بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليما
يقول الله تعالى مخاطبا ابليس وقد امتنع عن السجود: ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك.
قال بعض أهل التفسير أن في الآية إشكالا، في مجيء لا النافية بعد قوله : ما منعك. لأن المناسب في ظاهر فهمهم أن القول مع ما منعك يكون بحسب ما يسبق في ذهن السامع وهو الاثبات لا النفي، بأن تكون: ما منعك أن تسجد، لا : ما منعك ألا تسجد.
قال ابن جريرأن في القول كلام محذوف تقديره: ما منعك من السجود فأحوجك ألا تسجد إذ أمرتك، قال ابن كثير: إنه حسن قوي.
والأصل أن لا إشكال في ذلك، لأمور:
الأول: أن قوله تعالى: ما منعك، يفهم منه السؤال عن أحد الدافعين في عدم الإمتثال، الدافع النفسي الذاتي والدافع الخارجي. وعلى الأول، يكون معنى ما منعك: لماذا امتنعت ؟ وعلى الثاني يكون معناها: ما الذي منعك؟ ولا ريب أن السؤالين مختلفين، ومن ثم اختلف القصد منهما. لإنه إن كان السؤال عن الدافع الخارجي، كان القول فيه : أن تسجد، لأن الدافع الخارجي قد حال بينه وبين ذلك الفعل المأمور به وهو السجود لا عدم السجود، كما هو قوله تعالى: ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي. وإن كان السؤال عن الدافع النفسي كان أولى أن يكون القول فيه : ألا تسجد، لأن الدافع النفسي قد حقق الفعل الذي هو ضد الأمر الذي هو السجود فلم يسجد، كما في قوله: قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك.
الثاني: أن قوله تعالى: ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك، متعلقه الأمر، فليس له إلا الانصياع. فلما كان منه المعصية ذكره بها لتكون عليه حجة.
وليس ذلك في قوله تعالى: ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي. فإنه جاز له هنا أن يذكر أعذارا: كأن يقول : نسيت أمرك لنا بالسجود له حين خلقه. أو أن يقول : إنما فعلت ذلك إجلالا لك فإني استعظمت أن أسجد لغيرك. أو أن يقول: رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي.
فستر الله عليه فعله وهو عدم السجود فذكر أمره له ولم يذكر فعله الذي هو عدم السجود.
ولا يعدم أحد أن يتذكر كيف أن الله تعالى يأمر الملكين أن لا يكتبا الذنب لعل ابن آدم يستغفر فيغفر له.
والله تعالى أعلم
يغفر الله لي ولكم
د. عمارة سعد شندول
(السنة الثانية من الماستر في العلوم الإسلامية)
وصلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليما
يقول الله تعالى مخاطبا ابليس وقد امتنع عن السجود: ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك.
قال بعض أهل التفسير أن في الآية إشكالا، في مجيء لا النافية بعد قوله : ما منعك. لأن المناسب في ظاهر فهمهم أن القول مع ما منعك يكون بحسب ما يسبق في ذهن السامع وهو الاثبات لا النفي، بأن تكون: ما منعك أن تسجد، لا : ما منعك ألا تسجد.
قال ابن جريرأن في القول كلام محذوف تقديره: ما منعك من السجود فأحوجك ألا تسجد إذ أمرتك، قال ابن كثير: إنه حسن قوي.
والأصل أن لا إشكال في ذلك، لأمور:
الأول: أن قوله تعالى: ما منعك، يفهم منه السؤال عن أحد الدافعين في عدم الإمتثال، الدافع النفسي الذاتي والدافع الخارجي. وعلى الأول، يكون معنى ما منعك: لماذا امتنعت ؟ وعلى الثاني يكون معناها: ما الذي منعك؟ ولا ريب أن السؤالين مختلفين، ومن ثم اختلف القصد منهما. لإنه إن كان السؤال عن الدافع الخارجي، كان القول فيه : أن تسجد، لأن الدافع الخارجي قد حال بينه وبين ذلك الفعل المأمور به وهو السجود لا عدم السجود، كما هو قوله تعالى: ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي. وإن كان السؤال عن الدافع النفسي كان أولى أن يكون القول فيه : ألا تسجد، لأن الدافع النفسي قد حقق الفعل الذي هو ضد الأمر الذي هو السجود فلم يسجد، كما في قوله: قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك.
الثاني: أن قوله تعالى: ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك، متعلقه الأمر، فليس له إلا الانصياع. فلما كان منه المعصية ذكره بها لتكون عليه حجة.
وليس ذلك في قوله تعالى: ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي. فإنه جاز له هنا أن يذكر أعذارا: كأن يقول : نسيت أمرك لنا بالسجود له حين خلقه. أو أن يقول : إنما فعلت ذلك إجلالا لك فإني استعظمت أن أسجد لغيرك. أو أن يقول: رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي.
فستر الله عليه فعله وهو عدم السجود فذكر أمره له ولم يذكر فعله الذي هو عدم السجود.
ولا يعدم أحد أن يتذكر كيف أن الله تعالى يأمر الملكين أن لا يكتبا الذنب لعل ابن آدم يستغفر فيغفر له.
والله تعالى أعلم
يغفر الله لي ولكم
د. عمارة سعد شندول
(السنة الثانية من الماستر في العلوم الإسلامية)