بيدي، وكنت أحتفظ بالردود على جهازي، والشبهات التي لم نجد عليها ردودا طبعتها على ورق من أجل مزيد من البحث.. إلى أن يسر الله تعالى التسجيل في جامعة دمشق بعد تيسير الامور المالية أواسط عام ٢٠٠٣م.
نظام الدكتوراه في جامعة دمشق: لا توجد مواد نظرية بل نذهب مباشرة إلى تسجيل عنوان الأطروحة.
فسجلت أطروحة دكتوراه بعنوان: الشخصية الإيجابية في القصص القرآني، وبعد أشهر من الانتظار تم رفضها بلا إبداء أسباب.
فاقترحت عنوانا آخر: الدعاة من غير الأنبياء في القرآن الكريم / دراسة موضوعية.. وبعد شهور تم الرفض أيضاً بدعوى أنه قتل بحثاً.
طلب مني المشرف (د. نصار نصار) التعجل في اقتراح العنوان الثالث قبل أن نتنهي المدة المسموحة فقلت له لا أملك أفكاراً لبحث جديد.. ثم تذكرت أوراقي التي كانت عندي حول الشبهات المثارة حول القرآن الكريم في مواقع الإنترنت والتي لم نجد لغاية الآن إجابة شافية لها فاقترحتها على المشرف فوافق.
لملمت أوراقي وكتبت مخطط الأطروحة.. وبعد أخذٍ وردٍّ تمت الموافقة على الأطروحة والحمد لله رب العالمين في أواسط عام 2004م.
أخذت على نفسي عهداً أن لا أكتب رداً لشبهة مثارة حول القرآن الكريم قبل الحوار مع النصارى والملحدين حولها فإذا وصلت معهم أثناء الحوار إلى نقطة لا يستطيعون تجاوزها: فسأثبتُ ذلك الرد في أطروحتي.
 
كان الإنترنت في سوريا غالياً وكان لا بد من شراء جهاز حاسوب محمول؛ لذا بعت قطعة الأرض التي أهداني إياها جدي لأمي رحمه الله تعالى، واشتركت في مقهى إنترنت (كنت أمكث فيه حوالي 5-8 ساعات يومياً) واشتريت جهاز حاسوب محمول، ووجدت نفسي منسجماً في حوار النصارى والملحدين.
والحمد لله الذي يسر وأعان على دخول عدد منهم إلى الإسلام، إضافة إلى عودة بعض المرتدين الذين لم يجدو من يجيبهم على شبهاتهم.
بدأت تخطر ببالي هواجس حول ضرورة تخصيص علم يعنى بالانتصار للقرآن كمجال تخصصي للمشتغلين بالتفسير وعلوم القرآن حين وجدت غالب الشباب في الملتقيات لا يعرفون أيسر أصول وقواعد التفسير بل كان معظمهم يزيد الشبهات رسوخاً فيسيء أكثر مما يصلح.
وكذلك حين كنت أسأل عدداً من كبار أهل العلم في سوريا وغيرها في الرد على شبهة أرّقتني، يقولون:
- يا أخي لا ترد على كل سؤال.
- لو أن كل كلب ألقمته حجراً لأصبح الحجر مثقالا بدينار
- القافلة تسير والكلاب تعوي
- هذه شبهة تافهة لا تستحق الرد
- دعهم فإنهم حمقى
.. الخ من الأعذار التي تحمل صيغة تعجب: هل مفسر القرآن غرضه الرد على الشبهات المثارة حوله؟

وفي أثناء درس شرح الحكم العطائية للشيخ البوطي رحمه الله في يوم خميس بجامع الإيمان بدمشق، كان يحث المستمعين على الانتصار للإسلام.. الخ
وحين عدت إلى البيت ماشياً ــ (وكنت أسكن في حي الفحامة/مقابل جامع زيد بن ثابت وإمامه الشيخ سارية الرفاعي أطال الله في عمره) لذا أخذ المشي ساعة من الزمن ــ
أخذت أتساءل: لماذا ينتصر المفسرون للقرآن الكريم؟ فأنواع التفسير: تحليلي، موضوعي، إجمالي، مقارن، فقهي.. الخ وعمل المفسر التقليدي لن يخرج عنها.. فليس في أقسام التفسير: الرد على الشبهات
إذاً: ليس من عمل المفسر : الدفاع عن القرآن.
في اليوم التالي (الجمعة) خطب الشيخ سارية الرفاعي حول الدفاع عن الإسلام.. وأن لكل إنسان دوره.. الخ
بعدها.. عدت إلى البيت فكان التفكير خارج النمط المألوف: إن لم يكن الدفاع عن القرآن عمل المفسر، فلماذا لا يكون عمل المشتغل في علوم القرآن الكريم؛ فالباحث في علوم مهتمة بالقرآن الكريم كالناسخ والمنسوخ والحكم والمتشابه.. الخ، ينبغي أن يهتم أيضاً بالدفاع عنه.

كان أكثر ما يؤرقني: الاسم؛ فاسم: الدفاع عن القرآن عارضه كثير من الناس، فالقرآن الكريم ليس بمتهم أصلاً.
فطلبت العون من الله تعالى أثناء اعتكافي في المسجد الأموي ــ وكان المكث فيه عادتي من الظهر إلى العشاء كل يوم سبت ــ ليفتح عليّ باسم جديد.
وأثناء جَولة عصف ذهني و(خربشات) على أوراق: حماية القرآن، العناية بالقرآن.. ثم منّ الله بكلمة " الانتصار "
وكم فرحت حين وجدت الكلمة قد استخدمها كل من الباقلاني والطوفي في كتابيهما: الانتصار للقرآن، والانتصارات الإسلامية.
وفي شهر 9من عام 2005م كتبت موضوعاً بعنوان: " علم الانتصار للقرآن الكريم " دعوة لإنشاء علم جديد من علوم القرآن الكريم انظر الرابط
http://vb.tafsir.net/tafsir3930/
[ ملاحظة: قمت بتطوير المقالة إلى بحث علمي قدمته إلى جامعة دمشق لاستكمال متطلبات الحصول على شهادة الدكتوراه وتم قبول نشره بتاريخ 9 / 3 / 2006م ]
انظر الملف المرفق بهذه المشاركة
ولكن التجاوب مع الموضوع في ملتقى أهل التفسير كان ضعيفاً، وكم تألمت حين وجدت أن موضوعاً كالفرق بين النبي والرسول يتابعه المئات بينما مواضيع في الدفاع عن القرآن لا يتابعها الآحاد
فكتبت بعد أربعة أشهر مقالة عاطفية بعنوان: " ذَهَبَ الَّذينَ يُعاشُ في أَكنافِهِم "
انظر الرابط:
http://vb.tafsir.net/tafsir4331/#post16699
قلت في المقالة: " إن لم يدافع عن القرآن الكريم أهل الله وخاصته.. فمن ؟!! "

وكان من أوائل من شجعني على التفكير مرات ومرات في الموضوع تعقيبات كل من أستاذنا الكبير فضيلة العالم: د. مساعد الطيار وصاحب البصمة المميزة: د. عبدالرحمن الشهري، والذي شرفني بزيارته لي في دمشق: د. أحمد البريدي.. وغيرهم من الأفاضل الذين كان لتفاعلهم مع الموضوع الأثر الأكبر للسير قدماً
وأستغفر الله لقسوتي الشديدة التي لم تكن في مكانها عند ختام موضوع بعنوان
التفكيك – التركيب (التخلية – التحلية) بين المستشرقين والحداثيين.. ونحن!
ورابطه:
http://vb.tafsir.net/tafsir4359/
وكان مما ورد فيه:
" ولو كان للانتصار للقرآن علم وقواعد ناظمة ومؤسسات وفِرَق عمَل ... تليق بمكانة القرآن الكريم.. ومتناسبة مع حجم الهجوم.. لما كنا (كالأيتام) على موائد اللئام. بل كان لإعدادنا (خط إنتاج) آخر! "
ثم قلت:
" فليتق الله من لم يجد وقتاً للانتصار للقرآن، أو إعداد نفسه لذاك..
وفي الوقت ذاته: وجد وقتاً وعِلماً للهجوم على المرجئة والجهمية والكرَّامية من الأموات... والأسوأ منه: مَن وجَدَ وقتاً لعلمائه الدعاة العاملين من الأحياء ...
جَهلاً علينا وَجُبناً عَن عَدوكُم ### لَبِئسَتِ الخلَّتانِ الجَهلُ وَالجُبْنُ "

فبادر بعدها فضيلة د. أحمد البريدي حفظه الله بعمل استطلاع للرأي حول فتح قسم ملتقى الانتصار للقرآن
انظر:
http://vb.tafsir.net/tafsir4365/
وبعدها بأقل من شهرين تم فتح ملتقى الانتصار للقرآن الكريم رسمياً
انظر:
http://vb.tafsir.net/tafsir4771/
فجزى الله القائمين على المشروع خير الجزاء

والغرض من إطالة هذه المقدمة التاريخية: تقديم شهادة للتاريخ وهي أن لا أحد (بصفته الفردية) له فضل بلفت الانتباه إلى علم متخصص في الانتصار للقرآن الكريم
وإنما الفضل لله وحده ثم العمل الجماعي الطيب لجميع الكرام في ملتقى أهل التفسير

ومن الغرائب التي أذكرها هنا: أن من سلبيات أطروحتي في الدكتوراه التي ذكرها الأفاضل أثناء جلسة المناقشة: أن أطروحتي ليست في التفسير، بل في مقارنة الأديان!!!
عندها ناقشتهم كثيراً وحاورتهم بأن ما أريد إثباته في رسالتي أن علم الانتصار للقرآن الكريم هو علم أصيل له مكانه بين أشقائه من علوم القرآن الكريم، والبحث فيه كالبحث في سائر علوم القرآن، بل إنه أولى منها.. وبخاصة تلك التي قتلت بحثاً.
 
فيما سبق مواقف تستحق التوقف عندها؛ ولكننا سنطوي عنها صفحاً ليلا يتشعب الحوار.

نلحظ يا دكتور عبد الرحيم أنك تطرقت في آخر مشاركتك لبدايات ملتقى الانتصار هنا؛ فهل من زيادة بيان في قصة إنشاء ملتقى الانتصار ؟
كما أني أشكر فيك ما ذكرته من التشارك بين مجموعة في تكوينه وعدم نسبة ذلك لشخص أو آخر، ولعلها من التوفيق في مثل هذه الأعمال ..

وثَم نقطة أخرى ؛ ما الذي جعل الفكرة في إنشاء ملتقى تخصصي للانتصار للقرآن تتأخر هذا التأخر مع قيام الحاجة له مذ زمن ؟؟!
 
جزاكم الله خيراً مرة أخرى
أنا لم أتابع جميع مراحل فتح ملتقى الانتصار للقرآن الكريم؛ لأن السلطات السورية في ذلك الوقت قررت حجب عدد من المواقع التي صنفتها بأنها (وهابية) لأسباب يطول شرحها وتحليل دوافعها.
فانقطعت عن الملتقى فترة طويلة، ولعل انقطاعي كان فيه خير حيث ركزت على تكوين فريق عمل من الشباب لدخول منتديات الآخر وغرف الدردشة من أجل رصد أبرز الشبهات وفرزها ورقياً
كانت حصيلة هذا العمل (بين عامي 2006-2007م) حوالي أربعة آلاف صفحة A4 (حوالي مليون كلمة) من الشبهات المثارة حول القرآن الكريم، بدون الشبهات المثارة حول الحديث والعقيدة والعقوبات والأحوال الشخصية.. الخ
وبعد فهرستها وتصنيفها وحذف المكرر، وقعت في حدود ألف صفحة تقريباً.
وبفضل الله تعالى، ثم بجهود الشباب.. تم الرد عليها جميعاً
بل كان التحدي الذي حمل بعض التهور..
ففي أحد المنتديات وأثناء حوار مع نصراني (يدعى ألفرد)، كان يثير الشبهات حول القرآن الكريم بكثرة كالمطر، ولاحظت بأنه يذكر الشبهات الموجودة عندي بإخطائها المطبعية وعلامات الترقيم ذاتها
فقلت له (متسرعاً) : أتحداك أن تحضر لي أي شبهة حول القرآن الكريم في مناظرة على الهواء مباشرة، وإذا لم أرد عليها خلال خمس دقائق فأنا الخاسر.
وبعد جولة من النقاش.. صار الحوار معه مملاً جداً، فأحببت أن أضع قليلاً من البهارات، فقلت له:
خلال خمس دقائق سأجيب عن شبهتك، وسأخبرك من أين مصدرها
والحمد لله.. [عدّت الأمور على خير.. وإلا كان تبهدلنا بسبب هذا التسرع المتهور]
* هذا المثال أذكره لأخبركم بأن الفضل لله وحده وثم للشباب في المنتديات الذين لم يتركوا شبهة بلا جواب، (لكن لا أدري كيف صار الحال بعد 2007م).

ولنعد إلى ملتقانا الطاهر (طهّر الله قلوب رواده) : أظن بأن السبب الرئيس لتأخر فتح الملتقى:
أن الحوار الديني مع غير المسلمين ليس ببال الشريحة الكبرى من أعضاء المنتدى وزواره (ولنسمهم رواد الملتقى).
وهذا طبيعي؛ فرواد المنتدى أكثرهم من الخليج ــ وبخاصة من المملكة ــ وهم لم يحتكوا بالنصارى كاحتكاكنا بهم في الشام ومصر والسودان..
كيف ستعرفونها وأكثر منتديات النصارى والملحدين والعلمانيين والليبراليين (وسأسميها منتديات الآخر) محجوبة عندكم؟
وهنالك سبب ثان وهو خشية كبار رواد الملتقى الطيب من أن يتحول إلى ساحة صراع ديني فلسفي يخرجه عن منهجه الرصين.
والسبب الثالث: خشيتهم من نشر تلك الشبهات في الملتقى مما يؤثر سلباً في عوام الرواد وصغار طلبة العلم فكأننا قدمنا هدية بنشر الشبهات، مما يخرق القاعدة التي تنادي بأن: (أميتوا الباطل بالسكوت عنه).

هذه أسباب خارجية، وهنالك أسباب داخلية فينا نحن (نعم نحن) رواد الملتقى
فالإنسان (وبخاصة جنس الرجال) لا يحب التجديد بل يميل إلى الرتابة، فعمل المفسر معروف آخذاً سبيله في سكة لا يحيد عنها، متنقلا بين الكتب النورانية، يتتبع انفاس السلف الصالح من أهل العلم..
وصاحب الفطرة النقية لا يحب سماع شواذ الآراء، بل يجدها ثقيلة على القلب، ينفر عنها فراره من المجذوم!
حب الدعة.. والنفور عن سماع الكلام الشاذ: يجعلان من أصحاب العقول النيرة من طلبة العلم لا يميلون إلى معرفة الشبهات وتحليلها ومن ثم الرد عليها.
وأضيف إليها عدم امتلاكنا ((نحن العرب عامة)) مهارة التواصل مع الآخر وفن الاستماع له إلى النهاية، ومن ثم مخاطبة (الفكرة) بغض النظر عن (صاحب الفكرة)، بل نميل إلى الهجوم الشخصي (الشخصنة)، لدرجة أني شاهدت أحدهم في حوار مع علماني يطعن في صحة نسب قبيلة العلماني إلى العدنانيين!!

وأخيراً عقولنا نحن رواد الملتقى ترسخت فيها العقيدة السليمة؛ لذا لا يخطر ببالنا أن شبهة صغيرة جداً قد تجعل بعض العوام يرتد.
نعم قد يرتد العامي لشبهة صغيرة جوابها لا يستغرق خمس دقائق، فليس كل الناس يحضرون قناة المجد والرحمة والحكمة ودليل.. الخ
وليس كل الناس درسوا في مدارسهم التوحيد والتفسير والحديث... الخ
أذكر أن مهندساً مشهوراً جداً يصلي الصلوات الخمس في المسجد كان يتابع زكريا بطرس على الفضائيات، التقيت به في إحدى المناسبات وسألني عن شبهة يثيرها زكريا بطرس ــ شبهة تافهة جداً ــ، الرد عليها استغرق أقل من دقيقة، ففرح فرحاً شديداً وقبلني بين عينيّ، وسط دهشة المدعوين!
نحن نظن بأن الأفكار الراسخة في أذهاننا لا بد بالضرورة وأن تكون معلومة لدى العوام، وهذا خطأ يعرفه الذي يدرس الطلبة في الجامعة بل وطلبة الشريعة منهم.
أتحداكم أن تعملوا استبانة أسئلة ثقافية تحمل أسئلة عامة لطلبة الشريعة في جامعاتكم وأترك لكم الحكم عليها.

بشكل عام: لا يدرك أهمية الانتصار للقرآن الكريم أكثر من رواد منتديات الآخرين، ولا أظن بأن أكثر رواد ملتقانا دخلوها فإن دخلوها فسرعان ما سيخرجون منها لأسباب مختلفة، من أبرزها: ما يجدونه في تلك المنتديات من شتائم واستهزاء بالإسلام والمسلمين، وظلم المشرفين وتحيزهم.. الخ

ومن أسباب مشكلة خلو منتديات الآخر من طلبة العلم الشرعي: أننا نظن بأن عمل الداعية محصور فقط في تعليم المسلمين أحكام الإسلام
وننسى أن أصل الدعوة إدخال غير المسلمين إلى الإسلام
ولننظر إلى الدعاة المشهورين حالياً: كم نسبة ( % ) الذين يعملون في إدخال غير المسلمين إلى الإسلام من الذين يعلمون المسلمين أحكام الإسلام؟
إن الدعوة إلى الإسلام هي الغاية لكل داعية، والرد على شبهات الآخر وسيلة رئيسة من وسائل الدعوة.
أبداً ليس الرد على الشبهة هدفنا.. بل وسيلة نتركها إلى غيرها عند الضرورة.

مَن لم يذق لذة الانتصار للقرآن لا يمكن أن أشرحها له (فمن غرَفَ عرَف)، إنها عاجل بشرى المنتصر للقرآن الكريم، ولكنها ككل شيء في الدنيا لا بد وأن ينالك إن عملتَ فيها بعضاً من سنن الدنيا: سنة الابتلاء، سنة التدافع، سنة الخطأ.. الخ.
ولا بد لك من سلوك سنن كونية لتنال شرفها: سنة التدرج، سنة التعلم، سنة الصبر.. الخ

ومن عاجل ثمرة الانتصار للقرآن الكريم أنك ترى جمال القرآن وأحكامه من زوايا متعددة غير تقليدية، ولعل الذي يتابع الحوار مع (الدكتور موراني) يجد أنه بمداخلاته يرينا القضايا من زوايا مختلفة غير تقليدية، وسبحان من أحاط بكل شيء علماً.
كيف وإن كان في منتدانا أكثر من رجل من شاكلة (الدكتور موراني)؟

ختاماً أنبه بأن الممارسة العملية تشكل الركن الأعظم للانتصار للقرآن الكريم..
فكيف بالله عليكم سيكون التنظير للانتصار من شخص بعيد عن الانتصار..
ولكم أن تشعروا بمرارتي حين رأيت أحد الطلبة يُعد لأطروحة دكتوراه في التنظير للانتصار للقرآن..
سألته: ما شاء الله، هذا فتح عظيم.. وهل حاورت أحداً من النصارى أو الملحدين؟
فأجاب: كلا، ولكن بعد المناقشة بإذن الله!!
هل رأيتم رجلا يعيش في الصحراء، لم ير بحراً في حياته، يفوز في سباق سباحة، لمجرد أنه قرأ كتاب: كيف تصبح سباحاً في سبعة أيام بدون معلم؟!
كيف وإن كان يخطط لأن يصبح: مدرب سباحة؟!!
 
نقاط لفتت انتباهي

نقاط لفتت انتباهي


أخي د. عبدالرحيم جزاك الله خيرا.
والغرض من إطالة هذه المقدمة التاريخية: تقديم شهادة للتاريخ وهي أن لا أحد (بصفته الفردية) له فضل بلفت الانتباه إلى علم متخصص في الانتصار للقرآن الكريم.
التعليق:
نتائج العمل الفردي محدودة في كل وقت و خاصة في عصر الانترنت، القرن 21، عصر الويكيبديا، اقرأوا عن بداية الويكيبديا.


فالإنسان (وبخاصة جنس الرجال) لا يحب التجديد بل يميل إلى الرتابة، فعمل المفسر معروف آخذاً سبيله في سكة لا يحيد عنها، متنقلا بين الكتب النورانية، يتتبع انفاس السلف الصالح من أهل العلم..
وصاحب الفطرة النقية لا يحب سماع شواذ الآراء، بل يجدها ثقيلة على القلب، ينفر عنها فراره من المجذوم!
حب الدعة.. والنفور عن سماع الكلام الشاذ: يجعلان من أصحاب العقول النيرة من طلبة العلم لا يميلون إلى معرفة الشبهات وتحليلها ومن ثم الرد عليها.
التعليق:
(فالإنسان (وبخاصة جنس الرجال) لا يحب التجديد بل يميل إلى الرتابة): أمر يدعو للقلق، لكن كما الشمس تشرق كل صباح، فالتغيير ممكن حتى من الذين نعتقد ان عندهم مناعة ضد التغيير. الطب يتطور بشكل كبير في القرن 21- إن شاء الله- ستكتشف علاجات فعالة لمثل هذه الحالات.

ختاماً أنبه بأن الممارسة العملية تشكل الركن الأعظم للانتصار للقرآن الكريم..
فكيف بالله عليكم سيكون التنظير للانتصار من شخص بعيد عن الانتصار..
ولكم أن تشعروا بمرارتي حين رأيت أحد الطلبة يُعد لأطروحة دكتوراه في التنظير للانتصار للقرآن..
سألته: ما شاء الله، هذا فتح عظيم.. وهل حاورت أحداً من النصارى أو الملحدين؟
فأجاب: كلا، ولكن بعد المناقشة بإذن الله!!
هل رأيتم رجلا يعيش في الصحراء، لم ير بحراً في حياته، يفوز في سباق سباحة، لمجرد أنه قرأ كتاب: كيف تصبح سباحاً في سبعة أيام بدون معلم؟!
كيف وإن كان يخطط لأن يصبح: مدرب سباحة؟!!
التعليق:
هناك مقولة تقول: أعمالك تتحدث أعلى من أقوالك...التطبيق...الممارسة...أفضل الطرق لاكتشاف الاخطاء، معرفة الذات، ثم التطوير.
 
شكراً للأخت زمزم تعليقها وإضافتها .
وبخصوص تعليقك هذا :
نتائج العمل الفردي محدودة في كل وقت و خاصة في عصر الانترنت، القرن 21، عصر الويكيبديا، اقرأوا عن بداية الويكيبديا
فلا شك أن العلم الفردي محدود، ولكن مقصد الأخ د. عبدالرحيم الشريف أن نسبة الفضل والجهد في إنشاء ملتقى الانتصار للقرآن الكريم لا ترجع إلى فرد بعينه، بل هو مجموع جهود تضافرت حتى رأى النور، وبفضل تلك الجهود _ في العمل الجماعي _ يسير حتى الآن ويحقق أهدافه بإذن الله . وإن كان على هرم فضل إنشائه د. أحمد البريدي و د. عبدالرحيم الشريف، جزاهما الله خير الجزاء .

ونعود لحوارنا ؛ وأحث الإخوة والأخوات على التعليق والمشاركة بالآراء والاستفسارات خلال هذه الحوار؛ ليكون أكثر فاعلية وحيوية ..
 
دكتور عبد الرحيم : نرغب من سعادتكم التعليق على مسمى الانتصار للقرآن، فلماذا تم تفضيل كلمة " الانتصار " على غيرها كـ "الدفاع" مثلاً ، ولا سيما أن بعض المتخصصين يرى أن كلمة الانتصار من أوائل من استخدمها بعض المخالفين، وكان الأولى عدم اتباعهم في ذلك ..

فما تعليقكم على أصل التسمية بـ : الانتصار ؟

وما توجيهكم لذلك الإيراد باستعمالها من المخالف في أول ورودها ؟

وما هي مضامين ودلالات هذا المصطلح ؟
 
* تنازعت مدرستان موضوع (الدفاع) عن القرآن الكريم ضد منتقديه وبخاصة من الملحدين والمستشرقين والعلمانيين والليبراليين، فذهبت مدرسة إلى أهمية ذلك وجلته من فروض الكفايات، وذهبت مدرسة إلى ضرورة منع ذلك خشية أن تقوم بإشهار الشبهة بدلاً من إبقائها محصورة بين فئة من المطلعين عليها.
ولما كان التوسط في القضايا التي لا نص قطعي الدلالة عليها أمراً محموداً، أرى التوسط بتفصيل المسألة
فهذا شيخنا الجليل فضيلة الدكتور خالد السبت ينتقد صنيع الزرقاني في مناهل العرفان لأنه عَمَدَ إلى عرض الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام، وبعض الشبهات التي ساقها المؤلف في هذا الكتاب لا تستحق الذكر ولا الالتفات؛ لسخافتها، وضعفها المتناهي، وأحياناً تأتي الردود غير محكمة، بل أحياناً تكون ردود المؤلف متضمنة بعض المخالفات.
وكثرة الردود ـ التي زادت عن مائة ـ تخالف منهج أهل السنة والجماعة الذين ينهون عن عرض الشبه وعن سماعها في حالتين: أن يكون صاحب الشبهة منغمساً في باطله، طالباً لنصرته، مبتغياً التشكيك في الحق، وهذا لا يُسمع لقوله إلا في حالات قليلة. أو أن لا يأمن الراد على الشبهة على نفسه من الانجراف معها، أو كان علمه قاصراً فيكون الرد ضعيفاً، فيتغلب صاحب الشبهة فتحصل بذلك فتنة، فلا ينبغي الرد في الحالتين.
ولكن يُرخص سماع الشبهة والرد عليها في حالتين: إن كان صاحب الشبهة طالباً للحق منقاداً له، أو أن تكونَ موجوداً في مجلس يحضره مَن تخشى عليه الفتنة إن سكتَّ.
[انظر: كتاب مناهل العرفان للزرقاني دراسة وتقويم، خالد السبت، ص134-151]

ومن المهم تذكر الكلام المطول للأستاذ محمد قطب في مقدمة الطبعة الحادية عشرة من أشهر كتبه: شبهات حول الإسلام
حيث يقول:
لقد هممت أكثر من مرة أن ألغي هذا الكتاب من قائمة كتبي ولا أعيد طبعه!
وإني لأعلم أن هذا الكتاب بالذات هو أوسع كتبي انتشاراً وأكثرها طباعة، سواء في طبعته العربية أو في ترجماته التي ترجم إليها، باللغة الإنجليزية وبأكثر من لغة من لغات العالم الإسلامي، وسواء في طبعاته المشروعة التي طبعت بإذني وعلمي، أو طبعاته الأخرى التي طبعت بغير إذن مني ولا علم!
وإني لأعلم كذلك أن أكثر قراء هذا الكتاب هم من الشباب المسلم المتحمس بالذات، لأنهم يجدون فيه الرد على بعض الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام في طريقهم، ولا يجدون الرد عليها حاضراً في أذهانهم، وأن الكتاب - لهذا - كان من بين أسلحة الشباب المسلم التي يخوض بها معركة الجدل مع أولئك الأعداء.
ومع علمي بهذا وذلك فقد هممت أكثر من مرة أن ألغي الكتاب من قائمة كتبي ولا أعيد إصداره!
ولم يكن ذلك لأنني غيرت موقفي من " المعلومات " الواردة فيه - فيما عدا تعديلاً واحداً في فصل " الإسلام والرق " - ولكن لأنني غيرت موقفي من " منهج " الكتاب ذاته.
إن المنهج الذي يسير عليه الكتاب في صورته الراهنة هو إيراد الشبهة التي يثيرها أعداء الإسلام، ثم الرد عليها بما يبطلها. وذلك هو المنهج الذي تغير موقفي منه، فأصبحت أجد نفسي اليوم غير موافق عليه. ذلك لأنه يعطي الشبهة لونا من الأهمية لا تستحقه، ولوناً من الشرعية يستوجب منا الاحتفال والاهتمام. ثم.. كأنما دين الله المنزل في حاجة إلى جهد منا - نحن البشر - لإثبات أنه بريء من العيوب!
وحقيقة أنني حين قمت بتأليف الكتاب على هذا النحو منذ أكثر من عشرين عاماً كنت أستند - بيني وبين نفسي - إلى أن القرآن قد أورد شبهات المشركين وأهل الكتاب فيما يتعلق بالقرآن والوحي والرسول صلى الله عليه وسلم، بل بالذات الإلهية كذلك، ثم رد عليها بما يبطلها، دون أن يكون الرد قد أعطى لتلك الشبهات اعتباراً ولا شرعية، ولا أعطى شعوراً بأن الإسلام متهم يقف في موقف الدفاع!
وحقيقة كذلك أن الكتاب - وإن أخذ من حيث الشكل صورة الدفاع - فإنه في الواقع لم يكن دفاعاً بالمعنى المعروف، وإنما كان في مضمونه الحقيقي مهاجمة لتلك الأفكار الضالة التي تثير الشبهات حول الإسلام لجهلها بحقيقة الإسلام من جهة، ووقوعها من جهة أخرى في جاهلية فكرية وشعورية تزين لها الباطل المنحرف الذي تعيش فيه.

هذا الاعتذار من الأستاذ محمد قطب كان في ذهني (عام 2005م) حين فكرت بعنوان العلم الذي ينبغي أن يكون موجوداً لا يحبذ أن يكون ((دفاع)) بل كلمة أخرى.
فأنت ــ أخي القارئ ــ بعد قراءتك لما سبق..
عليك أن تفكر ملياً في صواب عنوان كتاب: " الإسلام في قفص الاتهام " للدكتور شوقي أبو خليل

* ولنعد إلى الموضوع.. كلمة (الانتصار) لم تكن الكلمة التي فكرت فيها أول مرة، فبعد جولة طويلة مع العصف الذهني (البديل الغربي للسبر والتقسيم) وقع اختياري على كلمة (انتصاف) أي: علم الانتصاف للقرآن الكريم.
وحين ذهبت إلى المعاجم لأبحث عن المعنى اللغوي للانتصاف وجدت أكثرها يقول: (الدفاع)، وبعضها قال (الانتصار) لذا فكرت فيه
بخاصة وأن (ن ص ر) تعبير قرآني كثير الاستعمال.
أما هل التعبير بكلمة (انتصار) تعبير موضوعي أم فكرة مسبقة تخالف المنهج العلمي ؟
فالمعنى اللغوي للانتصار يساعدنا:
الانتصار لغةً: من النصر: وهو عَوْن المظلوم، والانتقام من الظالم. [العين للخليل بن أحمد]
ونَصَرَهُ: نجَّاهُ وخلَّصَهُ، [تاج العروس للزبيدي]
وانتصر الرجل: إذا امتنع مِن ظالِمهِ، ويكون الانتصار مِن الظالم: بالانتصاف منه. [لسان العرب لابن منظور]
ويبدو أن تلك المعاني تدور على إرادة الخير للمنصور
قال ابن فارس: النون والصاد والراء أصلٌ صحيح يدلُّ على إتيان خَيرٍ وإيتائه.. ويسمَّى المطرُ نَصْراً. ونُصِرت الأرضُ، فهي منصورة. والنَّصْر: العَطاء.
ومنه نفهم الشق الأول من حديث: " أنصر أخاك ظالماً أو مظلوما "
فنصره ظالماً = إرادة الخير له بكفه عن الأذى
وبهذا يتبين أن تعبير الانتصار لأحد الرأيين يدل على إرادة الخير وطلب إتيانه، وهذا الخير يظهر بالبحث العلمي المجرد، وهذا أمر لا يخيف الباحث في الانتصار للقرآن؛ لأنه لا تعارض بين صحيح المعقول وصحيح المنقول.

** أما تعريف الانتصار للقرآن الكريم اصطلاحاً بحسب اجتهادي، هو: " العلم الذي يبحث في معرفة الشبهات المثارة حول القرآن الكريم، والرد عليها بالحجة المؤيَّدة بالدليل الصحيح ".
شرح التعريف:
1- معرفة الشبهات: الخطوة الأولى للانتصار للقرآن لكريم، ولابد منها عند الشروع في الإجابة عن أي شبهة، لذا يُقال لمَن أراد دفع شبهة: " لا ترد على أحد جواباً حتى تفهم كلامه؛ فإن ذلك يصرفك عن جواب كلامه إلى غيره، ويؤكد الجهل عليك. ولكنِ افهمْ عنه، فإذا فهمته فأجبه، ولا تعجل بالجواب قبل الاستفهام، ولا تستح أن تستفهم إذا لم تفهم؛ فإن الجواب قبل الفهم حُمْق ". [جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر]
2- القرآن الكريم: كلام الله تعالى المُعْجِزُ، المُنَزَّلُ على النبي محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة الوحي جبريل عليه السلام، المكتوب في المصاحف، المنقول بالتواتر، المتعبد بتلاوته. [مناهل العرفان للزرقاني]
3- الرد على الشبهات: ببيان الحق، وهو الهدف الرئيس لعلم الانتصار للقرآن الكريم وثمرته.
4- الحجة المؤيدة بالدليل الصحيح: لا يؤتي الانتصار للقرآن الكريم أُكُله إلا بدراسة نقدية علمية تبحث في أساس الشبهة، وتنقد منهج البحث الذي أدى إليها نقداً علمياً، ملتزماً بآداب الحوار، متصفاً بالموضوعية، المبنية على الدليل الصحيح، سواء أكان الدليل شرعياً نقلياً صحيحاً، أم عقلياً.
والله أعلم
 
أفهم من تعريفكم المختار لمصطلح الانتصار اقتصار دلالته على جانب الدفع فقط فهو يركز على احتواء الشبهة ونقضها، بينما يوجد جانب آخر في دعوة الكفار وهو دعوتهم إلى فهم القرآن فهماً صحيحاً ، إنْ سلمنا بهذا ألا يكون التعريف قاصراً وليس بجامع ؟
 
في البداية هذا علم جديد لم يوضع حدُّه بعد!
ولا يمكن لعبدالرحيم الفرد المخلوق من الطين الضعيف الناقص، المحكوم بتصورات وآراء فردية خاصة نابعة من خبراته هو وحده، بناء على تجارب شاء القدر أن يمر بها (فلو لم يمر بها لما عرفها).. أن يقرر حدّ هذا العلم.
بل الحق والعدل أن تجتمع لأجله هيئة عالمية من مختلف شرائح العاملين والمهتمين بهذا العلم الوليد.

لذا أوصي بإنشاء هيئة عالمية تعنى بإبراز مكانة مبحث الانتصار للقرآن الكريم، تحمل اسم: (الهيئة العالمية للانتصار للقرآن الكريم)، يشرف عليها ثلة من كبار العلماء والمختصين، يعمل القائمون عليها لإقامة مؤتمرات وورش عمل وحلقات بحث؛ كي تؤسس للتشاور على الحاجة ــ ابتداءً ــ إلى تخصيص علم يختص بالانتصار للقرآن الكريم، ومن ثم الاتفاق على اسم هذا العلم، وبيان حده، وموضوعه، وثمرته، وفضله، ونسبته، وحُكمه، والمسائل المندرجة تحته، ومصادر استمداده.

أما بالنسبة لسؤالكم أخي حاتم عن نواقص يحتاجها التعريف..
فوجهة نظري: لا داعي لما تفضلتم باقتراح إضافته؛ احتراماً للتخصص.
هنالك دعوة بهدف الدفع ودعوة بهدف الطلب (قياساً على جهاد الدفع وجهاد الطلب)، فما رأيكم أن نسمي المنتصر للقرآن الكريم (داعية دفع)؟
الأصل بالداعية المجاهد جهاد طلب أن يكون خبيراً بمقارنة الأديان ومنطلقات الملحدين والعلمانيين.. الخ مما يتعلق بصنف المدعوين الذين يحاورهم، وهذا ليس بالضرورة عمل المنتصر للقرآن الكريم.
المنتصر للقرآن الكريم علاقته بداعية الطلب كعمل الأصولي مع الفقيه، إنه يضع له قواعد وأسس الرد على الشبهات المتعلقة بالقرآن الكريم.
نعم.. قد تجد أصولياً فقيهاً في آن، لكن هذا كان نادراً، وهو في زمننا أندر.
وفن دعوة الطلب (جهاد الطلب المتيسر في زمننا) يحتاج إلى المعرفة بقضايا تختلف عن القضايا المطلوب معرفتها من المنتصر للقرآن الكريم.
فداعية الطلب الذي يخاطب النصراني في عقائده ــ لنقضها ــ يحتاج أموراً تختلف عن الذي يواجه الملحدين / العلمانيين / الليبراليين / القرآنيين / الهندوس / البهائيين / القاديانيين.. الخ
لكنهم كلهم إن رجعوا إلى المنتصر للقرآن الكريم بسؤال عن شبهة ما، فجواب المنتصر لن يتغير، بينما جهاد الطلب (دعوة الطلب) هو الذي قد يختلف بحسب حال المدعو.. الخ
لذا فليس من العلم الضروري للمنتصر للقرآن الكريم أن يعرف عقائد وشرائع وفنون دعوة تلك الأصناف جميعاً إلى الإسلام؛ لنقضها.
والله أعلم
 
لم أفهم هل شيخنا الدكتور حاتم يريد الهيمنة على الموضوع أم هناك مجال مفتوح لحوار أعم مع أستاذنا فضيلة الدكتور عبدالرحيم؟ على أية حال، إن أخطأت في التقدير فمن الأحسن نقل مشاركتي إلى موضوع مستقل: "تعليقات على الحوار..".

كلامك سيدي دكتور الشريف في كلمة الإنتصار جميل للغاية. شخصيا أفضل كلمة إظهار وهي أعم من الإنصاف وأدق من الإنتصار.
{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}
{هُوَ الَّذِي أَرْ‌سَلَ رَ‌سُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَ‌هُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ شَهِيدًا}.

القرآن العظيم أعظم من الإنتصار له لأن الإنتصار يعني الدفع وكأن ثمت مجال لتوجيه هجوم أو "نقد" معتبر ويذكر ضد القرآن. هي محاولات كل صاحب محاولة ونيته لماذا لا يريد للقرآن أن يظهر. لكن هناك محاولات أخرى أصحابها ينطلقون بنيات أخرى، كما هناك محاولات غير مغرضة أصحابها يتوصلون إلى إستنتاجات خاطئة، ولا ننسى مسلمين باحثين، غالبا غير متخصصين، يكتبون ويبحثون في قضايا قرآنية لكنهم بإعتبارهم قاصري النظر يصلون إلى نتائج إما غير صحيحة أو فيها خلط. أضف إلى هؤلاء أصحاب تصورات تقليدية عن القرآن وهي تصورات لا علاقة لها بالقرآن وعلومه ومباحثه ودراساته. هذه المجموعة الأخيرة مسلمين وغير مسلمين. عليه: إظهار القرآن يشمل الرد على الكارهين والمنكرين، كما يتضمن التثقيف وتصحيح المفاهيم.
 
جزاكم الله خيراً أخي شايب
(إظهار) كلمة جميلة ولها أصلها الشرعي حقاً
وبالنسبة لاحتكار أخي د. حاتم للحوار
فهو ظن ولكنه لا يغني عن الحق شيئاً
بل الأخ حاتم أراد البدء بالحوار
ولا مانع من استقبال الأسئلة والتعقيبات والاستفسارات من باقي الأحبة رواد الملتقى
 
حبيبي شايب
الأمر كما ذكر الدكتور عبدالرحيم، فلا يوجد احتكار؛ بل الباب مفتوح للأسئلة التعليقات والتعقيبات مباشرة مع ضيفنا العزيز د.عبدالرحيم الشريف. ولعلك لاحظت قبل مشاركتك تعقيب الأخت زمزم وأننا لم نقم بحذفه .
وأنا من بداية الحوار وأنا مقتنع بفتحه لكل قراء الملتقى للإضافة والتعليق _ وهذا أنشط وأكثر حيوية _ وإنما دوري هو مقتصر على إدارة الحوار ليستمر في مساره ويحقق أهدافه التي رسمناها من أوله . ولك شكري وتقديري،،
 
اخونا شايب يقصد المداعبة قبل ان يتدخل في النقاش الثناني هذا مااجزم به
 
ليس ثنائي استاذنا هذا صحيح ولااظن ان الغالي شايب فهم هذا وانما كان وكأني كنت أراه وهوقد كتب هذا أراه كان يبتسم من التلاعب اللفظي لمداعبتكم
طيب ورد على ذهني موضوع وصف القرآن بأنه(نص) مارأيكم مع العلم-وهذا لايخفى عليكم بالطبع- ان وصفه بذلك انما اتى من تطبيق المنهجيات الغربية الحديثة المادية طبعا على النصوص الادبية والدينية ومحاولة اخضاعه علمانيا لتلك المناهج فهل لنا ان نخضع لهذا المنهج او لمصطلحاته ونحن ندافع او ننتصر للقرآن او نظهره على الباطل كله وهو ظاهر اصلا بالحق والعلم والعدل الذي قامت به السموات والأرض
 
يتلاعب أكثر (الآخر) بالكلمات فتجده يستخدم كلمات مثل: الأنسنة، التاريخية، النص، الأسطورة، الدينامو، عقبة اللغة المتكلسة، الشحن اللاهوتي، التقدم، الحركة.. الخ
هذا إن لم يستخدم تعبيرات كالهرمنيوطيقا واللائكية والفكرانية والعرفانية والغنوصية.. الخ
فكاتب هذه النصوص والكلمات المحتملة يضرب عصفورين بحجر واحد
- يظنه العامي والمبتدئ في الطلب فيلسوفاً عبقرياً مثقفاً فلا يحاوره ابتداء.
- يحاول المجتهد تتبع معاني مصطلحاته من مظانها وبعد تعب شديد يحاوره، فيقول بكل برود: كلا ليس هذا ما عنيته.. فينسحب المجتهد المخلص من الحوار كسيفاً خجلاً.
لذا وقبل أن نتكلم معه حول (النص)، ينبغي أن نتفق على مدلول كلمة (نص) لديه
قد يقول قائل: وما بالها كلمة (نص) ؟
الجواب: بعض " الآخر " (كحسن حنفي) يرى معاني النصوص الدينية (آيات القرآن الكريم) ما هي إلا رؤية مباشرة مستفادة من الخبرات اليومية التي يعيشها المفسر، وهذه الطريقة تجعل النص دائماً على اتصال بالواقع.
وبذلك لا يحتاج المفسر العودة لألفاظ النص من كتب المعاجم اللغوية والآثار؛ لأن النص واقعة إنسانية عامة، ويكفيه أن يستعمل الألفاظ الشائعة والمتداولة بين الناس يومياً [لغة الشارع]
مثلاً كلمة ((الله)) عز وجل فهي عند حسن حنفي تعبير أدبي أكثر منه حقيقة خارجية، تعبير يحتوي على تناقض داخلي، ولا يعبر عن معنى معين واحد محدد لا يتعدد؛ فالله عند الجائع هو الرغيف، وعند المستعبَد هو الحرية، وعند المظلوم هو العدل وعند المحروم عاطفياً هو الحب، إنه صرخة المضطهدين، الله هو العلم والتقدم والأرض والتحرر والتنمية.
هذا ما فعله حسن حنفي بــ ( النص ) المعبِّر عن " أعرف المعارف " الله جل جلاله، فما بالكم بصنيعه مع غيره من النصوص؟!

أما عند شقيقه أركون نجد أن لغة نجيب محفوظ ، وتوفيق الحكيم ، وكل المثقفين العرب الذين يتبنون الحداثة ، لغة مختلفة عن اللغة اللاهوتية الثقيلة المحصورة بالشيوخ [المفسرين] والبيئات التقليدية المحافظة لغة التطور القادرة على استيعاب متطلبات العصر.
هذا ما جعل متبني أركون وناشر ومترجم كتبه هاشم صالح يقول: لا توجد أي كلمة بريئة على عكس ما يتوهم وعينا الساذج الذي يعتقد أنه فهم معنى الكلمة في حين أنه فهم عكسها أو شيئاً آخر غيرها، كل كلمة لها تاريخها وتحولات معانيها وتقلباتها.

وهذا ما جعل شقيقهما الثالث نصر حامد أبو زيد يزعم بأن فهم النص القرآني لا يبدأ من قراءة النص وإنما يبدأ من خلفية القارئ وثقافته والدوال المكونة لهذه الثقافة وآفاقه المعرفية وبين النص، يتيح للكل أن ينطقوا باسمه. فلا يوجد نص مُحكم يدل بمنطوقه على مفهومه دلالة مباشرة ولا يحتمل إلا وجهاً واحداً.

وبعد أن تقرأ عبارة شقيقهم الأصغر علي حرب في مقدمة كتابه نقد النص: " فالنصوص جميعها سواء "، يتبين لك أنهم لا يفرقون بين الكلمات القرآنية وكلمات المخلوقين، فالمقياس واحد، والنظريات واحدة!

وننتهي كما بدأنا مع حسن حنفي الذي يقول:
إن النص صورة، بلا مضمون وروح بلا جسد، والقـراءة هي التي تعطيه المعنى؛ لأنه عمل إنساني خالص منذ تدوينه الأول حتى قراءته الأخيرة، ولا يحتوي على معنى موضوعي، والقراءة هي التي تحيله إلى معنى.

* أرأيتم كلمة " نص " السهلة اليسيرة عندنا ماذا تحمل من معانٍ عند الآخر؟
كل تلك النقولات تستوجب التوقف عند مصطلحات القوم، ومعرفة ماذا يريدون بها، والأفضل الانطلاق في الحوار معهم باختيار ألفاظ غير إشكالية (ككلمة نص)؛ لأنهم قد يقصدون شيئاً وتقصد شيئاً آخر، فحين تقول أنت كلمة (نص) وتستخدمها في سياق تقصد به (كلام) قد يأخذون كلامك ويبنون عليه باطلهم.
الأمر بحاجة إلى حذر ودقة، كمن يسير في حقل ألغام، وكحامل حزمة من الحطب لا يدري ما فيها.
لذا أكرر الدعوة إلى إيجاد هيئة تقوم بعمل موسوعي موحد لرصد وتحليل وبيان مرامي القوم وأهدافهم والرد على أصول وجذور ومنطلقات ما يثيرونه من شبهات.
 
جزاكم الله خيرا. حوار أكثر من رائع وأنا إستفدت منه الكثير وأتمنى أن أستفيد أكثر. أشجع أستاذي الحبيب الدكتور حاتم على إجراء المزيد من مثل هذه الحوارات سواء مع أهل التخصص الحاضرين والمشاركين أو غيرهم ممن يلتقي بهم خارج ساحة ملتقى أهل التفسير: منتدى الإنتصار أو منتدى إظهار القرآن (إبتسامة). كما أتمنى أن يواصل أستاذنا طارق الحوار مع الدكتور عوض إبراهيم.
تعليقي أعلاه في منطوقه نوع من المداعبة نعم خاصة في التعبير بالهيمنة وفي مفهومه تساؤل إذ لم يتضح من مقدمة الحوار إطاره ومساره، لكن إتضح كل شيء الآن ولله الحمد. بارك الله بكم وشكر الله لكم جميعا.

علمائنا الأجلاء إستخدموا لفظ (النص) أيضا وهذا لا يعني لنا السماح بخلط مفهوم العلماء بالإصطلاح عند الإستشراقيين والحداثيين. هذه نقطة ممتازة أثارها الأستاذ طارق حفظه الله وتستحق مزيد من المناقشة.

لدي بعض الأسئلة محورها (الشبهة) بما هي وربما في الإجابة على سؤال واحد ما يستدعي الإستغناء عن الأسئلة الأخرى لوجود روابط التداخل بينها. وسؤالي الأول لشيخنا الدكتور الشريف هو سؤال يتعلق بحوار متميز أجراه الشيخ حاتم مع فضيلة الأستاذ محمد زين العابدين رستم حول http://vb.tafsir.net/tafsir27087/.

إذا أردنا أن نضع خريطة، نرسم شجرة، لتصنيف "أنواع" الشبهات فمن أي منطلق ننطلق؟
في سؤالي هذا يستحب أخذ ما يلي بعين الإعتبار:
1- يحتاج المنتصر للقرآن إلى علوم "خارجية" كما يحتاج لعلوم، فنون وأدوات "داخلية".
2- لا يحتاج المنتصر للقرآن إلى كل تلك العلوم إذا أراد أن يتخصص في الرد على شبهات من "نوع" محدد.
3- لا يستطيع المنتصر للقرآن، بحكم ما يحتاج إليه التخصص من تركيز وتوسيع المعرفة، الإلمام بكل تلك العلوم (إلا إذا كان موسوعيا).
 
اضافة على سؤالي وتعقيبا على كلام اخونا شايب مع الشكر للدكتور عبد الرحيم على كلامه الدقيق المتقدم هو ان الدكتور محمد عمارة اعترض اظن على نصر ابو زيد في كتابه التفسير الماركسي للاسلام او على العشماوي في كتابه سقوط الغلو العلماني على اطلاق لفظ النص على القرآن وقال كلاما طيبا رافضا استعمال هذا المصطلح واطلاقه على كتاب الله المجيد فهو الكتاب وليس النص واظن كلامه موجود في التفسير الماركسي للاسلام
 
إذا أردنا أن نضع خريطة، نرسم شجرة، لتصنيف "أنواع" الشبهات فمن أي منطلق ننطلق؟
إذا قسمنا الشبهات إلى أبواب وفصول ومباحث ومطالب.. أقترح هذه الشجرة

الباب الأول: المطاعن في ثبوت القرآن الكريم ونقدها

- الفصل الأول: الطعن في مصدر القرآن الكريم
* المبحث الأول: الأديان والشعوب في بيئة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
المطلب الأول: الكتب المقدسة لأهل الكتاب
المطلب الثاني: تراث شعوب في بيئته المحيطة
المطلب الثالث: معلمو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم المزعومون
* المبحث الثاني: الشياطين
* المبحث الثالث: تأليف سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
- الفصل الثاني: الطعن في سلامة نص القرآن الكريم من التحريف
* المبحث الأول: ادعاء طروء التحريف في عهد النبوة
المطلب الأول: القراءات والأحرف السبعة
المطلب الثاني: تدوين القرآن الكريم في عهد النبوة
* المبحث الثاني: ادعاء طروء التحريف في عهد الصحابة والتابعين ومن بعدهم
المطلب الأول: جمع ونسخ القرآن الكريم
المطلب الثاني: اختلاف مصاحف الصحابة رضي الله عنهم
المطلب الثالث: زعم وقوع التحريف في عهد التابعين
المطلب الرابع: زعم مخالف المصحف الحالي لمخطوطات المصاحف
_____
الباب الثاني : المطاعن في محتوى القرآن الكريم ونقدها

- الفصل الأول: المطاعن في عصمة القرآن الكريم من الزلل
* المبحث الأول: ادعاء وجود أخطاء عقدية في القرآن الكريم
المطلب الأول: زعم وجود أخطاء في التوحيد
المطلب الثاني: زعم وجود أخطاء في الإيمان بالملائكة
المطلب الثالث: زعم وجود أخطاء في الإيمان بعصمة الأنبياء
المطلب الرابع: زعم وجود أخطاء في الإيمان باليوم الآخر
المطلب الخامس: زعم وجود أخطاء في الإيمان بالقدر
* المبحث الثاني: ادعاء وجود أخطاء علمية في القرآن الكريم
المطلب الأول: زعم وجود أخطاء حسابية
المطلب الثاني: زعم وجود أخطاء جغرافية
المطلب الثالث: زعم وجود أخطاء تاريخية
المطلب الرابع: زعم وجود أخطاء نحوية وصرفية
* المبحث الثالث: ادعاء تناقض آيات القرآن الكريم
- الفصل الثاني: المطاعن في الإعجاز القرآني
* المبحث الأول: ادعاء أن القرآن الكريم نفى كونه معجزاً
* المبحث الثاني: المطاعن في الإعجاز البياني
المطلب الأول: ادعاء السجع المتكلف
المطلب الثاني: ادعاء الأخطاء البلاغية
المطلب الثالث: ادعاء عدم تناسب الكلمات والآيات والسور
المطلب الرابع: ادعاء القدرة على تأليف مثل سور القرآن الكريم
* المبحث الثالث: المطاعن في الإعجاز العلمي
* المبحث الرابع: المطاعن في الإعجاز بالغيب
* المبحث الخامس: دعوى سبق إعجاز الكتاب المقدس
المطلب الأول: الإعجاز البياني
المطلب الثاني: الإعجاز العلمي
المطلب الثالث: الإعجاز بالغيب
- الفصل الثالث: المطاعن في بعض أساليب وعلوم القرآن الكريم
* المبحث الأول: زعم الإكثار من القسم واللفظ الغريب
المطلب الأول: القسم في القرآن الكريم
المطلب الثاني: استخدام اللفظ الغريب
* المبحث الثاني: وجود اللفظ المعرب
المطلب الأول: سبب وجود الألفاظ الألفاظ المعربة في القرآن الكريم
المطلب الثاني: دعوى أن وجود المعرب في القرآن الكريم دليل بشرية مصدره
المطلب الثالث: زعم وجود كلمات أعجمية في القرآن الكريم لا يعرفها اللسان العربي المبين
* المبحث الثالث: القصص القرآني
المطلب الأول: القصص القرآني والأساطير
المطلب الثاني: التكرار المزعوم
المطلب الثالث: التناقض المزعوم
* المبحث الرابع: النسخ
المطلب الأول: الحكمة من النسخ
المطلب الثاني: دعوى أن القرآن الكريم ينفرد بوجود الناسخ والمنسوخ
المطلب الثالث: زعم عدم صلاحية القرآن الكريم لنسخ الكتب السابقة
______
الباب الثالث: نقد موارد ومناهج البحث المؤدية إلى إثارة الشبهات حول القرآن الكريم

-الفصل الأول: آراء المستشرقين والعلمانيين
- الفصل الثاني: مرويات الأحاديث الضعيفة والموضوعة
- الفصل الثالث: النصوص الصحيحة المبتورة
- الفصل الرابع: النصوص الصحيحة التي اجتهد فأخطأ بعض علماء المسلمين في تفسيرها


بالنسبة للخيارات الثلاثة أقترح خيار ...
يحتاج المنتصر للقرآن إلى علوم "خارجية" كما يحتاج لعلوم، فنون وأدوات "داخلية".

لذا فإني أقترح مساقاً دراسياً جامعياً لطلبة قسم أصول الدين تفصيله كما يلي:
اسم المقرر: المدخل إلى علم الانتصار للقرآن الكريم
وصف عام للمقرر:
- مساق يدرس بواقع 3 ساعات أسبوعياً
- إجباري لطلبة قسم أصول الدين في مرحلة البكالوريوس.
- مستوى السنة الرابعة.
- متطلب سابق: علوم القرآن الكريم.
- يتناول الطالب في هذا المقرر لمحة تاريخية عن الشبهات المثارة حول القرآن الكريم، وأسس الرد عليها، ونماذج تطبيقية منها
- يكتب الطالب في نهاية المقرر بحثا تطبيقيا بإشراف المدرس.

أهداف المقرر:
يهدف هذا المقرر إلى مساعدة الطالب على:
1. أن يوضح الطالب تعريف الانتصار للقرآن الكريم ومشروعيته.
2. يتعرف لمحة تاريخية لجهود العلماء في الانتصار للقرآن الكريم.
3. يتبين أسس الانتصار للقرآن الكريم.
4. أن يطلع على أبرز الطعون المثارة حول القرآن الكريم والرد عليها.
5. أن يستنتج الأسس والمنطلقات الفكرية لمثيري الشبهات حول القرآن الكريم
6. أن يعتز بالقرآن الكريم وينتصر له في مختلف المحافل.

مخرجات التعلم
عند الانتهاء من هذا المقرر، فإنه من المتوقع أن يكون الطالب قادراً على:
1. توضيح تعريف ومشروعية الانتصار للقرآن الكريم.
2. تبيُّن عناية علماء المسلمين بالانتصار للقرآن الكريم.
3. تعرُّف مشروعية الانتصار للقرآن الكريم.
4. تعرُّف أبرز الطعون المثارة حول القرآن الكريم ونقدها.
5. استنتاج أبرز الأسس والمنطلقات الفكرية لمثيري الشبهات حول القرآن الكريم.

محتوى المقرر وتوزيعه بحسب الأسابيع:
الأسبوع مفردات المقرر
الأسبوع الأول مدخل ومقدمات
تعريف علم الانتصار للقرآن الكريم
بيان محددات العلم وموضوعه وأبرز كتبه
الأسبوع الثاني لمحة تاريخية / الانتصار للقرآن الكريم في عصر النبوة والصحابة
لمحة تاريخية / الانتصار للقرآن الكريم في عصر التابعين وتابعيهم
لمحة تاريخية / من شبهات المستشرقين

الأسبوع الثالث : لمحة تاريخية / من شبهات العلمانيين
لمحة تاريخية / من الشبهات المثارة في وسائل الاتصال الحديث
مراجعة عامة للّمحة التاريخية
الأسبوع الرابع : منهج القرآن الكريم في الحوار
علوم ضرورية في المناظرة:
المقدمات والنتائج، الأغلوطات، التناقض، تحصيل الحاصل، الدَّور..
الأسبوع الخامس: : مراجعة: قواعد التفسير / التأويل المذموم
الأسبوع السادس: مراجعة: قواعد التفسير / أسس التفسير بالمأثور
الأسبوع السابع: مراجعة: قواعد التفسير / أسس التفسير بالرأي
الأسبوع الثامن: مراجعة: قواعد الترجيح بين أقوال المفسرين
الأسبوع التاسع: مراجعة: الإعجاز وضوابطه
الأسبوع العاشر: أمثلة تطبيقية: دعاوى بشرية مصدر القرآن الكريم ونقدها
أمثلة تطبيقية: خرافة الغرانيق ونقدها
الأسبوع الحادي عشر: أمثلة تطبيقية: دعاوى تحريف القرآن الكريم / جمع القرآن وتدوينه
أمثلة تطبيقية: دعاوى تحريف القرآن الكريم / القراءات والأحرف السبعة
أمثلة تطبيقية: دعاوى تحريف مخطوطات القرآن الكريم ونقدها
الأسبوع الثاني عشر: أمثلة تطبيقية: دعاوى تناقض آيات القرآن الكريم ونقدها
أمثلة تطبيقية: الطعون المثارة حول بعض علوم القرآن ونقدها / النسخ، القصص..
الأسبوع الثالث عشر: أمثلة تطبيقية: دعاوى اشتمال القرآن على أخطاء / أخطاء علمية
الأسبوع الرابع عشر: أمثلة تطبيقية: دعاوى اشتمال القرآن على أخطاء / أخطاء تاريخية
الأسبوع الخامس عشر: أمثلة تطبيقية: دعاوى اشتمال القرآن على أخطاء / أخطاء لغوية
الأسبوع: السادس عشر: مراجعات ومناقشات
استنتاج أسس ومنطلقات مثيري الشبهات حول القرآن الكريم

طرائق تقديم المقرر
لا يرتبط تدريس المقرر بطريقة واحدة رتيبة بل ينوّع بالطرائق حسب الموقف التعليميّ وطبيعة المادة العلميّة، فيستعمل المحاضر والطلبة الأساليب الآتية:
1- أسلوب المحاضرة التفاعليّة النشط.
2- التعليم عن طريق حلّ المشكلات.
3- التعليم التعاوني.
4- الحوار والمناقشة.
5- التعليم عن طريق الأنشطة.
6- ربط الطالبة بمصادر المعرفة المختلفة، مثل: المكتبة، والإنترنت.. الخ

مصادر التعلم والوسائل المستخدمة :
1. العروض الحاسوبيّة (بور بوينت)
2. الإنترنت
3. التواصل بالتعليم عن بعد بالأنشطة والتكليفات.
4. المصادر المكتبيّة التي يحال إليها حسب موضوع المحاضرة.

سياسة التقييم وأدواته:
إجراءات التقييم:
تعتمد إجراءات تقييم المقرر وتقويمه على تطبيق التغذية الراجعة للمعلومات والمعارف والمهارات التي يكتسبها الطالب؛ عن طريق الإجراءات الآتية:
1. التقويم التمهيدي، أو التشخيصي: يكون في المحاضرة الأولى للوقوف على مستوى الطلبة.
2. التقويم المرحلي: ويشمل الآتي:
• التفاعل الصفيّ في المحاضرة (تقييم مستمر).
• الاختبار الأول.
• الاختبار الثاني بحسب ملف الأنشطة، ويشمل التكليفات والبحوث والتقارير.
• الاختبار النهائي.

أدوات التقييم:
الأدوات المستخدمة في التقييم:
الاختبار وسيلة تقويم ثابتة عدا التقييم المستمر في ملف الإنجاز الذي يشمل التكليفات الصفيّة وغير الصفيّة والبحث والتقرير ، والتفاعل الصفيّ في المحاضرة، والجدول الآتي يوضّح برمجة إجراءات التقييم في المقرّر

الأنشطة والمهام التعليمية
1. تكليفات تطبيقيّة لتحقيق أهداف المقرّر.
2. تقرير ضمن المقرر بالاتفاق مع مدرس المقرر.

مصادر تعلم مساندة
* مواد مطبوعة:
- مناهل العرفان للزرقاني
- مباحث في علوم القرآن لمناع القطان
- الانتصار للقرآن للباقلاني
- الانتصارات الإسلامية للطوفي
- العلمانيون والقرآن لمحمد الطعان
- آراء المستشرقين حول القرآن لعمر رضوان
* مواقع إنترنت:
- ملتقى الانتصار للقرآن الكريم / ملتقى أهل التفسير
- منتدى التوحيد للرد على الملحدين
- منتدى حراس العقيدة

وسؤالي الأول لشيخنا الدكتور الشريف هو سؤال يتعلق بحوار متميز أجراه الشيخ حاتم مع فضيلة الأستاذ محمد زين العابدين رستم ...

أنا في حضرة الشيخ الجليل محمد زين العابدين رستم لا أتكلم ويكفيني شرفاً أن رافقته في رحلة العمرة، وشرفني بالسماح لي بالجلوس معه عند حضور فعاليات المؤتمر الدولي لتطوير الدراسات القرآنية.. وهنالك سبب ثالث وهو أني مغاربي الأصل مثله!

اعترض اظن على نصر ابو زيد في كتابه التفسير الماركسي للاسلام او على العشماوي في كتابه سقوط الغلو العلماني على اطلاق لفظ النص على القرآن وقال كلاما طيبا رافضا استعمال هذا المصطلح
نعم صحيح
قد يكون المصطلح معلوماً موجوداً في القرآن الكريم، ولكن الناس تعارفوا في وقت ما على استعماله للدلالة على شيء آخر مستقر في الذهن، فليس من الحكمة استعمال هذا اللفظ في هذا الوقت مع اولئك الناس.
مثلاً كلمة غائط: استعملها القرآن الكريم للدلالة على المنخفض من الأرض، لكن الناس صاروا يشمئزون منها ويستعملونها في شيء آخر، فليس من الحكمة التعبير بهذا اللفظ للدلالة على : " المكان المنخفض "
ومثل كلمة " إرهاب " كثيراً ما أسمع خطباء جمعة صرخون بأعلى صوتهم، ضاربين خشبة المنبر: الإرهاب شريعتنا والقرآن يحث عليه " تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ".. الخ
والكلام على هذه القضية فيه تفصيل ليس هنا مجال بسطه.
لكن باختصار: الكلمة الواحدة (اللفظ) قد يُراد بها الحق وقد يراد بها غيره، وهذا أمر تنبه له الذهبي في السير، فذكر عند ترجمته لابن حبان ـ رحمه الله ـ: " قال أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري مؤلف كتاب (ذم الكلام): سمعت عبد الصمد بن محمد بن محمد، سمعت أبي يقول: أنكروا على أبي حاتم بن حبان قولَه: " النبوة: العلم والعمل"، فحكموا عليه بالزندقة، هُجِرَ، وكُتب فيه إلى الخليفة، فكتب بقتله.
قلت [الذهبي]: هذه حكاية غريبة، وابن حبان من كبار الأئمة، ولسنا ندعي فيه العصمة من الخطأ، لكن هذه الكلمة التي أطلقها، قد يطلقها المسلم، ويطلقها الزنديق الفيلسوف، فإطلاق المسلم لها لا ينبغي، لكن يُعتذر عنه ".
ثم أخذ الذهبي يُبيِّن ما يمكن أن يُحمَل عليه كلام ابن حبان.
وكلام الذهبي له مستند شرعي نعرفه كلنا: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا " فكلمة : " راعنا " بمعنى الرعاية = اتنبه لنا وارعنا انباهك: فالرعاية بمعنى الانتباه والعناية يعرفها القرآن الكريم " فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا " ويستخدمها العرب، لكن ولأن اليهود قصدوا بها معنى آخر = الرعونة؛ جاء الحث على تجاوزها إلى غيرها.
والحكمة ضالة المؤمن..
وما أنا بالخب، وليس الخب يخدعني.
 
جزاك الله خيرا شيخنا دكتور عبدالرحيم،
إذا كنت من أصل مغاربي فأظن الشريف تنطق بألف فتحة دانية تدغم في تسكين الشين: eشْريف، وليس الشَّريف (العربية)؟

بالنسبة للتصنيف العلمي والتفصيلي أعلاه أرى أنه تصنيف لمواضيع الشبهات وليس تصنيف لـ "أنواع الشبهات حسب العلوم التي يحتاج إليها القائم بالإنتصار لكتاب الله". وعندي أنا هناك فرق بين "مواضيع" الشبهات و "أنواع" الشبهات. الأنواع مثلا:
- الشبهات الكلاميّة: والفنون التي يجب الإلمام بها: الكلام المقارن، مقارنة الأديان والفلسفة.
- الشبهات التاريخية: والفنون التي يجب الإلمام بها: السير والتاريخ ونظريات في التأريخ.
- الشبهات الفكرانيّة (نوعين):
-- الشبهات الأدبية: والفنون التي يجب الإلمام بها: الفلسفة، فقه اللغة المقارن، نظريات في الأدب ..
-- الشبهات المذهبية: والفنون التي يجب الإلمام بها: الفلسفة وفقه المذاهب المعاصرة.
- الشبهات الإستشراقية: والفنون التي يجب الإلمام بها: أدوات ومناهج البحث والتحليل في المصادر عند المستشرقين.
- الشبهات الطائفية: والفنون التي يجب الإلمام بها: أدوات ومناهج قراءة المصادر عند المنظرين للطوائف والفرق.

هذه محاولة مني في تصنيف الشبهات حسب المنطلقات التي ينطلق منها صاحب الشبهة وحسب العلوم التي يحتاج إليها المنتصر للقرآن العظيم. هل يصح هذا التصنيف؟ وهل يصح القول أن الإجتهاد في وضع تصنيف محدد يساعد القائم بالإنتصار على معرفة العلوم الخارجية التي يجب عليه الإلمام بها؟
 
جزاكم الله خيراً أخي شايب
بالنسبة لاسم الكنية = اللقب = العائلة بالفرنسية المُجَزأرة (^_^) كلامكم حق!
أما بالنسبة للتقسيم الشجري من جهة الدراسة والتعليم فتقسيمكم موفق لا فض فوكم.
وإن كان في تقسيمي مِن خير، فيكون من جهة ترسيخ فهرسَة الشبهات موضوعياً؛ ليسهل على الباحث الذي يبغي الرد عليها إيجادها من مظانها. وكما لا يخفى عليكم: فإن غالب الشباب المجتهدين في الرد على الشبهات هم من العوام ــ أو مَن في حكمهم ــ، للأسباب التي سبق ذِكرها أعلاه.
 
جزاك الله خيرا وكثّر من أمثالك شيخنا الشريف. الخير في الأمة باق إن شاء الله ما دام هناك رجال يحملون هموم الدعوة ويغيّرون المنكر من الشبهات باللسان والقلب بشتى الوسائل، ووسائل المعلومات والاتصالات أصبحت من أهم الوسائل الآن، فلا شك أن فكرة إنشاء ملتقى شبكي صدرت من عقول نيرة أخذت كل ذاك بعين الإعتبار.

لدينا تصنيفين: تصنيف مواضيع الشبهات وتصنيف أنواع الشبهات. التصنيف الثاني قد يهم في توجيه الباحث المتخصص في باب من الأبواب ليتعرف على العلوم التي يستحسن، أو ربما ينبغي، الإطلاع عليها من جهة، ومن جهة ثانية يتعرف على المجموعة المستهدفة في الإنتصار. سأحاول إن شاء الله الرجوع إلى مشاركات الشيخ محمد زين العابدين رستم لأدرس خطة رسم الخريطة بشكل أحسن وأوضح ثم أنشر النتيجة للمناقشة والتصويب والتقييم.

في بعض الحالات أواجه شبهة في موضوع أنا فيه من الأميين، فما الحل؟
الحمد لله هناك ألوف من الكتب على النت. أبحث عن كتاب في هذا الموضوع، أقرأه كاملا ثم أستفيد منه حقيبة أرد بها على الشبهة. أو أبحث عن جواب على هذه الشبهة، وفي كثير من الأحيان لا هذا ولا ذاك: أعتمد المنهج العقلي وحده في تفكيك الشبهة. والمشكلة هنا أن هذه الطريقة الأخيرة قد تقنعك بينما الجواب الجاهز لا يقنعك وقد يقنع الآخرين من طبيعة الحال، ثم قراءة كتاب وفهمه لا يعني أنك ستتمكن من الموضوع وهذا تكشفه بعيد قراءة كتاب آخر في نفس الموضوع فتجد رؤية أخرى أو إضافات أو ربما تجد نفس المحتويات و المعلومات لكن معروضة بطريقة أخرى مختلفة تماما، والناس معادن.
وقد تقول يجب المقاطعة لأن الموضوع يحتاج إلى تخصص وبحث، وهذا ليس بحل، والسبب هو ما تراه في الساحات الإلكترونية وإن إخترت أنت المقاطعة فإن غيرك من المسلمين منهم من لا يقرأ كتاب ولا يبحث عن أجوبة المتخصصين حاضر يأخذ ويرد في الشبهات والجدالات مع المجوس من لادين لهم والكاثوليكيين والبروتستانت وشهود يهوه والسياسويين المذهبيين (أتكلم هنا من واقع أوروبا الغربية) ومع كل من يحس أن وجوده، ثقافته وهويته مستهدفة بسبب الوجود الإسلامي عامة والوجود الإسلامي الملتزم خاصة.
 
الحوار فرصة كبيرة ويجب الإستفادة منها.
بعض المغالطات يتم توظيفها سياسيا وهكذا تمرر الشبهة. التحدّي هنا هو الإجابة على الشبهة دون المس بما هو سياسي، فما السبيل؟ من المعلوم، خصوصا في المجتمعات الغربية، أن الكلام في أمر سياسي يتم ربطه مباشرة بالراديكاليّة. مثال واحد كتب مقالة طويلة بعنوان تقييم القرآن بالمعايير الغربية، وكل المسائل فيها مرتبطه بالسياسة: الحدود، السلم والحرب، حرية الدين، مكانة المرأة إلى آخره. ما رأيك شيخنا الدكتور عبدالرحيم؟ كيف يمكن الرد على مثل هذه الشبهات دون الإصطدام بالتيار والقطيع؟
 
شكراً لك أخي شايب على إثرائك للحوار..
في حالات كهذه أفضِّل أن أخاطب المحاوِر وفق أسس المنطق والجدل، وبخاصة ما يتعلق بالإغلوطات، ومن أشهرها: أغلوطات: التعميم، والرجل من قش [الفزاعة، خيال المآته]، التوسل بالعاطفة كالخوف والشفقة، التوسل بالنفاق، الذنب بالارتباط وهي أكثر أغلوطات الحوار مع عوام المتعلقين بأفكار الغرب بحسب وجهة نظري وخبرتي.
إن المحاور العلمي المتمكن ينبغي أن يكون هو الذي يضع قواعد اللعبة ــ فالذي يضع قواعد اللعبة يفوز ــ؛ لأنه لا يترك الآخر يضع قواعد ظالمة.
وحتى أفوز في المناظرة، لا أجعله يضع قواعد اللعبة بل أضعها أنا، وذلك ببيان أغلوطته، وشرحها إن كان يجهلها، وعدم الإغراق في الوصف والجزئيات؛ لأن من مصلحة الطرف الآخر الغرق في تفصيلات يجد فيها ثغرة ــ وقطعاً سيجد ــ، ومن ثم ينحرف المسار الحواري عن أهم أركان المناظرة = موضوع المناظرة.
لا تستبعد أن يطلب الطرف الآخر مساعدة من علماء نفس، خبراء في المناظرة والجدل، يثيرون العاطفة ليحرفوا المسار المحدد للمناظرة، عن طريق الإيهام بأني ضعيف لعدم مماشاتي له على تناقضه المنطقي أو تعلقه بالأغلوطات ــ كالواردة أعلاه ــ، فأفضل حل حينئذ: العودة كل مرة إلى موضوع المناظرة، وتأجيل التفاصيل والإغراق في التمثيل والوصف إلى موضوع مناظرة آخر.
لنضرب على ذلك مثالاً:
تحاور علمانياً في الفوائد التي تعود على المرأة والمجتمع بسبب حث الإسلام على تغطية المرأة لوجهها:
- أغلوطة التعميم: بعض المتحجبات في الظاهر يقمن باستغلال الحجاب للسرقة، إذاً: كل المتحجبات سارقات.
- أغلوطة رجل من قش: كشف وجه المرأة يفيد المجتمع في الحدود والمطارات، ويفيدها عند طبيب الأسنان، إذاً: ينبغي أن تكشف وجهها دائماً.
- أغلوطة التوسل بالعاطفة: قامت صحفية غربية بلبس الحجاب فوجدت نفسها كأنها في سجن فأشفقت على المتحجبات، إذاً: الحجاب أمر سيء مثير للشفقة.
- أغلوطة التوسل بالنفاق: أنت كنتَ قبل سنوات تحب رؤية وجه المرأة، فلماذا بعد زواجك صرت تنادي بوجوب أن تغطي وجهها؟
- أغلوطة الذنب بالارتباط: كيف تأمر بتغطية المرأة لوجهها، ألا تعلم بأن بعض متطرفي اليهود يفعلون ذلك؟

إن مهمتك في الحوار: أن تعود إلى موضوع المناظرة كلما حاولوا التهرب منه، فموضوع المناظرة هو عن فوائد تغطية المرأة لوجهها، وليس في الأغلوطات الواردة أعلاه، ولكن إن أحببت أيها المحاور أن نبحث في أيٍّ منها فلا مانع، بشرط أن نخصص لذلك وقتاً آخر، بموضوع مناظرة مستقل.
 
أشكر الإخوة الكرام على هذا التفاعل وهو وقود لمثل هذه الحوارات ..
وبعد جملة الأسئلة نعاود حوارنا مع د. عبدالرحيم ..

دكتور : تكلمنا عن مصطلح الانتصار _ واختياركم له _ وتطرقنا لما قاربه كالدفاع والانصاف ..
والسؤال: هل ورد مصطلح الانتصار في الكتاب أو السنة ؟ أو هل استخدمه أحدٌ من علماء السلف ؟ أم أن اختياره مسألة اجتهادية ؟ فتبقى المسألة في دائرة الاجتهاد ووجهات النظر في اختيار المصطلح أو اختيار غيره.
 
وردت مواضع عدة في الكتاب والسنة تفيد معنى مصطلح الانتصار، أي: عون المظلوم، والانتصاف له من الظالم.
ففي القرآن الكريم يقول عز شأنه في سورة الشورى: " وَمَا عِنْدَ الله خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ.. وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ".
وحب الإنسان للانتصار سنة كونية ثابتة كما قررته سورة الشورى بعد آيتين: " وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ "، وكان من دعاء أول أولي العزم من الرسل نوح عليه الصلاة والسلام: " أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ "، وجاء الرد فوراً: " وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ".
الإسلام دين واقعي، لا يصادم الفطرة، تجده يحث على التواضع ولين الجانب، ولكنه في الوقت ذاته لا يرضى للمسلم المهانة والذلة، بل المسلم عزيز عالي المقام؛ لشرف ما يحمله من رسالة عزيزة عالية المقام.
إن طلب العزة وتلمس أسباب الانتصار عبادة مطلوبة: " أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ "، وإنّ المنتصرين لهم المفلحون: " فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ "، بل عدَّ القرآنُ الكريمُ العاملينَ للانتصار من المحسنين: " وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ، فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ".
جاء الأمر حاسماً قاطعا بأن تنتصر للحق: " وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ ".
ومن ثَم ستأتي سنة الله الكونية: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ".
كما ورد في السيرة استخدام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لمصطلح الانتصار في سياق عون المظلوم والانتصاف من الظالم، كقوله صلى الله عليه وسلم: في سبب فتح مكة: " نصرتَ يا عمرو بن سالم "، وفي غزوة تبوك: " نصرتُ بالرعب ".
وعرفه العلماء الكرام، وكتبوا كتباً في ذلك مختصة في الانتصار للقرآن الكريم، ومن أشهرها وأغزرها في هذا التخصص:
1. الانتصار للقرآن، أبي بكر الباقلاني، تحقيق: د. محمد عصام القضاة، دار الفتح/عمان، دار ابن حزم/ بيروت، ط1، 2001م.
2. الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية، سليمان بن عبد القوي الطوفي، تحقيق: د. سالم القرني، مكتبة العبيكان، الرياض، ط1، 1999م.

أما من حيث استخدام اللفظ (الانتصار) للدلالة به على العلم الذي يُعنى بالانتصاف للقرآن الكريم ورد الشبهات المثارة حوله.. فمن الطبيعي أن يكون اجتهاداً، ولا مانع من تغييره بعد لقاء يجمع علماء مختصين بهذا الفن ــ كما سبق وذكرتُ في بداية مشاركة رقم (12) من هذا الموضوع ــ، وليس من الحكمة التشبث بهذا المصطلح إن رأى أهل العلم وجود مصطلحٍ آخر جامع مانع في مدلوله.
وتحضرني هنا مقولة لهشام المتكلّم، هي: أوّل شغب الرجل تعلّقه بالألفاظ.
فلا يتعلق بالألفاظ الجديدة غير المستقرة في الاصطلاح ويشاغب من أجلها إلا مغرور مسكين، بل الحكمة والعقل السعي إلى استنطاق عدد من الآراء تتلاقح ليتولد منها أقرب الألفاظ إلى مدلول العلم وموضوعه وحده.
 
بعيداً عن المعنى اللغوي لكلمة "الانتصار" ، نرغب في تسليط الضوء على حظ هذا اللون العلمي في تراث الأمة الإسلامية ..

هل كان للانتصار للقرآن _ بمعناه الاصطلاحي _ ظهور في آيات القرآن الكريم والسنة النبوية ؟

وكيف يمكن توضح لنا عناية السلف الصالح بالانتصار للقرآن ورد البشهات حوله ودفع الطعون ؟
أم أن الحاجة له كانت محدودة فلم يظهر اهتمامهم به بشكل بارز ؟
 
يتميز رد القرآن الكريم على المشككين في إلهية مصدره وسلامته من التحريف بأنه رد عام، تاركاً الخوض في التفاصيل للدعاة المسلمين.
وهذا شأن كل كبير، يهتم بالمناقشة والتحليل والرد على الأسئلة المثارة حول الكليات الكبرى، ويفوِّض صلاحيات الرد على ما يثار حول الجزئيات لمَن هم دونه في المرتبة (مع فارق التشبيه قطعاً).
من الأمثلة على ذلك: نفي القرآن الكريم لشبهة تطعن في حامل القرآن الكريم الأول من البشر: محمد صلى الله عليه وسلم، فأنت حين تريد أن تجعلَ إنساناً يشمئز من شرب ماء نقي، قدمه له بكوب قذر، فسوف يتعفف من الشرب وإن كان الماء في ذاته صافياً.
وهذا ما أراده المشركون؛ الطعن في الحبيب المصطفى صلىى الله عليه وسلم من أجل الوصول إلى التشكيك بكل ما يرد عنه.
ومن اتهاماتهم له: الدعوى بأنه مجنون!
كيف انتصر القرآن الكريم بدليل ينسف تلك الدعوى؟

* انتصر بكلمة واحدة فقط، تذكروا بأنه: ((صاحبكم))
قال تعالى: " وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ " [التكوير: 22].

- فمحمد صلى الله عليه وسلم صحِبَكم منذ ولادته، وأنتم الأعلم بسيرته الخلقية والمرضية، فإن لم تشهدوا عليه جنوناً من قبل، فكيف تزعمونه اليوم بلا دليل؟

- وإن كانوا صدَّقوه صلى الله عليه وسلم عندما وقف على الصفا، وأنذرهم.. فقالوا له: " ما جربنا عليك كذباً ". لماذا لم يقولوا نحن لا نستمع إلى مجنون ؟ وقبلها أقروا بمشورته في وضع الحجر الأسود وكل تلك الحوادث تبين رجاحة رأيه، ونظرة القوم إليه صلى الله عليه وسلم دون كذب وتحيُّز، حيث " كان يُتحاكَم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية، قبل الإسلام " [الطبقات الكبرى لابن سعد].

- وما عُرف به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من رجاحة في عقله، وهدوء ومنطق وإقناع في حديثه.. يناقض ذلك.
فالمجنون لا يستطيع إدارة شؤون بيته ـ بل شؤونه الشخصية ـ فكيف بإدارة دولة مترامية الأطراف، يحيط بها الأعداء من الخارج، ولا تخلو من المنافقين أعداء الداخل.

- لقد وضع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الأساس المحكم لأول دولة جمعت شتات العرب، بأبرع تخطيط إداري، وحضاري، وعسكري، وزراعي.. مع قدرة لم يُسبَق إليها في الخطابة والإقناع.

- كما تعرض سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى ظروف، ومرت به أحداث، ينوء عن حملها أشد الرجال.. لا يعقل أن يصبر رجل مجنون على فراق الوطن.. وفقد الولد.. وألم الأذى.. وشماتة العدو، وتنكر الصديق، وعقوق القريب، ونيل الحاسد، وتشفي الحاقد، وتألب الخصوم، وتكالب الأحزاب، وتكاثر المناوئين، وصولة الباطل، وقلة الناصر، وشظف العيش.. وغلبة الخصم، وقتل القريب، وأسر الحبيب، وتشريد الأصحاب، والتنكيل بالأتباع، والجراح في البدن، وفزع التهديد.. وجلافة الأعراب، وصلف الجهلة..
ويصبر على خيانات اليهود، ومراوغة المنافقين، ومجابهة المشركين، وبُطئ استجابة المدعوين. ثم يصبر على فرح الفتح، وسرور الانتصار، وجلبة إقبال الدنيا..
لا يصدر كل ذلك الصبر إلا عن أحلم الناس وأعقلهم.

- لا يُعقل أن تسمح السيدة خديجة ـ رضي الله عنها ـ لزوجها أن يعتكف في غار حراء وحيداً، شهراً كاملاً كل عام وهو مصاب بالجنون.

- ومن المعلوم أن المشركين كانوا يضعون ودائعهم عند سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وبقيت عنده قبيل الهجرة النبوية، حين أبقى علياً رضي الله عنه ليردها إلى أصحابها. ولكثرتها، استغرق ردُّها ثلاثة أيام.
فهل كانوا يضعونها عند مجنون؟
بل وضعوها عند أعقل الناس، وأصدق الناس، وأكثرهم أمانة. ولسان الحال أبلغ ـ وأصدق ـ من لسان المقال.

* وصدق الله العظيم في رد شبهتهم في سورة الصافات: " وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (36) بَلْ جَاءَ بِالْحَقِ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37) ".
وقوله: " قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ " [سبأ: 46]. تفكروا وحسب !

كل ما سبقت كتابته أعلاه من فقرات: ما هي إلا شرح تفصيلي لكلمة " صاحبكم " ومدلولاتها، أرأيتم التعبير القرآني المعجز؟

أما بالنسبة لانتصار رسول الله صلى الله عليه وسلم للقرآن الكريم فكان على مسارين:
الأول: الرد على الشبهات المثارة حول القرآن الكريم من غير المسلمين، وأذكر هنا أقدم شبهة تنصيرية حول القرآن الكريم، فقد كانت زمن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه وفد نجران. قال المغيرة بن شعبة رضي الله عنه : " لَمَّا قَدِمْتُ نَجْرَانَ سَأَلُونِي فَقَالُوا: إِنَّكُمْ تَقْرَؤونَ " يَا أُخْتَ هَارُونَ " وَمُوسَى قَبْلَ عِيسَى بِكَذَا وَكَذَا. فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ بِأَنْبِيَائِهِمْ وَالصَّالِحِينَ قَبْلَهُم ".
أي: لها أخ اسمه هارون، سُمِّيَ به مشابهة وتيمناً بسيدنا هارون عليه السلام (كما يسمي النصارى حالياً أبناءهم: بطرس وبولس ويوحنا..) على أسماء أنبياء ودعاة وصالحين يؤمنون بوجودهم.
المسار الثاني: تصحيح أغلوطات وقع فيها بعض الناس عند تفسيرهم لمعاني القرآن الكريم والاستدلال به؛ لأن التأويل غير المنضبط يشكل العمود الفقري للشبهات الطاعنة في محتوى القرآن الكريم.
والأمثلة على ذلك معلومة مشهورة كتصحيح فهم بعضهم للخيط الأبيض من الخيط الأسود، ومعنى الظلم في قوله تعالى: " وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ".. الخ

أما فعل الصحابة منتصرين للقرآن الكريم فكان في غالبه مندرجاً تحت المسار الثاني، ومن أشهر الأمثلة عليه حوار السيدة عائشة رضي الله عنها مع ابن أختها عروة بن الزبير رضي الله عنه في مفهوم (جناح) عند قوله تعالى: " إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ".
وكانت همة ابن عباس رضي الله عنهما عالية في الانتصار للقرآن الكريم، ولعل أشهرها ما يُعرف بـ " مسائل نافع بن الأزرق " حين قال نافع بن الأزرق لنجدة بن عويمر: قُم بنا إلى هذا الذي يجترئ على تفسير القرآن بما لا علم له به. فقاما إليه فقالا: إنا نريد أن نسألك عن أشياء من كتاب الله، فتفسرها لنا، وتأتينا بمصادقة من كلام العرب؛ فإن الله تعالى إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين. فقال ابن عباس: سلاني عما بدا لكما.. ".
فكان ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ يجيبهم على كل سؤال، ببيان أصالة الألفاظ المسؤول عنها، مستدلاً بأبيات من كلام العرب. [لمعرفتها انظر: الإتقان للسيوطي]

وفي عصر التابعين وتابعيهم أخذ الانتصار للقرآن الكريم يأخذ منحى المناظرات والرد على النصارى والزنادقة في عصر الدولة الأموية، وتحديداً بعد ظهور كتابات يوحنا الدمشقي (675 ـ 749م)، الذي ولد بدمشق، وألَّفَ كتباً في اللاهوت والخطابة والتاريخ والشعر. ويعد أكبر آباء الكنيسة الأرثوذكسية، وبسبب مكانته الدينية الكبرى نال لقبَي، " القديس يوحنا " و" يوحنا ينبوع الذهب"، وبحكم كونه في خط الصراع الأول ضد الإسلام فإنه سارع بالعكوف على القرآن الكريم بحثاً عن الأخطاء. مسخِّراً إتقانه العربية، وموظِّفاً إلمامه بالبيئة الثقافية الإسلامية التي يعيش في رحابها، ويعايش أعلى مستوياتها العلمية والسلطوية؛ حيث كان من كبار موظفي الدولة الأموية. لمزيد من التفصيل: انظر مقال: يوحنا الدمشقي، د. جواد علي، مجلة الرسالة، عدد 610، ربيع الأول 1364 هــ، مارس 1945م، القاهرة، ص 242.
وقد جزم الشيخ محمد أبو زهرة أن يوحنا الدمشقي هو الذي دس فرية تعلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش رضي الله عنها، ومنه تسربت إلى بعض كتب التفسير بالمأثور. انظر كتابه: شريعة القرآن، ص23.
قلت: ولعله هو من قام أيضاً بدس فرية الغرانيق.. وكثير من الأكاذيب، والله أعلم.

ومن أشهر كتب يوحنا الدمشقي كتاب بعنوان: " حياة محمد " وكان ذلك بين عام ذكر فيه أن الإسلام فرقة مسيحية مارقة، ظهرت في عهد الإمبراطور هرقل، بفعل متنبئ من العرب يدعى حامد (محمد).

أما بدايات التأليف في الانتصار للقرآن الكريم فأول مَن ألف فيه: مقاتل بن سليمان وله كتاب: (الجوابات في القرآن)، ثم سفيان بن عيينة في كتاب: (جوابات القرآن)، ثم قطرب واسم كتابه: (الرد على الملحدين في متشابه القرآن)، وهذه الكتب الثلاثة مفقودة.
وأقدم الكتب المطبوعة التي ناقشت مسائل في هذا العلم فهو (تأويل مشكل القرآن) لابن قتيبة، ثم تتالت الكتابات المستقلة للعلماء في الانتصار للقرآن الكريم، ومن أشهرها عند المتقدمين: (الانتصارات الإسلامية) للطوفي، و(الانتصار للقرآن) للباقلاني.
أما عند المتأخرين فقد أخذ الرد على المستشرقين الجانب الأكبر منها، ومن أبرز ما كتب في هذا الشأن: (دفاع عن القرآن ضد منتقديه) للدكتور عبدالرحمن بدوي، و(المستشرقون والقرآن الكريم) للدكتور محمد أمين بني عامر.
كما لفت شأن الانتصار للقرآن الكريم انتباه عدد من طلبة الدراسات العليا فكتبوا ردوداً على المستشرقين والعلمانيين مثل: (آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره) لعمر رضوان، و(موقف الفكر العربي العلماني من النص القرآني)، لأحمد إدريس الطعان.
وبعد تطور وسائل الاتصال أضحى توصيل الأفكار إلى مختلف أصناف الناس في شتى أنحاء العالم متاحاً بيسر وسرعة، مما أسهم في انتشار الطعونات حول القرآن الكريم عن طريق شاشات القنوات الفضائية، فظهرت كتب للرد على ما ورد فيها، ومن أبرزها: (إزهاق الباطل: الرد على القمص زكريا بطرس) لصلاح الدين أبو السعود، و(الردود المسكتة على الافتراءات المتهافتة) لإيهاب بن كمال.
ويجمع بين تلك الكتابات أنها جهود فردية للإجابة عن بعض شبهاتٍ أهل الكتاب والملحدين وأصحاب الأهواء من المنتسبين إلى الإسلام.

ولمعرفة لمحة تاريخية أوسع عن تاريخ الطعن في القرآن الكريم، انظر: مقدمة كتاب " الدفاع عن القرآن ضد منتقديه"، د. عبد الرحمن بدوي.
وكتاب: " الطعن في القرآن الكريم والرد على الطاعنين في القرن الرابع عشر الهجري "، د. عبد المحسن المطيري.
 
أما بالنسبة لانتصار رسول الله صلى الله عليه وسلم للقرآن الكريم فكان على مسارين:
الأول: الرد على الشبهات المثارة حول القرآن الكريم من غير المسلمين، وأذكر هنا أقدم شبهة تنصيرية حول القرآن الكريم، فقد كانت زمن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه وفد نجران. قال المغيرة بن شعبة رضي الله عنه : " لَمَّا قَدِمْتُ نَجْرَانَ سَأَلُونِي فَقَالُوا: إِنَّكُمْ تَقْرَؤونَ " يَا أُخْتَ هَارُونَ " وَمُوسَى قَبْلَ عِيسَى بِكَذَا وَكَذَا. فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ بِأَنْبِيَائِهِمْ وَالصَّالِحِينَ قَبْلَهُم ".
أي: لها أخ اسمه هارون، سُمِّيَ به مشابهة وتيمناً بسيدنا هارون عليه السلام (كما يسمي النصارى حالياً أبناءهم: بطرس وبولس ويوحنا..) على أسماء أنبياء ودعاة وصالحين يؤمنون بوجودهم..

عزيزى د. عبد الرحيم ، حياكم الله
مع علمى التام بصحة الحديث الشريف المذكور ، أتوجه إليكم بالسؤال التالى :
هل تعتقد أن هذا الرد النبوى الشريف فيه غنية وكفاية للقضاء على الشبهة المذكورة
بمعنى : هل قاله النبى صلى الله عليه وسلم عن وحى إلهى وبالتالى فلا يوجد مجال للاجتهاد بعد ذلك فى دحض هذه الشبهة ؟
أم تراه كان مجرد اجتهاد بشرى منه صلى الله عليه وسلم ولم يصدر عن وحى وإلهام ؟ ومن المعلوم أن هذا الأمر له نظائر ، حيث كان للنبى صلى الله عليه وسلم بصفته البشرية اجتهاداته الخاصة فى بعض المسائل والتى جاء الوحى بعد ذلك مُصَححاً لها ( كمسألة أسارى بدر مثلاً ، أو إذنه للمنافقين فى التخلف عن الغزو)
وبمعنى آخر أكثر تحديداً : هل ترى أن باب الإجتهاد فى دحض هذه الشبهة قد تم إغلاقه نهائياً ، أم أن الإجتهاد فيها لا يزال له مجال ؟
وعلى فرض أن تمكن باحث ما من دحض هذه الشبهة بطريقة تكشف عن إعجاز جديد للقرآن فى إختياره لوصف ( أخت هارون ) تحديداً ، ومُستدلاً بشواهد من أسفار أهل الكتاب أنفسهم ، فهل سيكون لهذا الكشف الإعجازى – مهما كانت روعته ونصاعته - قيمة علمية معتبرة بعد أن أجاب النبى صلى الله عليه وسلم بنفسه عن الشبهة المذكورة ؟ هذه هى المعضلة التى تؤرقنى ، والتى أبحث عن حل لها
بإنتظار ردكم الكريم للأهمية ، لأن هذا الرد قد يكون له ما بعده ، و قد تنبنى عليه مسائل ذات شأن ، وأقول " قد " ، لأن ما بعد " قد " سيتقرر على ضوء ردكم
ولهذا ، فالمرجو منك أخى الكريم أن تقدح زناد فكرك فى الأسئلة التى طرحتُها ،كما أُحبذ أن تستخير الله تعالى قبل الرد نظراً لأهمية هذه المسألة على المستويين : العام والخاص ، ولكم سلفاً وافر الشكر والتقدير

 
هل تعتقد أن هذا الرد النبوى الشريف فيه غنية وكفاية للقضاء على الشبهة المذكورة
بمعنى : هل قاله النبى عن وحى إلهى وبالتالى فلا يوجد مجال للاجتهاد بعد ذلك فى دحض هذه الشبهة ؟
أم تراه كان مجرد اجتهاد بشرى منه ولم يصدر عن وحى وإلهام ؟ ومن المعلوم أن هذا الأمر له نظائر ، حيث كان للنبى بصفته البشرية اجتهاداته الخاصة فى بعض المسائل والتى جاء الوحى بعد ذلك مُصَححاً لها ( كمسألة أسارى بدر مثلاً ، أو إذنه للمنافقين فى التخلف عن الغزو)

سؤال: كيف عرفنا بأن اجتهاد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر كان خلاف الأصح؟
الجواب: بنزول الوحي الذي يبين ما الأصحّ
وكذا كان حال الوحي في جميع آيات عتاب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم؛ لفعله خلاف الأَولى.
بينما هنا لم يصوّب الوحي ولم يصحح هذه المعلومة التاريخية
أي: أقرّ الوحيُ وجود أخ شقيق لمريم اسمه: هارون.


وبمعنى آخر أكثر تحديداً : هل ترى أن باب الإجتهاد فى دحض هذه الشبهة قد تم إغلاقه نهائياً ، أم أن الإجتهاد فيها لا يزال له مجال ؟

هذا من باب تفسير القرآن بالسنة
وما قد يسميه عبدالرحيم ـ تجوّزاً ـ (اجتهاد النبي) سيغدوا سنة واجبة الاتباع بعد مرور فترة من الزمن من إقرار الوحي له.
بل ينبغي على عبدالرحيم أن يعرف قدره، ولا يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم، كيف يستدرك عليه وقد أكمل الله به دينه، بعد أن بلّغ الأمانة (أمانة البلاغ) كاملة.
كيف يفعلها وقد كانت من أبرز وظائف الرسول الأساسية أن يبلغ للناس ما نُزل إليهم (النحل: 44)

* بعد هذه المقدمة أقول: إن التفسير بالرأي (الاجتهاد) لا ينبغي بحال أن يتجاوز التفسير بالمأثور (الكتاب وصحيح السنة).

وعلى فرض أن تمكن باحث ما من دحض هذه الشبهة بطريقة تكشف عن إعجاز جديد للقرآن فى إختياره لوصف ( أخت هارون ) تحديداً ، ومُستدلاً بشواهد من أسفار أهل الكتاب أنفسهم ، فهل سيكون لهذا الكشف الإعجازى – مهما كانت روعته ونصاعته - قيمة علمية معتبرة بعد أن أجاب النبى بنفسه عن الشبهة المذكورة ؟

لا يعنينا أن الكتاب المحرّف (المسمى كتاباً مقدساً عند اليهود والنصارى) لا يذكر أن لمريم أخ اسمه هارون.
فإن هذا أمر طبيعي؛ فالقرآن هو المهيمن على كل ما سبقه (المائدة 48)، وفي القرآن تفاصيل لقصص ليست موجودة في كتبهم المقدسة؛ دليلاً على عدم اقتباس مزعوم للقرآن الكريم عنها (انظر كتاب موريس بوكاي).

خذ مثلا: هامان
هل في كتب أهل الكتاب اسم وزير فرعون هامان؟
كلا، إنه عندهم اسم لشخصية تاريخية عاشت في العراق، لكن الاكتشافات الحديثة أكدت وجود هذه الشخصية زمن الفراعنة.

انظر حول شبهة هامان
" ظ‡ط§ظ…ط§ظ† " ظ…ط¹ط¬ط²ط© ظ‚ط±ط¢ظ†ظٹط© ظˆظ„ظٹط³طھ ط´ط¨ظ‡ط© ط¶ط¯ظ‡ ! | ظ…ظˆظ‚ط¹ ط§ظ„ظ…ط®طھط§ط± ط§ظ„ط¥ط³ظ„ط§ظ…ظٹ

هل في كتب أهل الكتاب أسماء حضارات عظمى كانت في منطقتنا وبادت كعاد وثمود؟
هل يعرفون نبياً اسمه شعيب عليه السلام؟
أقول جازماً : ((سيعلمون نبأه بعد حين))
انظر.. اكتشاف مساكن عاد
ط·ط¨ط§ط¹ط© ط§ظ„ظ…ظ‚ط§ظ„
 
الأخ العزيز د. عبد الرحيم
أشكرك على الاهتمام بالرد ، فهذا بحد ذاته قد أصبح أحياناً أمراً يستوجب الشكر !
كما أشكرك على أمر آخر ، هو أن هذا الرد سيجعلنى أنعم بالراحة ويعفينى من مجهود كبير كنت أزمع القيام به
والحمد لله الذى ألهمنى أن أستخبر عن الطريق قبل أن أعتزم المسير
ويكفينى أن أكون مطمئناً من مغبة كتمان علم عن الناس ، علم إذا ما سُئلتُ عنه يوم القيامة فسأقول على الفور : يُسأل فى هذا أخى الدكتور عبد الرحيم
icon7.gif
icon7.gif
 
أنت بتسليمك لتفسير حبيبك المصطفى صلى الله عليه وسلم ستكون مرتاحاً
ورائدك هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، حين أخبره المشركون بالإسراء فقال: إن قال، فقد صدق.

وبشكل عام:
لا يحجر إعمال العقل في فهم النصوص أحد
ولكن العاقل لا يعيد اختراع العجلة من جديد
بل يبني على اختراع العجلة اختراعاً آخر
وبما أنك قد كُفيتَ تفسير هذه الآية الكريمة، فأعمل عقلك في تفسير آلاف الآيات غيرها.
ووفقكم الله
 
قال المغيرة بن شعبة رضي الله عنه : " لَمَّا قَدِمْتُ نَجْرَانَ سَأَلُونِي فَقَالُوا: إِنَّكُمْ تَقْرَؤونَ " يَا أُخْتَ هَارُونَ " وَمُوسَى قَبْلَ عِيسَى بِكَذَا وَكَذَا. فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ بِأَنْبِيَائِهِمْ وَالصَّالِحِينَ قَبْلَهُم ".
أي : لها أخ اسمه هارون ، سُمِّيَ به مشابهة وتيمناً بسيدنا هارون عليه السلام

على الرغم من أنى – وخاصة بعد ردكم السابق – قد أصبحتُ راغباً عن نشر بحثى عن إعجاز القرآن فى وصف مريم عليها السلام بأخت هارون تحديداً دون غيره من الأنبياء ، إلا أننى مع ذلك أود التنبيه على أمر أراه فى غاية الأهمية ، وهو :
إن حديث المغيرة بن شعبة ليس قطعى الدلالة على أنه كان يوجد أخ شقيق لمريم يُسَمى "هارون" ، أو أنه لا يحصر المعنى فى هذا فقط ، لأن الحديث لم ينص صراحةً على وجود علاقة أخوة حقيقية وغير مجازية ، وإنما غاية ما نصَّ عليه أن بنى اسرائيل "كانوا يُسمّون بأسماء الأنبياء والصالحين قبلهم " ، وهى عبارة لا يمكن حصرها فى المعنى الذى ذهبتم إليه وحده ، بل من الممكن أن تحتمل وجوهاً أخرى ، وهى وجوه وجدنا بعض المفسرين قد ذَكروا أمثلة منها بالفعل عند تفسيرهم لآية مريم / 28
فمن ذلك مثلاً أن العلامة ابن عاشور بعد أن ذكر حديث المغيرة بن شعبة أورد احتمالاً أخر بأن قال :
(( ويحتمل أن معنى ( يا أُخْتَ هارُونَ ) أنها من ذريّة هارون أخي موسى ، وقد كانت مريم كذلك فعلاً ، ففي إنجيل لوقا : " كان كاهن اسمه زكرياء من فرقة أبِيّا وامرأتُه من بنات هارون واسمها إليصابات " ، وإليصابات زوجة زكرياء هى نسيبة مريم، أي ابنة عمّها ، ولعل قوم مريم تكلموا باللفظين فحكاه القرآن بما يصلح لهما على وجه الإيجاز ، وليس في هذا الاحتمال ما ينافي حديث المغيرة بن شعبة ))
فأنظر إلى تلك الجملة الأخيرة من كلام ابن عاشور ، وأعيد ذكرها على مسامعكم لأهميتها البالغة: (( وليس في هذا الاحتمال ما ينافي حديث المغيرة بن شعبة ))

وإليكم مثالاً آخر قد يكون أشد وضوحاً :
الشيخ بسام جرار مدير مركز نون للدراسات القرآنية تناول آية مريم / 28 بالتفسير، ثم بعد أن أورد حديث المغيرة عقّب قائلاً :
(( من العرف السائد فى المجتمعات العربية أنه إذا كان اسمك علي فأنت أبو الحسن ، لأنّ علياً رضي الله عنه كان يُكنَى بأبي الحسن ، وقياساً على هذا يرجح لدينا أن تكون الآية الكريمة قد كشفت عن مثل هذا العرف في لسان قوم مريم ، فكل من تسمَت بمريم هي عندهم أخت هارون ، لأنّ مريم الأولى هي أخت هارون النبي عليه السلام. أما لماذا لم تكن أخت موسى ؟! فلأن التوراة المعتمدة عندهم تربط بين مريم وهارون أكثر مما تربط بين مريم وموسى، عليهم السلام.وهذا الوجه ينسجم تماماً مع قول الرسول صلى الله عليه وسلم :" إنهم كانوا يُسمّون بأنبيائهم والصالحين قبلهم". وبذلك يكون القرآن الكريم وهو يروي كلام القوم قد كشف عن عُرفٍ تعارفه الناس في ذلك الزمن ))
وأعتقد أن ما ذكره الشيخ جرار يدل بوضوح على أن حديث المغيرة لا يُعد قطعى الدلالة على وجود أخ شقيق لمريم عليها السلام كان اسمه هارون ، كما يدل كلامه على أن معنى الحديث لا يقتصر بالضرورة على هذا الوجه وحده
وقد أحسن الشيخ جرار حين طرح هذا السؤال الذكى القائل :لماذا لم يقولوا : يا أخت موسى ؟!
أى لماذا اختاروا " هارون " تحديداً ، مع أن موسى عليه السلام يُعد عندهم أعظم من هارون قدراً ومكانة ؟!
أقول : إنه سؤال ذكى جداً ومنطقى للغاية ، لكن الشيخ لم يُوَفق إلى الجواب الصحيح عنه ، لم يُوفق إلى الجواب الإعجازى العجيب الذى جاد به العليم الحكيم على هذا الفقير ، والذى يَصلُح لأن نرد به على أهل الكتاب بحيث يمكن أن يقتنعوا به تماماً ، دون سواه من الردود التى لا يمكن لهم أبداً أن يقرونا عليها أو أن يقتنعوا بأنها تمثل حقيقة تاريخية ، وأعتقد أنك تفهم جيداً ما أعنيه بهذه الجملة الأخيرة
باختصار : إن الجواب الذى توصلتُ – بفضل الله – إليه يمكن أن نحقق به الإنتصار للقرآن ، والذى هو مطلبكم ومسعاكم فى هذا الملتقى

والآن : ما رأى أخى الكريم فى مُجمَل هذا التحليل ؟
أنتظر رأيكم الذى أعتز به ، ولا أريد استعجالكم ، فلتأخذ وقتك كما تشاء فى التفكير قبل الرد ، ولكن لا تنس الإستخارة
icon7.gif
، ولكم أطيب تحياتى
 
كم تعجبني عبارة قرأتها لأبي غدة، وأكررها دوماً : الفهمُ عرضٌ، يأتي ويزول.
لذا من غير المستغرب أن تجد أقوالاً لمفسرين ولغويين وعلماء ترى أمراً آخر في هذه المسألة وغيرها.
فرأى ابن عاشور - رحمه الله - أن القرآن الكريم حكى حكاية قومها (وليس القرآن بالضرورة يتبناها).. وهذا بعيد؛ وإلا لذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم للمغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن هذا كان كلام قومها وليس ما نتبناه نحن المسلمون.

لكن لنتفق على تقدير الحوار الوارد في الحديث الشريف - بدون أفكار مسبقة - :
- النصراني: كيف تكون مريم أختاً لهارون وبينهما آلاف السنين؟
- المسلم: بعد أن سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني بأن قوم مريم كانوا يسمون أبناءهم [وليس بناتهم] بأسماء الصالحين من قومهم.

لهذه الحكاية منطوق ومفهوم:
- المنطوق:
مريم (أخت) شقيقة - من أب وأم - لشخص اسمه هارون [ليس هارون النبي قطعاً].
- المفهوم:
مريم رضي الله عنها تسير على هدي وسنة هارون عليه السلام الذي سبقها بآلاف السنين؛ ولم يذكروا موسى عليه السلام لأنهم كانوا يحبون هارون أكثر؛ لأنه كان أكثر رأفة بهم من موسى بزعمهم.

* عند تعارض المفهوم والمنطوق
المجاز والحقيقة
ماذا نقدم؟
 
- المفهوم : مريم رضي الله عنها تسير على هدي وسنة هارون عليه السلام الذي سبقها بآلاف السنين؛ ولم يذكروا موسى عليه السلام لأنهم كانوا يحبون هارون أكثر؛ لأنه كان أكثر رأفة بهم من موسى بزعمهم.
لا ، ليس لهذا السبب الذى ذكرته أنت أخى الكريم
وأنا لم أقل أن هذا هو السبب ، ولم أُفصح عنه بعد
إن السبب الحقيقى – لو تعلمون – هو أعمق وأروع مما ذكرتموه بكثير
وهو يُظهِر إعجاز القرآن فى إطلاقه " أخت هارون " على مريم عليها السلام
ولكن لا يمكننى أن أُصرّح به قبل أن أحل أولاً إشكال حديث المغيرة رضى الله عنه
ومن الواضح أننا قد وصلنا هنا إلى طريق مسدود
فلنطوى معاً هذه الصفحة ، ونغلق هذا الباب ، إلى أن يأذن الله بشىء ، أو أن يُحدِث أمراً ، وشكراً لكم

سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك
 
لا بأس أخي من أن تذكر بعضاً من أفكارك
من باب السبر والتقسيم
ثم نناقشها معاً
فهذا الملتقى (منتدى) وليس مجلة تنطق بفكر واحد
 
لا بأس أخي من أن تذكر بعضاً من أفكارك من باب السبر والتقسيم ثم نناقشها معاً
فهذا الملتقى (منتدى) وليس مجلة تنطق بفكر واحد
معذرةً أخى ، لا يُلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين !
فقد سبق لى أن أجهدت نفسى كثيراً فى تحرير موضوع وحشدت له من الشواهد والبراهين ما يكفى ويزيد أى انسان كى يقتنع ، ثم بعد هذا كله خرج علىّ أحد الأفاضل ليشطب بجرة قلم واحدة كل مجهودى الكبير، بدعوى أن ما قلته يخالف أقوال السلف
فمنذ ذلك اليوم تجدنى حريصاً على التثبت من ملائمة موضوعاتى لهذا الملتقى
فأرجو أن تعذرنى ، خاصة وأن هذا الموضوع سوف يأخذ منى وقتاً ومجهوداً عظيما
ولا أريد أن أُقدِم على هذا كله ، ثم فى نهاية المطاف ألقى جزاء سنمار !!
وشكراً لك
 
يا عزيزي.. يا أخي..
لا أدري ماذا أقول
ولكن بصفتي عضواً في هذا المنتدى وغيره
أجد أن ما تطلبه ـ من تعهد مسبق ـ يُعد من باب لزوم ما لا يلزم
والأمر لله من قبل ومن بعد
 
أجد أن ما تطلبه ـ من تعهد مسبق ـ يُعد من باب لزوم ما لا يلزم
لم أطلب تعهداً مسبقاً كما ظننتم
وإنما قلتُ : أُفَضِل الإنتظار ريثما أجد حلاً لإشكال حديث المغيرة ، ثم فوضتُ أمر ذلك لله تعالى قائلاً : لنغلق هذا الباب إلى أن يأذن الله بشىء فيه ، أو يُحدِث أمراً
وليس من العيب أبداً أن أمهد الطريق قبل أن أقرر المسير
أشكرك على سعة صدرك ، وأرجو أن تتفهم موقفى ، ودمتم بخير
 
شكراً للأخ العليمي تعقيباته وطرحه المفيد، والملتقى مفتوح لكل ما هو مفيد وجديد ، بارك الله فيك .

دكتورنا د. عبدالرحيم نعود لحوارنا :

ذكرتَ حفظك الله إطلالة على جهود السلف في الانتصار للقرآن الكريم، فهل يمكن أن تبين لنا جهود العلماء في القرون السابقة جهودهم في الانتصار للقرآن من حيث تآليفهم أو مناظراتهم ... إلخ ليتضح للقارئ مدى العناية بهذا الجانب لدى العلماء .

وهل كان يوجد لديهم جانب عملي سوى التأليف والمناظرة ؟
 
الانتصار للقرآن الكريم كان وسيلة رئيسة من وسائل الحوار والمناظرات بين علماء المسلمين مع أهل الكتاب، وتلك الحوارات قد عرفها الناس منذ زمن النبوة، فحين دخل حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه إلى المقوقس صاحب مصر، وبلَّغه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ما منعه أن يدعو عليَّ فيسلَّط عليَّ؟!
قال له حاطب: ما منعَ عيسى أن يدعو على من أبى عليه أن يفعل ويفعل؟!
فوجم ساعة ثم استعادها، فأعادها عليه حاطب، فسكت.
وسأله عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم في حرب قومه، فذكر له أن الحرب تكون بينهم سجالاً، تارة له، وتارة عليه.
قال له المقوقس: النبيُّ يُغلب؟
فقال له حاطب: فالإله يُصلب؟ [صبح الأعشى للقلقشندي]

لكن ذاك الحوار ازدهر بعد دخول الناس في دين الله أفواجاً في عصر دولة الإسلام زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم، وقد تناول إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد بن حنبل الانتصار للقرآن الكريم خير تناولٍ ، حتى إنه ناله الأذى الشديد في محنة خلق القرآن كما هو معلوم
أما بخصوص الذب عن محتوى القرآن الكريم فله رسالة لطيفة بعنوان الرد على الزنادقة والجهمية
انتصر فيها للقرآن الكريم ضد شبهات بعضهم، ومما جاء في مقدمة الكتاب من كلام بديع:
" الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى. فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم.
ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين؛ الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عقال الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب مجمعون على مفارقة الكتاب، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلين "

ومن الأمثلة على الانتصار للقرآن الكريم عند الإمام أحمد، إجابته عن الشبهة التالية:
ورد في القرآن الكريم أن الله تعالى لا يكلم الكفار يوم القيامة: " إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ".
ولكن هذا ناقض أنه خاطبهم في قوله: " لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ ".
وكان جواب الإمام أحمد:
كل آية تتكلم عن مرحلة من مراحل يوم القيامة، ترتيبها كما يلي:
المرحلة الأولى: بُعَيد البعث والنشور: " هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ " .. وذلك أول البعث من القبور حيث يسكتون " وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ".
المرحلة الثانية: يؤذن لهم بالكلام فيتكلمون، وعندها تبدأ معاذيرهم،
فمنهم من يقول: " رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ.."
ومنهم مَن يقول: " وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ.."
المرحلة الثالثة: يتبرأ " الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ "،
فيحصل الخصام، فيُقال لهم: " لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ ".

وهذا الإمام ابن حزم يهاجم أهل الرئاسة في بلده لأنهم أغفلوا الانتصار للقرآن الكريم
فقال في مقدمة كتابه: الرد على ابن النغريلة اليهودي
" اللهم إنا نشكو إليك تشاغل أهل الممالك من أهل ملتنا بدنياهم عن إقامة دينهم، وبعمارة قصور يتركونها عما قريب عن عمارة شريعتهم اللازمة لهم في معادهم ودار قرارهم، وبجمع أموال ربما كانت سبباً إلى انقراض أعمارهم وعوناً لأعدائهم عليهم، وعن حياطة ملتهم بها عزوا في عاجلتهم وبها يرجون الفوز في آجلتهم حتى استشرف لذلك أهل القلة والذمة، وانطلقت ألسنة أهل الكفر والشرك بما لو حقق النظر أرباب الدنيا لاهتموا بذلك ضعف همنا، لأنهم مشاركون لنا فيما يلزم الجميع من الامتعاض للديانة الزهراء والحمية للملة الغراء "
ومن الأمثلة على ردوده في كتابه
الرد على الزعم بأن قوله تعالى:" فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ". يناقض قوله: " فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ "
فكان الجواب: ليس سؤال استخبار بل توبيخ.
فالسؤال قسمان: سؤال توبيخ وتقريع، وأداته غالباً (لِمَ). وسؤال استخبار واستعلام، وأداته غالباً (هَل). فالمثبت هو سؤال التوبيخ والتقريع، والمنفي هو سؤال: الاستخبار والاستعلام.
وسؤال العصاة والمشركين ـ المنصوص في القرآن الكريم ـ كله توبيخ وتقريع كقوله: " وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ، مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ "، وكقوله: " أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ "، وكقوله: " أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ "، وكقوله: " أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ " .. إلى غير ذلك من الآيات.
بينما السؤال إذا تعلق بالرسل: " مَاذَا أُجِبْتُمْ " ؟ فيكون لتوبيخ الذين كذبوهم، ومِثله سؤال المظلوم توبيخاً للظالِم كسؤال الموؤودة: " بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ " ؟ لتوبيخ قاتلها.

وللطوفي كلام مهم في أهمية الانتصار للقرآن، فقال في مقدمة كتابه: الانتصارات الإسلامية: " فإني رأيت كتابا صنفه بعض النصارى، يطعن به في دين الإسلام ويقدح به في نبوة محمد- عليه أفضل الصلاة والسلام- فرأيت مناقضته [مخالفته] إلى الله ورسوله قربانا ورجوت بها مغفرة من الله ورضوانا، حذرا من أن يستخف ذلك بعض ضعفاء المسلمين، فيورثه شكا في الدين، ولقد رأيت بعض ذلك عيانا ".
ومن الأمثلة على ردوده، دفعه لشبهة إثبات عدم صحة تلقي الوحي بدليل طعن المشركين الذين عاصروا محمداً صلى الله عليه وسلم واتهامهم له بالسحر والجنون والكهانة، فقال:
يقال لهم: بمنطقكم هذا، تلزمكم مقالة اليهود في أنهم إنما تنقصوا المسيح لأنه ليس صادقاً.
فإن قالوا: اليهود كفار عانَدوا الله.
قلنا: كذلك نحن نقول عنكم بالنسبة إلى تنقص محمد صلى الله عليه وسلم.
فإن قيل: اليهود عاندوا بعد قيام الحجة عليهم بالمعجزات.
قلنا: بل جاءتكم معجزات أوضح وأجلّ، ولكنكم عاندتم أو جهلتم.. ولو أعطيتم النظر حقه لوفقتم ورشدتم.

وكانت الحوارات مع المخالفين من يهود ونصارى وزنادقة وأصحاب فرق وأهواء تجري في كل زمان ومكان، ومن ثم كان الانتصار للقرآن الكريم حاضراً بقوة في تلك المناظرات.. ومن الأمثلة على تلك الحوارات في كتب السلف:
1- جاء في تفسير البحر المحيط: أن نصرانياً طبيباً للرشيد أنكر أن يكون في القرآن أو في حديث الرسول شيء من الطبّ فأجيب بقوله " وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ ".. فقال النصراني : ما ترك كتابكم ولا نبيّكم لجالينوس طبّاً.

2- جاء في تفسير مفاتيح الغيب للرازي مناظرة مع نصراني حول نفي القرآن الكريم لصلب المسيح عليه السلام.. ذاكراً إشكالات وردها:
أ) الإشكال الأول أنّا لو جوّزنا إلقاء شبه إنسان على إنسان آخر، لزم السفسطة. فإنّي إذا رأيت ولدي، ثمّ رأيته ثانياً فحينئذٍ أجوز أن يكون هذا الذي رأيته ثانياً، ليس بولدي، بل هو إنسان أُلقي شبهه عليه. وحينئذٍ يرتفع الأمان على المحسوسات. وأيضاً فالصحابة الذين رأوا محمّداً، يأمرهم وينهاهم، وجب أن لا يعرفوا أنّه محمّد، لاحتمال أنّه ألقى شبهه على غيره. وذلك يفضي إلى سقوط الشرائع.
ب) الإشكال الثاني هو أنّ الله تعالى كان قد أمر جبريل عليه السلام، بأَن يكون معه في أكثر الأحوال. هكذا قال المفسّرون في تفسير قوله إذ أيّدتُك بروح القدس ثمّ أنّ طرف جناح واحد من أجنحة جبريل، كان يكفي العالم من البشر. فكيف لم يكفِ في منع أولئك اليهودِ عنه؟
ج) الإشكال الثالث أنّه تعالى كان قادراً على تخليصه من أولئك الأعداء بأن يرفعه إلى السماء. فما الفائدة في إلقاء شبهه على غيره، إلاّ إلقاء مسكين في القتل، من غير فائدة إليه؟
د) الإشكال الرابع أنّه ألقى شبهه على غيره، ثمّ أنّه رُفِعَ بعد ذلك إلى السماء فالقوم اعتقدوا فيه أنّه عيسى، مع أنّه ما كان عيسى. فهذا كان إلقاء لهم في الجهل والتلبيس، وهذا لا يليق بحكمة الله.
هـ) الإشكال الخامس أنّ النصارى على كثرتهم في مشارق الأرض ومغاربها وشدّة محبّتهم للمسيح وغلّوهم في أمره. أخبروا أنّهم شاهدوه مقتولاً ومصلوباً. فلو أنكرنا ذلك، كان طعناً في التواتر. والطعن في التواتر يوجب الطعن في نبوّة محمّد، ونبوّة عيسى، بل في وجودهما، ووجود سائر الأنبياء، وكلّ ذلك باطل.
و) الإشكال السادس أنّه ثبت بالتواتر أنّ المصلوب بقي حيّاً زماناً طويلاً. فلو لم يكن ذلك عيسى، بل كان غيره، لأظهر الجزع، ولَقال: إنّي لست بعيسى بل إنّما أنا غيره.

فكان جواب الرازي:
أ) الجواب عن الأول: كل من أثبت القادر المختار، سلَّمَ أنه تبارك وتعالى قادر على أن يخلق إنساناً آخر على صورة زيد مثلاً، ثم إن هذا التصوير لا يوجب الشك المذكور.
أي: الدنيا لا يُكشَف فيها عالَم الغيب، بل هي ابتلاء للمؤمنين، واختبار تصديقهم للأنبياء بالإخبار بالغيب، ولو أن عيسى رُفع أمام الناس ولم يُلق الشبه، لانتفى وجه الامتحان والاختبار، ورضخَ الناس لقهر عالم الشهادة، وصار إيمانهم إيماناً اضطرارياً (مُلجئاً)، كإيمان من ينظر نار جهنم عياناً يوم القيامة.
ب) الجواب عن الثاني: جبريل عليه السلام لو دفع الأعداء عنه [عن عيسى]، أو أقدر الله تعالى عيسى على دفع الأعداء عن نفسه، لبلغت معجزته إلى حد الإلجاء، وذلك غير جائز.
أي: ما أورده المستشكلون نوع من السفسطة؛ فإنهم يبنون نتيجتهم على مقدمتين: المقدمة الأولى: جبريل عليه السلام يؤيد عيسى في أكثر أحواله. المقدمة الثانية: التأييد لعيسى له صورة واحدة، وهو إماتة أعدائه وإهلاكهم.
النتيجة: الله لم يرفع عيسى
وهذا من أقبح القياس، وأبعده عن معيار العلم ومنهاج العقل في مقدماته ونتيجته. فإن الله أيده بروح القدس ونصره به، والتأييد عامٌّ ليس مخصوصاً بصورة معينة، والتاييد إنما يكون عند حاجة عيسى إليه، والله قد أغنى عيسى عن تأييد جبريل برفعه إليه، فأين تركُ جبريل لتأييد عيسى عليهما السلام؟
ج) الجواب عن الثالث: لو أنَّ الله رفعه إلى السماء، وما ألقى شبهه على الغير، لبلغت تلك المعجزة إلى حد الإلجاء.
أي: الدنيا لا يُكشَف فيها عالَم الغيب، بل هي ابتلاء للمؤمنين، واختبار تصديقهم للأنبياء بالإخبار بالغيب، ولو أن عيسى رُفع أمام الناس ولم يُلق الشبه، لانتفى وجه الامتحان والاختبار، ورضخَ الناس لقهر عالم الشهادة، وصار إيمانهم إيماناً اضطرارياً (مُلجئاً)، كإيمان من ينظر إلى نار جهنم عياناً يوم القيامة.
د) الجواب عن الرابع: تلامذة عيسى كانوا حاضرين، وكانوا عالمين بكيفية الواقعة، وهم كانوا يزيلون ذلك التلبيس.
أي: يؤمن المسلمون أن الحواريين ـ أتباع سيدنا عيسى ـ آمنوا به نبياً رسولاً، لكن مَن بعدهم حرَّفوا ذلك، وزعموا أنهم آمنوا به إلهاً. بل حرَّفوا رسالته وتعاليمه بالكلية، كما بينه قول الله تعالى: " لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ "، فإن حرَّفوا الخبر القطعي بإيمان الحواريين بنبوة عيسى وبشريته، فهم لما دونه أشد تحريفاً.
هـ) الجواب عن الخامس: الحاضرين في ذلك الوقت كانوا قليلين، ودخول الشبهة على الجمع القليل جائز. والتواتر إذا انتهى في آخر الأمر إلى الجمع القليل، لم يكن مفيداً للعلم.
أي: التواتر المعتبر هو: الخبر الذي ينقله عدد من الناس، يستحيل التواطؤ من قِبَلهم على الكذب، وبقاء التواتر في كل طبقة من طبقات النقل. وأين كل النصارى من إثبات تواتر كل طبقة من طبقات الإسناد ؟ فاختل تواترهم بأمرين: انقطاعه، وتوفر الدواعي على التواطؤ على الكذب. ولو قلنا بأن تواطؤ الجماعات على أمر يفضي إلى القطع به، لصدقنا المشركين الذين تواطؤوا على الشرك بعد نوح.
و) الجواب عن السادس: بتقدير أن يكون الذي ألقي شبه عيسى عليه كان مسلماً، وَقَبِلَ ذلك عن عيسى، جائز أن يسكت عن تعريف حقيقة الحال في تلك الواقعة.
أي: الذي ألقي شَبَه عيسى عليه إنْ كان مسلماً، وقبِلَ ذلك عن عيسى ، جائزٌ أن يسكت عن تعريف حقيقة الحال في تلك الواقعة. وإن كان كافراً، لم يمنع أن يتركوا تصديق دعواه؛ لقيام الحس المفيد للقطع عندهم، على الخبر المفيد للظن. فلو صاحَ وحلفَ حتى انقطع صوته: أنه ليس هو، لمَا قدَّموا دعواه، على ما يرونه من شبَهٍ متقن بعيسى.

3- في مناظرة حول أوصاف الجنة في القرآن الكريم وأنها تركز على النعيم الحسي بينما جنة النصارى (الدينونة) تركز على النعيم الروحاني جاء رد القرافي في كتابه الأجوبة الفاخرة:
" الذي يعتقده المسلمون من الجمع بين النعيم الروحاني المتعلق بالأرواح إدراك معنى جلال الله تعالى وجماله وتفاصيل صفاته وآلائه المتجددة على ممر الأبد والنعيم الجسماني ـ الذي تقدم تحقيقه ـ كان هو اللائق بالكرم الألهي والإحسان الرباني؛ فإن الاقتصار على النعيم الروحاني، تقصير من قائله في سعة النعمة وتمام الكرامة. وأن ما يقوله المسلمون يجزم العقل الشريف بأن مثله لا تعرى عنه دارٌ أُريدَت لغاية الإكرام، وأن يكون على غاية التمام. بل لو فُرِضَ عدم هذه الملاذ البديعة منها، لقال العقل الوافر: لو كان فيها هذه الملاذ، لكانت أتم وأكمل "

4- في مناظرة حول سلامة القرآن الكريم من التحريف، قال أبو عبيدة الخزرجي في كتابه مقامع هامات الصلبان:
" ومن طالع كتبكم وأناجيلكم وجد فيها من العجائب ما يقضي له بأن شرائعكم، وأحكامكم ونقولكم قد تفرَّقت.. وليس هذا بغريب، فأناجيلكم ما هي إلا حكايات وتواريخ وكلام كهنة وتلاميذ وغيرهم، حتى إني أحلف بالذي لا إله إلا هو أن تاريخ الطبري عندنا أصح نقلاً من الإنجيل، ويعتمد عليه العاقل أكثر. مع أن التاريخ عندنا لا يجوز أن ينبني عليه شيء من أمر الدين، وإنما هو فكاهات في المجالس ".

5- ومن الانتصار للقرآن: التزام النص القرآني ولو خالفته الأبحاث العلمية النظرية، فهذا القرطبي رحمه الله يرفض نظرية (الجنين القزم) التي قال بها أرسطو.. فغدت كحقيقة علمية عند كثير من الناس ومدعي الثقافة.
وسبب رفض القرطبي لها لأنها خالفت صريح قوله تعالى: " إِنّا خَلَقْنَاكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىَ "
فبيّن أنه خلق الخلق من الذكر والأنثى.. وقد ذهب قوم من الأوائل، إلى أن الجنين إنما يكون من ماء الرجل وحده، ويتربى في رحم الأم ويستمد من الدم الذي يكون فيه.. والصحيح: أن الخلق إنما يكون من ماء الرجل والمرأة؛ لهذه الآية، فإنها نصٌّ لا يحتمل التأويل.

لقد كان علمهم في الانتصار للقرآن الكريم وسيلة مرحلية في أثناء مناظرة غير المسلمين من أجل جذبهم إلى الحق ودعوتهم إلى الهدى، لذا أكرر ما سبق بيانه من أن الانتصار للقرآن الكريم ليس مقصوداً لذاته، بل لنجعله وسيلة من وسائل الدعوة إلى الله تعالى.
ومما يلفت النظر أم ما كان يميز تلك المناظرات في السابق أن الحسم فيها كان سريعا جداً، لذا فلم تكن إطالتهم في الانتصار للقرآن والخوض في نقاشات تحتاج مقدمات طويلة للوصول إلى النتيجة المرجوة..

قال القاضي أبو بكر ابن العربي: وكنا نفاوض الكرامية، والمعتزلة، والمشبهة، واليهود. وكان لليهود بيت المقدس حَبر منهم يقال له التستري.. وقد حضرنا يوماً مجلساً عظيماً فيه الطوائف، وتكلم التستري الحبر اليهودي عن دينه، فقال: اتفقنا على أن موسى نبي مؤيد بالمعجزات، معلم بالكلمات، فمن ادعى أن غيره نبي، فعليه الدليل ـ وأراد اليهودي من طريق الجدل أن يرد الدليل في جهتنا حتى يطرد له المرام، وتمتد أطناب الكلام ـ فقال له الطرطوشي: إن أردتَ به موسى عليه السلام الذي أيِّد بالمعجزات، وعُلم الكلمات، وبَشَّر بمحمد صلى الله عليه وسلم، فقد اتفقنا عليه معكم، وآمنا به وصدقناه، وإن أردت به موسى آخر، فلا نعلم من هو؟ فاستحسن ذلك الحاضرون، وأطنبوا بالثناء عليه، وكانت نكتة جدلية عقلية قوية، فبهت الخصم، وانقضى الحكم.

ومثله ما وقع في مناظرة نصراني مع ابن الطلاع بقرطبة، حين سأل النصراني: ما تقول في عيسى؟ فأجاب ابن الطلاع: لعلك تريد الذي بشر بمحمد صلى الله عليه وسلم ؟
فانقطع النصراني.
 
أين أستاذنا عبدالرحيم الشريف؟ عساه بخير إن شاء الله. وأستاذنا حاتم ؟.. وأقطاب الملتقى كثر، أين هم؟ رحمهم الله حيث كانوا وارتحلوا.
 
يتوجّب عليّ الصّمت في حَضرة هذا الحوار الغنيّ
لكنّني لم أستطيع ألا أتوجّه بالشّكر الجزيل للدكتور عبدالرحيم الشّريف والقائمين على إدارة الحوار .. فوائد جمّة كانت تمكث في هذه الصّفحات وإنّي لأحمدُ الله أن يسّر لي قراءتها !
 
بسم1

شكر الله للشيخ عبدالرحيم جهوده المباركة و لقاءه الماتع،
تأصيلا لما اختاره لاسم هذا العلم "الانتصار للقرآن" ، فقد ذكر ابن كثير رحمه الله في أول تفسير البقرة عند الحديث عن الأقوال في الحروف المقطعة: "ولهذا كل سورة افتتحت بالحروف فلا بد أن يذكر فيها الانتصار للقرآن وبيان إعجازه وعظمته ، وهذا معلوم بالاستقراء "
 
عودة
أعلى