مرور الجبال وتحريف الإعجازيين

إنضم
01/02/2016
المشاركات
717
مستوى التفاعل
21
النقاط
18
الإقامة
مصر
س: هل هناك صلة بين مسألة حركة الأرض والآية 88 من سورة النمل "وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب" ؟
ج: لا!! والتفصيل فيما يلي..

هناك حركة فكرية انتشرت تسمى "حركة الإعجاز العلمي في القرآن"، يقوم أتباعها بحسن نية بعملية خطيرة ومستمرة، وهي تحريف معاني آيات من القرآن وتوفيقها تعسفيا مع نظريات علمية معينة.
هذه الحركة لها جهد مشكور وآخر مذموم. إذ يصل بها الشطط أحيانا إلى "ليّ" عنق الآيات لتطويعها مع مسائل لم ترد في الآية أصلا!
ومثالنا هنا هو صلة آية "مرور الجبال" بمسألة دوران الأرض.

فللأسف انتشر بين الناس اليوم أن معناها مرتبط بمسألة دنيوية، في حين أن سياقها يربطها صراحة بحدث مستقبلي، أخروي، وهو "تسيير الجبال" يوم القيامة، بعد أن كانت ثابتة راسخة في الدنيا.

سبب تحريك الله يومها للجبال هو إظهار قدرته، وأيضا لتكون هذه الحادثة الخارقة علامة على فناء الدنيا وبداية حياة أخروية جديدة مختلفة في الشكل والهدف، وليرى الواقفون في يوم القيامة أن الثوابت التي كانت راسخة لا تتزعزع ولا تتحرك قد تحركت وتم نسفها.
وتحريك الجبال لم ترد الإشارة إليه في آية 88 من سورة النمل فقط، بل النص القرآني يركز على هذه المسألة ويكررها في عدة مواضع.. فالقرآن يفسر بعضه بعضا.

وفي تفسير القرطبي للآية جمع لما ورد في القرآن عن مراحل تدمير ونسف الجبال يوم القيامة.. فالجبال سيتم دكها، وستصير كالعهن المنفوش بعد أن كانت متماسكة،وستكون كالهباء، وسيتم نسفها، وسيتحول ترابها وغبارها المتبقي ليصير كالسحاب، إلخ..
فالسحب مظهرها الخارجي يوحي بضخامتها وأنها كالجبال، لكنها في الحقيقة ذرات بخار ماء خفيفة، وتشبه القطن وأجزاءه المقطعة.

ويقول ابن كثير في تفسير الآية:
"تراها كأنها ثابتة باقية على ما كانت عليه، وهي تمر مر السحاب، أي: تزول عن أماكنها، كما قال تعالى: (يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا) الطور 9، 10 ، وقال (ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا) طه: 105، 107، وقال تعالى: (ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة) الكهف: 47 "

ومما يؤكد أن الآية 88 تحكي حدثا من أحداث يوم القيامة، أنها في سياق يتحدث عن "يوم الفزع". فالآية التي تسبقها هي:
وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ۚ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ
والآية التي تليها هي:
مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ

فأحداث دك الجبال وتحريك ذراتها كالسحاب هي من المشاهد المهولة ولا شك، لكن الله سيحفظ عباده الصالحين من فزع وأهوال ذلك اليوم.
-----

مرور الجبال وحركتها وسيرها وما سيحدث لها مذكور - كما قلنا - في آيات أخرى أيضا، ومنها:

وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً - الكهف 47
وواضح طبعا أن تسيير الجبال ليس في الحياة الدنيا بل يوم القيامة

إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ * يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً * وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً - الطور 10

إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ - التكوير 3

يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً * وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً * وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً - النبأ 20

إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثّاً - الواقعة 5

يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ - المعارج 9

وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ * يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ - القارعة 5

يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَهِيلاً - المزمل 14

فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ - المرسلات 10

فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ - الحاقة 14

وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً * فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً * لَا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلَا أَمْتاً - طه 105
-----

وهناك موقف آخر يوم القيامة سيرى الناس فيه شيئا على غير حقيقته، من هول الموقف:
«وترى الناس سكارى وما هم بسكارى»
يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ - الحج 2
فهي شبيهة بآية «وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب»
-----

وكلمة الجبال مرتبطة بالسحاب في مواضع أخرى من القرآن غير آية سورة النمل:

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ - النور 43
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ - فاطر 27
-----

والقرآن يشير في عدة مواضع إلى أن الجبال - في الحياة الدنيا حاليا - ثابتة، لا تمر ولا تسير.. بل هي كالوتد الثابت الذي يتم دقه في الأرض لتثبيت حبال الخيمة الموضوعة فوق الأرض.

أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً * وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً - النبأ 7
وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا - النازعات 32
أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ - الغاشية 19


والجبال مضرب المثل في الثبات وعدم الحركة..
انظر مثلا آية الرعد 31:
وَلَوْ أَنَّ قُرْآَناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً

وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ - إبراهيم 46

والجبال رواسي راسية:

وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً - الرعد 3
وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ - الحجر 19
وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ - النحل 15
وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ - الأنبياء 31
أَمْ مَنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ - النمل 61
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ - لقمان 10
وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا - فصلت 10
وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ - ق 7
وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتاً - المرسلات 27
-----

فكيف بعد كل هذا يحاول أتباع الإعجاز العلمي تغيير معنى آية "مرور الجبال" في عقول المسلمين وتحريف معناها وقطعها عن سياقها؟!

فمعنى الآية الواضح هو كما يقول تفسير الجلالين:
"وَتَرَى ٱلْجِبَالَ" أي تبصرها وقت النفخة
"تَحْسَبُهَا" أي تظنها
"جَامِدَةً" واقفة مكانها لعظمها
"وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ" المطر إذا ضربته الريح. أي تسير سيره، حتى تقع على الأرض فتستوي بها مبسوسة، ثم تصير "كَالعِهْنِ" ثم تصير "هبآءً مَّنثُوراً"

ويقول تفسير الرازي: "اعلم أن هذا هو العلامة الثالثة لقيام القيامة وهي تسيير الجبال"
وقال الشنقيطي في تفسير "أضواء البيان" والألوسي في تفسير "روح المعاني" نفس الشيء بإسهاب وتوضيح.


قال الشنقيطي "قوله تعالى: وترى الجبال معطوف على قوله: ففزع، وذلك المعطوف عليه مرتب بالفاء على قوله تعالى: ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات
أي: ويوم ينفخ في الصور، فيفزع من في السماوات وترى الجبال، فدلت هذه القرينة القرآنية الواضحة على أن مر الجبال مر السحاب كائن يوم ينفخ في الصور، لا الآن"

وقال: "جميع الآيات التي فيها حركة الجبال كلها في يوم القيامة"
-----
والجبال وقتها ستكون منفصلة عن الأرض كما أن السحاب بعيد عن سطح الأرض. وستسير الجبال في مجموعات مجتمعة مقتربة من بعضها كما يفعل السحاب. وستكون مكونة من مجموعة من الجزيئات الصغيرة الترابية كما يتكون السحاب من جزيئات مائية. وسيراها الناس تنتقل من مكانها كما نرى السحاب يتحرك من مكانه مبتعدا عنا، إلى آخر التشابهات.


الهوامش بهذا الرابط:
سلامة المصري - Salama: من تخاريف وتحاريف أتباع الإعجاز العلمي - مرور الجبال وحركة الأرض
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين..أما بعد...الاستاذ الفاضل محمد جزاكم الله تعالى خيرا...
أخي الكريم...أرى والله تعالى أعلم ان من الأفضل ان نترك الكلمات(تخاريف وتحاريف وغيرها)...فبدلا منها نقول..أخطاء وكل ابن آدم خطاء...والله تعالى أعلم.
 
كلام من تسميهم إعجازيين قد يكون كلاما وجيها ومعقولا, هذه بعض الأدلة من عندي لا أدري إن كان قد استدل بها الإعجازيون أم لا:
1 لا تخاطب أحدا بقولك مثلا : وترى القطار تحسبه جامدا وهو يسير بسرعة 200 كلم في الساعة إلا إذا كان هذا الشخص فعلا يرى قطارا يحسبه جامدا لا يتحرك وهو في الحقيقة لا يسير بسرعة 200 كلم في الساعة.
يستحيل أن يرى المشاهد الشيء المتحرك ثابتا في مكانه حتى لو كان هذا الشيء ثعبانا يمشي على بطنه ببطء، فما مابالك لو كان قطارا!!
إذا لا يمكن أن يرى المشاهد قطارا يسير بسرعة ويحسبه جامدا لا يتحرك إلا في حالة واحدة وهي أن يكون راكبا قطارا آخر على سكة موازية له يسير بنفس سرعته، وأن يكون هذا القطار الذي يتواجد به المشاهد على مستوى عال من الإتقان في صناعته هو والسكة التي يسير عليها، بحيث لا يشعر الراكب فيه بأي اهتزاز ولا أي حس أثناء سيره، وأن تكون نوافذه مغطاة بستائر إلا نوافذ الجهة التي يسير عليها القطار الموازي، في هذه الحالة لن يشعر أن قطاره يسير به ولا القطار الموازي له.
لو كانت الآية تتكلم عن تسيير الجبال يوم تقوم الساعة فإن المشاهد لها سيراها تسير ، جبل ضخم يسير ولا يراه الناظر إليه يسير !! هذا غير معقول . نملة إذا مشت سيراها من ينظر إليها تمشي فكيف بجبل!!
2 قوله تعالى عن الجبال (وهي تمر ) ، لم يقل (وهي تسير)، الفرق بين فعل سار وفعل مر هو أن فعل (مر) إذا استعمل فعلا مضارعا فهو يفيد الاستمرار، فالمرور من الاستمرار. فالأرض بجبالها مستمرة في الدوران منذ أن خلقها الله.
3 آية مرورالجبال هذه لو كانت ستحدث يوم تقوم الساعة لما كانت آية من سورة النمل، لأن آيات سورة النمل قال الله عنها (وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) ، أي أن تأويل آيات سورة النمل سيعرف في المستقبل وليس في زمن التنزيل، هذا يعني أن قدماء المفسرين لو كانوا قد عرفوا تأويل آية مرور الجبال لما قال الله عنه (سيريكم...فتعرفونها) ، أيعدهم بمعرفة شيء يعرفونه!!
وأما ورود آية الجبال بعد آية تتحدث عن يوم القيامة فليس ذلك دليلا على أن مرور الجبال سيكون يوم القيامة، فقد أتى بآية تتكلم عن الدنيا وعطف عليها آية تتعلق بالآخرة، ثم أتى بآيتين تعود أولاهما على الآية التي تتكلم عن الدنيا ، وتعود الثانية على الآية التي تتعلق بالآخرة.
الآية الكونية المتعلقة بالحياة الدنياهي :

  1. أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
    عطف عليها آية
    تتعلق بالآخرة وهي :
    وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ
    ثم أتى بآية تعود على الآية الكونية السابقة، فهي تبين كيفية تعاقب الليل والنهار لنحصل على ليل نسكن فيه وعلى نهار مبصر، هل يتم ذلك بالشمس التي تدور حول الأرض ؟ (وهو ما كان يعتقده الناس منذ القدم بمن فيهم أسلافنا الذين عاصروا التنزيل) أم بكيفية أخرى لم يكن يعرفها الناس في الماضي ولا في عهد التنزيل وسيعرفونها في المستقبل؟
    الجواب هو أن الأرض بجبالها هي التي تدور حول نفسها باستمرار وليست الشمس هي التي تدور ، وذلك في :
    وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ.
    ثم أتى بآية تتعلق بالآخرة لتكمل معنى الآية السابقة التي تتكلم عن الآخرة.
    إذن فالآية 86 عن الدنيا والآية 87 عن الآخرة، تلتهما الآية 88 مكملة للمعنى للآية 86، والآية 89 مكملة للمعنى للآية 87.

 
اشترطت فرقة الإعجازيين على نفسها - إعلاميا وفي المؤتمرات - ألا يخالفوا قول السلف في معنى الآيات بل "يضيفون إليه".. اشتراط نظري فقط "لـ فض المجالس وذر الرماد في العيون" كما يقال، أما عمليا فهو وراء ظهورهم!
فعارضوا إجماع السلف والمفسرين طوال مئات السنين بخصوص هذه الآية وأنها في الآخرة، ليوافق معناها رأيهم المحْدث.
فصارت الآية منفردة عن جميع آيات الجبال في القرآن، وعن سياق يوم الفزع المذكور قبلها وبعدها! وهذا هو "ليّ عنق الآيات" في أوضح صوره.. وقارب أسلوب المعتزلة والأشاعرة "العقلي والانتقائي" في حوارهم مع الفلاسفة وأتباع اليونانيين.

يقول ابن كثير، في تفسير النبأ 20:
(( "وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً" كقوله تعالى: {وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ}
وكقوله تعالى: "وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَالْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ"، وقال ههنا "فَكَانَتْ سَرَاباً" أي: يخيل إلى الناظر أنها شيء، وليست بشيء، وبعد هذا تذهب بالكلية، فلا عين ولا أثر. ))
وهذه الآية مرتبطة بآية "مرور الجبال" أشد ارتباط، بل تكاد تكون مطابقة لها في وصف الحدث!
ففيها ذكر تحريك الجبال، كما في آية النمل
وفيها ذكر حدث من أحداث يوم القيامة
وفيها ذكر مسألة أن الناظر سيرى شيئا فيظنه شيئا آخر، كظاهرة السراب في الصحراء، تماما كما سيرى الناس يوم نفخة الفزع الجبال فيحسبونها جامدة مع أنها ستكون في الحقيقة متحركة!
------

أما بخصوص رؤية سير الجبال وعدم الانتباه إليه فهو كرؤية سير الشمس والقمر والنجوم الآن.. نعلم عقلا ورصدا أنها تقطع الفلك لكن إن نظرت إليها في لحظة ما لما لاحظت حركتها لأول وهلة.
القرطبي:
قال القتبي: وذلك أن الجبال تجمع وتسير، فهي في رؤية العين كالقائمة وهي تسير.. وكذلك كل شي عظيم وجمع كثير يقصر عنه النظر، لكثرته وبعد ما بين أطرافه، وهو في حسبان الناظر كالواقف وهو يسير. قال النابغة في وصف جيش:
بأرعن مثل الطود تحسب أنهم وقوف لحاج والركاب تهملج
قال القشيري: وهذا يوم القيامة.
 
مزيد من التحقيق في آيات سورة النمل يؤدي إلى عدم ضرورة أن تكون آية الجبال (88) من أحداث الآخرة، بل إلى ترجيح أن تكون من آيات الدنيا، وذلك كالآتي:

[قال تعالى "وَيَوْمَ نَحْشُرُ .. (83) حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ .. (84) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ (85)أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86) وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّـه وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87) وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّـه الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89) وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ .. (90)"]

فلو قال قائل أن الآيات باللون الأسود تتعلق بالآخرة، وأن الآيات باللون الأحمر تتعلق بالدنيا، لما كان هناك إشكال. ... فالتناوب بين الدنيا والآخرة ليس بدعاً من القول.

بل، ربما يكون هناك إشكال لو كانت الآية (88) من آيات الآخرة، لأنه عندئذ ستكون الآية (86) بانفرادها هي المتعلقة بالدنيا، في جملة من الآيات المتعلقة بالآخرة، ...

هذا التحليل أوردته في معالجتي لأقوال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في عدد من المسائل الطبيعية، وذلك على الرابط الآتي:
ومع ترجيحي أن آية الجبال (النمل:88) تتعلق بالدنيا، إلا أني لا أؤيد أنها تشير إلى دوران الآرض، بل أراها تشير إلى ظاهرة أخرى هي حركة أغلفة القشرة الأرضية المتكسرة في صورة (قطع أرضية)، كما في قول الله تعالى "وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ"(الرعد:4)، وهذه القطع تنزاح من أماكنها وتتصادم أو تتباعد، وهو عندي سلوك شديد الشبه بحركة السحاب.(ومثال لذلك أن الجزيرة العربية تنزاح جهة الشمال الشرقي بسرعة قدرها 2.6 سم في كل عام).

هذا والله تعالى أعلم

 
الآية 86 أيضا هي جزء من سياق الآيات الخاص بتنبيههم لحقيقة البعث بعد الموت، كما أن الليل موتة صغرى ويأتي بعده نهار.. فهو إشارة كما قال الطبري:
كي "...يعلموا أن مصرِّف ذلك كذلك هو الإله الذي لا يعجزه شيء, ولا يتعذر عليه إماتة الأحياء, وإحياء الأموات بعد الممات, كما لم يتعذر عليه الذهاب بالنهار والمجيء بالليل, والمجيء بالنهار والذهاب بالليل...
يقول تعالى ذكره: إن في تصييرنا الليل سكنا, والنهار مبصرا لدلالة لقوم يؤمنون بالله على قدرته على ما آمنوا به من البعث بعد الموت"

فهي مناسبة لسياق السورة والآيات عن الآخرة والبعث، وليست مقطوعة عن السياق!
 
ولم لا ننظر إلى الآية (88) بنفس النظرة التي سقتها للآية (86)، فكلاهما من آيات الدنيا، الدالة على قدرة الله تعالى على إحداث وقائع الآخرة. فالقادر على تسيير الجبال واليابسة من تحتها في الدنيا (1-10 سم/عام) في اتجاهات شتى كما السحاب - وهو الأمر الذي تحقق منه الإنسان وما يزال بالرصد الدائم بمحطات الرصد المنتشرة على اليابسة وفي جوف البحار والمحيطات - قادر على تسييرها في الآخرة، فيستوثق المتشكك عندئذ من صدق الله تعالى حين يخبر عن أحداث الآخرة، والتي منه قوله تعالى "وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ"(الكهف:47)ـ وقوله تعالى "وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا"(الطور:10). ويُلاحظ هنا سرعة السير الصريحة في الآخرة، والمختلفة عن البُطء المُتضمن في (مر السحاب) والذي لا تلاحظه العين إلا مع التركيز الشديد، وربما لا تلاحظه.
 
لأن السياق عن البعث والقدرة على إقامة الأموات بعد إماتتهم، وليس عن بحوث جيولوجية تكتونية تخفى دلالتها المزعومة عمن سمعوا الآية وقت نزولها!
ولأن كل آيات الجبال هي إما عن ثباتها في الدنيا أو عن حركتها في الآخرة. بل وهي مضرب المثل في الثبات والرسوخ في الدنيا، كما في قصة تجلي الله للجبل وكما في آية: لو أن قرآنا سيرت به الجبال.

وأتشوق لمعرفة وسماع ما سيخترعه فريق الإعجازيين الآن عن آية مرور الجبال بحيث يجعلوها كآية النهار والليل مشيرة لحقيقة البعث بعد الموت! فقدراتهم الإبداعية ومخيلتهم تكاد تنافس الروائيين.
[خاصة عندما جعل أحدهم دحو سطح الأرض (المأخوذ من تسوية النعامة لعشها برجلها لوضع البيض) إشارة على بيضاوية الكرة الأرضية!.. فحرف الاستواء إلى تكوير ليوافق هواه. مع أن كروية الأرض حقيقة ولا تحتاج للتعسف في إخراجها من القرآن.]
 
لا نقول الا حسبنا الله و نعم الوكيل فقد بهتنا بما لم نكسب فلم نحرف او انخرف
اسال الله القصاص منك في الدنيا والاخره
 
لا نقول الا حسبنا الله و نعم الوكيل فقد بهتنا بما لم نكسب فلم نحرف او انخرف. اسال الله القصاص منك في الدنيا والاخره
بخصوص التحريف، فقد قرأت للعثيمين هنا قوله:
http://vb.tafsir.net/tafsir2375/#post19392
ومن فسرها بأن ذلك في الدنيا وأنه دليل على أن الأرض تدور فقد حرَّف الكَلم عن مواضعه، وقال على الله ما لا يعلم
 
اشترطت فرقة الإعجازيين على نفسها - إعلاميا وفي المؤتمرات - ألا يخالفوا قول السلف في معنى الآيات بل "يضيفون إليه".. اشتراط نظري فقط "لـ فض المجالس وذر الرماد في العيون" كما يقال، أما عمليا فهو وراء ظهورهم!
فعارضوا إجماع السلف والمفسرين طوال مئات السنين بخصوص هذه الآية وأنها في الآخرة، ليوافق معناها رأيهم المحْدث.
فصارت الآية منفردة عن جميع آيات الجبال في القرآن، وعن سياق يوم الفزع المذكور قبلها وبعدها! وهذا هو "ليّ عنق الآيات" في أوضح صوره.. وقارب أسلوب المعتزلة والأشاعرة "العقلي والانتقائي" في حوارهم مع الفلاسفة وأتباع اليونانيين.

يقول ابن كثير، في تفسير النبأ 20:
(( "وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً" كقوله تعالى: {وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ}
وكقوله تعالى: "وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَالْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ"، وقال ههنا "فَكَانَتْ سَرَاباً" أي: يخيل إلى الناظر أنها شيء، وليست بشيء، وبعد هذا تذهب بالكلية، فلا عين ولا أثر. ))
وهذه الآية مرتبطة بآية "مرور الجبال" أشد ارتباط، بل تكاد تكون مطابقة لها في وصف الحدث!
ففيها ذكر تحريك الجبال، كما في آية النمل
وفيها ذكر حدث من أحداث يوم القيامة
وفيها ذكر مسألة أن الناظر سيرى شيئا فيظنه شيئا آخر، كظاهرة السراب في الصحراء، تماما كما سيرى الناس يوم نفخة الفزع الجبال فيحسبونها جامدة مع أنها ستكون في الحقيقة متحركة!
------

أما بخصوص رؤية سير الجبال وعدم الانتباه إليه فهو كرؤية سير الشمس والقمر والنجوم الآن.. نعلم عقلا ورصدا أنها تقطع الفلك لكن إن نظرت إليها في لحظة ما لما لاحظت حركتها لأول وهلة.
القرطبي:
قال القتبي: وذلك أن الجبال تجمع وتسير، فهي في رؤية العين كالقائمة وهي تسير.. وكذلك كل شي عظيم وجمع كثير يقصر عنه النظر، لكثرته وبعد ما بين أطرافه، وهو في حسبان الناظر كالواقف وهو يسير. قال النابغة في وصف جيش:
بأرعن مثل الطود تحسب أنهم وقوف لحاج والركاب تهملج
قال القشيري: وهذا يوم القيامة.

لا يحق لك أن تتهم مخالفا لك في فهم آية بأنه محرف.
من الآيات ما لم يأت تأويلها واقعا في عهد التنزيل ولا في القرون التي تلته، هي التي قال الله عنها في آخر سورة من سورة النمل (وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون)، فمحاولة تفسير الآيات قبل أوان مجيء تأويلها واقعا لن يكون صائبا سواء كان المفسر هو ابن كثير أو القرطبي أو القشيري أو غيرهم، فالقص واللزق من تفاسيرهم حول هذه الآية بالذات غير مقنع.
وأما ضربك المثل بالشمس وبالقمر وبالنجوم فهو مثل لا يصح لأن المشاهد يدرك عدم ثباتها في مواقعها بعد ساعة أو نصف ساعة من الزمن، أما الجبال فستراها جامدة في أماكنها الدهر كله، فالله تعالى يحدث العاقل بما يعقل، إذا قال عن المشاهد للجبال بأنها تمر مر السحاب وهو يراها جامدة فها هي الجبال أمامنا نراها جامدة، إن كانت عن يوم تقوم الساعة فلن يراها المشاهد جامدة لأنها سيرت، فالجبال التي نراها جامدة يضرب لها المثل بمن وضع في مركبة مغلقة تسير بسرعة عالية وهو لا يدري أنها تسير، فمن الطبيعي أن يحسب رفيقه الذي بداخل المركبة جامدا لا يتحرك بينما في الحقيقة أن المركبة بكل من فيها تتحرك بسرعة لا يشعر بها.
 
حول قولك:
كل آيات الجبال هي إما عن ثباتها في الدنيا أو عن حركتها في الآخرة.

أراك تفتي فيه بثبات الجبال ثباتاً مطلقاً استناداً إلى نصوص القرآن. وهذا عينه تفسير علمي يمكن صياغته بأن ننسب إليك قولاً علمياً بناءاً على (فهمك) لآيات القرآن، هذا القول هو:

[الجبال في الدنيا ثابتة ثباتاً مطلقاً]

فإن وافقت على نسبة هذا الكلام إليك، فأنت تفسر القرآن علمياً. ولأنك تسند كلامك إلى آيات القرآن وتزعم اليقين في ما جئت به من معنى (على ما أفهمه من كلامك) فهو تفسير علمي يقيني؛ أي "إعجاز علمي" إذا ثبت للناس صدقك. فإن أيد العلم كلامك فأنت "إعجازي" من الذين أردت النيل من مشروعهم، وإن عارضه فأنت ممن سميتهم (مخرفين/محرفين) بحسب وصفك أيضاً للمخطئين منهم.

وإن نكصت عن الموافقة، فأنت لست متيقناً من ثبات الجبال، وتتهاوى حجتك في أن الجبال ثابتة في الدنيا، وتصبح حجتك السابقة جوفاء.
___​

أما عن سياق الآيات وأنه ليس (عن بحوث جيولوجية تكتونية) في تهوينك فرضية أن تتكلم الآية (88) عن جبال الدنيا، فيمكن بنفس الحجة - إذا شئت - أن أقولك لك أن سياق الآيات ليس عن (جغرافية الأرض ووضعها الفلكي بالنسبة للشمس) فيما يخص الآية (86). .. ولأن هذه الحجة فاسدة ظاهرياً في الثانية، فكذلك هي فاسدة ظاهرياً في الأولى. وسبب فسادهما الظاهري هو تعمد الإتيان باصطلاحات مستحدثة، تنفر منها النفس التراثية في تفسير القرآن، وتشوه الوصف بـ (سياقات علمية بحته) ليست مستهدفة استهدافاً صريحة بلا ريب، ... وإذا ذهبنا نصف كلا الحالتين بتوصيف مختلف نقول فيه بإبداع القدرة الإلهية، وأن الخالق عز وجل يقيم علينا حجج ما لا نعلم (الآخرة) بما نعلم (الدنيا)، فعندها تستقيم كلا الآيتين - باعتبارهما من آيات الدنيا - مع سياق الآيات. وإذا كان المخاطبون لا يعلمون بأن الجبال غير ثابتة (وهو ما يقرره القرآن في قول الله تعالى "تَحْسَبُها جَامِدَة") - وليس لأحد أن يستنكر عندئذ "عدم علم المخاطبين"، ويزعم ضرورة علمهم بما يخاطبون به، لأن إقرار الله تعالى لهم بخلاف حسبانهم دليل على واقعيته؛ أي: دليل على حركة الجبال. هذا بالطبع بافتراض صحة أنها جبال الدنيا.
 
أبا علي، هذا قول من لا يثق في قدرة السلف والمفسرين القدماء على فهم اللغة العربية، وأن الكفار سامعي الآية وقت نزولها (المخاطَبين بالإسلام وبسياقها الخاص بالبعث والقيامة!) والصحابة والتابعين وقرونا عدة تلتهم غفلوا عن معنى النص تمام الغفلة، وأخطأت كل احتمالات تفسيرهم له.. وهذا لا أظنك تقول به. وما لن أقول به أنا إن قلتَ به أنت.

د/ عز، لستُ من الإعجازيين، ولا أقول أن ذكر ثبات الجبال أو جريان الأنهار أو معرفة وجود أزواج الأنعام أو رؤية منازل القمر هي معجزات أعجز الله بها المخاطَبين!!
بل هي مشاهدات يعرفها العرب والعجم، المسلم والمشرك..
ولا حاجة للحيل اللفظية أو المنطقية لأنها لا تصل بالحوار إلا لنوع غير محمود من الجدال، يقدر عليه كل أحد!
فقد تابعت بدقة حوارك مع صاحب (آلة الموحدين) أبي الفداء بن مسعود وكيف انحرف النقاش في النهاية بسبب "الإغراق السوفسطائي"!
وأقترح عليك جمع آرائك المستحدثة التي نشرتها على مر السنين (كتأويلك حديث: نفسي النار بأنه عن الشمس!) لترى بنفسك في النهاية أن منهجها هو نفس منهج جماعة الإعجازيين الذين تظن أنك تتصدى لهم!
فكما قال نيتشه: إن حدقت في الهاوية طويلا فستحدق الهاوية فيك.

فالأفضل الاقتصار على موضوع الموضوع، دون استغراق في "نوايا ألفاظي" ولا حرفها عن مقصودها الواضح!
 
1- من تستعصي عليه المناظرة يلجأ إلى التشخيص ... وأراك قد وقعت فيه.

2- الجبال في الدنيا (مثل جبل أحد .. وغيره) تتحرك بسرعة تتراوح بين (1سم/سنة) إلى (10 سم/ سنة)، ويتحرك جبل أحد على التخصيص مع يابسة الجزيرة العربية بسرعة 2.6 سم/سنة . وزعمك بأن الجبال ثابتة ثبوتاً مطلقاً يخالف الرصد الجاري حالياً الذي لا يختلف عليه أي من علماء العالم من واقع القياسات الأرضية، ولا تختلف في قراءاتها عن ترمومتر الحرارة التي تعرف بها درجة حرارة جسمك، والميزان الذي تقيس عليه وزنك، وعداد سرعة السيارة الذي توالي النظر عليها في سياقتك لسيارتك .. وكل هذا مُصدّق عندك ... إلخ - ولا أقول أن رصد ذلك يحدث فقط من الغرب - بل أقول أن من مراصد حركة اليابسة في ذلك ما هو موجود في السعودية، ... وسل عنها خبراء أرامكو من بني جلدتنا عرباً مسلمين. ... أي أن قولك في ثبات الجبال قولٌ خلاف الحقيقة ... أي أن كلامك في تفسير القرآن (سواء سميته إعجازاً أو تفسيراً أو تأويلاً أو ما شئت) يطابق قول المخطئين من الإعجازيين (لأن كل مؤمن بالقرآن يتحدى العالم أجمع - ولو في قرارة نفسه - في أن يُخَطِّئ القرآن، أي أن المؤمن يُعاجز العالم أجمع في أن يأتي أحدٌ غير الله تعالى بمثل القرآن في الصدق، وإلا كان إيمانه بلا معنى). وقد سميتهم أنت بنفسك بما أتحرج من تكراره... ويكفيني أن أقول أنك تتكلم في القرآن عن مسائل لا تعلم عنها ما يكفي. ... ويمكنك أن تستكمل ما يجب أن أنهي به هذه العبارة مصداقاً لقول الله تعالى "بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ، وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ".
 
ليس هذا قول الإعجازيين في الآية، بل قولهم فلكي لا جيولوجي.
والحق أنها كما فهمها العرب عندما سمعوها. الأمة الأمية ذات اللسان العربي السليم، التي سمعت النص المتلو باللسان العربي المبين، غير المحتاج لكوبرنيكوس أو جيولوجيست جاء يعلمهم دينهم!

أما بخصوص الجبال فهي ثابتة، كما يُفهم الثبات لغويا، بمعنى أن جبل المقطم وهضبته لم تكن بالسودان قبل أن تصبح بمصر الآن.
ولا علاقة البتة بين زحزحة الصفائح القارية وبين موضوع الآية.
وهذا هو عين الاستغراق السوفسطائي الذي توقعته :)
 
عودة
أعلى